الاسلاميون والسياسة .. الاصلاح ام الحكم ؟
الاسلاميون والسياسة .. الاصلاح ام الحكم ؟
إنَّ الظاهرة المرضيَّة التي تعيشها الساحة الإسلاميَّة اليوم التي تتمثَّل بغلبة الهمِّ السياسيِّ على غيره من الهموم ذات الأولويَّة، تحتاج إلى معالجةٍ في منتهى التأنِّي والموضوعيَّة.
فكَّرت مليًّا في هذه القضيَّة، في ضوء مفاهيمنا الشرعيَّة للسياسة، كما في ضوء تصوُّراتنا الحركيَّة لها.. وخرجت بالنتيجة إلى ثابتةٍ شرعيَّةٍ وحركيَّةٍ تؤكِّد أن لا تناقض في الأساس بين السياسة وبين الدعوة.
ولقد تأكَّد لي أنَّ الأسباب التي أحدثت هذه الإشكاليَّة تعود إلى الخطأ في ممارسة السياسة وليس السياسة بذاتها.
وقد تكون بسبب اقتحام الحياة السياسيَّة قبل الأوان.. وقد تكون بسبب سوء اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب.. وقد تكون بسبب عدم متابعة الجماعة لمن اختارتهم، وعدم قيامها بواجب دعمهم وإسنادهم، وتأمين المتطلَّبات اللازمة لهم.. وقد تكون بسبب عدم وجود مشروعٍ سياسيٍّ واضحٍ للعمل النيابيّ، وعدم تبيان الضوابط الشرعيَّة الواجب التزامها من قِبَلهم.. إلى غير ذلك من أسباب.
فالسياسة رعاية شؤون الأمَّة من كلِّ جوانبها وعلى كلِّ صعيد.. وهي مركبٌ من مراكب الدعوة إن سُخِّرت لذلك.. وهي منبرٌ متقدِّمٌ فاعلٌ من منبرها إن وُظِّفت توظيفاً صحيحا.
إنَّ الإعلام والسياسة الإعلاميَّة، هما من صلب عمل السياسيِّين والبرلمانيِّين والوزراء، وهي مدخلٌ من مداخل الدعوة لا يُضاهَى، والقيام بمهمَّة تسديد السياسات الإعلاميَّة، وتنظيف وترشيد البرامج من كبرى المهمَّات التي تدفع المفاسد وتجلب المنافع.
ثمَّ إنَّ السياسات التربويَّة والتعليميَّة التي تُعتَمد في بناء الأجيال، هي من صلب مسؤوليَّة السياسيِّين والنوَّاب، وهي من أوسع الأبواب والمسالك التي يمكن أن يُستفاد منها في إصلاح المناهج وبناء الأبناء على القِيَم والفضائل والأخلاق؟ وهل هذا يتناقض مع أهداف الحركة الإسلاميَّة؟
إنَّ مجرَّد التصوُّر في وجود تناقضٍ بين السياسة والدعوة هو لوثةٌ علمانيَّةٌ غير منظورة، وليست ببعيدةٍ من حيث الأساس والنتيجة عن مقولة "فصل الدين عن الدولة".
إنَّ السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم كانوا دعاةً في مواقفهم المختلفة، فهم في القضاء، وأجهزة الدولة، وبيت مال المسلمين، والتجارة والجهاد، والمساجد، والمدارس وغيرها... يمارسون دورهم الدعويَّ الذي لا ينفصل عن أيِّ دورٍ آخر أو يتعطَّل بسببه.
إنَّه ليس في الإسلام طبقةٌ خاصَّةٌ لذلك، كما هو الحال في "الإكليروس" لدى النصارى.
فالمشكلة إذاً ليست في السياسة بل في الذين يمارسونها بعيداً عن الضوابط الشرعيَّة المقرَّرة، والمصالح الإسلامية المعتبرة، فيُجهضون بذلك الدور الدعويَّ في العمل السياسيّ، ويُقدِّمون للناس نماذج مشوَّهةً عن الإسلام.
- فالمواقع السياسيَّة ليست مطلوبةً لذاتها ومكاسبها وأضوائها، وما يمكن أن تسخِّره من مصالح ماديَّةٍ ومعنويَّةٍ لأصحابها.
- ولا يجوز أن تمارس بدون ضوابط شرعيَّةٍ ولا تميُّزٍ ولا خصوصيَّة.
- وأن تصبح مصدر خلافٍ ونزاعٍ بين اللاهثين وراءها من أبناء الصفِّ الواحد.
- أو تتحوَّل إلى غايةٍ لا وسيلة، وتنقلب نقمةً لا نعمة.
ونتيجةً لذلك بات العمل السياسيُّ نفسه سُبَّةً لدى فريقٍ كبيرٍ من العاملين، من غير تفريقٍ بين مبدأٍ وممارسة.
وبات يُحكَم عليه من هذا الجانب وهذه الزاوية، وهذا خطأٌ كبيرٌ وشرٌّ مستطير، لأنَّه مدخلٌ شيطانيٌّ يشطر الصفَّ الواحد إلى شطرين، ويجعل الجبهة جبهتين، مع كلِّ ما ينشأ عن ذلك ويترتَّب عليه من عللٍ ومفاسد وأخطار. (راجع كتابنا: أضواء على التجربة النيابيَّة – الجزء الأوَّل).
فالمشكلة إذاً في السياسيِّين لا في السياسة، وفي إصلاحهم لا في إلغائها، ومثيل ذلك يمكن أن يقع في التربية والدعوة حين يسيء المربُّون والدعاة ولا يحسنون، وحين يهدمون ولا يبنون، بل إنَّ الخطأ التربويَّ والدعويَّ قد يكون أخطر بكثيرٍ من الخطأ السياسيّ، ومن خطورته أنَّه بعيدٌ عن الأضواء والأنظار، وقد لا يُكشَف إلا بعد أن يكون قد أتى على البناء كلِّه!
والعلاج الصحيح والدواء الناجع إنَّما يكون بالعودة إلى الأصول والثوابت والمبادئ، والنزول عند أحكام الشريعة وقواعد هذا الدين، في نطاق التربية والدعوة، كما في نطاق السياسة.
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد والهدى والرشاد.
المصدر: http://www.daawa.net/display/arabic/efuqh/efuqhdetail.aspx?eid=15&etype=3