أحاديث الأربعين الدعوية

أحاديث الأربعين الدعوية

فضيلة المفتي: هاني خليل عابد

الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة والتسليم على البشير النذير، سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه. أما بعد:

فقد عقدت العزم على أن جمع أربعين حديثاً في مجال الدعوة في سبيل الله، ومقاصدها، ومنهجيتها، مستمداً ذلك من أحاديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، الذي أثنى عليه رب العزة بقوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) النجم/3-4.

أما أسباب اختياري لأربعين حديثاً نبوياً، في مجال الدعوة إلى الله تعالى فهي:

أولاً: متابعةً لأئمة الدين والهدى، الذين جمعوا أحاديث الأربعين في موضوعاتٍ شتى، مثلما فعل الإمام النووي رحمه الله في أربعينه المشهورة بـ(الأربعين النووية)، التي اشتملت على اثنين وأربعين حديثاً، تمثل مقاصد الشريعة الإسلامية.

ثانياً: إظهاراً لغزارة وفصاحة البلاغة النبوية، التي زودت البشرية بالغذاء الروحي، والإصلاح الفكري، لكل ما يواجه المسلمين من معضلات، قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت بجوامع الكلم)([1]).

ثالثاً: تناولاً لقضية الخطاب الدعوي من منظورٍ نبوي، من خلال الوقوف مع توجيهات النبي صلوات الله وسلامه عليه للدعاةِ في مجالات الصفات التي عليهم أن يتحلوا بها، والعدّة التي عليهم التزود بها، وكذلك الوقوف على أدبيات الخطاب الدعوي من منظور نبوي، هذه الأدبيات التي على الدعاة الوقوف عليها وتفهمها، وتفعيلها في إيجاد خطاب دعوي قوي ومؤثر وناجح، يرشد الدعاة إلى الأساليب الدعوية الناجحة والمؤثرة، وسبل النهوض بالخطاب الديني شكلاً ومضموناً.

وألتزم -في هذه الأربعين- ذكر الأحاديث الصحيحة، معرضاً عن الضعيف فضلاً عن الموضوع، ففي الصحيح ثروة فقهية، وثقة علمية، تغني العقل، وتطمئن القلب، وتشرح الصدر.

وسأضع لكل حديثٍ عنواناً، يمثل باباً لفهم مقاصد الحديث، ودلالاته في مجال الدعوة، وأُتبع ذلك بما يرشد إليه الحديث المذكور في المجال الدعوي، مشيراً إلى مظان ذكر هذه الفوائد، ومراجعها وسأتبع ذلك -إن اقتضى الأمر- بذكر ما استفدته من لطائف دعوية في مجال الخطاب الدعوي، وما استخرجته من دلالاتٍ من هذه الأحاديث في مجال الدعوة، وخطابها، وأساليبها، ووسائلها، ومقاصدها.

الحديث الأول

إخلاص النية في العمل الدعوي

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأةٍ ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)([2]).

هذا الحديث فيه الكثير من الفوائد، منها:

1. هذا الحديث زادٌ كبير للعلماء والدعاة؛ لتصحيح مقصدهم، وجعله خالصاً لوجه الله، حيث استحبّ العلماء أن تستفتح المصنّفات به، وممن ابتدأ به كتابه الإمام أبو عبدالله البخاري، وقال عبدالرحمن بن مهدي: ينبغي لكل من صنَّف كتاباً أن يبتدئ فيه بهذا الحديث؛ تنبيهاً للطالب على تصحيح النية([3]).

2. الحديث يدل أيضاً على أن المرء يجازى على ما نوى من الخير، وإن لم يعمل، وأنّ النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل، إذا حيل بينه وبين العمل بنومٍ أو نسيانٍ أو غير ذلك من وجوه الموانع، فيكتب له أجر ذلك العمل وإن لم يعمله، فضلاً من الله ونعمة، وكان نومه عليه صدقة([4]).

3. هذا الحديث يمثل زاداً كبيراً لقضية الدعوة، فهو يحدد الهدف والغاية من أعمال الإنسان، فأعمال العبد لا صحة لها ولا اعتبار ولا كمال تحقق لها، إلا بإصلاح القصد، فالحديث المذكور يمثل بوصلةً تحدد المسار للدعاة، فهم ينطلقون بالدعوة في سبيل الله وهم حريصون على مرضاة رب العالمين، لا يستغلون الدعوة لتحقيق أغراض دنيوية ومكاسب فانية، فالباقي خير من الفاني.

4. هذا الحديث يرشد الداعية إلى اصطحاب النية الصادقة في كل مسائل الدعوة؛ في الخطبة، والمحاضرة، والندوة، والمؤتمر، فالداعية يستحضردائماً نية الخير للدعوة، ناظراً إلى المصلحة الدعوية العليا، وليس إلى المكاسب الدنيوية الزائفة.

5. الحديث ينصح الدعاة إلى إدراك أهمية النية في الشرع الإسلامي، وضرورة تنبيه المخاطبين إلى أهميتها، وأثرها في تحويل أفعال الإنسان إلى قرباتٍ إلى الله تعالى.

الحديث الثاني

تدريب الدعاة وإعدادهم

عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولمعاذ بن جبل لما أرسلهما إلى اليمن: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا)([5]).

هذا الحديث يستفاد منه دعوياً ما يلي:

1. رعاية الدعاة من قبل المؤسسات الدعوية، والعمل على ابتعاثهم في السفر الدعوي إلى الأقطار والأمصار.

2. يرشد الحديث إلى أهمية إعداد الدعاة، وتوجيه النصح إليهم بما يساهم في نجاحهم الدعوي.

3. أهم ما يوصى به الدعاة، هو عدم التنازع فيما بينهم، وعدم الجنوح إلى الأشد في مسائل المسلمين.

4. أهمية تدريب الدعاة على فقه التيسير ورفع الحرج عن الناس، لما في ذلك من المساهمة في نجاح خطابهم الدعوي.

5. التلطف في مخاطبة المدعوين، قال النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، والنهي عن التعبير بذكر التخويف، وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، وفيه تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ ومن تاب من المعاصي كلهم يتلطف بهم، ويدرّجون في أنواع الطاعة قليلاً قليلاً، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدرج فمتى يِِـسر على الداخل في الطاعة أو المريد للدخول فيها سهلت عليه، وكانت عاقبته غالباً التزايد فيها، ومتى عسرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم أو لا يستحليها([6]).

6. يستفاد من الحديث إدخال الدعاة في برامج علمية، وفقهية، وتدريبية، تجعلهم يستوعبون مفاهيم التيسير ورفع الحرج عن الناس، ومعرفة مواطن الرخص الشرعية، والبعد عن الإفراط والتفريط، وحسن التعامل مع المدعوين وحسن التعامل مع الفريق العامل في ساحة الدعوة.

الحديث الثالث

الأمل بنجاح الداعية

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن دوساً عصت وأبت فادع الله عليها، فقيل هلكت دوس، قال: اللهم اهد دوساً وائت بهم([7]).

هذا الحديث يتكلم عن الطفيل بن عمرو الدوسي -سيد قومه-، قدم مكة فطلب منه رجالات قريش أن لا يسمع إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى به الأمر إلى أن سد أذنيه بالقطن، ولكنه راجع نفسه فنزع القطن من أذنيه واستمع إلى كلام رسول الله صلى الله علي وسلم، فلم يسمع قط كلاماً أحسن من كلام يتكلم به رسول الله صلى الله علي وسلم، فأسلم فرجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام([8]).

لكن الطفيل بن عمرو رضي الله عنه لما ذهب إلى قومه ليدعوهم واجه المصاعب فغضب منهم، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طالباً منه الدعاء على قبيلة دوس، ولكنّ الرسول الله صلى الله عليه وسلم أبهر الجميع عندما دعا لهم ولم يدع عليهم، وفي هذا دروس دعوية منها:

1. عدم الشعور باليأس من المدعوين.

2. التحلي بروح الأمل في نجاح الدعوة، وهذا ما حدث فإن الله سبحانه وتعالى منّ على قبيلة دوس بالهداية، فكان منهم الصحابي المشهور أبو هريرة رضي الله عنه الذي يعتبر أهم مراجع الأمة في علم الحديث النبوي الشريف.

3. يستفاد من حديث الطفيل بن عمرو الدوسي، أهمية إشاعة الأمل في نفوس الدعاة بعدم اليأس من إصلاح واقعهم، وكذلك تدعوهم إلى إشاعة روح الأمل في صفوف أبناء الأمة، وعدم إحباط معنويات الناس بالتركيز على سلبياتهم دون الحديث عن الإيجابيات، والبحث عن مواطن الخير فيهم.

4. يستفاد من الحديث أن من أخلاق الداعية الصبر على المدعوين، والشفقة في دعوتهم، لعلهم يُقبلون على دعوة الخير.

الحديث الرابع

الدعاء والالتجاء إلى الله من أجل تحقيق النصر للدعوة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: اللهم نَجِّ عياش بن أبي ربيعة، اللهم نَجِّ سلمة بن هشام، اللهم نَجِّ الوليد بن الوليد، اللهم نَجِّ المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف([9]).

قال الخطابي: فيه من الفقه، إثبات القنوت في غير الوتر، وفيه دليل على أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آبائهم لا يقطع الصلاة، وأن الدعاء على الكفار والظلمة لا يفسدها([10]).

والحديث فيه من الفوائد الشيء العظيم:

1. متابعة شؤون المدعوين وأحوالهم، والفرح لفرحهم، والحزن لما يحزنهم.

2. الدعاء للمسلمين المعذبين في الأرض بأن ينجيهم الله ويرفع الكرب عنهم.

3. نلاحظ اعتناء الرسول صلى الله عليه وسلم بأولويات الدعاء، فقدم الدعاء بنجاة أصحابه على الدعاء بالقحط على الكافرين، فدعاؤه بالنجاة لأصحابه الذين عانوا من الأسر والاضطهاد يفهم منهم تعرض أصحابه للشدائد والأذى من قبل المشركين، وبالتالي فإنه يحق له أن يدعو على من ألحق الأذى بالمستضعفين من أصحابه.

4. لا يوجد تعارض بين هذا الحديث، وبين ما سبقه، وذلك لأن قبيلة دوس كانت ترتكب المعاصي من الربا والزنا، لكنها لم تقم بمواجهة الدعاة عن طريق أسرهم والتضييق عليهم، بخلاف كفار مضر، ومضر هي قبيلة مشهورة التي منها جميع بطون قريش([11])، فهؤلاء دعا عليهم بسبب أذاهم لعلهم يرجعون إلى الحق.

الحديث الخامس

التشاور في أمور الدعوة

عن ابن عمر رضي الله عنهما: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بلال، قم فناد بالصلاة)([12]).

قال الحافظ ابن حجر: وفي حديث ابن عمر دليل على ما يلي:

1. مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون الاقتصار على الظواهر. قاله ابن العربي.

2. مراعاة المصالح والعمل بها، وذلك أنه لما شق عليهم التبكير إلى الصلاة فتفوتهم أشغالهم، والتأخير فيفوتهم وقت الصلاة؛ نظروا في ذلك.

3. وفيه مشروعية التشاور في الأمور المهمة.

4. وأنه لا حرج على أحد المتشاورين إذا أخبر بما أدى إليه اجتهاده.

5. وفيه منقبة ظاهرة لعمر رضي الله عنه([13]).

ومن الجدير ذكره أن عبدالله بن زيد هو الذي رأى رؤيا الأذان، ويمكن الجمع بين الأحاديث بأن رؤيا عبدالله بن زيد كانت بعد كلام عمر، والمراد بكلام عمر هو الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع([14]).

والحديث أصل عظيم في ضرورة اهتمام الناس بأمر دينهم وتشاورهم في مصالحه والاستماع إلى الآراء في ذلك فيما لا نص فيه، وسبر الآراء ومناقشتها والإخلاص في الوصول إلى الحل الشرعي، وأهمية النية الصادقة في التوصل إلى النتائج الطيبة، واختيار الرجل المناسب للعمل المناسب، ويؤخذ ذلك اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لبلال في رفع الأذان لحسن صوته، والاهتمام بتوصيل مفردات الدعوة بأحسن الطرق وأجملها، وإخراجها في صورةٍ تجذب السامعين وتشوقهم للحضور إلى صلاة الجماعة، وغيرها من النشاطات الدينية.

الحديث السادس

الاهتمام بإعداد الخطاب الدعوي

عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما بعث معاذاً رضي الله عنه على اليمن قال: إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس([15]).

هذا الحديث فيه العديد من الفوائد الدعوية منها:

1. إعداد الدعاة وتدريبهم على القيام بالرسالة الدعوية بما يسير بها في طريق النجاح.

2. والحديث يرشد إلى فقه الأولويات في الخطاب الدعوي، وإلى هذه الفائدة أشار النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث حيث قال: وبدأ بالأهم فالأهم، ألا تراه بدأ بالصلاة قبل الزكاة([16]).

3. ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ كانت أكثر من ذلك، فقد أورد ابن حبان في كتابه "الثقات" زيادة على ما أورده البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: (إني أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لها، يا معاذ، إذا أحدثت ذنباً فأحدث له توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية، يا معاذ، يسر ولا تعسر، واذكر الله عند كل حجر ومدر يشهد لك يوم القيامة، يا معاذ، عد المريض وأسرع في حوائج الأرامل والضعفاء، وجالس المساكين والفقراء، وأنصف الناس من نفسك، وقل الحق حيث كان ولا يأخذك في الله لومة لائم، والقني على الحال التي فارقتني عليها). فقال معاذ: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، لقد حملتني أمراً عظيما فادع الله على ما قلدتني عليه. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ودّعه([17]).

4. ويستفاد من بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن ضرورة اهتمام الداعي بأقواله وأفعاله وأفكاره، وتوظيف كل ذلك في سبيل المصالح الدعوية.

الحديث السابع

الترحيب بالمدعوين

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن وفد عبدالقيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: من القوم أو من الوفد؟ قالوا: ربيعة. قال: مرحباً بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى. فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة. وسألوه عن الأشربة؛ فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده. قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس. ونهاهم عن أربع: عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت، وربما قال: المقير. وقال: احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم([18]).

الحديث يرشد إلى العديد من المسائل الدعوية:

1. الترحيب بالمدعوين، فما من شك أن حسن استقبال المخاطبين والمدعوين له أثر كبيرٌ في إقبالهم على سماع الخير والحق، وتهيئة نفوسهم للانصياع إلى الحق وقبوله.

2. معرفة أحوال المدعوين، ومخاطبتهم حسب ما يحتاجون إلى معرفته من الأحكام، يُظهر ذلك اقتصاره في المناهي على الانتباذ في الأوعية، مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم من الانتباذ، لكن اقتصر عليها لكثرة تعاطيهم لها([19])، فالمقصود بالحنتم والدباء والنقير والمزفت أنواع من الأواني المصنوعة من البيئة المحلية، وهي عبارة عن أواني كان يضعون فيها الشراب ليصبح خمراً، فلما كان هذا من شأنهم اقتضى المقام والحال تحذيرهم من ذلك.

3. ويرشد الحديث إلى نصح المدعوين إلى حفظ ما تعلموه، وحمله لمن خلفهم من الناس، وأن يعملواعلى تبليغ ما تعلموه من أمور الدين.

4. استثارة تفكير المخاطبين بدليل سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قائلاً لهم: أتدرون ما الإيمان.

5. والحديث يفيد حوار المخاطبين والتلطف بهم من أجل إقناعهم بالدعوة.

الحديث الثامن

اهتمام الخطاب الدعوي بالقضايا الاجتماعية

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف([20]).

في هذا الحديث الكثير من الفوائد الدعوية، منها:

1. مراعاة النبي صلى لله عليه وسلم لحال السائل، ومخاطبته بما هو محتاج إليه، أُخذ من ذلك من جواب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل بأن خير أمور الإسلام هي إطعام الطعام، وقراءة السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وفي رواية أخرى أجاب النبي صلى الله عليه وسلم في موقف آخر عندما سئل أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم الناس من لسانه ويده([21])، قال النووي رحمه الله: وإنما وقع الاختلاف في الجواب، لاختلاف حال السائل والحاضرين؛ فكان في أحد الموضعين، الحاجة إلى إفشاء السلام، وإطعام الطعام أكثر وأهم لما حصل من إهمالهما، والتساهل في أمورها، ونحو ذلك، وفي الموضع الآخر إلى الكف عن إيذاء المسلمين([22]).

2. يفيد الحديث ضرورة اهتمام الخطاب الدعوي بالقضايا الاجتماعية وتناولها بالحديث والتوجيه، وتعزيز وجود القيم الاجتماعية في المجتمع المسلم.

3. الحث على تأليف قلوب المسلمين، واجتماع كلمتهم وتوادهم واستجلاب ما يحصل ذلك؛ فالألفة إحدى فرائض الدين وأركان الشريعة([23]).

4. الحديث يدعو القائمين على الخطاب الدعوي إلى الاتصاف بمنظومةٍ من القيم منها: الرحمة، والشفقة على خلق الله، والتواضع لهم، وإكرام من جاء لزيارتهم.

5. وكذلك يرشد الحديث إلى ضرورة تناول القضايا الاجتماعية، وما يشيع في المجتمعات من أمراض مثل الحسد، والتكبر، والبخل، واحتقار الناس، وتحذير الناس من تلك الأمراض الاجتماعية، من خلال بيان مواقف الإسلام فيها ودعوته إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل.

الحديث التاسع

مراعاة أحوال المدعوين

عن جابر بن عبدالله، أن معاذ بن جبل رضي الله عنه، كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً، فقال: إنه منافق. فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنّا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذاً صلى بنا البارحة، فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، أفتان أنت؟! ثلاثاً، اقرأ: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) و(سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، ونحوها([24]).

يرشد الحديث إلى ما يلي:

1. في قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (أفتان أنت؟!) نهي عن التنفير من الدين، ونهي عن كل سلوك دعوي أو نشاط ديني يؤدي إلى الصد عن طريق الدعوة([25]).

2. ضرورة مراعاة أحوال الناس في العبادات، وفي إمامة الصلاة، والبعد عن كل سلوك فيه تشديد على المدعوين.

3. عدم التهاون في التصرفات التي تؤدي إلى خسائر دعوية؛ فالنبي صلوات الله وسلامه عليه وجّه كلاماً شديداً لمعاذ وحمّله مسؤلية خروج الرجل من صلاة الجمعة، وفي هذا دليل على تقويم عمل الدعاة.

4. ضرورة توجيه الدعاة إلى السبل التي تكفل نجاح دعوتهم، ويظهر ذلك من خلال توجيه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه لمعاذ بأن يقرأ من السور غير الطويلة؛ لكيلا يطيل بهم القيام فيشق ذلك على المأمومين.

5. يفيد هذا الحديث الدعاة والخطباء والقائمين بالوظائف الشرعية، إلى ضرورة معرفة أحوال جمهورهم، ودراسة تلك الأحوال الاجتماعية والثقافية للمدعوين والمخاطبين وإعداد الأنشطة المناسبة لحالهم.

الحديث العاشر

الاهتمام بوسائل عرض الدعوة

عن أبي حازم بن دينار، أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي، وقد امتروا في المنبر: مِمَّ عوده؟ فسألوه عن ذلك، فقال: والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة -امرأة قد سماها سهل-: (مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس). فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت هاهنا، ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها، وكبر وهو عليها، ثم رجع وهو عليه، ثم نزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر، ثم عاد، فلما فرغ، أقبل على الناس فقال: (أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي)([26]).

ويستفاد من هذا الحديث المسائل الآتية:

1. جواز مساهمة المرأة في إنجاح العمل الدعوي بالوسائل المشروعة؛ فقد ورد في بعض الروايات عن جابر أن امرأة قالت: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه؛ فإن لي غلاما نجاراً؟ قال: (إن شئت). فعملت المنبر([27]).

2. ضرورة العمل على البحث عن الوسائل التي تساعد على نجاح الخطاب الدعوي؛ فقد صنع المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زماننا الثورات الاتصالية والتقنيات التكنولوجية الحديثة التي إذا أحسنّا استثمارها ساهمت في نجاح الدعوة.

3. العلاقة بين الدعوة والمهن والتخصصات الأخرى علاقة تكاملية؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم استعان بالنجار لصناعة أعواد منبره؛ مما يدعو إلى الاهتمام بتوجيه الشباب نحو المهن والصناعات، والبعد عن الخطاب الديني الذي يهدف إلى عزل الشباب عن الحياة والمهن.

4. الاهتمام بفنيات الوسائل المستعملة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم وقف على المنبر وهو مكان مرتفع، وأدى بعض أركان الصلاة وهو واقف عليه؛ من أجل تعليم الناس صلاتهم، كما ورد في الحديث.

5. اهتمام الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ببيان الحكمة والدلالات من أفعاله؛ بدليل أنه بين لأصحابه أنه صلى على المنبر ليتعلموا الصلاة. قال الحافظ بن حجر: ويستفاد منه أن من فعل شيئاً يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه([28]).

الحديث الحادي عشر

تشجيع الدعاة

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك: (لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ)، قال: وسماني؟! قال: نعم! فبكى([29]).

يستفاد من الحديث ما يلي:

1. فيه منقبة عظيمة لأبي بن كعب، بذكر الله تعالى له ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة([30]).

2. وفي الحديث يظهر أثر الإسلام في تشجيع المواهب، والأخذ بأيدي أصحابها؛ فمع أن النّبي هو خير من أوتي القرآن، لكنه تواضع وقرأ على أبي بن كعب سورة البينة، ليفرح قلبه، وليزيد من تعلقه بكتاب الله، حيث أخذ الشهادة النبوية بأنّه اقرأ الصحابة لكتاب الله مثلما ورد في الحديث النبوي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر بن الخطاب، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أميناً، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح([31]).

3. والحديث يدعونا إلى تشجيع الدعاة والثناء عليهم، ورفع معنوياتهم وتعزيز مهاراتهم من خلال تخليد ذكر من مضى منهم، وتخصيص الجوائز المادية والمعنوية لمن يعيش منهم؛ لأنهم أحباب الله، وأحباب رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم.

الحديث الثاني عشر

الخطاب الدعوي الموجه للمرأة

عن جابر بن عبدالله، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر، فصلى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه، يلقي فيه النساء الصدقة([32]).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث من الفوائد:

1. استحباب وعظ النساء.

2. تعليم النساء أحكام الإسلام وتذكيرهنّ بما يجب عليهنّ.

3. حث النساء على الصدقة.

4. تخصيص مجلس منفرد لتعليم النساء، ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة([33]).

ويضاف إلى ما تقدم من كلام ابن حجر فإن هذا الحديث يفيد:

1. عناية الإسلام بالخطاب الدعوي الموجه للمرأة؛ فالمرأة من حقها أن تشهد الخير، ومجالس العلم.

2. فتح الباب أمام المرأة لتشارك وتساهم في بناء مجتمعها، وبذلها المال الذي تملكه في سبيل ذلك.

3. يراعى في الخطاب الدعوي الموجه للنساء الأحكام الشرعية المقررة في هذا المجال من غض البصر، ومراعاة ضوابط الحشمة والعفاف.

4. يدل الحديث على سرعة الاستجابة عند النساء عموماً والصحابيات بشكل خاص، مثلما قال الحافظ ابن حجر: وفي مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يعز عليهنّ من حليهنّ مع ضيق الحال في ذلك الوقت، دليل على رفيع مقامهنّ في الدين، وحرصهن على امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن([34]).

5. يفيد الحديث ضرورة وضع الخطط لاختيار الخطاب الموجه للنساء، والعمل على إكساب النساء القيم العليا، لتكون المرأة لبنة صالحة في بناء أسرتها ومجتمعها، وتساهم في إنتاج الجيل الصالح، وتربيته تربية مأمونة.

الحديث الثالث عشر

اهتمام الداعية بهموم الناس

عن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة، فقام أعرابي، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه، وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره، حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي، أو قال غيره، فقال يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال؛ فادع الله لنا، فرفع يديه، فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا). فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي قناةً شهراً ولم يجيء أحدٌ من ناحيةٍ إلا حدّث بالجود([35]).

يفهم من الحديث ما يلي:

1. استماع الداعية لهموم المدعوين.

2. تناول هذه الهموم في الخطب الجامعة مثل خطبة الجمعة، ويظهر ذلك في موقف النبي صلوات الله وسلامه عليه واستماعه لمطلب الأعرابي الذي وصف حالة الجدب التي لحقت بالناس، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه بنزول الغيث، فنزل الغيث والخير.

3. إن في شعائر الإسلام المتمثلة في الدعاء من أجل الاستسقاء وكذلك مشروعية صلاة الاستسقاء دليل على أن من مقاصد الشريعة الإسلامية: الحرص على انتظام الحياة البشرية، والحرص على توفير الضرورات الأساسية للحياة الإنسانية.

4. وفي الحديث من الفوائد أيضاً: جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة، وفيه القيام في الخطبة، وأنها لا تنقطع بالكلام، ولا تنقطع بالمطر، وفيه قيام الواحد بأمر الجماعة([36]).

5. من لطائف الخطاب الدعوي في هذا الحديث الأدب في الدعاء؛ فعندما كثر المطر وشكا الأعرابي من غزارة المطر، أظهر النبي صلى الله عليه وسلم الأدب في الدعاء، حيث لم يدع برفع المطر مطلقاً، لاحتمال الاحتياج إلى استمراره، فاحترز بما يقتضي رفع الضرر وإبقاء النفع([37]).

الحديث الرابع عشر

اغتنام الداعية للظواهر الكونية للتنبيه على قدرة الله

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأول، ثم انصرف، وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا). ثم قال: (يا أمة محمد، ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً)([38]).

يدل الحديث على العديد من الفوائد الدعوية:

1. مشروعية الخطبة للكسوف([39])، واغتنام الخطاب الدعوي للحوادث الكونية من أجل تذكير النّاس بعظمة الله سبحانه وتعالى، والإقبال عليه، والدعوة إلى سلوك طريق الاستقامة.

2. استثمار مناسبات الخسوف والكسوف وما شابهها؛ من قلة المطر، وقوة الريح، واستثمار ذلك في توجيه الناس إلى استدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة، وردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء، وخص فيها الزنا؛ لأنه أعظمها([40]).

3. إظهار الشفقة حالة الخطاب، وظهر ذلك عندما خاطب النبي صلوات الله وسلامه عليه أمته قائلاً: (يا أمة محمد). وفي ذلك معنى الإشفاق، كما يخاطب الوالد ولده([41]).

4. تركيز الدعاة على الخطاب الديني الموجّه للناس، والذي يوضح للناس أنهم إذا أرادوا تغيير ما بهم من الأحوال والشدائد، وانجلاء الكربات عنهم فإن ذلك مرتبط بإصلاح أنفسهم وإصلاح مجتمعاتهم من خلال تطهير أنفسهم من الشح والبخل، وتطهير مجتمعاتهم من الرذائل والفواحش، وتحليهم بقيم العفاف والحياء والكرم.

الحديث الخامس عشر

تقييم العمل الدعوي

عن أنس بن مالك، أن ناساً من الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق يعطي رجالاً من قريش المئة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشاً ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم! قال أنس: فحُدِّث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبةٍ من أدم، ولم يدع معهم أحداً غيرهم. فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما كان حديث بلغني عنكم)؟ قال له فقهاؤهم: أما ذووا آرائنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً، وأما أناس منا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشاً ويترك الأنصار، وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعطي رجالاً حديث عهدهم بكفر، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما تنقلبون به، خير مما ينقلبون به). قالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا. فقال لهم: (إنكم سترون بعدي أثرة شديدة؛ فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على الحوض)([42]).

يستفاد من الحديث:

1. اجتماع الداعية بمن هو تحت يديه ليبين لهم برنامجه الدعوي والحكمة منه، مثلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيضاح الأمر للأنصار، عندما أعطى قريشاً من الأموال، مع أن الأنصار يرون أنهم الأحق، وذلك حتى يتألف قلوبهم.

2. إتاحة الفرصة لمن هم تحت يدي الداعية، ولمن يساعده ليسمع رأيهم ويناقشهم فيما يذهبون إليه، وفي ذلك تطبيب لقلوب الأنصار.

3. إقامة الاجتماعات الدعوية التي لا يحضرها إلا الخاصة من الدعاة، من أجل مناقشة شؤون الدعاة الخاصة، وتقييم أوضاعهم وتقويم مسيرتهم.

الحديث السادس عشر

الاهتمام بفقه الموازنات

عن جابر رضي الله عنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجلاً لعاب، فكسع أنصارياً، فغضب الأنصار غضباً شديداً، حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجر: يا للمهاجرين! فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما بال دعوى أهل الجاهلية)؟! ثم قال: (ما شأنهم)؟! فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها خبيثة). وقال عبدالله بن أبي بن سلول: أقد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعز منها الأذل، فقال عمر: ألا تقتل يا رسول الله هذا الخبيث -لعبدالله-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتحدث الناس أنّه كان يقتل أصحابه)([43]).

من فوائد الحديث:

1. العفو عمن يظهر الإسلام، ولو كان باطنه على خلاف ذلك؛ لمصلحة الإسلام وعدم التنفير عنه([44]).

2. اهتمام الداعية بتسكين الفتن الظاهرة في مجتمعه وعمله على محاربتها، مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى أن نار الفتنة ستنشب بين إخوة الدين من الأنصار والمهاجرين، فحذرهم من تلك العلة، ومن ذلك المرض هادم المجتمعات وهو العصبية البغيضة.

3. استئذان المسلم لمن كان مسؤولاً عنه، فيما يفعل من القضايا العامة؛ فعمر بن الخطاب ضرب لنا مثلاً في ذلك، فلم يقتل ابن سلول من تلقاء نفسه لمجرد أن نفسه حدثته بذلك لما بدر منه، ولكنه راجع في ذلك قيادته ووضعها بصورة الأمر؛ فلم يأذن النبيّ له بذلك لمصلحة الدعوة.

4. يفهم من الحديث أن مسيرة الدعوة لا تتوقف على قرارات فردية، بل لا بد من أخذ القرارات المدروسة والمسؤولة والتي تراعي الأولويات والموازنات، ولذلك كان الجواب لعمر رضي الله عنه: أتريد أن يقال بأن محمداً يقتل أصحابه؟!

الحديث السابع عشر

متابعة أحوال المدعوين

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل). فقلت: نعم. قال: (إنك إذا فعلت ذلك، هَجَمَتْ له العين، ونَفِهَتْ له النفس، لا صام من صام الدهر، صَوْمُ ثلاثةِ أيام صَوْمُ الدهرِ كلِّه). قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك. قال: (فصم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى)([45]).

يستفاد من الحديث:

1. تفقد الداعية لأحوال المدعوين، وتوجيه نصيحة الخير لهم. قال ابن حجر: وفي الحديث تفقد الإمام لأمور رعيته كلياتها وجزئياتها، وتعليمهم ما يصلحهم([46]).

2. يدل الحديث على النهي عن التعمق في العبادة لما يخشى من إفضائه إلى الملل المفضي إلى الترك أو ترك البعض([47]).

3. يرشد الحديث إلى فقه الموازنات، التوازن بين المادة والروح، يظهر ذلك من خلال توجيه النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه لابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بأن يصوم مثل صيام داود؛ يصوم يوماً ويفطر يوماً، لكي يصبر على تحديات الحياة، فلا يفر من ساحة الجهاد، ولا يؤدي تشدده في العبادة إلى الإفراط في أمور دنياه، وما عليه من المسؤوليات والواجبات.

4. استخدام أسلوب الإقناع في مخاطبة المدعوِّين، يظهر ذلك من خلال تعليل النبي صلوات الله وسلامه عليه لمسألة النهي عن صوم الدهر، لما في ذلك من إتعاب البدن وإرهاق العين، وضعف القوى، ومسألة التعليل إحدى خصائص الخطاب النبوي الذي أحيا الله به قلوباً غلفاً وأعيناً عمياً وآذاناً صماً، فكان كلامه صلى الله عليه وسلم حياةً للقلوب وغذاءً للعقول.

5. تهذيب الخطاب؛ فلا نرى خطاب التعنيف لعبدالله بن عمرو، بل خطاب الحرص والمحبة والإقناع.

الحديث الثامن عشر

استثمار المواقف الاجتماعية في الدعوة إلى الله تعالى

عن المغيرة بن شعبة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (تعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المِدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة)([48]).

يرشد الحديث إلى ما يلي:

1. غيرة الرجل على أهله، للمحافظة على المجتمع المسلم من الفواحش، وإبقاءً لقيم العفة والطهر.

2. استثمار النبي صلوات الله وسلامه عليه لكلام سعد بن عبادة، بأنه غيور شديد الغيرة على أهله للانتقال إلى الحديث عن كمال الله جل وتعالى. وهذا واضح في سؤال النبي صلوات الله وسلامه عليه لمن كان حاضراً لكلام سعد بن عبادة: (أتعجبون من غيرة سعد؟ فأنا أغير من سعد، والله أغير مني).

3. توجيه المدعوين نحو الفعل الصواب؛ فالنبي صلوات الله وسلامه عليه تحدث عن غيرة الله تعالى، ولكنه نبه سعداً أيضاً إلى أن الله الذي خلق العباد يترفق بهم، وأقام الحجة عليهم قبل حسابهم. وإلى هذا المعنى أشار القرطبي بقوله: ذكر المدح مقروناً بالغيرة والعذر؛ تنبيها لسعد على أن لا يعمل بمقتضى غيرته ولا يعجل بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه الصواب، فينال كمال الثناء والمدح والثواب لإيثاره الحق وقمع نفسه وغلبتها عند هيجانها([49]).

4. النبي صلوات الله وسلامه عليه يرشد المجتمعات الإنسانية إلى أن طريق قمع الرذيلة لا يكون أول ما يكون بالعقاب، بل إن العقاب يكون آخر شيء، وذلك بعد وضع البرامج الإيمانية الثقافية التي تؤسس لقاعدة الطهر، وتمنع مظاهر الفاحشة وأسبابها ووسائلها من المجتمع، وتربطها بشريعة ربها العادلة والمتوازنة.

الحديث التاسع عشر

الخطاب الدعوي القائم على الإقناع

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ولد لي غلامٌ أسودٌ. فقال: (هل لك من إبل)؟ قال: نعم. قال: (ما ألوانها)؟ قال: حمرٌ. قال: (هل فيها من أورق)؟ قال: نعم، قال: (فأنى ذلك). قال: لعله نزعة عرق. قال: (فلعل ابنك هذا نزعة)([50]).

نلاحظ في هذا الحديث رجلاً يظهر استغرابه من أنّ الله عز وجل رزقه بغلامٍ من زوجته أسود البشرة، حيث استبعد أن يكون من ذريته غلاماً أسوداً؛ ظناً منه أن الأبناء تتوافق ألوان بشرتهم مع لون بشرة أبيهم وأمّهم، فلفت النبي صلى الله عليه وسلم نظره بطريقٍ مقنعٍ إلى أن الإبل الحمر ربما تجد فيها الجمل الأورق، والأورق: هو الذي فيه اللون الأسود، ولكن ليس بصافٍ، ومنه قيل للرماد أورق، وللحمامة ورقاء([51]).

والحديث يزود الداعية بالبصائر الآتية:

1. الاستماع إلى هموم الناس، وتوجيههم نحو السبيل الواضح، وإنقاذهم من سبل الردى.

2. أن يكون الداعية صاحب ثقافة مجتمعية عارفاً بمفردات المجتمع الذي يعيش فيه، ليقرب إلى أذهان مستمعيه الحقائق، من خلال استعماله لأمثلةٍ من واقع المدعوين.

3. إثارة التفكير لدى المخاطب، وذلك من خلال تحريك الذهن عنده بطرح الأسئلة عليه؛ ليمعن فيها نظره وفكره، ليصل إلى الصواب بإذن الله تعالى.

4. يؤكد هذا الحديث سمة من سمات الخطاب الدعوي في الإسلام بأنه قائم على الإقناع والتحليل والتعليل؛ لما في هذه الأساليب من إزالة للشبهات من أذهان المخاطبين، وتثبيت الحقائق الإيمانية في عقولهم.

5. قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث ضرب المثل وتشبيه المجهول بالمعلوم؛ تقريباً لفهم السائل، واستدل به لصحة العمل بالقياس([52]).

الحديث العشرون

الاهتمام بالخطاب الموحد للأمة

عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان. أي شهر هذا)؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: (أليس ذو الحجة)؟ قلنا: بلى. قال: (فأي بلد هذا)؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: (أليس البلدة)؟ قلنا: بلى. قال: (فأي يوم هذا)؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: (أليس يوم النحر)؟ قلنا: بلى. قال: (فإن دماءكم وأموالكم [قال محمد -أحد رجال السند-: وأحسبه قال: وأعراضكم] عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلاّلاً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه). ثم قال: (ألا هل بلغت مرتين)([53]).

من الفوائد الدعوية في هذا الحديث:

1. طرح الأسئلة على المخاطبين؛ لإثارة تفكيرهم. قال النووي: هذا السؤال والسكوت والتفسير، أراد به التفخيم والتقرير والتنبيه على عظيم مرتبة هذا الشهر والبلد واليوم([54]).

2. التأدب في مخاطبة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، يظهر ذلك من طريقة إجابة الصحابة بأن الله ورسوله أعلم في كل ما سألهم عنه.

3. تأكيد الخطاب الديني على وحدة المسلمين، والمحافظة على دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأحوالهم، فتلك قضية كبرى في الإسلام تدور حولها الكثير من الآيات والأحاديث النبوية، والتي يظهر من خلالها الدعوة إلى تكافل المسلمين، وتراحمهم وتعاونهم، والبعد عن كل ما يخدش وحدتهم وأخوتهم وتماسكهم.

4. إثارة تفكير المخاطبين، إلى ضرورة الانتباه إلى الخطاب الذي يعمق وحدة المسلمين، والتواصي بهذا الخطاب، وتعاهده إلى درجة أن يبلغ الشاهد الغائب.

الحديث الحادي والعشرين

استثمار الشعر الهادف في الخطاب الدعوي

عن جندب بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض المشاهد وقد دميت إصبعه، فقال: (هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت)([55]).

1. تمثل النبي صلوات الله وسلامه عليه بالشعر لا يلزم منه أن يكون شاعراً، وإنما تمثل بشيء من الشعر([56]).

2. يستفاد من الحديث استحسان التمثل بالشعر الهادف خلال الخطاب الدعوي، على أن يكون هذا التمثيل.

أ‌. مختاراً بعيداً عن الشعر غير المفهوم.

ب‌. من الأشعار الوعظية التي تلخص الحكم والعبر التي تعزز الجانب الإيماني في حياة الناس.

3. من المهم للدعاة دراسة كتب اللغة والأدب والبلاغة، للانتفاع من الثروة اللغوية الموجودة في هذه المظان، لتقوية كلام الدعاة من حيث الشكل، والصناعة النحوية، والبلاغة الجمالية.

الحديث الثاني والعشرون

الخطاب الدعوي المراعي لأحوال الناس الاجتماعية والاقتصادية

عن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ضحّى منكم فلا يصبحنّ بعد ثالثةٍ وفي بيته منه شيء). فلما كان العام المقبل، قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا عام الماضي؟ قال: (كلوا وأطعموا وادّخروا؛ فإن ذلك العام كان بالناس جهد؛ فأردت أن تعينوا فيها)([57]).

الحديث فيه من اللطائف الدعوية:

1. مراعاة أحوال الفقراء والمحتاجين؛ لذا وقع في حين من الوقت وفي فترة جاء فيها عيد الأضحى كان بالناس حاجة، وفي المدينة زائرون فقراء؛ فناسب الخطاب الدعوي في هذه المرحلة النهي عن ادخار لحوم الأضاحي، ليبادر الناس إلى التصدق بها على المحتاجين ومواساتهم.

2. لما زال هذا العارض أباح النبي صلوات الله وسلامه عليه ادخار لحوم الأضاحي فوق الثلاثة أيام.

3. إعلام المخاطبين بالحكمة من التشريع، وبيان مقاصده: يظهر ذلك عندما بيَّن النبي صلوات الله وسلامه عليه الحكمة من النهي عن ادخار لحوم الأضاحي، وذلك من أجل الفقراء الذين زاروا المدينة.

4. الحديث يفيد معرفة الداعية بظروف عصره الاجتماعية والاقتصادية، وأخذ ذلك بعين الاعتبار في صياغة خطاب ٍيقوم على تفهم هذه الوقائع، والمساهمة في إيجاد حل لها.

الحديث الثالث والعشرون

استخدام الكتابة في الدعوة

عن أنس بن مالك، قال: كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً، أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً. فاتخذ خاتماً من فضةٍ، نقشه: (محمد رسول الله)، كأنّي أنظر إلى بياضه في يده([58]).

يفيد الحديث القضايا الآتية:

1. استثمار الكتابة في الدعوة إلى الله تعالى، وتبليغ رسالة رب العالمين، والتعريف بهذه الرسالة العظيمة وخصائصها ومقاصدها.

2. التعرف على فنون الكتابة وأعراف المجتمعات وتقنياتهم في استعمالاتها؛ لذا نرى النبي صلوات الله وسلامه عليه يتخذ الخاتم الذي نقشه: (محمد رسول الله)؛ لبيان مرجعية الكتاب ومصدره، وليكون أدعى في الإقبال عليه.

الحديث الرابع والعشرون

هل يتفرغ المسلم للوظائف الدعوية ويأخذ عليها أجراً؟

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: انطلق نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم، لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم. فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحدٍ منكم من شيء؟ فقال بعضهم، نعم والله، إني لأرقي، ولكن والله، لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً. فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبةٌ. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى، لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له فقال: (وما يدريك أنها رقية)؟! ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهماً، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم([59]).

الحديث يفيد جواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر، وأنها حلال لا كراهية فيها، وكذا الأجرة على تعليم القرآن، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد واسحاق وأبي ثور، وآخرين من السلف ومن بعدهم، ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن، وأجازها في الرقية([60]).

وعلى هذا فتقاضي الوعاظ والأئمة والخطباء والمتفرغون للدعوة مخصصات مالية أمر جائز شرعاً.

الحديث الخامس والعشرين

انتقاء الألفاظ الدعوية

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار)([61])

يفيد الحديث ما يلي:

1. ابتعاد المسلم عن الألفاظ التي فيها إساءة مع الله عز وجل، والتي في إطلاقها إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا لشعائر الدين وكتب الأدب في كتب الحديث النبوي شاهدة على تدريب الشريعة لأهل الإسلام على البعد عن الألفاظ المسيئة للدين ولأحكام الشريعة.

2. يفهم من هذه اعتناء الدعاة بانتفاء ألفاظهم، وعدم إرسالهم الكلمات بدون دراسة وفهم، بل بعناية واختيار وحسن انتقاء، فقد روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء ساعة: الصيام في ظمأ الهواجر، والسجود في الليل، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى أطايب التمر([62]).

3. وهذا الحديث يرشد الدعاة إلى إعداد برامج تدريبية لقراءة كتب الأدب المفيد؛ لانتقاء الألفاظ، والتدرب من خلال الوسائل الآتية:

أ‌. إقامة مجالس لطلبة العلم والدعاة؛ لتدارس الألفاظ المحببة، والألفاظ التي ينبغي عليهم الحذر منها، فإن فعلوا ذلك أسهم هذا الأمر في نجاح دعوتهم.

ب‌. أن يقوم كل داعية بنشاط فردي بأن يكون لديه مفكرة أو كراس دعوي، يقيد فيها كل كلمة دعوية محببة مشوقة، ويكون مجموع هذه الكلمات من المفيد الذي قرأه من كتب العلم الشرعي، ومن الكتب العلمية والأدبية، وكذلك مما سمعه من علماء عصره ودعاته، فهذا العمل يسجل إثراءً لعمله الدعوي، وتنمية لألفاظه الدعوية المنتقاة التي هي وسائله لجذب قلوب المدعوين والمستمعين إليه، والتوفيق بيد الله تعالى.

الحديث السادس والعشرون

فضل سيد الدعاة صلوات الله وسلامه عليه

عن أنس رضي الله عنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف. ولا: لم صنعت، ولا: ألا صنعت([63]).

يستفاد من الحديث:

1. ترك العتاب على ما فات؛ لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به إذا احتيج إليه.

2. تنزيه اللسان عن الزجر والذم، واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته.

3. ترك معاتبة الخادم في الأمور التي تتعلق بحظ الإنسان، وأما الأمور اللازمة شرعاً فلا يتسامح فيها، لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([64]).

4. وفي الحديث أيضاً مدح أنس رضي الله عنه، فإنه لم يرتكب أمراً يتوجه إليه من النبي صلى الله عليه وسلم اعتراض ما([65]).

5. يستفاد من الحديث حرص الداعية على أن يترك أكبر الأثر الإيجابي في نفوس من حوله، ومن يتعاملون معه؛ لأنهم سينقلون عنه، وسيكونون كتباً مفتوحة عنه للناس، مما يستدعي التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلق بالأخلاق الكريمة.

الحديث السابع والعشرون

التحذير من صراع الحضارات والديانات

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاء يهودي فقال: يا أبا القاسم، ضرب وجهي رجلٌ من أصحابك. فقال: (من)؟ قال: رجل من الأنصار. قال: (ادعوه) فقال: (أضربته)؟ قال: سمعته بالسوق يحلف: والذي اصطفى موسى على البشر! قلت: أي خبيث، على محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأخذتني غضبة ضربت وجهه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تخيروا بيني وبين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقته الأولى)؟([66]).

يستفاد من الحديث:

1. نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء إنما هو لمن يقول برأيه، لا لمن يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول، أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع([67]).

2. النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وتفضيل بعض الأنبياء بالمخايرة؛ لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازدراء بالآخر فيفضي إلى الكفر، فأما إذا كان التخيير مستنداً إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي([68]).

3. والحديث يعتبر أصلاً في التحذير مما يسمى بصراع الحضارات، وإدخال أهل الأديان في مجادلات لإلغاء بعضهم البعض.

4. والحديث أيضاً يوجه أهل الأديان إلى البحث عن المشترك الإنساني فيما بينهم، فلا مانع من لقاء أهل الأديان في مؤتمرات حوارية لصالح الإنسانية، ومواجهة التحديات التي تواجه البشرية، والتعاون في مواجهة الإلحاد والانحلال والفساد المالي والأخلاقي. فهذا أفضل لهم من إصدار التصريحات التي تهيج أتباعهم وتدخلهم في صراعات تأتي بالويلات على البشرية، من غير تنازل عن ثوابت الإسلام وقيمه، ودون الوقوع في شرك الاستغلال الإعلامي السيء.

5. وهذا يقتضي من اتباع الديانات التعاون في المحافل الدولية لاستصدار القرارات الأممية التي تعتبر المساس بالأنبياء جرائم كبرى، لا بد من التحذير منها ومن مفاسدها وكف شر من يشعل فتيلها بين أبناء الإنسانية.

الحديث الثامن والعشرون

استخدام وسائل الإيضاح في الخطاب الدعوي

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخطّ خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط به-، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا([69]).

في هذا الحديث نجد ما يلي:

1. استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للشكل المحسوس في إيضاح المعاني المجردة، حيث عرض لمسألة أجل الإنسان وأمله، وبأن أمله أطول من أجله، ولكن الأجل يقطع الأمل.

2. في الحديث دلالة إلى مشروعية استخدام الرسوم المعبرة، والرموز، والاستفادة من التقنيات المعاصرة الحاسوبية فيما يسمى بالاقتصاد المعرفي في إيصال حقائق الإيمان، وعرضها على الناس بصور تقريبية تلفت الأبصار وتؤثر في البصائر.

3. يرشدنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إلى ضرورة تقريب الحقائق المجردة إلى عقل المخاطب بأسلوب محسوس، ليفهم الرسالة الدعوية ويلتزم بمضمونها.

الحديث التاسع والعشرون

المناظرة في الخطاب الدعوي

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتج آدم وموسى. فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة. فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قُدِّر عليَّ قبل أن أخلق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى -مرتين-([70]).

إن من إشكالات الخطاب الديني الخطاب الذي يحلل النص الديني من قرآن وسنة تحليلاً جزئياً دون إعطاء صورة كليّةٍ لمفهوم النص، ولا يتناول السنن الربانية الواردة في الأحاديث، بل يخرج للإجابة عن إشكالات فرعية، لا أقلل من أهميتها، لكني لا أود الاقتصار عليها وعندها، ومن أمثلة ذلك هذا الحديث الذي وقف العلماء معه في إمكانية الجمع بين التقاء آدم وموسى عليهما السلام مع ما بينهما من القرون والعصور، فأقول: جزاهم الله خيراً، ولكنّي أدعو إلى دراسات أعمق في الحديث تهتم بإشارات الأحاديث وإرشاداتها:

1. اجتماع آدم وموسى عليهما السلام: إما أنهما التقت أرواحهما في السماء فوقع الحجاج بينهما، ويحتمل أنه على ظاهره وأنهما اجتمعا بأشخاصهما، وقد ثبت في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في السماوات وفي بيت المقدس([71]).

2. الحديث يضعنا أمام مشهد حواري بين والد البشرية آدم عليه السلام وبين كليم الله موسى عليه السلام.

3. يبتدئ موسى عليه السلام الحوار، مظهراً العتاب لسيدنا آدم عليه السلام وتحميله مسؤولية خروجه من الجنة.

4. يرد عليه آدم عليه السلام بلغة الأب الحريص على مصلحة أبنائه بأسلوب لطيف، قائلاً: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، وكأنه يقول له: ما حل لي من المحنة فيها منح لي ولذريتي، وأنت يا موسى منهم، فوجودنا في دار التكليف، وهي الدنيا دار الابتلاء وانقسام البشرية إلى مؤمن وكافر أعقبه الله تفضلاً منه إرسال الرسل وأنت منهم بل من خيارهم فأنت الكليم.

5. استخدم آدم عليه السلام لغة الإقناع من خلال بيانه لموسى عليه السلام، بأنك تعلم يا موسى بأن هذا كتب عليّ قبل أن أخلق وقدر علي فلا بد من وقوعه، ولو حرصت أنا والخلائق أجمعون على رد مثقال ذرة منه لم نقدر، فلم تلومني على ذلك، ولأن اللوم على الذنب شرعي لا عقلي، وإذا تاب الله على آدم وغفر له زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجاً بالشرع([72]).

6. يستفاد من الحديث التحاور بشأن المقاصد الشرعية التي تحقق السعادة للبشرية، واستخدام مقومات الحوار الناجح من الاستماع، والتلطف في الخطاب، والبعد عن المراء والجدل غير المفيد، وعدم استخدام لغة التجريح والتعنيف.

الحديث الثلاثون

الفرح لزيادة عدد المهتدين

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة)([73]).

من فوائد هذا الحديث:

1. فيه تقدير لعمل الدعاة بأن نجاحهم في إقناع ضال وإرشاده إلى طريق الهداية يفتح لهم وله أبواب الرضا الإلهي الذي لا حدود له.

2. في الحديث تعظيمٌ لإنجاز الدعاة فلو عملوا على إرشاد واحد وهدايته بتوفيق من الله كان ذلك عند الله عظيماً وإنجازاً يرتقي لمستوى رضا الخالق الكريم عنه.

3. يستفيد الوعاظ من خطاب هذا الحديث، تقديم أسلوب الترغيب على ما سواه، وتحبيب الخالق إلى المخلوقين، من خلال تضمين كلامهم للصفات الإلهية والتجليات الربانية المتعلقة بالعوائد الإحسانية على العباد، فالله هو الخالق المنعم الهادي، الرزاق، المعطي، القدير، الذي أبدع الكون وجعل مفردات الوجود في تسبيح وتناغم في الذكر والتهليل والخضوع للرب القدوس سبحانه وتعالى.

4. يستفاد من الحديث مشروعية تسجيل قصص المهتدين للإفادة منها في طريق الدعوة وأخذ العبرة منها في السبل والوسائل المؤثرة على المدعوين، ففي ذلك نفع عظيم.

الحديث الحادي والثلاثون

الاقتصاد في الموعظة والإرشاد

عن عبدالله بن مسعود أنه كان يذكّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، لوددت أنك ذكَّرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإنّي أتخولكم بالموعظة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها، مخافة السآمة علينا([74]).

هذا الحديث يرشد إلى الفوائد الآتية:

1. أنّ على الواعظ والداعية أن يختار أوقات النشاط عند المدعوين فيوجه إليهم النصيحة، لكي يكون أدعى إلى استجابتهم وقبولهم.

2. حرص الواعظ والداعية على الاقتصاد في الخطاب من حيث الوقت، فلا يطيل الخطب والمحاضرات، ومن حيث الكلام المنتقى والمختار الموجه للمخاطبين، لكيلا تمله القلوب.

قال النووي رحمه الله: وفي الحديث الاقتصاد في الموعظة، لئلا تملَّها القلوب فيفوت مقصودها([75]).

3. مراعاة أحوال ووقت المخاطبين، أرشد إلى ذلك عبارة: "مخافة السآمة علينا"، وفي هذا رد على من لا يراعون أحوال الناس، ويوجهون الخطاب الديني للناس بفوقية، وبأسلوب منفر، مفتقرين إلى برامج إعداد الخطاب الدعوي وأساليب التشويق.

4. الداعية والواعظ طبيب اجتماعي حاذق، يعرف الفرص الدعوية فيغتنمها، ويسدد كلامه فيها؛ فقد ورد عن علي بن أبي طالب أنه قال: إن هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان؛ فابتغوا لها طرائف الحكمة([76]).

5. وقول ابن مسعود رضي الله عنه كان يتخولنا بالموعظة؛ أي: يصلحنا بها ويقوم علينا بها([77]). وهذه العبارة تلقي بالمسؤولية على الدعاة من حيث ضرورة الاهتمام بإعداد هذا الخطاب، واختيار وقته المناسب، ومراعاة أحوال المدعوين وأوقاتهم، وكذلك فإنها تدعو المؤسسات الدعوية إلى إقامة دورات تدريبية للدعاة للتدريب على مهارات الخطابة والدعوة، واكتساب تقنيات ربما أرى من المناسب أن أطلق عليها علم: (الاقتصاد الدعوي).

الحديث الثاني والثلاثون

الخطاب التحذيري المقنع

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجرّ قصبه في النار، وكان أول من سيّب السوائب)([78]).

في هذا الحديث ذكر النبي صلوات الله وسلامه عليه، خبر عمرو بن عامر الخزاعي وأنه أول من سيب السوائب، وأول من حرّف ما كان عليه الناس من دين إبراهيم، أورد الطبري في تفسيره من طريق زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف أول من سيب السوائب، وأول من غير عهد إبراهيم). قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: (عمرو بن لحي أخو بني كعب، لقد رأيته يجرّ قصبه في النار يؤذي ريحه أهل النار)([79]).

ونلاحظ في هذا الخطاب النبوي ما يلي:

1. إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن عامر أنه من أهل النار.

2. لم يكتف النبي بذكر أنه من أهل النار، بل وضح للسامعين أسباب استحقاقه للنار؛ فهو أول من غير عهد إبراهيم، وأول من ترك النوق لا يحمل عليها ولا تركب وإنما تقرب للأصنام.

3. في ذلك درس للقائمين على الخطاب الديني بأنواعه المتعددة: التعليمية والإرشادية والوعظية، بضرورة الاهتمام بالأسباب والعلل في طرحهم لقضايا الخطاب الديني خصوصاً، ولخطابهم الحياتي عموماً.

وممن أجاد في عرض الخطاب الديني على شكل أسباب وعلل، واستخراج السنن الربانية المبثوثة في القرآن الكريم الشيخ محمد رشيد رضا صاحب تفسير "المنار"، وكذا الأستاذ مالك بن نبي المفكر الجزائري في كتبه المتعددة مثل: "مشكلة الحضارة"، وكذا الأستاذ محمد الغزالي الذي تمتاز كتبه بالتحليل والبحث عن علل المجتمع المسلم، وعلاج هذه العلل والأدواء، حيث أورد هذه المسائل في عدد من كتبه منها: "هموم داعية"، و"الطاقات المعطلة"، وغيرها مما يجدر بالدعاة التدرب على مقاصدها، وتفعيلها في إنشاء خطاب دعوي هادف.

الحديث الثالث والثلاثون

النهي عن التناقض في حياة الدعاة

عن أسامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه([80]).

1. هذا الحديث يؤكد سنة ربانية، وسنة قرآنية استنها الله عز وجل للدعاة بأن لا يتناقضوا؛ أي أن لا يكون تناقض بين أقوالهم وأفعالهم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) الصف/2-3.

2. التزام الداعية بما يدعو إليه أحرى باستجابة المدعوين، وعدم التزامه به أحرى لنفرتهم وعدم استجابتهم.

3. الحديث يحذر الدعاة من هذه العلة، ومن مرض خطير، وهو التناقض في حياة الدعاة، لما فيه من عدم انسجام في شخصية الداعي، وكذلك يؤدي إلى نفور المدعوين، إضافة إلى الأثر السلبي على المسيرة الدعوية من خلال إعطاء المتربصين بالدعوة ذرائع لمهاجمة الحقائق الإيمانية من خلال مهاجمة حملتها بقولهم -زوراً وبهتاناً-: انظروا إلى مسلك هؤلاء الدعاة وتناقضه، إنَّ تناقضهم دلالة على خلل في فكرهم، وفي دعوتهم... لذا فإن الداعية المخلص حريص على انسجامه مع دعوته، وعدم تمكين خصوم الدعوة من وضع الشبهات في طريقها، وإن كان هذا لا يثنيهم عن شبهاتهم إلا أنه أنجع في عدم تصديقها عند عامة الناس.

4. يدفع هذا الحديث الدعاة إلى تهذيب أنفسهم، وحملها على فعل الطاعات وترك المنكرات.

الحديث الرابع والثلاثون

الاهتمام بفنيات الخطاب

عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث حديثاً لو عدَّه العادُّ لأحصاه([81]).

في هذا الحديث عدة فوائد:

1. الترتيل في الحديث أولى من السرد والاستعجال([82]).

2. مقصود السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، بيان التمهل في الخطاب ومراعاة المتحدث لأحوال السامعين وقدراتهم، فذلك من صفة النبي صلوات الله وسلامه عليه، وعلى الدعاة الاقتداء بها لئلا يلتبس الحديث على المستمع.

3. قال الشيخ المناوي: ومنه أخذ أن على المدرس أن لا يسرد الكلام سرداً بل يرتله ويزينه، ليتفكر فيه هو وسامعه، وإذا فرغ من مسألة أو فصل سكت قليلاً، ليتكلم من في نفسه شيء([83]).

4. يرشد الحديث الدعاة إلى التدرب على فنيات الخطاب، ومهارات الإلقاء، والتعمق في علوم اللغة من تعلم النحو، والبلاغة والبيان فهذه علوم الآلة التي تمكن الداعية من قوة كلامه وانتظام بلاغته.

5. يرشد الحديث إلى ضرورة تعلم أساليب الإلقاء، فللخطابة أسلوبها، وللدروس أسلوبها وللمحاضرات أسلوبها، ومن المستغرب أنّ بعض الدعاة يذيع خلال الفضائيات حديثا صباحياً فتراه يأتيك بأسلوب خطابي لا يستطيع السامع لا عداً ولا إحصاء ولا فهماً لحديثه.

6. ومن الأخطاء الشائعة عند بعض الدعاة أو عند من يحبون ارتفاع الصوت وسرعة الكلام، ظانين أن هذا يعطي جدية للخطيب والمتحدث، والصواب أن مستوى الصوت يكون حسب الحال، فالمتحدث تارة يرفع صوته، وتارة يخفض، وتارة يأتي بالألفاظ على صيغة الاستفهام، وتارة على سياق التعجب، ويحسن الوقوف على ما انتهى معناه، لكي لا يشعر السامع بالملل أو بالسآمة، أو بالنفور أو بعدم الاستفادة، أو بالفهم الخاطئ، نسأل الله العصمة من ذلك.

الحديث الخامس والثلاثون

اهتمام الداعية بثقافته القرآنية

عن عمرة بنت عبدالرحمن عن أخت لعمرة قالت: أخذت (ق والقرآن المجيد) مِن فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة([84]).

يدل الحديث على عدة فوائد:

1. اهتمام الدعاة بثقافتهم القرآنية؛ لأن الناس تسمع لكلامهم، وما يشتمل عليه حديثهم من أدلة قرآنية، عليهم حفظها وإتقان تلاوتها، وحسن تبليغها للسامعين.

2. ذكر النووي رحمه الله: قال العلماء: سبب اختيار سورة (ق)، أنها مشتملة على البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة، وفيه دليل للقراءة في الخطبة([85]).

3. وفيه تركيز الخطباء على الآيات الجامعة للسنن العامة، فالقرآن كله خير، إلا أن القرآن يشتمل على آيات الرجاء، وآيات الوعد، وآيات الوعيد، وقصص الأنبياء، وآيات الأحكام، وعلى الداعية اختيار الآيات الجامعة، وخاصة في المحافل العامة، ومن أخصها خطبة الجمعة.

4. الحديث يحث الدعاة على ضرورة إتقان مهارات التلاوة، وما تشتمل عليه من تعلم أحكام التلاوة والتجديد، وحسن الحفظ، وحسن الصوت.

5. فتح المجال أمام المرأة المسلمة لحضور مجالس الخير ومجالس العلم؛ فالحديث نُقِلَ عن عمرة بنت عبدالرحمن، وهي وعاء من العلم؛ فعن ابن شهاب عن القاسم بن محمد، أنه قال لي: يا غلام، أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟ قلت: بلى. قال: عليك بعمرة؛ فإنها كانت في حجر عائشة. قال: فأتيتها، فوجدتها بحراً لا ينزف([86]). والسيدة عمرة نقلت هذا الحديث عن أختها أم هشام بنت حارثة بن النعمان الأنصارية الصحابية المشهورة، وهي أخت عمرة بنت عبدالرحمن لأمها([87])، وفي هذا دلالة على توجيه الخطاب الدعوي للرجال والنساء والناس كافة، لكن بشرط الاستبصار بنور القرآن الكريم.

الحديث السادس والثلاثون

الإجابة عن شبهات المخاطبين وتساؤلاتهم

عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا التقى المسلمان بسيفهما؛ فالقاتل والمقتول في النار). فقلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: (إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)([88]).

يستفاد من الحديث:

1. التأكيد على تحريم القتال بين المسلمين، فالمراد إذا التقى المسلمان بسيفيهما في المقاتلة المحرمة كالقتال عصبية، فالقاتل والمقتول في النار([89]).

2. نلاحظ أن النبي صلوات الله وسلامه عليه استمع إلى تساؤل أبي بكرة وأجاب عنه بالإقناع بأن المقتول دخل النار؛ لتوفر القصد والعزم عنده على قتل صاحبه.

3. يمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحلة في الترقي في مجال وقاية المجتمع من الفتن الداخلية، وذلك من خلال وضع المسؤولية على عاتق أفراد المجتمع، من خلال تحذيرهم من فساد القلب، والمقصود به القلب الذي يعقد العزم على قتل الآخرين ليصل هذا العزم عنده إلى مرتبة الحرص على القتل، وهذه حالة تمثل مرضاً وعلة، يترتب عليها استباحة الدماء، وارتفاع الأمن، وضياع الحقوق، واختلال الحياة.

الحديث السابع والثلاثون

إنسانية الداعي وأخلاقه

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه: إن ابناً لي قُبِضَ فائتنا. فأرسل يقرئ السلام، ويقول: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب). فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تتقعقع، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟! فقال: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)([90]).

هذا الحديث يشير إلى الفوائد الآتية:

1. يشتمل الحديث على جملة من قواعد الخطاب الحضاري الذي نحتاجه في حياتنا:

أ‌. أدب لخطاب البنت مع أبيها، فابنة الرسول الكريم هنا ابتدأت بالسلام قبل الكلام.

ب‌. أدب خطاب التلميذ مع معلمه، يظهر ذلك من خلال سؤال سعد بن عبادة عن بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم.

ت‌. إقناع النبي صلوات الله وسلامه لأصحابه حول ما ظهر فيه من البكاء بأن هذا من الشفقة ومن الرحمة التي وضعها الله في القلوب الرحيمة، لكن البكاء كان من غير نوح ولا شق جيب.

2. يؤكد الحديث إنسانية الداعي وتواصله مع أقاربه، وأبناء مجتمعه ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم.

الحديث الثامن والثلاثون

تفاعل المخاطبين مع الداعية

عن العرباض من سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا، فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)([91]).

يستفاد من الحديث:

1. عظيم مواعظ سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه التي سالت بسببها الدموع من العيون لتأثير الموعظة في النفوس في استيلاء سلطان الخشية على القلوب.

2. ضرورة اهتمام الدعاة بعلم الوعظ وفنياته؛ لما له من تأثير على عواطف الناس وتوجيههم نحو الخير.

3. إيجاد المواقف الدعوية التي تتيح فرصة لاستجابة المخاطبين، وتوجيههم نحو الخير إذا أظهروا الاستعداد للاستماع والتوجه.

4. استقبال الواعظ للناس بوجهه ومخاطبتهم مستقبلاً لهم؛ وذلك أبلغ في الوعظ، وأدخل في الأدب([92]).

5. هذا الحديث يرشد القائمين على المؤسسات الدعوية إلى ضرورة الاهتمام بعلم الوعظ، والتأصيل له، من حيث مفهومه، وحكمه، واستمداده، وضرورة تدريب الدعاة في المؤسسات الدعوية العديدة على فنيات ومهارات الخطاب الوعظي، من أجل الارتقاء به.

الحديث التاسع والثلاثون

الاهتمام بمخاطبة الصبيان وتوجيههم نحو الخير

عن وهب بن كيسان أنه سمع عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك). فما زالت تلك طعمتي بعد([93]).

ما يستفاد من الحديث:

1. فيه استحباب تعليم أدب الأكل والشرب، وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الأمر ومواظبته على الأمر([94]).

2. يلفت الحديث الدعاة إلى الاهتمام بعلم الذوق، وتعليم الصغار الأدبيات الحسنة في مأكلهم ومشربهم وتعاملهم والمحافظة على المروءة وكرم النفوس والأخلاق.

3. من المعلوم أن الصبيان يحبون الاجتماع على الأطعمة، فمن اللائق استثمار هذه المواقف التي يحبونها بتوجيههم نحو الخير.

4. إرشاد الصبيان بالكلام الإيجابي عند وقوعهم في الخطأ، وعدم معاقبتهم بالحرمان، ويظهر ذلك من خلال أن الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، عندما رأى عمر بن أبي سلمة يده تطيش في الصحفة -أي في الإناء- ما ضربه ولا حرمه ولا طرده، وإنما أرشده إلى سنن الأكل وهي: التسمية، والأكل باليمين، والأكل مما يليه.

5. يلحظ تأثر عمر بن أبي سلمة بهذا الخطاب مدى حياته، حيث أخبر أن الأخذ بهذه السنن أصبحت من طبعه بعد ذلك الكلام النبوي العظيم؛ لأن الصغير لديه قابلية للاستجابة والتوجيه.

الحديث الأربعون

المجاملة والتحبب في الخطاب الموجه للآخرين

فعن عمر رضي الله عنه قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي، وقال: (لا تنسنا يا أخي من دعائك). فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا([95]).

هذا الحديث فيه من الفوائد ما يلي:

1. يشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه، وممن هو دونه، فقد ورد طلب الدعاء من الأعلى والأدنى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ودَّع عمر إلى العمرة وقال: (لا تنسنا يا أخي من دعائك). وهذا كلام قرره واستنبطه ابن تيمية رحمه الله([96]).

2. وفي الحديث دليل على استحباب طلب الدعاء من الذاهب للعمرة([97])؛ ليتذكر إخوانه وأحبابه فيدعو لهم أثناء أداء العمرة وكذا الحج.

3. استحباب التلطف مع الإخوة، ومجاملتهم في مناسباتهم الاجتماعية، مثل سفرهم لأداء العمرة والحج، والتحبب إليهم في الخطاب.

4. نلاحظ أثر هذه الكلمة في نفسية الفاروق عمر حيث إنه لم يزل يذكر هذا الموقف، ويعبر بأن هذه الكلمات يحبها أكثر من الدنيا، لما تركت في نفسه من آثار إيجابية.

وفي نهاية هذه الأربعين أقول: لا تنسونا يا أحبتنا من دعائكم بأن يوفق الله المسلمين، ويوحد جمعهم؛ فيجعله مرحوماً ومعصوماً، وأن لا يجعل فيهم ولا منهم شقياً ولا محروماً، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الهوامش:

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب: المفاتيح في اليد، رقم (6611).

([2]) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم (1). ورواه مسلم، كتاب الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنية)، رقم (1907).

([3]) شرح النووي على صحيح مسلم (12/53).

([4]) تنوير الحلك، للسيوطي، عبدالرحمن بن أبي بكر، المكتبة التجارية، مصر، 1969م، (1/106).

([5]) رواه البخاري، كتاب الجهاد، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، رقم (3038)، ومسلم، كتاب الجهاد، باب: في الأمر بالتيسير وترك التنفير، رقم (1733).

([6]) شرح النووي على صحيح مسلم (12/41).

([7]) رواه البخاري، كتاب الجهاد، باب: الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم، رقم (2937)، ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، رقم (2524).

([8]) سير أعلام النبلاء، للذهبي (1/244).

([9]) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: (فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/٩٩، رقم (4322).

([10]) عون المعبود، العظيم أبادي، محمد شمس الحق (4/224).

([11]) فتح الباري، لابن حجر (11/194).

([12]) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب بدء الأذان، رقم (579)، ومسلم، كتاب الصلاة، رقم (377).

([13]) فتح الباري (2/82).

([14]) فتح الباري (2/81) بتلخيص.

([15]) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب: لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، رقم (1389)، ومسلم، كتاب الإيمان، رقم (19).

([16]) شرح النووي على صحيح مسلم (1/198).

([17]) محمد بن حبان البستي، الثقات، دار الفكر، ط1، 1975، (2/110).

([18]) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب: أداء الخمس من الإيمان، رقم (53)، ومسلم، كتاب الإيمان، رقم (17).

([19]) فتح الباري (1/124)، والمراد بالحنتم: الجرار، والدباء: هو القرع، والنقير: أصل النخلة ينقر ويتخذ منه وعاء، والمزفت: هو الأوعية التي فيها الزفت (فتح الباري 1/125).

([20]) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب: إطعام الطعام من الإسلام، رقم (12)، ومسلم، كتاب الإيمان، رقم (39).

([21]) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب: أي الإسلام أفضل، رقم (11).

([22]) شرح النووي على صحيح مسلم (2/10).

([23]) شرح النووي على صحيح مسلم (2/11).

([24]) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب: من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً، رقم (5755)، ومسلم، كتاب الصلاة، رقم (465).

([25]) شرح النووي على صحيح مسلم (4/182).

([26]) رواه البخاري، كتاب الجمعة باب: الخطبة على المنبر، رقم (873)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم (544).

([27]) رواه البخاري، كتاب المساجد، باب: الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد، رقم (438).

([28]) فتح الباري (2/400).

([29]) رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب: مناقب أبي بن كعب رضي الله عنه، رقم (3597)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، رقم (2464).

([30]) شرح النووي على صحيح مسلم (6/86).

([31]) رواه النسائي في "السنن الكبرى"، كتاب المناقب، رقم (8242).

([32]) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب موعظة الإمام النساء يوم العيد، رقم (935)، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، حديث رقم (885).

([33]) فتح الباري (2/468).

([34]) فتح الباري (2/469).

([35]) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الاستسقاء، رقم (891)، ومسلم، كتاب الاستسقاء، رقم (897).

([36]) فتح الباري (2/506).

([37]) فتح الباري (2/507) .

([38]) رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، رقم (997)، ورواه مسلم، كتاب الكسوف، رقم (901).

([39]) فتح الباري (2/520).

([40]) المرجع السابق (2/521).

([41]) المرجع السابق (2/521).

([42]) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي للمؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، رقم (2978)، ومسلم، كتاب الزكاة، رقم (1059).

([43]) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية، رقم (3330)، ورواه مسلم، كتاب البر والصلة، رقم (2584).

([44]) فتح الباري (8/226).

([45]) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب: صوم داود عليه السلام، رقم (1878)، ومسلم، كتاب الصوم، رقم (1159).

([46]) فتح الباري، لابن حجر (2/29).

([47]) المرجع السابق (4/225).

([48]) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لا شَخْصَ أغيرُ من الله، رقم (7416)، ومسلم، كتاب اللعان، رقم (1499).

([49]) فتح الباري (12/400).

([50]) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب إذا عرّض بنفي الولد، رقم (4999)، ومسلم، كتاب اللعان، رقم (1500).

([51]) شرح النووي على صحيح مسلم (10/122).

([52]) فتح الباري (9/444).

([53]) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب حجة الوداع، رقم (4144)، ومسلم، كتاب القسامة، رقم (1679).

([54]) شرح النووي على صحيح مسلم (11/169).

([55]) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: من ينكب في سبيل الله، رقم (2648)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، رقم (1796).

([56]) تفسير القرطبي، دار الشعب، القاهرة (15/52).

([57]) رواه البخاري، كتاب الأضاحي، باب: ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها، رقم (5249)، ومسلم، كتاب الأضاحي، رقم (1974).

([58]) رواه البخاري، كتاب العلم، باب: ما يذكر في المناولة، رقم (65)، ومسلم، كتاب اللباس، رقم (2092).

([59]) رواه البخاري، كتاب الإجارة، باب: ما يعطي في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، رقم (2156)، ومسلم، كتاب السلام، رقم (2201).

([60]) شرح النووي على صحيح مسلم (14/188).

([61]) رواه البخاري، كتاب التفسير، سورة الجاثية، باب: (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ) الجاثية/٢٤، رقم (4549)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، رقم (2246).

([62]) سير أعلام النبلاء، الذهبي، ط9، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي (2/249).

([63]) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، رقم (5691)، ومسلم، كتاب الفضائل، رقم (2309).

([64]) فتح الباري (10/460).

([65]) تحفة الأحوذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت (6/122).

([66]) رواه البخاري، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الأشخاص والملازمة والخصومة بين المسلم واليهودي، رقم (2281)، ومسلم، كتاب الفضائل، رقم (2373).

([67]) فتح الباري (6/446).

([68]) المرجع السابق (6/446).

([69]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب الأمل وطوله، رقم (6054).

([70]) رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعد، رقم (3228)، ورواه مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، رقم (2652).

([71]) شرح النووي على صحيح مسلم (16/200).

([72]) شرح النووي على صحيح مسلم (16/202).

([73]) رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب التوبة، رقم (5950)، ورواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم (2747).

([74]) رواه البخاري، كتاب العلم، باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة، رقم (70)، ورواه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم (2821).

([75]) شرح النووي على مسلم (17/164).

([76]) أدب المجالسة، ابن عبدالبر، دار الصحابة، طنطا، مصر، ط1، 1989م، ص107.

([77]) الخطابي، غريب الحديث، منشورات جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1402هـ، (2/427).

([78]) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب: قصة خزاعة، رقم (3333).

([79]) تفسير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405هـ، (7/87).

([80]) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة، رقم (3093).

([81]) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب: صفة النبي، حديث رقم (3374)، ومسلم، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، حديث رقم (2493).

([82]) فتح الباري (6/578).

([83]) فيض القدير، المناوي، ط1، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1256هـ (5/210).

([84]) صحيح مسلم، كتاب الجمعة، رقم (872).

([85]) شرح النووي على صحيح مسلم (6/161).

([86]) سير أعلام النبلاء (4/508).

([87]) تقريب التهذيب، ابن حجر، عناية: عادل مرشد، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2002م، ص676.

([88]) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فَسَمَّاهُمُ المؤمنين، رقم (31).

([89]) شرح النووي على صحيح مسلم (11/174).

([90]) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته، رقم (1284)، ومسلم، كتاب الجنائز، رقم (923).

([91]) رواه أبو داود، كتاب السنة، باب: في لزوم السنة، رقم (6407)، والترمذي، كتاب العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم (2676).

([92]) فيض القدير، المناوي، (5/154).

([93]) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب: التسمية على الطعام والأكل باليمين، رقم (5061)، ومسلم، كتاب الأشربة، رقم (2022).

([94]) فتح الباري (9/522).

([95]) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء، رقم (1498)، والإمام أحمد في المسند، رقم (195).

([96]) مجموع فتاوى ورسائل ابن تيمية، (27/69).

([97]) المجموع، النووي، دار الفكر، بيروت، 1997م، (4/327).
المصدر: http://www.aliftaa.jo/index.php/ar/research/show/id/5

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك