التعبُّد بالشتائم
عبد الرحمن اللاحم
الشتائم والسباب واستخدام المفردات القذرة؛ تمقتها الفطرة السليمة، ولستَ بحاجة لقانون أو فتوى دينية حتى تصل إلى تلك القناعة، لأنها حقيقة بسيطة يدركها البشر الأسوياء الذين لم تنحرف فطرتهم ولم تطمس الايديولوجيا أعينهم إلا أن تلك الحقيقة الفطرية البسيطة أصبحت محل تشكيك كغيرها من القيم الإنسانية البسيطة التي شوهها الغلاة بخطاباتهم المتطرفة فأصبح فيها قولان فلم تعد هناك ثوابت أخلاقية وقيم ثابتة نقف عليهما جميعاً.
كنا نعوّد أطفالنا على استخدام الكلمات المهذبة وننهرهم عندما يتفوهون بكلمات قبيحة ونحذرهم من مجالسة الأطفال غير (المؤدبين) الذين لم يحسن أهلهم تربيتهم أما الان وبعد أن كبر أولئك الأطفال الذين لم يُحسن تربيتهم في صغرهم؛ استمروا في استخدام ذات القواميس القذرة في شتم مخالفيهم وسبهم والتشهير بهم إلا أن المكان هو فقط الذي تغير، فبدل أن كانت تلك الشتائم تطلق في أزقة الشوارع الضيقة من الأحياء سيئة السمعة، تطور الأمر فأصبحت تقرأها في وسائل التواصل الاجتماعي، والأدهى من ذلك أنها بعد أن كان الضمير الاجتماعي يمقتها وينبذها؛ أصبح هناك ممن امتهنوا الوعظ يروجون أقوالاً ترى شرعية استعمال تلك الشتائم وجواز استخدامها في خصومتك مع من تختلف معه بل يعتقدون أنها قربة إلى الله تماماً كتقربك له بالصلاة والصدقة فهم يتعبدون إلى الله بالشتائم ويتقربون اليه بالسباب!
فبينما يأتي الصالحون الصادقون يوم القيامة بأعمال الخير والبر والإحسان الى الناس ويفاخرون بها يأتي هؤلاء بأرتال من الشتائم والفجور والسباب ويتفاخرون بها ويعتقدون أنها ستدخلهم الجنة وتقيهم من النار مع أنهم يقرؤون قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا)، ولا يمكن لشخص لم تشوًه فطرته أن يعتقد بأن (الشتيمة) تندرج في الأعمال الطيبة.
المتعبدون بالشتم هم أشقاء المتعبدين بالقتل والذبح والتفجير، رضعوا ذات الحليب ونشأوا على ذات الثقافة المؤمنة بالعنف، فمن يذبح المسلمين ويفجر مساجدهم قطعاً لا يرى أنه يمارس عملاً محرماً بل هو يعتقد أنه يمارس قربة من أعظم القربات لله كما يزعم، فيتعبد لله بالدماء المعصومة تماما كما يتعبد شقيقه بالنيل من الأعراض المعصومة، فمن يستبيح الأعراض فإنه بالضرورة يستبيح الدماء وسيلغ فيها متى ما وجد لذلك سبيلاً فلم يمنعه من ذلك سوى الخوف من العقوبة.
إنه لزمن رديء أن وصل أولئك الغلاة للجرأة بأن يجاهروا بشذوذهم عن الفطرة وتقيؤ ذلك العفن على رؤوس الأشهاد، حدث هذا يوم أن غفلنا عن التطرف وخطابه حتى تغلغل في أجسادنا عبر عقود من الزمن، ونحتاج الآن مثلها أو ضعفها حتى نطهر أجسادنا من تلك السموم القاتلة.