التغيير.. إرادة وإدارة

 

يوسف القبلان

    

القيادة السياسية في بلادنا امتلكت إرادة التغيير، وأعلنت عن مشروع التحول الوطني، وفتحت مجال المشاركة لرسم خريطة المستقبل

 

 

التغيير مرحلة طبيعية في حياة الأمم الحيوية التي تنشد التطور والسعي المستمر نحو الأفضل في كافة المجالات. وفي ظل ظروف سياسية واقتصادية متغيرة يصبح التغيير أمراً حتمياً، وقراراً استراتيجياً جوهرياً.

المملكة كغيرها من الدول مرت وتمر بمراحل مراجعة وتطوير في مسيرتها التنموية في كافة المجالات. المرحلة الحالية بظروفها السياسية والاقتصادية على مستوى المنطقة العربية والمستوى الدولي، تتطلب تغييراً ينحو نحو الشمولية.

القيادة السياسية في بلادنا امتلكت إرادة التغيير، وأعلنت عن مشروع التحول الوطني، وفتحت مجال المشاركة لرسم خريطة المستقبل.

وحين يكون الحديث عن المستقبل، يكون التعليم هو الحجر الأساس الذي يقوم عليه البنيان. هو الطريق الرئيس الذي يقود الى تحقيق الأهداف الاستراتيجية، والرؤية المستقبلية. التعليم هو المسؤول عن التنمية البشرية أساسها الإنسان وسيلة وغاية.

إن التغيير بحد ذاته ليس هو الهدف. التحول والتطوير والتقدم هي النتيجة التي نسعى إليها. يقول أحد المجربين: (إن التقدم بكافة وجوهه يقتضي التغيير لكن التغيير لا يؤدي بالضرورة إلى التقدم).

نحن بلد ينشد التقدم وهذا يقتضي التغيير في كثير من التوجهات والأساليب الإدارية والأنماط القيادية حتى ترتقي إلى مستوى رؤية القيادة وتوقعاتها. تحقق أهداف التغيير مرهون بالشمولية والتكامل بين أجهزة الدولة والانطلاق من أسس واحدة تتبنى التغيير من أجل التطوير. بهذه الشمولية سنكون أمام مرحلة جديدة في كل مناحي الحياة. سنتوقع تطويراً في الجوانب الاقتصادية، وبرامج التعليم والتدريب، سياسات وأنظمة التوظيف، الأساليب الإدارية، الخطاب الثقافي والإعلامي، عاداتنا الغذائية والاستهلاكية، الرعاية الصحية، الخدمات الاجتماعية، القضاء، وغيرها من مجالات التنمية.

التغيير المنتظر هو التغيير الذي يؤدي إلى التقدم في طريق دولة المؤسسات، هذا أمر بديهي متفق علية. وبدون (لكن) نقول إن البداية من المدرسة والجامعة هي الخطوة الاستراتيجية. هي مفتاح أبواب المستقبل. الأساليب والإجراءات والتقنيات الإدارية عوامل أساسية في منظومة التغيير، وهي تظل ناقصة بدون تغيير ثقافي، وتغيير في الفكر الإداري. هذا النوع من التغيير يتحقق بالتعليم والتدريب، وسن الأنظمة والقوانين وتطبيقها.

إن وجود رؤية واضحة وطموحة للتعليم ستؤدي إلى قرارات تطويرية جذرية لقطاع التعليم تشمل الهيكلة، والإدارة، والمناهج، وإعداد المعلم، وبيئة المدرسة، والتعليم الجامعي، وكافة الجوانب التي تشكل منظومة التعليم.

تطوير التعليم سينعكس على المسارات التنموية المختلفة. ومن أهمها مسار التنمية الإدارية. وفي هذا المجال يأتي الحديث عن العمل المؤسسي، وقياس الأداء والإنتاجية، والخصخصة، وأخلاقيات العمل، والتخطيط والمتابعة والتقييم والمحاسبة، وترشيد الإنفاق الحكومي، وتنويع مصادر الدخل، وتنمية الموارد البشرية، والتحول نحو فكر إداري مختلف يعزز الاتجاه نحو الإدارة المحلية، وإيجاد بيئة عمل إيجابية تحفز على الانتماء والمشاركة والإبداع، وبناء القيادات.

في تفاصيل التنمية الإدارية كثير من الجوانب التي تحتاج إلى مراجعة وتطوير. مفاهيم وممارسات إدارية تعاملنا معها وكأنها قانون ملزم. يندرج تحت هذا الموضوع ما يتعلق بإعادة الهيكلة، وسياسة التوطين وآليات التنفيذ، ومعايير اختيار القيادات الإدارية، وأسلوب إعداد الخطط الخمسية، وإعداد الميزانية السنوية، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، والمركز الوطني لقياس الأداء، ومراجعة وتحديث الأنظمة الإدارية، وتطوير برامج التدريب الإداري بما في ذلك التكيف مع الاحتياجات التدريبية المتجددة، وآلية نقل نتائج التدريب إلى بيئة العمل. ولا ننسى أهمية تفعيل قرار مجلس الوزراء بإنشاء وحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية بهدف متابعة جودة الإجراءات وتوظيف الموارد، وحسن استثمارها، والتأكد من تطبيق الأنظمة واللوائح. بما يساهم في رفع مستوى الأداء والإنتاجية.

يدخل في هذا الباب أيضاً موضوع استقطاب الكفاءات، وتطوير بيئة العمل لتكون بيئة جاذبة تقدر العمل بروح الفريق، وتتيح فرص المشاركة، وتوفر الظروف التي تحقق العدالة، وفرص التقدم أمام الجميع. وفي هذا المجال لا بد من تحول قوي في سياسة وبرامج التوطين بحيث تشمل كافة المستويات الوظيفية والمهن.

يضاف إلى ما سبق، تقييم تجربة مجلس الشورى، والبناء على ذلك في عملية تطوير تشمل آلية التشكيل والصلاحيات.

العالم يعيش في عصر جديد، ونحن جزء من هذا العالم. المشكلات والعقبات تغيرت. الطموحات أيضاً تغيرت. كان النقد الذي يوجه للأجهزة الحكومية مثلاً هو ضعف استخدام التقنية. الآن أصبحت التقنية هي التي تسير العمل، وتقدم الخدمة، وتخدم القرار.

وفي نفس مسار التنمية الإدارية تبرز أهمية إعادة الهيكلة الإدارية حتى تتفق مع توجهات استراتيجية المملكة 2020. من أهم هذه التوجهات تفعيل دور القطاع الخاص والخصخصة. هذا قد يستدعي التعامل مع الترهل الإداري، وإعادة النظر في دور بعض الوزارات ومهامها التي ستتحول إلى دور المنظم ووضع السياسات والمتابعة، وترك التنفيذ للقطاع الخاص. وقد يقودنا ذلك إلى تخفيض عدد الوزارات، ودمج بعضها، وخفض حجم الجهاز الحكومي ليس من أجل الترشيد الإداري فقط ولكن من أجل الفعالية الإدارية. وقد يكون القطاع الصحي هو الحالة الأقرب لتطبيق هذا التوجه.

كما يتطلب التحول إلى العمل المؤسسي في كافة القطاعات إلزام كافة الجهات بوضع رؤية مستقبلية محددة بزمن معين، حيث تشكل الأساس الذي ستبنى عليه الأهداف والخطط التنفيذية. هذه الرؤية والخطط سوف تساعد المركز الوطني لقياس الأداء على التقييم وقياس الأداء والنتائج.

وأخير ولكي تكتمل منظومة التطوير الإداري نرجع اإلى العنصر الأهم وهو العنصر البشري. في هذا الصدد من المهم توفير بيئة عمل إيجابية جاذبة للتوطين، وتساعد على اكتشاف القدرات والمهارات وبناء القيادات، وتقدير المبادرات الإبداعية، وترحب بالأفكار الجديدة، وتنمي العلاقات الإنسانية، وتعزز العمل الجماعي، وتترجم القيم الأخلاقية والمهنية مثل العدالة والشفافية والنزاهة والجودة والمشاركة الى ممارسات.

http://www.alriyadh.com/1143130

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك