بداية الاستشراق

حمد حميد الرشيدي

 

مع أنني غير متخصص في علم الاستشراق تخصصاً علمياً أو أكاديمياً؛ إلا أنني واحد من المحبين للاطلاع عليه ومتابعة بعض ما كتبه الرحالة والمستشرقون الأجانب (غير العرب) عن الشرق، وبخاصة ما يتعلق منه بتاريخ شبه الجزيرة العربية وحياة شعوبها وعاداتها وتقاليدها وموروثاتها الشعبية واللغوية والثقافية والفكرية.

أولاً يصعب تحديد جنسية أول مستشرق زار جزيرة العرب حتى نستطيع الإجابة بشكل دقيق - كما ورد في السؤال (بداية الاستشراق الألماني) لتمييز المستشرقين الألمان عن غيرهم.

وهذا مرده إلى أن المستكشفين والرحالة خصوصاً الأوروبيين منهم ربما كانت لبعضهم أكثر من جنسية أوعدة جنسيات في وقت واحد، نظراً لتداخل الحدود بين البلدان الأوروبية وانفتاح هذه الدول على بعضها في ذلك الزمان، مثل: ألمانيا والنمسا وسويسرا وغيرها.

ولكن حسب ما اطلعت عليه أن تاريخ الاستشراق وبداية اهتمام الرحالة الأوروبيين بالجزيرة العربية يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي.

أما أقدم أوروبي زار جزيرة العرب، وكتب عن تاريخها وعن سكانها، وله في ذلك كتاب وصف فيه رحلته تلك؛ فهو الرحالة الفنلندي (جورج أوغست فالين)، وكان ذلك عام 1845م من خلال كتابه المعروف بـ(رحلات فالين لجزيرة العرب).

وقد قرأت أنا شخصياً هذا الكتاب، ووجدته عبارة عن مذكرات يومية أو شبه يومية كتبها فالين خلال تنقله في أنحاء متفرقة من شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت. بعد ذلك أتى لجزيرة العرب مجموعة من الرحالة (بعد فالين)، أشهرهم الفرنسي (هوبر)، ثم الرحالة البريطاني (داوتي) في رحلته التي كانت لجزيرة العرب عام 1876م.. وغيرهم.

أهم غايات الاستشراق الألماني

لا أجد - في الحقيقة - فرقاً يلزمنا التنويه عنه، بين الاستشراق الألماني وغاياته، أو دوافعه؛ وبين غيره من نظرائه كالاستشراق البريطاني أو الفرنسي أو الإيطالي...إلخ.

ومهما كانت دوافع الاستشراق الأوروبي ومهما تعددت جنسياته، فهو ليس سيئاً على الإطلاق، أي أنه كان في جزء منه في صالح العرب والمسلمين عموماً، وإن كان في بعضه الآخر موجهاً للإساءة إليهم بشكل غير مباشر!

ومن حسناته قيام بعض هؤلاء الرحالة والمستكشفين بنقل التراث العربي والإسلامي للغرب أو للشعوب الغربية، وبخاصة لدى ترجمته للغات تلك الشعوب: مثل ترجمة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، أو ترجمة قواميس اللغة العربية القديمة، وبعض المراجع العلمية والأدبية، وأمهات الكتب في التراث العربي.. ونحو ذلك.

وبعض المؤرخين والكتاب يفسرون الاستشراق أنه في بعض من جوانبه تشويه لصورة العرب والمسلمين. وهذا كلام لا ننفيه ولكنه بحاجة إلى تدليل واضح لإثبات ما هو سيء وما هو حسن من الاستشراق بالنسبة إلينا.

أبرز  مجالات الاستشراق الألماني

لعل أبرز هذه المجالات تسابق المستشرقين الألمان فيما بينهم وتنافسهم في ترجمة علوم القرآن والسنة النبوية وقواميس اللغة العربية وأمهات كتب التراث العربي القديم في الشعر والنثر والأدب العربي القديم بشكل عام. بل بلغ الأمر أن يؤسس الألمان أقساماً في الجامعات الألمانية (للدراسات الشرقية)، وتكاد لا تخلو جامعة ألمانية واحدة من هذا التخصص، وبخاصة الجامعات العريقة منها تحديداً. وهذا يدل دلالة واضحة على اهتمام الألمان بثقافة الشعوب العربية وموروثها الفكري والحضاري، مهما كانت الدوافع وراء هذا الاهتمام.

أبرز المستشرقين الألمان

من أبرز المستشرقين الألمان وأشهرهم ممن عنوا بالحضارات الشرقية و(العربية) منها تحديداً؛ نذكر:

- كارل بروكلمان: ولد سنة 1868م، ومن أشهر مؤلفاته كتابه المعروف بـ(تاريخ الآداب العربية)، وهو مؤلف ضخم يقع في عدة أجزاء، صدر الجزء الأول منه سنة 1898م.

- نولدكه: وهذا عالم بالشرقيات، ويعتبر من أشهر المستشرقين الأوروبيين عامة، ولد عام 1836م وتوفي عام 1930م، وهو أشهر من نار على علم في تخصصه بدراسات التراث الإسلامي، لدرجة أن لقبه مفكرو العرب ومثقفوهم بـ(شيخ المستشرقين). له عدة كتب في التراث الإسلامي، أشهرها مؤلفه الضخم المعروف بـ(تاريخ القرآن).

- المستشرقة الألمانية الشهيرة الدكتورة زغريد هونكه: (1913 - 1999م)،

تعتبر هونكه -كما هو معروف- (آخر العنقود) في سلسلة (الاستشراق الأوروبي). لها دراسات وبحوث كثيرة ومؤلفات عن الحضارتين العربية والإسلامية، وأثرهما على حضارات أوروبا. ومن أشهر مؤلفاتها التي يعرفها العرب والمسلمون كتابها المعروف بـ(شمس العرب تسطع على الغرب).

وقد قرأت -أنا شخصياً- هذا الكتاب وأعجبت فيه، لكونه يوثق العلاقة بين الحضارتين العربية والإسلامية وعلاقتها بحضارة أوروبا وتأثير كل من هاتين الحضارتين على الأخرى.

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=4153

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك