سمو الأخلاق.. عنوان التنافس الشريف

 

حمد عبدالرحمن المانع

    يظل التنافس الشريف علامة بارزة في العلاقة بين الناس، ويعتبر حافزاً لبذل المزيد من الجهد والارتقاء بمستوى الأداء للارتقاء بمستوى الخدمة المقدمة. بل والحرص على الجودة، وهكذا يبذل العاملون جهدهم لبلوغ هذه المستويات ونجاح المنشأة وتميُّزها ينبع من عطاء أفرادها، وكلما لامست جهودهم المستوى المطلوب المواكب لخطط النهوض والتطوير كلما كان النجاح حليفهم، معايير التفوق تختلف من شخص إلى آخر في حين أن التفوق بلا أخلاق كالشجر بلا أوراق فكيف له أن يثمر، وفي مقابل ذلك فإن عناصر التفوق تكون متميزة متى ما كان التحلي بالأخلاق الكريمة عنوانا لها، تنافس المجموعات أو بالأحرى الشركات والمؤسسات يشكل منعطفاً بالغ الحساسية لكونه مرتبطاً بتحقيق الأرباح ولفت أنظار المستهلكين لهذه السلعة أو تلك، إلى هنا فإن الأمر يكون طبيعياً في ظل تنافس شريف يحدوه الاحترام والالتزام الأدبي بحفظ حقوق الآخرين مادية كانت أم معنوية، غير أن ما يعكر صفو مسار التنافس عندما تغيب الأسس الأخلاقية وتهيمن لغة الجشع حينما يتم النَّيل من منتج على حساب تسويق منتج آخر شبيه له دون أي اعتبار للشرف وأخلاقيات المهنة فكون المؤسسة أو الشركة تسعى جاهدة لتسويق منتجاتها وإبراز الخصائص والمميزات، فإنّ ذلك حتماً لا يسوغ لها رمي منتجات الآخرين بالطوب والتسلُّق على حجم الخسائر التي سيتكبّدها المستثمر الصغير والذي بذل جهداً لدخول السوق الذي يتسع للجميع، والأمر الآخر هو حاجة المستثمر الكبير للصغير فهو حلقة الوصل بينه وبين الجمهور في حين أنها علاقة تكاملية فأي ضعف يصيب أي طرف حتما يؤثر على الطرف الآخر، والمجال في الرزق ولله الحمد واسع لذا فإن التمازج النوعي بين الرغبة في التسويق والقيمة الأخلاقية لا تقل بهاء، حينما تضخ قيماً خلاقة مبدعة وهي تنضوي تحت لواء الأخلاق الفاضلة، إنّ المسؤولية الأخلاقية والالتزام الأدبي هذان العنصران الهامان يجب أن يكونا شعار التنافس سواء كان ذلك بين الأفراد أو الشركات، وإذا كانت هناك جهات تحفظ الحقوق الفكرية فإن الاهتمام كذلك بإنشاء جهة تحفظ الحقوق الاعتبارية لصغار المنافسين سيكون مدعاة لتحقيق التوازن بهذا الصدد، وهناك مثل دارج يتداوله التجار وكذلك كان الأباء والأجداد هو (رب ارزقني وارزق مني) هذه العبارة المفعمة بالنبل والصفاء والمشاركة الوجدانية والإنسانية تعكس بجلاء أخلاق أهل هذه البلاد المباركة وتجسد التكافل المعنوي بكل ما يحتويه من قيم جميلة تحلق بالجميع في سماء الفضيلة وحسن الخلق؛ وفي شأن متصل فإن غياب المنافسة الشريفة كذلك على الصعيد الرياضي يؤدي الى ظهور التعصب الذي أرجو أن لا تقوم له قائمة، فتجد البعض يبالغ في ميوله نحو فريق معين وتفرز المبالغة بهذا الخصوص آثاراً سلبية، وثق بأن مقدار الفرح في حالة الفوز سيقابله نفس المقدار في حالة الخسارة وبالتالي فإن التأزم النفسي سيكون بالمرصاد. التعصب معضلة أخلاقية تتكئ على غياب التكافؤ والتنافس الشريف، فيما تكون عناصر الميول والعاطفة والرغبة والتأثر قد اختل توازنها وحلقت خارج مدار العقل، وحينما يتسع الصدر وتغلفه حلاوة الروح فإن هذا الاتساع يسهم وبشكل غير مباشر في تنقية المشاعر في أريحية تنبئ عن عمق في الإدراك ونضج في التفكير، فالمشاحنات لا مكان لها بين من نهلوا من معين الفضيلة الذي لا ينضب كتاب الله وسنة نبيه، والحب والتآخي يفرزان مودة لا تنقطع، وجذوراً راسخة بالإيمان لا تقتلع.

http://www.alriyadh.com/1112407

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك