حوار الحضارات أم صراع الثقافات
حوار الحضارات أم صراع الثقافات
د. عطا الله مهاجراني
حيات نو ( الحياة الجديدة ) 11/7/2002
الدكتور عطا الله مهاجران كان وزيرًا للثقافة وقد اضطر للاستقالة من منصبه تحت ضغط من المحافظين، ويشغل الدكتور مهاجراني حاليًا منصب مدير مركز حوار الحضارات برئاسة الجمهورية.
يرى الدكتور مهاجراني أن الدعوة لحوار الحضارات لم تكن جديدة. لكن الجديد هو المصطلحات والمفاهيم التي تطرح من خلالها في الفترة الحالية، كما لا يرى اختلافًا بين حوار الحضارات وحوار الثقافات وحوار الأديان، وهذا نص الحوار.
· ان تساؤلنا الأول يدول حول ما الفترة الزمنية التي يرجع إليها مصطلح حوار الحضارات, وكيف ولماذا بدأ بحث هذا الموضوع وإثارته في العالم المعاصر؟
يرجع مفهوم حوار الحضارات إلى عدة آلاف من السنين منذ أن ظهرت الحضارة والثقافة، فعلى سبيل المثال كانت تعقد ندوات في العصر الهخامنشي في تخت جمشيد ( مكان أثري حاليًا ) وذلك في أوقات الصيف, وقد وجدت البيئة الملائمة لظهور مفهوم حوار الحضارات، وكما تعلمون فإن ابن سينا يعتبر من الشخصيات الداعية إلى حوار الحضارات، وقد استفاد من علوم الهند واليونانيين عند تأليفه لكتابه القانون ( رغم أنه كتاب طبي )، ومن هذا المنطلق يجب القول أن حوار الحضارات يرجع إلى القدم، إلى بداية الحضارة الإنسانية.
ولكن حوار الحضارات طرح في العصر الحديث مفهوم ومصطلحات جديدة، وذلك بعد طرح المفكر الأمريكي صمويل هنتنجتون لنظرية "صراع الحضارات". لذا يعد حوار الحضارات موضوعًا جديدًا بالنسبة للعالم المعاصر، كما أنه موضوع اهتمام دولي.
· لماذا يدعو عالم اليوم إلى حوار الحضارات؟
ذلك لأن إنسان العالم المعاصر في أشد الاحتياج إليه. فالهوية البشرية تتشكل أساسًا بالحوار، والحوار يتطلب وجود الآخر ولا يتشكل عن طريق المونولوج ( الحوار داخل النفس البشرية )، ويعني ذلك أن تصور الإنسان معزولاً في جو من الأجواء عن كافة الاتصالات يعد مشكلة كبيرة؛ لأن ذلك يعرضه للخطر والهلاك فالإنسان اجتماعي بطبعه ولا يمكنه إلا أن يكون كذلك. ويجب أن نأخذ في اعتبارنا أن الفكر يولد من خلال العلاقة بين الأفراد والمعاملات التي تتم بين البشر فيقول ديكارت : "أنا أفكر إذن أنا موجود" وأنا يمكنني القول: "أنا أتحاور إذن أنا موجود" ويدرك الإنسان نفسه عن طريق الحوار، كما يتعرف على هويته.
· هناك اختلاف في وجهات النظر بين المنظرين والمفكرين بخصوص استخدام مصطلح حوار الحضارات أو الثقافات, ويعتقد البعض أن الحوار في العادة يقوم بين الثقافات وليس بين الحضارت؛ لأن الحضارة هي الجزء المادي للثقافة، فما رأيكم؟
إن حوار الثقافات غاية في الأهمية وكلاسيكي ومتداول في نفس الوقت، وفيه نقوم بتقسيم الثقافة إلى قسمين: قسم مادي، وآخر غير مادي وهناك تقارب بين القسمين, ولإيضاح معنى ذلك يمكن الإشارة إلى نموذج " إنشاء مدينة" فيعد فصل الجزء المادي عن غير المادي أمرًا صعبًا وخطأ في ذات الوقت؛ لأن المعمار ( العمارة ) تشتمل على مظهر حضاري وكذلك مظهر ثقافي، وبهذا المعنى يعد إنشاء مدينة علامة ومظهرًا حضاريًا ولكن كيفية إنشاء المدينة تعد بلا شك مظهرًا ثقافيًا. ويجب النظر إلى أنه عندما نتحدث عن حوار الحضارات فنحن نعبر بشكل أكبر عن حوار الثقافات، فمفهوم حوار الحضارات يحول أذهاننا بصورة واضحة إلى البحث في الثقافة، وهذا لا يعني أن استخدام مفهوم حوار الحضارات أو حوار الأديان خطأ, وأنه يجب فقط التحدث عن مفهوم حوار الثقافات، إنني أرى أن المصطلحات الثلاثة هي تعبيرات صحيحة: حوار الحضارات، حوار الثقافات وحوار الأديان، واذا كنا ننظر إلى الحضارة على اعتبار أنها مفهوم شامل فالثقافة تستقر في جوانحها، ويذكر بعض المنظرين أن الدين هو روح الثقافة والثقافة كذلك هي روح الحضارة، وفي الواقع فإن الحضارة نسيج ونسيجها وهيكلها الروحي هو الثقافة وروح هذه الثقافة يشكلها الدين، وبناء على ذلك يمكننا التحدث عن حوار الحضارات والثقافات والأديان, وبذلك فنحن لا نعتبر أن أحد هذه المفاهيم أكثر مناسبة وترجيحًا ومرجعية من الآخر, ولكن تطرح المفاهيم الثلاثة بجوار بعضها البعض.
· اخترتم سيادتكم الحوار بشكل إيجابي كقاعدة وأساس إلا أن "توماس هوبز يعتقد في هذا الخصوص أن الإنسان ذئب الإنسان", وبالنظر إلى ذلك لا يعد الحوار قاعدة أو أساسًا فما رأيكم في هذا الرأي؟
بخصوص الإجابة على هذا السؤال يجب الفصل بين نقطتين، وتتتمثل الأولى في النظر إلى واقع البشر والذي بنى علماء مثل "هوبز" رأيهم عليه وهو تفسير العالم بواقعه وما يحياه، والنقطة الثانية تتمثل في ما يبتغيه المجتمع، أي بعبارة أخرى هدف الحياة الإنسانية، فلو سألت مجموعة من الأفراد، في أي جهة يجب أن نتحرك؟ لكانت إجابتهم متشابهة بشكل كلي وفي الأساس فإن اختيار أحد الجانبين: الأول وهو الحرب وسفك الدماء والاعتداء، والآخر وهو المثالية والسلام والهدوء واضح من قبل الناس، فالناس بلا شك ستختار الجانب الثاني، ومن المؤكد أن عددًا قليلاً سيرغبون في الجانب الأول وهو الحرب وسفك الدماء. إن الإنسان لم يخلق للحرب وسفك الدماء، ولو أن هذا الواقع قائم في عالمنا المعاصر ( الإنسان ذئب الإنسان ) فعلينا ألا نكترث بمثل هذا الواقع ويجب علينا أن نغيره، وبناءً على ذلك فإن حوار الحضارات يطرح كإمكانية لتغيير هذا الواقع. وبهذا التفصيل فإن نظرية صمويل هنتنجون "صراع الحضارات" توضح ما يجري في الواقع، أما نظرية حوار الحضارات فهي توضح ما يبتغيه غالبية البشر من أماني وأهداف يريدونها ويرغبون فيها، والآن يجب طرح هذا التساؤل وهو هل نحن مضطرون لقبول هذا الأمر الواقع أم يمكننا السعي بكافة الإمكانيات لتغييره وأن نتحرك نحو الواقع المرغوب فيه؟ لقد شاهدنا كلا التيارين، تيار "الإنسان ذئب الإنسان" وتيار "حوار الحضارات" فالتيارات الأول يعمل فيه الإنسان لمصلحته الشخصية بشكل كبير ويضم بين جوانبه قتلة البشر والمعتدين في التاريخ ومظهرهم وشكلهم واضح. وتتمثل فكرة التيار الثاني في أن الإنسان جاء إلى هذه الدنيا للخير والرقي, أو بتعبير الفارابي الوصول إلى سعادة المجتمع, وبذلك فالإنسان ليس عدوًا للإنسان، ولكنه يجتهد من أجل تغيير الظروف غير المرغوب فيها إلى الخير والسعادة. وقد خطا الفنانون والمفكرون خطوات واسعة في هذا الاتجاه، وهم الذين اهتموا طوال التاريخ بقضايا من قبيل الحرية والعدالة والإنسانية, وبذلوا كافة جهودهم من أجل تغيير الوضع غير المرغوب فيه.
· لقد أشرتم سيادتكم في مواضع مختلفة إلى أسبقية وقدم وعراقة إيران القديمة في مجال حوار الحضارات، ولكن الوجه الثقافي الغالب يبرهن على أمر آخر، فالأدب والشعر يعتبران من العناصر الأساسية الدالة على مجتمع من المجتمعات وينظر إلى أدبنا على اعتبار أنه لا يرد فيه الثقة في الحوار، وإذا كان هناك حوار فقد كان من وراء الستار، كما أن الرسامين يشيرون في أعمالهم إلى المونولج ( الحوار أحادي الجانب ) خلافًا للرسامين الإيرانيين اليونايين والرومان الذين يؤكدون على الحوار فكيف يجب الاهتمام بمثل هذه القضايا؟
لقد اختلف النظام السياسي والاجتماعي الإيراني القديم عن النظام في اليونان والرومان، وهذا الموضوع غاية في الأهمية، ففي العصور القديمة قبل مجيء الإسلام كانت الحكومات مستبدة ويطرح هذا الموضوع العالم "فيفوجول" في كتابه "الاستبداد الشرقي" وذلك على نحو يعتبر معه أن الوجه الغالب على الشرق -ومن بينه إيران- هو الاستبداد وبالطبع فإن الحوار لا معنى له في ظل الحكم الاستبدادي، وقد كان ملوك ذلك الوقت متعالين على شعوبهم, وقد راجت تجارة الرقيق وكان قسمًا كبيرًا منهم يعملون في بلاط الإيرانين القدماء، ومن هنا فإنني أؤكد على أننا لم نتمكن من طرح الحوار على اعتبار أنه الوجه الغالب قبل الإسلام, وحتمًا فإن هذا الأمر لا يعني نفي وجود أي نوع من الحوار، ففي الوقت الذي تشدد فيه الروم وقاموا بالاعتداء على جذور التصوف المسيحي شاهدنا هجرة المفكرين الغربيين إلى إيران. وفي ظل تلك الظروف أصبحت مدينة جند شابور مركزًا لوجود العلماء والأدباء والمنجمين الغربيين, واليوم نحن نشهد مسيرة معكوسة فكثير من المفكرين والعقول الإيرانية تهاجر إلى الغرب، وهذه المسائل يمكن أن تمهد الأرضية لحوار الحضارات، والمثال الآخر في الدول القديمة والذي يدل على وجود الحوار هو أن بزرجمهر بذل جهودًا عظيمة في الدول الساسانية في ترجمة الكتب المهتمة بالحضارات والثقافات الأخرى.
ولكنني على كل حال أعتقد بأن ذلك لم يكن الوجه الغالب في ذلك الوقت، ويمكننا القول بأن "سقراط" يعد فيلسوف الحوار في اليونان القديمة, ويجب أن أذكر بأننا نرى الحوار بصورة جديدة وواضحة بعد الإسلام، وفي العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.
· ما هي المباديء النظرية والمعرفية لحوار الحضارات؟
إن أول ما يطرح في هذا الخصوص هو المعرفة الدقيقة للنفس والعقائد والنظريات الشخصية، فيجب قبل كل شيء أن نعرف أنفسنا فلا معنى للحوار بدون ذلك، وفي ذات الوقت يجب معرفة الطرف المقابل وهذا أمر ضروري ويتمثل الأمر الثاني في الاعتراف رسميًا بالطرف الآخر, ويعني ذلك قبول الحوار معه, ولا يجب أن نعلن عن وجهة نظرنا فقط ليتقبلها الآخر بدون مناقشة، فهذا النوع من التعامل لا يعد حوارًا، وذلك كالقضية السياسية المطروحة على الساحة الإيرانية حاليًا, وهو الحديث عن مباحثات مع الولايات المتحدة ففي الواقع ليس هناك مباحثات؛ لأن الأمريكيين يعرضون وجهات نظرهم ويظنون أننا سنقبلها بشكل كامل. إنهم يضعون شروطًا في الحوار، وعلى الطرف الآخر أن يقبلها، هذا الوضع لا يمت للحوار ولا للمباحثات بصلة.
والأمر الثالث في هذا الخصوص يتمثل في أننا يجب أن نظن أن كافة الحقائق لدينا بشكل كامل، فيجب أن يستفيد الطرف المقابل مما لدينا، ويجب القبول بأننا نتحرك في الحوار نحو نقطة مشتركة, وفي هذا الصدد فإننا لا نمتلك كل الحقيقة فالقرآن يقول: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران ـ 64] وبناءً على ذلك توجد كلمة مشتركة عبر عنها القرآن الكريم فلم يقل: تعالوا إلى كلمتنا, وهذا موضوع محوري في بحث الحوار ويجب الاهتمام به.
الأمر الرابع في هذا الخصوص يكمن في تحديد هدف الحوار، فهدفه يتمثل في بناء مجتمع قائم على الخير والسعادة والعدالة، فنحن نتحاور ولا نتشاجر ولا نتنازع، ولا يبنغي أن تكون نتيجة الحوار هي الحرب وسفك الدماء, ولكن يجب أن يرتكز الحوار على التعايش السلمي، بعبارة أخرى نحن نتحاور حتى نعيش مع بعضنا البعض, ولا نتحاور حتى ننفصل ونتخاصم ونتنازع.
· أشرتم سيادتكم إلى حقيقة غاية في الأهمية وهي الوصول إلى كلمة مشتركة أو نقاط مشتركة كشرط للحوار, ولكن الواقع أن الناس يعيشون خارج حدودهم الجغرافية في أجواء مختلفة، فهل مع وجود هذه الاختلافات الثقافية (من قبيل الحياة في جو استبدادي أو ديمقراطي) هل بالإمكان بدء الحوار؟
يجب النظر عند الإجابة على هذا السؤال إلى الحقائق التي ذكرتها سالفًا، وأولى هذه الحقائق في هذا الصدد هي معرفة النفس ومعرفة الآخر، فالغرب لا يعرف الشرق ومن بينه إيران معرفة كافية وصحيحة, والنموذج الواضح والشاهد على ذلك هو حديث "هونزماس" بعد سفره إلى إيران، فقد ذكر أن "الإيرانيين يعرفون الألمان جيدًا أفضل من معرفة الألمان لهم". والحقيقة الثانية والتي لا يمكن إغفالها تتمثل في أن الناس في بقاع العالم المختلفة لا يختلفون عن بعضهم البعض اختلافًا كليًا، فيذكر السيد "تجويدي" وهو أحد الموسيقيين والفنانين البارزين حقيقة مهمة فيقول عن كافة المغنين في كافة بلاد العالم: إذنهم يغنون مثل بعضهم البعض, وذلك على نحو يمكن القول معه أن الفن له شكل واحد في العالم كما أن الضحك كذلك له شكل واحد. لذا فإننا نجد أن مشاعر مثل العشق والحب والمنفعة والمصلحة أو الميل والرغبة في الحوار توجد بصورة واحدة لدى كافة الأفراد بغض النظر عن كونهم أوروبيين أو شرقيين أو غربيين، فللإنسان سلوكيات ولهذه السلوكيات مظاهر واحدة, فالسلوكيات الأربعة لروح الإنسان تتمثل في "طلب الحقيقة، العبادة، الإثارة، والتضحية، وحب الجمال" وذلك كما حددها "توشيهيكو ايزوتسو" عالم الإنسانيات والمفكر الياباني البارز. والجدير بالذكر أن نفس العناصر الأربعة السابقة هي التي تمهد الأرضية لإجراء الحوار، فاذا قررت أنا على اعتباري مسلمًا محاورة مسيحي فلا يمكنني القول أنه لا توجد نقاط مشتركة بيننا، فمن يتعمق في الحوار يدرك وجود نقاط مشتركة كثيرة بيننا، وبناءً على ذلك لا يمكن القبول بأن بين الحضارات والثقافات أي انفصال ونحن بدون ذلك لا يمكننا أن ننهض بالحوار. وعلى أية حال فإن الحوار يتم بين مثقفي الحضارات ويمكن أن يتم بالمواجهة أو بصورة تحريرية (مكتوبة).
· يوجد في كل مجتمع عدد لا بأس به من الثقافات المحدودة والمحلية، ولكننا عند الحوار نقوم باختيار ثقافة واحدة يمكن عن طريقها تلافي اضطرابات ومشاكل الثقافات الصغيرة والمحلية، فهل للثقافة المختارة صلة وعلاقة مباشرة أو علاقة يشوبها الضيق من المؤسسة الرسمية أو بعبارة أخرى المؤسسة الحكومية؟
توجد مستويات مختلفة للحوار ولتفرضوا أن كافة الوزراء والسفراء يتحاورون مع بعضهم البعض ففي الواقع فإن الدنيا كلها بذلك تتحاور مع بعضها البعض، ومن الأمور المهمة أنه يمكن لدولتنا أن تتخذ موقفًا خاصًا من إسرائيل والولايات المتحدة على اعتبار أنها جمهورية إسلامية, ويعني ذلك أننا إذا كنا لم نعترف رسميًا بإسرائيل فنحن لن نتحدث ونتحاور معها ولكننا نتحاور مع الولايات المتحدة في مجال الاقتصاد والثقافة والمنظمات الدولية كصندق النقد الدولي أو النبك الدولي، بيد أن هناك خلافًا اليوم تجاه هذه القضايا المطروحة في هذا الصدد.
والجدير بالذكر أننا نقوم في مراكز حوار الحضارات بدعوة المفكرين الأمريكين للبحث والتحاور, وفي المقابل يقومون هم بدعوة مفكرين إيرانيين لنفس الغرض وللوصول إلى نتيجة, فمن المؤكد أننا نحتاج إلى الحوار.
فمن الممكن على سبيل المثال أن يقول غربي أنه لا يمكن التحاور مع المسلمين؛ لأنهم إرهابيون. هذا على نحو ما يطرحه بعض الغربيين في كتاباتهم عن المسلمين، وأرى أنه يجب التحاور معهم في هذا الصدد للوصول إلى نتيجة، ولذا فأنا أوافق على أن البعض ربما يطرحون بعض القضايا والأمور هي في وجهة نظر الطرف المقابل ضد الحوار، ولكن لا يجب اعتبار هذا الشخص يعبر عن مؤسسة أو دولة أو ثقافة.
· ليس الهدف من سؤالي القول بأن الثقافات تتعارف على بعضها بصورة ذاتية من خلال الحوار، ولكن يلوح للناظر أن تصورنا للثقافة في موضوع الحوار يقوم على اعتبار أن لها صلة وعلاقة بالقوة والمؤسسات الرسمية, لا يمكن إنكارها والنموذج البارز لذلك هو عدم الاكتراث بالثقافات المحلية أو الصغيرة، وهذا يشير إلى وجود مؤسسة تقوم باختيار الثفافة، فما رأيكم في هذا الخصوص؟
في العادة فإن المؤسسات الرسمية وغير الرسمية تشارك في بحث الحوار جنبًا إلى جنب، ويجب أن يقوم بهذا الحوار الصفوة والمؤسسات العلمية، ونحن باعتبار تولينا رئاسة هذ المركز "حوار الحضارات" نقوم بإقرار علاقتنا واتصالاتنا بشكل كبير، ومن الأمور المقطوع بها أن الحوار قطاع ومستوى ثالث من النسيج الاجتمعي للمجتمع, وإن معرفة ذلك ولفت الانتباه إليه لهو أمر غاية في الأهمية.
· كيف تقيمون الصلة بين الثقافة الرسمية والمؤسسة الحاكمة؟
لا يطرح هذه التعبيرات المختلفة عن الثقافة أي شخص قط أو مؤسسة حكومية, فمثلاً في الصحافة تنعكس الأوجه الثقافية للمجتمع, ولكن هناك سؤال مهم هو أي قدر من الأشعار والقصص المنشورة لها صبغة حكومية؟ فمعرفتي عن أمريكا اللاتينية لا تتشكل عن طريق التقارير السياسية الحكومية من هناك, ولكنها تتشكل عن طريق كُتاب أمثال ( جابريل جارسيا ) يعني ذلك أننا ندخل إلى أمريكا اللاتينية من خلال دروب القصة والرواية، وبعد هذا كله فإنه لا يمكن القول بأن ممثلي الدولة الرسميين هم الذين يعرفون الثقافة. ولو ألقيتم نظرة على بعض المجالات والتي تقع تحت سيطرة الحكومة مثل الجيش أو النظام الاقتصادي لوجدتم أن هناك تكريسًا للقوة والهيمنة فيهما, أما ذلك فلا يوجد في المجال الثقافي، فهذا المجال يخالف سائر المجالات، ومن المؤكد أن هناك بعض المواضع التي توجد فيها المفاهيم التي تحدثتم عنها من تكريس القوة والهيمنة الحكومية, ولكن ذلك يتم في إطار ضيق، فهناك شعراء موضع قبول واهتمام من العامة وهم من زوايا كثيرة لهم علاقات مع المؤسسة الحكومية.
وحتمًا فإنه لو تم مد عملية تكريس القوة وإعمال النفوذ إلى هذه المجالات الثقافية فإن ذلك سيؤدي إلى مشكلات عديدة, والنموذج البارز الشاهد على ذلك هو هذا التدخل الحكومي من قبل الاتحاد السوفيتي السابق، فقد كان يقوم بالإشراف على كافة شئون وأمور الدولة ومن بينها الأمور الثقافية. وقد أشار التاريخ إلى عدم قدرة هذه الأساليب على مواصلة عملها واستمراريتها.
· إذن سيادتكم تعتقدون أن التعرف على الثقافات من خلال الأدب خير من التعرف عليها عن طريق رجال السياسة؟
إنني أقول أن التعرف على الحضارة أو الثقافة يتم عن طريق الفن والأدب الخالد الباقي وهذا أفضل من التعرف عليها عن طريق التقارير والإعلانات السياسية.
· إن أحد المسائل والأمور التي لا يهتم بها خلال الحوار هو مسألة عدم تجانس طرفي الحوار فأحيانًا يقول مفكرونا: حوار الإسلام والغرب، ولكن الإسلام في الواقع دين والغرب عبارة عن نطاق جغرافي فهل يخلق عدم التجانس هذا مشكلة؟
من المؤكد أن رأيكم صحيح، فعندما نطرح الحوار يجب الاهتمام بتجانس طرفي الحوار ولذا فلا يمكن القول: الحوار بين الإسلام والغرب, ولكن يجب القول: الحوار بين الإسلام والمسيحية أو الثقافة الشرقية والثقافة الغربية وقس على هذا.
ويجب علينا بعد ذلك القيام بتحديد إطار الحوار في مجال السياسة أو الفن أو في المسائل الأخرى. وفي الوقت الذي نتحاور فيه على اعتبار أننا مسلمون أو مسيحيون يمكننا بحث نقطة مشتركة بيننا مثل الوحي مثلاً، ونقوم بتبادل وجهات النظر بصددها.
· ينظر دائمًا إلى الحوار على أنه علاقة أفقية غير مستقرة؛ لأنه خلال كل مرحلة تثبت الثقافة أو الحضارة الخاصة سيطرتها وتكرس هيمنتها, ولذا فنحن إذا أردنا الحوار مع الغرب فيجب علينا الاستعانة بالعناصر الثقافية الغربية، ففي المجال اللغوي تعد اللغة الانجليزية اليوم هي اللغة العالمية، فما هي المشكلات المصاحبة لمثل هذه المسائل؟
نعم إن اللغة المسيطرة والمهيمنة هي اللغة الإنجليزية، فالاتصالات تتم عن طريقها من خلال الإنترنت والقمر الصناعي، وهذا واقع، ولكن هذا لا يعني نفي إمكانية الحوار، فنحن في كافة الحالات يمكننا أن نحاور الطرف المقابل.
وبخصوص الجزء الثاني من سؤالكم والخاص بالهيمنة والسيطرة التامة لحضارة من الحضارات فأنا أؤيد ذلك الرأي وهذا الأمر موجود على الساحة، ومن المؤكد أن له تأثيرًا خاصًا على الحوار، فعندما نريد التحاور مع الغرب في مجالات الاقتصاد والصناعة والطب وأمور من هذا القبيل, فإن أحد أطراف الحوار يمتلك دعامة علمية قوية في حين يفتقدها الطرف الآخر, ولكن لا يجب أن ننسى أن هذه الدعامة جاءت من العلماء من كافة أنحاء العالم, ولا يمكننا صبغ هذه العلوم بصبغة خاصة أو إلحاقها بعرف خاص، فلا يمكننا القول مثلاً بأن هناك فيزياء أمريكية أو صناعة فضاء أمريكية، فهذه العلوم هي نتاج لمساعي كافة العلماء والمفكرين في العالم أجمع طوال تاريخ البشرية الطويل.
ولكن يجب ألا تنسوا كذلك أن الصورة أو العلاقة في هذه المجالات معكوسة أو متساوية على نحو لا نشعر معه بأننا مقهورون ومغلوبون أمام الطرف الآخر للحوار، فمثلاً نحن نشعر بالمساواة أمام الطرف الآخر في المجال الديني والعلوم الاجتماعية والفلسفية. ويجب التنويه إلى أن هدفنا من الحوار ليس فقط التأكيد على الدفاع عما نملكه، ولكن يمكننا عن طريقه الاستفادة مما يملكه الآخر. وبشكل عام فإن أسس الحوار تقوم على استفادة الحضارات من الحضارات الأخرى وهذا ما يجب الاهتمام به والتوجه إليه.
المصدر: http://www.albainah.net/index.aspx?function=Item&id=1656&lang=