النحو لم ينضج ولم يحترق

النحو لم ينضج ولم يحترق

د. سعد مصلوح

 

حوار بمناسبة صدور موسوعته «التفصيل في إعراب آيات التنزيل»

 

منذ أن أنزل الله عز وجل كتابه الخالد على نبيه محمد  " صلى الله عليه وسلم" ، تعددت أوجه خدمة الأمة الإسلامية لهذا الكتاب المبارك، وعنايتها به، تفسيرا وتدبرا وإعرابا وتحليلا واستنباطا لأحكامه ومضامينه... إلخ، وفي حلقة جديدة من حلقات عناية الأمة بالقرآن الكريم صدرت حديثا موسوعة نحوية قرآنية بعنوان «التفصيل في إعراب آيات التنزيل».. اخترقنا كواليس إعداد هذه الموسوعة وقلبنا صفحاتها مع أحد مؤلفيها، الأستاذ الدكتور سعد عبدالعزيز مصلوح، فكان هذا الحوار:

 

حوار: عامر أحمد

 

- تعددت أعاريب القرآن الكريم قديما وحديثا، حتى فتحت شهية الباحثين لدراسة مناهج المعربين للقرآن الكريم، فالدكتور عبدالله الخولي الإعلامي المعروف بإذاعة القرآن الكريم بمصر، حصل على الدكتوراه بهذا العنوان، «مناهج المعربين للقرآن الكريم.. سورة البقرة نموذجا».. فما الجديد الذي يقدمه «التفصيل في إعراب آيات التنزيل» للمكتبة القرآنية والنحوية؟

 

لاحظنا أمورا عدة عند المعربين المعاصرين، وأخرى عند المتقدمين منهم، فالموضع الواحد يمكن أن تكون له توجيهات نحوية عدة، قد تبلغ أكثر من عشرين توجيها، فلم نجد لدى المتقدمين جمعا مستوعبا لكل هذه الأوجه في كتاب واحد، أما لدى المعاصرين فقلما تجد ذكرا لهذا التعدد، وإذا جاء فإنما يأتي في حدود ضيقة، وقد يُختار الرأي المرجوح لأنه أيسر في الإعراب.

 

وكذلك لاحظنا في بعض المنجز المعاصر نوعا من التشتت وتعدد الأغراض، والجمع بين البلاغة والنحو وشرح الغريب، والذي يحرص على جمع كل هذه الجوانب غالبا ما يفرط فيها جميعا، كذلك فإن بعض المعاصرين اشتملت أعمالهم على ما يمكن أن يدخل في باب الغلط، فرأينا منهم من يعرب الفاء للحال، ولم يقل أحد بهذا، ولم نتعقب أحدا، إنما أثبتنا ما نرتضيه، أضف إلى ذلك صعوبة ألفاظ المتقدمين، فقد كانوا يكتبون لعصرهم بطبيعة الحال، وقد وضعنا نصب أعيننا أن نضع كتابا يغني عن غيره ولا يغني عنه غيره، ويكون تصديقا لاسمه «التفصيل في إعراب آيات التنزيل».

 

- كيف نشأت الفكرة؟ وكيف تطورت وتبلورت؟ وكم استغرق إنجازها؟ نريد أن نعيش في كواليس وخلفيات هذه الرحلة.

 

في الحقيقة لستُ صاحب الفكرة، إنما صاحبها أخي ورفيق عمري المعرفي الأستاذ الدكتور عبداللطيف محمد الخطيب، وهو من أصحاب الصناعة الثقيلة في هذا المجال، فقد أنجز قبل ذلك معجم القراءات في أحد عشر مجلدا، بدت له فكرة الإعراب فصارحني بها وتخوفت ولكني استعنت بالله ودخلت معه وشاركنا أخونا الأستاذ رجب العلوش وهو من الموجهين الفنيين في وزارة التربية الكويتية.

 

وقد استغرق العمل في هذا الكتاب جمعا وكتابة وصفّا وطباعة وانتظارا للطبع مدة نيفت على ستة عشر عاما، وقلما شاركه في هذا الوقت غيره من الأعمال، إنما كان جل الوقت منصبّا عليه.

 

- ليست هذه هي الشراكة الأولى لكم في التأليف مع الأستاذ الكبير عبداللطيف الخطيب، هناك نحو العربية والتدريب اللغوي، ما موقع هذا الكتاب على خارطة هذه الشراكة؟

 

هذا سؤال مهم جدّا لأنه يعطينا وصفا دقيقا لطبيعة هذا العمل، فهذا إعراب أكاديمي وليس إعرابا للمراجعة العاجلة، وقد كانت كل شراكتي مع الدكتور الخطيب في الكتب التعليمية، وأنجزنا بحمد الله في هذا الباب إنجازات كثيرة، لعل من أهمها مناهج النحو والصرف للمعهد الديني في الكويت، وكذلك الجامعة المفتوحة، بالإضافة إلى سلسلة نحو العربية، وقد لاقت قبولا كبيرا والحمد لله رب العالمين، فـ «التفصيل» رحلتنا مع النحو الأكاديمي الذي يقف إعراب القرآن في الصدارة منه.

 

- يدفعنا هذا للحديث عن جنود آخرين قام بهم هذا العمل، مثل الجهة التي مولت إنجاز العمل وتحملت تكلفته، لاسيما أنه خرج في هذا الثوب القشيب، جمال الإخراج والطبع والتجليد.

 

أحب أن أسجل هنا أن محسنة كويتية رفضت الإفصاح عن اسمها، تبرعت لطبع هذه الموسوعة بعشرة آلاف دينار كويتي، ولما تم الطبع أعطيناها بعض النسخ المجانية، فاكتفت بأخذ خمس نسخ وأوصت بتوزيعها على بعض مساجد الكويت.

 

- ما المنهج الذي ارتضيتموه في هذا المنجز العلمي الضخم؟

 

اشتراك أكثر من فرد في عمل مثل هذا يحتاج إلى قدر كبير من التنسيق والعناية، فكان أول شيء اتفقنا عليه توحيد المصادر التي ستجمع منها المادة، ثم عمل إطار لمنهجية استصفاء الأوجه الإعرابية في الموضع الواحد، استقراء وتصنيفا، من حيث الأرجحية، وتوقفنا في كل موضع عند المسائل التي تمثل معاندة بين التركيب القرآني والقواعد المستقرة عند النحاة، ففي رأينا أن القرآن يمثل نحو الفطرة، أما ما وضعه النحاة والمختصون فيمثل نحو الفطنة، وغالبا إذا تعددت الأوجه فاعلم أن هناك شيئا من المعاندة بين هذين، فالتزمنا فكرة ترتيب الآراء بحسب الأرجحية واستقصائها استقصاء تامّا، والتوقف عند المسائل التي تحتاج إلى التوقف عندها، وأفردناها، فقلنا: مسألة في كذا أو فائدة في كذا، وما استغرق أسطرا عند غيرنا استنفد صفحات طوالا عندنا.. ومع تعدد هذه الأوجه وكثرتها لم نغفل شيئا مهمّا جدّا، غير موجود في كل كتب الأعاريب، وهو التوثيق، هذا الوجه موجود في كذا هذا في كذا، فقد راعينا حاجة طالب العلم أو الباحث وليس القارئ العادي غير المختص.

 

على سبيل المثال الآيات التي نقرأها جميعا ونمر عليها مر الكرام {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)} (العلق:9-13)... إلخ، إعراب هذه الآيات يستغرق عند غيرنا أسطرا لا تتجاوز الصفحة ونصف الصفحة، أما عندنا فوضعنا الجداول وبحثنا دلالة الرؤية هل هي بصرية؟ أم علمية؟ وما يترتب على ذلك من إعراب، وأسلوب الشرط والجواب، وإذا كان محذوفا فما تقديره؟ إلى غير ذلك..

 

- واضح أننا أمام موسوعة علمية ضخمة، عدد كبير من المجلدات، فهل وضعتم فيها سبلا تهدي السائرين، الفهارس الموضوعية والفنية مثلا؟

 

كما سبق أن أشرت، في الموضع المناسب نقول: فائدة في كذا ونستقصي القول في المسألة ونوثقها من المراجع والمصادر، وكل مجلد من كتاب التفصيل يحتوي على إعراب جزأين من القرآن، فهو في خمسة عشر مجلدا، وفي آخر كل مجلد فهرس تفصيلي للمسائل التي وجدت في هذا المجلد، ثم جمعنا كل المسائل في مجلد واحد، فمن شاء أن يرجع للمسألة في المجلد نفسه سيجد دليلا، ومن أراد أن يستقصيها في القرآن كله إذا كانت لها نظائر أخرى أو مسائل مرتبطة بها يستطيع أن يلجأ إلى الفهرس المستقل، وهذا الفهرس المستقل أوصي به طلبة الماجستير والدكتوراه والباحثين الذين يتداولون مقولة خاطئة أن النحو نضج حتى احترق، وهو في الحقيقة بعيد عن الوصفين، فلم ينضج ولم يحترق.

 

- بم يمكن أن يخدم الإعراب القرآن؟ وماذا يستفيد غير المختص من هذه الموسوعة؟

 

اللغة العربية ثقافة ونحوا وصرفا وإبداعا هي كالكتاب الواحد، صحيح أن كل علم قد يركز على منطقة ما، لكن الحدود والفواصل بينها غير موجودة، فهي يرفد بعضها بعضا، ونحن نعتقد أن القرآن الكريم مثل الشمس في المجموعة الشمسية، كل هذه العلوم تدور حوله وتخدمه، ومنها النحو والصرف، أما القارئ غير المختص فلن يحرم الفائدة إذا كانت لديه نوع من الألفة مع المصطلحات أو الدراسات النحوية.

 

- تعددت مؤلفات ومنجزات فضيلة الدكتور سعد النحوية والبلاغية والأدبية والنقدية، فماذا يمثل هذا المنجز القرآني النحوي للدكتور سعد مصلوح؟

 

أشكر أخي الدكتور عبداللطيف لأنه هو الذي دلّ على هذه الفكرة، وأحسب أن هذه الأعمال التي ذكرتها للدنيا فيها حظ كبير، أما هذا الإصدار فنرجو أن يكون حظنا فيه في الآخرة، وللآخرة خير لك من الأولى، نحاول أن نقدم شيئا نلقى به الله سبحانه وتعالى، يخفف عنا بعض أوزارنا يوم القيامة.

 

- هل تستعدون طلاق مشروعات علمية أخرى تشفعون بها هذا العمل العملاق؟

 

كما ترى للسن أحكام، ولكني كنت محرضا لأخي الدكتور عبداللطيف هذه المرة على إنجاز عمل في الاتجاه نفسه، يكمل هذا العمل (التفصيل)، وإن كنا لم نسمه بعد، لكنه يدور حول عقد الصلة بين الجانب النحوي والجانب القرائي، أي الجانب النحوي في قراءة عاصم والقراءات الأخرى والجانب البلاغي.. هو في الحقيقة مشروع ضخم لا ندري متى ينتهي، لأن بلاغة القرآن تحتاج إلى وقفات طويلة.

 

- كلمة أخيرة.

 

مع ما تعج به الساحة على كل المستويات من أحداث ومعوقات ومثبطات، أصارحك بأننا وجدنا في هذا العمل قدرا كبيرا من العزاء، حاولنا أن نتجه نحو الشيء الذي يبقى والجوهر الذي تكمن فيه الفائدة والذي يتجاوز أعمارنا ويبقى لما بعدنا، وأعتقد أننا في حاجة إلى أن نشغل أنفسنا بمعالي الأمور، بل إني أقول دائما إنني في مرحلة سميتها «ترشيد إنفاق العمر»، نسأل الله أن يلهم عباده ليلتفتوا نحو معالي الأمور ويتركوا سفسافها, وأن يكون هذا العمل شيئا من الجد وسط بحار المهازل التي تحيط بنا.

http://alwaei.gov.kw/Site/Pages/ChildDetails.aspx?PageId=812&Vol=606

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك