يهود كوردستان ورؤسائهم القبليون
(دراسة تحليلية نقدية)
د.فرست مرعي
صدر للباحث الأمريكي اليهودي (مردخاي زاكن) كتاب بعنوان (يهود كوردستان ورؤسائهم القبليون)، ترجمة الدكتورة (سعاد محمد خضر)، ومراجعة الدكتور (عبدالفتاح علي يحيى)، والدكتور (فرست مرعي إسماعيل).
والكتاب يتكون من 497 صفحة، من منشورات (مؤسسة زين) في (السليمانية)، لإحياء التراث الوثائقي والصحفي الكوردي.
يتألف الكتاب من مقدمة المترجمة، ومقدمة المؤلف، واستهلال بمثابة تمهيد، يضم بين ثناياه: خلفية تاريخية، الأرض والناس، وضع اليهود في القرون الماضية، فضلاً عن أربعة أجزاء، وملاحظات ختامية، ومقابلات(ميدانية) غير منشورة مع (61) شخصية، من يهود كوردستان، الطاعنين في السن، الذين هاجروا من كوردستان إلى فلسطين، ومقابلات شفهية غير منشورة مع الكورد اليهود، محفوظة في
قسم التاريخ الشفاهي في (معهد الدراسات العبرية)، في الجامعة العبرية في القدس(=أورشليم).
يتكون الجزء الأول من خمسة فصول، يتعلق الفصل الأول بـ(يهود زاخو)، وعلاقتهم بـ(أسرة شمدين)، وغيرها من أسر أغوات المنطقة. والثاني حول (يهود عقرة)، والثالث حول علاقة (يهود دهوك) بأسر الأغوات والشيوخ، والرابع بعلاقة اليهود بأغوات وموظفي (العمادية)، والخامس بـتأسيس (مدينة السليمانية)، وفق رؤية يهودية، وعن علاقة أسرة الشيخ (محمودالبرزنجي) باليهود، والسادس حول العلاقة القوية بين الزعيم الكوردي (ملا مصطفى البارزاني) بيهود بلدة (شنو/أشنوية)، في كوردستان إيران، أثناء أيام حكم جمهورية كوردستان(مهاباد).
فيما يضم الجزء الثاني فصلين فقط، يتعلق الفصل الأول بتجربة اليهود في ريف كوردستان، من خلال تجربة قرية (صندور) اليهودية، كنموذج للتعايش اليهودي- الكوردي، من خلال مدى حماية الأغوات ليهود قبائلهم، ومدى إخلاص اليهود لرؤسائهم تبعا للحماية، فضلاً عن التطرق إلى التجمعات اليهودية القبلية وغير القبلية.
بينما يؤلف الجزء الثالث: (بعض مظاهر الحياة اليومية والخاصة)، ثلاثة فصول، يتعلق الفصل الأول بأوضاع اليهود في كوردستان، من حيث الأمان، وتداعياته، من حيث الهجرة، ومقتل اليهود في المشهد القبلي، تبعاً للثارات القبلية. وفي الفصل الثاني، توفر على الوضع الاقتصادي لليهود، ما قبل القرن العشرين، بجانب المهن الرئيسية لليهود. أما الفصل الثالث، فخصص لاعتناق اليهود للإسلام، والأسباب الموجبة لذلك، والآليات التي اتخذها اليهود لإفشال التحول إلى عقيدة أخرى غير عقيدة التوراة، فضلا عن بيان دور الشيوخ (شيوخ الطرق الصوفية القادرية والنقشبندية)، وعلماء الدين الإسلامي(=الملالي)، والأغوات، في تلك العملية.
وفي الجزء الرابع والأخير، المتعلق بـ(آخر الأجيال في كوردستان، ما بين الحرب العالمية الأولى، والهجرة إلى إسرائيل خلال سنوات 1948-1951م)، يتوفر على ثلاثة فصول: الأول يتعلق بالخبرة الحياتية اليومية، في سنوات الحرب العالمية الأولى، من خلال الهروب من الخدمة العسكرية، والهجرة بسبب العمل القسري، والسخرة، وشحة المؤن. والفصل الثاني، يتعلق بسنوات نهاية الحرب، وما تلاها. والثالث يتضمن علاقة اليهود بكل من الكورد والعرب، خلال سنوات 1941-1951م، من خلال آثار مذبحة الفرهود، التي لحقت بيهود بغداد، بعيد فشل ثورة (رشيد عالي الكيلاني)، ورفاقه الضباط الأربعة، في حزيران سنة 1941م، فضلا عن الآثار المترتبة على إعلان قيام دولة إسرائيل في 15مايس/أيار 1948م، وما تلاه من ملاحقة اليهود، وسجنهم، بتهمة العمالة للحركة الصهيونية، ولدولة إسرائيل، بجانب الضغوط الاقتصادية على اليهود، قبيل هجرتهم إلى فلسطين، من خلال شراء دورهم ومقتنياتهم بأثمان بخسة.
في استهلال الكتاب، أو التمهيد له، يذكر الكاتب ما نصه: " لم يعد هناك وجود لكوردستان المذكورة في كتابي هذا. هاجر الكورد اليهود إلى إسرائيل، كما هاجر كثيرون من الآثوريين المسيحيين إلى العديد من الدول الغربية، في حين يعيش الكورد المسلمون في خضم الجيشان والثورات والحروب التي غيرت خارطة كوردستان".
في الخلفية التاريخية تطرق الباحث إلى لفظة الكورد وكوردستان، التي وردت في المصادر القديمة من السومرية والآشورية والإغريقية واللاتينية، وفي إشارته إلى المصادر الآرامية على أنها ذكرت (بيت الكورد وكوردستان)، في إشارة إلى (بيث قوردايا)، ولكنه جانب الصواب في تطرق الكتاب المقدس، وبالتحديد( الإنجيل)، إلى (جبال آرارات) على أنها جبال الكورد وكوردستان، والصحيح أن (التوراة) هي التي ذكرت الجبال المذكورة، ولكن تم تعريفها في ترجمة " أونكيلوس" الآرامية، في القرن الرابع الميلادي، على أنها (جبال الكورد وكوردستان)، وعلى الشاكلة نفسها قدم (التلمود)، في القرن السادس الميلادي، إشارات قليلة أخرى للكورد والكورديين.
وبشأن عدد اليهود الكورد، فإن (زاكن) يقدر عددهم، قبيل هجرتهم الجماعية إلى فلسطين (إسرائيل)، في الأعوام (1951-1952م)، بحوالي خمسة وعشرين ألف نسمة، يتوزعون على مائتي قرية، والعديد من المدن والقصبات. وفي الوقت نفسه، كان هناك ما يقارب عشرون ألف نسمة، على الأكثر، من أصل كوردي، يقيمون في إسرائيل (نقلاً عن مارتن بروينسن-1978م)، وغالبية هؤلاء اليهود قدموا من كوردستان العراق، وكانوا متواجدين في مناطق: الموصل، زاخو، دهوك، عمادية، زيبار، كما كانوا يقيمون في مناطق: كركوك، أربيل، السليمانية. ويركز كتابنا الحالي على اليهود الذين عاشوا شمال نهر الزاب الكبير، وشرق نهر دجلة، فضلا عن كورد السليمانية.
موقف اليهود من شيوخ وآغوات كوردستان
في مسحه لخمسة مناطق كوردية، وهي: زاخو، ودهوك، والعمادية، وشنو، والسليمانية، يتطرق (زاكن) - نقلا عن رواته من اليهود- إلى أن هناك بعض الآغوات، وشيوخ الطرق الصوفية، وبعض علماء الدين، كانوا يضطهدون اليهود، ويعتدون عليهم، من ناحية أخذ أموالهم، واتخاذهم عمالاً للسخرة، على أساس أنهم كانوا أشبه بالعبيد لدى آغوات القبائل ، ويأتي بأمثلة مباشرة، مع ذكر الأسماء بكل دقة، في الوقت الذي يشيد بآخرين من تلك الطبقات، مع الإشارة إلى الأسماء، وتوقيت الحوادث.
ففي (قضاء زاخو)، التي كانت أولى محطاته، على أساس أن أصوله العرقية ترجع إليها، وينقل عن أحد رواته، وهو المعلم (ليفي)، واستناداً إلى رواية شفوية:" فإن رجال قبيلة سليفاني قد شيدوا مدينة زاخو، وتقع أراضيهم جنوب المدينة، وأقامت أسرة شمدين آغا في زاخو، وتعود أصولها إلى قبيلة سليفاني".
وفي معرض الإشارة إلى شخصيات وأغوات زاخو، نراه يشيد بأسرة (شمدين آغا)، ويكيل المدح إلى غالبية أبناء هذه الأسرة القوية، والغنية، في تلك الحقبة، من منتصف القرن التاسع عشر، لغاية منتصف القرن العشرين، بعيد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ووفاة الشخصية المعروفة (حازم بك) عام 1954م. "ومع نهايات القرن التاسع عشر فما فوق، سيطرت أسرة شمدين على جميع المسلمين واليهود والمسيحيين في زاخو وضواحيها، وكان (عاصف بك) أول شخصية اشتهرت من الأسرة، وأصبح ابنه (حازم بك) (1895-1954م) أقوى رجل في زاخو، وكان أكثر الناس ثراءً في المنطقة، كما كان رجل أعمال يمتلك مائة حانوت في زاخو، إلى جانب الأراضي الشاسعة التي يمتلكها خارج المدينة، وكان سياسياً مرموقاً، فكان مندوباً لمرات عديدة، عضواً في البرلمان، وفي مجلس الأعيان(=مجلس الشيوخ العراقي)، كما كان وزيرا بلا وزارة، فترة قصيرة من الزمان في الحكومة العراقية. وكان أعمامه، وأولاد أعمامه، رجالاً متنفذين كذلك. وكان عمه (محمد آغا) عمدة زاخو، وعضواً في البرلمان، حتى وفاته عام 1923-1924م، في حادث سقوط طائرة، واحتل ابنه (حجي آغا) مكانه عمدة للمدينة. وهناك ابن عم آخر لحازم بك وحاجي آغا وهو: عبدالكريم آغا بن حجي رشيد بك، ولم يكن عبدالكريم آغا يتمتع بنفوذ رسمي، كغيره من أعضاء الأسرة، ولكنه كان "أفضل آغا" يقدره مجتمع زاخو اليهودي...".
وفي الإشارة إلى احترام آغوات زاخو للشخصيات اليهودية، يقول المؤلف :" فقد كان (حازم بك) يقف احتراما لـ"موشي كاباي"، مختار زاخو الثري، كما كان (عبد الكريم آغا) ينادي "مرداخ ميرو زاكن"(=أحد أفراد أسرة المؤلف) بكلمة "خالو"، لأن خاله في الواقع "جميل آغا" رئيس آغوات السندي، كان يوفر له الحماية والرعاية".
وبخصوص عدد قرى قبائل (السندي) و(الكولي) و(السليفاني)، يقول: بأن قبيلة كولي تمتلك ثماني قرى، وسندي اثنتي عشرة قرية، وسليفاني أربع عشرة قرية، وهذا خطأ، لأن هذه العشائر المذكورة تمتلك أكثر مما ذكر بكثير.
وبشأن آغاوات قبيلة سندي، الذين كانوا يقيمون في منطقة (كلي بس آغاية) :" فقد كانوا الأسياد القبليين لمعظم يهود زاخو، وأكثرهم تجار، أو باعة متجولون، ينتقلون في مناطق سيادتهم. وكان الآغوات خلال الأجيال الأربعة الأخيرة: آقوب (يعقوب آغا)، وولده" عبدي آغا "، وابني عبدي آغا: جميل آغا، وصالح آغا(توفي عام 1945م)، وأبناء " جميل آغا ": عبدي آغا ، وبشار آغا. وقد منحت قبيلة سندي حمايتها للكثيرين من اليهود".
وكان مقر (جميل آغا) يقع في قرية (دار هوزان)، شمال غرب (زاخو)، ولكنه كان يقضي الصيف في (صاركى)، أو في قرية (مارسيس)، في الجبال القريبة من الحدود العراقية التركية.
وبشأن العلاقات الاجتماعية، والعلاقات التي تربط بين رئيس قبيلة السندي ويهود زاخو، يقول الآتي: " عندما تزوج (عبدي آغا)، ابن (جميل آغا)، في العام 1945م، اعتبر الرواة اليهود ذلك العرس حدثاً هاماً في حياتهم الاجتماعية ، كما اعتبروا دعوتهم لحفل الزفاف هذا، شرفاً كبيراً، كونهم ضيوفاً في حفل عرس ابن الآغا... وحتى في إسرائيل، وبعد أكثر من أربعين عاماً من الهجرة إليها، اعتبر الرواة اليهود دعوة العرس هذه دليل احترام كبير يكنه لهم الآغوات. وكذلك عندما تزوج (بشارآغا)، ابن (صلاح آغا)، زوجته الثانية من قبيلة (هاجان) من (الكوجر)، أقيمت احتفالات ما قبل العرس(الخطبة والشبكة) في منزل أسرة(مرداخ – مردخاي ميرو بيزاكن) اليهودية في زاخو، وشعر اليهود بالفخر بسبب احتفال الزواج هذا...".
ومع هذا المدح لرؤساء قبائل السليفاني والسندي، فإنه يشير، في موضع آخر، إلى المذابح التي قام بها كورد زاخو ضد اليهود فيها، بقوله: " ... فهناك رسالة تذكر شكوى قدمها قادة يهود زاخو عام 1892م، تقول بأن الكورد يقومون بمذابح منظمة ليهود المدن، ويحرقون منازلهم، ومعابدهم. وقتل سبعة من اليهود، وألقي القبض على معظم الناجين، وعرضوهم للتعذيب الشديد. كما ضوعفت الضرائب المفروضة عليهم بشكل كبير جداً، فغرقت المدينة، وتهدم مائة وخمسون منزلاً يهودياً".
وفي السياق نفسه، يشير في هامش الصفحة (45)، إلى مذابح كثيرة وقعت ليهود السليمانية، في عام 1895م، وتم الاعتداء فيها على نسائهم، وانتهكت أعراضهم، ونهبت محلاتهم، مع الإشارة إلى مقتل سبعة من يهود (قرية صندور)، الواقعة شمال مدينة (دهوك)، بعد خمسين عاماً، وبالتحديد سنة 1941م.
ولم ينس الكاتب التطرق إلى الحادثة التي وقعت عام 1925، وكيف أن (جميل آغا) أرسل بعض رجاله إلى (قرية بيرسفي) المسيحية، الواقعة شمال شرق زاخو، طالباً بعض الحبوب، مع ستة من البغال، ولكن مختار القرية (ميشو بن زيرو) رفض طلب (جميل آغا)، وكان يأمل أن مطاردة الحكومة ستبعده، وتمنعه بذلك من شن غارة على (بيرسفي)، لأنه قبل ذلك كان قد قتل سنة 1925م ستة من رجال الشرطة في كمين نصب لهم قرب (قرية شرانش)، وهرب على إثرها إلى داخل الأراضي التركية، ولكن رجال (جميل آغا) نصبوا كمينا للمسيحيين السائقين للبغال، التي تحمل الأخشاب، قادمين من (بيرسفي) إلى (زاخو)، لمصلحة يهود زاخو، وتم قتل ستة منهم بالفؤوس، وتم سرقة بغالهم. وفي حادثة أخرى يشير إلى أن أحد الأرمن، من سكان (قرية ديهي)، قام بتوجيه السباب إلى (جميل آغا) بصوت عالٍِِ أمام الناس، وسحب (جميل آغا) خنجره وأراد أن يرديه قتيلاً، ولكنه لم يستطع فعل ذلك أمام الناس، وبالقرب من مركز شرطة زاخو، ولكنه بعد سنة أو سنتين أرسل أحد رجاله (محي مجولي)، بصحبة تاجر يهودي (هارون جودو)، الذي روى الحكاية لمؤلفنا: ذهبنا سوية إلى منزل المسيحي، في (محلة كيسته) في (زاخو)، وطلب مني (محي مجولي) أن أقتل الأرمني المسيحي، بينما هو يمسك به، فرفضت ذلك، وطلب مني أن أمسكه، بينما هو يقتله، ولكني رفضت عرضه الثاني، وأخيرا أمسك به، وقتله، وهو نائم في فراشه، وأمر زوجته ألا تفتح عيونها، وإلا قتلت هي الأخرى، وأخذ برماله (غطاء فراشه)، وعدنا أدراجنا إلى قرية (دار هوزان) مقر جميل آغا، وعندما بزغ الفجر أنواره، وجدنا الدماء تغطي ملابسنا.
ويناقض الباحث نفسه، عندما يذكر في مكان آخر (ص76)، كيف أن رؤساء (قبيلة سندي)، كانوا حماة (يهود زاخو)، وما يحيط بها، كما كان (آقوب آغا، وولده: عبدي آغا)، ثم ولدي عبدي آغا: (جميل آغا، وصلاح آغا)، الآغاوات الرئيسيين لتلك المنطقة، خلال النصف الأول الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، وإن هؤلاء الآغوات كانوا أقدر، بل أكثر قدرة، على حماية اليهود من الحكومة نفسها. وينقل عن المنصر الاسكتلندي – البريطاني قوله: " إن رئيس بارزان، وعبدي آغا، من قبيلتي سندي وكولي، من أهم رؤساء القبائل في تلك المنطقة، في بداية القرن العشرين، بمقارنتهم مع مير برواري (حجي رشيد بك)، ومع آغا جالا (=جلى في كوردستان تركيا)، الأقل شأناً وسطوة". ويستطرد (زاكن) نقلا عن (ويكرام) قائلاً:" ربما يكون عبدي آغا من سندي- كولي أفضلهم جميعاً، فإنه كان كان يمتلك قلعة رائعة التكوين، لم تتمكن أية قوات حكومية من التغلغل فيها، وكانت قيمته تعادل قيمة جاره شيخ بارزان(= الشيخ عبد السلام الثاني)، وتلك القلعة قوية شامخة، في هضبة تانينا(سنديا)، وهي هضبة مسطحة قوية تقع بين الجبال (= شمال مدينة زاخو، على الحدود العراقية التركية)، حيث توجد غابات ومياه تكفي جميع أفراد القبيلة (=السندي).
وعند عرض هذه الواقعة على الدكتور (لزكين عبدي جميل)، حفيد آغا عشيرة السندي (جميل آغا)، أنكر هذه المعلومة بشدة، وقال: هذه من أكاذيب رجال يهود زاخو، وأضاف بأن جده(= جميل آغا) كان حامي حمى يهود زاخو، وأن الذي قتل الشخص الأرمني هو أحد أهالي مدينة زاخو حصرا، ومن جانب آخر فإن مسيحيي (قرية بيرسفي) هم من أتباع وأنصار جده، فكيف يقوم بقتلهم وإيذائهم؟
وفي الفصل الثاني، تطرق الباحث إلى قضاء عقرة (ئاكرى)، وذكر معلومة مهمة، وهي أن يهود عقرة تركوها بشكل جماعي، بسبب حاكمها، الذي كان يخلق لهم المشاكل حسب تعبيره. وينقل عن الرحالة اليهودي (بنيامين الثاني)، عن عدة غارات قام بها مسلمون كورد، ضد النساء اليهوديات، اللاتي كن يأخذن حمام التطهير الطقسي، بالقرب من الكنيس، خارج المدينة.
ويسرد الباحث إحصاءات بعدد اليهود، اعتبارا من منتصف القرن التاسع عشر، حتى منتصف القرن العشرين، حيث زاد عدد يهود عقرة زيادة طفيفة، بدون ذكر السبب. ويبدو أن قيام حركات بارزان ضد الحكومة الملكية العراقية، في سنوات 1931-1932م، وسنوات 1943-1945م، بقيادة الشيخ (أحمد بارزاني) و(ملا مصطفى البارزاني)، جعلت الكثير من يهود بارزان، وقرى عشيرة الزيبار، يلتجئون إلى مدينة عقرة.
بعدها يتطرق إلى ذكر أسرة يهودية مشهورة، خلال الثلاثة أجيال الماضية، وهي أسرة (الخواجه خينو)، التي كانت تترأس المجتمع اليهودي في (عقرة)، وكانت تقيم علاقات واسعة مع الآغوات والموظفين الرسميين، الذين اعتادوا على زيارة هذه الأسرة، وقضاء أوقات ممتعة معهم، لتناول الطعام والشراب، والاستماع إلى الموسيقى، مع توفير مساعدات مادية ومالية لرؤساء القبائل المحتاجين، في أوقات الشدة. وينقل عن مصدر ميداني، وهو(درويش ناحوم)، الذي كان يعمل كاتباً لدى (خوا جه خينو)، قوله: " اعتاد ضباط الشرطة والجيش زيارته، وكانوا يجلسون ويتناولون الطعام والشراب، ويستمعون إلى بعض الأغاني، التي تُشيع لديهم البهجة، ثم يغادرون ".
وبشأن العلاقة بين اليهود وشيوخ بارزان النقشبنديون، فإنه يشير إلى أن شيوخ بارزان يحظون باحترام فائق لدى الناس في كوردستان، وينقل عن المنصر(المبشر) البريطاني الاسكتلندي (ويكرام)، في كتابه (الحياة في شرق كوردستان)، قوله:" إن شيخ بارزان كان واحداً من أقوى الشخصيات القبلية في كوردستان، وتحدث عن زيارة قام بها لبارزان، حيث قام حراسه بمرافقته، ورجاله، إلى قرية ( بيره كه برا) الزيبارية، حتى وصلنا إلى شواطي النهر(=الزاب)، وعندما ركبنا العبارة انتهت مهمتهم إلى هذا الحد. إنهم لن يرافقوننا عبر النهر، لأنه يعود إلى أراضي شيخ بارزان، وأحست الحكومة(=العثمانية) ببعض الزهو، لتلك اللياقة التي أبداها بمرافقتهم عبر أراضيهم...".
ومن جانب آخر، أكد (ويكرام) على تواضع شيخ بارزان (عبدالسلام الثاني)، عندما قارنه بغيره من رؤساء القبائل، حتى الأقل قوة، قائلاً: " إن أولئك الرؤساء، حتى الأقل سطوة، يعيشون في القصور"، في حين كانت منازله بين رجاله، ولا يتعدى مكان إقامته عدة منازل متجاورة، وكانت القرى في منطقة بارزان مزدهرة، والشيخ نفسه كان حكيماً، رحيماً، معروفاً بعدالته في التعامل مع أتباعه. وعندما نشب النزاع بينه وبين الحكومة، وأصبح فاراً في الجبال، قطف ثمار معاملته الطيبة لفلاحيه، لأنه لم يوجد إنسان واحد، مسلم أو مسيحي، يقوم بخيانته، ويسلمه لأعدائه".
ويواصل (ويكرام) إبداء تعاطفه مع شيخ بارزان، من خلال كرم الشيخ، وحبه للخير، ليس فقط تجاه أتباعه المسلمين، بل تجاه من لم يكن مسلما.
بعدها يغير الباحث مجرى الحديث، فينقل عن تقرير خاص بأخبار منطقة (العمادية)، صادر في كانون الأول عام 1913م، واستناداً إلى أقوال أحد المبشرين المحليين: " قام الشيخ البارزاني (= عبدالسلام الثاني) بشن غارة على بضع قرى (=عشيرة نيروه)، ثلاث منها آشورية(=نسطورية)، وست كوردية. وأعملوا فيها النهب والسلب، وقتل ستة من اليهود. وكانت تلك الغارة رداً على رفض رجال قبائل(نيروه- ريكان) مساعدته في هجوم تم التخطيط له على قبيلتي (جال) و(تخوما) الآثوريتين".
ويطرح الباحث تساؤلاً:" ولكن لماذا قتل هؤلاء اليهود المساكين"، وينقل عن المبشر ناقل الخبر: "إنه شيء غير مفهوم". بعدها يحاول الباحث تحليل هذا الخبر المفاجئ، لأن ذلك التقرير يثير الشكوك والمواقف الصادقة لشيوخ بارزان تجاه الكورد اليهود، ويحاول الإجابة قائلاً:" لأن مختلف التقارير، الصادرة من مصادر متنوعة، حول المعاملة الكريمة التي يبديها البارزانيون تجاه اليهود".
وهذا ما يتناقض إلى حد كبير مع أساس العلاقات الجيدة بين اليهود وشيوخ بارزان، حيث يشير الكاتب بوضوح إلى ذلك من خلال قوله": يبدو أن شيوخ النقشبندية، خاصة الشيخ أحمد، والملا مصطفى البارزاني، يرتبطون بعلاقة حسنة خاصة مع اليهود الكورد الذين يتمتعون برعايتهم... وزيادة على ذلك يتحدث الرواة من يهود مناطق: شنو، ميركه سور، سركاني، وديانا، يتحدثون عن المواقف الإيجابية للبارزانيين تجاه اليهود".
وكان لشيوخ بارزان علاقات وطيدة مع أسرة (خواجه خينو)، أهم وأشهر أسرة يهودية في مدينة (عقرة)، خلال الأجيال الثلاثة الماضية، يشهد بذلك طلب السلطات العثمانية (=حكومة الاتحاد والترقي) في العراق، من (خواجه خينو) التوسط بينها وبين الشيخ عبدالسلام الثاني البارزاني، أثناء حركته في بداية القرن العشرين. ففي حين يؤكد الباحث أنه لا يوجد مصدر آخر يؤكد هذه الرواية، سوى تراث أسرة (خواجه خينو)، وينقل الباحث رواية عن (آرييل كاباي)، أحد أفراد أسرة (خينو)، مفادها: "عندما وصل جدي إلى بارزان... حضر الجميع للترحيب به: الشيخ عبد السلام (ولد عام 1882م)، محمد صادق، والشيخ أحمد (ولد عام 1884م)، الملا مصطفى البارزاني (ولد عام 1903م)، مع جميع أبنائهم. أخبرهم أنه قد حضر إليهم للتوسط في تلك القضية، وقالوا له: لن يحدث أي سوء لك. وكل ما تقرره سنقبل به، ولكن لو حضر شخص آخر، ما كان قادراً أن يصل هنا، لأننا نراك إنساناً محترماً... لقد حدثت تلك الزيارة أثناء احتفال اليهود بعيد الهيكل... وكان من المستحيل أن يغادر قرية بارزان، وقالوا له: سوف نبني لك الهيكل هنا... وبالفعل أقاموا خيمة كبيرة له، وولموا الوليمة، وجاء جميع يهود قرية بارزان ليتناولوا الطعام، الذي تم إعداده وفقاً للشعائر اليهودية في الهيكل".
ويستطرد الباحث الحديث حول العلاقة المتينة بين أسرة شيوخ بارزان، من خلال كلام للزعيم الكوردي (الملا مصطفى البارزاني)، أثناء حضوره حفل تعزية وكيل (خواجه خينو)عام 1944م، واستلام (البارزاني) لهدية من زعيم يهود عقرة (الخواجه خينو) بمناسبة حضوره، عبارة عن خنجر ذهبي مرصع بثلاثة فصوص ذهبية، حيث قال بالنص، أمام العديد من رؤساء القبائل الكوردية في مدينة عقرة، ما نصه:" تعرفون جيداً أن تلك الأسرة(=الخواجة خينو) عزيزة على قلبـي... وينظر الجميع إلينا وكأننا أسرة واحدة، رغم اختلاف ديننا، أنا لا أريد أن يصيبهم أي أذى". وينقل (زاكن) عن الكاتب اليهودي الآخر (أميل مراد)، بخصوص الخطاب الهادف الذي ألقاه (الملا مصطفى البارزاني) في تلك المناسبة، وقد أنهى خطابه بقوله: " أحب كثيراً اليهود، ومن يفكر في إيذائهم فالويل له مني".
ويواصل الباحث الحديث عن الأصول التاريخية لأسرة شيوخ بارزان، بقوله: " تاريخياً يوجد شيخان يحملان اسم عبد السلام: أولهما (عبدالسلام إسحق)، جد (الملا مصطفى البارزاني)، الذي أعدمه الأتراك شنقاً في (الموصل)، عندما وصل إليها للتفاوض حول تسوية لتمرده في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أما ثانيهما، (عبد السلام) المرشح المفضل ليستقر في الصورة... وعبد السلام هذا، هو الشقيق الأكبر للملا مصطفى البارزاني، وتم شنقه في الموصل عام 1914م..." .
بينما يشير مصدر آخر (حسن أرفع) في كتابه: الشعب الكوردي- دراسة تاريخية وسياسية، إلى أن اسم جد الشيخ أحمد هو (إسحق بن يعقوب)، وجده الأكبر(=يعقوب) كان قد جاء إلى (بارزان) من قرية (بحركى)، التي تقع على بعد عشرة أميال شمال مدينة (أربيل)، ونزل في أطراف (زيبار)، مع عائلته وأفراد قبيلته، على الضفة الشمالية المقابلة من نهر الزاب الأعلى (=الزاب الكبير)، وقد أطلق على المكان اسم (بار- زان)، والذي يعني في اللغة الكوردية: (مكان الهجرة)".
هناك اختلاف في اسم الجد الثالث للملا مصطفى البارزاني بين المرجع اليهودي والمرجع الإيراني، والاثنان يحاولان إرجاع نسب أسرة شيوخ بارزان إلى اليهودية، من خلال تسمية إسحاق ويعقوب.
ولحل هذا الإشكال لا بد من القول إن المعلومات المتعلقة بشيوخ بارزان الأوائل غالباً ما تكون مليئة بالتناقضات، فاستناداً إلى مصادر أخرى، فإن شيخ بارزان (تاج الدين)، كان خليفة لـ(مولانا خالد) الميكائيلي الجاف، واستناداً إلى أخرى، فإنه كان خليفة للشيخ السيد (طه النهري).
أما المصدر الأوسع تفصيلاً، فإنه لا يسمى أول الشيوخ البارزانيين، بل –عبدالرحمن–واستناداً إلى المصدر نفسه، فإن (عبدالسلام الأول) لم يكن ابن (عبدالرحمن)، بل أخاه الأصغر.
والإشكالية التي وقع فيها العديد من المؤرخين والباحثين، أنهم ربطوا لقب (تاج الدين) بــ(الملا محمد)، ولكن الحقيقة أن (الملا محمد) هو والد (الملا عبد الله)، الذي منحه العلامة (الملا يحيى بن خالد المزوري العمادي)، المتوفى سنة 1843م)، الإجازة العلمية، وتاريخ منح الإجازة غير مؤرخ، ولكن يبدو -والله أعلم- أنها منحت لملا عبدالله البارزاني قبيل انتقال الملا يحيى المزوري إلى (بغداد) قادما من (العمادية)، عاصمة إمارة بهدينان، بعد سنة 1825، حيث كان الأخير موضع ترحيب من قبل أمير العمادية (= بهدينان): (زبير بن إسماعيل باشا)، التي دامت أمارته من 1808 إلى 1825م، بعدها أسيئت معاملته، حيث قتل ابنه (ملا عبد الرحمن) على يد أحد أزلام (سعيد باشا) أمير العمادية، كما قتل عمه (علي آغا المزوري)، وابن (هسن جان آغا)، على يد (علي بك اليزيدي)، أمير الطائفة اليزيدية، بتواطؤ أميري العمادية وعقرة: (سعيد باشا) و(إسماعيل باشا). لذا فإن كلمة (تاج الدين) لقب أضيف إلى اسم الشيخ (عبدالرحمن بن ملا عبدالله)، صاحب الإجازة. لأن هذا اللقب شاع استخدامه لشيوخ الطرق الصوفية في تلك الآونة، فالشيخ (حسن شمس الدين أبو محمد) الذي تلقى علومه الدينية من المتصوف المشهور (محي الدين بن عربي) المتوفي في دمشق عام 638هـ/ 1240م)، والشيخ (عدي بن مسافر) الأموي الهكاري، المتوفى سنة 457 هـ/ 1162 م، والمدفون في جبل لالش الواقع شمال شرق مدينة الشيخان (=عين سفني) في كوردستان العراق، عرف بلقب (تاج العارفين)، وعرف مولانا الشيخ خالد البغدادي النقشبندي بلقب ( تاج الدين).
ولم يقتصر استخدام كلمة (تاج) في الألقاب المفخمة للأفراد، وإنما تعداه إلى الاستخدام في عناوين كتب السادة الصوفية كجزء من متطلبات التفخيم، كما هو مدرج في عنوان كتاب (تاج الرسل) لابن عربي.
مما تقدم يثبت بجلاء أن لقب (تاج الدين) اقترن باسم الشيخ (عبد الرحمن بن ملا عبد الله بن ملا محمد) الشافعي الكوردي البارزاني، بعد إجازته للطريقة النقشبندية من قبل الشيخ (السيد طه النهري) الأول.
ومن الجدير بالملاحظة أن بعض الباحثين يعتبرون الشيخ (عبد الرحمن البارزاني) والداً للشيخ (عبد السلام) الأول البارزاني، والصحيح أن الأخير هو الأخ الأصغر للشيخ (عبدالرحمن)، حيث ترك (الملا عبد الله) ثلاثة أبناء، وهم: تاج الدين عبد الرحمن، وعبد الرحيم، وعبد السلام، الذي توفى سنة 1873م في رواية، أو في سنة 1884م في رواية أخرى، وهو موضوع بحثنا.
واستناداً إلى حوليات الرهبنة الهرمزدية الكلدانية، فإن (الشيخ عبد السلام) الأول البارزاني، ابن (الملا عبد الله) كان لا يزال حياً يرزق في سنة 1873م.
وفي الفصل الثالث، يسرد الباحث قصة (مدينة دهوك)، المقر الرئيسي لـ(قبيلة الدوسكي)، مع ثمانين قرية أخرى (=الصحيح أن قبيلة دوسكي كانت تضم حوالي 125 قرية).
ويتطرق في البداية إلى وجود جالية يهودية ومسيحية مع المسلمين، يقيمون في مائة منزل، بعدها يذكر أن الكورد يشكلون غالبية سكان المدينة، من خلال سكنهم في خمسمائة وخمسين منزلاً، يشغل المسيحيون خمسة وستين منزلاً، واليهود ثلاثين، إلى جانب عدد كبير من النسطوريين (=الآثوريين)، وعدد أقل من المسيحيين الكلدان، هاجروا من من مناطق (جزيرة بوتان) و(هكاري)، بعد الحرب العالمية الأولى، وهذا ما زاد من نسبة سكان (دهوك)، حيث وصل تعدادهم في سنة 1929 إلى (29858) تسعة وعشرين ألفا وثمانمائة وثمانية وخمسين نسمة، أغلبهم من الكورد المسلمين، وتعدادهم (18307) نسمة، والمسيحيون وتعدادهم (5784)، والعرب المسلمون وتعدادهم (2068)، واليزيديون وتعدادهم (2870)، واليهود وتعدادهم (829) نسمة.
وبمقارنته بالمدن الكوردية الأخرى، فإن (دهوك) كانت تستوعب أكبر عدد من اليزيديين، ويبدو أن الباحث يقصد باليزيديين المتواجدين في القرى القريبة والتابعة لقضاء دهوك، وإلا فلا وجود لليزيديين في مركز مدينة دهوك حصراً، ويعزو الباحث سبب ذلك بقوله:" ... فإن اسمها القديم هو دهوكى داسنيا، أي: دهوك اليزيديين، ولكنها أقفرت بعد المجازر التي خضع لها اليزيديون. وبعد ذلك جاءها المسيحيون واليهود ليقيموا فيها".
وبخصوص آغوات وشيوخ منطقة دهوك، فإن الباحث يخصص عدة صفحات من الفصل للحديث عن (سعيد آغا دوسكي) وأولاده، بعدها يحاول التعريف بسلفه (حسن آغا)، من خلال ذكريات (ساسون ناحوم)، من يهود دهوك: " حسن آغا كبير آغاوات دهوك في بدايات القرن العشرين، والذي وقف إلى جانب روسيا ضد تركيا (= الدولة العثمانية)، أثناء الحرب العالمية الأولى. هرب (حسن آغا) مع قواته القبلية إلى روسيا، ولم يعد بعد ذلك مطلقاً، وحل مكانه (سعيد آغا) ابن عمه، وكان (سعيد آغا) أكبر حاكم قبلي في (دوسكي) (بالآرامية الحديثة: دوستيكنايه)، وتمتد منطقة نفوذه من محيط (دهوك)، صعوداً إلى شواطيء نهر الخابور، ويعود أصله إلى (قرية كرمافا)، وتصف التقارير الحربية البريطانية (سعيد بك) 1890-1947م، القادم من (كرماوا- كرمافا) بالقرب من دهوك: الرجل القوي الوحيد في قبيلته، ويتمتع بنفوذ كبير، ولكن الآخرين أقل قوة، وأدنى منزلة، أقل كثيراً من مجرد مخاتير القرى، ويراه البريطانيون رجلا حساساً، وليست شخصيته قوية بشكل خاص. ويقدرون مساندته للحكومة أثناء عملية (1922م) في وادي زيبار، وصموده المتواصل أثناء الاضطرابات في منطقة دهوك، عام (1925م)، أثناء زيارة لجنة الحدود، في الوقت الذي تبنى فيه معظم آغوات دوسكي موقفاً معادياً للحكومة. وبعد استقلال العراق انتخب مندوباً، أو عضواً برلمانياً، عام 1938م، ومرتين آخرين في عام 1944م وعام 1947م".
لقد كانت ذكريات اليهودي الدهوكي (ساسون ناحوم) يشوبها الغموض، لأن (حسن آغا) الدوسكي ذهب مع مقاتلي قبيلته الدوسكي إلى إيران للقتال إلى جانب الدولة العثمانية، أثناء الغزو الروسي لشمال إيران، وتوفي فيما بعد في مدينة (مهاباد) إثر مرض ألم به، ودفن هناك.
أما بخصوص التقرير العسكري البريطاني، فقد كان دقيقاً إلى حد كبير، فقد انضم (سعيد آغا) إلى جانب الحكومة البريطانية، فيما انضم (سفر آغا ابن عمر آغا)، أحد زعماء قبيلة الدوسكي، إلى جانب الحكومة العثمانية، ضد المحتل البريطاني، ويبدو أن موقفه هذا كان أحد أسباب اغتياله عام 1924م، أثناء تواجده في قرية (بيرافات)، التابعة لعشيرة الدوسكي، والواقعة في السفح الغربي لـ(جبل كمكا).
ويمضي التقرير العسكري البريطاني في التحدث عن أبناء (سعيد آغا) الثلاثة بالقول: " انتحر ابنه إسماعيل، ويقال إن السبب هو نصرته للقضية القومية الكوردية (=عضويته في حزب هيوا) بقيادة البارزاني، متخذاً بذلك موقفاً مناهضاَ لوالده، المعروف بميوله الإنكليزية، وتأييده لسياسة الحكومة... والابن الآخر (ديوالي)، الذي خلف والده (سعيد آغا) في زعامة العشيرة. ويستطرد قائلاً " يتفق الرواة اليهود على أن (ديوالي)، ووالده، انتهجا سياسة الابتزاز، وجمع استحقاقاتهم التقليدية. ويقدمه الرواة اليهود آغاً قبلياً، أقل لباقة وتهذيباً من والده سعيد آغا...". وهذا لعمر الحق تجاوز على (ديوالي آغا)، فالجميع يتفقون على أنه كان شخصية جذابة، متوازنة، خدم اليهود والنصارى واليزيديين، قبل أن يخدم أبناء قومه المسلمين، وروايات معتنقي الأديان المارة الذكر، فضلاً عن سيرة حياته لدى أهل منطقة بهدينان عامة، ودهوك خاصة، شاهدة على ذلك، إلى ساعة اغتياله غدراً، بسبب مواقفه الوطنية والإنسانية.
من خلال ما تقدم، يبدو أن بعض الحوادث الخاصة ببعض اليهود، أثرت على طريقة تعامل الرواة اليهود مع (ديوالي آغا) الدوسكي، فإن أغلب الاتهامات جاءت من المدعو (سعيد جمليلي)، ابن حاخام باشي دهوك في تلك الحقبة، لأنه كانت لديه مشاكل مالية واجتماعية مع بعض يهود دهوك، وعندما كان (ديوالي آغا) يحاول إيجاد الحلول لها، التي تتفق مع الأعراف القبلية آنذاك، فإنها لم تتفق مع ما يرغب فيه (سعيد جمليلي).
ومن جانب آخر، فإن القضية التي أثارت ردود فعل (ديوالي آغا) حول اليهود، هو أن (حزكو إيللو) قد أثار حفيظة (ديوالي) ضد اليهود، عندما أخبره أنه في يوم الغفران " لعن اليهود ديوالي في الكنيس"، وكان الحاخام الذي بدأ بلعن (ديوالي) هو (بنيامين جمليلي) والد يوسف جمليلي، والقصة تبدأ من هنا، ولمن أراد المزيد فعليه بمراجعة الكتاب نفسه (الصفحات 124-131).
بعدها يتطرق الباحث إلى موضوع آخر، وهو علاقة (الشيخ عبيدالله بن الشيخ نور محمد البريفكاني) بيهود دهوك، حيث يعرفه بالشكل الآتي: " كان الشيخ (عبيدالله البريفكاني) أحد الرؤساء الدينيين في منطقة دهوك، الذي يرتبط بعلاقات خاصة مميزة باليهود، ويقال إنه اهتم بمعرفة التوراة، حيث قام أحد الأحبار المحليين بترجمة جزء منها، خلال منتصف 1920، وبدايات 1930م".
وفي اعتقادي أن (الشيخ عبيدالله البريفكاني) كان يحاول الاطلاع عن كثب على الكتاب المقدس لليهود (التوراة)، حيث لم يتسن له الحصول على الطبعة العربية للكتاب المقدس، التي كانت متوفرة آنذاك في مطابع بيروت، أو على أقل تقدير لم يكن على علم بوجود طبعة عربية خاصة بالتوراة. لذلك من الأهمية بمكان تقدير الحبر اليهودي (شالوم شيمون)،كبير حاخامات دهوك، الذي أخذ على عاتقه ترجمة بعض أسفار التوراة، وتدريسها للشيخ، ابتداء من 1920 لغاية 1936م عندما هاجر إلى فلسطين، وهذا ما بدا واضحاً في قول الباحث:" كان الشيخ محبا لليهود، وقد شعر بحزن عميق بسبب سفر الحاخام إلى إسرائيل(= فلسطين)، ولأنه لم يستطع مواصلة دراسته".
بعدها يشير الباحث إلى حادثتين، كانتا لها تأثير كبير في مشاعر الشيخ تجاه يهود، ففي الرواية الأولى، التي جاءت بصيغة التمريض:" يقال إن ابن الشيخ عبيدالله المريض (= نور محمد)، أراد الصلح مع أعمامه، الذين ابتعد عنهم بسبب بعض المنازعات، وفي ذات الوقت طلب الشيخ عبيدالله من الجالية اليهودية، وعبر خادمه (شابو شيمون)، أن يقيموا الصلوات عسى الله أن يمن على ولده بالصحة، وبعد ذلك بشهرين تم الصلح بمشاركة العديدين من الأعمام: الشيخ نوري (= ابن الشيخ عبدالجبار)، والشيخ عبد الرحمن الأتروشي، والشيخ محمد المماني، وإحدى العمات (مريم خاتون)، وشارك في ذلك أيضاً الكاهن: يوسف البهرو(= خوري كنيسة الانتقال الكلدانية في دهوك)، وإمام دهوك: (= الملا سعيد ياسين، إمام جامع دهوك الكبير)".
ويبدو من خلال النص، أن الراوي اليهودي قد وضع إمام جامع دهوك الكبير في المرتبة الأخيرة، وهذا يتأتى من خلال تكملة الرواية، والإيحاء للقارئ بأن العلاقة بين الشيخ عبيدالله وكبير علماء الإسلام في دهوك ليست على ما يرام: " إن الشيخ عبيدالله قد تجادل مع إمام دهوك، قبل شهرين من ذلك الحدث، حول قيام الإمام بإثارة الناس ضد اليهود. ويعرض الحوار التالي كيف أن الشيخ عبيدالله قد دخل في جدال عنيف مع إمام دهوك حول (أركان الإسلام)، وأن الشيخ قد وعد بأن يدفع الإمام مبلغ مائة دينار إذا ما أعد الإجابات خلال شهر واحد، ولكنه لم يستطع!، فيجب عليه آنذاك أن يتوقف عن إثارة الناس ضد اليهود، ولا يتهمني إذا ما أمرت بإعدامه".
ويحاول الباحث تنبيه القارئ على مبلغ إيمان الشيخ بأن (التوراة)، وما فيها، دليل على تفوق الشعب اليهودي! من خلال القول بأن الحبرين اليهوديين (شالوم) و(موشي مانواح)، قد تمكنوا عن طريق الصلاة والتضرع إلى الله والتطهير، مع استخدام الأحجية والتعاويذ (= القبالا – التصوف اليهودي)، من إنزال المطر في فترة الجفاف، ومنع ضبعين من افتراس الجثث في مقبرة المسلمين، وهذا أكبر دليل على الدعاية لليهود ولليهودية، من خلال روايات لا يمكن التكهن بمدى صحتها، لأنها جاءت من مصدر واحد يهودي!
المصدر: http://alhiwarmagazine.blogspot.com/2014/07/blog-post_5149.html