الشَّباب الجهاديُّ يكشف أمراض مجتمعنا

حوار مع فرهاد خسرو خاور Farhad Khosrokhavar

أجرت الحوار: Flore Thomasset

 
 

عملتم لمدّة عشرين عامًا على مسألة الشَّباب والإسلامويَّة. كيف تحلّلون هذه الظَّاهرة الحالية؟



كان التَّطرُّف لمدّة طويلة يخصُّ في المقام الأوّل شباب الضواحي. لقد كانوا مطبوعين بالعيش في الأحياء، والشُّعور بالإقصاء والإذلال. كان الأمر يتعلَّق في الغالب بـ“المولودين من جديد” (born again)، أي بشبيبة من أصل مسلم أعادت اكتشاف نسخة من الإسلام المتطرّف تتطابق مع كراهيّتها للمجتمع. 



اليوم، توسّع الطَّيف، وأضحى الأمر يطال فئة جديدة من شباب الطبقات الوسطى ليس لديهم هذه الكراهيّة تجاه المجتمع. وهي تشمل قسمًا هامًّا من المسلمين الجدد والعديد من المراهقين أو من سنّ ما بعد المراهقة. وحتّى إن كانوا أقليّة، فإنّ اندفاع جميع هؤلاء الشُّبَّان بتهوَّر نحو الحرب أو الاستشهاد يوجب علينا مساءلة أنفسنا، لأنّهم يكشفون عن تشوّهات مجتمعنا وأمراضه.



كيف يمكن تفسير انجذاب هذا العدد الكبير من الشَّباب بهذا الشَّكل نحو الجهاد؟



كما سبق أن أشرت في آخر كتبي (التَّطرّف، 2014)، فإنَّ الجهاديَّة هي فعل “استعادة هويّة” في مجتمع غربيّ يبدو لهم متشظّيًّا ودون معالم. إنَّها شكل من أشكال التَّمرُّد الخام والوحشيّ، مفرط ومرضيٌّ بالتَّأكيد، ولكنَّه يسمح بتأكيد الذَّات وبعدم الخضوع: “أنا أقرّر حياتي وموتي، وحتّى حياتك وموتك”.



وعلاوة على ذلك، وفي حين تركّز كلّ الحياة الغربيّة على ملذَّات الحياة، من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنَّ الجهاد يُغري بتركيزه على الموت. هذا الانجذاب إلى الموت والعنف، كنت درسته منذ التّسعينات، حين عملت على الإيرانيّين الَّذين انطلقوا بشكل كثيف نحو الجبهة لينالوا الشَّهادة خلال الحرب العراقيَّة الإيرانيَّة. لقد ارتضى الكثير من الشَّباب الموت عن طيب خاطر، وكان ذلك أمرًا مزعجًا للغاية. وقد تحدَّثت حينها عن “التَّديّن القاتل”، وعن مواجهة الموت بوصفها نوعًا من طقوس العبور، تأكيدا لهويّة، ووسيلة لدخول “الحياة الحقّ”.



كيف يمكن تفسير حالة الفتيات اللَّواتي يتوجَّهن أكثر فأكثر نحو سوريا؟



ظاهريًّا، هذه هي الظَّاهرة الأكثر تناقضًا والأكثر إثارة للقلق. فوفقًا للدّراسات الأكاديميّة المتوفّرة، بما فيها البريطانيّة، فإنَّ الفتيات يرغبن في الانضمام إلى الرّجال هناك، من أجل الزَّواج ورعاية الأطفال. هذا هو الوعد، المتحفّظ للغاية، للجهاديّين.



أرجو فهمي: أنا لا أقول إنّ هؤلاء الشَّباب على صواب أو على خطأ في رؤيتهم لمجتمعنا، ولكنّني ألاحظ أنَّ التَّجنيد للجهاد يتمُّ على أساس هذه الأمراض. فالفتيات، على سبيل المثال، يعتقدن أنّ المقاتلين فتيان جادّون، فيما يبدو فتيان فرنسا طائشين وغير ناضجين.



لا يفهم الأهل رحيل أبنائهم، فتراهم يقولون: “نحن لم نتوقّعه أبدًا”، “جعلوا ابني وحشًا” ...
عدم توقّعهم مثل هذا الأمر يمثّل في حدّ ذاته إشكاليَّة. ماذا يعني هذا بشأن طراز أسرتنا؟ بالنّسبة لي، هذا دليل على أنَّ كلّ شخص يعيش في عالمه. فعالم الشَّباب، وحياتهم على شبكة الإنترنت، وعلاقاتهم، تتفلّت تمامًا عن الأهل. هذا، فيما يقتطع الشّباب بطاقات السَّفر نحو الجهاد دون شعور بالافتقار إلى اعتبار الأهل أو إيذائهم. الأمر يبدو كما لو أنَّ التَّخفيف من السُّلطة داخل الأسر الحديثة أو المعادة التركيب، يواكبه تلاشي التَّأثير، بحيث ينعدم كليًّا كلّ تعاطف وجداني.



أعتقد أنّه على الآباء والأمّهات الوعي بهذه الفراغات وضرورة ملئها. ودون العودة إلى نموذج ارتدادي للسُّلطة الرَّأسيّة والأبويَّة، يتعيَّن اعتماد أشكال أخرى من السُّلطة المنتشرة ومن الروابط. يجب أن نخلق توافقات جديدة تمكّننا فهم هؤلاء الشَّباب في ذاتيّتهم بشكل أفضل. ذلك أنّ الذّهاب نحو الجهاد ولئن كان ذا بعد اجتماعيّ ومجتمعيّ، فإنّه لا يعدم وجود بُعْدٍ شديد الذَّاتيَّة أيضًا. ما الَّذي يحدث داخل رأس شابّ يشرب ويدخّن كي يتخلّى، هو لا جاره، وبين عشيَّة وضحاها وبصفة مفاجئة، عن كلّ شيء ليغدو، إذا سمحتم لي بالتّعبير، جادًّا على نحو مميت؟ هذا هو السُّؤال المطروح على العائلات.



الحوار الأصلي:



Farhad Khosrokhavar : « Les jeunes djihadistes révèlent des malaises de notre société », Propos Recueilli par Flore Thomasset, La croix, 10 Avril 2015



التَّعريف بالمحاور:



ولد فرهاد خسرو خاور عام 1948 في إيران، وانتقل إلى فرنسا في منتصف عام 1970، وناقش أطروحة فلسفة حول مارتن هيدغر، قبل أن يلتقي عالم الاجتماع آلان تورين (Alain Touraine) الَّذي أشرف على أطروحته الثَّانية حول إيران.



بعد عودة قصيرة إلى إيران، استقرّ بشكل دائم في فرنسا في أواخر الثَّمانينات، وأصبح أستاذًا في مدرسة الدّراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة (EHESS)، حيث ما زال يعمل مديرًا للأبحاث.



في عام 1995، نشر (الإسلامويّة والموت: الشَّهيد الثَّوري في إيران)، مطوّرًا نظريّته عن “التَّديّن القاتل”، ولتتوالى كتبه: (إسلام الشَّبيبة) سنة 1997 حول شباب الضواحي الفرنسيّة، و(الإسلام في السُّجون) سنة 2004 حول السّجن والتَّطرُّف، و(حين تتحدّث القاعدة) سنة 2006، وأخيرًا (التَّطرُّف) سنة 2014.





L’Islamisme et la mort : le martyre révolutionnaire en Iran, L’Harmattan, Paris, 1995
L’Islam des jeunes, Flammarion, Paris, 1997
L’Islam dans les prisons, Balland, Paris, 2004
Quand Al-Qaida parle, Grasset, Paris, 2006
Radicalisation, Maison des Sciences de l’Homme, Paris, 2014

المصدر: http://www.alawan.org/article14763.html

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك