لا دولة لداعش ولا إمارة للقاعدة!

الدكتور رضوان السيد

 

بين العامين 2013 و2015 تصاعدت صراعاتٌ بين الدواعش والقاعديين على تزعم الحركات الجهادية.  وقد برز داعش على القاعدة بأمرين: الاستيلاء على مساحات شاسعة في سورية والعراق وإعلان الدولة – وخلق بؤر وشبكات وتفجيرات وإرهاب في بقاعٍ مختلفةٍ من العالمين العربي والإسلامي، فضلاً عن أوروبا، وبالإيحاء والقيادة من المركز، أو بإنشاء الخلايا. وقد برز  الخلاف للعلن بين التنظيمين القاتلين إبّان قيام "الدولة" عام 2014 حين أعلن البغدادي الاستيلاء على الجبهتين في العراق وسورية، فردَّ عليه الظواهري والجولاني بإعلان الاستقلال والانفصال. ودارت جدالاتٌ هائلةٌ حول مدى تأهُّل البغدادي للخلافة وإمارة المؤمنين، والشروط العامة للبيعة ومتى تصح أو لا تصح. وخلال هذه الجدالات، ولعدة أشهُرٍ دارت اشتباكاتٌ بين الطرفين القاتلين في سورية على وجه الخصوص، لكن في جهاتٍ أُخرى أيضاً فيما بين ليبيا وإفريقيا وجنوب الجزيرة العربية. على أنّ الأمر الثالث الذي برز فيه داعش على القاعدة وتنظيماتها غير التوحش المفرط، كان التنظيم المحكم، والبراعة في استعمال وسائل الاتصال، التي اجتذبت آلاف الشبان إلى حبائله. وما كان هؤلاء جدداً، بل كان بعضهم منتمياً للقاعدة أو أحد تنظيماتها؛ بحيث بدا لأول وهلةٍ أنّ شمس القاعدة إلى كسوف، وليس بسبب مقتل أُسامة بن لادن وحسْب، ولا بسبب طبيعة شخصية الظواهري (ومكان إقامته) وحسْب؛ بل بسبب النجاح في أمرين: إقامة الدويلة، وإرعاب العالم!

وقبل المصير لمناقشة أسباب العودة للموضوع، يحسُنُ للإيضاح وفهم الأصول والخلفيات، التعرض الموجز لظاهرة داعش. كل رجالات داعش الأوائل منذ الزرقاوي (يعني قبل ظهور التسمية بتنظيم الدولة) هم من أفراخ القاعدة. وكثيرٌ منهم كانوا في أفغانستان. وهذا الأمر لا يشمل ضباط الجيش المحترفين (ومعظمهم من العراق) والذين انضموا بعد العام 2013. وقد ظهر الخلاف لأول مرةٍ في الاستراتيجيات عام 2006 عندما استنكر بن لادن والظواهري إقدام الزرقاوي على مذابح ضد الشيعة، بدلاً من التركيز على مقاتلة الأميركيين الغزاة. وظلت هذه "الخصوصية" العراقية بارزة، إلى أن تجرأ الصاعدون الجدد على قيادة الظواهري بعد مقتل أُسامة بن لادن عام 2011. وفي الأشهر الأُولى لإقامة الدويلة، بدا أنّ الهمَّ الأول لداعش إلغاء القاعدة أو تهميشها على الأقل. فلمّا صمدت في سورية رغم تراجُعات عبر تماسُك جبهة النصرة، صرف داعش النظر عن المواجهة العلنية، وراح يستقطب تنظيمات مسلَّحة كانت مواليةً للقاعدة إلى صفوفه. وكان بين أسباب تمكن القاعدة من الصمود الشخصيات والمصالح المحلية التي ارتبطت بها عبر أكثر من عشرة أعوام. ثم الخيط الخفي الذي ربطها بإيران في سورية وشبه الجزيرة العربية وعلى الحدود مع أفغانستان وباكستان. إذ المعروف أنه عند الهجمة الأميركية عام 2001-2002 على القاعدة وطالبان في أفغانستان؛ فإنّ معظم كوادر القاعدة (وهم ليسوا من أفغانستان) لجأوا إلى جبال باكستان أو إلى إيران. ويغلب على الظن أنّ الظواهري يقبع في إيران منذ العام 2005 أو 2006. وعندما بدأت الثورة السورية عام 2011، وتحرك المسلَّحون من كافة الأصناف، ما بدا حسن نصر الله مرعوباً من القاعدة أو المتطرفين الذين خرجوا من سجون الأسد عام 2012؛ بل ارتعب من صنفٍ جديدٍ سمّاه: الإرهاب التكفيري! وقال إنه موجودٌ في بلدة القُصير التي غزاها مقاتلو الحزب، وشرّدوا سكانها، دون أن يجدوا الدواعش الذين لاحقوهم! وفي مطلع العام 2015 وعندما اشتبكت النُصرة التابعة للقاعدة مع تنظيم جمال معروف في الشمال، واضطرته للجوء إلى تركيا، ظهر معروف على وسائل الإعلام صارخاً في وجه زعيم النصرة أبي محمد الجولاني: يا إيراني! وقبل أيام، وخلال مفاوضات الكويت بين اليمنيين صرَّح الحوثيون الموالون لإيران أنهم ضد الاستعانة بالعرب والأجانب على القاعدة، التي أخرجتها قوات التحالف والقوات اليمنية من مدينة المكلاّ بحضرموت. وقبل أيامٍ أيضاً جرى تبادُلٌ للأسرى بين قاعدة اليمن والحوثيين. وهكذا فإنّ القاعدة تحت وطأة الهجمات الأميركية والأخرى العربية، استكانت للظلّ الإيراني؛ في حين تمرد داعش بالعراق وسورية، مشكِّلاً انشقاقاً في القاعدة وعليها، والتي هي بدورها انشقاقٌ في الإسلام كما هو معروف! إنّ الطريف أنه في الوقت الذي تشتدُّ فيه الهجمات الكلامية الإيرانية على داعش متناسيةً النقاعدة؛ فإنّ الملاحظ أنه ليس هناك اقتتالٌ عنيفٌ بين الميليشيات الإيرانية وداعش لا في سورية ولا في العراق.

ولنعُدْ إلى أسباب مراجعة قضية القاعدة وداعش الآن. إذ في الأيام الماضية ظهرت فتوى للظواهري تقر إمكانية إقامة "إمارة" إو إمارات إسلامية، في المناطق التي تسيطر عليها القاعدة أو أحد تنظيماتها. هناك مناطق تسيطر عليها القاعدة بالفعل في جنوب الجزيرة، لكنها تتعرض الآن للهجوم والتصفية. ولا يدافع عنها غير الحوثيين وجماعة عفّاش! وكانت النصرة مع جيش الفتح قد احتلت إدلب، وفي الأيام الأخيرة استعادت خان طومان. لكنها في كل الأحوال ليست وحيدة. وهذه "الفكرة" الآن تقليداً لداعش غير مفيدة، لأنها ستزيد من الخلافات مع الفصائل الأُخرى في جيش الفتح، وتُعرِّض النُصرة للمزيد من الاستهداف، باعتبارها تنظيماً إرهابياً ومن جانب روسيا والولايات المتحدة. ولذلك فالذي يبدو أن" النصيحة" للنصرة أو لأنصار الشريعة بإقامة الإمارة، هي توريطةٌ إيرانيةٌ لتعريض ساحات الكتائب المسلَّحة للمزيد من التصارع، بحيث يصفّي بعضُها بعضاً، ويصفِّي المجتمع الدولي النصرة وداعشاً في النهاية، ويستمتع الأسد لسنواتٍ أُخرى على الركام السوري الذي أبدع في صنعه!

إنّ هذا الإرهاب المَرَضي الذي تتنافس مئات التنظيمات الميليشياوية الإيرانية والداعشية والقاعدية، على احتلال ساحته، صار لعبةً بين ألاعيب الدول الكبرى والإقليمية، إمّا نتيجة العجز أو نتيجة التذاكي والإفادة بقدر الإمكان. فالولايات المتحدة تقول إنّ الحرب على داعش ستستمر لثلاثين عاماً، بينما يقول الروس إنه يمكن إنهاؤها خلال شهورٍ إذا كان هناك إجماع على ذلك. أما الإيرانيون فيتحدثون عن الإرهاب التكفيري، لكنهم ينتظرون الولايات المتحدة وروسيا لمقاتلته، ولا مانع لديهم من تسهيل وصول إرهاب القاعدة والحوثيين إلى الحدود السعودية أو الداخل السعودي. وفي حين يتعملق داعش على حدود تركيا، تظل تركيا مصرةً على أنها لن تقاتله بتصميمٍ حتى يقاتل الاميركيون معها حزب العمال الكردستاني!

إنّ هذه الاشتراطات كلها سببها أنّ الجمرة لا تحرق إلاّ في موضعها. فالقاتلون والمقتولون هم في معظمهم عرب. والأراضي التي يجري عليها القتال أراضٍ عربية. والبلدان التي تخرب بلدانٌ عربية. بعد دويلة داعش، كانت تنقصنا إمارة النصرة أو القاعدة! وصدق شكسبير حيث يقول: إنّ المصائب لا تأتي فُرادى!

جريدة الشرق الأوسط في صفحة الرأي يوم الجمعة في 13/5/2016

المصدر: http://www.ridwanalsayyid.com/ContentPage.aspx?id=2821#.V1M9ntUrLIU

الأكثر مشاركة في الفيس بوك