حديث الأرواح

ضيف الله بن عوض الشاطري

    إلى من كان له الفضل بعد الله تعالى في وجودي، إلى من رباني صغيراً ورعاني شاباً وصاحبني كبيراً، إلى من أمرني الله تعالى أن أخفض له جناح الذل من الرحمة، إلى من فقدت بفقده أباً كريماً وأخاً ناصحاً ومستشاراً مؤتمناً، إلى من سألت الله أن يرزقني بره في حياته وأنا الآن أسأله تعالى أن يرزقني بره بعد وفاته.

أهدي إلى روحك الطاهرة - بإذن الله تعالى - هذه الكلمات لتهدئ لوعة الفؤاد بعد أن حال بيننا وبينك الفراق، لتكون كلماتي ضرباً من ضروب تواصل الأرواح، ولتكون نوعاً من رد الجميل والاعتراف بالفضل بين الأبناء والآباء.

غفر الله لك يا والدي وتجاوز عنك، وتغمدك بواسع رحمته، وجزاك الله عني وعن والدتي وإخواني وأخواتي خير الجزاء، يا من كنت لنا بحق الأب الحنون، والأخ الكريم، والصديق الصدوق.

والله نسأل أن يحسن عزاءنا، وأن يعظم أجرنا، وأن يجبر مصيبتنا فيك، وأن يلهمنا الصبر على فقدك.

عفا الله عنك يا من أكرمنا الله تعالى بشرف خدمتك ومرافقتك، والقرب منك طول مدة مرضك لتقر أعيننا بك في آخر أيامك في الحياة الدنيا، ولنقوم بشيء من حقك، ونؤدي لك ولو جزءاً يسيراً من واجب برك علينا ما دمنا على قيد الحياة.

كانت أعواماً وكأنها ليلة فلم نوفيك حقك ولم نستعد لفراقك، إلا أن تلك الأيام والليالي كانت تخالجنا فيها سعادة الأرض والسماء بقربك -رحمك الله- وأجزل ثوابك يا من ابتليت بالمرض الشديد فصبرت وشكرت، فقد رأيناك تتحمل الآلام والأوجاع الشديدة بنفس راضية إن شاء الله تعالى، ولسان شاكر حامد لله سبحانه، ولم نعلم أن قطرت من عينك دمعة، أو بدر منك قول، أو صدر عنك فعل يدل على جزعك أو تسخطك أو عدم رضاك بما قدره الله عليك من البلاء والمرض، والله نسأل أن يكون ما أصابك رفعة للدرجات، وحطاً للخطايا والآثام إيماناً منا أنه ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها كما أخبر بذلك رسولنا الكريم -ولله الحمد والمنة.

تجاوز الله عنك يا من كنت قريباً من الناس، حبيباً للجلاس، لطيفاً مع الصغار والكبار حتى أحبك الجميع واحترموك، فلما سمعوا بنبأ وفاتك بكتك الأعين، ودعت لك الألسن، وترحم عليك من عرفك ومن لم يعرفك.

أكتب هذه الكلمات فيما لم تمض سوى أيام قلائل على فقدك يا والدي الحبيب، ويدي لا تزال غير قادرة على خط العبارات لأكتب لك رثاء، لأن البلاء بفقدك كان عظيماً، ورحيلك عنا كان مؤلماً، وقد رحلت معك الكلمات الجديرة برثائك، ولم يبق منها إلا القليل القليل.

هنيئاً لك يا والدي الخاتمة الحسنة - إن شاء الله تعالى - يا من توفاك الله ويدي في يدك، وكم هي عميقة كلمة يا "والدي"، وكم هي قاسية لحظة الفراق، ونحن ولله الحمد نؤمن بقضاء الله تعالى وقدره، غير أن عواطف البنوة، وأحاسيس المحبة الأسرية، ومعاني الروابط الإنسانية التي جمعتنا تجعلنا لا ننسى فضلك بعد فضل الله علينا، وتؤكد علينا دوام الاستغفار لك، والترحم عليك، والدعاء الصادق لك أن يسكنك الله تعالى فسيح جناته، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

http://www.alriyadh.com/1117927

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك