الإنسان.. والفضيلة

علي حسن الشاطر

    إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أنعم بفضله اللامحدود على الإنسان، بأن خلقه ووهبه العقل وكل الشروط والأسباب التي تقوم عليها الحياة، وهي شروط وأسباب يصعب حصرها، ينعم بها الإنسان ويعتمد عليها، ويبرز من خلالها قدراته الخلاقة والمبدعة، محاولاً توظيفها لكل ما يخدم وجوده وتقدمه وسعادته، مستخدماً قدراته للاستفادة من هذه الهبة العظيمة التي أنعم الله بها على الإنسان، ليكون خليفته على الأرض، ليس فقط من حيث قدرته على مواجهة الطبيعة واكتشاف قوانينها وبالتالي التغلب على صعوباتها (الزمن، المسافة، الجهد) مختصراً طريق رفاهيته وتقدمه، وإنما أيضاً من حيث استخدامه هذه القدرات في التأمل والتدبر والتفكير في ملكوت الله وفي كل القضايا الحياتية. نعم إذا كانت نعم الله على الإنسان كثيرة وكبيرة، فإن نعمة (الدين) هي الأخرى لا تقل أهمية عن الحياة نفسها، ذلك أنها كشفت وتكشف للإنسان من الحقائق الأزلية التي يرجع إليها الخلق، ومن الغاية من خلق الإنسان، والطريق الذي يجب أن يختاره بما ينسجم وتلك الحقائق وبما يحقق الغاية التي خلق من أجلها.

لقد خلق الله الإنسان لكي يعمر الأرض ويبنيها، ولكن هذه المهمة لم تكن هي وحدها الموكلة إلى الإنسان فحسب، ولكنه خلق لكي يحقق الفضيلة أيضاً، وإذا ما وقفنا أمام إنجازات الإنسان المادية في تعمير الأرض، وجدناها دوماً معرضة في أي لحظة للاندثار، ونظرة واحدة إلى الحضارات العمرانية والبنيان الهائل الذي خلفته الأمم السابقة من بني الإنسان عبر كل العصور لا تلبث أن تندثر وتصبح مجرد آثار، في حين أن الفضيلة تبقى أبداً مشرقة وضاءة مهما تراكم عليها الزمن، وتكون الحضارة أكثر عظمة وسمواً وازدهاراً، إذا ما تمازجت، إن لم نقل انطلقت، من الفضيلة؛ لأن الدين يلح على أن الفضيلة هي الغاية الرئيسية والحقيقية للإنسان، وأن الحياة تجربة شاقة قُدر على الإنسان أن يخوضها امتحاناً له في تحقيق الفضيلة وتجسيدها في واقع حياته وعلاقاته، وكثيراً ما يُفهم من معنى الفضيلة أنها تعني جانب العبادات فقط، وهذا فهم ضيق من أهم سلبياته أنه يجزء الأخلاق فيفصل بين العبادات والمعاملات، في حين أن الفضيلة في أهم معانيها، تعني العدل والمساواة والحرية بأوسع صورها، وتعني المعاملات أيضاً، ومن ثم فإنها تعني الأخلاق، وهكذا نجد أن الدين هو في واقع الأمر يعني القيم والفضيلة، وبدون ذلك يفقد جوهره وخاصيته.

وأنا هنا أشير إلى الأديان السماوية، وخصوصاً منها الدين الإسلامي الحنيف باعتباره التتويج النهائي لكل الديانات وأكثرها اكتمالاً، ولأنه الدين الوحيد الشامل لكل أمور الدنيا والآخرة.

الدين يبعث على الطمأنينة في أعماق الإنسان من الناحية الأخلاقية فهو يربط الأخلاق التي تعني أعمال الإنسان وسلوكه بالعقاب والثواب.. ومن ثم فإن السلوك الأخلاقي على ضوء الدين يجد حافزين رئيسين هما:

- حافز الانسجام والاستقرار والطمأنينة التي تنجم عن السلوك الأخلاقي السوي في واقع الحياة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، والتي تجعل الحياة أكثر عدلاً وأكثر سعادة، والإنسان وهو يكافح إنما ينشد بسعيه تحقيق العدل والسعادة والحرية لنفسه وللآخرين؛ وهي كلها من أهم القيم الأخلاقية.

- الحافز الثاني هو حافز العقاب والثواب في الآخرة الذي وعد الله سبحانه وتعالى الإنسان به، فعندما يكون سلوك وممارسة ذلك الإنسان على ضوء الأخلاق ووفقاً لتعاليم الدين (وفي هذا السلوك الكثير من المشقة والمجاهدة للنفس ورغباتها وأهوائها) فإنه سيشعر بالطمأنينة والسعادة النفسية، ليس لأنه يسلك طريقه على ضوء الأخلاق فحسب، بل أيضاً لأن هذا السلوك مرضاة لله العلي القدير، ما يجعله جديراً بالثواب الحسن في الآخرة، وهو ثواب، كما يصوره الدين، يفوق إلى حد لا يمكن وصفه أو مقارنته بنعيم الدنيا وملذاتها الزائلة، فهو ثواب أكبر وشامل وأبدي لا يزول ولا يتوقف، ولا ينتهي، في حين أن نعيم الدنيا وملذاتها وقتية وناقصة وزائفة، لأنه يصعب علينا مجرد تصور أي قيمة من القيم وقد تحققت في الحياة الدنيا تحققاً كاملاً، وبالتالي فإن النعيم والملذات في الدنيا ليست سوى لحظات عابرة لا تلبث أن تزول إلى درجة لا تمكّن الإنسان من تذكرها كما يتذكر الآلام.

http://www.alriyadh.com/1114405

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك