التواصل الثقافي العربي: الألماني الاستشراق أنموذجاً

د.علي إبراهيم النملة

 

لا يكاد عمل جاد يحلل موضوع العلاقة بين الشرق والغرب يخلو من التطرق للاستشراق كأحد العوامل المؤثرة في هذه العلاقة والمحددة لها. وتحفل الأدبيات العربية والمعربة بالدراسات العميقة عن الاستشراق بفئاته ومدارسه ومنطلقاته وغاياته، على اعتبار أن الاستشراق استشراقات، وليس استشراقاً واحداً.

ولا بد من التوكيد على عدم التعميم في مواقف المستشرقين عموماً، ففي هذا الجو المشحون بالتحدي والعداوات والكراهية والحروب السجال يظهر مستشرقون، الأصل فيهم أنهم مناصرون لبني قومهم في حملاتهم بفكرهم وعلمهم، وهكذا كان أكثرهم، إلا أنهم مع هذا لم يستطيعوا إغفال الواقع التعايشي في الحواضر الإسلامية.

تركز هذه الوقفة على تأثر الاستشراق الألماني بالثقافة العربية الإسلامية وتأثيره بها، بحيث يمكن القول إن الجهود العربية المتأخرة في عنايتها بالتراث العربي الإسلامي لم تخل من حضور المنهج الاستشراقي، دون أن تغفل سد العجز أو النقص الذي اعترى الإسهامات الاستشراقية، سواء من حيث المنهج المصحوب بالانتماء الثقافي، أم من حيث شمولية التغطية للتراث.

يقول محمد أبو الفضل بدران: (وقد جاءت بعض الدراسات التي تناولت الاستشراق الألماني أبحاثاً جادة ومفيدة، ألقت بعض الضوء على بعضهم، إلا أننا نفتقد دراسة جادة تتناول الاستشراق الألماني ككل، لما يحتله هذا الاتجاه من أهمية بالنسبة لنا نحن، إذ إننا -نحن- موضوع الاستشراق تراثاً وتاريخاً وواقعاً واستشرافاً، وسواء علينا وافقنا على نتائجهم أم اختلفنا حيالها فلن يقلل من أهميتها، ومن ثم دراستها ونقدها).

لا بد من التوكيد -أيضاً- على أن الهاجس في الإسهام في صناعة الكراهية بين الثقافات محدود جداً عند الحديث عن الاستشراق الألماني. والدراسات العربية وغير العربية العديدة التي تناولت نقد الاستشراق أثبتت ذلك بقدر عال من التواتر. ما يعني تقوية الصلة بالاستشراق الألماني، دون الالتفات لسيطرة الهاجس التآمري على الإسلام والمسلمين من قبل بعض المستشرقين الألمان، وإن وجد ذلك عند بعضهم، فإنه يتعامل معه على أنه لا يحتمل التعميم على الاستشراق الألماني كله.

تستحضر هذه الوقفة مقولة جونتر شودل أمام جمع من العلماء بشؤون العلاقات بين الشرق والغرب، متحدثاً عن الارتباطات المتنوعة والإخصاب المتبادل بين هاتين المجموعتين الحضاريتين، حيث عمد شودل إلى تعديد وجوه تأثر الغربيين - لا سيما الألمان منهم - ثقافياً بالعرب، معيداً البدايات الحقيقية لهذا التأثر بالترجمة المباشرة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية سنة 1694م، عندما أصدر القسيس هينكلمان من هامبورج الطبعة الأولى، فأيقظ اهتمام الغرب بالإسلام والعرب.

تذكر المفكرة الألمانية زيجريد هونكه أن (لقاءات العرب والألمان كانت على مدى اثني عشر قرناً من الزمان متميزة ومتأثرة بشكل فريد من أشكال المشاركة الوجدانية ومشاعر الاستلطاف والود. وما ذلك قطعاً دون سبب. فإننا في الحقيقة نجد في طبيعة كل من العرب والألمان بعض السجايا والسمات المتشابهة، منذ العصور الوثنية وقبل أول لقاء بينهما بزمن طويل، فعلى الرغم من الفروق العرقية لا يخفى هذا الانسجام الفريد وذلك الارتباط النادر، الذي لا وجود له البتة في العلاقات بين الشعوب الأخرى).

يعيد ميشال جحا العلاقات الألمانية بالشرق إلى القرن العاشر الميلادي، وذلك عندما أرسل الإمبراطور الألماني أوتو كاهناً يدعى يوحنا سفيراً لدى الخليفة الناصر بالأندلس، وكان ذلك في سنة 956م، وأرسل الخليفة الناصر بدوره أحد القساوسة من رعاياه سفيراً عند الإمبراطور الألماني.

ويذكر نجيب العقيقي أن اتصال الألمان بالشرق يعود إلى الحملة الصليبية الثانية (1147 - 1149م)، عند عودة الزوار (الحجاج) من الأراضي المقدسة في فلسطين، ووصفهم لها ونقلهم عنها شيئاً من حضارتها، وقيام الرهبان بالترجمة عن اللغة العربية بالأندلس، وفيهم الألمان. ويؤيده في ذلك يوهان فوك في كتابه تاريخ حركة الاستشراق.

وما حصل بعد ذلك من اتصال بين الشرق والغرب، ولاسيما في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، فقد كان طابع هذا الاتصال سيطرة حروب الفرنجة، التي انطلق بعضها من ألمانيا نفسها، وقد كان يخضع لرقابة شديدة من قبل الكنيسة. (ولم تظهر أبحاث الاستشراق الحرة إلا من خلال التغيرات الفكرية التي رافقت القرنين الخامس عشر والسادس عشر).

وقد انطلقت العلاقة بين الألمان والمسلمين استشراقياً في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، عندما تحمس بعض المستشرقين الألمان وسعوا إلى تعليم اللغة العربية (ياكوب كريسمان 1554 - 1613م)، بتأليف نبذة مختصرة لفن الخط العربي. ثم عمدوا إلى ترجمة مخطوطات عربية في الفلك والطب، مباشرة أو عن العبرية إلى الألمانية، مثل كتب الفرغاني وأبي الفداء ومختصر المجسطي في الفلك لبطليموس.

يؤكد محمد أبو الفضل بدران ذلك بقوله: (إن الاستشراق الألماني يظل بمعزل عن الاستشراقات الأميركية والبريطانية والفرنسية، وتظل له نكهته المميزة حتى لو اختلفنا معه، وإنا لمختلفون. بيد أن هذا الاختلاف يجعلنا نردد مع الشاعر الألماني الكبير جوته: (من عرف نفسه أدرك أن الشرق والغرب لا يفترقان). وهي مقولة نحن في حاجة إليها الآن، بعد مضي قرنين ونصف القرن من رحيل قائلها، الذي أراه من كبار المستشرقين الألمان الذين أنصفوا الحضارة الإسلامية وتأثروا بها).

ولا يزال الاستشراق الألماني العميق يتأثر ويؤثر، رغم ما قد يقال من أنه أصبح أثراً من الماضي، بفعل قلة البعثات العربية إلى ألمانيا، وندرة الملمين باللغة الألمانية، ومن ثم ندرة الترجمات عن الألمانية إلى عهد قريب.

ومن المؤيدات لعمق الاستشراق الألماني أنه هوجم من أطراف شتى إبان حرب الخليج الثانية، لأن المستشرقين الألمان اقتصروا في خطابهم على الوسط الأكاديمي، ولم يكن لهم ظهور إعلامي يذكر للتعليق الصحفي السريع على تلك الأحداث.

التفاوت في الرؤى

المراجع للأدبيات العربية التي تناولت نقد الاستشراق الألماني يجد التفاوت في الحكم عليه -إيجاباً أو سلباً- فالكتابات ذات الصبغة الإسلامية ترى أن موقف الاستشراق الألماني من الخلافة العثمانية لم يكن إيجابياً، ولاسيما في القرن التاسع عشر الميلادي، وانخراط السياسة الألمانية في المسألة الشرقية، وموقفها من فلسطين ولبنان، وإن سعت ألمانيا في القرن العشرين إلى توظيف الإسلام في جلب دعم المسلمين، وإعلان الخليفة الجهاد ضد أعدائها.

أما الكتابات ذات النزعة القومية فقد وظفت موقف الألمان من المسألة الشرقية والخلافة العثمانية لمصلحتها، وتناست موقف الألمان من فلسطين ولبنان، حينما كان فكرها يدعو إلى الاستقلال عن الخلافة العثمانية، إلى درجة أن يعدها بعضهم شكلاً من أشكال الاحتلال.

ومن منطلق كبح الحماس للاستشراق الألماني وتسويغ هناته قد يقال إنه إن وجد هاجس الاحتلال هذا في تحديد مسار الاستشراق الألماني، فقد تمخض عنه نفع للتراث المخدوم. يقول محمد عوني عبدالرؤوف، وهو يترجم للمستشرق الألماني الشاعر فريدريش ريكرت: (واهتم المستشرقون الإنجليز آنذاك أيضاً بعد احتلال كلكتا عام 1757 بعلوم الاستشراق اهتماماً كبيراً، فنشطت حركة الترجمة وحركة تحقيق النصوص الإسلامية والهندية القديمة، كي يعرف رجال الإدارة الإنجليزية طبيعة الشعب الذي يحكمونه وعقليته).

يقول محمد أبو الفضل بدران: (من السذاجة أن أقول: إن الاستشراق الألماني المعاصر محايد أو مع العرب والمسلمين في قضاياهم، وليس ذلك لمصلحة العرب ولا المسلمين، لأننا في حاجة إلى من ينقدنا بمنهج علمي قد نتفق معه أو نختلف، لكننا في حاجة إليه، حتى نرى كيف يرانا الآخر، لا كما نرى ذواتنا من منظار تضخيم الذات وإعلائها، أو التقليل من شأنها).

ويضيف القول: (ومن هنا فإن بعض المستشرقين الألمان ضد العرب والمسلمين، وضد المنطق أحياناً، إلا أننا في حاجة إلى هؤلاء وأولئك حتى نعرف موطئ أقدامنا في عالم معاصر متغير يسبح فوق بحار الكونية والعولمة، وتختفي فيه المساحات والرؤى الأحادية. وحتى نكشف هؤلاء الذين يسيئون إلينا وإلى تراثنا وديننا ينبغي علينا قراءتهم، ومن ثم نقد ما يكتبون بغية الوصول إلى الحقيقة).

هذه ميزة من ميزات النقد الموضوعي تؤيد الدعوة إلى استمرار الدراسات الاستشراقية العلمية، مهما اعتراها من هنات علمية ومنهجية، لا بد من تفهمها مع ردها وعدم الموافقة عليها من علماء الإسلام، فهذا المجال من الدراسات لا يخلو من الهفوات، نظراً لأن المستشرقين لا ينتمون للثقافة التي يدرسونها، ويفتقر بعضهم إلى إجادة اللغة العربية التي جاءت بها الثقافة الإسلامية، ويتكئ بعض المتأخرين منهم على إسهامات السابقين، الذين لم يكونوا بالضرورة على انسجام مع الثقافة الإسلامية.

السمات

لا يغفل ساسي سالم الحاج جملة من الميزات للاستشراق الألماني تثبت أنه كان من عوامل التأثير الإيجابي في الثقافة الغربية عموماً، والثقافة الألمانية خصوصاً.

فمما يميز الاستشراق الألماني القول تواتراً بأنه لم يخضع كما خضعت الاستشراقات الأخرى لغايات سياسية أو احتلالية أو دينية، ولم تكن الدراسات متصفة بروح عدائية، رغم وجود مستشرقين أتوا بآراء خاطئة تماماً، مثل آراء تيودور نولدكه (1836 - 1930م) عن الشعر الجاهلي والقرآن الكريم. ويرى رضوان السيد أن الزمن قد تجاوز جهود نولدكه ومعاونيه لترجمة معاني القرآن الكريم.

ومن ذلك اتكاء بعض طلائع المستشرقين الألمان على الاستشراق الفرنسي، ممثلاً في سلفستر دي ساسي (1758 - 1838م)، ولكنها، على رأي صلاح الدين المنجد، آراء معدودة. هذا مع غلبة الروح العلمية والموضوعية في تقصي الحقائق والاهتمام بالقديم والتركيز على دراسة التراث العلمي والفني الإسلامي.

وينفي فتح الله الزيادي هذه الميزة، لأن للألمان جمعيات تنصيرية، وكون المستشرقين الألمان الأوائل تتلمذوا على مستشرقين فرنسيين، ولاسيما دي ساسي.

وتؤيده خيرية حسن سفيرة مصر السابقة في ألمانيا بقولها: (ولألمانيا تاريخ طويل مع العالم الإسلامي، فقد شاركت في الحملات الصليبية على الشام والقدس، وجرت مراسلات تاريخية ومكاتبات بين صلاح الدين الأيوبي والإمبراطور الألماني، ثم ما لبثت القبائل التركية في التجمع على حدود أوروبا الشرقية، وسرعان ما تأسست الدولة العثمانية التي كانت تجاور ألمانيا جغرافياً، الأمر الذي أدى إلى الكثير من التواصل والكثير من سوء الفهم أيضا، لكن الأمر أخذ بعداً مختلفاً مع نهايات القرن الثامن عشر، حيث نشط الاهتمام بالشرق من الناحية الدينية والثقافية، وانتشر المستشرقون في بلاد الإسلام محاولين التعرف عليه).

هذا ما جعل الباحث محمد روحي فيصل (1912 - 1969م) يرد على طه حسين (1889 - 1973م) في ادعائه نزاهة الاستشراق الفرنسي وكثرة الباحثين فيه بقوله: (ليس صحيحاً أن الاستشراق الفرنسي يقع في الدرجة العليا، بل الصحيح أن الاستشراق الألماني هو الذي يأتي في طليعة الاستشراق الأوروبي، فدراسات المستشرقين الألمان أعمق وأخصب وأنزه من كل الدراسات التي تناولت بالبحث شؤون العرب والإسلام والشرق، أعان على ذلك سبب واحد - فيما أرى - هو أن ألمانيا لم تكن في يوم من الأيام مستعمرة لبلد من البلدان الإسلامية).

من المؤيدات لهذا الطرح التنبه إلى أن كتابات إدوارد سعيد المشتهرة حول الاستشراق والإمبريالية لم تكن سلبية مع الاستشراق الألماني، لعدم نزوع هذا الاستشراق إلى مجاراة الإمبريالية. (في تناول إدوارد سعيد للاستشراق أغفل -عن عمد- الاستشراق الألماني، وربما كان عامل اللغة حائلاً بينه وبين تناول المستشرقين الألمان)، إلا أن ألكساندر هريدي يخطئ إدوارد سعيد في هذا المنحى.

ويمكن تلخيص ميزات الاستشراق الألماني -مقارنة بالاستشراقات الأخرى- بالمزايا الآتية:

1.أنه لم يخضع لغايات سياسية أو احتلالية أو دينية كالتنصير طاغية عليه، ومن ثم تأخرت بدايات الاستشراق الألماني بالمقارنة بالاستشراق الفرنسي والبريطاني. وبالتالي لم تتصف دراسات المستشرقين الألمان، على الأغلب، بروح عدائية.

2.أنه أميل إلى الاستشراق (التقليدي)، ولذلك نجا مستشرقوهم من العبث بالتاريخ الإسلامي.

3.امتاز الاستشراق الألماني بالعمق والإيغال في البحث والتغلغل بين مجاهله، وارتياد أقصى حدوده على شكل من التدقيق، والشمولية والإحاطة في الدراسة والتحقيق، مع قدر من التفاني في العمل، والصبر والمثابرة. وغلبة الروح العلمية، الني تتسم بالموضوعية والتجرد والإنصاف.

4.اتسم المستشرقون الألمان -ولاسيما القدماء منهم- بالحماس الذاتي، فتحملوا بذلك نشر إنتاجهم، ولاسيما منهم من اتهم بالإنصاف، ولاقوا من ذلك عنتاً كبيراً مثل المستشرق الألماني يوهان يعقوب رايسكه، الذي لم يسلم من اتهامه بالزندقة أو الهرطقة، بسبب من منهجه الإيجابي مع التراث العربي الإسلامي. ومتى كان الإنصاف تهمة تقصي صاحبها من صفوف الطلائع الذين كان لهم قصب السبق في الإسهام في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الغرب؟!

5.ركز على الدراسات الشرقية القديمة، والحقبة الإسلامية، واهتم كثيراً بالآثار والأدب والفن والمخطوطات نشراً وتحقيقاً وفهرسة. منذ القرن السادس عشر الميلادي (1538م) حتى بداية القرن التاسع عشر. ووقف -في بداياته- جهده على دراسة التوراة واللغة العبرية، لتكون مدخلاً لفهم الإسلام واللغة العربية، مع الاهتمام الواضح بوضع المعاجم العربية، والعربية اللاتينية، والعربية الألمانية.

6.كانت اللغة الألمانية هي أم اللغات الأخرى في هذا المجال، وتكاد اللغات الأخرى تكون عالة عليها، مباشرة أو عن طريق اللغات التي أخذت منها. ومن ثم كان الاستشراق الألماني حريصاً على أصالة المستشرق الألماني، محافظاً على صفات الباحث العالم.

7.هناك شبه تحول إلى الدراسات الإسلامية منذ القرن التاسع عشر، فكان مركزاً بوضوح على الدين الإسلامي والبلاد العربية، مع الاهتمام بالآثار والتنقيب عنها، وإنشاء المعاهد الخاصة بذلك في البلاد العربية، والتدريس في الجامعات العربية والإسلامية، وعضوية المستشرقين الألمان مع غيرهم في المجامع العربية والعلمية.

8.أن الاستشراق الألماني -كما تأثر بالاستشراقات الأخرى، حتى يكاد يكون جمع منهم عالة على المستشرق الفرنسي دي ساسي، وقد ترك هذا طابعه الديني عليهم- أثر هو نفسه بالاستشراق الروسي والمجري،  والبلغاري، وغيرها من المدارس الاستشراقية في الشرق الأدنى (الغرب الأدنى) التي تتلمذت على مستشرقين ألمان.

يؤيد هذه النظرة كثير من الذين درسوا الاستشراق من أمثال يوسف أسعد داغر، ومحمد علي حشيشو، وأحمد سمايلوفتش، ومحمد فتح الله الزيادي، الذي ذكر ستة عشر ملمحاً من ملامح الاستشراق الألماني.

المآخذ

ومع هذه الروح العلمية والموضوعية والاهتمام بالتراث العربي الإسلامي، إلا أن رضوان السيد، الباحث الضليع في الاستشراق عموماً والاستشراق الألماني خصوصاً، يؤكد أنه (ما كان الاستشراق الألماني أو غير الألماني قناة رئيسية في التعريف بالعرب والإسلام، أو التواصل بين الغرب والشرق). ولا يبرئ الاستشراق الألماني من الميول الاحتلالية. ويبين ذلك بعدد من الحوادث قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، ولاسيما مع محاولات ألمانيا احتلال بعض الأراضي الأفريقية. وهنا رأي ذو ثقل بثقل متبنيه.

ثم يعود إلى القول بأن المستشرقين الألمان لم يظهروا انسجاماً مع القادة العسكريين والسياسيين. فالحزب الاشتراكي الألماني (النازية) لم يكن يحترم الثقافات والشعوب الأخرى، بما فيها شعوب منطقة الشرق الأوسط. فقد رافق رودي بارت (1901 - 1982م) رومل قائد الألمان (1891 - 1944م) مترجماً في معركة العلمين (23/10 - 4/11/1942م) أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يستطع خدمة رومل، لأنه لم يكن يجيد اللهجة البدوية، بالإضافة إلى أن أدولف هتلر لم يكن يعير الشعوب العربية والإسلامية -مع شعوب وأعراق أخرى- اهتماماً يدعو إلى احتلال أراضيها، أو جعلها جزءاً من الأطماع الألمانية النازية.

ثم إن ساسي سالم الحاج لا يبرئ الاستشراق الألماني من النزعة السياسية والاحتلالية، فقد حيل بين الألمان والاحتلال، رغم محاولات قامت لاحتلال بعض البلدان في أفريقيا. وكما كان من عوامل التأثير الإيجابي للثقافة الغربية كان هو قبل أن يأذن بالتأثير متأثراً بالثقافة العربية الإسلامية. ولو لم يكن كذلك لما كان له هذا التأثير الإيجابي على الثقافة الغربية.

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?id=4150&Archive...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك