لا صلاح مع الفوضى .. ولا سَراة مع الجهل
عبد الله عيسى السلامة
قال الشاعر:
لا يَصلح الناسُ فَوضَى، لا سَراةَ لهمْ ...... ولا سَراةَ إذا جهّالهمْ سادُوا
هذا البيت مِن أحكم ما قالت العرب، في سياسة الأمم، وقيادة الدول والشعوب والقبائل، والتجمعّات البشرية عامّة!
فإذا كان قد ورد في الحديث الشريف: “إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمَّروا أحدَهم” [أخرجه أبو داود] فكيف يكون الحال إزاءَ آلاف البشر، بل مئات الآلاف، بل ملايين الناس.. إذا كانوا بلا قائد ولا أمير!؟ ومعلوم أن السَّراة في بيت الشعر الوارد أعلاه، هم رؤوس الناس وسادتهم، الذين يقودونهم ويوجهونهم.
كيف يكون حال الناس، إذا عمل كل منهم على هواه، وبما يراه مناسباً لمصلحته، دون الاكتراث بحقوق الآخرين وحرياتهم ومصالحهم.. وتباينت الأهواء، وتضاربت المصالح، وتضادّت الآراء والأفكار!؟ لاشكّ أن الحياة تنقلب إلى غابة بشرية، يستحيل العيش فيها كما تعيش مخلوقات الغابة المحكومة بقوانين وسنن وضعها الله لها، ووجّه كلاً منها بما يلائم طبيعته.
وإذا كانت الفوضى مدمّرة للمجتمعات البشرية، فإن ثمّة نظاماً لا يقل عنها تدميراً، هو حُكم الجَهلة!
ففي الشطر الثاني من البيت بيان رائع لحقيقتين:
الأولى: هي أن الجهلةَ لا يَصلحون رؤوساً للناس، سادةً، أو قادةً، أو زعماء، أو موجّهين لحركة المجتمع وضابطين لسلوك الناس.. بسبب جهلهم! وبسبب جهلهم أيضاً، يعجزون عن معرفة الخير والشرّ، والخطأ والصواب .. كما يعجزون عن التمييز بين معالي الأمور وسفاسفها، وبين ما هو هيّن وما هو خطير.
وبالجملة، فإن الجهلة يعجزون عن إدارة حياة الناس، في حربهم وسلمهم، وفي حلّهم وترحالهم..
الحقيقة الثانية: هي أن وجود الجهلة على رؤوس الناس، يمنع من أن يأخذ القادة الحقيقيون المؤهّلون أماكنهم في قيادة الناس، فيهتمّ كل من هؤلاء المؤهّلين الأكفياء بشؤون نفسه وأسرته، أو يغادر المجتمع الذي يقوده الجهلة، إلى مكان آخر يحسّ فيه بالأمان، بعيداً عن تسلّط الجهلة! وفي كل الاحوال، تخلو ساحة القيادة من السَّراة، لأن الجهلة ليسوا سَراة، ولا يمكن أن يكونوا كذلك، هذا من ناحية، ولأنهم من ناحية ثانية، يعيقون السَّراة الحقيقيين عن الوصول إلى مواقع القيادة والتوجيه، فتضيع الجماعة التي يقودونها، سواء أكانت قبيلة، أم حزباً، أم دولة!
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، القائل: “إذا وُسِّد الأمر إلى غيرِ أهله فانتظر الساعة” [أخرجه البخاري].
ولا يَسع المرءَ، إزاء بيت الشاعر أعلاه، إلاّ أن يتمثّل بقوله صلى الله عليه وسلم: “إنّ من البيان سحراً”، و”إنّ من الشعر حكمة” [أخرجهما البخاري].