العدل مع غير المسلمين
العدل مع غير المسلمين
العدل في معاملتهم ورفع الظلم عنهم
إن من أهم المُثل ومكارم الأخلاق التي جاء الإسلام لحمايتها وتتميمها؛ العدل، والعدل غاية قريبة ميسورة إذا كان الأمر متعلقاً بإخوة الدين أو النسب، وغيرها مما يتعاطف له البشر.
لكن صدق هذه الخُلة إنما يظهر إذا تباينت الأديان وتعارضت المصالح، وهو ما يعنينا في هذا المبحث، فما هو حكم الإسلام في العدل مع غير المسلمين، وهل حقق المسلمون ما دعاهم إليه دينهم أم خالفوه؟
لقد أمر القرآن الكريم بالعدل، وخصَّ - بمزيد تأكيده – على العدل مع المخالفين الذين قد يظلمهم المرء بسبب الاختلاف والنفرة، قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (المائدة: 8).
قال القرطبي: " ودلت الآية أيضاً على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه، وأن يُقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق، وأن المُثلة بهم غير جائزة ، وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا، وغمّونا بذلك؛ فليس لنا أن نقتلهم بمثله قصداً لإيصال الغم والحزن إليهم ".[1]
وقال البيضاوي: "لا يحملنكم شدة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل، كمُثلة وقذف وقتل نساء وصِبية ونقض عهد، تشفياً مما في قلوبكم (اعدلوا هو أقرب للتقوى) أي: العدل أقرب للتقوى ".[2]
وأعلم الله تعالى المؤمنين بمحبته للذين يعدلون في معاملتهم مع مخالفيهم في الدين الذين لم يتعرضوا لهم بالأذى والقتال، فقال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (الممتحنة: 8). فالعدل مع الآخرين موجب لمحبة الله.
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم، وجعل نفسه الشريفة خصماً للمعتدي عليهم، فقال: ((من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة)).[3]
وأكد أن ظلم غير المسلم موجب لانتقام الله الذي يقبل شكاته ودعوته على ظالمه المسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم ((اتقوا دعوة المظلوم - وإن كان كافرًا - فإنه ليس دونها حجاب)).[4]
ولمزيد التأكيد يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بعدم التعرض للمستضعفين من غير المسلمين بالظلم والتسلط، فيقول: ((لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم، فيتقوكم بأموالهم دون أنفسهم وذراريهم، فيصالحونكم على صلح، فلا تصيبوا منهم فوق ذلك ، فإنه لا يصلح لكم)).[5]
لذا لما سأل رجل ابن عباس فقال: إنا نمر بأهل الذمة، فنصيب من الشعير أو الشيء؟ فقال الحبر ترجمان القرآن: (لا يحل لكم من ذمتكم إلا ما صالحتموهم عليه).[6]
ولما كتب النبي كتاب صلحه لأهل نجران قال فيه: ((ولا يغير حق من حقوقهم ، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين)). [7]
أما منتهى الظلم وأشنعه، فهو قتل النفس بغير حق، لهذا جاء فيه أشد الوعيد وأعظمه، يقول صلى الله عليه وسلم : ((من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً )).[8]
قال ابن حجر: "المراد به من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم".[9]
ومن الطريف أن الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وأوغلوا فيها توقفوا عن قتل أهل الذمة خشية نقض عهدهم. قال ابن حجر: " الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم، وتركوا أهل الذمة فقالوا: نفي لهم بعهدهم".[10]
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أيما رجل أمّن رجلاً على دمه، ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافراً)).[11]
قال ابن القيم: " المستأمن يحرم قتله، وتضمن نفسه، ويقطع بسرقة ماله".[12]
ويقول القرطبي: "الذمي محقون الدم على التأبيد، والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقِق ذلك: أنّ المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل على أنّ مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه، إذ المال إنّما يحرم بحرمة مالكه". [13]
وقد ذهب جمع من العلماء على أن المسلم يقتل بقتله النفس المعصومة من غير المسلمين، وتأولوا الحديث الوارد في النهي عن ذلك.
ويروي عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أن رجلاً مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة من أهل الحيرة على عهد عمر، فأقاد منه عمر. [14]
ويروي الشافعي في مسنده أن رجلاً من المسلمين أُخذ على عهد علي رضى الله عنه وقد قتل رجلاً من أهل الذمة، فحكم عليه بالقصاص، فجاء أخوه، واختار الدية بدلاً عن القود، فقال له علي: "لعلهم فرقوك أو فزّعوك أو هددوك؟" فقال: لا ، بل قد أخذت الدية، ولا أظن أخي يعود إلي بقتل هذا الرجل، فأطلق علي القاتل، وقال: "أنت أعلم، من كانت له ذمتنا، فدمه كدمنا، وديته كديتنا". [15]
ويحدث ميمون بن مهران أن عمربن عبد العزيز كتب إلى بعض أمرائه في مسلم قتل ذميّاً،فأمره أن يدفعه إ لىوليه،فإنشاءقتله،وإنشاءعفاعنه. يقول ميمون: فدفع إليه، فضرب عنقه، وأنا أنظر.[16]
ولئن اختلف الفقهاء في مسألة قتل المسلم بالذمي؛ فإنهم لم يختلفوا في عظم الجناية وشناعة الفعل، كما لم يختلفوا في وجوب العدل مع مخالفيهم في الدين ووجوب كف الأذى والظلم عنهم.
قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل لم يُحِلَّ لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ، ولا ضَرْبَ نسائهم ، ولا أكلَ ثمارهم ، إذا أعطوكم الذي عليهم )).[17]
ويرى ابن عابدين في حاشيةالدرالمختار وجوب "كفالأذىعنالذمي،وتحرمغيبتهكالمسلم".[18]
ويفسرابنعابدينذلكبقوله: "لأنهبعقدالذمةوجبلهمالنا،فإذاحرمتغيبةالمسلمحرمتغيبته،بلقالوا:إنظلمالذميأشد".[19]
قال القرافي: "عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم، لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عِرْض أحدهم، أو نوع من أنواع الأذية، أو أعان على ذلك؛ فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام".[20]
وشواهد عدل المسلمين مع أهل ذمتهم كثيرة، منها العدل معهم في خصومتهم مع الخلفاء والأمراء، ومنه خصومة الخليفة علي بن أبي طالب رضى الله عنه مع يهودي في درعه التي فقدها ثم وجدها عند يهودي، فاحتكما إلى شريح القاضي، فحكم بها لليهودي، فأسلم اليهودي وقال: "أما إني أشهد أن هذه أحكام أنبياء! أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه، فيقضي لي عليه! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، الدرع درعك يا أمير المؤمنين، اتبعت الجيش وأنت منطلق من صفين، فخرجت من بعيرك الأورق". فقال علي رضى الله عنه: أما إذ أسلمت فهي لك.[21]
ومنه أيضاً قصة القبطي مع عمرو بن العاص والي مصر وابنه، وقد اقتص الخليفة للقبطي في مظلمته، وقال مقولته التي أضحت مثلاً: "يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟".[22]
ولما كان ابن رواحة رضى الله عنه يخرص ليهود خيبر حاولوا رشوته فأبى، وقال: (وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فلي). فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، قد أخذنا، فاخرجوا عنا.[23]
ومن عجيب الأخبار، أخبار عدل الخلفاء مع أهل ذمة الله ورسوله والمؤمنين ؛ أن عمير بن سعد رضى الله عنه ترك ولاية حمص لإساءته إلى ذمي، فقد قال للخليفة مستعتباً عن الرجوع إلى الإمارة: (إن ذلك لسيء، لا عملت لك، ولا لأحد بعدك، والله ما سلِمت، بل لم أسلم، قلت لنصراني: أخزاك الله، فهذا ما عرضتني به يا عمر، وإن أشقى أيامي يوماً خلفت معك يا عمر)، ولم يجد الخليفة بُداً من قبول هذه الاستقالة، فتقبلها على مضض وهو يقول: (وددت أن لي رجلاً مثل عمير بن سعد استعين به على أعمال المسلمين). [24]
وفي تاريخ دمشق أن عميراً رضى الله عنه قال للخليفة عمر: " فما يؤمنني أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خصمي يوم القيامة، ومن خاصمه خصمه".[25]
ولما ولي أمير العدل عمر بن عبد العزيز أمر مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها، فقام إليه رجل ذمي يشكو الأمير العباس بن الوليد بن عبد الملك في ضيعة له أقطعها الوليد لحفيده العباس، فحكم له الخليفة بالضيعة، فردها عليه.[26]
وفي أحيان أخرى لم يأخذ المسلمون العدل من خصومهم، بل عفوا وتجاوزوا كما جرى زمن معاوية بن أبي سفيان حين نقض أهل بعلبك عهدهم مع المسلمين، وفي أيدي المسلمين رهائن من الروم، فامتنع المسلمون من قتلهم، ورأوا جميعاً تخلية سبيلهم، وقالوا:
"وفاء بغدر خير من غدر بغدر". قال هشام: وهو قول العلماء، الأوزاعي وغيره.[27]
ولم يخلُ تاريخنا - على وضاءته - من بعض المظالم التي وقعت للمسلمين ولغيرهم، وقد استنكرها فقهاء الإسلام، ورأوا فيها جوراً وخروجاً عن رسوم الشريعة، ومنه أن هشام بن حكيم بن حزام رضى الله عنه مرّ على أناس من الأنباط بالشام قد أقيموا في الشمس، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حبسوا في الجزية، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)). قال: وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، فدخل عليه، فحدثه، فأمر بهم فخُلوا. [28]
ولما خاف الخليفة الوليد بن يزيد من نصارى قبرص أجلاهم منها، فاستفظع المسلمون ذلك، واعتبروه من الظلم ، يقول إسماعيل بن عياش : "فاستفظع ذلك المسلمون، واستعظمه الفقهاء، فلما ولي يزيد بن الوليد ردهم إلى قبرص ، فاستحسن المسلمون ذلك من فعله، ورأوه عدلاً".[29]
كما حطَّ عمر بن عبد العزيز عن أهل قبرص ألف دينار زادها عبد الملك عما في عهد معاوية رضى الله عنه لهم، ثم ردها عليهم هشام بن عبد الملك، فلما كانت خلافة أبي جعفر المنصور أسقطها عنهم، وقال: "نحن أحق من أنصفهم، ولم نتكثر بظلمهم".[30]
ومثله صنع الأوزاعي فقيه الشام حين أجلى الأمير صالح بن عليٍّ بن عبد الله بن عباس أهل ذمة من جبل لبنان، فكتب إليه الأوزاعي: "فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة، حتى يُخرَجوا من ديارهم وأموالهم؟ وحكم الله تعالى: (ألا تزر وازرة وزر أخرى) (النجم: 38)، وهو أحق ما وقف عنده واقتدي به ، وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: ((من ظلم ذميًا أو كلَّفه فوق طاقته فأنا حجيجه)) ... فإنهم ليسوا بعبيد، فتكونَ في حِلٍ من تحويلهم من بلد إلى بلد، ولكنهم أحرار أهلُ ذمة".[31]
وما زال العلماء والخلفاء يتواصون بحقوق الذمة، كل يحذر أن تخفر ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو شاهد، لأجل ذلك حرصوا على تفقد أحوالهم ومعرفة أمورهم، ومن ذلك أن وفداً من أهل الذمة جاء إلى عمر، قال عمر للوفد: (لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم؟) فقالوا: ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة".[32]
ويرسل عمر كتاباً إلى عامله أبي عبيدة، فيقول موصياً بأهل الذمة: "وامنع المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم، وأكل أموالهم إلا بحلها، ووف لهم بشرطهم الذي شرطت لهم في جميع ما أعطيتهم". [33]
ولما جاءه مال الجباية سأل رضى الله عنه عن مصدره مخافة العنت والمشقة على أهل الذمة، ففي الأثر عنه رضى الله عنه "أنه أتي بمال كثير، أحسبه قال: من الجزية. فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا، والله ما أخذنا إلا عفواً صفواً. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني ". [34]
ولما جاء عمر رضى الله عنه الشام تلقاه المقلسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان يلعبون بين يديه. فكره عمر لعبهم، وأمر بمنعهم. فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين هذه سُنتهم، وإنكإن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضاً لعهدهم.فقال عمر: دعوهم.
وفي رواية ابن زنجويه أنه قال: (دعوهم ، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة).[35] فقد كره رضى الله عنه مساءتهم، وأن يظنوا به النقض، فأذعن لقول أبي عبيدة.
ولما تدانى الأجل به رضى الله عنه لم يفُته أن يوصي المسلمين برعاية أهل الذمة فقال: (أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتلوا من ورائهم ، وألا يكلفوا فوق طاقتهم). [36]
وكتب إلى واليه في مصر: "واعلم يا عمرو أن الله يراك ويرى عملك، فإنه قال تبارك وتعالى في كتابه : ( واجعلنا للمتقين إماماً ) (الفرقان: 74) يريد )أي من المؤمن( أن يُقتدى به، وأن معك أهل ذمة وعهد، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، وأوصى بالقبط فقال : ((استوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً))، ورحِمُهم أن أم إسماعيل منهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته؛ فأنا خصمه يوم القيامة)) احذر يا عمرو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لك خصماً، فإنه من خاصمه خَصَمه".[37]
وكتب علي بن أبي طالب رضى الله عنه بلسان الوجِل من ربه إلى عماله على الخراج: "إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة، شتاءً ولا صيفاً، ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا الله أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتُك". [38]
ولما فتح المسلمون دمشق ولي قسم منازلها بين المسلمين سبرة بن فاتك الأسدي، فكان ينزل الرومي في العلو، وينزل المسلم في السفل؛ لأنْ لا يضر المسلم بالذمي.[39]
ويدخل فقيه عصره أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة على الخليفة هارون الرشيد يذكره برعاية أهل الذمة وتفقد أحوالهم، ويستميل قلبه بذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب ذمتهم، فيقول: "وقد ينبغي يا أمير المؤمنين - أيدك الله - أن تتقدم بالرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم ، والتفقد لهم حتى لا يظلموا، ولا يؤذوا، ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم". [40]
وقد شهد المؤرخون بسمو حضارتنا في هذا الباب، فقد اعترف بريادتنا له نصارى حمص حين كتبوا إلى أبي عبيدة بن الجراح رضى الله عنه: " لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم"، ثم أغلقوا أبواب المدينة في وجه الروم إخوانهم في العقيدة.[41]
وتنقل المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها الماتع " شمس العرب تسطع على الغرب" شهادة مهمة من بطريك بيت المقدس، فتقول: " فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف".[42]
الدكتور منقذ السقار
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الجامع لأحكام القرآن (6/110).
[2] مواهب الجليل (137).
[3] رواه أبو داود ح (3052)، و نحوه في سنن النسائي ح (2749)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (2626).
[4] رواه أحمد ح (12140).
[5] رواه أبو داود ح (3051)، ورواه سعيد بن منصور في سننه ح (2603) وضعفه الألباني لإبهام في إسناده في ضعيف أبي داود ح (665).
[6] رواه أبو عبيد في الأموال (219).
[7] الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 266) .
[8] رواه البخاري ح (3166).
[9] فتح الباري (12/259).
[10] فتح الباري (12/302)
[11] رواه ابن حبان ح (5982)، والبيهقي في السنن ح (9/142)، والطبراني في معجمه الأوسط (4252).
[12] أحكام أهل الذمة (2/ 737).
[13] الجامع لأحكام القرآن (2/246).
[14] رواهعبدالرزاق في مصنفه(10/101).
[15] رواه الشافعي في مسنده (1/344)، والبيهقي في السنن (8/34).
[16]رواهعبدالرزاق في مصنفه(10/101).
[17] رواه أبو داود ح (3050)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (882).
[18] الدرالمختاروحاشيةابنعابدينعليه (6/410).
[19] الدرالمختاروحاشيةابنعابدينعليه (4/171).
[20] الفروق (3/20).
[21] حلية الأولياء (4/141)، والبداية والنهاية (8/4 - 5).
[22] انظر: تاريخ عمر، ابن الجوزي (129-130)، وانظر فتوح مصر، لابن الحكم (195).
[23] رواه أحمد ح (14526).
[24] القصة رواها الطبراني في معجمه الكبير (17/52)، وأبو نعيم في الحلية (1/248)، قال الهيثمي: " رواه الطبراني، وفيه عبد الملك بن إبراهيم بن عنترة، وهو متروك ". مجمع الزوائد (9/383)، ويشهد له خبر ابن عساكر الآتي.
[25] ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/493)، والمتقي الهندي في كنز العمال ح (37446).
[26] انظر: صفة الصفوة (2/115- 116)، والبداية والنهاية (9/213-214).
[27] رواه أبو عبيد في الأموال (236)، والبلاذري في فتوح البلدان (217).
[28] رواه مسلم ح (2613).
[29] فتوح البلدان (213-214)، وانظر الأموال، ابن زنجويه (1/425).
[30] فتوح البلدان (211).
[31] رواه أبو عبيد في الأموال )247-248)، انظر: فتوح البلدان للبلاذري (222).
[32] تاريخ الطبري (2/503).
[33] رواه البلاذري في فتوح البلدان (144).
[34] رواه أبو عبيد في الأموال )91).
[35] رواه أبو عبيد في الأموال (223)، وابن زنجويه في الأموال (1/386). والبلاذري في فتوح البلدان (179).
[36] رواه البخاري ح (1392).
[37] كنز العمال (14304).
[38] رواه أبو يوسف في الخراج (18).
[39] تاريخ ابن عساكر (20/28).
[40] رواه أبو يوسف في الخراج (149).
[41] رواه البلاذري في فتوح البلدان (187).
[42] شمس العرب تسطع على الغرب (364).