صناعة تزييف الأبطال

 

سهام الشارخ

    معظمنا سمع وقرأ عن هيلين كيلر وكيف تعلمت القراءة والكتابة والنطق ونالت الشهادات العلمية العالية رغم فقدانها حاستي السمع والبصر منذ طفولتها المبكرة وبفضلها اخترعت الكتب الناطقة؟

فقد ألفت ونشرت ثمانية عشر كتابا، وتعلمت عددا من اللغات، ولكن قلة منا من يعرف عن جهودها في مجال القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة، ونضالها من أجل الحريات المدنية وحقوق الإنسان في أنحاء متعددة من العالم، وعن كتاباتها في وحشية النظام الألماني النازي ما دفع طلابا نازيين لحرق كتبها، وكيف أصبحت بعد رحلة طويلة ومضنية من النضال مصدر إلهام للكثير من الناس في كل مكان، ولكن لأسباب ومصالح جرى التعتيم على كثير من آرائها ومواقفها وأعمالها.

عن كتابه (A People's History of the United States) يقول المؤرخ الأميركي (هوارد زن) في مقابلة له إنه أراد من كتابه وتاريخه لأفراد عاديين أو لشخصيات لا تعد ضمن الأبطال التقليديين المشهورين كشخصية هيلين كيلر مثلا أن يكون صادقا مع جيل الأطفال والشباب، وأن يقدم الحقيقة لهم ولا يخدعهم وذلك لكي يجد الأطفال والشباب في التاريخ ما يلهمهم في حياتهم، ولذلك ألقى الضوء على شخصيات قامت بأعمال حقيقية وشجاعة تجاهلها التاريخ.

أربط هذا الكلام بما يفعله دائما إعلام من يسمي نفسه محور المقاومة، بكل وسائله وأدواته عندما يعطي حجما كبيرا لأشخاص لم يفعلوا شيئا يستحق الذكر، ويسبغ عليهم معاني البطولة والتضحية، ويجعل من أعمالهم النضالية حسب وصفه أمجادا تخلد ذكرهم، وهي لاتتعدى أحيانا عملية واحدة فاشلة وغير أخلاقية.

هل بالتطبيل والتزييف يؤرخ للأجيال القادمة، أم هي وسائل لإلهاء الناس عن قضاياهم ومآسيهم؟

أستحضر هنا على سبيل المثال حادثة مقتل أحد اللبنانيين في سورية من المحسوبين على النضال والكفاح ضد إسرائيل، وهو ممن انتمى إلى حزب الله بعد إطلاق سراحه من الأسر في السجون الإسرائيلية، حيث حكم عليه بالسجن إثر عملية قام بها ضد إسرائيل في شمال فلسطين واتهم فيها باختطاف وقتل طفلة ووالدها، ومنذ مقتله قبل أيام في غارة إسرائيلية -حسبما أوردته الأخبار- وإعلام الممانعة والمقاومة يتعامل معه على أنه رمز الفداء وعنفوان المقاومة والنضال ضد العدو الصهيوني رغم أنه موجود في سورية لأداء مهام قتالية مع المليشيات ضد الشعب السوري وبجانب نظام الأسد المجرم حسبما يؤكده الثوار.

والسؤال هو ماذا كان يفعل هذا المناضل العتيد ضد إسرائيل في سورية؟

وبماذا يفسر وقوفه مع حرية وحقوق الشعب الفلسطيني ودعمه في الوقت نفسه نظام الأسد الذي يقتل ويشرد شعبه؟

في حروب الإعلام الكاذب تغيب حقائق التاريخ ، ويحضر الأبطال المزيفون، ويغيب الصادقون.

http://www.alriyadh.com/1112769

الأكثر مشاركة في الفيس بوك