من هو رجل الماضي الذي سيزور المستقبل؟
د.م. عصام أمان الله بخاري
هل نحن نعيش في الماضي؟ قد تكون الإجابة نعم،، فكل شيء حولنا نعتقد أنه يحصل الآن حصل في الواقع قبل ثمانين ميللي ثانية وذلك بسبب تباطؤ في نقل المعلومة عبر الممرات العصبية بالدماغ البشري! وكما يقول أينشتاين: "تعلّم من الماضي، عش الحاضر وتفاءل بالمستقبل. أهم شيء ألا تتوقف عن طرح الأسئلة".
وبين الماضي والحاضر والمستقبل تناقش مقالة اليوم الفرق بين الزمن والزمان والزمكان.. كما تجيب عن السؤال: من هو رجل الماضي الذي سيسافر إلى المستقبل؟
بالعودة إلى الأسئلة المطروحة في بداية المقالة فالزمن هو ما نشعر به في أنفسنا. أما الزمان فيرتبط بالحركة الفيزيائية للأرض والقمر والشمس والأجرام السماوية. أما الزمكان فيعبر عن المكان مع الزمن بكلمة أخرى حدث في موقع معين (طول وعرض وارتفاع) في لحظة معينة تمثل البعد الرابع.
ولنشرحها ببساطة أكثر فلو تصورنا مباراة كرة قدم بين المنتخب السعودي والياباني على نهائي كأس آسيا وكنا فائزين واحد صفر، ودخلنا الوقت بدل الضائع والذي مدته خمس دقائق فسيشعر اليابانيون أن الدقائق الخمس كخمس ثوان من سرعتها عليهم، أما نحن فسنشعر أنها خمسون دقيقة من بطئها وثقلها على أنفسنا. ذلكم هو الزمن.. وننتقل إلى الزمكان فلحظة بدء المباراة يكون الزمكان بالنسبة للكرة نقطة منتصف الملعب في الدقيقة صفر! أما الزمان فسيكون الساعتين منذ بدء أحداث المباراة فرضا في الثامنة مساء إلى العاشرة مساء بتوقيت السعودية وتكون الكرة الأرضية قطعت مسافة محددة في دورانها حول الشمس وحول محورها..
وطالما الحديث عن الأجرام الفضائية فننطلق إلى كلمات الكاتب الأميركي تيم فيريس: "كل ما نراه في السماء ينتمي إلى الماضي"..
في الحقيقة أن السماء تشكل تاريخاً مصوراً نراه بأعيننا. فضوء القمر الذي نراه يصل إلى كوكبنا بعد أن يقطع مسافة مئتين وأربعين ألف ميل في 1.3 ثانية. أما ضوء الشمس فيقطع مسافة ثلاثة وتسعين مليون ميل في ثماني ثوان ليصل إلينا. وإذا ما انتقلنا إلى النجوم المجاورة مثل نجم رجل القنطور (Alpha Centauri) فيستغرق الضوء حوالي أربع سنوات وثلث ليصل إلينا. أما نجم إبط الجوزاء (Betelgeuse) فيحتاج الضوء كي يصلنا فترة زمنية تصل إلى 642 سنة!
بكلمة أخرى إذا رأيت نجم إبط الجوزاء الليلة فتذكر أن هذا الضوء الذي تراه بدأ رحلته ليصل إليك عام 775ه عندما كان الحكم الإسلامي لا يزال في الأندلس وهي نفس السنة التي بدأ فيها ابن خلدون بكتابة مقدمته الشهيرة..
وإذا كان هذا الحديث عن سفر الضوء عبر الزمن فماذا عن البشر؟ نؤمن كمسلمين أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام لم يمت ولم يصلب بل رفعه الله إليه. ونؤمن أنه سيعود في آخر الزمان ليقتل المسيح الدجال ويقيم العدل على منهاج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومع اختلاف المصادر الإسلامية والنصرانية في كم كان عمره عليه السلام عند رفعه فما تميل له أكثر الروايات هو سن ثلاثة وثلاثين. ولو صح ذلك فسيعني انتقاله عليه السلام إلى ما يزيد على 1983 سنة إلى عالم المستقبل مقارنة بالعصر الذي عاش به.
خلاصة الحديث أن صناعة المستقبل لكل منا ما هي إلا ناتج الماضي الذي صنعناه ونصنعه كل يوم من حاضرنا الذي نعيشه لنستثمر فيما تبقى في حياتنا الدنيا وفي حياتنا الآخرة... وهذه المعاني التي قد نستشعرها في قول الله عز وجل: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ*وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).