خلاصات في التأصيل الفقهي للوجود الاسلامي في الغرب

خلاصات في التأصيل الفقهي للوجود الاسلامي في الغرب

خلاصات في التأصيل الفقهي للوجود الاسلامي في الغرب
خلاصات في التأصيل الفقهي للوجود الاسلامي بالغرب

لا بد من إسداء برقيات شكر سريعة إلى الاخوة في إدارة المنتدى لطرحهم هذا الموضوع المهم.
وكذا لسائر الاخوة رواد ورائدات المنتدى سواء من ساهم بالكتابة والتعليق أو من إطلع وإهتم .

ملاحظتان أوليتان حول الموضوع :

1 ــ هذا الحقل من التفكير مازال بكرا بسبب ندرة الكتابات فيه والاجتهادات إذ لا أعلم أن غير الشيخ القرضاوي والشيخ بن بية والدكتور النجار له فيه مؤلفات وكتب . هل تأخر الوجود الاسلامي في الغرب حديثا أم تأخرت ظهور جوانب نموه ومشاكلها أم تأخر الاهتمام به إجتهادا وتأليفا من لدن أولي الذكر ؟ نختلف في الجواب ولكن نتفق على كون الموضوع بكرا بإمتياز يحتاج إلى إجتهادات علمية مؤصلة في الاسلام والواقع من جهة وأخرى فكرية ترصد الموضوع من أكثر الجوانب والزوايا . فإذا كنا نحن ـ طلبة العلم والفكرـ أبكارا نحوم حول موضوع بكر فإن الحصيلة معروفة مسبقا .

من الفقهاء المعاصرين من لا يوافق على مصطلح " فقه الاقليات " أصلا من مثل العلامة الكبير الفقيه المجتهد الشيخ البوطي حفظه الله . وذلك دليل على كون الموضوع بكرا حتى بين أهل الاختصاص الشرعي فيه .

2 ــ هذه الخلاصات قد تلائم ذاك المساهم أو تختلف مع ذلك المهتم وذلك هو المطلوب منها ومنهما معا والعبرة دوما بتجديد العزم على الحوار بأصوله العلمية والفكرية وآدابة الخلقية والاجتهاد لا ينقض الاجتهاد ولكل مزيته ونصيبه .

عناصر الخلاصات :

1 ــ مقدمات أولية عامة
2 ــ فقه السياسة الشرعية
3 ــ فقه الاقليات
4 ــ فقه الضرورات
5 ــ خلاصات عامة مركزة سريعة
6 ــ المراجع والمصادر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

مقدمات عامة أولية :

1 ــ موضوع فقه الاقليات الاسلامية في الغرب يرتبط الاجتهاد فيه بالضرورة بأمرين :

ـــ الاحاطة بالعلم الشرعي وذلك على معنى الاحاطة بالاصول العامة والمبادئ الكبرى والمقاصد العظمى وليس بالتفاصيل وذلك لامرين : أولهما أن التفاصيل في مثل هذه المواضيع لا وجود لها لان الموضوع يرتبط بالسياسة الشرعية الاسلامية التي إقتصر فيها الاسلام على العموميات المجملة إفساحا للعقول أن تجتهد في ما يعترض حياتها بما يلائمها مع تغير الظروف وثانيهما لان تلك التفاصيل المبثوثة متعلقة بحياة المسلم في موطنه الاصلي " دار الاسلام " بالتعبير القديم لم يعد بعضها ملائم لبيئة جديدة إما بحكم الضرورة الملجئة أو بحكم تغير الظروف الموجبة لتغير الفتاوى ويشتد ذلك إلحاحا كلما خرج المغترب ضمن تلك الاقلية من بيته ليعافس حاجته من حوله.

ـــ الاحاطة بالعلوم الانسانية الاخرى كونية وإجتماعية بقدر المستطاع وذلك على معنى العلم بالحد الثابت الضروري منها إقتباسا للخير وتسخيرا لمعطيات تلك العلوم لحياة الانسان المسلم فردا وجماعة في الشأن الخاص والعام سواء بسواء . وذلك من مثل العلوم السياسية المتعلقة بمواطن الهجرة وغيرها وقضايا أخرى ملحة جدا من مثل تنامي المد العنصري والاحداث الدامية الاخيرة التي ساهمت في تعديل نسبي في بعض سياسات الهجرة الخ ...

موضوع فقه الاقليات إذن بحكم كونه بكرا لم يطمث لسبب أو لاخر يحتاج إلى علمين لا مناص منهما ولا غنى لاحدهما عن الاخر : العلم بالاسلام سيما أصولا ثابتة ومقاصد كلية والعلم بالواقع الغربي ـ سيما الاروبي ـ على ضوء الثوابت الفكرية له ومجرى التقلبات القاسية فيه .

2 ــ الاجتهاد العلمي والفكري في هذا الامر يستلزم مراعاة البعد الجماعي وذلك من منطلقين :

ـــ قيام الاسلام دينا وحضارة وأمة وتاريخا على مبدإ الجماعة حتى عدت من بعض الفقهاء والمجتهدين مقصدا ثابتا أساسيا ولا يسمح المجال هنا لبحث ذلك .

ـــ قيام الحياة الغربية ـ سيما الاروبية في إرتباطاتها العامة ـ على الجماعة من خلال تؤطر المجتمع في لفيف من الجمعيات والمنظمات التي لا حصر لها في كل المجالات مما يعطي للمجتمع هناك ـ أي هنا ـ قوة حقيقية وهامشا واسعا جدا من الفعل والتأثير وذلك يستدعي بالضرورة محاكاة المسلمين هناك ـ أي هنا ـ لذلك الضرب من التنظم الجمعياتي من باب الضرورة على الاقل إذا كانت داعيات الاسلام المؤسس على الجماعة لا تفعل ذلك فينا .

