الأسرة وتعزيز الأمن الفكري

 

حسين القحطاني

    الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فمعظم المشكلات الاجتماعية وحلولها يمكن أن نربطها بعوامل مرتبطة بالمواقف الأسرية، بل إنه لا يمكن التصدّي للمشكلات التي تواجه المجتمع من غير أن نبحث في مشكلات الأسرة. ورغم أن الأسرة تعتبر أصغر مؤسسات المجتمع إلا أنها ذات أهمية قصوى في تهيئة أفراد المجتمع منذ الصغر للعيش والاندماج مع المجتمع ومعرفة مكوّناته وكيفية التعايش فيه والتعامل مع أفراده.. وقد بلغ من تأثير الأسرة في الفرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو يمجّسانه أو ينصّرانه".. فالأسرة مسؤولة عن سلوك أفرادها سواء كان إجرامياً أو سوياً.. فعند البحث عن أسباب الجريمة والانحراف لا يغفل المهتمون دور الأسرة ومدى الترابط الاجتماعي بين أفرادها، لذلك تجد الدول تهتم بالأسرة داخل المجتمع وتعمل على تحسين ظروفها وتقديم الدعم اللازم لها.. ومهما تعددت المؤسسات الاجتماعية التي يمكن أن تقوم بوظائف الأسرة، فإنها لا تعتبر بديلاً للأسرة، بل مكملة لعملها التربوي، فالأسرة السوية أساسها المودة والتراحم، فينشأ الأبناء وفق تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف والمثل العليا وقيم الإسلام السمحة المعتدلة.

ولتحقيق هذا الهدف لا بد من اعتماد لغة الحوار، والتفاهم الفعّال بين الأبوين وأولادهم والتخلّي عن العنف والأساليب الاستبدادية التي تجافي قيم الشورى في الإسلام، والعمل على متابعة الأبناء وتفقّد أحوالهم ومعايشة مشكلاتهم والعمل على حلها، والمساواة والعدل بينهم عند التعامل حتى لا يحصل خلاف أو حقد أو شعور بالظلم، ربما يؤدي إلى العزلة والانطواء، ومن ثم الانحراف الخلقي أو الفكري المؤدي إلى الإرهاب، لاسيما في مثل هذه الظروف التي نعيشها الآن من إرهاب ومحاولات لخطف عقول شبابنا من قبل التيارات الفكرية التي تسعى جاهدة لاصطياد هؤلاء الشباب واستغلال ظروفهم الأسرية..

إن تحصين ومراقبة ووقاية الأبناء من أي انحراف فكري من أهم مسؤوليات الأسرة، خاصة في ظل هذا الغزو والبث الإعلامي المباشر، فليست مهمة الأسرة توفير الضروريات لأفرادها فقط، بل المشاركة في تذليل ما يعترض الأبناء من مشكلات ومحاولة الإسهام في حلها؛ فيكون بذلك دورها استباقياً ووقائياً. والمشاركة أيضاً مع مؤسسات المجتمع الأخرى "المدرسة والمسجد والمؤسسات الإعلامية والأمنية والدعوية" في تكوين المفاهيم الصحيحة وإيجاد علاقة قوية ومتينة بين الأسرة وهذه المؤسسات لتعزيز الأمن الفكري لدى هؤلاء الناشئة، مثل حثهم على وجوب التمسك بتعاليم الدين دون غلو أو تفريط، والعمل على غرس حب الوطن والانتماء إليه ووجوب الحفاظ على مكتسباته.. فالأسرة مطالبة ببناء سياج فكري آمن لأبنائها، حتى يكون درعاً واقياً لهم من اختطاف عقولهم، وتوصيتهم على حسن اختيار الرفقة الصالحة.. فالتهاون في متابعة الأبناء قد يؤدي إلى كثير من السلوكيات والأمراض مثل التوحّد والرهاب الاجتماعي، والتسرّب من الدراسة والتشرّد وعدم الشعور بالمسؤولية واللامبالاة والوقوع في براثن المخدرات وشبكات الإرهاب.. فالمتتبع لسيَر الإرهابيين من خلال وصف المقربين منهم يجد أنهم كانوا في عزلة وانطواء عن المجتمع مما سهّل التغرير بهم.

نسأل الله لنا ولكم صلاح أبنائنا ليكونوا أعضاء فاعلين خدمةً لدينهم ووطنهم ومليكهم..

http://www.alriyadh.com/1107921

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك