حوار الحضارات.. مفهوم الحضارة.. مفهوم الحوار.. بعض المقاربة
حوار الحضارات.. مفهوم الحضارة.. مفهوم الحوار.. بعض المقاربة
الأربعاء 29-7-2009م
يوسف مصطفى
مفهوم الحضارة كمصطلح رغم شيوعه وكثرة استعماله، هو مفهوم فضائي مفتوح، ليس له تعريف جامع مانع شأنه شأن تعريف (الثقافة).. هناك مقاربات تعريفية تتابع حدود الدلالة الحضارية في النشأة،
والسياق التاريخي، والسمات العامة فيقال: الحضارة (اليونانية).. النحت، والمسرح، والرياضة، والفلسفة لدى الأعلام الكبار أفلاطون، سقراط، أرسطو وما قدموه من إثراء فلسفي للفكر الإنساني.
الحضارة العربية الإسلامية (القرن الرابع الهجري) المركز بغداد: وكانت في الطب، والهندسة، والكيمياء، والهندي، والفارسي، وتمازجه مع الثقافة العربية وما عرف بالحضارة الهلنستية وامتزاجها العربي.
يعرفها مثلاً وليم ديورانت مؤلف كتاب (قصة الحضارة) بأنها (نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة في إنتاجه الثقافي، وتتألف الحضارة من عناصر أربعة، الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون (1).
في قاموسنا العربي مثلاً ذكر (مرتضى الزبيدي) مؤلف قاموس تاج العروس: (إن الحاضرة هي خلاف البادية، والحضارة الإقامة في الحضر، والحاضرة، والحضرة، والحضر هي المدن والقرى والريف سميت ذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار). (2)
الملاحظ أن: مفهوم الزبيدي هنا ركز على فكرة المكان: البادية، والمدينة، الترحال والاستقرار والمقاربة جاءت بدلالة الاستقرار للمكاني والزماني ودوره في نشوء الحضارات قرب الأنهار، ومصادر المياه والكلأ.
الشائع والمتداول حول (مفهوم الحضارة) هو: إن الحضارة كانت تعبيراً عن إسهام أمة من الأمم في الاكتشاف، والاختراع، والصناعة، والآداب، والفنون، ونظام المؤسسات، والقيم، والمبادئ، وتراكم ذلك عبر الزمن.
وهي كما يعرفها المفكر القومي قسطنطين زريق: (المنظومة الفكرية والسياسية، والأخلاقية التي تربط وتحكم الماضي بالحاضر بتفاعل وتنسيق، وهي هنا تضم: المعرفة، والمعتقدات، والفنون، والآداب، القوانين، والعادات). (3)
يستعمل البعض مصطلح (الحضارة) للإشارة إلى مجتمع متجانس ثقافياً وتاريخياً.
جوهر (الحضارة الإسلامية) يشكل الجانب الروحي أساساً فيه، ارتكزت الحضارة الإسلامية على: التوحيد والنبوة والمساواة والعدل... وهي بعيدة عن التعقيدات الفلسفية والجدل الذي يقود إلى الخلافات.
كان مرتكزها إنسانياً وداعياً إلى الأخوة، والمساواة في الحقوق والواجبات معتمداً على مبادئ التنزيل وتشريعاته في الحياة والمجتمع.
أما مفهوم (الحوار): فمرتكز الحوار بين الحضارات أساسه (العلمي والمعرفي): أن جميع الحضارات، على اختلاف مناطقها وأصولها، ليست كلها متناقضة بل هناك الكثير من القواسم المشتركة، التي تشكل رافعاً إيجابياً في مستوى من التلاقي والحوار.
جميع الحضارات حملت في أصولها قضية الإنسان وحاجاته، وتطلعاته، والبحث عن حال من العيش والسعادة.. إذا كانت حضارة اليوم (حوضاً عالمياً) كبيراً فكل الحضارات أسهمت تراكمياً فيه من (أبجدية أوغاريت) وحضارة الكتابة، والموسيقا والغناء إلى آخر ما قاله مفكر معاصر (كجان بول سارتر وجون ديوي) مثلاً، وغيرهما.
فالإناء الحضاري (إناء تراكمي).. ولم تبن حضارة من فراغ.
يقول د. أحمد داود في كتاباته عن تاريخ سورية القديم (تصحيح وتحرير) إن المعجزة اليونانية لم تولد من فراغ.. إنما أسسها المهاجرون العرب من بلاد الشام إلى بلاد اليونان، وكانوا فنانين، ونحاتين، ومصارعين ومعماريين، ومؤرخين إلخ، ويتابع بتفاصيل وأمثلة منها: إن كلمة تراجيديا اليونانية أصلها تراحي أو تراجي، وهي جلد الجدي الأسود الذي كان يلبسه البابليون والسومريون حزناً على موت إله الطبيعة في الخريف (إله الخصب) عشتار، أو أدونيس فيما بعد، حيث يقيمون مسرحهم وطقسهم بمعنى المفهوم الحزني. والتراجيديا كتمثيل وأدب يشتغل علىالحزن والألم والمعاناة.
كما يقول إن كلمة: كوميديا الفرح وتجلياته أصلها قوموس وهي كلمة سريانية تعني القيامة وهي قيامة إله الخصب في الربيع هذه احتفالية فرحية وأضيفت /اليا/ اللاتينية تراجي/تراجيديا/ قوموس/ كوميديا والبحث في هذه التفاصيل يطول.
أوردت هذين المثالين تأكيداً على أن إناء الحضارة إناء تراكمي وهذه أبحاث تدخل في الأدب المقارن، وقضايا التراث، والتثاقف الحضاري.
في مفهوم الحوار نؤكد المعاني التالية:
الحوار حاجة وقضية إنسانية وعالمية... إذا كان مثلاً بين الغرب والمسلمين كحضارة، وثقافة، وهوية... فيجب أن يعي الآخر الغربي أنه لا يمكن إلغاء هذه الحضارة أياً كان قربها أو بعدها من مشروع الحداثة الغربية بأبعاده الفكرية والاقتصادية وصيرورتها، ويجب أن يكون الخطاب من موقع مختلف يمثل نوعاً من الاعتراف والندية، والنسبية.
إن مختلف أنواع التطرف اليوم ساهم الغرب في نشوئه وتركيبه سواء في أفغانستان أيام الصراع مع السوفييت وحضورهم فيها، فهم الذين شجعوا هذه التيارات ومدوها مع بعض حلفائهم في المنطقة بالمال، والسلاح لينقلب عليها ولتنقلب عليه، ولنرى المجازر الإنسانية الضخمة من وادي سوات إلى تلال الهضبة الأفغانية.
في المقاربة الروحية: الإسلام والمسيحية يحملان قيماً مشتركة عنوانها: المحبة والعدل والسلام والطهارة وتواصل هذه القيم، والاشتغال على مشتركاتها، وذلك عبر الحوار.
الحوار الحضاري هو شكل راق من أشكال التعبير عن الهوية والانتماء والكينونة والوجود، لذلك يجب أن تطور ديناميات الحوار لتنعكس مزيداً من الوعي الإنساني والرفض للنزاعات العرقية والأثنية والحوار هنا يؤسس لعلاقات دولية تقر (بالهوية) للآخر، وكيفية التعاطي معها، ثقافة احترام الشعوب ومكوناتها وتبادليتها.
هنالك مستويات ارتقائية في الحوار:حوار المفكرين، حوار الثقافات، حوار الاقتصاد، حوار التشاركية، الأهم في تقديري تطوير آليات عمل المنظمات الدولية (الأمم المتحدة) وتفرعاتها.. كمؤسسات شرعية عالمية تساهم في حل النزاعات، والبدء يكون بإصلاحها الجذري لتصبح في موقع التوازن بعيداً عن الهيمنة التي فرضتها الحرب العالمية الثانية (اتفاق يالطا)... أو معادلة القوة الأميركية بعدما جرى في الاتحاد السوفييتي السابق.
اليوم... الكثيرون في العالم وهم كبار وعارفون يرون الأمم المتحدة، مؤسسة وظيفية عند أمريكا والغرب الأوروبي، وهي أساسية في حال إصلاحها وتوسطها في حل الكثير من معاناة العالم ورعاية الحوارات وغالب الشعوب ترى عدم عدالتها.
يمتد الحوار ليؤسس لمفهوم تضامني وتعاوني ولحسن جوار وتعايش واحترام للعقائد... ويبدؤه مفكرون ومثقفون ليصبح برامج سياسية لأحزاب ومنظمات ومجتمعات مدنية، وجامعات ومؤسسات ثقافية في فضاء انفتاحي عنوانه الإنسان وقضاياه المصيرية في هذا الكون خصوصاً عندما تشارك المؤسسات الإعلامية العالمية في هذه البرامج عبر إدارة أنظمتها وشعوبها.. لتصويب وتصحيح وبناء المتشكل المستقبلي.
هوامش:
(1) قصة الحضارة /وليم ديورانت/ ترجمة ذكي نجيب محمود ومحمد بدران الجزء الخامس/ القاهرة لجنة التأليف والنشر ص /3/.
(2) قاموس /تاج العروس/ تأليف/ مرتضى الزبيدي/ تعليق عبد القادر فراج صادر الكويت 2001 ص 40-49.
(3) المفكر القومي / قسطنطين زريق/ في معركة الحضارة / ص 129/.
المصدر: http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileName=862483928200907282...