التربية الإعلامية ضرورة ملحة

علاء مولى الدويلة

 

لم يعد العالم الذي نعيش فيه قرية صغيرة كما يصفه الكثير، لأنه أصبح بيتاً واحداً إن لم يكن غرفة، بل أضحى جهازاً ذكيًّا مليء اليد ويحتضنه الجيب. 



ومنذ انفجار الثورة المعلوماتية وانتشار التكنولوجيا العابرة للقارات والمخترقة للثقافات والحدود، دخل العالم مرحلة فتح جديدة، وانطلق الإنسان في الفضاء الإلكتروني الهائل بالمعلومات والمعارف والأخبار والصور والأفكار، واطّلع عن كثب على كل ما يدور في العالم، ليقف الإنسان على التفاصيل ويشفي فضوله الفطري بالتعرف على كل ما يهمه، فيجد مبتغاه بنقرة بسيطة على موقع إلكتروني أو منصة اجتماعية يشارك ويتفاعل مع أصدقاء له في آخر بقعة من العالم، ربما يختلف معهم في كل شيء، اللغة والعرق والجغرافيا والتاريخ والثقافة والدين.



وارتبط ذلك التطور التاريخي في تكنولوجيا الاتصال بالإعلام ووسائله المختلفة، فلم تعد الصحافة حكراً على نخب معينة من المجتمع، بل أصبح بإمكان أي شغوف لمهنة المتاعب، أن يطلق موقعاً إلكترونيًّا إخباريًّا، وأن ينشر فيه ما يتواءم وسياسته التحريرية بعيداً كل البعد عن العملية المعقدة لإنتاج صحيفة ورقية تحتاج إلى ميزانية ضخمة وتتطلب العديد من المراحل والطاقات البشرية حتى تصل في اليوم التالي إلى يد القارئ.

والأمر كذلك انطبق على الإعلام المتلفز الذي أصبح متاحاً لكل من يمتلك فكرة وكاميرا فتعرض الكثير من الأعمال المصورة على قناة يوتيوبية بسيطة، قد تتجاوز مشاهداتها المليونية الكثير من القنوات الفضائية الخاملة والمعلقة عبثاً على قمر صناعي بعيد، لا يشاهدها سوى ملاكها وربما القليل من أقاربهم! ففكرة الإطلالة التلفزيونية ومخاطبة الجمهور، لم تعد حصرية على مؤسسات وجهات معينة كانت تسيطر وتتحكم في تدفق الأخبار والمعلومات من خلال الشاشات الفضية التي تخدم من خلالها مصالحها الخاصة.



وفي كل مرحلة تبهرنا وسائل الإعلام بإطلالاتها المتجددة والمدهشة، المواكبة للتطورات الراهنة في التقنية والصناعة، حتى استطاع الإعلام منذ سنوات طويلة أن يحكم السيطرة تماماً على العالم، وتمكن من أن يأخذ زمام القيادة والتحكم بدفة التوجيه والتعليم والتعبئة والتثقيف. فأصبح مسلياً ومعلماً ومربياً لأطفالنا، وناصحاً ومرشداً وموجهاً لشبابنا، وقارئاً ومثقِّفاً لكبارنا، فصار المجتمع بكل فئاته وأجناسه أسيراً لما ينشره عبر وسائله المختلفة، ساحباً البساط من محطات التربية الاجتماعية التقليدية، التي تبدأ من الأسرة ثم المسجد والمدرسة والحارة، لينطلق النشء بعد ذلك إلى الحياة، لكن الإعلام -شئنا أم أبينا- اخترق جدار التأثير في حياتنا، وأصبح بلا منازع أحد أبرز المتحكمين في التنشئة الاجتماعية، وأقوى القادرين على التعبئة والتوجيه، ليس للأطفال فقط، بل للكبار أيضاً.

أذكر أنني حاولت مراراً -في بيتنا- أن أُغلق إحدى قنوات الأطفال التي تبث من خلال أفلام الكارتون الكثير من الأفكار الغربية التي لا تتناسب مع أخلاق وقيم مجتمعنا المسلم، لاحظتها في أكثر من مرة تستهدف ما كان متجهاً إلى الأخلاق مباشرة، أو متجها إلى الهوية، بل تصل في بعض الأحيان إلى العقيدة وتهاجم في مرات عدة الفطرة السوية.

ولكني أكتشف بعد كل مرة، أن ابن أخي "حمزة" الذي لا يتجاوز عمره عشر سنوات، يستطيع فك شفرة قناة الأطفال المغرضة ويتمكن من إعادتها من جديد، حيث يدخل إلى برمجة جهاز الاستقبال ويعيد إدخالها في كل مرة. 



فتوصلت حينها إلى قناعة تامة، مفادها أن هذا الجيل من الاستحالة التحكم فيما يشاهد أو الاطلاع على ما يريد متابعته في فضاء الصورة أو ألعاب الفيديو، فخطرت على بالي -تلقائيًّا- تساؤلات كثيرة، أين دور التربية الإعلامية والوعي الكامل بأهمية وخطورة الإعلام على الأطفال، سواء أكان من الأبوين "الأسرة"، وأين يكمن دور المدرسة في تعليم الأطفال وترشيد اهتماماتهم الإعلامية؟ وهل حقًّا يتطلب الأمر مادة علمية تضم إلى منهج التربية والتعليم تهتم بالإعلام وتبرز حجم احتياجنا له مع الوقاية من مخاطره.

ومن خلال اطلاعي على بعض الدراسات والأبحاث التي تهتم بالإعلام ودوره في المجتمع، وقفت مرة على دراسة علمية تشير إلى أن أجهزة الإعلام تلقي بظلالها على الطفل المعاصر إيجاباً أو سلباً، حتى أنه يصعب عليه أن يفلت من أسرها، فهي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم وتحاصره من مختلف الجهات ليلاً ونهاراً، وتحاول أن ترسم له طريقاً جديداً لحياته، وأسلوباً معاصراً لنشاطه وعلاقاته، ومن ثم فهي قادرة على الإسهام بفاعلية في تثقيفه وتعليمه، وتوجيهه، والأخذ بيده إلى آفاق الحياة الرحبة.

لذا فمن الضرورة القصوى أن تسهم الأسرة والمدرسة في توجيه الأطفال لإحاطتهم بمدى خطورة الإعلام وما يشاهدونه باستمرار من أفلام الكارتون أو مع ما يتفاعلون معه من ألعاب الفيديو، إن لم يكن عبر مادة علمية تشرف عليها نخبة من أهم وأبرز أساتذة الإعلام والاتصال، لتكوين منهج يتناسب ومدركات الأطفال عبر مراحلهم العمرية، ليفهم الأطفال كيفية التعامل مع الإعلام بمختلف أنواعه وبتعدد رسائله، وإما عبر برامج أو دورات تعليمية وتوعوية مدروسة، تستهدف الآباء والأطفال، بالإمكان أن تسهم في تنفيذها الجهات المتخصصة ومنظمات المجتمع المدني، وذلك من أجل إبراز أهمية الإعلام وكيفية التعاطي مع ما تبثه وسائله المختلفة، فتنتشر حينها ثقافة التعامل الإيجابي والرشيد مع الإعلام، بدء بوسائله التقليدية، وانتهاء بطبيعة التفاعل البنّاء مع المواقع والمنصات الاجتماعية. 

ومضة:

ما أحوجنا إلى إعلام عربي هادف يسعى لإيصال رسالة واضحة وهدف سامي، بعيداً عن المصالح الضيقة.

المصدر: http://www.huffpostarabi.com/alaa-dwila/story_b_9553512.html?utm_hp_ref=...

الأكثر مشاركة في الفيس بوك