الاجتهاد في هذا الموضوع فقهيا وفكريا إذن لابد له من التأسس على مفهوم الحل الجماعي بدل الافتاء على أساس الخلاص الفردي مهما بدا ذلك الحل الجماعي بعيدا أو مكلفا ولكنه الاضمن لاعادة اللحمة الجماعية بين المسلمين هناك ـ أي هنا ـ ولحسن إدارة المشاركة لفعاليات تلك المجتمعات حفظا للهوية وتأهلا لحسن التأثير بخلق الدعوة المعزرة ببصيرة العلم والحكمة .

فقه السياسة الشرعية :

فقه الاقليات الاسلامية في الغرب يتأسس ضمن فقه السياسة الشرعية وذلك بحكم كونه :
ــ لا توجد فيه في الشريعة تفاصيل فهو مجمل عام .
ــ لم يكن له وجود في سالف تاريخ الامة بتاتا بحكم عدم الحاجة إليه لا واقعا ولا نظرا إذ كانت الامة بإنبساط سلطانها على الارض هي التي كانت تؤوي المغتربين والمظلومين والفارين من جحم الفقر والمرض والجهل والجور ولذلك كثرت التآليف من سلفنا في موضوع أوضاع أهل الذمة والاقليات عموما ولم يؤلف واحد منهم أبدا كتابا في الاقلية الاسلامية التي تضطرها ظروف معينة للهجرة .

السياسة الشرعية معناها : ضبط الاجتهاد الاسلامي لواقعات حياتية إقتصرت فيها الشريعة على العموميات والمجملات والمطلقات دون تفصيل بما يتلاءم مع أصول تلك الواقعات فيها بمقاصدها وحاجاتها وضروراتها .

أسس السياسة الشرعية خمس :

1 ــ فقه النصوص الشرعية في ضوء مقاصدها الشرعية :

الناس في هذا أضراب ثلاث :

ــ العاملون بالنص بمعزل عن مقصده : وهو منحى خطير جدا قد يؤول بالمجتهد فضلا عن المقلد إلى نقيض مراد الشارع الحكيم بالكلية وذلك هو ما فتن العلامة إبن حزم ذلك الفقيه الاصولي المجدد الثائر الذي ألغى القياس في ثورته ضد إيغال من سبقه في تنميطه وتحديده حتى غدا كائنا يابسا .. آل به الامر إلى القول بعدم صحة عقد النكاح إذا تكلمت المخطوبة عملا بقوله عليه الصلاة والسلام " وإذنها صماتها " . ذلك مثال رائع لتيار العمل بالنص دون مراعاة لمقصده .

ــ العاملون بالمقصد بمعزل عن النص : وهو منحى خطير كذلك بل هو أخطر من سالفه وهو المنحى الذي إمتطى صهوته من سماهم عليه الصلاة والسلام " .. إنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " ومن هؤلاء من يدعو اليوم إلى الاقرار بإلغاء الشريعة الاسلامية جملة وتفصيلا حتى في أصرح ثوابتها القطعية ـ عورة المرأة الواجب سترها مثلا ـ بدعوى مراعاة مقصد الاسلام في الحرية والعدل والمساواة وطلب العلم وتعمير الحياة والحقوق . وبذا يلتحق الاسلام بالمسيحية دينا لا أثر فيه للشريعة المنظمة لحياة الانسان في كل شأن إما بنص ثابت أو مقصد ثابت أو بكليهما.

ــ العاملون بالنص الشرعي ضمن مقصده : وهؤلاء يميزون بين منطقة العبادات والدوائر المغلقة التي لا تقبل سوى إجتهاد تحسين الاداء وتجديد نية التعبد والطاعة وبين منطقة المعاملات والدوائر المفتوحة . فيكون إجتهادهم مدارا على التعليل وجلب المصلحة ودرء المفسدة ضمن النسق التشريعي ذاته دون نسف لقواعده ومبادئه وأصوله وكلياته ولا هدر لنصوصه القطعية الثابتة التي تحمل المصلحة عينها سواء أدركتها العقول أم إستأثر بها سبحانه في علم الغيب عنده.

2 ــ فقه الواقع :

فقه الواقع أصيل في الوحي الكريم قرآنا وسنة ولو لم يكن ذلك كذلك لما عمد القرآن الكريم والناس يتضورون جوعا تحت سياط التعذيب القرشية لا يأمن الواحد منهم على قضاء حاجته البشرية دون أذى .. إلى لفت إنتباههم في سورة مكية " الروم " إلى نتائج وتداعيات معركة حربية تبعد عنهم آلاف الاميال وشهورا طويلة سفرا لا تربطهم علاقة دين ولا لغة ولا عرق ولا مذهب ـ سوى رباط الادمية ـ لا بالغالب " الفرس " ولا بالمغلوب " الروم " . ربما لا يحوي القرآن الكريم على لقطة أشد من تلك بسائر ظروفها المحيطة على إهتمامه بالواقع الانساني باعد ما بعدت الشقة بين أهله وبين الناس ولا غرو فكل الناس أهل القرآن الكريم إما إستجابة أو دعوة.

ولا يتسع المجال هنا لالتقاط مواضع من السنة والسيرة لانها ملأى بذلك والفسحة هنا ضيقة.
ومن ذلك قوله لاصحابه في حادثة تأبير النخل " أنتم أعلم بأمور دنياكم " . أي أن الواقع الزراعي والفلاحي وكل واقع يقتصر فيه الاسلام على الاصول العامة والمقاصد الكبرى إنما تحكمه النية الحسنة ومبدأ التعاون وطلب العلم فيه والاخلاص في عمله والاستفادة من التجارب الانسانية المبسوطة في حقله . ولكن ظهر علينا بإسم الاجتهاد اليوم من يقول بأن الدنيا هنا هي الاحوال الشخصية للانسان دون مراعاة آية صحيحة صريحة من تحليل أو تحريم أو معاملة إقتصادية ثبتت حرمتها مثل الربا ـ سيما النسيئة ـ أو غير ذلك . إذا كنا أعلم بأمور دنيانا وفق ذلك الفهم الاخرق فلم تنزلت أكثر من خمسمائة آية من أيات الاحكام ولم جاءت نصوص صحيحة صريحة في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الدولية وشؤون الحرب وغير ذلك ؟

من أمثلة فقه الواقع من السيرة النبوية إذنه عليه الصلاة والسلام لشيخ بتقبيل زوجته في نهار رمضان المعظم ومنعه شابا من ذلك . فهو عليه الصلاة والسلام راعى مآل عمل كل منهما أي واقع كل منهما سدا لذريعة الفطر بدون عذر عمن يظن في مثل سنه ذلك وعملا بمبدإ الاباحة التي لا يؤول مآلها عادة إلى غير مراد الصيام .

وكذا إفتاء حبر الامة إبن عباس وترجمان القرآن الكريم عليهما الرضوان رجلا بعدم قبول توبة القاتل لما رأى في عينيه من عزم على القتل الذي لما يباشره وهو في الطريق إليه بينما أفتى الاخر بضد فتوى صاحبه لما رأى في عينيه ذلة التوبة وإنكسار مقترف الذنب فلم يوئسه من رحمة الرحمان الرحيم سبحانه .

كما روي عن إبن تيمية عليه الرحمة والرضوان عدم تعرضه لمقارعي الخمرة أيام التتار ببغداد لئلا تكون صحوتهم وبالا على الابرياء ولا يستوي من يضر نفسه بالخمرة بمن يعتدي على الحرمات المقدسة من أبدان وأنفس وأموال وأعراض للناس .

3 ــ فقه الموازنات :

منشأ فقه الموازنات هو كون كل أمر وشيء في هذه الدنيا لا يتمحض بالكلية حلو المذاق ولا مر السوغ ففي الاخلاق مثلا تكون الشجاعة مهلكة لو جاوزت حدها إلى التهور وقتل النفس وكذا تكون مهلكة لو إختفى حدها الادنى فأصبحت جبنا وهلعا وعلى ذلك قس كل خلق وهو كريم بإعتداله بين طرفين وتوسطه بين منزلتين . حتى العبادة ركوعا وسجودا وذكرا وتلاوة وإعتكافا لو لم يتخللها التوازن أضحت ممقوتة لا يجازى عنها صاحبها بل قد يعاقب لاهماله فرائض أخرى . تلك هي الدنيا بكل ما فيها جعلها سبحانه لا تثبت على حال ومنها النفس البشرية لا تثبت على يقين حتى يخالجها ما دونه ولا على حسن مزاج حتى يعتورها سوؤه .
من ذا نشأت الحاجة إلى الموازنة بشكل عام .
أما في الشريعة الاسلامية فإن الانسان مدعو كذلك إلى الموازنة بين أموره وذلك بحكم كونه مدعوا إلى أمرين لا بد له منهما ولاغنى لاحدهما عن الاخر وهما : تعمير دار الحيوان وتعمير دار الدنيا في آن . وكلاهما محكوم بالاسلام إما بنصوص ثابتة أو مقاصد كلية وليس يسلم أحدهما دوما من شغب من لدن الاخر بحكم سنة الحياة الجارية وحاجة الانسان وتقلب نفسه .

ضرب لنا القرآن الكريم مثلا بديعا رائعا عن الموازنة في مواضع عديدة منها :

ــ إقامة الخضر عليه السلام للجدار الذي يريد أن ينقض برغم كون أهل تلك الدار لم يطعموه وصاحبه . الموازنة العقلية الظاهرة توحي بغير ذلك جزاء وفاقا وعدلا قسطاسا ولكن الموازنة التي تراعي كل جوانب الامر توحي بأن إقامة الجدار فيه مصلحة لغلامين يتيمين وجب إصلاح أمرهما لصلاح أبيهما مهما علا .

ــ تحريم الخمر والميسر كان بناء على إقامة الموازنة بين منافعهما ومفاسدهما وهو ما يدفع إلى الاطمئنان بأن مبنى الاسلام بأسره عقيدة وعبادة وخلقا وشريعة شاملة لكل مجال وحال وإنسان هو جلب المصالح ودرإ المفاسد .

وفي السيرة أمثلة لا تحصى من ذلك ومنه : موازنته عليه الصلاة والسلام بين الاصرار على كتب صفته على وثيقة مصالحة الحديبية وبين تحصيل منافع ذلك الصلح ولو بعد سنوات فآثر هذه على تلك . وهو مبحث كفيل بتضليل كل من لم يتوخ النظرة الشاملة الكلية العامة في كل أمر وكل من لم يتخلص من الرؤية الجزئية للاشياء والامور في حياته الخاصة والعامة لا ينفعه فقه الموازنات خاصة والسياسة الشرعية عامة .

الموازنة تكون في مناطق ثلاث :

ــ بين المصالح والمفاسد إبتداء فيما ظهر فيه ذلك جليا أو بالاجتهاد ولو تغليبا .
ــ بين المصالح نفسها تحصيلا لاكملها وتفويتا لادناها
ــ بين المفاسد نفسها درأ لاخطرها وتحملا لادناها

من فقه الموازنات برز فقه الاستصلاح وهو مدار الاجتهاد الفقهي عند القدامى والمحدثين سواء بسواء .

الاستصلاح نسبة إلى المصلحة التي قام الاسلام على مراعاتها عند كل تشريع من العقيدة إلى أدق الاحوال الشخصية في حياة البشر فردا وجماعة وفي كل الاحوال .

نبه إلى المصلحة أحيانا بفرض تشريع على من رضي بالدخول إلى الاسلام دون كنه المصلحة منه من مثل المعدودات والمكيلات والموزونات وسائر ما يرتبط بالازمنة والامكنة والطقوس والهيئات سيما في العبادات وأحيانا بالتنبيه إلى مناط الحكم وعلته صراحا والصحيح هو قولنا أن مصلحة ما لم نتبين مصلحته أو علته : الابتلاء بمطلق الطاعة والانقياد والاسلام فيما غابت عنا الحكمة فيه وهو نادر جدا لا يتعدى مجال ما ذكرت آنفا إذ حتى العبادات معللة ب" تنهى عن الفحشاء والمنكر " و " لعلكم تتقون " و " تطهرهم وتزكيهم بها " و غير ذلك .

المصالح أنواع ثلاث :

ــ مصالح معتبرة وهي ما أمر بها صراحة أو بقريب من ذلك .
ــ مصالح ملغاة وهي ما نهى عنها صراحة أو بقريب من ذلك .
ــ مصالح مرسلة أي لم يعين القول فيها لا إعتبارا ولا نهيا فهي مرسلة تلتقط بحسب حاجة الناس.

سماها بعض الفقهاء إستحسانا من مثل الاحناف ولكن الخلاف بينهم وبين المالكية مثلا أكثر من قال بالاستصلاح شكلي لفظي ليس إلا وسماها آخرون قياسا مرسلا ولكن عمدة كل فريق هو نشدان أيلولة حياة الناس في كنف الشريعة الاسلامية إلى تحقق المقاصد العليا الكلية من نزول تلك الشريعة بين نص ثابت أو ظني قد تحيق به ظروف معينة فيكون تطبيقه غير مناسب وبين مقصد عام كلي يجب البحث عنه أو عن مظان عمله ليتحقق والقنطرة الرابطة بين ذلك هي نشدان المصلحة أي إعمال النص ضمن مقصده أو إعمال المقصد ضمن أصله .

المصالح معتبرة من لدن الاصحاب الكرام وما في فعل عمر عليه الرضوان في حادثات معلومة مشهورة سوى نشدانا لذلك من مثل ما فعل عام الرمادة وفي أرض السواد بالعراق وسهم المؤلفة قلوبهم وتثليث الاذان أو تثنيته وصك العملة وإحداث البريد والسجن والدواوين وتقسيم الامصار وتسمية العمال وما فعل عثمان عليه الرضوان حيال ضوال الابل وغير ذلك لا يحصى ومن قبله جمع القرآن الكريم إبتدائيا على يد الخليفة الاول عليه الرضوان ثم إستكماليا على يد ذي النورين عليه الرضوان وكذا حروب الردة وإنقاذ جيش أسامة والسياسة مع الخوارج زمن علي عليه الرضوان ومن ذلك أيضا التسعير رغم إحجامه عنه عليه الصلاة والسلام وعقوبة شارب الخمر وهي ليست حدا بل تعزير بدليل الاجتهاد فيها من لدن الصحابة أنفسهم وقصة نصارى تغلب مع الجزية الخ ...

ألف الفقهاء كثيرا في المصالح من الغزالي والجويني وسلطان العلماء العز وإبن تيمية وإبن القيم والشاطبي وإبن عاشور وغيرهم مما لا يحصى . ووضع بعضهم ضوابط للاخذ بالمصلحة فكان الغزالي مضيقا فيها نسبيا بقوله يجب أن تكون ضرورية وكلية وقطعية ثم جاء الشاطبي فوسع شيئا ما حين قال لا بد أن تكون معقولة المعنى وملائمة لمقاصد الشريعة ورجوعها إلى حفظ ضروري أو حاجي ثم جاء القرضاوي فكان أكثر توسيعا حين إنتصر للشاطبي على الغزالي مضيفا شرط كونها يقينية لا وهمية .

وذكر أولئك مثال الطلاق بالثلاث في مجلس واحد سيما مع حالات عدم نية الطلاق ولكن بحكم الاغلاق والاكراه فكانت لعمر إجتهاداته في ذلك ولابن تيمية أخرى وللمعاصرين كذلك حفظا لمصلحة الاسرة والطفولة ومراعاة لظروف زمان ومكان وحال ونية وإكراه وغير ذلك ...

ومما قرر الفقهاء من قديم في ذلك قاعدة أصولية هي من أجل القواعد في ذلك أي : لا ينكر تغير الاحكام ـ أو الفتاوي ـ بتغير موجباتها أي الزمان والمكان والحال والعرف . والمقصود بالاحكام هنا لمن قال بذلك الظنية أو المعللة التي يدور الحكم فيها مع دوران العلة وجودا وعدما .

وأثار بعضهم إمكانية تعارض النص مع العقل . وحسمت القضية بكون القطعيات لا تتعارض لان الكون مبناه التوافق والانسجام والجمال والكمال والابداع والتناسق وأن القطعيات إذا كانت قطعيات فعلا دون أدنى إحتمال تنبجس من مشكاة واحدة بحكم وحدانية مصدرية الخلق والتكوين والانشاء أي الله رب العالمين .

فالنص الثابت القطعي لا يتعارض مع العقل الصحيح السليم ولكن قد تختلف حقول عملهما إختلاف تكامل فمجال النص الرواية صحة وخطأ ومجال العقل المنطق سلامة وعيا . فالتضارب بينهما هو تضارب في الرواية أو في سلامة المنطق وليس في أحدهما إذا كان كلاهما صحيح ثابت قطعي يقيني إذ إختلال المحكمات من أمارات الساعة وليس من شأن الفقه والعلم .

أما في أحوال التضارب الاخرى فإن المقدم دوما هو أشدهما قطعية وثباتا والمؤخر دوما هو أشدهما ظنية .

4 ــ فقه الاولويات أو مراتب الاعمال :

هذا الفقه هو نتيجة في الحقيقة لاعمال فقه الموازنات في مناطقه الثلاث آنفة الذكر إذ كل موازنة تتيح للعقل الاخذ برأي والعدول عن آخر وذلك هو معنى فقه الاولويات أو مراتب الاعمال بتعبير إبن القيم عليه الرحمة والرضوان . ويكون ذلك عبر التغليب والترجيح .
أعمال القلوب أولى مثلا من أعمال الجوارح والعقيدة أولى من العمل ومصلحة الانسان مقدمة على مصلحة الحيوان ومصالح الانسان المعنوية من مثل الحرية والكرامة مقدمة على مصالحه المادية من مثل المأكل والمشرب والتدين المنقوص المخترم بفسق وعصيان أولى من عدم التدين بالجملة وغير ذلك مما لا يحصى من فقه السياسة الشرعية وفقه مراتب الاعمال في الدين والدنيا. غير أن مشكلة بعض الناس عدم فقههم لمدلول مصطلح " أولوية " . فهي تعني عندهم الاسبقية المطلقة التي ليس وراءها من يقف وراءها . ولكن العاقل هو من يفهم أن خلف كل أولوية مرتبة معتبرة لا بد منها هي بدورها أولوية لمن يقف خلفها وهكذا دواليك . فلا تستوي الضروريات مثلا مع الحاجيات ولا هذه مع التحسينيات ولكن عند التطبيق يكون الوضوء وستر العورة وهما من التحسينيات شرطان لصحة الضروري لحفظ الدين أول الاولويات والصلاة عماده .
لا يمكن فهم الدنيا كومة متراكمة من المطالب والحاجيات مبثوثة مبعثرة لا ينتظمها خيط رقيق يضفي على تسلسلها الكمال وعلى تتابعها الجمال .
النظام التشريعي الاسلامي هو بمثابة قصر مرتب منظم كل شيء فيه في مكانه المناسب أو حاسوب عصري متطور يخزن الاشياء في مكانها المناسب ويبديها في زمنها المناسب وبحجمها المناسب أما تصور الاسلام كومة تبن إذا جئت تبحث عن مرتبة أي عمل فيه تبدو كمن يبحث عن إبرة صغيرة دقيقة في تلك الكومة ... ذلك أمر لا يليق بالانسان المكرم المستخلف المستأمن المعلم المسؤول .

5 ــ فقه التغيير :

التغيير هو رسالة الاسلام سماه القرآن الكريم إصلاحا وتغييرا ودعوة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وخيرا وإحسانا ومعروفا وفضلا وجهادا وعلما وفقها وغير ذلك كثير لا يحصى .
كما وضع الاسلام لفقه التغيير أصولا عظمى مرعية تاركا تفاصيل التطبيق للناس .

مرتكزات فقه التغيير ثلاث هي :

ــ رعاية الضرورات
ــ إرتكاب أخف الضررين
ــ مراعاة سنة التدرج

من أمثلة السيرة في ذلك : إحجامه عليه الصلاة والسلام عن هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم عليه السلام رغم تعين الامر بذلك مراعاة لارتكاب أخف الضررين : ضرر تحريف البناء الابراهيمي أو الرضى به كان مقدما على فتنة قد تصرف المسلمين الجدد عن دينهم أو تزود سدنة الكفر القدامى بحجة تقويض الدين الجديد . وسائر فقه الدعوة النبوية الكريمة قائم عند التحقيق على أصول تلك المرتكزات الثلاث العظمى من فقه التغيير ضمن فقه السياسة الشرعية.

فقه الاقليات :

الاقلية هي كل مجموعة بشرية تختلف عن الاكثرية التي تعيش معها في معطى ما دينا كان أم لغة أم عرقا أم مذهبا أم لونا الخ ... من مثل الامازيغية في الجزائر فهي أقلية لغوية والنصارى في الشام فهم أقلية دينية والشيعة في السعودية فهم أقلية مذهبية ...

يختلف وضع الاقليات بإختلاف أصل المواطنة في كثير من الاحيان رغم بلاغة تأثير التمييز بسبب الدين من لدن الديانات الاخرى سماوية أو وضعية أو لادينية أصلا ضد الديانة الاسلامية وذلك بإختلاف القوانين الخاصة بكل بلد غربي عدلا وبأختلاف المرونة أو التشدد في تطبيق تلك القوانين . لك أن تقارن وضع المسلمين الالمان مثلا مع غيرهم من المسلمين المتألمنين جنسية من أصول عربية خاصة وكذا وضع المسلمين الهنود في بلاد الهند وغير ذلك .

عادة ما تكون الاقليات الدينية هي مثار المشكلة وذلك دليل كاف على كون الدين ـ سيما الاسلام ـ ليس مجرد مكون من مكونات الشخصية البشرية حتى لو كان ذلك المكون يحتل مرتبة الصدارة بل هو يحتل ذلك الموقع ويستأثر بنصيب أوفر في صياغة تلك الشخصية ومن أجل ذلك حرم سبحانه على المسلمة الزواج من غير المسلم الذي قد يكون ملتزما بدينه فتنشأ الذرية معاندة لفطرة التوحيد فضلا عما يصيب الزوجة من أذى لان الفطرة الدينية في الانسان حتى غير الملتزم مطلقا تقريبا في أحيان كثيرة من أقوى الفطر الغريزية الجبلية بل ربما هي الاقوى .

ولذلك أيضا كانت الفتنة في الاسلام مبعثها الاول ومنشؤها الاكبر هو عيش المسلمين أقلية ضمن نظام إجتماعي عام غير محتكم للاسلام أما لو عاش غير المسلمين حتى لو كانوا ملاحدة في ظل النظام الاجتماعي الاسلامي العام فإنه حتى على فرض حصول تجاوزات ومظالم يبقى حق الناس غير المسلمين مصونا في حرياتهم الشخصية والعامة . أما حين تعكس الاية فيكون المسلم هو الذمي المحتاج إلى الحماية فإن الفتنة تكون قد إشتعلت برأسه ونزلت بداره وساء صباح المفتونين. ولذلك يمتن سبحانه على المسلمين " وإذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ".

تكون الاقلية دوما بحساب نسبتها في الاكثرية فالهنود المسلمون أقلية ضمن مليار من سكان الهند رغم أنهم ـ ربع مليون مسلم ـ يساوون عددا الامة العربية بأسرها.

مراحل الوجود الاسلامي في الغرب :

1 ــ مرحلة الشعور بالهوية والاستيقاظ
2 ــ مرحلة التحرك والتجمع
3 ــ مرحلة البناء والتوطين
4 ــ مرحلة التفاعل

فقه الاقليات هو جزء من الفقه الاسلامي العام تماما كالفقه الطبي والسياسي والمالي إذ كلما إستوى نشاط عند الانسان ودعت الحاجة إلى تنظيمه لبى الفقه العام في حركته الداخلية ليلد مولودا جديدا . علاقة جزء بكل دون إستقلال .

الوجود الاسلامي في الغرب ـ سيما في أمريكا وأروبا ـ كان حاجة ملحة وضرورة ملجئة ولو لم يكن ذلك كذلك لتعين على الامة إنشاء ذلك بوجه ما في عالم تحول إلى بيت صغير ضيق من زجاج ينكشف داخله لخارجه وخارجه لداخله ليل نهار صباح مساء وتلك هي السفينة التي عناها عليه الصلاة والسلام وهو يشدد على تكافل الناس جمعاء على طلب الخير ودرإ الشر بين مختلف الركاب لئلا يحيق الغرق بهم جميعا دون إعتبار مصلح من مفسد ولا صالح من طالح .

مصادر فقه الاقليات :

1 ــ القرآن الكريم سيما في كلياته العظمى ومقاصده الكبرى ومبادئه الاساسية.
2 ــ السنة وهي أحوج منا إلى الفهم والفقه وحسن التنزيل بحكم مخالفتها لطبيعة القرآن الكريم فهذا في معظمه مجمل كلي وهي في معظمها تفصيليه ومن أروع ما إستفاد الفقهاء قديما خاصة من ذلك فقه مقامات المشرع ـ أي النبي الاكرم عليه الصلاة والسلام ـ إذ تختلف السنة من قوله مبلغا عن ربه في مثل قوله " صلوا كما رأيتموني أصلي " أو " خذوا عني مناسككم " إلى قوله إماما عاما أو قائد حرب أو داعية لطيفا رفيقا أو ناصحا لمستنصح أو مشيرا على مستشير أو رب أسرة كما في كراهته الجمع على إبنته فاطمة عليه الرضوان سيما من إبنة عدو الله أبي جهل فعلي وفاطمة عليهما الرضوان ولداه بوجه أو غير ذلك . السنة إذن تحتاج إلى فهم عميق وفقه دقيق لان تعرضها للجزئيات والتفاصيل هو الاغلب فيحتاج الناس إلى مناسبة الحديث وحالها وسائر مشاهدها حتى لا يختلط البشري فيها بالنبوي والبلاغ بالدعوة وغير ذلك ومع ذلك تنتصب المشكلة الاخرى ـ الخاصة بالسنة ـ وهي مشكلة الورود . ففقه السنة إذن أعسر من فقه القرآن الكريم بكثير كثير.
3 ــ المصادر التشريعية الاخرى كالاجماع والقياس والاستصلاح والاستحسان والعرف والاستصحاب وقول الصحابي وعمل أهل المدينة وسد الذريعة وشريعة من قبلنا وغير ذلك مع رعاية قوة الدليل والترتيب فيها والحاجة إليها .

أهداف فقه الاقليات :

1 ــ الحياة وفق الاسلام بقدر المستطاع
2 ــ التأهل لحسن البلاغ الدعوي المبين
3 ــ التأهل للمشاركة الايجابية الفاعلة المسؤولة من لدن المسلمين في مجتمعاتهم الجديدة
4 ــ حل المشاكل الفقهية العالقة سيما على قاعدة الاجتهاد الجماعي للجماعة

مبادئ ومرتكزات فقه الاقليات :

1 ــ الاجتهاد المعاصر القويم سواء كان إنشائيا إبتدائيا أو ترجيحيا إنتقائيا
2 ــ مراعاة القواعد الفقهية الكلية من مثل : الامور بمقاصدها ـ العادة محكمة ـ مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ـ لا ضرر ولا ضرار ـ سائر القواعد المتعلقة بقضية الضرر وهي كثيرة يضيق المجال عن نقلها هنا كاملة ـ درء المفسدة أولى من جلب المصلحة حال التعارض ـ سائر القواعد المتعلقة بالموازنة بين المصالح والمفاسد وبين المصالح بعضها مع بعض والمفاسد بعضها مع بعض وهي كثيرة يضيق المجال هنا عنها ـ المشقة تجلب التيسير ـ يجوز تبعا ما لايجوز أصلا ـ الاصل في الاشياء الاباحة ـ الاصل في المعاملات النظر إلى المصالح ـ الغرم بالغنم ـ
المسلمون عند شروطهم ـ المعروف عرفا كالمشروط شرطا ـ النادر لاحكم له ـ حقوق الله على المسامحة وحقوق العباد على المشاححة ـ حق الامة مقدم على حق ا لافراد ـ فرض العين مقدم على فرض الكفاية ـ العبرة بالخواتيم ـ عمل القلب أفضل من عمل الجارحة ـ لا يزال المنكر بمنكر مثله أو أكبر منه ـ الاسلام والتوبة يجبان ما قبلهما ـ ما قارب الشيء أخذ حكمه ـ البدعة شر من المعصية ـ الظني لا يقاوم القطعي ـ اليقين لا يزول بالشك ـ الخ ... وهي كثيرة لا تحصى
3 ــ العناية بفقه الواقع المعيش
4 ــ فقه الجماعة أولى من حاجات الافراد
5 ــ إعتماد منهج التيسير في الفقه والتبشير في الدعوة وغرس اليقين في العقيدة والاتباع في الدين والابتداع في الدنيا
6 ــ عدم إنكار تغير الفتاوي بتغير موجباتها
7 ــ مراعاة سنة التدرج
8 ــ الاعتراف بحاجات الناس وضرورات الحياة من مثل إجازته عليه الصلاة والسلام لحكة لبس الحرير لبعض الاصحاب وإجازة المفضول مع وجود الفاضل لمصلحة أو ضرورة حفظا لمصالح الناس وتضمين الصناع كما فعل الخليفة الرابع عليه الرضوان رغم مخالفته للقياس لذات المقصد
9 ــ التحرر من الالتزام المذهبي فضلا عن التعصب من مثل إرث المسلم من كافر المؤول على أنه المحارب ولمصحلة علوية وفوقية المؤمن عليه دوما في الدين والدنيا من مثل ما فعل إبن تيمية وإبن القيم وكذا في إسلام المرأة في عصمة زوجها الكافر
10 ــ التأصيل لفقه حضاري يبرز محاسن الاسلام ودعوته

نماذج عملية من فقه الاقليات :

1 ــ صلاة الجمعة قبل الزوال عملا بفتوى الحنابلة وبعد العصر حتى المغرب عملا بفتوى المالكية رعاية للحالات الاستثنائية والظروف الطارئة فضلا عن حفظ الدين والجماعة وتيسير شؤون الناس من خلال الالتقاء في تلك الصلاة الاسبوعية من مثل التعارف والتعاون والتناكح والتناصح
2 ــ الجمع في الصيف بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا بما يناسب ظروف عمل العامل بحكم إضطراب المعدل العام للطقس من طول مفرط للنهار أو لليل .
3 ــ وضع قيود على نكاح الكتابيات : اليهوديات بحكم حالة الحرب المفتوحة والنصرانيات بحكم رعاية دين الولد وغلبة الحضارة الغربية التي يعيش فيها الوالد والولد وشيوع أخلاق تكاد تصل حتى الفطرية فيهن من مثل الخدين المضاجع والمصافح المقبل والزميل المحتضن وغير ذلك
4 ــ تبادل التهاني والتعازي مع أهل الكتاب والكفار عامة
5 ــ إسلام المرأة وزوجها كافر مراعاة للولد ولمدة الزواج وأمور أخرى
6 ــ شراء البيوت بالربا وخاصة المساجد والجمعيات المحتضنة لتلك المساجد ودور الثقافة واللهو إذا تعذر غير ذلك وتعينت فيه مصلحة الناس دينا ودنيا .

فقه الضرورات :

الضرورة عادة فوق الحاجة شدة وإلحاحية ومما قاله الفقهاء هنا بأن :
ــ ما حرم لذاته لا يجوز إلا لضرورة
ــ ما حرم لغيره لا يجوز إلا لحاجة

قال إبن القيم عليه الرحمة والرضوان " لا حرام مع ضرورة ولا واجب مع عجز".
وقال شيخه إبن تيمية عليه الرحمة والرضوان " ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين ".

القرآن الكريم في تشريعه إعترف بالضرورة والحاجة وسن لها ما يناسبها .

أمثلة من حالات الضرورة :

ــ ضرورة الغذاء والدواء والسكن
ــ ضرورة الالجاء المكره
ــ ضرورة النسيان
ــ ضرورة الجهل
ــ ضرورة العسر والفاقة وعموم البلوى
ــ ضرورة السفر والمرض
ــ ضرورة الدفاع الشرعي عن النفس ودفع الصائل
ــ ضرورة العرف من مثل بيع الثمر قبل نضوجه رغم النهي عنه " لا تباع ثمرة حتى تطعم ولا لبن في ضرع ولا صوف فوق ظهر " وذلك لحاجة الناس إلى ذلك مع رعاية نبذ الغرر في كل تلك المعاملات ما أمكن وما دونه يغتفر . والملاحظ أن أغلب مانهي عنه عليه الصلاة والسلام في مثل هذه المعاملات الاقتصادية بين الناس كان بمقصد نبذ التظالم بين الناس وسدا لذريعة الربا والغرر وإستغلال الغني لحاجة الفقير وغير ذلك فهي أحكام معللة دوما .
ــ ضرورة سد الذريعة وفتحها من مثل دفع المظلوم لرشوة يدفع بها الظلم عن نفسه وماله وعرضه دون إقتطاع حق إنسان بدون حق ومن مثل إعطائه عليه الصلاة والسلام ثلث ثمر المدينة لغطفان لحل الائتلاف الجاهلي الظالم ضد دولة المدينة أو الانسحاب منه لولا أن الشورى قضت بغير ذلك

قواعد في الضرورة :

ــ الضرورات تبيح المحظورات كطواف الحائض بالبيت مع أمن عدم تنجيس المكان بمثل ما أفتى إبن تيمية بذلك وفي حالنا اليوم : التأمين الاجباري على السيارات وهو غرر محض .
ــ الضرورات تقدر بقدرها كالكذب في الحالات المعروفة وكلما كانت مصلحة لا تؤذي أحدا .
ــ ما جاز لعذر بطل بزواله
ــ ما لا يدرك كله لا يترك جله
ــ الحاجة عامة كانت أم خاصة تتنزل منزلة الضرورة كبيع الرطب بالتمر رغم أنه ربا فضل لانهما من جنس واحد ولكن لحاجة الناس إلى ذلك سيما إذا أمن الظلم والغرر أو تضاءلا وما دونهما مغفور .

خلاصات عامة سريعة مركزة في الموضوع :

1 ــ الاقليات الاسلامية اليوم حقيقة واقعية تحولت إلى مكونات أساسية من مكونات المجتمعات الغربية ـ سيما الاروبية والامريكية ـ وهذا يتطلب إجتهادا إبتدائيا إنشائيا فقهيا أصوليا بالاساس يساعد على تمكين تلك الاقليات المستوطنة جيلا بعد جيلا منذ أكثر من نصف قرن كامل في بيئاتها الجديدة بغرض التأهل لمطلب الدعوة الاسلامية في زمن إنزاحت فيه الحدود بالكلية إفتراضيا على الاقل.

2 ــ ذلك الاجتهاد لم تكن له لظروف معلومة سابقة من فقه فهو يستقي من الفقه الاسلامي العام ضمن أصوله الكلية ثم يتميز عنه بمراعاة الواقع الجديد بمختلف مستوياته الايجابية والسلبية ثم يتطور جيلا بعد جيلا بحسب مستوى التمكن والقدرة والقوة والتأثير .

3 ــ أغلب مبنى ذلك الفقه الاجتهادي الانشائي الجديد هو المصادر التبعية من مثل الاستصلاح والاستحسان والاستصحاب والعرف وسد الذريعة وفتحها فضلا عن القياس ومراعاة الضرورات وفضلا عن أصول الاسلام الثابتة في علاقة المسلمين بغيرهم حال الحرب والسلم إجتماعيا وعلميا ودعويا وسياسيا وحضاريا .

4 ــ مبنى ذلك الاجتهاد الفقهي الجديد هو الجماعة المستوطنة الطامحة إلى العيش في المجتمعات الجديدة وفق شروط الاسلام قدر الامكان ثم إلى بث مناخات الحوار الدعوي الثقافي الندي مع الناس كافة وكل ما يخالف ذلك لا يمكن له سوى أن يبقى إستثنائيا محصورا ريثما يكتمل مشهد التأصيل ثم يتطور .

5 ــ ذلك الاجتهاد لا بد له من الالمام بعلمين : علم الشريعة وفقهها تقليدا وتجديدا وعلم الواقع بكل أبعاده بقدر الامكان و لا يغني علم عن آخر هنا أبدا .

6 ــ ذلك الاجتهاد لابد له من إعتماد ضروب جديدة قديمة من الفقه من مثل فقه المقاصد وفقه الواقع وفقه التغيير وفقه الاختلاف وفقه الحوار وفقه الضرورة وفقه السنن وفقه الاسباب وفقه مراتب الاعمال وفقه الموازنات وفقه مآلات الافعال إذ بقدر توسع أفق الفقه الانساني العام يكون ذلك الانتاج الاجتهادي التجديدي رحبا يستوعب الجديد ويأسلمه ويأنسنه .
7 ــ لابد لذلك الاجتهاد من توخي فقه التيسير بدل التعسير وفقه التبشير بدل التنفير وفقه غرس اليقين في الصدور عقديا بدل التجريد الكلامي وإجترار معارك عفا عنها الزمن والتفرغ لقضايا الكلام المعاصرة عقديا بسلاح العلم والفكر وفقه التدرج بدل التعجل وفقه التضامن والتكافل بدل التناحر والتصارع وفقه الرحمة بدل ا لقسوة والنقمة وفقه الدعوة بدل النبذ وفقه التجميع بدل التفريق وفقه الواقعية بدل المثالية وفقه التحرر بدل الاستعباد وفقه الالتزام بدل الامعية وفقه الوسطية بدل التنطع وفقه التعلم بدل التفيقه وفقه الانفتاح بدل التعصب وفقه التآخي بدل التعادي .

ملاحظة ختامية :

خشية طول المقال أكثر من اللزوم عدلت عن إدراج معطيات إحصائية مهمة جدا عن الوجود الاسلامي في الغرب ـ أروبا خاصة ـ وربما يكون ذلك في مناسبة قادمة لتكتمل صورة العرض والاستخلاص : التأصيل الفقهي مع المعطى الواقعي وبذا يكون المجتهد في هذا الجانب ملما بالقدر الادنى من متطلبات القول .

مراجع ومصادر:

1 ــ السياسة الشرعية للشيخ القرضاوي
2 ــ فقه الاولويات للشيخ القرضاوي
3 ــ فقه الاقليات للشيخ القرضاوي
4 ــ فقه الاقليات للدكتور النجار
5 ــ فقه الضرورة للدكتور الزحيلي
6 ــ دراسة عن واقع الاقليات الاسلامية في أوربا لنبيل شبيب من ألمانيا
7 ــ محاضرة في الموضوع للدكتور أحمد الخليفة من ميونيخ بألمانيا
8 ــ كتب ودراسات أخرى متنوعة

عن موقع الحوار . نت
المكلف بإنجاز الخلاصة : الهادي بريك ـ ألمانيا
المصدر: http://www.alhiwar.net/vb/showthread.php?5160-%CE%E1%C7%D5%C7%CA-%DD%ED-...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك