العَلمانية العربيّة صرخة في وجه مُلاّك الحقيقة المطلقة

بقلم غيضان السيد علي

 

"لم يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين، لكنّ رجل الدين قتل الكثير من الفلاسفة".

(ديدرو 1713ـ 1784)

باتت العَلمانية العربية هي الضامن الحقيقي للعيش سوياً، فلن يمكننا أن نمعن النظر طويلاً إلى الأحداث حسب الهوى والمزاج الشخصي، إننا بالفعل تجاه واقع مأزوم بكلّ ما تعنيه الأزمة من معان، فلا شيء بات يضمن لنا مساحة قبول الآخر المختلف، ولا شيء أصبح يمنع من ذبحه والتمثيل به من قِبل الجماعات الدينية المتطرفة التي ترى في فعلها هذا تقرّباً إلى الله وزلفى. كما أنه لا يمكننا أيضاً أن نضمن ألا يخرج علينا حاكم ذات يوم من عباءة النصوص الفقهية الدينية ليرسّخ ظلمه واستبداده، ويدين من خلال هذه النصوص ذاتها ويُجرّم ويُكفّر الخروج عليه؛ فيمكنه بعد ذلك خوض الحرب المقدّسة ضد المرتدّين الذين ارتدوا مسوح المعارضة السياسية.

لا شيء سوى العلمانية التي تحتاجها البشرية ولا يحتاجها دين بعينه، لتصبح الضامن الحقيقي لإنارة المناطق المظلمة في التاريخ، التي يتمّ فيها العبث بالدين وتفسيره حسب الهوى والمصلحة واستخدامه كوسيلةٍ مُثلى للتخلص من المنافسين والمعارضين، أو كما يقول البعض: "المناطق المظلمة في التاريخ لا تلوث الدين نفسه، ولكن ما يلوث الدين هو جرّه إلى شارع السياسة الذي يزكم الأنوفَ ترابُه ودسائسُه".[1] ولكن لا بدّ أن نتوقف كثيراً عند مفهوم العلمانية فهو مفهوم ملتبس غامض مشوّه نتيجة لانتقاله من تربته الأصلية التي نشأ فيها إلى تربة مغايرة وظروف مختلفة.

يرى الأصوليون على مختلف توجهاتهم أنّ العلمانية نبتٌ أوروبي محض، وهي تقف كطرف مقابل لكلّ ما هو ديني مقدّس، وأنها نشأت في أساسها الأول كردّ فعل على تسلّط الكنيسة الكاثوليكية الكهنوتية التي أمعنت في اضطهاد العلماء والمجددين التنويريين والوقوف حَجَرَ عثرة في سبيل تقدّم العلم، فكان لزاماً التخلص منها للانتقال من عصور الظلام إلى عصور الإحياء والتنوير والحداثة. ومن ثمّ وجب رفضها في البيئات الإسلامية لأنه ـ حسب زعم الأصوليين الإسلاميين- ليس في الإسلام دولة دينية ولا سلطة مقدّسة، وأنّ الإسلام يرفض مفهوم رجل الدين والكهانة والكهنوت، ولم يشهد الإسلام على مدى عصوره أية مؤسسات قمعية تقوم بقمع العلم ومحاربة العلماء والمجددين، ومن ثمّ فلا حاجة إليها في بلادنا على الإطلاق، بل إنهم لم يكتفوا بذلك، فقد نعتوا العلمانية وأصحابها بالكفر والزندقة والمروق عن الدين، حتى باتت صفة علماني وصمة عار تلحق بصاحبها عند العوام وبعض الخاصة.

ونسي هؤلاء الأصوليون أنّ العلمانية التي هاجموها ليست واحدة، وإنما هناك معانٍ متعددة للعلمانية تبناها أكثر من فريق اتصف بالعلمانية، فهناك علمانية ماركس المضادة للدين تماماً والتي تُمثلها مقولته الشهيرة: "نحن لم يخلقنا الله بل نحن الذين خلقناه"، كما أنّ هناك العلمانية الأوروبية، وهي تلك التي تبيح التدين في المجال الخاص، أمّا في المجال العام فإنها تمنعه وتحرمه، وهي علمانية تخاف الدين وتخشاه. أمّا النوع الثالث من العلمانية فهي تلك العلمانية الليبرالية الأنجلو ساكسونية، وهي علمانية محايدة لا تفرّق بين المجال العام والخاص، فأنت حرّ في كلّ تصرفاتك واعتقاداتك ما لم تضرّ بالآخرين . كما أنّ هناك، كما يقول د. عصمت نصار، العلمانية العربية التي لها خصوصية مغايرة لدلالة المصطلح ومفهومه وأبعاده المعرفية والعقدية في الثقافة الغربية، فمن نطلق عليهم علمانيين من العرب في أغلبهم لم يقفوا موقفاً عدائياً من أصول العقيدة، ولم ينكروا وجود الله، ولم يجحدوا شرائعه، وانصبّ نقدهم على التراث الديني تارةً، والفكر العقدي تارةً أخرى، وشتّان عندهم ما بين صحيح المنقول والكتابات المفسرة والشارحة له، فالأخيرة تُدرج ضمن الإبداع البشري ولا تعدو أن تكون اجتهادات تحمل رؤى أصحابها، ومن ثمّ فهي تخضع بطبيعة الحال إلى البيئة الثقافية التي كُتبت فيها، الأمر الذي يجعل منها مجرد مصنفات غير معصومة من الزلل والإخفاق والخطأ أحياناً من جهة، وتستوجب النقد لإعادة إحياء الأصيل منها، واستبعاد ما لا يتناسب مع الواقع المعيش، وتطوير ما يجب تجديده من آراء وتصورات وأحكام فيها من جهة أخرى[2]. ومن ثمّ لم تكن العلمانية العربية ضدّ الدين أو المقدسات، فلم يكن على عبد الرازق وطه حسين ومحمد حسين هيكل وتوفيق الحكيم وحسين فوزي وخالد محمد خالد وعادل ضاهر وعاطف العراقي ورفعت السعيد وغيرهم ممّن وصفوا بالعلمانييّن، ممّن يفصلون بين الدين وشتى أمور الحياة، ولا ممّن يحتجزون الدين داخل دُوَر العبادة. ومن هنا كان تعريف مراد وهبة للعلمانية بأنها: "التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق".[3]

ومن ثمّ كان العداء الذي شبّ بين العلمانيين العرب والمحافظين؛ فقد انطلق من عدم إدراك المحافظين للفروق الهامة بين العلمانية الغربية الرافضة لتدخل الدين وفصله تماماً عن الحياة العامة، وبين العلمانية العربية التي ترفض تقديس غير المقدّس ممّا جاء به التابعون والسلف الصالح، واعتباره اجتهاداً قابلاً للنقد والتقويم، ورفض أيّ سلطة دينية تدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، ودعوة إلى الاجتهاد والتفسير والتأويل للنصوص الدينية إذا ما تعارضت مع العقل والعلم وسائر أمور الحياة الحديثة.

أمّا رفض الموروث بكليّته اعتقاداً بأنّ جمود المحافظين يُردّ إلى الدين، وعليه يجنح إلى المروق ورفض الدين ورجالاته والأصول والفروع معاً فلم يذهب إليه سوى نفر قليل من العلمانيين العرب كسلامة موسى وإسماعيل أدهم في القرن الماضي وهشام جعيّط في أيامنا الحالية.

وقد انشغل العلمانيون العرب على مدار تاريخهم بتخليص الوطن من أمراضه الفتّاكة، وهم في ذلك يجارون صنيع العلمانية الأوروبية؛ فالفلاسفة الذين أدانوا الحروب وهاجموا رؤساء أمريكا علمانيون؛ أمثال برتراند رسّل وسارتر. بل إنّ إينشتاين (موسوي الديانة) رفض عرض بن جوريون بأن يكون رئيساً لإسرائيل، ورفض عالم النفس الشهير فرويد (موسوي الديانة) الدعاية لقيام دولة إسرائيل، وعارض قيام دولة إسرائيل على أرض شعب آخر. ورفض الكاتب المسرحي آرثر ميلر جائزة القدس التي منحتها له إسرائيل احتجاجاً على قمع شارون للفلسطينيين، كما وقّع سبعة وثلاثون أستاذاً من جامعة بن جوريون في بئر سبع مذكّرة احتجاج على منح شارون الدكتوراه الفخرية من جامعتهم. كما وصفت وزيرة العدل الألمانية أفعال جورج بوش بالخليج العربي بأنها أشبه بأساليب هتلر النازي، وصرّح الكاتب المسرحي هارولد بنتر بأنّه لن ييأس من السعي لتقديم بيل كلينتون وتوني بلير لمحكمة مجرمي الحرب[4]. وهكذا لم يكن هناك سوى الضمير الحي كمرجعية لمواجهة الفاشية الدينية.

كذلك لم تَخْلُ يد الحضارة العربية الإسلامية من دنس قمع العلم والعلماء وأهل التجديد والتنوير قديماً وحديثاً، كما يدّعي الأصوليون مراراً وتكراراً، فالتاريخ الإسلامي مليء بأمثلة متعددة لحكام استخدموا الدين وخلطوه بسياستهم ومصالحهم ودعموه بفتاوى فقهاء السلطان لقمع أيّ فكر جديد مخالف، يكفي أن نذكر منه كيف قتل أبو جعفر المنصور عبد الله بن المقفع بتقطيع أطرافه حيّاً ثم تُشوى على النار أمام عينيه، ثم يأكلها ابن المقفع حتى يموت، لا لشيء إلا لأنه نصح المنصور بأن يحسن اختيار معاونيه، فكيف يتجرّأ ابن المقفع على ظلّ الله في الأرض؟ وكيف كان عقاب الحاكم المسلم للرازي الطبيب بضربه بكتبه التي ألفها على أمّ رأسه حتى فقد بصره. وكيف قَتل الحجاج بن يوسف معبد الجهني لأنه قال بالقدر، وكيف ذُبح الجعد بن درهم في عيد الأضحى وهو مقيد بمنبر المسجد باسم الدين، وكيف قُتل غيلان الدمشقي ومُثِّل بجثته لقوله بالقدر، وفوق كلّ هذا وذاك ما فُعل بإمام أهل السنّة والجماعة أحمد بن حنبل وما أصابه من تنكيل وحبس وجلد في محنة خلق القرآن، نتيجة لاعتقاده اعتقاداً يخالف اعتقاد الحاكم، وكيف قُتل السهروردي الفيلسوف؟ ولماذا صُلب الحلاج وجُلد الكندي؟ وعلى أي أساس طورد ابن رشد وأحرقت كتبه؟ أليس كلّ هذا جرّاء خلط الدين بالسياسة الذي أزهق الأرواح ونكّل بالمبدعين والعلماء والمجددين؟.

وفي العصر الحديث هل يخفى على أحد ما حدث لعلي عبد الرازق صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم" وكيف أُخرج من زمرة العلماء وسُحبت منه شهادة العالمية وتمّ محو اسمه من سجلاّت الأزهر وطرده من كلّ وظيفة دينية أو غير دينية، أو ما حدث مع طه حسين نتيجة لكتابه "في الشعر الجاهلي"، وكيف أتّهم بالخروج على ثوابت الدين؛ وكيف آل الأمر حتى تمّ تقديم استجواب بالبرلمان المصري ينادي بطرده من الجامعة المصرية. وعلى غرار ما حدث لابن حنبل قديماً شرب سيد قطب من الكأس نفسها حديثاً، أو ما حدث من اغتيال لفرج فودة أو تكفير لنصر حامد أبي زيد وتفريق بينه وبين زوجه، أو تلك الفعلة الشنيعة مع صاحب نوبل "نجيب محفوظ" من محاولة اغتيال بلا رحمة ولا شفقة، نتيجة لإقحام الدين في غير مجاله، أو ما حدث مع الروائي السوري حيدر حيدر صاحب رواية "وليمة لأعشاب البحر"... والقائمة تطول. أو كيف أزهقت الملايين من الأرواح نتيجة الجدل الفقهي الطويل وإقحام الآراء الفقهية في قضية طبّية، الأمر الذي عمل على تأخير قانون زرع الأعضاء، مع أنّ سبيل إنقاذ كلّ هؤلاء كان يكمن في كلمة واحدة لا تتعارض مع الدين، ولكنها تتعارض مع استخدام تفسيرات الدين الخاطئة في القهر والتنكيل والقتل والذبح والنفي، وهي كلمة العلمانية، أو بصيغ دينية؛ "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، أو "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، أو حتى بآيات قرآنية من قبيل: "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" .. أو قوله تعالى: "لستَ عليهم بمسيطر" ...إلخ.

فإذا كانت العلمانية دعوة لإنقاذ حياة البشر فإنها أيضاً علاج فعّال لمنع الاحتقان الديني الذي سيطر على البيئة العربية والإسلامية من أقصاها إلى أقصاها، وعلى ذلك تمثل العلمانية صرخة في وجه مُلاك الحقيقة المطلقة وجماعات رفض الآخر المخالف في الدين والعقيدة والمذهب والرأي والاتجاه، ودعوة للعيش سويّاً بناء علىّ مبدأ المواطنة. فالعلمانية العربية لا تعني أبداً فصل الدين عن المجتمع، ولا تقترب من الدين الشخصي لكلّ مواطن؛ حيث تكون حرية العبادة مكفولة لكلّ إنسان، وتسمح بإنشاء كلّ دُوَر العبادة من مساجد وكنائس بناءً على قانون واحد يطبّق على الجميع، فتكفل بذلك الحرية الدينية تحت شعار: دع المختلف معك يمارس طقوس ديانته بحريّة وسلام، وفي حالة الخلاف الفكري أو العقدي يكون الاحتكام إلى الحوار ومقارعة الحجّة بالحجّة والرأي بالرأي، وليس الحجّة بالمدفع والرأي بالقنبلة.

ومن ثمّ يتحقّق السلام المجتمعي حيث تكون السيادة لمبدأ المساواة التامة بين المواطنين. وأن يكون حق المواطنة هو المعيار في النظر إلى حقوق وواجبات كلّ مواطن. ففي ظلّ علمنة الدولة سوف تتراجع الأصوات التي ترى أنّ المسيحيين في بلاد الإسلام ليس لهم حق الدفاع عن الوطن وعليهم أداء الجزية، فالجميع مواطنون متساوون في كلّ الحقوق والواجبات.

وفي سيادة العلمانية بمعناها العربي سيمتنع الأخوة الأعداء من تكفير بعضهم بعضاً وسوف يعودون بفضل الله إخواناً، فيزول العداء التاريخي بين الجهمية والمعتزلة، وتمتنع الأشعرية عن تكفير المعتزلة، وينتهي الصراع الناتج عن فقه الفرقة الناجية، فيصبح الصوفية عند السلفية مؤمنين وليسوا كافرين، فالدين لله والوطن للجميع، ولا يصبح الوطن حفنةً من تراب عفن، فيعمل الجميع على نهضته وتقدمه. وتزول المشكلات الزائفة التي تنتج عن خلط الدين بالسياسة، مثل الحث على منع تدريس اللغة الإنجليزية بالمدارس لأنها لغة الكفرة، أو منع تدريس الفلسفة والمنطق لأنهما رجس من عمل الشيطان، ومن تمنطق فقد تزندق، نزولاً على فتوى ابن الصلاح في القرون الخالية، وأنّ سائر العلوم الإنسانية التي جاءتنا من الغرب ليس لها نفع ولا جدوى، كما ذهب إلى ذلك سيّد قطب؛ لأنّ القرآن والسنّة فيهما ما هو خير وأنفع من هذه العلوم.

ونحن بدورنا من الممكن أن نجد سنداً من كتب التراث وأقوال السابقين ما يؤيد ما تدعو إليه العلمانية العربية لمن يؤمن بالكتب القديمة ويقدّس آراء السابقين. فكما يقول أحد الباحثين: "أليست علمانية أن يقول ابن المقفع: إنّ الدين يسلم بالإيمان، والرأي يثبت بالخصومة، فمن جعل الدين خصومة فقد جعله رأياً، ومن جعل الرأي ديناً فقد جعله شريعة. أليست علمانية مقولة الأفغاني: إنّ الدين يجلّ عن مخالفة العلم الحديث، فإن وقعت المخالفة وجب تأويل الدين. أليست علمانية أن يقول الإمام محمد عبده: إن تعارض العقل والنقل أخذ بما يدلّ عليه العقل، ولكلّ مسلم أن يفهم عن الله وعن كتاب الله ومن كلام رسوله بدون توسيط أحد من سلف ولا من خلف. أليست علمانية ما قاله عبد القادر حمزة في المقتطف عام 1904حين كتب: القرآن لا يتضمن سوى قوانين عامة لكافة الناس، وإنّ لكلّ أمّة حقّ التصرف انطلاقاً من الحكمة المتضمنة في هذه القوانين"[5].

أمّا إذا ما استخدمنا العلمانية كمنهج معرفي ينفي القداسة ويستبعدها من تحديدات العالم الاجتماعي، ويميز بين ما هو ديني وما هو سياسي ولا يدّعي العصمة أو امتلاك الحقيقة المطلقة، كما لا يرى صاحبه في اتّباع غيره أو نقده ردّة أو كفراً، فإننا نستطيع بهذا المنهج أن نكشف حقيقة المتطرف، وهو الذي يدّعي بأنه مالك للحقيقة المطلقة، فيقوم بإرهاب الآخرين لإرغامهم على قبول ما يدعو إليه هو وزمرته، كما أنّ هذا المتطرف لا يملك آليات النقاش أو الجدال فيكره النقد ويرى أنه يدافع عن المقدّس الذي لا يجوز نقده، كذلك يكون المتطرف من وجهة نظر المنهج العلماني عدواً للأفكار العلمية، فالفكرة العلمية لا تحمل شحنات انفعالية، وإنما تستمد قوتها من صوابها وواقعيتها، كذلك يكشف المنهج العلماني عن شخصية المتطرف بأنها طبيعة سيكولوجية تجعل صاحبها على استعداد لأن يتطرف وكفى، فليس المهم هو الموضوع الذي يتطرف فيه، وإنما هو يتطرف للتطرف ذاته، وهناك أمثلة لكثيرين تطرفوا بالأمس لأفكار ماركسية وشيوعية، ثم تطرفوا اليوم لأفكار إسلامية، وفي الغد لأفكار أخرى مختلفة.

كذلك تدعو العلمانية العربية في جانبها الإيجابي إلى تدعيم فكرة العدل والمساواة والحرية في مقابل كلّ معاني الاستبداد والقهر والشمولية، كما تحفظ للدين قدسيته وتحميه من الابتذال والاستغلال في غير موضعه، وتراعي حق الاعتقاد والإيمان، كما تحمي جميع المتديّنين من طغيان وقهر أتباع الأديان الأخرى، فالجميع سواء يظلّهم مبدأ المواطنة، فيمتلكون جميعاً بدرجة متساوية وطنهم وحرّيتهم.

وهكذا تعمل العلمانية العربية كمنهج وموضوع على علاج الاحتقان الديني وإنقاذ الشعوب من التطرف ومن استخدام الأديان كأداة للقتل والدمار والتخريب. أو أن يستخرج منها المتطرفون ما يبرّر تجبّرهم ودمويتهم وإجبارهم للآخرين على تبعيتهم وتقديس سلطتهم، وإلا حُقّ لهم قتلهم ومحقهم، أو أن يتحوّل الحكّام باسم الدين إلى شموليات استبدادية ظلامية يسودها القمع والقهر والتخلف بمختلف أنواعه وأشكاله، فمن الذي يحقّ له معارضة من ينطق بلسان السماء ويحقّق إرادتها؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] صلاح منتصر: نحن أيضاً نحتاج إلى العلمانية، مجلة أدب ونقد، العدد 310، يونيو 2011، ص 18

[2] عصمت نصار: أوهام الفهم ـ مصطلحات ومفاهيم في دائرة النقد والتقويم، دار روافد للنشر والتوزيع، ط1، 2011، ص ص 143-144. كما تكرر هذا المعنى عند عصمت نصار كثيراً، وخاصة في دراسة له تحت الطبع بعنوان "علمانيون ولكن- دراسة في فكر إسماعيل مظهر".

[3] مراد وهبة: ما العلمانية؟ مقالة ضمن كتاب "ملاّك الحقيقة المطلقة" القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1999، ص 29

[4] طلعت رضوان: العلمانية والعلاقة بين الدين والسياسة، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، ط1، 2012، ص ص 6-7

[5] صلاح منتصر: نحن أيضاً نحتاج إلى العلمانية، ص 21

 

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك