اللغة العربية رمزنا الثقافي والحضاري

محمد محفوظ

    

إن الاهتمام باللغة لدى أي مجتمع من المجتمعات، هو اهتمام بأحد عناصر صعودها ونهوضها.. فالأمم الحية وحدها هي التي تعتني بلغتها وتطور في مدى اهتمام الأفراد والمؤسسات بمخزونها اللغوي والثقافي

قبل مدة وصلت لي رسالة من مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، تتضمن مجموعة من إصداراتهم اللغوية الرائعة.. وهذا المركز من المراكز الوطنية والعربية، الذي يعنى بالاهتمام باللغة العربية، وهو من المشروعات التي تسد حاجة وطنية وقومية ملحة.. لأن الاهتمام باللغة العربية، هو اهتمام بالذات الثقافية والحضارية.. فمن لا لغة له، لا ثقافة له، ومن لا ثقافة له لا حضارة له؛ فالاهتمام باللغة العربية هو اهتمام بأحد العناصر الأساسية للوجود الحضاري للعرب والمسلمين.. لذلك فإن هذا المركز الرائد، يعنى بإعادة الاعتبار إلى اللغة العربية، وموقعها الدولي وكيف تنتشر هذه اللغة في أصقاع الأرض.. وكيف يتمكن العرب اليوم من الاهتمام بلغتهم، وتطوير سبل الحفاظ عليها لأنها من صميم الذات الثقافية للعرب.

ولقد أبانت إصدارات هذا المركز، أن هذا المركز وعن طريق رئيسه الدكتور عبدالله الوشمي، لا يتعاطى مع هذا الشأن التعاطي العاطفي، بل هي إصدارات علمية محكمة وتعمل على إحياء اللغة العربية في العالم وفق منهجية علمية مدروسة..

وفي تقديري أن إصدارات المركز من أهم الإصدارات العربية المعاصرة التي تعنى باللغة العربية.. فكل الشكر والتقدير لهذا المركز الوطني الرائد، والذي أخذ على عاتقه الاهتمام وفق المنهجية العلمية باللغة العربية وسبل حمايتها من الطغيان اللغوي وكيف تتوسع دائرة المتحدين بهذه اللغة العزيزة علينا جميعا..

وأود في هذا الإطار أن أوضح مجموعة من النقاط التي تنسجم واهتمام مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، وهي كالتالي:

1-إن تصدر اللغة أي لغة للمشهد اللغوي المعاصر، يرتبط بشكل أساسي بتقدم أهل هذه اللغة الثقافي والاقتصادي والحضاري.. فاللغة التي تتصدر هي اللغة، التي تمكن أهلها من إنجاز مكاسب حضارية واقتصادية وثقافية عالمية.. لذلك فإن الجهود المبذولة لخدمة اللغة العربية، لن تتمكن هذه الجهود من تصدر المشهد اللغوي المعاصر إلا بتقدم الناطقين باللغة العربية.. لذلك فإن الاهتمام باللغة العربية يرتبط بشكل مركزي بضرورة النهوض الحضاري والاقتصادي لأهل هذه اللغة.. فالأمم التي تعيش حالة النهوض الحضاري والاقتصادي تتصدر لغتها العالم.. وعليه فإن أي اهتمام مؤسسي باللغة العربية هو في جوهره اهتمام بكل شروط النهضة وإمكانية الانعتاق من كل الأسباب والعراقيل التي تحول دون انطلاقة هذه الأمة في مشروعها الحضاري..

فالجهود اللغوية العلمية والمنهجية، هي المدماك الأول في مشروع نهوض المجتمعات العربية.. لذلك نتطلع كعرب إلى مشروعات مماثلة في عناصر أخرى من عناصر وشروط النهضة الحضارية للعرب في الوقت الراهن..

2-ندعو على المستوى الوطني ومن أجل تعزيز وتقوية الحامل الاجتماعي والثقافي للغة العربية إلى تعريب أسماء كل المحلات والأماكن التجارية والاقتصادية، حتى لا يعيش المواطن في أي بلد عربي حالة من التناقض بين قاعات الدرس التي يتعلم فيها اللغة العربية وقواعدها، وبين الحياة اليومية التجارية والاقتصادية والحياتية..

لذلك فإننا ندعو كل الدول العربية إلى تعريب أسماء محلات الأماكن التي يتعامل معها المواطن بشكل يومي.. فإن عملية التعريب المذكورة تعزز اهتمام الشباب العربي باللغة العربية، وتطور من مستوى رعاية هذه اللغة على المستوى الشعبي..

3-من الضروري تطوير علاقة كل أقسام اللغة العربية في كل الجامعات العربية مع هذا المركز الرائد وأمثاله، لأن تطوير العلاقة سيساهم في تذليل بعض العقبات، كما أن هذه العلاقة العلمية تجعل كل الجهات تستفيد من إمكانات وجهود بعضها.. وعلى المستوى الوطني ندعو كل أقسام اللغة العربية في جامعاتنا الوطنية، إلى تطوير علاقتها وتعاونها مع مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية.. فتطوير العلاقة والتعاون، يخدم أهداف كل المؤسسات ويعكس مستوى اهتمام جميع المؤسسات باللغة العربية..

أحسب أنه بهذه الخطوات والأفكار المذكورة أعلاه وغيرها من الخطوات والأفكار، نتمكن من إعادة الاعتبار إلى لغتنا الخالدة لأنها لغة القرآن، وهي رمزنا الثقافي والحضاري، التي لا يمكن الاستغناء عنها.. فالمكونات الثقافية والمعرفية هي ذاتها وفي المقام الأول مكونات لغوية.. لذلك فإن العناية بالثروة اللغوية، هو بذاته عناية بالمخزون الثقافي والمعرفي والحضاري لأنه لا مخزون ثقافيا بدون لغة، ومن يعتني بلغته هو يعتني بثقافته ومخزونها المعرفي والحضاري.. لذلك لا نجد أمة تقدمت وكسرت قيود الجهل وأغلال الجمود إلا إذا اعتنت بلغتها وعملت على إزالة كل ما يعكر فضاء اللغة في واقعها الاجتماعي والإنساني.. والأمم المتخلفة تصاب أيضا بداء عدم العناية بثروتها اللغوية..

من هنا فإن الاهتمام باللغة لدى أي مجتمع من المجتمعات، هو اهتمام بأحد عناصر صعودها ونهوضها.. فالأمم الحية وحدها هي التي تعتني بلغتها وتطور في مدى اهتمام الأفراد والمؤسسات بمخزونها اللغوي والثقافي..

وعلى ضوء ما ذكر أعلاه، فإننا نعتبر مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية خطوة رائدة في طريق الاهتمام بمخزوننا اللغوي وتاريخ هذه اللغة وسبل إحيائها في العصر الحديث.. كما ندعو إلى الاهتمام بهذه المؤسسة الوطنية والقومية والاستفادة من مؤلفاتها وإصداراتها وكل الجهود التي تبذلها في سبيل العناية باللغة العربية.

http://www.alriyadh.com/1116346

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك