أثر الإيمان في درء العنف.. قراءة في رسائل النور

أحمد محمَّد سالم

 

اهتمَّت رسائل النور بقضية تشكيل الوعي الإيماني للأفراد الذين هم اللبنة الأولي للمجتمع، وأن يسهم هذا الوعي في ترسيخ العلاقة الهارمونية (التوافقية) بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والمجتمع، وبين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان وكافة الموجودات الأخرى في الوجود، ولا شك أن ترسيخ الوعي الإيماني لحالة الانسجام والتوافق بين الإنسان وكافة علاقاته الأخرى يسهم في بناء حالة من الاستقرار الوجداني، والتي تسهم بشكل فعال في درء العنف في المجتمع؛ لأن العنف قد يحدث أحياناً نتيجة للخلل في علاقات الإنسان بالمحيط الذي حوله، وبالتالي فالوعي الإيماني يجابه حالة الصراع السلبي التي قد تحل في نفسية الأفراد، وتسهم في وجود العنف في المجتمع.

وكان الإمام النورسي يقول: "إن المؤمن بسرِّ الإيمان والتوحيد يرى أخوة بين كل الكائنات، وأنسية وتحبباً بين أجزائها"(1)، فالكون ليس فيه عبث ولا إسراف، ولكن حالة الانسجام والنظام هي الحاكمة بين الكائنات،" إن موجودات الكون بأنواعها المختلفة تتعاون فيما بينها تعاوناً وثيقاً يسعى كل جزئ منها لتكملة الآخر، وكأنها تمثل بمجموعها وأجزائها تُرُوسَ معمل بديع، وبهذا التساند، وبهذا التعاون بين الأجزاء، وهذه الاستجابة في إسعاف كل منها لطلب الآخر، وإمداد كل منها للجزء الآخر... بل هذا التعانق والاندماج بين الأجزاء يجعل من أجزاء الكون وِحْدة واحدة تتعصي على الانقسام والانفكاك"(2).

إن رسائل النور تؤسس وعياً إيمانياً بالكون قائما على الانسجام والتوافق بين كل الكائنات وبين كل أجزاء الكون المختلفة، وهو ما يرسخ الاستقرار الوجداني العميق لدى الفرد،"فانظر إلى دستور التعاون كيف يجري من الشمس والقمر، ومن الليل والنهار، ومن الصيف والشتاء إلى سعي النباتات لإمداد الحيوانات بحمل أرزاقها وأخذها من خزينة الرحمة... ثم إمداد الحيوانات للبشر للخدمة، حتَّى النحل والدود يأخذان العسل والحرير من خزينة الرحمن ويوصلانها إلى الإنسان، ثم إمداد الذرات الغذائية للثمرات مع تخالف أغذيتها، وإمداد المواد الطعامية لتغذية حجيرات البدن بكمال الانتظام والعناية والحكمة"(3)، إن هذه الحالة من التعاون والتكامل والتوافق والانسجام يتم تربيتها في الوعي الإيماني للأفراد بما يؤدي إلى خلق حالة من توافق الإنسان مع العالم والكائنات، وإلى حالة من الانسجام الكوني، والاستقرار الوجداني الذي يسهم في درء العنف في المجتمع.

وتبني رسائل النور في الوعي الإيماني للأفراد قضية النظر إلى الطبيعة "على أنها صنعة إلهية ولا تكون (أنت) صانعاً، كتاب رباني ولا تكون كاتباً، وهي نقش بديع ومحال أن تكون نقاشاً مبدعاً، هي شيء منفعل ولا تكون الفاعل، وهي نظام ومحال أن تكون ناظماً"(4) ومن ثم فالوعي الإيماني الذي تشكله رسائل النور للفرد ينسب وجود الإنسان ووجود الطبيعة إلى إله خالق مبدع منظم، والطبيعة مخلوقة لأجل الإنسان وخلافته في الأرض.

وبالتالي فإن تربية الوعي الإيماني بالكون والطبيعة والإنسان لدى الأفراد يرسخ حالة واضحة من الانسجام، والتكافل والتعاون الفعال في علاقات الإنسان بالإنسان، والإنسان بالطبيعة والكائنات الأخرى، ويسهم هذا الوعي الإيماني في درء العنف؛ لأنه لا يرسخ لعلاقات الصراع والإقصاء المتبادل بين الناس فيما بينهم، وبين الإنسان والطبيعة، تلك الحالة من الصراع التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة - والمتأثرة بنظريَّة التطور الداروينية - والتي أسهمت في انتشار العنف، فكان تاريخ الغرب الحديث هو تاريخ الاستعمار، والسيطرة والقهر من قِبل الإنسان للإنسان، ومن قِبل الإنسان للطبيعة، وأسهمت حالة الصراع والعنف في هذه الحضارة في ارتكاب الإنسان جنايات كبرى في حق أخيه الإنسان، وفى حق الطبيعة، وبقية الكائنات الأخرى، فكانت الحروب العالمية، وضحايا الاستعمار، والمشكلات الكبرى في الطبيعة مثل التصحر والتلوث، وهي مشكلات ناتجة عن خلل في الوعي الكوني لدى الإنسان الغربي؛ لأن علاقة الإنسان بالآخر والطبيعة قائمة على الصراع والقهر والسيطرة، وليس على التكافل والتناغم والانسجام والتوافق.

وثمة تساؤل يطرح نفسه: كيف نفسر حالة الصراع بين الأضداد في الكون؟ وكيف نفسر حالة الصراع بين الهداية والضلال، والكفر والإيمان؟ إن النورسي يقدم في رسائله تفسيراً إيمانياً بحتاً لهذه المسألة، فيقول: "إن خالق الكون جل وعلا له من الأسماء الحسنى أسماء جلالية وأسماء جمالية، وحيث إن كلا فيها يظهر حكمه بتجليات مختلفة عن الأخرى؛ فإن الخالق سبحانه وتعالى قد مزج الأضداد بعضها ببعض، وجعل يقابل كلا منها بالآخر، وأعطى كلا منها صفة التدافع والتجاوز، فأوجد الناشئة من تجاوز تلك الأضداد في حدود بعضها البعض الآخر"(5)، ومن ثم يمكن القول بأن تدافع الأضداد لدى النورسي هو سنة كونية إلهية، ينبغي أن تكون واضحة في الوعي الإيماني لدى الأفراد، وهذه السنة لا تتعارض مع روح الانسجام والتوافق والتناغم السائد في الكون ككل.

محدودية الوعي الإنساني ونسبية معرفته طريق درء العنف:

حاولت رسائلُ النور في تربيتها للوعي الإيماني للأفراد غرسَ حالة من الوعي بمحدودية الإنسان، وأن النفس الإنسانية المحدودة هذه قد تكون مصدراً للشرور والعنف، ومن ثم فعلى الإنسان أن يدرأ أنانيته التي هي مصدر الشرور، وأن يركز على إصلاح عيوبه، وحاجاته، وفقره؛ وذلك لأنه محدود ومقيد، مقيد بالبدن، ومقيد في الحياة، ومقيد في البقاء، ومحدود القدرة، فالنفس الإنسانية بهذا القصور والعجز والاحتياج، ويرى النورسي أن كل ذلك كان لحكمة ربانية، فيقول: "كما أودع فيك الجوع والعطش لمعرفة لذة نعمة الله، كذلك رُكّبْتَ من القصور، والفقر، والعجز، والاحتياج لتنظر بمرصاد قصورك إلى سرادقات كماله سبحانه، وبمقياس فقرك إلى درجة غناه ورحمته"(6).

إن رسائل النور تسعى إلى تشكيل وعي الإنسان بذاته على أنه محدود وضعيف، حتَّى يكون فعالاً في حدود هذا الضعف، فيقول النورسي موجهاً خطابه للإنسان بأنه "ليس له من الاختيار إلا شعرة، وليس له من الاقتدار إلا ذرة، وليس له من الحياة إلا شعلة تنطفئ، وليس له من العمر إلا قليل مثل دقيقة تنطفئ، وليس له من الشعور إلا لمعة تزول، وليس له من المكان إلا مقدار القبر! وله من العجز ما لا يحد"(7).

وإذا كانت رسائل النور ترسخ الوعي بمحدودية الإنسان فذلك من أجل تربية الإنسان على نبذ الغرور والأنانية؛"وترك دواعي الحسد والمنافسة والأحاسيس النفسانية التافهة"(8)؛ لأن هذه الأحاسيس هي السبيل إلى العنف أحياناً، وينبغي تطهير النفس الإنسانية منها، وتصفيتها من كل دواعي الشرور، ومن كل الأحاسيس السلبية، وترك كل دواعي العنف في النفس الإنسانية، وتطهير القلب بالإيمان بالله، ويقول النورسي للإنسان: "إن كنت تريد أن تعادي أحداً فعاد ما في قلبك من العداوة، واجتهد في إطفاء نارها، واستئصال شأفتها، وحاول أن تعادي من هو أعدى عدوك، وأشد ضرراً عليك، تلك هي نفسك التي بين جنبيك، فقاوم هواها، واسع إلى إصلاحها، ولا تعاد المؤمنين لأجلها، واعلم أن صفة المحبة محبوبة لذاتها، كما أن خصلة العداء تستحق العداء قبل أي شيء"(9)، ولا شك أن تركيز النورسي على الإيمان بمحدودية الإنسان وضرورة تطهير قلبه، وكسر طوق الأنانية الذي قد يسيطر على النفس الإنسانية هو أثر من آثار الصوفية على فكر النورسي.

ومن الإيمان بمحدودية الإنسان حاول النورسي أن يرسخ لمفهوم نسبية المعرفة الإنسانية، والذي يسهم بشكل فعال في درء العنف السائد بين أصحاب المذاهب والمعتقدات؛ وذلك لأن كل صاحب مذهب يرى أنه صاحب الحق المطلق، والآخر على خطأ مطلق، تلك النزعة الدوجماطيقية التي تؤسس للإقصاء المتبادل بين المذاهب والأديان، وتسهم في إرساء العنف بين الناس، فكان الإمام النورسي يقول: "إن صاحب كل مسلك حقًّا يستطيع القول: إن مسلكي حق، وهو أفضل وأجمل، من دون أن يتدخل في مسالك الآخرين، ولكن لا يجوز له أن يقول: (الحق هو مسلكي فحسب) أو إن (الحُسْن والجمال في مسلكي وحده)، والذي يقضي إلى بطلان المسالك الأخرى"(10).

ولا شك أن القول بمحدودية الإنسان، ونسبية المعارف والمسالك الإنسانية لدى النورسي يكشف لنا عن نظرة منفتحة ترسخ لروح التسامح بين أصحاب المسالك والمشارب والمعتقدات والمذاهب، وتؤدي إلى قبول الآخر، وقبول التعددية في طرق الوصول إلى الحق، وهذا دليل واضح على دعوة النورسي إلى قبول التعددية والانفتاح، وهو ما يؤدي إلى درء العنف؛ لأن أحد أسباب العنف هو الإيمان بمطلقية المعرفة الإنسانية، والذي يؤدي إلى الإقصاء المتبادل بين أصحاب المذاهب، ويكرس للعنف.

ثانيا: دور الإيمان في ترسيخ القيم والمشاعر الإيجابية لدرء العنف

ومن الطرق المهمة التي تسعى بها رسائل النور إلى مجابهة العنف، هي إرساؤها لمجموعة من القيم والمشاعر الإيجابية الفعالة في مسألة مقاومة العنف في المجتمع، ولا شك أن تنشئة أفراد المجتمع على التشبع بهذه القيم من خلال الإيمان هو أحد الوسائل المهمة لدرء العنف، ويمكن إجمال هذه القيم والمشاعر في النقاط الآتية.

1-         من التعصب إلى التسامح:

من أسباب العنف في المجتمع انتشار روح التعصب بين الأفراد، وبصفة خاصة التعصب الديني، وينتج التعصب لاعتقاد صاحبه بأن الصورة التي يعتقدها في العقيدة على صدق مطلق، وأي نمط آخر للاعتقاد هو كذب مطلق، وإذا كان التعصب هو أحد الأسباب الكبرى لانتشار العنف؛ فإن ترسيخ روح التسامح بين الأفراد يدرأ التعصب والعنف معاً، وقد حاول الإمام النورسي أن يرسخ روح التسامح بين أفراد أمته كأساس للعلاقة بين المسلمين بعضهم مع بعض، وبين المسلمين وأصحاب الملل الأخرى، ويضع النورسي دعائم دستور التسامح لتلاميذه حين يقول لهم: "اعفوا عن هفوات إخوانكم، واصفحوا عن تقصيراتهم، وغضوا أبصاركم عن عيوب بعضكم"(11).

وترسيخ روح التسامح بين الأفراد كان دستور رسائل النور، وكان النورسي يدعو إلى التسامح من منطلق المحبة والشفقة، وكان يتسامح مع الظالمين، فيقول: "كانت الشفقة دستور حياتي منذ ثلاثين عاماً، وأساس مسلكي، ومسلك رسائل النور، فإنني لا أتجنب التعرض للمجرمين الذين ظلموني وحدهم، بل لا أستطيع حتَّى مقابلتهم بالدعاء عليهم؛ وذلك لكي لا أتسبب في إلحاق الضرر بأي شخص بريء، بل إن هذه الشفقة هي التي دفعتني من أن أتعرض، أو حتَّى أدعو على بعض الفساق، بل الظالمين اللادينيين الذين اندفعوا بحقد شديد في ظلمي؛ وذلك لكي لا أتسبب في ضرر مادي يلحق بالشيوخ والعجائز والمساكين من أمثال والد ذلك الظالم أو والدته، أو في الإضرار بأنفس بريئة مثل أولاده، ولذلك فمن أجل أربع أو خمس من الأنفس البريئة لا أستطيع التعرض لذلك الظالم"(12)، بهذه الروح العظيمة من التسامح كان الإمام يخشى حتَّى من إلحاق أي ضرر بأعدائه؛ لأن هذا الضرر يمكن أن يصيب من حولهم من نفوس أقاربهم، وهى نفوس بريئة، وبتلك الروح الفياضة من التسامح كان الإمام النورسي يواجه أعداءه، ويبث ذلك التسامح بين تلاميذه، وهي دعوة فعالة في درء العنف.

2-         من الظلم إلى العدل:

يعد وجود الظلم وانتشاره في المجتمع أحد الأسباب المؤدية إلى العنف، والظلم يتخذ أسبابا عدة: منها الظلم الاجتماعي في عدم حصول بعض الأفراد على حقوقهم الاجتماعية، أو الظلم الاقتصادي في تباين توزيع الثروات بين أفراد المجتمع، أو الظلم في عدم المساواة في تطبيق القانون على جميع أفراد المجتمع، وغيرها من أشكال الظلم في المجتمع الإنساني، ولاشك أن علاج الظلم - كسبب رئيس للعنف أحيانا - لا يتم إلا بنشر العدالة في المجتمع، وهذا ما دعا إليه التشريع الإسلامي، فنشر العدل لابد أن ينتهي إلى حفظ المجتمع وتماسكه، وقد وضع علم أصول الفقه في مقاصد الشريعة العدالة كقيمة كبرى؛ وذلك لأن "تحقق العدالة في التعامل الاجتماعي تُورث في النفوس الرضى عن الآخرين، والشركاء في المجتمع، وتورث بالتالي انتماءً قوياً إليهم، ودافعا نحو العمل الصالح لصالح المجتمع الذي بنى على العدل، وعلى عكس ذلك فإن هذه القواعد عندما لا تكون متحققة في التعامل الاجتماعي، فإن ذلك يورث في النفوس الحقد على المجتمع لما يحدثه من شعور بالظلم، كما يورث الزهد في هذا المجتمع"(13).

وقد احتلت قيمة العدل مكانتها المحورية في رسائل النور، فيقول النورسي: "إن دستور المدنية الظالم هو: أن يضحّى بالفرد لأجل الجماعة، ولا ينظر إلى الحقوق الجزئية من أجل سلامة الأمة، وقد فتح هذا الدستور ميدان مظالم شنيعة لم يُرَ مثلها حتَّى في القرون الأولى؛ بينما العدالة الحقيقة للقرآن المبين أنه لا يُفدى بحق الفرد لأجل الحفاظ على الجماعة، فالحق لا ينظر إلى كثير أو قليل"(14)، والقرآن يقر بأنه ﴿مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾ (المائدة: 32) هذه الآية تضع أعظم دستور للعدالة المحضة التي تقرر ألا يُهدر دم بريء، ولا تزهق روحه حتَّى لو كان في ذلك حياة البشر جمعاء، فكما أن كليهما في نظر القدرة الإلهية سواء فهما في نظر العدالة سواء أيضا... ولهذا فليس للحق صغير ولا كبير"(15)، ومن ثم يمكن القول: إن دعوة رسائل النور إلى ترسيخ العدالة في المجتمع يمكن أن تسهم بشكل فعال في مجابهة العنف؛ لأن أحد أسباب العنف الكبرى هو انتشار الظلم في المجتمع، وعجز كثير من أفراده عن الحصول على حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.

3- من الاختلاف الهدام إلى الوحدة البنَّاءةِ:

يشكل الاختلاف بالمعنى السلبي أحد الطرق المؤدية للعنف، ويميز النورسي بينه وبين الاختلاف الإيجابي البنّاء " فحديث الرسول -صلَّى الله عليه وسلم-: �اختلاف أمَّتي رحمة�(*)* له معناه وهو الاختلاف الإيجابي البناء، ومعناه أن يسعى كل واحد للترويج لمسلكه، وإظهار صحة وجهته، وصواب نظرته دون أن يشوه مسالك الآخرين، أو الطعن في وجهة نظرهم، وإبطال مسلكهم، بل يكون سعيا لإكمال النقص ورأب الصدع ما استطاع إليه سبيلاً، وأما الاختلاف السلبي فهو محاولة كل واحد تخريب مسلك الآخرين وهدمه، ومبعثه الحقد والضغينة والعداوة"(16).

وينصح النورسي المسلمين على اختلاف مشاربهم بعدم الوقوع في الاختلاف السلبي الذي يمكن أن يؤدي إلى العنف؛ وذلك لأن الاختلاف بهذا المعنى هو نتاج لإتباع الأهواء، ومن ثم فإن التخلص من هذا المرض الفتاك - مرض الاختلاف الذي ألمّ بأهل الحق- يكون باتخاذ الأمر الإلهي في الآية الكريمة ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة:2) دستوراً للعمل في الحياة الاجتماعية، ثم العلم بمدى ما يسببه الاختلاف من ضرر بليغ على الإسلام والمسلمين"(17).

ولا يتأتى درء الاختلاف السلبي إلا من خلال البحث عن أسباب الوحدة بين المسلمين من أجل القدرة على مواجهة المخاطر التي تهددهم في العالم، وذلك من منطلق "أن أشد القبائل تأخّرا يدركون معنى الخطر الداهم عليهم، فتراهم ينبذون الخلافات الداخلية، وينسون العداوات الجانبية عند إغارة العدو الخارجي عليهم، وإذ تقدر تلك القبائل المتناحرة مصلحتها الاجتماعية حق قدرها، فالذين يقومون بخدمة الإسلام، ويدعون إليه لا ينسون عداوتهم الجزئية الطفيفة، فيمهدون بها سبيل إغارة الأعداء الذين لا يحصرهم العد عليهم"(18).

وتقر رسائل النور أنه بفضل الدين كرابطة مقدسة يمكن أن تتحد الأمة الإسلامية على اختلاف أجناسها وأعراقها، وتكون كعشيرة واحدة مترابطة، وينصح النورسي أن تتخذ الآية الكريمة ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُم﴾ (الأنفال:46) دستورا، وهى تشير إلى التساند والترابط، ولهذا لا ينبغي أن يكون هناك تفاخر واستعداء، وتحاسد بين الأخوة؛ بل لابد أن يكمل نقصَ بعضِهم بعضهُم الآخر؛ لأن الكل مكمل لجسد واحد هو جسد الأمة الإسلامية، "فكما لا حسد بين تروس المعمل ودواليبه، ولا يتقدم بعضها على بعض، ولا يدفع أحدها إلى التعطيل بالنقد والتجريح، وتتبّع العورات، والنقائص، ولا يثبط شوقه إلى السعي، بل يعاون كل منها الآخر بكل ما لديه من طاقة موجهاً حركات التروس والدواليب إلى غايتها المرجوة فيسير الجميع إلى ما وُجدوا لأجله بالتساند التام والاتفاق الكامل"(19).

وتذهب رسائل النور إلى أن العقيدة لها دورها الفعال في توحيد مجموع الأمة الإسلامية على اختلاف مشاربها؛ "لأن الإيمان بعقيدة واحدة يستدعى حتما توحيد قلوب المؤمنين بها على قلب واحد، ووحدة العقيدة هذه تقتضى وحدة المجتمع، فأنت تشعر بنوع من الرابطة مع من يعيش معك في طابور واحد، فما بالك بالإيمان الذي يهب لك من النور والشعور ما يريك به من علامات الوحدة الكثيرة، وروابط الاتفاق العديدة"(20) إن وحدة الشعور العقائدي تخلق حالة من الانسجام والتكامل بين أفراد المجتمع المسلم بما يسهم في درء حالة الاختلاف والصراع السلبي بين أفراده.

ولاشك أن ما يعمق الوحدة بين المسلمين هو تدعيم مفهوم الأخوّة بينهم القائم على وحدة العقيدة"؛ حيث جاء الدين ليشرع لرابطة عاطفية بين أفراد المجتمع وجماعاته، وهي أرقى العواطف وأقواها، وهى رابطة الأخوة، تلك التي تشعر كل فرد من أفراد المجتمع بأنه يرتبط مع الآخرين بعلاقة روحية، ينتمي كل منهم إلى أصل واحد، هو أصل الإيمان المشترك"(21). ولقد دعم النورسي مفهوم الأخوة بين تلاميذه ومريديه، وكان يقول: "إن الفناء في الأخوة دستور جميل يناسب مسلكنا ومنهجنا تماما؛ أي إن يفنى كلٌ في الآخر، وأن ينسى حسياته النفسانية، ويعيش فكرا مع مزايا إخوانه وفضائلهم؛ حيث إن أساس مسلكنا ومنهجنا هو الأخوة في الله"(22)، ويرى النورسي أن الإيمان هو الذي يؤسس أخوة بين كل الكائنات، وبين الناس بعضهم مع بعض، وأن الإيمان يكسر في نفس المؤمن الحرص والعداوة والوحشية، ولكن الكفر والزندقة يؤسسان للعداوة والاختلاف بين كل الناس.

ويعالج الإمام النورسي في ثنائية الاختلاف والوحدة إمكانية درء العنف بدرء دواعي الاختلاف السلبي الهدام الذي يؤدى إلى إقصاء الأطراف المختلفة بعضها للبعض الآخر، ولا يتم التغلب على ذلك إلا من خلال الوحدة البناءة بين المسلمين على اختلاف مشاربهم، وبين المسلمين وأصحاب الملل الأخرى، ولا يتم ذلك إلا بشيوع روح الأخوة في الدين التي يدعمها الإسلام، أو روح الأخوة في الإنسانية، وتلك مفاهيم فاعلة في مواجهة العنف، ودرء أسبابه ودواعيه.

4- من العداوة إلى المحبة:

ومن أسباب العنف انتشار روح العداوة والبغضاء والكراهية بين أفراد المجتمع، وبين الإنسان والإنسان، وقد عدّ النورسي أن حب العداوة هو أحد أمراض الأمة الإسلامية، ولهذا حاولتْ رسائل النور هدم روح العداوة من النفوس، وترسيخ المحبة بين الأفراد؛ وذلك لأن" صفة المحبة هي ضمان الحياة الاجتماعية البشرية، وهى التي تدفع إلى تحقيق السعادة، وهى أليق للمحبة، وأن صفة العداوة هي عامل تدمير الحياة الاجتماعية وهدمها، وهى أقبح صفة وأضرها"(23)، ومن ثم يرى النورسي أن " جوهر الحياة الاجتماعية والإنسانية - ولاسيما للأمة الإسلامية- أساسها: وجود محبة خالصة بين الأقرباء، ووجود رابطة وثيقة بين القبائل والطوائف، ووجود أخوة معنوية وتعاونية نحو إخوته المؤمنين ضمن القومية الإسلامية"(24).

وكانت تعاليم النورسي لتلاميذه ومريديه بألا "تواجهوا المعارضين بالعداء، بل اتخذوا طور الصداقة مع أهل التقوى، وأهل العلم قدر المستطاع"(25)؛ فالنورسي يريد أن يرسخ المحبة بين المسلمين، وبين المسلمين وجميع الأجناس الأخرى، وهو ما يكون فعالا في مواجهة العنف، وذلك من منطلق أنه "إذا اجتمعت دواعي المحبة وترجحت أسبابها فأرست أسسها في القلب استحالت العداوة إلى عداء صوري؛ إذ انقلبت إلى صورة من العطف والإشفاق"(26).

ويرى النورسي أن أساس المحبة هو الإيمان، ورابطة الإسلام، ثم الرابطة الإنسانية العامة بين البشر، فلا يقتصر الأمر على إشاعة المحبة بين المسلمين، ولكن أيضا بين المسلمين وجميع الطوائف الأخرى من بني الإنسان، فيقول: "إن أسباب المحبة هي الإيمان والإسلام والإنسانية وأمثالها من السلاسل النورانية المتينة، والحصون المعنوية المنيعة"(27).ونلاحظ هنا وضع النورسي رابطة الإنسانية كرابطة قوية بين الناس، ولم يقتصر على رابطة الإيمان أو الإسلام، وذلك يتضح بصورة جلية "في الدستور القرآني الواضح ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ﴾ (الحجرات:13) أي لتعارفوا، فتعارفوا وتحابوا، لا لتتناكروا فتعاندوا فتتعادوا، وكل إنسان له روابط متسلسلة ووظائف مترابطة، فلو اختلفت هذه الروابط والوظائف، ولم تعين وتحدد لما كان هناك تعاون ولا تعارف"(28)، ومن ثم يمكن القول: إن درء روح العداوة هو أمر فعّال في مواجهة العنف كمرحلة أولى، ثم تأتي إشاعة روح المحبة كمرحلة ثانية أكثر فاعلية في مقاومة العنف؛ وذلك لأن العنف لا يتخلق إلا في بيئة العداوة والكراهية.

5- من اليأس إلى الأمل:

ومن أسباب العنف انتشار روح اليأس بين الأفراد، وقد عدّ النورسي اليأس أحد أمراض الأمة الإسلامية، والذي ينبغي معالجته عن طريق بث روح الأمل في النفوس من خلال الإيمان بالله، فالإيمان يهب الأمل والتفاؤل للروح الإنسانية.

فالإيمان بالله واليوم الآخر له انعكاساته الإيجابية في بناء الإنسان، ودعم روح الأمل والتفاؤل لديه؛ ذلك أنه "بسبب عجز البشر وكثرة أعدائه يحتاج الإنسان إلى نقطة استناد يلتجئ إليها لدفع أعدائه غير المحدودة، وبغاية فقر الإنسان، مع غاية كثرة حاجاته وآماله يحتاج أشد الاحتياج إلى نقطة استمداد يستمد منها، فالإيمان نقطة استناد لفطرة البشر، والإيمان بالآخرة نقطة استمداد لوجدانه، فمن لم يعرف هاتين النقطتين يتوحش عليه قلبه وروحه، ويعذبه وجدانه دائما"(29)، وبالتالي فالإيمان يشكل دعما معنويا وروحيا للإنسان، وهو طريق إلى التفاؤل والأمل واليقين بقدرة الله.

وتكشف رسائل النور عن الدور البارز للإيمان باليوم الآخر في تحرير الإنسان من براثن الغربة، وبث روح السعادة والأمل في الحياة الإنسانية على اختلاف مستوياتها، فيقول النورسي: "الإيمان بالحشر ينقذ الإنسان والمخلوقات جميعا من التردي إلى هاوية أسفل سافلين، وهو الفناء المطلق، والضياع والعبث، ويرفعه إلى أعلى عليين وهو الرفعة والبقاء، وتقلد الواجبات"(30)، ويبدو دور الإيمان باليوم الآخر واضحاً على مجمل الحياة الاجتماعية والعائلية، ويؤدي إلى الاستقرار"، فلا سعادة لروح الحياة العائلية إلا بالاحترام المتبادل الجاد، والوفاء الخالص بين الجميع، والرأفة الصادقة، والرحمة التي تصل إلى حد التضحية والإيثار، ولا يحصل هذا الاحترام الخالص، والرحمة المتبادلة إلا بالإيمان بوجود علاقات صافية أبدية، ورفقة دائمة، ومعية سرمدية في زمن لانهاية له، وتحت ظلّ حياة لا حدود لها ترتبط بها علاقة أبوية محترمة مرموقة، وأخوة خالصة نقية"(31).

وللإيمان باليوم الآخر دوره البارز في تعامل الإنسان مع مراحل عمره المختلفة بروح الأمل، فالإنسان في مرحلة الشيخوخة يتحمل الآلام والأمراض بأمل ويقين بالله، فما دامت الآخرة موجودة "فلا ينبغي الشكوى من الشيخوخة، والتضجر منها؛ ذلك أن الشيخوخة المشربة بالإيمان والعبادة، والموصلة إلى سن الكمال ما هي إلا علامة انتهاء واجبات الحياة ووظائفها، وإشارة إلى ارتحال إلى عالم الرحمة للخلود إلى الراحة"(32). وكذلك فإن على الشباب أن يعي أن قوته إلى زوال؛ لأنه " ما قضى الشاب عهد شبابه بما أمره الله به، واتبع الصراط السوي، واستقام عليه، فإنه يجعله نعمة إلهية، وأجمل هبة رحمانية، ويتخذه سبيلا قويما ممهدا إلى الصالحات، ولأثمر له كذلك شباباً ناضراً، وفتوة خالدة دائما في الآخرة، بدلاً من هذا الشباب الفاني الزائل"(33). ومن ثم فالإيمان بالآخرة يدعم روح الأمل، والصبر على تحمل مشاق الحياة، وهو ما يخلق حالة من الاستقرار الاجتماعي التي تسهم بشكل فعال في درء اليأس من خلال بث روح الأمل والتفاؤل في نفوس جميع المسلمين.

ومن جانب آخر فإن للإيمان بالقدر دوراً إيجابياً في حياة الإنسان، فهو يحرره من الضيق والألم واليأس، ويمنحه الأمل في مواجهة أهوال الحياة وآلامها،" في حين أن الإنسان إن لم يؤمن بالقدر يضطر لأن يحمل أثقالاً بقدر الحياة على كاهل روحه الضعيفة ضمن دائرة ضيقة وحرية جزئية، وتحرر مؤقت؛ لأن الإنسان له علاقة مع الكائنات قاطبة، وله مقاصد ومطالب لا تنتهي، إلا أن قدرته وإرادته لا تكفي لإيفاء واحد من مليون من تلك المطالب والمقاصد، ومن هنا يفهم مدى ما يقاسيه الإنسان من ثقل معنوي في عدم الإيمان بالقدر (...) في حين أن الإيمان بالقدر يحمل الإنسان على أن يضع جميع الأثقال في سفينة القدر مما يمنحه راحة تامة"(34).

ومن ثم يمكن القول: إن رسائل النور ترى أن انتشار اليأس هو أحد أسباب تخلّق العنف في المجتمع، وحين سعت إلى إرساء دعائم الأمل والتفاؤل في النفس الإنسانية؛ ذلك لكي يتحوَّل الإيمان بالله واليوم الآخر والقدر إلى طاقة إيجابية فعالة في الحياة الإنسانية، ويكون لذلك أثره على مجمل الحياة الإنسانية.

ومن مجمل دور الإيمان في تأسيس القيم والمشاعر الإيجابية نرى مدى تركيز رسائل النور على كيفية بيان دور الإيمان في صياغة الضمير الإنساني، ودوره في تشكيل الوعي الإنساني بما يمكن أن يسهم بطريقة فعالة في درء العنف في المجتمع المسلم، ودرء العنف في علاقة المسلمين بغيرهم، ولاشك أن ذلك أفضل بكثير من حديث المجتمع عن التشريعات القانونية لدرء العنف؛ وذلك لأن حجب العنف لا يبدأ إلا من داخل الإنسان من وعيه وضميره وإيمانه، فهذا أكثر فاعلية من كل التشريعات القانونية الوضعية؛ لأنني أبدأ بمحاربة العنف من المنبع من النفس الإنسانية، وذلك ببث كل القيم والمشاعر الإيجابية التي تدرأ العنف من النفس.

إن الصراع بين القوميات العرقية هو أحد الطرق المعبّدة للعنف بين الجماعات، وإن التعصب للقومية كان دافعاً لحروب كثيرة قديماً وحديثاً، وقد رأى النورسي أن القومية العرقية ما هي إلا عصبية جاهلية، كما أن القومية العرقية قد أضرت كثيرا بالمسلمين، وأدت إلى عنف وتطاحن بينهم، وقد ظهر هذا جليا في عهد الأمويين؛ حيث اعتمدوا "على جنس العرب في تقوية الدولة الإسلامية، وقدموهم على غيرهم؛ أي فضلوا رابطة القومية على رابطة الإسلام، فأضروا من جهتين: الأولى: آذوا الأقوام الأخرى بنظرتهم هذه، وولّدوا فيهم الكراهية والنفور. والثانية: أن الأسس المتبعة في القومية والعنصرية أسسٌ ظالمة لا تتبع عدالة، ولا توافق الحق؛ إذ لا تسير تلك الأسس على وفق العدالة، بينما الإسلام يجبُّ ما قبله من عصبية وجاهلية"(35). ويرى النورسي أن إثارة النعرات العرقية والقومية كان السبيل لدى المستعمر للتفريق بين العرب والأتراك، وإثارة الاضطراب، فالإضرار بالناس بأعمال سلبية هو فطرة القومية والعنصرية، في حين أن قومية الترك وقومية العرب قد مزجت بالإسلام، وأن قوميتهم الحقيقية هي الإسلام، والذي يذيب الفوارق بين العرقيات المختلفة، ومن ثم فإن الحمية الدينية والحمية الإسلامية قد امتزجتا في العرب والترك امتزاجا بحيث لا يمكن فصلهما؛ فإن الحمية الإسلامية هي أقوى وامتن حبل نوراني نازل من العرش الأعظم؛ فهي العروة الوثقى لا انفصام لها، وهي القلعة التي لا تهدم"(36). ولا شك أن تاريخ الإسلام يكشف لنا عن مدى صدق رؤية النورسي في قدرة الإسلام علي إذابة الأعراق والقوميات تحت مظلته؛ حيث جمع الإسلام في بدايته بين بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي بجوار العرب ليجسد لنا كيف يمكن أن يصهر الإسلام كل الأعراق والأجناس المختلفة في بوتقة واحدة، تحت مظلة تعاليمه السامية التي لا تفرق بين الناس على أساس العِرْق، بل على أساس الإيمان والتقوى والعمل الصالح، وهذا ما يدعو إليه النورسي في ضرورة وحدة الأعراق المختلفة تحت مظلة الإسلام.

ويرى النورسي أن فكرة القومية العرقية أدت إلى كثير من حوادث العنف في العالم، مثل الحروب العالمية (الأولى والثانية)، والتي أبيد فيها ملايين من البشر من كافة أنحاء العالم. ويقول: "إن الحروب المدمرة ليست من أجل الحق وإرساء الحقيقة، ولا لأجل إعلاء شأن الدين وإقرار العدالة؛ بل تستند إلى العناد والعصبية القومية، والمصلحة النوعية، وإشباع أنانية النفس، فتُرتكب مظالم شنيعة، ومآسٍ أليمة لم يُرَ مثيلها في العالم، لذا فإن الإسلام والقرآن بريئان بلا شك من مثل تلك الحروب المدمرة التي لا تنسجم مع أي قانون كان من قوانين العدالة، ولا مع الإنسانية ولا مع أي دستور من دساتير الحقيقة"(37).

1-         الأديان الأخرى:- إن الإسلام قد أقر الأديان السماوية الأخرى (اليهودية والمسيحية)، وإن رسالة الإسلام جاءت مكملة لها، ومن هذا المنطلق نجد النورسي يدعو إلى ضرورة اتفاق المسلمين مع أصحاب الأديان الأخرى في مواجهة المد المادي الإلحادي، فيقول: "إن أهل الإيمان والحقيقة في زماننا هذا ليسوا بحاجة إلى الاتفاق الخالص فيما بينهم، بل مدعوون أيضا إلى الاتفاق مع الروحانيين المتدينين الحقيقيين من النصارى، ليتركوا ما يثير الخلافات والمناقشات وفقا لعدوهم المتعدي؛ لأن الكفر المطلق يشن هجوما عنيفا"(38).

ومن هذا المنطلق فإن النورسي ينتقد في أوروبا النزعات المادية والإلحادية، والنزعات القومية المدمرة، ولكن بالمقابل يقبل أوروبا النافعة للبشرية بما استضافت من النصرانية الحقة، وأدت خدمة لحياة الإنسان بما توصلت إليه من صناعات وعلوم تخدم العدل والإنصاف(39). ومن ثَمَّ فإننا نجد النورسي يدعو المسلمين إلى الالتحام مع أصحاب الرسالات السماوية لمواجهة المد الإلحادي، وتلك نظرة تكشف عن روح الانفتاح والتسامح التي يقدمها النورسي في رسائل النور، والتي تؤدي إلى مجابهة العنف في معظم أشكاله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1)         المثنوي العربي النوري، دار سوزلر للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1995، ص181.

2)         النورسي، اللمعة الثلاثون، اللمعات، ص540،اللمعة الرابعة عشر، اللمعات، ص146، اللمعة التاسعة والعشرون، اللمعات، ص482.

3)         المثنوي العربي النوري، ص47.

4)         اللمعة الثلاثون، اللمعات، ص576.

5)         اللمعة الثالثة عشر، اللمعات، ص123.

6)         المثنوي العربي النوري، ص346.

7)         المرجع نفسه، ص191.

8)         اللمعة العشرون، اللمعات، ص229.

9)         المكتوب الثاني والعشرون، المكتوبات، دار سوزلر للطباعة والنشر، القاهرة، ط2، 1993، ص343.

10)       اللمعة العشرون، اللمعات، ص229.

11)       اللمعة العشرون، اللمعات، ص235.

12)       الشعاع الرابع عشر، الشعاعات، ص439.

13)       عبد المجيد النجار، مقاصد الشريعة، دار الغرب الإسلامي، لبنان، ط2 2008 ص147.

14)       الملاحق، ص127.

15)       السنوحات، صيقل الإسلام، ص337.

•           كشف الخفاء، 1/64.

16)       المكتوب الثاني والعشرون، المكتوبات، ص347.

17)       اللمعة العشرون، اللمعات، ص234.

18)       المكتوب الثاني والعشرون، المكتوبات، ص349.

19)       اللمعة العشرون، اللمعات، ص234.

20)       المكتوب الثاني والعشرون، المكتوبات، ص341.

21)       عبد المجيد النجار، مقاصد الشريعة الإسلامية ص172.

22)       اللمعة الحادية والعشرون، اللمعات، ص245، الملاحق، ص194.

23)       الخطبة الشامية، صيقل الإسلام، ص509.

24)       الشعاع الرابع عشر، الشعاعات، ص465.

25)       الملاحق، ص202.

26)       المكتوب الثامن والعشرون، المكتوبات، ص340.

27)       الخطبة الشامية، صيقل الإسلام، ص510.

28)       السنوحات، صيقل الإسلام، ص335.

29)       اللمعة التاسعة والعشرون، اللمعات، ص467، الخطبة الشامية، صيقل الإسلام، ص494.

30)       الكلمة العاشرة، الكلمات، ص74.

31)       رسالة الثمرة، الشعاع الحادي عشر، الشعاعات، ص256.

32)       اللمعة السادسة والعشرون، اللمعات، ص347.

33)       رسالة الثمرة، الشعاع الحادي عشر، الشعاعات، ص256.

34)       رسالة القدر، الكلمة السادسة والعشرون، الكلمات، دار سوزلر للطباعة والنشر، ط2، القاهرة 1992، ص522.

35)       المكتوب الخامس عشر، المكتوبات، ص68.

36)       الخطبة الشامية، صيقل الإسلام، ص517.

37)       الملاحق، ص203.

38)       الملاحق، ص229.

39)       اللمعة السابعة عشر، اللمعات، ص177.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/5/107

الأكثر مشاركة في الفيس بوك