جون وانزبرو والمدرسة الاستشراقيَّة المُرَاجِعِيَّة

تبعات مناهج وانزبرو ونظرياته والاعتراضات عليهما تأليف: هاربرت بارغ

بقلم: تعريب فوزي البدوي 

منذ عقدين من الزَّمن نشر وانزبرو كتابة “دراسات قرآنيَّة: مصادر التَّفسير ومناهجه” والواقع أنَّ كتابه هذا والآخر الموسوم بـ: “الوسط المغلق: محتوى تاريخ الخلاص الإسلامي وتشكّله” الَّذي صدر بعد سنة واحدة من الكتاب الأوَّل أي سنة 1978 يعتبران من أوجه عدّة فيما يبدو أهمَّ مساهمتين في دراسة أصول الديانة الإسلاميَّة منذ عهد إينياس غولدتسيهر ويوزف شاخت فالأوَّل دافع عن الفكرة الَّتي قوامها أنَّ السنَّة بما هي أقوال النَّبيِّ وأفعاله الَّتي تمَّ الاحتفاظ بها في ما عرف بالحديث الصَّحيح، واعتبرت مصدرا جديرا بالثِّقة والأهميَّة، ومصدرا للمناقشات الكلاميَّة والفقهيَّة الَّتي عرفتها القرون الإسلاميَّة الأولى (جولدتسيهر 19:1971). أمَّا الثَّاني فقد كان وكده النَّظر في تاريخ تطوُّر الفقه الإسلاميِّ على وجه الخصوص، المعتمد أساسا على الموارد الَّتي يمدّه بها الحديث النَّبويُّ من خلال تتبُّع الأسانيد وتوفّر شروطها الَّتي تضمن الصحَّة، وانتهى شاخت إلى القول ملخِّصا الأمر “أنَّه كلّما كان الإسناد كاملا، كلَّما صحَّت الرواية أو الحديث تبعا لذلك” (شاخت 147:1949). والواقع أنَّ كلا من جولدتسيهر وشاخت قد فصلا السنَّة عن محمد، ولكن وانزبرو ذهب إلى أبعد من ذلك فقد قام بفصل القرآن والسيرة كليهما عن محمد بل وفصلهما عن تاريخ الجزيرة العربيَّة بكامله.



والواقع أنَّه ما دامت أعمال جولدتسيهر وشاخت قد لاقت ولاتزال معارضة شديدة من قِبَل المسلمين بل وحتَّى من قِبَل البعض من غير المسلمين، فإنَّه من غير المستغرب أن تلاقي مناهج وانزبرو أو نظرياته عنفا أشدَّ وتلقّيًا أصعب. وفي الحقيقة فإنَّ ردَّ الفعل هذا يرجع في جزء منه دون شكٍّ إلى سعة المدى والمجال الَّذي يهتمُّ به وإلى الممارسة النَّقديَّة الأوسع الَّتي نجدها في دراساته للجوانب الدينيَّة والتَّاريخيَّة، وحتَّى نعطى ما لله لله وما لقيصر لقيصر فإنَّ العلماء المسلمين قد أقرّوا بإمكانيَّة أن تكون بعض الأحاديث موضوعة، وطوّروا علما كاملا يتقصّى أحوال رجال السند “تعديلا وتجريحا” بغية تحديد صحَّة هذا الحديث أو ذاك. وبحسب بعض الباحثين والعلماء المسلمين فإنَّ جولدتسيهر وشاخت “وأضرابهم” كانوا متهاونين ولم يأخذوا النُّصوص الإسلاميَّة بجديَّة كما يقول الباحث مصطفى الأعظمي (الأعظمي 1992)، إلّا أنَّ ما فعله وانزبرو كان أخطر بكثير في الحقيقة، فقد قطع بل أجهز على الأسس الَّتي يقوم عليها الإسلام، ونعني القرآن والرسول، وصار من غير الممكن اتهِّامه بأنَّه كان مجرَّد باحث يتّصف بالإهمال. وفي الواقع فإنَّ ردَّ الفعل هذا يمكن اعتباره ردَّ فعل منتظر من بعض الوجوه، إلاَّ أنَّ غير المنتظر ربَّما هو هذه اللقيا الفاترة الَّتي لاقاه بها بعض الباحثين في مجال الإسلاميات من غير المسلمين. وإذا كان مصدر هذا العداء الأخير هو مجرَّد ما كان عليه بعض الباحثين من المحافظة وعدم الرَّغبة في التَّضحية بأفكارهم السَّائدة والمألوفة، فإنَّه كان موقفا جديرا بالملاحظة في ما يتَّصل بدراسة الأديان فقد تستطيع أجيال لاحقة من الباحثين في الإسلاميات أن تكون أكثر رغبة في اتِّخاذ براديغمات جديدة. بيد أنَّ الإشكال هو أشدَّ مكرا في الحقيقة، فالأمر يتَّخذ صفة مداورة ومبطنة لأنَّه يدور في حقيقة الأمر حول مسائل مهمَّة هي مسائل “المصادر” و“التاريخ”؟



2. المقاربات المتَّصلة بالنُّصوص الإسلاميّة الأولى:



يبدو في الواقع أنَّ “المسائل المنهجيَّة” لم تفتح بما فيه الكفاية في ما يتَّصل بدراسة الإسلام، وكان الغالب على المنهج المستعمل من قبل الباحثين المسلمين هو “الثِّقة” و “حسن الظَّن” وكان الأمر يقوم على اعتبار أنَّ كلّ هذا “الأدب” الَّذي بدأ في الظهور مع نهاية القرن الثَّاني وبداية الثَّالث للهجرة، إنَّما “يعكس أو ينقل بأمانة الأحداث السَّابقة بما فيها على وجه الخصوص المتَّصلة بحياة محمد. وقد اتَّخذ العلماء الغربيون مناهجهم النَّقديَّة للتَّعامل مع هذه المصادر والَّتي كانت تعني في سياق المصادر الإسلاميَّة غالبا دراسة الأسانيد في ارتباطها بهذه المواد (وكان الأمر يعني أنَّ كلَّ إسناد يمثل ضبطا مستقلا للرواية عن النَّبيِّ) وكانت النتائج تتحدَّث بثقة”عمَّا حدث حقًّا“، وفي الواقع فإنَّ العلماء الغربيين قد تعاملوا مع القرآن والسِّيرة وبشكل أوسع مع السنَّة تعاملا لا يختلف جوهريًّا مع تعامل العلماء والباحثين ورجال الدِّين المسلمين، فخلاصة حديثهم عن الكرونولوجيا في الصور القرآنيَّة قد اتَّبعت مبدأ المكيِّ والمدنيِّ ولم يفعل الغربيون من أمثال نولدكه سوى أن شققوا واشتقوا مسائل فرعيَّة من هذا المبدأ العام كما فعل نولدكه Nöldeke وبال Bell (Nöldeke1909-1926 Bell 1953 )، فقد واصلا الاعتقاد بأنَّ هذا التَّصنيف هو أمر موثوق به ونهائي كما تقول نيوويرثNeuwirth وفالش Welch سواء بسواء (Neuwirth1993. Welch 1983) فمعنى الكلمة القرآنيَّة أو الآية يوجد في التَّفاسير القرآنيَّة الكلاسيكيَّة، هذه الَّتي لم تعرف الظهور إلاَّ في القرون الثَّلاث اللاَّحقة بعد الحدث نفسه، كما اعتبر أنَّ سيرة الرسول قادرة على تقديم صورة موثوق بها عن حياة محمد، كما نجد عند مونتغمري واط (Watt 195; Watt1956). إلاَّ أن بعض الشَّكِّ قد لاح حين التَّعامل مع السنَّة النَّبويَّة بسبب من الشُّكوك الَّتي أبداها أمثال غولدتسيهر وشاخت، ولكن الأمر بقي عند هذا الحدِّ. بمعنى أنَّه إذا لم يكن من الممكن أن نتأكَّد بصفة قطعيّة من صحَّة هذا الحديث أو ذاك، فإنَّ مجموع هذه الأحاديث من السنَّة النَّبويَّة يمكنها أن تقدِّم لنا صورة جليَّة ودقيقة عمَّا قاله الرَّسول أو فعله، كما يقول جوينبول Juynbol1983: Juynbol 6). وكانت النتيجة النِّهائيَّة لمثل هذا المنحى من التَّفكير، وهذا النَّشاط البحثي هو انتاج تصوُّر عن أصول الإسلام يختلف عن ذاك الَّذي بناه المسلمون عن أنفسهم.



وأنا لا أرغب في الحقيقة أسوة بوانزبرو في أن أقول”أنَّ هذا الإجماع العارم على “الحدث” التَّاريخيِّ وصحَّته ليس إلاَّ أمرا صنعته المصادفة“(1987:9)، ولم يكن البتَّة أمرا مقصودا واعيا. ولكنِّي أقول أنَّ ما نراه من اتِّفاق المسلمين وقطاعات واسعة من الاستشراق الكلاسيكيِّ، إنَّما كان سببه تقاسم أطر إبستمولوجيَّة ومنهجيَّة واحدة في العمق أنتجت نتائج متشابهة، وهو ما انتقده في حينه أمثال محمد أركون في إسلامياته التَّطبيقيَّة الَّتي انتبهت مبكرا إلى مأزق الاستشراق الكلاسيكيِّ.



والواقع أنَّ هذه الوضعيَّة هي وضعيَّة إشكاليَّة لسببين على الأقلّ، أولهما وهو ما نبّه إليه وانزبرو في قوله إنَّ”لمَّا كان القرن السَّابع مجرَّدًا من الشَّواهد الأركيولوجيَّة ويصعب العثور عن شواهد عنه في الحقبة السَّابقة على الإسلام أو من خلال المصادر الخارجيَّة، فإنَّ حجاز هذا القرن يدين بوجوده الهستريوغرافيِّ الكامل تقريبًا إلى “الجهد الخلاَّق” الَّذي اتَّصف به العلماء المسلمون والمستشرقون“(1987:9). بمعنى أنَّ كلَّ المشتغلين بميدان الإسلاميات يعترفون بأنَّ كلَّ المعلومات الَّتي نتوفَّر عليها فيما يتَّصل بالقرنين الأوَّل والثَّاني ترجع إلى مدونات تجميعيّة وكتابات تعود في أفضل الأحوال إلى القرن الثَّالث أي الثَّامن للميلاد (C.E. 800).



والواقع أنَّ العديد من المشتغلين بالإسلاميات يعترفون بتبعات هذا”الفراغ“فيما يتَّصل بالمصادر في معناها الواسع ولكنَّهم يحاولون التَّهوين من شأنه والمراوغة من خلال وضع ثقتهم في هذه المصادر اللاَّحقة الَّتي قامت في زعمهم بحفظ المصادر المتقدِّمة بطريقة معقولة وجديرة بالثِّقة، غير أنَّهم يتجاهلون أنَّ هذه الكتابات اللاَّحقة يمكن أن”تكون قد قدَّت وفصِّلت بطريقة قصديَّة“هذه المواد المتقدِّمة الأولى، وظلَّ الاعتقاد قائما أنَّ”نواة ما حصل فعلا“موجودة ويمكن العثور عليها من خلال غربلة وتمحيص هذه المواد اللاَّحقة مثلما تصوَّر مونتغمري واط (Watt 1953 :xiii-xiv).



والحقيقة أنَّ مثل هذا التَّفكير والاحتجاج مقبول في الظَّاهر ويتميَّز بشيء من المعقوليَّة إن هو أخذ على علاته، وفي غياب أيّ سبب آخر للشَّك في المزاعم الَّتي تقول بأنَّه تمَّ نقل أمين أو أشبه بالأمين”للأحداث“. من خلال هذه المصادر من معناها الواسع، فإنَّ هذا الاحتجاج يكاد يكون محتملا أيضا. بيد أنَّ هناك عاملا ثانيا هو على درجة كبيرة جدًّا من الخطورة والدِّقَّة، يلفت وانزبرو انتباهنا إليه وهو أنَّ”القرآن والتَّفاسير الَّتي وضعت حوله، وكتب السيرة والسنَّة وكلُّ الأدب الإسلاميِّ المتقدِّم تتَّصف بالقدسيَّة وهي عبارة عن تاريخ خلاص بمعنى أنَّها ليست تاريخا ولا هي قد قدَّت لتكون تاريخا. “إنَّ ما حدث فعلا” قد يكون منسجما ومتوافقا أحيانا مع ما نقول ولكن علينا أن لا ننسى أنَّ ما هو موجود بين أيدينا هو ما “تصوَّرت” الجماعة الإسلاميَّة بعد القرنين الأوَّلين وهي في مسار “بحثها عن الذَّات” self-definition أنَّه وقع أو “أرادت الاعتقاد” في وقوعه أو “أرادت من الآخرين أن يعتقدوا” في وقوعه على ما صاغه الباحثان يهوديت كورين ويهودا نيفو (koren-Nevo 1991:89) Nevo, Yehuda Koren, Judith. والحقيقة يبدو أنَّ هذا التَّمييز يبدو أنَّه يغيب تماما عن أذهان معارضي وانزبرو، إلَّا أنَّ المرء متى اعترف بهذا التَّمييز وظنَّ به خيرا فإنَّ تبعاته المنهجيَّة لا شكَّ أنَّها بسيطة ولكنَّها خطيرة النتائج حقًّا.



فإذا كان “ما نعرفه عن حجاز القرن السَّابع هو نتاج نشاط أدبيٍّ مكثَّف، فإنَّ هذا التَّدوين يحبب أن يأوّل بالتَّوافق مع ما نعرفه عن النَّقد الأدبيِّ بما هو منهج من مناهج دراسة النُّصوص المقدَّسة” كما يقول وانزبرو(Wansbrough1987:14-15)، فتاريخ الخلاص حتَّى وإن تدثّر بدثار التَّاريخ “العلميِّ” يظلُّ أدبا وإن أبى، وتظلُّ المناهج الأصلح لتحليله هي مناهج تاريخ الأشكال form criticism، ومناهج نقد التَّدوين redaction criticism، والنَّقد الأدبيِّ literary criticism مثلما كان الأمر في دراسة المسيحيَّة الأولى واليهوديَّة، كما قام بها الرواد من أمثال رودولف بولتمان ويعكوف نوسنر. لقد اعترض ونزبرو على “تلك المدرسة الهستريوغرافية الَّتي تقوم على فكرة أنَّ مواصلة إعادة البناء تظلُّ أمرا نادرا متى انحرفت بها دوما الشُّكوك والوساوس التَّي ألقت بها في السَّنوات الأخيرة جماعات ممَّن يتَّخذون مناهج نقد الأشكال والبنيويَّة وما شابه ذلك” (1980:361). أمَّا فيما يتَّصل بأولئك المختصين في الإسلاميات وسبب نفورهم وجفولهم من مثل هذه المناهج، فمسألة سأعود إليها بالنظر في موضعه.



3. تلخيص لنظريات وانزبرو وتبعاتها: 



بالرَّغم من أنَّ القضايا المنهجيَّة الأدبيَّة ذات أهميَّة بالغة بالنسبة إلى وانزبرو، فإنَّ هذه القضايا ترتبط وثيق الارتباط بنظرياته حول الأصول الإسلاميَّة: فوانزبرو يظلُّ قبل كلِّ شيء مؤرخا...وما اشتغاله المضني والعميق بالنَّقد الأدبيِّ إلَّا وجه من وجوه الجهد لتحمّل تاريخ جماعة حيَّة، ولم تكن اعتراضاته إلَّا على تلك المنزلة الاعتباطيَّة الَّتي يتَّخذها “الواقع” وذلك الإرهاب الَّذي تمارسه بعض البنى السَّرديَّة وتحاشي تلك التَّأويلات المتقلِّبة ونقص الوعي الذَاتيِّ في المجالات المنهجيَّة والأدبيَّة“كما يقول نورمان كالدر (Calder 1994:40) وقد بنى وانزبرو شهرته باعتباره مؤرخا قبل كلَّ شيء ومن خلال تطبيقه للتحليل الأدبيِّ لنصوص الإسلام المبكر، ظهر منوال جديد وجذري في دراسة أصول الإسلام.



والحقيقة أنَّ تحليل وانزبرو ومنواله الَّذي وضعه قد طبِّق في البداية في كتابه”دراسات قرآنيَّة“، وكان مجال اهتمامه المفضَّل هو تطور التَّفسير القرآنيِّ، وقد قام بكتابة مقدِّمة وثلاثة فصول عنونها بـ”الوحي والمصحف“و”رايات النبوَّة“و”جذور اللُّغة العربيَّة الكلاسيكيَّة“، وتهتمُّ كلُّها بدراسة تطوُّر النَّص المقدَّس والنبوَّة واللُّغة المقدَّسة في الإسلام المبكر. ففي الفصل الأوَّل (1977:1-52) حاول وانزبرو أن يبرهن على أنَّ موضوعات أو تيمات الجزاء والآية والهجرة والميثاق تشكِّل القسم الأكبر من الرسالة القرآنيَّة، وهو يرى أنَّ الأشكال الأدبيَّة الَّتي تتَّخذها هذه التيِّمات تتمثَّل في: الصياغات القاطعة apodictic formulae وصياغات الضراعة والتسوّل supplicatory formulae والصياغات السَّرديَّة narrative. ويرى وانزبرو”أنَّه إذا ما نظر إليها مجتمعة فإنَّ كم الإحالات والمرجعيات وصنوف التكرار الآلي، أحيانا عند استعمال صيغ بلاغيَّة معيَّنة، والأسلوب الجدالي الحادِّ، كلُّها عناصر تشير إلى وجود مناخ “طائفيٍّ” قويِّ يوجد بين يديه مدوَّنة كتابيَّة مألوفة وضعت في خدمة مهبٍّ هو في صدد التَّشكُّل وغير مألوف“ (1977:20) ويرى وانزبرو أنَّ كلّ هذه الملامح، حين يضاف إليها طبيعة القرآن المرجعيَّة والإحاليَّة، تضع النَّص الإسلامي المقدَّس ضمن التَّقليد الأدبي للنُّصوص المقدَّسة اليهوديَّة والمسيحيَّة، ومع ذلك فإنَّ هذا لا يعني أنَّ هذا النَّص الإسلامي ليس مجرَّد نسخ أو إعادة صياغة لهذه النُّصوص الأقدم.



أمَّا في ما يتَّصل بجذور المادَّة القرآنيَّة والعوامل الَّتي تدخل في طبيعة القرآن وتبدو أحيانا متناقضة وأشبه بالخليط، وكذلك الدور العرضي الَّذي لعبه القرآن في تشكّل الفقه الإسلامي، ثمَّ غياب الإحالة إلى القرآن في صيغ العقيدة الإسلاميَّة الأولى المعروفة في منتصف القرن الثَّامن، وكذلك افتقار التَّفسير الماسوري قبل القرن التَّاسع، فإنَّ كلّ هذه العوامل توحي بأنَّ”العبارة النَّبويَّة“prophetic logia تعكس مرحلة هامَّة من النُّمو العضويِّ والرواية الشَّفويَّة قبل الانتهاء إلى التَّشكل في مصحف. ولا شَّك أنَّ مثل هذه العوامل ممَّا يناقض تلك الرواية الَّتي تتحدَّث عن جمع منظم واتِّخاذ القرآن صورة المصحف في السنين العشر الأوائل بعد وفاة الرسول محمَّد.



أمَّا الفصل الَّذي خصَّصه وانزبرو لـ”علم النبويَّة“prophetology الإسلامي (1977:52-84) فإنَّه اهتمَّ أساسا بالمادَّة القرآنية والمادَّة البيوغرافيَّة (الَّتي يطلق عليها عبارة البشارة المحمديَّة Muhammadan enangelium)، وهو يرى أنَّ قيمة القرآن التَّاريخيَّة لا تكمن في كونه مصدرا لدقائق سيرة النَّبيِّ بل في كونه”مصدرا للمفاهيم الَّتي قد تكون طبِّقت بعد ذلك في تشكيل ووضع مقالات المتكلمين حول النُّبوَّة“ (1977:56) والواقع أنَّ التَّفسير في صورته الأقدم هو من تمَّت على يديه عملة الربط بين المواد القرآنيَّة”مجهولة المصدر“أو الغفل (الَّتي يسميها وانزبرو العبارة النبويَّة (the prophetic logia)( وبين صورة النَّبيِّ العربيِّ المستقل، ويرجع الفضل إلى هذا التَّفسير المبكر في إنتاج سيرة محمَّد. وقد تمثلَّت مساهمة هذه”العبارة النَّبويَّة“logia في هذا المار بأن أعطت النَّبيَّ العربيَّ ملامح موسويّة خاصَّة به، في حين تكفَّلت”البشارة“evangelium” بوضع العبارة أو “اللوجيا” في البيئة الحجازيَّة موضع مكَّة والمدينة.



ومن جهة أخرى درس وانزبرو تطوَّر ما أسماه اللُّغة الإسلاميَّة المقدَّسة lingua sacra في الفصل الثَّالث من كتابه (1977:85-118) وحاول التَّدليل على أنَّه من الخطإ أن ينظر إلى اللُّغة العربيَّة الكلاسيكيَّة على أنَّها في مرحلة بدايات التَّشكُّل عوض أن ينظر إليها على أنَّها بالعكس في نهاية “تطوُّر لغويٌّ طويل وثريٌ” (1977:87) ، فالعربيَّة الكلاسيكيَّة ينظر إليها من وجهة النَّظر التقليديَّة على أنَّها مضمَّنة في القرآن والشِّعر ما قبل الإسلاميِّ “كذا؟”، وبالتَّالي يجب الإقرار بأنَّ هذه اللُّغة العربيَّة لم تكن لغة مقدَّسة وحسب lingua sacra بل أيضا لغة بدويَّة مشتركة Bedouin lingua franca قائمة في الجزيرة العربيَّة وهي أيضا تشكّل (افتراضيا) مصدرهذه اللُّغة العاميَّة الحضريَّة الحديثة.



ويقترح وانزبرو بديلا لهذا الفهم يقوم على أنَّ مسار التَّعريب قد ارتبط وثيق الارتباط بالغزوات العربيَّة وكان تبعا له. والواقع أنَّ اقتراح تصوُّر مغاير معناه الموافقة على القول بوجود فترة زمنيَّة تمتد بين 150 إلى 200 سنة وهي الفترة الفاصلة بين استقرار الصورة النَّصيَّة للقرآن وتحليل محتواه من خلال ضبط قواعد النَّحو العربيِّ.



ومعنى ما تقدَّم هو أنَّ تبعات هذا القول تتمثَّل في نصِّ الكتاب مثله مثل الشِّعر السَّابق على الإسلام، قد نقل بأمانة وفهم وبذكاء كما قرأ ورتِّل وسمع لزمن طويل دون أن يتعرَّض لتلك الأسئلة المزعجة والمربكة حول معناه وشكله الَّذي تمَّ من خلاله وضع كلّ أدب القرن الثَّالث/التَّاسع (1977:101) والحقيقة أنَّ هذا أمر شاذٌّ واتِّفاقيٌ بما أنَّ القرآن لم يعرف غالبا صورا من الاختلاف مع قواعد النَّحو العربيِّ الكلاسيكيِّ.



وفي الفصل الرَّابع والأساسيِّ من “دراسات قرآنيَّة” (1977:199-246) حاول وانزبرو أن يبرهن على أنَّه من الممكن انطلاقا من دراسة الوظائف والأسلوب، التَّمييز بين خمسة أنواع من التَّفسير القرآنيِّ: الأوَّل هو التَّفسير الهجاديُّ (السَّرديُّ) وهو يتَّخذ صورة نمطيَّة من خلال استعمال الأحاديث النَّبويَّة والمماهاة والخبر، والثَّاني هلاخي (فقهي) يلجأ إلى القياس والنَّسخ وأسباب النُّزول (وإن كان يلجأ فيه أيضا إلى السَّرديِّ من أجل تقديم الإطار الزَّمنيِّ والكرونولوجي حينما يراد حلَّ بعض التَّناقضات بين الآيات)، والثَّالث هو التَّفسير الماسوري الَّذي يعتمد على القراءات القرآنيَّة وضرب المثل من الشَّعر والنَّحو والمعجم، والرَّابع والخامس هما التَّفسير البلاغيُّ والاستعاريُّ الرمزيُّ، ويرى وانزبرو أنَّ هذا التَّفسير الأخير قد حظي بمنزلة خاصَّة لدى الجماعات الانشقاقيَّة، وعلاوة على ذلك فإنَّ هذه الأنماط من التَّفسير قد ظهرت كرونولوجيًّا حسب التَّرتيب الآنف، وهي تمكن بالتَّالي من تعيين نسبيٍّ لزمن النُّصوص أو هي تقدِّم بديلا لتعيين هذا الزَّمن من خلال الظَّن الحسن ascription. ولو ضربنا لذلك مثلا لقلنا إنَّ نقص الإشارات إلى القرآن وإلى الإحالات الأخرى على النُّصوص الكتابيَّة، كما تمَّ ضبطها بشكل نهائيٍّ في الحجج الهلاخيَّة، تدلُّ على أنَّ إرساء القرآن مصدرا للفقه كان أقدم في الزَّمن وساهم في تشكّل المصحف الرسميِّ ne varietur text بشكل يفضل فيه عن أي مصدر آخر (1977:202).



والقرآن حسب وانزبرو لا يمكن أن يتمَّ “تقنينه” في مصحف قبل ظهور التَّفسير الماسوريِّ، وهو أمر تأكد من خلال الأعراف الماسوراتيَّة المميِّزة الَّتي تسعى إلى تفسير القرآن، كلّ القرآن، وفقا لما هو عليه من ترتيب خاص (1977:226) (انظر مقالة أندرو ريبين في هذا العدد من أجل مناقشة تفصيليّة لهذا القسم من عمل وانزبرو).



ويجدر التَّنبيه إلى أنَّ هذه النَّظريات الَّتي كشف عنها التَّحليل تظلُّ حسب وانزبرو وبلفظ بعبارته “ظرفيّة”، (1977:xi) ومؤقَّتة، (1977:ix) ولا تعدو أن تكون “محاولة ظرفيَّة بالضرورة” (1978:x). ومع ذلك فإنَّ التبعات لما يقوله كبيرة جدًّا، فلا القرآن ولا الإسلام هو من عمل محمَّد وأثره ولا حتَّى من عمل الجزيرة العربيَّة، فخلال التَّوسع العربيِّ خارج الجزيرة، لم يوجد أبدا دليل على أنَّ الفاتحين أو الغزاة كانوا مسلمين. وبعد حوالي 200 سنة بدأ تدوين هذا “الأدب الإسلاميِّ” من قِبل نخبة من علماء الدِّين في بلاد الرافدين ولا شكَّ أنَّ دلالة ذلك معناها أنَّ نظام الحكم المدنيِّ السَّائد يومها اكتشف تبنى حركة جديدة ليست هي بالحركة اليهوديَّة ولا بالمسيحيَّة بل هي نتاج وسط منغلق مسيهوديِّ وسرعان ما تمَّ تعريب هذه الحركة وتأريخها.



فالقرآن أخذ وقتا طويلا نسبيًّا حتَّى يستقيم في مصحف، ولم يحدث ذلك قبل سنة 800 للميلاد على أيِّ حال. وقد تمَّ وصف هذا المسار مسار الضَّبط النِّهائيِّ في مصحف على أنَّه نسبة عدد من المدوِّنات الصغرى المتوافقة جزئيًّا مع ما يسميه وانزبرو من اللُّوجيات logia (ذات ملامح موسويَّة) أو “المقالات” إلى صورة نبيّ كتابي (تمّ تحويرها من خلال “البشارة المحمديّة” إلى رجل عربيٍّ من رجال الله) يحمل تلك الرِّسالة التَّقليديَّة رسالة خلاص (تمَّ تحويرها من خلال تأثير اليهود الربانيَّة إلى كلام الله المعجز بشكل قاطع وآنيٍّ ومباشر). وقد صاحب هذا المسار جهد لغويٍّ بغية “ربط الشَّوائب الَّتي تعتري”اللُّغة المقدَّسة“lingua sacra بما يتطلبه الوصف المعياريِّ للَّغة كما يقول الباحث شبلي ملاط Mallat (1994:166).



أمَّا في كتابه الثَّاني”الوسط المنغلق أو الطائفيُّ“ فقد واصل وانزبرو تحليله الأدبيُّ من خلال دراسة مواضيع الهستريوغرافيا والسُّلطة والهويَّة والأبستمولوجيا في الأدب الإسلاميِّ المبكر. ففي الفصل الأوَّل ركّز أساسا على التَّفسير الهجادي المبكر وسيرة النَّبيّ، واحتجَّ بأن ما هو معروف ليس تاريخا لبدا بل هو تاريخ خلاص تقوم تقنياته السَّرديَّة على: التَّقنية التَّفسيريَّة، وفيها يقدم بعض المقتطعات القرآنيَّة المنفصلة أو المتَّصلة، الإطار العام للتَّقنيات الأخرى السَّردية أو ضرب الأمثال، وفيها يكون السَّرديُّ نفسه أحيانا مصدرا للإشارة إلى”اللوجيا“(لا إلى الحرفيِّ أو الفرباتيم (verbatim) ولكن متَّخذا صورة البيان diction والخيال imagery). كما يقوم تاريخ الخلاص على تقنية أخرى هي التَّقنية التَّأويليَّة paraphrastic وفيها تتَّخذ العبارة أو اللوجيا صورة”الأخبار“و”النَّوادر“anecdotes المفعمة بعبارات أساسيَّة من الكتابات المقدَّسة، وبهذه الطريقة تمت صناعة تاريخ الخلاص.



ويتَّحدث وانزبرو عن وجود حوالي ثلاثة وعشرين”موضعا“بالمفهوم الأرسطيِّ للمواضع topi في هذا الأدب وهي كلَّها ممَّا يجد جذوره”في وسط مغلق مسيهودي“، وقد احتجَّ في الفصل الَّذي خصَّصه”للسُّلطة“authority بأنَّ تاريخ الخلاص الإسلاميِّ يغلف كلمة الله، أي الوحي الموحى إلى محمَّد بهذا الَّذي أسماه بــ”السُّلطة“. ومن جهة أخرى، فإنَّ السنَّة وهي جسم مستقلٌّ من الأدب الإسلاميِّ المبكر تنزل”السُّلطة“في إطار السُّلوك البراديغماتيِّ من فعل الرسول وقوله. فمن خلال وضع كلِّ الأحكام المتعلَّقة بالشَّعائر والمعاملات على لسان الرسول فإنَّ هذا الصنف الأخير من الأدب يصير المصدر الأساسيَّ للفقه الإسلاميِّ (ولا شكّ أنَّه تمَّ بطبيعة الحال القيام بجهد جبار من أجل إرساء وتوسيع هذه الأشكال الكتابيَّة والرسوليَّة المبعثرة وإدخال شيء من التَّناغم عليها).
أمَّا في الفصل الموالي فقد بحث وانزبرو في موضوع”الهويَّة“و”تحديد الذَّات“وشدَّد على الطبيعة الجداليَّة لهذا الموضوع الَّذي يعتبره من الخصائص المميِّزة حقًّا للحركة الطائفيَّة sectarian movement. أمَّا الفصل الأخير فخصَّصه للبحث في”دور ذلك التَّجلي أو التيوفانيا الَّتي تمَّ ضبطها تاريخيًّا من أجل تنظيم تجربة الفرد والجماعة“(1978:130). وقد بيَّن نورمان كالدار Norman Calder بعضا من فرضيات وانزبرو في هذا الموضوع وتعرَّض لها بالنَّقد والتَّوسع.
وهكذا فإنَّ هاتين الدِّراستين إضافة إلى عدد من المقالات ومراجعات الكتب، تشكِّل مجموع ما كتب وانزبرو عن جذور الإسلام، وفي هذه المساهمات أعاد تقريبا كتابة ومراجعة كلّ”الحقائق التَّاريخيَّة" عن أصول الإسلام ولعلي لا أبالغ حين أقول إنَّه أكثر اهتماما بمنهجيَّة العمل الَّذي قام به من الاهتمام بمدى صحَّة أو عدم صحَّة النتائج التَّاريخيَّة لكتابه، إلَّا أنَّ منتقديه قد قلبوا هذه الأولويات للأسف.



ولكن هذا لا يعني أنَّ كلاهما أي وانزبرو ومعارضيه لا صلة للواحد منهما بالآخر، إذ من المحتمل جدًّا أنَّ كلَّ واحد منهما ليس ساذجا في الحقيقة حتَّى يتجاهل الآخر، فبالنسبة إلى وانزبرو فإنَّ إعادة تأويله الجذريَّة لأصول الإسلام هي حصيلة ما يعتبره مقاربته الخاصَّة للنُّصوص الباقية على قيد الحياة، ولذلك كانت مقاربته جديرة بالتَّنويه وصحيحة، وإن كان بالإمكان وضع النتائج الأولية لأبحاثه موضع التساؤل والنظر (رغم أنه يشير بوضوح إلى أنه يعتقد في صحة النتائج الَّتي توصَّل إليها في الأعمِّ الأغلب). أمَّا معارضوه فقد ركَّزوا على هذه النتائج بالذَّات لأنَّها هي الَّتي اعتبروها مثيرة وعدوانيَّة ومزعجة ولكن يبدو أنَّ مناهجه الَّتي اعتمدها كانت أقلَّ تعرّضا للهجوم بشكل كبير ولافت.



ويبدو من المؤكَّد أنَّ الهجوم المبيت على النتائج التَّاريخيَّة لعمله يمكن أن تعتبر من بعض الوجوه مؤدية إلى نزع المصداقيَّة والمشروعيَّة عن المناهج الَّتي اصطنعها، ولكن يبدو أنَّ الأصحَّ هو القول بأنَّ الهجومات القليلة والهزيلة عن هذه المناهج هي محاولة أيضا لنزع هذه المشروعيَّة عن هذه النتائج الَّتي تمَّ التَّوصل إليها من خلالها.

المصدر: http://www.alawan.org/article14494.html

 

4. معارضة وانزبرو



إنَّ علماء الإسلاميات الَّذين عارضوا وانزبرو قد عارضوه بشدَّة بالغة وصلت حدَّ الضراوة، إلى حدِّ التَّساؤل عمَّا إذا كان هو وأضرابه يستحقون أن تكتب من أجلهم بعض الدِّراسات لبيان أفكارهم. ولعلَّ هذا الموقف أن يفسر ما يلاحظ من قلَّة المقالات والفصول، فما بالك بالدِّراسات الَّتي يعالج فيها معرضوه المواضيع الَّتي درسها وانزبرو. والواقع أنَّ حججهم الأساسيَّة يمكن أن يجدها المرء أشتاتا في “عروض الكتب” الَّتي قاموا بها لمؤلف “دراسات قرآنيَّة” و“الوسط الطائفي”. ومن خلال الملاحظات المبثوثة في ثنايا كتب عالجت مشاغل أخرى ومواضيع لها بعض الصلة العامة بما درسه وانزبرو. وبالرَّغم من كثرة ورودها في صور وطرائق عدَّة، فإنَّ هذه الحجج لا تزيد في الواقع عن أربع، اتَّخذت صورتها الأخيرة في الملاحظات الَّتي صاغها الباحث فضل عبد الرحمان وهو يلخص في ذات الوقت ذلك الاتِّجاه to side-step نقاشا جدِّيًّا عندما يقول “إنَّ اختلافاتي مع وانزبرو قد بلغت من العدد حدًّا يحسن معه أن يقرأ كتابي هذا إلى جانب كتاب وانزبرو حتَّى يتفهَّم اعتراضاتي حقَّ الفهم”(1989:xiv)



لقد رأى فضل الرحمان في نظريَّة وانزبرو حول وجود أصل المواد القرآنيَّة في الوسط الطائفي المسيهودي الدَّليل الواضح على أنَّه “يقف في منطق ونهاية الخطِّ الَّذي اتَّخذه ورسمه المجادلون اليهود” (1989:xiii) ، وهو خط أو اتِّجاه يجد أصوله فيما كتب أوائل القرن التَّاسع عشر في أعمال أمثال أبراهام غايغر في كتابه “ما الَّذي يدين به محمد إلى اليهوديَّة” وهارتفيش هيرشفالد في كتابه “العناصر اليهوديَّة في القرآن”



وقد وجد رجع صدى لهذه الاتِّهامات في ما كتبه ر.ب.سرجنت في مجلَّة دراسات قرآنيَّة Quranic Studies الَّذي وصفه بأنَّه “موقف رجعيٌّ يميل إلى التَّأكيد المبالغ فيه للعنصر اليهوديِّ في تشكُّل الإسلام....معتبرا أنَّ المرء ينتابه الشٌّعور بأنَّه أمام موقف جدالي متخف يبحث عن نزع أيَّة ذرَّة من الأصالة عن الإسلام ومحمَّد” (1978:76)، وقد استعمل كلّ من الباحثين رحمان وسرجنت.



والواقع أنَّ كلا من سرجنت وفضل الرحمان قد لجأ إلى حجَّة مبطنة تكاد تكون واهية من الحجج الَّتي تمسُّ من الشَّخص دون الفكرة غير أنَّه بسبب من غلبة المقاربة الإيرينية في دراسة الإسلام أي تلك الَّتي تسعى إلى التَّشديد على جوانب التَّوافق دون الاختلاف، فإنَّ هذه الحجَّة قد كان لها بعض الصدى ونالت بعضا من الأهميَّة. ولازلت على اعتقادي أنَّ هذا المظهر من مظاهر الاحتجاج لا يتطلَّب ردًّا اللَّهمَّ إلّا إذا كان المطلوب هو القول أنَّه لا تأثير له على المناهج الَّتي يستخدمها وانزبرو وصحَّة نتائجه.



وقد أشار فضل الرحمان في موضع آخر إلى أنَّ “تطوّر التَّصوّر القرآني لمسألة المعجزات لا يمكن فهمه إلاَّ في سياق اعتبار القرآن وثيقة واحدة متكاملة، كشفت عن نفسها تدريجيًّا ولا يمكن أن تفهم أبدا على غير هذا النَّحو أي باعتباره جماع أشتات مختلفة من العناصر والمواد المتناقضة والمتنافرة”.



وبعبارات أخرى فإنَّ ذلك يعني أنَّ حياة محمَّد كانت مرتبطة أشدَّ الارتباط وبشكل واضح لا لبس فيه بهذه “المادَّة” القرآنيَّة ويجب أن يتمَّ وصلها به لأنَّ القرآن في سياق هذا التَّصوُّر لا يمكن أن يفهم إذا لم يربط بسيرة الرَّسول باعتبارها ستاره الخلفي ويبدو أنَّ أحد أنصار هذه الرؤية هو الباحث الفورد.ت.والش Alford T.Welch فبعد أن رفض “فرضيات وانزبرو الراديكاليَّة” باعتبارها قولا لا يمكن قبوله البتَّة بسبب ما اعتبره “الذَّاكرة التَّاريخيَّة” الصالحة والحيَّة، فإنَّه احتفظ بالرَّغم من ذلك بروايات متناقضة، من ذلك اعتباره أنَّ إحدى الملامح المميِّزة للنَّص القرآنيِّ إذا ما أريد فهمه على الوجه الأكمل هو ارتباطه الوثيق بسيرة الرَّسول وسيرة معاصريه...فالقرآن هو الوثيقة التَّاريخيَّة الَّتي تعكس مسيرة النُّبوَّة المحمديَّة وتاريخها، بما هي إجابة عن كلِّ الاحتياجات الخاصَّة والنوازل الطارئة الَّتي حفَّت بجماعة المسلمين الوليدة، وهو يحتوي على الكثير من الإشارات والتلميحات إلى حوادث تاريخيَّة حصلت في السَّنوات العشرين الأخيرة من حياة محمَّد، وهي الحقبة الَّتي كان هو صانع أحداثها التَّاريخيَّة...“.



وبالنِّسبة إلى الفورد.ت.والش فإنَّ القرآن يعتبر فيما يبدو المصدر الوحيد الَّذي يتمتَّع بالمصداقيَّة في كلِّ ما اتَّصل بالمعلومات والأخبار عن محمَّد وفهمه لرسالته ولنفسه”وهذه الحجَّة نجدها في لبوس كثيرة وصيغ مختلفة، فالباحث سرجنت ينتقد وانزبرو لإهماله“العنصر العربيَّ الفاعل والحيَّ”الماثل في القرآن وكذلك الأمر البديهيُّ والواضح...وهو أنَّ الحجاز كانت مسقط رأسه“وعندما يشدِّد الباحث جوينبول Juynboll على”التَّباين الجليِّ في أسلوب القرآن ومضامينه بين السور المكيَّة والمدنيَّة“. وحين يشير الباحث بورتن Burton إلى التَّناقضات”المحرجة“في النَّص القرآنيِّ فإنَّ كلا منهما مع ذلك يرى أنَّ الإطار الجغرافيَّ والثَّقافيَّ والدينيَّ والسياسيَّ قد أثر في محمَّد دون ريب.



ولبيان أسس هذه الحجَّة المنتشرة والذَّائعة يمكن الالتفات إلى هذين المثالين، وأعني أولا قصَّة نوح الَّتي ترد الإشارة إليها عديد المرَّات في القرآن، وهي قصَّة يرى فيها البعض انعكاسا لحياة محمَّد وسيرته. فالإعراض الَّذي لقيه نوح وإبراهيم وموسى وكلُّ الأنبياء الآخرين لا يختلف عن الإعراض الَّذي لقية محمَّد في مكَّة، وتعتبر هذه القصص ممَّا نزل أو ظهر لشدّ أزر محمَّد وأتباعه ولتحذير خصومه وتذكيرهم بأنَّ رسلا من قبله قد أصابهم الأذى ولقوا صدودا من قومهم حتَّى أخذهم الله بذنوبهم ومسَّهم منه عذاب أليم. أمَّا المثال الثَّاني فيحسن النَّظر إلى هذه الإشارة إلى”السيرة الذَّاتيَّة“الواردة في سورة الضُّحى” ما ودّعك ربُّك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربُّك فترضى، ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى“، فكيف يمكن أن تفهم مثل هذه الآيات دون أن تكون الإشارة إلى”زمن الفترة“أو”فتور الوحي“الَّذي حدث بعد نزول أوَّل الوحي ثمَّ انقطاعه، وما أصاب محمَّد إثر ذلك من المشقَّة والحزن، وتُذكّرهُ الآيات بيتمه وهداية الله له واغتنائه له بزواجه من خديجة.



والواقع أنَّ هذه الحجَّة الَّتي يسوقها فضل عبد الرحمان وفالش وأضرابهما لا تخلو من وجاهة وتماسك داخلي، لولا أنَّها تشير إلى قراءة سطحيَّة لأعمال وانزبرو. فهذا الاحتجاج يشير إلى وجود أوَّلويَّة إبستمولوجيَّة وكرونولوجيَّة زمنيَّة للأحداث الَّتي عرفها محمَّد في حياته على النَّص القرآنيِّ نفسه، ويرى وانزبرو أنَّه إذا كانت سيرة محمَّد هي نتاج لما يسميه بـ”التَّفسير السَّرديِّ للعبارة النَّبويَّة“prophetic logia فإنَّ المطلوب يصير قلب هذه الأولويَّة الكرونولوجيَّة والإبستمولوجيَّة بحيث يصير النَّص سابقا للأحداث، بمعنى أنَّه إذا كانت المعارضة وشدّ أزر الرَّسل هي مجرَّد صورة من صور”المواضع“في المعنى الأرسطي الَّتي ترتبط بهم فليس من المعقول أن تكون الروايات التَّفسيريَّة للنَّبيِّ العربيِّ قد قدَّت وبنيت لاحقا على هذا المنوال وهذه الخطوط المشابهة. وبالتَّالي أليس أمرا مثيرا للدَّهشة أن تساق قصص نوح ومحمَّد بالتَّوازي مع بعضها البعض؟



والواقع أنَّ ما جاء في النَّص القرآنيِّ لا يورد في نفسه ما من شأنه أن يفهم أو يقرأ اضطرارا على أنَّه موجَّه إلى محمَّد أو أي شخص آخر بعينه، بيد أنَّ أيَّ مفسِّر هجادي (نسبة إلى الهجادا اليهوديَّة والمقصود تقنية تفسيريَّة تقوم على الاعتماد على الموعظة والرقائق) يستطيع أن يجد الأمر مناسبا لاستثمار مثل هذه الآيات أو الفقرات الغامضة، وبمثل هذا التَّمشي يمكن أن يتعاضد النَّص”والتَّاريخ“أو الآية/الفقرة القرآنيَّة وتاريخها ويتصالحا بمعنى أنَّ السَّابق يتمُّ”تفسيره“كما أنَّ السيرة تجد لنفسها”إطارا“يمكنها من بناء قصَّة النَّبيِّ العربيِّ. وبهذه الكيفيَّة الَّتي تتمُّ بها تاريخانيَّة historicize الفقرات أو الآيات القرآنيَّة تظهر وكأنَّها”سيرة ذاتيَّة“.



أمَّا الحجَّة الثَّالثة والأهمُّ فترجع إلى الباحث غراهام Graham الَّذي ردَّ على وانزبرو في ما كتبه في”دراسات قرآنيَّة“، وقد اعتمد على شبهة أنَّ إعادة البناء التَّاريخيِّ الَّتي قام بها وانزبرو للإسلام المبكِّر إنَّما تتطلَّب قدرا كبيرا من التَّواطؤ وروح المؤامرة-وهو سيناريو عبثي ولا يصدَّق بالمرَّة حسب فضل الرحمان- وقد أفاض الباحث فيرستس Versteegh في شرح مثل هذا النَّمط من الاعتراض قائلا عن وانزبرو”لإنَّ المرء يحتاج إلى رؤية تسكنها المؤامرة لفهم التَّقليد الإسلاميِّ، مؤامرة تقوم على وجود تواطؤ بين كلِّ العلماء لحذف كلِّ الأخبار الَّتي تشير إلى حقيقة ما حدث فعلا...وأنا لا أنفي أن يحدث أحيانا ما يجعل بعض الآراء معمولة وموسومة بآثار الصنعة لأسباب دينيَّة أو سياسيَّة بل واجتماعيَّة يعتنقها النَّاس بعد ذلك، بيد أنَّ الإشكال هنا يتعلَّق بتلك الحالة الَّتي يهيمن فيها تأويل واحد أو ينتصر فيها الأخذ برأي دون غيره، وهنا يجب أن ندرك أنَّ هناك حدودا لا يمكن أن تكون عليه الانشقاقات في مسائل مهمَّة كتلك الَّتي نحن بصدد الخوض فيها، وإنَّني لا أتصوَّر كيف يمكن لتقليد دينيٍّ ما أن يتواطأ على حذف كلِّ الرؤى المخالفة والخارجة عنه...“.



إنَّ”المؤامرة“وبالحجم الَّذي يتطلَّبه فهم الاستنتاجات الَّتي توصَّل إليها وانزبرو حول العمليَّة الكبيرة المتَّصلة بتدوين المصحف وتقنين الكتابات ذات الطَّابع الدِّينيِّ وكذلك عمليَّة تاريخانيّتها historicization وتعريب”العبارة“النَّبويَّة logia في البيئة الحجازيَّة Arabicization تبدو أمرا لا يمكن تصديقه بل وبعيد الاحتمال.



ولو كان الأمر ممَّا يتعلَّق بالمفاضلة بين التَّاريخانيَّة والمؤامرة لكانت التَّاريخانيَّة أمرا أكثر قابليَّة للتَّصديق، غير أنَّ الأمر لا يقف عند حدِّ المفاضلة بين هذين الخيارين، ذلك أنَّ اللُّجوء إلى نظريَّة”المؤامرة“إنَّما يكشف عن فهم ساذج للكيفيَّة الَّتي يتمُّ وفقها إنتاج”الأدب“وخصوصا”تاريخ الخلاص“. فكلُّ مؤلفي النُّصوص الأولى المتَّصلة بالإسلام المبكر قد اشتغلوا بدرجات متفاوتة ضمن نفس الوسط الثَّقافيِّ، وكان إجماعهم على”الحقائق“و”الوقائع“المتَّصلة بهذه المرحلة من فجر الإسلام ممَّا يحاج إلى أن يفهم على أنَّه نتيجة تواطؤ على صنع إسلام يتوافق وميولهم أو ممَّا يخدم أهدافهم ورؤاهم الدِّينيَّة والسياسيَّة والعرقيَّة، ويجب أن يدرك المرء أنَّ الروايات والأخبار قد بدأ تدوينها حوالي 200هـ/800م. وقد دوِّنت وفق ما كان مسلمو ذلك العهد يعتقدون أن حصل أو يريدون الاعتقاد في أنَّه حصل وهم بصنيعهم هذا جعلوا ممَّا يعتقدونه”حقائق“و”وقائع“. وفي هذا الصدد يقول وانزبرو”إنَّ القبول بفكرة أنَّ الكتابة التَّاريخيَّة هي في الأصل صورة من صور الأدب يعتبر خطوة نادرة لم تقبل داخل مجال الدِّراسات الإسلاميَّة إلَّا على مضض...لأنَّ لغة الخبر التَّاريخيِّ historical report هي أيضا لغة التَّخييل fiction والفرق بينهما هو افتراض بسيكولوجي موزع بين الكاتب والقارئ، ومن خلال هذا الافتراض ينال الخبر التَّاريخي معناه ودلالته حتَّى يعتبر جديرا بالحفظ والرواية“.



وهكذا يمكن القول إنَّه لا وجود”لحقائق“حذفت أو أهملت من أجل الإبقاء على”أكاذيب أو أراجيف“وهو ما يعني أنَّ الوجه الَّذي وصلنا عن أصول الإسلام وبداياته هو ما”عرفت“الجماعة الأولى أنَّه الحقيقة. ومع ذلك يمكن القول إنَّ هناك مؤامرة فعلا ولكن ليس بالمعنى الَّذي يريد أن يفهمه فضل الرحمان وفيرستي Versteegh يقول وانزبرو”إنَّه لا يمكن لدارس الإسلام المبكر وأصوله أن يقع بسهولة ضحيَّة مؤامرة أدبَّية ولغويَّة بسبب من الحقائق المصنوعة أو الأرشيف وهو لا يعتقد في إمكان وقوع ذلك أصلا والسَّبب في ذلك هو ثقته في إمكان أن يستخرج بواسطة استقراء الصيغ الأدبيَّة ما يبدو أنَّه حصل فعلا“.
وفي الواقع فإنَّ هذه الحجج الثَّلاث السابقة قد ركَّزت على نظريات وانزبرو دون إيلاء أهميَّة كافية إلى منهجه ذلك أنَّ التَّحدي الوحيد بالنسبة إلى هذا الأخير يتمثَّل في البحث عن أي الأسئلة الَّتي تشرِّع التَّخلي عن”المنهج التَّاريخيِّ“في معنى العزو أو الإرجاع إلى الأصول والاستعاضة عنه بالتَّحليل الأدبيِّ.



وقد انتصر فضل الرحمان للمنهج التَّاريخي واعتبر أنَّه لا يزال صالحا قائلا إنَّ”مناهج التَّحليل الأدبيِّ الَّتي يستعملها وانزبرو على درجة من الاعتباط المتأصِّل تجعلها تغرق في مستنقع الذَّاتيَّة المطلقة كما أنَّ سرجنت أشار إلى أنَّ “الذَّاتيَّة الَّتي لا تحتمل الّتي تسم نظرياته”وفي حين يبدو من المشكوك فيه إذا كان كلّ من فضل الرحمان وسرجنت يحاول تقديم حجَّة جدِّية في مواجهة وانزبرو فيما يتعلَّق بهذه المسألة - باعتبار مقالاتهم ممَّا يغلب عليه الإيجاز والجدال ونقص البيان والإبانة – فإنَّ مسألة الذَّاتيَّة هذه ممَّا يحسن عدم الاستهانة بها والتَّهوين من شأنها.



ودون الدُّخول في مزالق النِّقاش الإبستمولوجيِّ حول المسألة الذَّاتيَّة والموضوعيَّة فإنَّني أريد بكلِّ بساطة أن أشير إلى أنَّ فضل الرحمان وآخرين أمثاله يغفلون أو يتجاهلون النَّظر إلى تلك الفكرة الماقبليَّة الَّتي تظلُّ في حيز اللاَّمفكر فيه والمتَّصلة بقبول المصادر بشكل حرفي ليس هو الآخر مظهرا من مظاهر الذَّاتيَّة. وما نحن واثقون منه على كلِّ حال هو أنَّه وجدت مدوَّنة من “الأدب” حوالي 200هـ/800م سعت إلى وصف الأحداث الَّتي جرت قبل مائة وخمسين سنة سبقت ولا يمكن تحويل الطَّابع الذَّاتيِّ الَّذي وسم مؤلفي القرن التَّاسع إلى “موضوعيَّة” لمجرد انقضاء فترة زمنيَّة مَّا بل يبدو أنَّ مقاربة أكثر “موضوعيَّة” يمكن أن تحصل بشكل واضح وجلي حينما يتمُّ السَّعي إلى معاملة هذا “الأدب” باعتباره أدبا لا باعتباره موقعا أثريًّا (ظهر بسبب الحاجة الماسَّة إلى تحويل المواضعات الأدبيَّة إلى “حقائق تاريخيَّة”) كما يقول وانزبرو.



5. العوامل المساعدة على الاعتراض والعداء



الواقع أنَّ هدفي من محاولة الرَّد على هذه الردود الأربعة ليس الانتصار إلى مناهج وانزبرو ونتائجه ولا القول بأنَّها لا تقبل النَّقض أو التَّحدي فقد وصف هو نفسه عمله بأنَّه “عمل تجريبي” وهو بذلك أوَّل من دعا إلى التَّحدي، ولكن غايتي هي البرهنة على أنَّ الخطوط الأساسيَّة لهذه الحجج النَّقديَّة إنَّما تقوم على إساءة فهم وانزبرو أو أنَّها تقوم على احتجاج يحكمه الدور والتَّسلسل وهي بذلك ليست ممَّا لا يمكن ردّه. غير أنَّ بعض الباحثين سعوا إلى مناقشة وانزبرو في مسائل أخرى تبدو أكثر وجاهة وتقف على أرض صلبة كما يقال. ومن بين هذه المسائل ذلك الرأي البديهيُّ الَّذي يشير إلى وجود المصحف قبل القرن الثَّالث للهجرة/التَّاسع للميلاد مع أنَّه أمر إشكالي في حقيقة الأمر، فالبرديات المكتشفة أخيرا والَّتي ترجع إلى الحقبة الأمويَّة المتأخرة- الَّتي انتهت سنة 750م- تحفل ببعض الأشتات fragments من القرآن، وكذلك بعض المراسلات الإداريَّة ونصوص المعاهدات من ذات الفترة الزَّمنيَّة وهي تطفح بإشارات أو اقتباسات قرآنيَّة وهو ما قد يوحي بأنَّ بداية القرن التَّاسع أو الثَّالث للهجرة هي الزَّمن الَّذي تمَّ فيه تدوين القرآن وهو زمن متأخِّر على ما ترى باتريشيا كراون والباحثة وداد القاضي وقد نبَّه مايكل كوك عن حقّ إلى “أنَّ المصادر الَّتي نتوفَّر عليها هي فعلا مصادر متأخِّرة دون أن يعني ذلك أنَّه لم توجد نصوص مكتوبة أقدم ولكنَّها على كلِّ حال لم تصلنا” ومع ذلك فإنَّ هذه الرسائل والمعاهدات والنُّصوص-المفترضة- لا يمكن أن تكون مناقضة وانزبرو ذلك أنَّ هذه الإحالات القرآنيَّة المبكِّرة قد تشير إلى وجود بعض ما أسمَّاه وانزبرو بــ “العبارة” logia قيد التَّداول بين النَّاس وأنَّها كانت تحظى بقدر من الحجِّيَّة بمعنى أنَّها لم تكن لتدلَّ على وجود مصحف معترف به recognized canon وأنَّ هذه “العبارة” قد عرفت مسارا طويلا وحياة سابقة على تدوينها النِّهائيِّ في مصحف معترف به وبالتَّالي فإنَّ هذه البداهة الَّتي تساق على وجود مصحف قبل القرن الثَّالث إنَّما هي أمر لا يمكن القطع به بل إنَّ بعض الباحثين الآخرين قد اكتشفوا ورأوا رؤيا العين بعض الدَّلائل الأركيولوجيَّة والنَّقائش والسكة تدعم وجهة نظر وانزبرو على ما ذكره بتفصيل الباحثان يهودا نيفو ويهودا كورين.



والواقع أنَّه إذا كان من المنتظر أن يحمل العلماء من المسلمين على عمل وانزبرو فإنَّ السُّؤال الأهمَّ يظلُّ مطروحا ونعني السبب الَّذي يجعل علماء آخرين من غير المسلمين يقفون ذات الموقف؟ وما الَّذي يدعوهم إلى ذلك؟ لا شكَّ أنَّ الأمر لا يتعلَّق بتهديد للعقيدة وقد ذهب أندرو ريبين إلى أنَّ المسألة قد تكون مرتبطة ببعض العوامل الَّتي حاول تحديدها ورأى فيها سببا ساعد على رفض الباحثين في مجال الإسلاميات لمناهج وانزبرو واطروحاته. ومن بين هذه العوامل نشير إلى:



1- أوَّلا: أنَّ شغل الباحثين كان ولازال البحث عمَّا وقع فعلا وعن سبب وقوعه بهذه الكيفيَّة دون تلك، في حين أنَّ وانزبرو شدَّد على أنَّه من المحتمل جدًّا أن لا نعرف أبدا ما الَّذي وقع فعلا وأنَّ “المؤرخين لا يودون أن يروا عامل الغموض يحلَّ في ما يبحثون عنه” ولسوء الحظِّ فإنَّ المادَّة المتَّصلة بالقرنين الأوَّلين من نشأة الإسلام شحيحة لا تساعدهم على ما يبتغون وهم إذا لم يعتقدوا بصحَّة أدب السيرة على سبيل المثال فإنَّ الباحث منهم في سيرة الرَّسول سوف لن يجد إلاَّ القليل ليفعله أو يقوله بصدد دراسة حياة محمَّد في سياق تاريخ الجزيرة العربيَّة المبكِّر في القرن التَّاسع.



2- ثانيا أنَّ يوسف شاخت وهو يقيم الدِّراسات الإسلاميَّة وإثر أعماله الخاصَّة فيها أشار إلى أنَّ علماء الإسلاميات يتميَّزون بشيء مَّا من “الكسل الفكريِّ” أدى شيئا فشيئا إلى وقف التَّطور في هذا المجال من الدِّراسات وقد حصل هذا الأمر في البدء مع أعمال غولدتسيهر ثمَّ معه هو أيضا. ولعلَّ وانزبرو يعرف نفس المصير هو أيضا، ويتجلَّى هذا الكسل الفكريُّ في البداية من خلال الإعراض عن منهج الشكِّ شيئا فشيئا والابتعاد عن التَّعقيد المنهجيِّ والنَّظريِّ، ومثلما أشار إليه وانزبرو من قبل فإنَّ “القرآن من حيث هو وثيقة قابل للتَّحليل من خلال آلات النَّقد التَّوراتيِّ والإنجيليِّ وتثنياته ولكن هذا أمر مجهول تماما من النَّاحية العلميَّة ولا شكَّ أنَّ الموانع العقائديَّة الَّتي منعت تقليديًّا ومنذ زمن هذا المنحى البحثي من التَّحقُّق معروفة تماما ولا يرجع السَّبب في ذلك إلى ما انتشر من القول بقدم القرآن أو التَّسليم بإعجازه شكلا ومضمونا وإنَّما أيضا في خضوع كلِّ مدوَّنة الأدب التَّاريخيِّ الإسلاميِّ أو الهستريوغرافيا ضمن نفس المحظورات بسبب ممَّا قدِّم على أنَّه أسباب للنُّزول بكيفيَّة قعدت بالباحثين عن فحص هذه الوثيقة باعتبارها ممثَّلة لهذا النَّمط من التَّقليد الأدبيِّ”. وقد يبدو من الأيسر بل وأكثر صلاحيَّة سواء من النَّاحية الكمِّيَّة أو الكيفيَّة أن نقبل هذا الأدب كما هو. والواقع أنَّ معاملة هذه المدوَّنة على أنَّها تحوي أخبارا تاريخيَّة جديرة بالثِّقة من شأنه أن يجعل المناهج والنتائج أكثر أمانا وسلامة ولا حاجة فيما يبدو إلى الاعتماد على التَّحليل الأدبيِّ ونظريته الَّتي تعقِّد الأمور أكثر من تجليتها، من ذلك أنَّ مناهج وانزبرو تهدم “الحقائق التَّاريخيَّة” القائمة حاليًّا دون أن تعوِّضها بشيء من ذلك الزَّعم الَّذي اعتدنا عليه من القرآن هو صنعة محمَّد ساعده عليه بعض اليهود أو النَّصارى غير أنَّنا لا نعرف لهم إسما ولا جماعة بعينها ساعدت في ظهور هذه “العبارة” أو اللوجيا حسب عبارة جون إدوارد وانزبرو.



3- إنَّ علماء الإسلاميات صاروا شديدي الانغلاق وصار تعلّم العربيَّة والتألف مع جغرافيَّة الجزيرة العربيَّة زمن ظهور الإسلام هما الأمران المطلوبان لقيام بحث “حقيقيٍّ” عن أصول الإسلام ولهذا يقول أندرو ريبين إنَّه “في الغالب لا يوجد إلَّا بعض من العلماء النَّشطين اليوم ممَّن يستطيع الانتقال بيسر بين الأطر الدِّينيَّة الغربيَّة ولغاتها الأساسيَّة والضَّروريَّة”.



4- يبدو أنَّ علماء الإسلاميات اليوم في أغلبهم يمتنعون عن قول أيِّ شيء من شأنه أن يفهم على أنَّه نقد للإسلام بما في ذلك الخوض في “أصوله” المقدَّسة و“تاريخه”، ويذكر أنَّه قبل صدور كتاب “دراسات قرآنيَّة” كتب تشارلز آدامز “إنَّه ظهرت في حدود السَّنوات الَّتي سبقت الحرب العالميَّة الثَّانية حركة متميِّزة في الغرب تمثل بعض الأوساط الجامعيَّة والدِّينيَّة كانت غايتها إظهار الإعجاب الكبير بصور التَّدين الإسلاميِّ وتشجِّع على اتِّخاذ موقف جديد من الإسلام”. وفي هذا السياق اعتبرت كتابات أمثال ويلفراد كانتويل سميث Wilfred Cantwell Smith ومنغمري وات Montgomery Watt أفضل مثال على هذه المقاربة الإيرينيَّة في دراسة الإسلام، كما أنَّ المقاربة الفينومينولوجيَّة لهذا الدِّين رغم ما قد توحي به من عدم غلبة الطَّابع اللاَّهوتيِّ عليها في المقصد والهدف، إلاَّ أنَّها أدَّت تقريبا إلى نفس النَّتائج ووقفت نفس الموقف. وهي كتابات أدَّت إلى التَّأكيد “على تجربة المؤمن” واعتبرت فيما اتَّصل بالإسلام وحضارته “مفتاح التَّكفير عن خطايا الإستشراق الغربيِّ ونظرته المناهضة والعدائيَّة لهذا الدِّين”. ويبدو لي أنَّ علماء الإسلاميات اليوم أكثر تحررا من سابقيهم وأقلُّ خضوعا لمشاعر الإحساس بالذَّنب الجماعيِّ، وهو إحساس أفلح إدوارد سعيد في تصويره فيما كتبه عن الإستشراق. وأكاد أقول أنَّ آثام الأجداد في دراسة الشُّعوب الإسلاميَّة جعلت علماء الإسلاميات المعاصرين يحذرون الوقوع في ما يمكن أن نسميه “باسم الإستشراق” ولكن إذا كانت نتيجة ذلك هي الخوف من طرح الأسئلة المحرجة ربَّما وتقديم أجوبة عنها - ممَّا يزعج حساسيات المسلمين- فإنَّ المرأ لا يسعه إلَّا الإقرار بأنَّ هذا التَّحرر من الإثم هو في حدِّ ذاته أمر لا يقلُّ إزعاجا. وفي الواقع فإنَّ شعبيَّة المقاربة الانطباعيَّة والمضادَّة لكلِّ فعل نظريٍّ، الَّتي تسعى إلى التَّكفير عن ذنب أو تهدئة الخواطر ليست أمرا مقتصرا على علماء الإسلاميات، ذلك أنَّ عمل علماء الأنثروبولوجيا الثَّقافيَّة الأوائل ساعدوا هم أيضا على اضطهاد الشُّعوب المستعمرة. وقد أفاض الباحثان لاوسن Lawson وماك كولي McCauley في وصف ردود العديد من الأنثروبولوجيين المعاصرين معتبرين أنَّ ذلك يعني “إلقاء العالم الرَّضيع في حمام المستعمر” واحتجَّا بأنَّ “هذه الاستراتيجيَّة الَّتي تسعى إلى إعادة تصوير الأنثروبولوجيا الثَّقافيَّة على أنَّها بحث إنسانويٌّ في المعنى الهرمنوطيقيِّ أو التَّأويليِّ للكلمة قد تؤدي إلى تصحيح الأمر من الوجهة الأخلاقيَّة والشُّعوريَّة ولكنَّها تخسر بالمقابل منزلتها بين العلوم، ذلك أن يتمَّ تناسيه هو أنَّ الارتباط بين الرَّغبات العلميَّة للبحث الأنثروبولوجيِّ والإمبرياليَّة ليس أمرا فكاك منه”. إنَّ علماء الإسلاميات قد فشلوا هم أيضا في فهم هذا الارتباط وشروطه ولم يدركوا أنَّه بالإمكان التَّخلص منه دون التَّضحية بشروط العلم، وهذا ما جعلهم يبقون أسيري الرَّفض لكلِّ نشاط نظري من أجل البقاء “أوفياء لعقيدة النَّاس الآخرين” ومنعوا أنفسهم بالتَّالي من توجيه السُّؤال الأساسيِّ سؤال: كيف نعرف؟ على ما يذكر أندرو ريبين.



الخاتمة



لازال الكثير من العلماء غير المسلمين يشتغلون ضمن الأطر اللاَّهوتية الإسلاميَّة للأسباب الَّتي ذكرناها آنفا وهو إذ يواصلون السير على ذلك المنوال إنَّما يخسرون تدريجيًّا منزلتهم كعلماء، وقد نبَّه بروس لينكولن Bruce Lincoln عند حديثه عن دراسة الدِّين بصفة عامَّة قائلا “عندما يسمح المرء لأولئك الَّذين يدرسهم بأن يحدِّدوا هم الاصطلاحات الَّتي يريدون أن يفهموا بها فإنَّه يلجم الاهتمام بما هو زمني ومحتمل أو هو يفشل في التَّمييز بين”الحقائق“وما”يزعم أنَّه حقائق ونظم الحقيقة“، وهو بالتَّالي يكفُّ عن الاشتغال باعتباره مؤرِّخا أو عالما ومنذ هذه اللَّحظة يمكن وصفه بصفات أخرى بعضها محترم كأن نطلق عليه صفة”الحافظ أو الصديق المدافع أو النَّاسخ وبعضها الآخر أقلُّ إغراء من مثل صفات المحرض أو الجالس على الربوة أو البائع بالتَّقسيط أو المورد للبضائع والسِّلع. وليس واحد من هؤلاء ممَّا يصحُّ عليه وصف العالم“.



وإنَّني أعتقد أنَّ إحدى أهمِّ مزايا أعمال وانزبرو حول أصول الإسلام هي أنَّه استدعى علماء الإسلاميات إلى المثول أمام العلم ودعوته لهم بالرُّجوع إلى محرابه. وعلى الرَّغم من أنَّ حججي المضادَّة التي قدَّمتها قد تكون ممَّا لم يفلح في ردِّ اعتراضات خصوم وانزبرو فإنَّها على كلِّ حال برهنت على أنَّ هذه الاعتراضات بعيدة عن دفع الباحثين إلى القبول بها وإنَّني أذهب إلى أنَّ تجربة وانزبرو لم تصل بعد إلى نهايتها ولكن نتائجها الأولى مهمَّة وواعدة بلا ريب ويبدو أنَّ وانزبرو قد مهَّد لقيام براديغم جديد في دراسة الإسلام المبكر وأصوله وقدَّم”مخططا للدِّراسات الإسلاميَّة في المستقبل وأعطي توجيهات وعلامات على الطَّريق بها يهتدي من اتَّبع منهجه“كما يقول أندرو ريبين ولا يمكن لمدَّع بعد اليوم أن يقول أنَّ”تبعات منهج وانزبرو ومنطقه هي أمر يخصُّه وحده" على ما يذكر جوينبول. 



المصادر والمراجع



Adams, Charles J. (1976). The Islamic religious tradition. In Louis Binder (ed.), The Study of the Middle East: Research and Scholarship in the Humanities and Social Sciences, 29-95. New York: John Wiley & Sons.
Azami, Mohammad Mustafa (1992) [1968]. Studies in Early Hadith Literature: With a Critical Edition of Some Early Texts. (3rd edition.) Indianapolis: American Trust Publications.
Bell, Richard (1968) [1926], The Origin of Islam in its Christian Environment. London: Frank Cass.
(1937). The Qur’an: Translated, with a Critical Re-arrangement of the Surahs. 2 vols. Edinburgh: T. & T. Clark.
(1953). Introduction to the Qur’an. Edinburgh: University of Edinburgh Press.
Brett, M. and G.R. Hawting (1994). Published writings of J.E. Wansbrough. Bulletin of
the School of Oriental and African Studies 57:4-13.
Burton, John (1995). Rewriting the timetable of early Islam. Journal of the American Oriental Society 115:453-462.
Calder, Norman (1993). Studies in Early Muslim Jurisprudence. Oxford: Clarendon Press.
(1994). The Barahima: Literary construct and historical reality. Bulletin of the School of Oriental and African Studies 57: 40-51.
Cook, Michael (1980). Review of John Wansbrough, The Sectarian Milieu: Content and Compositiion of Islamic Salvation History. Journal of the Royal Asiatic Society, 180-182.
(1981). Early Muslim Dogma: A Source-Critical Study. Cambridge: Cambridge University Press.
Crone, Patricia (1994). Two legal problems bearing on the early history of the Qur’an. Jerusalem Studies in Arabic and Islam 18:1-37.
Geiger, Abraham (1902) [1833], Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen? (2nd edition.) Leipzig: M.W.Kaufmann.
Goldziher, Ignaz (1971) [1889-1890], Muslim Studies. 2 vols. S.M. Stern (ed.). C.R. Barber and S.M. Stern (trans.). London: George Allen and Unwin.
Graham, William A. (1980). Review of John Wanbrough, Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation. Journal of the American Oriental Society 100: 137-141.
Hirschfeld, Hartwig (1878). Jiidische Elemente im Koran: Ein Beitrag zur Koranforschung. Berlin: Selbstverlag.
Juynboll, Gautier H.A.(1979). Review of John Wanbrough, Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation. Journal of Semitic Studies 24: 293-296.
(1983). Muslim Tradition: Studies in Chronology, Provenance and Authorship of Early hadith. Cambridge: Cambridge University Press.
Koren, J. and Y.D. Nevo (1991). Methodological approaches to Islamic studies. Der Islam 68: 87-107.
Lawson, E. Thomas and Robert N. McCauley (1993). Crisis of conscience, riddle of identity: Making spaces fo a cognitive approach to religious phenomena. Journal of the American Academy of Relgion 61:201-223.
Lincoln, Bruce (1996). Theses on method. Method and Theory in the Study of Religion 8: 225-227.
Mallat, Chibli (1994). Readings of the Qur’an in London and Najaf: John Wansbrough and Muhammad Baqir al-Sadr. Bulletin of the School of Oriental and African Studies 57:159-173.
Neuwirth, Angelika (1993). Images and metaphors in the introductory sections of the Makkan siras. In G.R. Hawting and Abdul-Kader A. Shareef (eds.), Approaches to the Qur’an, 3-36. London: Routledgc.
Noldeke, Theodor (1909-26). Geschichte des Qorans. (2nd revised edition; vols. 1 and 2 revised by Friedrich Schwally; vol. 3 revised by G. Bergstrasser and O. Pretzl.) Leipzig: Dieterichische Verlagsbuchhandlung.
Qadl, Wadad al- (1992). Early Islamic state letters: The question of authenticity. In Averil Cameron and Lawrence I. Conrad (eds.), The Byzantine and Early Islamic Near East. I. Problems in the Literary Source Material, 215-275. Princeton: Darwin Press.
Rahman, Fazlur (1989 [1980]). Major Themes of the Qur’an. (2nd edition.) Minneapolis: Bibliotheca Islamica.
(1985). Approaches to Islam in religious studies: Review essay. In Richard C. Martin (ed.), Approaches to Islam in Religious Studies, 189-202. Tucson: University of Arizona Press.
Rippin, Andrew (1981). Review of John Wansbrough, The Sectarian Milieu: Content and Compositiion of Islamic Salvation History. Journal of Semitic Studies 26: 164166.
(1985). Literary analysis of Qur’an, tafsir, and sira: The methodologies of John Wansbrough. In Richard C. Martin (ed.), Approaches to Islam in Religious Studies, 151-163. Tucson: The University of Arizona Press.
(1996). Letter to Herbert Berg. 1 April.
Said, Edward (1978). Orientalism. New York: Random House.
Schacht, Joseph (1949). A revaluation of Islamic tradition. Journal of the Royal Asiatic Society, 143-154.
(1959) [1950], The Origins of Muhammadan Jurisprudence. Oxford: Clarendon Press.
Serjeant, R.B.(1978). Review of John Wanbrough, Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation and Patricia Crone—Michael Cook, Hagarism: The Making of the Islamic World. Journal of the Royal Asiatic Society, 76-78.
Versteegh, C.H.M.(1993). Arabic Grammar and Qur’dnic Exegesis in Early Islam. Leiden: E.J. Brill.
Wansbrough, John (1977). Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation. Oxford: Oxford University Press.
(1978). The Sectarian Milieu: Content and Composition of Islamic Salvation History. Oxford: Oxford University Press.
(1980). Review of Josef van Ess, Anfdnge muslimischer Theologie: Zwei antiqadari- tische Traktate aus dem ersten Jahrhundert der Higra. Bulletin of the School of Oriental and African Studies 43: 361-363.
(1987). Res Ipsa Loquitur: History and Mimesis. Jerusalem: The Israel Academy of Sciences and Humanities.
Watt, W. Montgomery (1953). Muhammad at Mecca. Oxford: Oxford University Press.
(1956). Muhammad at Medina. Oxford: Oxford University Press.
Welch, Alford T. (1980). Qur’anic studies - problems and prospects. Journal of the American Academy of Religion 47:620-34.
(1983). Muhammad’s understanding of himself: “The Koranic data.” In Richard G. Hovannisian and Speros Vryonis Jr. (eds.), Islam’s Understanding of Itself 15-52. Malibu: Undena Publications.
Yapp, Malcolm (1994). John E. Wansbrough. Bulletin of the School of Oriental and African Studies 57:1-4

المصدر: http://www.alawan.org/article14504.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك