الشريعة ليست للأنثى فقط
من يتابع المشهد المحلي في غير موقف يجد أن حضور الضوابط الشرعية يأتي بقوة وتشدد وتزداد قامة باب سد الذرائع ارتفاعا مع حضور المرأة، وتغيب مع حضور أي قرار يخص الرجل وكأن شأنه بعمومه مسلّم الاباحة بالمطلق.
لن أستحضر شواهد من عمق التاريخ المحلي فأعيد مثلا بعض ضوابط تعليم الفتاة دون أن تكون تلك الضوابط او بعضها جزءا من مسوغات تأسيس تعليم الفتى.. ولكن سأقف مع القارئ سواء أكان القارئ مستهلكا ام مسؤولا صانع قرار وبصرف النظر عن نوعه امرأة او رجلا، لنرى على سبيل المثال قرار السماح للنساء بمزاولة البيع في قطاع التجزئة سنجد ان هذا القرار مر بمنعطفات وحالة تردد لا داعي لها، وغير مبررة، ثم تأكيد الضوابط الشرعية مرات متعددة في كل مرحلة.. لنقف امام هذا المشهد ونعمل مع بعض على تحليله برؤية موضوعية وبقدر عال من الحياد.
سابقا كان يقوم الرجل ببيع النساء كل شيء وأي شيء مباح طبعا ومعروض في السوق المحلية بما فيها أدق احتياجاتها الخاصة لم تكن تحتاج لدفع المال عند أي محاسب لوجود رجل محرم لها، فقط المطلوب قدرتها على دفع المال، لم يكن هناك محاسب في السوبر ماركت خاص بالعوائل، ومحاسب آخر بالرجال في أي سوبر ماركت ويُمنع الاستفادة منها الرجال بمفردهم او النساء بمفردهن.. دخلت المرأة في المشهد فجاء التنظيم وحضرت الضوابط الشرعية فاصبح هناك مسار لا يمكن ان يقف فيه الرجل الا إن كانت معه سيدة زوجة كانت او ابنة او خادمة.. وحين يكون المحاسب رجلا فان للجميع حق الاستفادة من خدماته رجالا ونساء..!
المرأة في المشهدين الأول والثاني هي نفس المرأة، الاختلاف فقط انها هناك تدفع المال وهنا تقبض المال..!
كما قلت سابقا وأكررها الآن حين تحضر المرأة يكون الارتباك والسبب أننا نعتقد أن هذا المخلوق لا يبلغ الرشد ابدا ولا يستطيع حماية نفسه ولا يدرك مسؤولياته وحقوقه وواجباته، وان المرأة محاطة دائما بذئاب متأهبة لافتراسها مع أن هؤلاء الذئاب أساسا هم تربيتها ومن يستندون على كتفها في ألمهم وضعفهم..
ولان المشهد النسائي يحمل التباين بين بياض ناصع متمثلا في القرارات الملكية التي تبعث بين فترة واخرى قوة دفع في الحراك النسائي، وبين لون رمادي غامض المعالم يأتي في الادارات الوسطى التي عليها التنفيذ فتفتعل العقد وتفترض القيود فيضيق الفضاء العام بالمرأة وتبرز نقاط الضعف في المشروع النسائي الذي اراد ولي الأمر تحقيق تقدمه..
حين نربط الشريعة بالمرأة فقط فنحن نخطئ في ذلك فثوابت الدين تشمل الانسان عموما رجلا كان أم امرأة..، والخشية من تأصيل المرأة في عمق المشهد العام باعتبارها جزءا فاعلا ومستقلا ومواطنا له حقوق وعليه واجبات وتشمله الأنظمة الوطنية باعتبار ان المشرع تعامل مع المفردة اللغوية وفق دلالات النص بشمول المؤنث مع المذكر ما يجعل من التضييق عليها امرا مخالفا للنظام ولا يتفق مع النصوص، وتأكيد استحقاقاتها الوطنية بنص خاص لا يعني التضييق عليها بل هو نوع من تحاشي الاصطدام بفريق الممانعة والذي يجيد مغازلة الرأي العام عبر مصطلحات لم تعد مجدية مثل الدرة المكنونة والملكة وخلافهما من عبارات ومفردات لم تعد تقابل وعي الجيل المعاصر، ولا ترتقي لتطلعاته وطموحاته.