الحرب بين اليأس والأمل

رئيس تحرير مجلة الفجر

 

الأمل أشرق في نفوسنا مع بزوغ شمس الثورات العربية، وظننا أن ما يفصلنا عن حريتنا طرفة عين، وإن كنا نعلم -حين نمحّص الأمر- أنه لا بد من «فترة انتقال» بين الاستعباد والحرية، وأن رواسب العبودية في نفوسنا لن تزول بغسلة واحدة في مجلى الحرية.. كنا نعلم أن الطريق طويلة، وأن المسير شاق، وأن التضحيات ما تزال في أولها..

لقد كنا نشعر قبل الثورة أن مجرد التحرك في وجه هؤلاء الحكام الطغاة هو نوع من المستحيل أو الجنون، لا يرتكبه إلا أحمق غافل عن العواقب غير مقدّر للنتائج. لكن الثورة قامت، ورأينا أن هذا «المستحيل» هو في الحقيقة «ممكن»، وأنه ما أقعدنا عنه طوال سني الاستعباد إلا جهلنا بإمكانيته.. لذلك رأينا الشعوب تهبّ في دولة إثر أخرى، تنادي بحريتها، وتطالب بالانعتاق من جلاديها.

هذا الأمل الذي حفز الناس ونهض بهم من رقدتهم سنين طويلة (بعد أن طردت تونس مجرمها)، كان السلاح الأقوى، والوصفة العجيبة التي جعلت التضحية بالغالي والثمين أمرا هينا عند طلاب الحرية. وكانت أعجب صورها وأروعها عندنا في سورية، فرأينا شهيدا يشيِّع شهيدا، وأمًّا تودّع ابنا وتجهّز آخر للمعركة، وأبا يستبشر باستشهاد أبنائه ويستشفع بهم… صور عجيبة ما كنا نحسبها إلا من نوادر الدهور، صرنا نراها متكررة يوما بعد آخر في بلادنا.

ولما كان «الأمل» سلاحنا الأقوى، كان لا بدّ أن يقاوموه بسلاح «اليأس».. وهذا ما فعلوه.

فأبدوا للثورات وجه البشاشة والرضا لكنهم أضمروا لها فؤاد الضغينة والسخط، وامتلأت الفضاءات الإعلامية والسياسية برسائل «التيئيس»، فما من مسؤول يتحدث إلا يركز على إبداء تخوفه من «تنامي نفوذ الإرهاب» في هذه الدول، ومن «التدهور الاقتصادي»، ومن «الوضع الصحي للأطفال» وغير ذلك، متناسين أن الثورات إنما قامت ابتداءً للتصدي لهذه المظاهر بعد أن عاثت فيها الأنظمة البائدة فسادا.

وكان للإعلام الدور الأهم في بث رسائل اليأس والإحباط هذه، فصرنا نشعر أننا على حافة الفناء، والهلاك يتربص بنا في كل جهة، والمصائب تأتينا من كل حدب وصوب ولا قِبل لنا بها.. رسائل وإيحاءات من اليأس والقنوط تجعل المرء مرتهنا للصورة السوداء التي يرسمونها، مقيّدا بالعجز والخور، مستلبا أي أمل بالغد المشرق.

وقد أثّر ذلك في بعض الناس، فأصابهم الوهن، وأقعدهم العجز، ودرجت على ألسنتهم عبارات الإحباط والأسى والتشاؤم، بل إن بعضهم «ندموا» على الثورة، وتمنوا العودة إلى «أمان» العبودية.. هؤلاء تمكن الأعداء منهم، وأصابهم سلاحهم «اليأس» بمقتل!

إنها الحرب بين اليأس والأمل، وما دمت على الحق فإن الأمل هو سلاحك، فلا يهزمنك الباطل فتيأس والله تعالى قد بشرنا فقال: «فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين» [الروم: 47]، ثم أوصانا سبحانه بعد بضع آيات بالصبر الذي هو عماد الأمل، فقال: «فاصبرْ إنَّ وعد الله حق، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون» [الروم: 60].

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك