الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب
الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب
تثبت الأحداث التي يشهدها العالم حالياً ضرورة أن يعمل المجتمع الدولي
على تحقيق السلام. وتهدف اليونسكو إلى بلوغ هذا الهدف من خلال دعم
وتشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب.
يحتل السعي إلى تأسيس حوار بين الحضارات والثقافات والشعوب محوراً أساسياً في الميثاق التأسيسي
لليونسكو، آما أنه يبرز من خلال مختلف برامج المنظمة وقراراتها، إذ أن تعزيز الحوار من أجل "بناء
السلام في عقول البشر" إنما يقع في صميم رسالتها.
وفي مجتمعاتنا المتسمة بتنوع متزايد يوماً بعد آخر، ينبغي ضمان التفاعل والانسجام بين الشعوب
والجماعات التي تتميز بهويات ثقافية مبنية على التعددية والتنوع والدينامكية، في موازاة تنامي إرادة
العيش سوياً. من هنا، فلا بد وأن يقوم مبدأ تدعيم أسس الحوار بين الثقافات والشعوب على الاعتراف
بالتنوع الثقافي واحترامه. في هذا السياق، لطالما أبدت اليونسكو تأييدها للسياسات الجامعة والقائمة على
المشارآة بوصفها ضمانة لتحقيق التماسك الاجتماعي وتأمين حيوية المجتمع المدني وإحلال السلام.
منذ سنوات عدة، وبالأخص منذ الإعلان عن سنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات ( 2001 )، تمت
معالجة المسائل التي يثيرها الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب من خلال مبادرات وقرارات
بارزة، وفي سياق عدد من المؤتمرات واللقاءات التي نظمتها اليونسكو إلى جانب الجهات المعنية في
بلدان ومناطق مختلفة. آما أن تلك الأحداث أتاحت المجال لإطلاق برامج وإصدار منشورات لتلبية دور
اليونسكو في هذا المجال.
وتُبذل جهود أيضاً من خلال عدد من الأنشطة للاعتراف بتنوع وصون التراث الثقافي العالمي وأشكال
التعبير الثقافية المختلفة، مما يتيح فرصة أآبر للتعارف بين الشعوب وثقافاتها.
تحديات العصر
لا شك أن العولمة وبروز تحديات جديدة، فضلاً عن التهديدات المحدقة بالإنسان وما يواآبها من أشكال
للجهل واتساع الهوة بين البشر بعيداً عن التفاهم المتبادل، آلها عوامل تجعل من الحاجة للحوار بين
الشعوب أمراً ضرورياً أآثر من أي وقت مضى. ونحن نشهد اليوم إحساساً متزايداً بمكامن الضعف
المشترآة لدى البشرية جمعاء إلى جانب إرادة جديدة ملموسة بالتصدي لنزعتي عدم التسامح والتعصب،
والبناء على أساس الفرص التي تتيحها العولمة لصالح التبادل والتفاهم بين الثقافات.
عام 2001 ، أعاد المؤتمر العام لليونسكو تحديد إطار عمله بتبني قرار من أجل التعاون الدولي لتجنب
الأعمال الإرهابية ومكافحتها، مما يشير إلى التحدي الجوهري الذي يمثله تحقيق الحوار المنشود، وهو
حوار يجب أن يقوم على وحدة البشر وعلى أساس القيم المشترآة، والاعتراف بالتنوع الثقافي والكرامة
المتساوية بين جميع الحضارات وجميع الثقافات.
آما وفرت القمة العالمية للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2005 زخماً إضافياً لمشروع الحوار، حينما
أعلن قادة العالم عن التزامهم بتعزيز الحوار بين الحضارات وثقافة السلام على المستوى الوطني
والإقليمي والدولي. وقد أوآل لليونسكو دور رائد لهذه الغاية.
في أعقاب "أزمة الرسوم الكاريكاتورية" عام 2006 ، آان التحدي الجديد الماثل أمامنا يتمثل في التوفيق
بين مبادئ حرية التعبير واحترام الرموز الثقافية والدينية. وقد دعت الدول الأعضاء في اليونسكو إلى
اعتماد نهوج ملموسة وأنشطة عملية مستمدة من مجالات اختصاص المنظمة، أي التربية والعلوم والثقافة
والاتصالات والمعلومات.
طرق الحوار
يقع مفهوم "الطرق" في صلب مشاريع عدد من المنظمات العاملة على تعزيز الحوار بين الثقافات.
ويُقصد به الوسائل التي اعتمدها أشخاص وجماعات لتعميم أفكار وتقاليد محددة عبر القارات والمحيطات.
من طريق الحرير إلى طريق الرقيق وطرق الحديد في أفريقيا، أظهر التاريخ أن الطرق تمثل أمكنة لتبادل
التجارب الثقافية والأفكار والقيم والسلع من خلال الفنون والتجارة وحرآات الهجرة.
آذلك فإن ثورة التكنولوجيات الحديثة آانت وراء تسارع وتيرة العولمة. ولعل إحدى نتائج هذه الظاهرة
تتمثل في تبادل الرجال والنساء المنتمين إلى ثقافات مختلفة للأفكار ووجهات النظر، مما يشجع التفاهم
المتبادل بشأن أساليب العيش وأنماط التفكير. بيد أن العولمة قد تولّد أيضاً آثاراً سلبية وتؤدي إلى شعور
بالإقصاء بدلاً من الانفتاح، وإلى الرفض و/أو العنف الناتج عن الخوف من الآخر وقيمه وثقافته. وهنا
يبرز الدور الجوهري للحوار بين الثقافات في تعزيز التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة.
الحوار بين الديانات
يرمي برنامج اليونسكو بشأن الحوار بين الديانات إلى تشجيع الحوار بين ديانات وتقاليد روحية مختلفة في
عالم تتكاثر فيه الصراعات القائمة على العامل الديني. وغالباً ما تنتج تلك الصراعات عن جهل وسوء فهم
للثقافات والتقاليد المذآورة. يُعتبر البرنامج من الأنشطة الأساسية للمنظمة في مجال الحوار بين الثقافات.
آما يرآز على التفاعلات والتأثيرات المتبادلة بين الديانات والتقاليد وضرورة تعزيز المعرفة المتبادلة
بهدف احترام التنوع الثقافي والديني. وقد أثمر البرنامج عن إنشاء شبكة لكراسي اليونسكو الجامعية في
مجال الحوار بين الديانات والتفاهم بين الثقافات.__