وحدة الفكر.. طريقنا إلى الحضارة

 

علي حسن الشاطر

    الموقف بين حضارة العصر التي بلغت شأناً كبيراً في التقدم العلمي (التكنولوجي) والفكري وبين واقع دول العالم الثالث المتخلف الذي تفصله عن حضارة العصر مسافة طويلة من الزمن، يجعل اجتياز هذه المسافة أمراً بالغ الصعوبة، وخاصة في ظل عدم الاهتداء إلى إعداد العدة الكافية وإلى الأسس القادرة على التمكن من اجتياز هذه المسافة وبأقصر الطرق، خصوصاً أن الانقطاع الحضاري، قد جعل الحضارة المعاصرة بالنسبة للشعوب المتخلفة حشداً هائلاً من الألغاز والطلاسم التي لا تعرف عنها شيئاً.

هذا الموقف أدى – للأسف الشديد – إلى تباين واختلاف في النظرة إلى العصر وحضارته، فتاهت الطرق والسبل المؤدية إلى الحضارة، وكان من الطبيعي أن تغزو هذه الحضارة كل الشعوب المتخلفة بحكم تفوقها وبحكم الحاجة إليها فكراً وثقافة، وأن تغزو أيضاً منتجاتها الحضارية مختلف المجالات، ولأن هذا الغزو قد هاجم الجميع قبل اتخاذ موقف يعبر عن الذات ويحدد الطريق؛ فإن من أهم النتائج التي أدى إليها أن أصبح عاملاً أساسياً في تباين الأفكار والاتجاهات التي حفل ويحفل بها واقع تلك الشعوب من جهة، ومن جهة أخرى أصبحت المنتجات الحضارية التي تفد إليها مجرد مسكنات أوهمتها بأنها فعلاً دخلت عصر العلم والحضارة، لولا أنه بالنسبة للعرب والمسلمين كان زرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين وفي قلب الوطن العربي قد شكل – ولا زال يشكل المعيار الذي كشف ويكشف لنا نحن العرب والمسلمين من يوم لآخر أننا لا نزال نقع تحت براثن التخلف، وأن تكديس المنتجات الحضارية، لم يُغير من واقعنا شيئاً بقدر ما يزيدنا ضعفاً من وقت لآخر، ويضع على واقعنا طلاءً زائفاً يمنح الدول الصناعية المتحضرة فرص وإمكانيات التحكم باحتياجاتنا الأساسية.

وأشد ما يثير العجب أن نسخر من أنفسنا، لأننا في صراعنا مع العدو الصهيوني لا نواجهه بالموقف الواحد ولا نستعمل ونستثمر طاقاتنا في النهضة والنماء والتطور العلمي حتى نكون أقدر على مواجهة هذا العدو المتعجرف، الذي يملك أسلحة التفوق في الموقف الواحد وفي التطور العلمي.

كما أن من أشد ما يثير العجب أن نسخر ونتألم ونتوجع من هذا الوضع، ولا ندرك أنه ليس إلا المظهر الذي نعايشه ونتحسسه ونتفاعل معه، للسبب الجوهري الذي يختفي وراء هذا المظهر، وهو العجز عن الوصول إلى وحدة فكر تكون من صنعنا نحن، نعبر عن ذاتنا ونستوعب الأسس التي بدونها لا يمكن لنا أن نتجاوز الضعف والتباين والاختلاف والتمزق ونتجاوز التخلف بكل أشكاله.

فكيف سيتأتى للأمة العربية والإسلامية أن تشق طريقها في هذا العالم، وأن تنطلق نحو الحضارة والعصر في الوقت الذي لا يزال تاريخها وتراثها وقيمها موضع جدل وموضع خلاف بين أبنائها الذين قدر لهم من بين ملايينها الكثيرة أن يكونوا أكثر تحصيلاً في علوم الفكر والثقافة..؟

مع أنه من المفترض أن يكون هؤلاء هم المعبرين عن ضمير هذه الأمة والذين يحملون همومها وآمالها وطموحاتها، وأن لا يسمحوا لأي نزوع ينال من الأمة أو يمس نسيجها الاجتماعي، أو الإساءة لتاريخها العريق المليء بالفكر والحكمة والمواقف المضيئة التي ترتبط بها شخصية الأمة وتستمد منها قوة الوحدة والوجود والنماء، فضلاً عن أن الأمة العربية والإسلامية لا يوجد تاريخ كتاريخها ولا تراث كتراثها، بما يحفلان به من تراث عقائدي مضيء وتراث فكري وعلمي ضخم، وبما يحفلان به من مواقف عظيمة قل أن نجدها في تاريخ أي أمة من الأمم عبر التاريخ.

لقد تحولت القضية المطروحة، من سؤال كبير يحثنا على تلمس الطريق الصحيح والوصول إلى موقف واحد تتوفر لنا ركائزه ومقوماته ومنطلقاته ويجسد الوحدة والقوة والانطلاق الحضاري الواثق، إلى صراع مرير وإلى اختلاف وتباين في وجهات النظر أدى ويؤدي إلى الضعف والتمزق، والصراع الذي ينهشنا بدون رحمة، كرسنا ونكرس له كل جهدنا ووقتنا بل ومقدراتنا، تاركين طريق الحضارة التي نريد بلوغها بعيداً، والمسافة الزمنية التي تفصلنا عن هذه الحضارة تتسع هوتها أكثر فأكثر، بينما العلم يحقق كل يوم تقدماً في الاكتشاف والمخترعات، في مجالات عديدة متشابكة، يصعب علينا الإلمام بها ومتابعتها.

إذاً.. متى سوف ندرك طريقنا الصحيح..؟ ومتى سوف ننهض النهوض الصحيح القائم على وحدة الفكر ووحدة الهوية والموقف..؟ ومتى سنحطم الاختلاف الذي يمزق كياننا ويفقدنا الثقة بأنفسنا ويجعلنا فريسة للضعف والوهن الذي يمنح عدونا أسباب التفوق علينا ويهيئ له المناخ كاملاً لكي يمارس غروره وصلفه؟

http://www.alriyadh.com/1122383

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك