ما الجديد في التقارب السعودي - التركي؟
د. زهير الحارثي
هذا التقارب السعودي - التركي بدا ملموساً في الآونة الأخيرة وسيكون له انعكاس إيجابي بنشوء محور جديد في المنطقة قادر على التهدئة ودعم القضايا العربية ومواجهة مشروعات التجزئة
باركت تركيا التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب واعتبرته على لسان رئيس وزرائها أنه أكبر رد على من يربط الإرهاب بالإسلام فضلا عن ان تنظيم داعش الإرهابي عدو مشترك لهما ما يستدعي التنسيق والتشاور وتبادل المعلومات ليس فقط لدحره بل لمواجهة خطر الإرهاب بشموليته.
ولعل ما يجعل هذا التحالف يكتسب أهمية خاصة هو في توقيته لتصل الرسالة لكل الأطراف. ولذلك تجد ان أجواء الود التي تعيشها العلاقات ما بين الرياض وانقرة ما هي الا ارهاصات لقرارات سياسية أكثر أهمية قادمة ولذا فالتعاون بينهما مطلب حتمي يفرضه الواقع وضرورة استراتيجية.
طبعا يثور هنا تساؤل حول طبيعة التعاون في هذا التحالف وما إذا كان عسكريا او استخباراتيا لا سيما بعد تصريحات للمتحدث باسم الخارجية التركية التي اثارت بعض الجدل، والحقيقة أن المتابع لما يجري يعلم ان ثمة تفاصيل لم تعلن بعد عن هذا التحالف، وان كانت في طريقها الى ذلك بالإضافة الى ان وزير الخارجية البحريني وضح بعض الملامح لهذه التفاصيل. اما بشأن المشاركة وطبيعتها فقد حسمها الأمير محمد بن سلمان عندما أشار في مؤتمره الصحفي إلى أن "كل دولة ستساهم بحسب قدراتها". مشيراً إلى أنه سيتم إنشاء غرفة عمليات في الرياض لتنسيق ودعم محاربة الإرهاب، وأضاف: "اليوم كل دولة إسلامية تحارب الإرهاب في شكل منفرد، لكن هذه الغرفة سيكون هدفها توحيد الجهود التي نواجه فيها الإرهاب".
ويمكن القول هنا ان الجهود كما اعتقد ليست بالضرورة عسكرية فقد تكون معلوماتية واستخباراتية.
وفي هذا السياق لم يعد سرا ان هناك ثمة معوقات في التعاون لمكافحة الإرهاب ومنها تعريفه فضلاً عن تصنيف هذه الجماعة أو تلك الفئة من كونها تنظيماً إرهابياً أم لا، وهو امر متصور في ظل التعقيدات وتشابك العلاقات ناهيك عن حالة السيولة السياسية التي تعيشها المنطقة. وانا على قناعة ان هكذا تحالف سيقود إلى التوصل لتعريف دقيق للإرهاب فضلاً عن أن مسألة القوائم لا تمثل إشكالية لأن هناك إجماعاً واتفاقاً حول عدد من الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام والشباب الصومالي والنصرة والقاعدة وداعش، حيث يمكن الانطلاق في مواجهتها ثم يمكن بعد ذلك النظر في الجماعات التي ربما عليها خلاف حول تصنيفها لأنه قد تتراجع او ربما قد تترك السلاح وتنخرط في العمل السياسي.
وفي هذا السياق لم تكن تلك الدول الإسلامية مضطرة لقبول الانخراط في التحالف لولا قناعتها ومعرفتها بحجم تأثيره وأهمية الدور الذي تلعبه الرياض سياسياً وأمنياً واقتصادياً لا سيما في ظل المتغيرات وما تمور به المنطقة من أحداث واضطرابات، ولعل تشكل الواقع الإقليمي الجديد وظهور تلك المخاطر والتحديات دفعا السعودية للأخذ بزمام المبادرة، كما ان المفهوم السياسي الراهن للرياض يرى ان اختلافات وجهات النظر حول قضايا معينة مع أي دولة لا يعني الخلاف والقطيعة معها، وان التقارب مع دولة صديقة لا يعني الاضرار بدولة حليفة او يأتي على حساب دولة صديقة أخرى.
على ان القراءة السياسية لزيارة اردوغان للرياض اليوم تشي بعزم البلدين نحو بناء تفاهمات وخيارات إستراتيجية إزاء ما يجري فالتحديات مشتركة والمخاطر تتفاقم وكلاهما مستهدفان.
هي زيارة لتعزيز خصوصية العلاقة وتأتي تدشيناً لمرحلة جديدة وترسيخا لعلاقة تجاوزت عشرات السنين رغم ما شابها من فتور في مرحلة من المراحل نتيجة لظروف سياسية، لكن الدولتين نجحتا في تجاوز هذه العوائق بعدما اكتشفتا حجم القواسم المشتركة التي تجمعهما ما شجعهما على إطلاق المزيد من خطط الانفتاح والتعاون بدليل تعدد اللقاءات المباشرة. وأصبح حيز التفاهمات ما بين الدولتين كبيراً في الكثير من الملفات الساخنة باستثناء ملف وحيد تم تعليقه مؤقتا والذي ربما يحتاج إلى بحث مطول ومعالجة دقيقة له في إطاره الإقليمي وتبعاته الأمنية وتداعياته السياسية.
هذا التقارب السعودي - التركي بدا ملموساً في الآونة الأخيرة وسيكون له انعكاس إيجابي بنشوء محور جديد في المنطقة قادر على التهدئة ودعم القضايا العربية ومواجهة مشروعات التجزئة.
والملاحظ أن منهجية السياسات وما بينهما متقاربة إن لم تكن متطابقة فالزيارة تأتي بعد استضافة الرياض لاجتماع المعارضة السورية وموقفهما كذلك مما يحدث في سورية إذ لا مستقبل للأسد في المرحلة الانتقالية. ناهيك عن توجسهما من نفوذ إيران المتنامي في المنطقة والتدخل في شؤون الدول، وتأييدهما للحوار بين أتباع الأديان. كما أن الرياض وأنقرة متفقتان على ضرورة خلو منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية. كما تؤيدان عملية السلام في الشرق الأوسط وتؤيد تركيا المبادرة العربية للسلام. كما ان موقفهما من العراق يكاد يتطابق حيث تدعوان الى إقامة عراق موحد مستقل ذي سيادة والامتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية.
صفوة القول: في ظل واقع إقليمي جديد هناك الكثير مما يجمع السعودية وتركيا، فالعلاقة تجاوزت تبادل المصالح الى ما يحقق مفهوم الشراكة في ظل معطيات تقتضي قراءة جديدة لها..
ولعل تعدد زيارات القيادتين إشارة لعمق التفاهمات ما يدفع باتجاه استقرار الإقليم ويحجم نفوذ قوى إقليمية مناوئة.