العَالَم إرادةً وتمثلاً عند شوبنهاور

أمل مبروك عبد الحليم

تمهيد: 

كثيراً ما يبدأ الفكر الإنساني بدراسة نفسه، ثم ينتهي إلى إحدى نتيجتين: فهو إما أن ينظم العقل في إطار المظاهر المادية التي تخضع للقوانين الآلية الصارمة، ثم ينصرف بناء على ذلك إلى دراسة الوجود المادي بما فيه من صور وأوضاع؛ وإما أن ينتهي إلى إنكار ذلك الوجود المادي جملة وتفصيلاً واعتباره من خلق العقل وتكوينه، ومن ثم يتجه إلى دراسة العقل وحده؛ لأن في دراسته دراسة للوجود بأسره؛ ما دام العقل هو الذي خلق الوجود خلقاً وأنشأه إنشاءً. على هذا الأساس انقسم الفلاسفة قسمين مختلفين: فريق ينصرف بأسره إلى العلوم الطبعية؛ لأنها السبيل إلى فهم ظواهر الكون، وفريق ينكب على دراسة النفس؛ لأنها هي كل شيء. ويمكن القول -في هذا الشأن-: إن تاريخ الفلسفة الحديثة ينحصر في هذا العراك العنيف المحتدم بين علم النفس والعلوم الطبعية، فهذه الأخيرة تنشد الحقيقة في دراسة الظواهر المادية، أما علم النفس فيلتمسها في دراسة النفس دون المادة(1).

وعندما جاء القرن التاسع عشر اتجه المجرى الفكري إلى دراسة الظواهر المادية اتجاهاً مباشرا، دون أن يقف عند النفس الإنسانية وقفة تحليلية. ولعل ذلك راجع إلى الإنسان؛ فقد خيل إليه أن العلوم الرياضية والطبيعية وما يرتبط بهما هي التي دفعت به في العصر الحديث هذا الدفع السريع، وله عذره في هذا الظن، مادامت الصناعة التي تدوي في أرجاء أوروبا، والتي قلبت الحياة رأساً على عقب، هي ربيبة تلك العلوم. إذن فلماذا لا تُدرس هذه العلوم دون سواها؟ هكذا اصطبغت الفلسفة بصبغة مادية، وضاعت في الفضاء صيحة "ديكارت" Descartes (1596 - 1650) التي أطلقها وهي أن تبدأ الفلسفة سيرها من النفس، ثم تتابع طريقها إلى العالم الخارجي(2). ومن هنا أخذ الفكر ينزع عن نفسه شيئاً فشيئاً ذلك الثوب المادي الذي اشتمله واحتواه حيناً من الدهر، وأخذ يبحث عن حقيقة الوجود في "الحياة" التي تدب في أنحاء الكون. وما زال الفكر يمعن في هذه النزعة الجديدة التي صبغت العلوم بصبغة حيوية. ولعل "شوبنهاور"Schopenhauer (1788 - 1860)(3) هو أول من فطن إلى أن "الحياة" هي أساس الوجود، فكان أول فيلسوف غربي يركز على "الإرادة" لا على "العقل"، كما أنه كان أول من اتجه من الفلاسفة الغربيين إلى الشرق وخاصة الهند ومذهبها البوذي(4)، والتي بدأت تُعرف في أوروبا في مستهل القرن التاسع عشر؛ وذلك لاستلهام فلسفته الميتافيزيقية والأخلاقية التي تكاد تكون قائمة أساساً على فكرة "النرﭬانا"(5). 

وإذا بحثنا عن نقطة البداية في فلسفة "شوبنهاور" وجدناها تنبع من داخل الفرد أو باطن الذات؛ حيث يرى أنه لكي نصل إلى ماهية الأشياء يجب ألا نبدأ من الخارج؛ وإنما من الفرد الذي يُعد وحده الوجود الحقيقي. ولكن كيف كان الفرد نقطة بداية في فلسفة "شوبنهاور؟ استطاع "شوبنهاور" أن يرى في الفرد وجهين: "تمثّلا" Representation و"إرادة" Will. "التمثل" يعني إذا نظرنا إليه من الخارج، أما "الإرادة" إذا نظرنا إليه من الداخل(6). وهذه النظرة يمكن أن ينظر بها كل فرد إلى نفسه على حدة، ولا يستطيع أن يشعر بها شعوراً واضحاً إلا في نفسه فحسب. إذن تسعى فلسفة "شوبنهاور" إلى خلاص الإنسان وذلك بدرجتين: الخلاص بالفن؛ أي تأمل الكون والحياة تأملاً نزيهاً خالياً من الغرض أو شوائب المادة، ثم الخلاص بالزهد الذي يسحق الإرادة مصدر الشرور في هذا العالم. 

مفهوم العالم: 

زعم الفلاسفة - منذ القدم - أن ما قد يظهر لنا من العالم ليس بحقيقة العالم، فهذا الذي يظهر منه متغير، والحقيقة ينبغي أن تكون ثابتـة، فنحن نرى الأشياء تظهر أمام أعيننا حيناً ثم تختفي. ولكن هل يمكن أن تكون حقيقة العالم هي هذه الظواهر العابرة التي لا تلبث أن توجد حتى تفنى؟ أم أن الوجود الحقيقي غير هذه الظواهر الزائلة؟ ذلك هو السؤال الرئيس الذي حاول الفلاسفة الإجابة عنه منذ أن كانت الفلسفة. وقد ظهرت التفرقة بين ما هو ظاهر وما هو حقيقي(7) لأول مرة عند المدرسة الأيلية؛ إذ ذهب الأيليون - كما هو معروف - إلى التفرقة بين عالمين هما: عالم الظاهر وعالم الحقيقة؛ ورأوا أن الحركة والتغير والصيرورة، وكذلك التعدد والكثرة تُكوّن عالم الظاهر أي عالم الوهم، وأما الوحدة والكون فهما الصفتان الأساسيتان لعالم الحقيقة. وعالم الظاهر أو عالم الوهم هو ذلك العالم المألوف لدينا الذي نعرفه عن طريق آذاننا وأعيننا وأيدينا... إلخ. أعنى عن طريق الحواس بصفة عامة. أما عالم الحقيقة أو الوجود الحقيقي فيُعرف عن طريق العقل وحده، ولا يمكن للحواس أن تعرفه، ولا يمكن لنا أن نلمسه، أو أن نراه، أو نشعر به؛ لكنا نصل إليه بالفكر وحده أي بالعقل فحسب(8). 

وتكمن مثالية "سقراط" Socrates (470 - 399 B.C) في قوله بأن المعرفة هي معرفة المبادئ الثابتة التي توجد خلف الظواهر المتغيرة، فالعلم عنده هو البحث عن الكل وراء جزئياته؛ لأن ما يتغير لا يكون علماً بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. إن العلم لابد أن يتصف باليقين الذي لا يزعزعه اختلاف الناس ولا اختلاف العصور، صحيح أن "سقراط" كان دائم البحث عن تعريفات للمفاهيم الأخلاقية الشائعة: كالتقوى والعدالة والخير والشجاعة والفضيلة... وما إلى ذلك. لكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً، فما يهمنا هو أن عالم الأخلاق عنده انشطر إلى نصفين: عالم ظاهر، وهو ما نراه من سلوك جزئي متغير، ثم عالم الحقيقة الذي يكمن وراء هذه الجزئيات وهو ساكن ثابت لا يتغير. وهذه الفكرة واضحة عند "أفلاطون" Plato(427-347)(B.C)(9) الذي كان يعتقد أن عالم الحس هو عالم التغير، ولهذا فهو غير حقيقي؛ لأن الحقيقة أبدية ساكنة لا تتغير - كما كان يقول الأيليون - وهي كلية؛ لأنها تقوم على أساس الماهيات الثابتة كما كان يقول "سقراط". 

ومعنى ذلك أن المعرفة لا تستمد من الحواس التي تعطينا عالم الظواهر أو عالم التغير؛ وإنما يكونها العقل وحده الذي يصل بنا إلى عالم المثل. ولقد تأثر "أفلاطون" في نظريته عن المعرفة برأي أستاذه "سقراط" الذي كان يبحث عن التصورات الكلية في عالم الأخلاق. لكن"أفلاطون" سار أبعد من أستاذه فبحث عن التصورات العقلية التي تفسر الموجودات جميعاً والتي تعدّ الأساس المطلق أو الحقيقة النهائية للعالم كله. وقد رأى أن هذه الحقيقة النهائية هي "المثل"، ومثال الشيء هو الطبيعة العامة الأساسية والمشتركة بين جزئيات هذا الشيء، وهذه الطبيعة العامة هي الأصل الأساس، وهي خالدة وأبدية وتقع في عالم بعيد عن الزمان والمكان هو عالم المثل. وجاء "كانط" Kant (1724-1804) فقسم العالم إلى قسمين: عالم الظاهر وعالم الشيء في ذاته، فهناك الظواهر أو الأشياء على نحو ما تبدو لنا، ثم هناك الأشياء كما هي في ذاتها؛ وليست تلك القسمة خاصة بالعالم ككل فحسب؛ وإنما كل شيء من أشياء العالم له ظاهر وباطن أو مظهر وحقيقة(10). 

أما "شوبنهاور" فقد بدأ كتابه "العالم إرادة وتمثلاً" The World Will and Representation بالحديث عن العالم - عالم الأشياء وعالم الطبيعة - من حيث هو مظهر؛ أعني من حيث هو موضوع لإدراكنا. هذا العالم في أساسه "تمثل"(11)؛ أي أن الذات التي تدركه هي التي تجعله موضوعاً لها، ومن هنا فهو "تمثلي"، بمعنى أنني أنا الذي أمثله لنفسي على نحو ما، ويجرى وفقاً "لمبدأ العلة الكافية"(12) The Principle of Sufficient. فلكي يمكن لنا أن نتمثل موضوعاً ما؛ فإن هذا الموضوع يجب أن يكون واقعاً في مكان ما، ويسرى في زمان ما، وأن يرتبط بغيره من الموضوعات في علاقة سببية، ومن ثم فإن صور مبدأ العلة الكافية الأساسية هي التي تحكم تمثلنا لموضوعات مثل: المكان والزمان والعلية. والموضوعات التي تتمثل لنا وفقاً للعلية هي موضوعات العلم الطبعي التجريبي. أما النوع الثاني من الموضوعات فيتمثل لنا من خلال التصورات المجردة. والعلاقة بين هذا النوع من الموضوعات تُسمى "الحكم"، وهو الاستناد إلى قواعد الاستدلال واللزوم المنطقي التي تُمكننا من الحكم على صحة مفهوم ما؛ بحيث يبدو هذا الأساس - الذي تستند إليه - هو علة الحكم. والنوع الثالث من الموضوعات هو ذلك الذي يرتبط بعلاقات زمانية مكانية ندركها بحدس أولي، وأنموذج هذه الموضوعات هو الرياضيات؛ فالحساب يقوم في الأصل على القانون الذي يحكم العلاقات بين أجزاء الزمان، بينما تقوم الهندسة على القانون الذي يحكم المواضع الخاصة بأجزاء المكان. وأخيراً فإن النوع الرابع من الموضوعات هو الذات نفسها التي تسلك سبيلها وفقاً لدافع أو باعث هو علة سلوكها. الذات هنا تتأمل نفسها كموضوع خاضع لدوافع سيكولوجية. يقول: "لقد بينت في بحثي عن مبدأ العلة الكافية كيف يكون كل موضوع من الموضوعات الممكنة خاضعاً لهذا المبدأ؛ أي يكون على علاقة ضرورية بالموضوعات الأخرى"(13). وهكذا فإن مبدأ العلة الكافية يتناول الصورة التي يتمثل بها العالم؛ أي يتعلق بشكل العالم كما يتبدى لنا. ولكن لابد من أن يكون هناك - وراء هذا الشكل أو الطابع الذي يظهر عليه العالم - كيان باطن هو الذي أطلق عليه "كانط" "الشيء في ذاته"، وهو الذي يمكننا أن نُعده قلب الوجود الحقيقي، تمييزاً له عن المظهر الذي يبدو عليه هذا الوجود. 

العالم بوصفه تمثلاً: 

بدأ "شوبنهاور" رحلته مع عالم "التمثل" بعبارته الشهيرة "العالم هو تمثلي" The World is my Representation ليناقش نظرية المعرفة، فيقول: "هذه حقيقة تصدق على كل موجود يحيا ويدرك، على الرغم من أن الإنسان وحده هو الذي يستطيع أن يتمثلها من خلال وعيه المجرد التأملي. ولو أنه فعل ذلك حقاً لأشرق عليه نور الحكمة الفلسفية. عندئذ سيصبح من الواضح واليقيني بالنسبة له أنه لا يعرف شمساً ولا أرضاً؛ وإنما يعرف فقط عيناً ترى شمساً ويداً تحس أرضاً، وأن العالم الذي يحيط به يكون قائماً هناك بوصفه تمثلاً فحسب؛ أي أنه يكون قائماً هناك بالنسبة لشيء آخر؛ أعني بالنسبة لذلك الذي يتمثله وهو الشخص نفسه"(14). معنى ذلك أن العالم هو ما يبدو لنا، ووجوده متوقف علينا؛ أي على الذات التي تقوم بإدراكه. فالوجود هو الإدراك على حد قول "باركلي" Berkeley (1685 - 1753) بمعنى أن "الأشياء ليس لها وجود إلا بالقدر الذي أُدركها، ولأن وجود هذه الأشياء لا ينكشف لنا إلا ساعة إدراكها؛ إذن ليس ثمة وجود للأشياء منفصل عن فعل الإدراك"(15)، ومن هنا يرى "شوبنهاور" أن كل موجود يفترض دائماً ذاتاً تُدركه، ولذلك كان العالم من تمثل الذات. وهذه حقيقة سابقة على كل حقيقة أخرى؛ لأنها هي التعبير عن الصورة الأعم لكل خبرة ممكنة يمكن تصورها؛ هي أعم من الزمان والمكان والعلية. في هذا الشأن يقول: "ليست هناك حقيقة أكثر من هذه الحقيقة يقيناً، وأكثر منها استقلالاً عن كل الحقائق الأخرى، وأقل منها احتياجاً إلى البرهان على صدقها؛ ألا وهي أن كل ما يوجد فهو من أجل إدراك المعرفة، ومن ثم فإن هذا العالم هو موضوع بالنسبة إلى الذات، أي إدراك مُدرك، وفي كلمة واحدة هو تمثل"(16). 

وإذا كانت عبارة "العالم هو تمثلي" تعني أن كل ما يوجد إنما يوجد كموضوع بالنسبة للذات، فمعنى ذلك أن الذات والموضوع هما نصفان متلازمان في مفهوم العالم كتمثل أو فيما يخص المعرفة. وثنائية الذات والموضوع هي السمة الرئيسة للفلسفة الحديثة، فالذات هي الوعي أو الجزء العارف فينا، أما الموضوع فهو كل ما يتمثل أمام الوعي أو الذات. إذن ترتبط الذات ارتبطاً وثيقاً بتمثل الموضوع، وتبعاً لذلك فإن كل الموضوعات الماثلة أمامنا - بما في ذلك أجسامنا - تعدّ تمثلات. وهذا ما وضحه "شوبنهاور" بقوله: "إن الذات هي دعامة العالم، هي الشرط الضروري لكل ما يظهر؛ أي لكل الموضوعات.... وكل فرد يجد نفسه ذاتاً، لكن من حيث المعرفة فقط، لا من حيث كونه موضوعاً للمعرفة. لكن جسمه يكون موضوعاً، لذلك نسميه - وفق هذا الاعتبار - تمثلاً... والجسم شأنه شأن كل موضوعات الإدراك الحسي يقع في إطار الصور الخاصة بكل معرفة؛ أي الزمان والمكان والعلية، وهي الصور التي تُعد شروطاً للكثرة. وعلى العكس من ذلك تكون الذات دائماً العارف ولا تكون أبداً المعروف، لا تندرج تحت هذه الصور؛ بل تكون دائماً مفترضة بواسطة هذه الصور نفسها"(17). 

وقد ميز "شوبنهاور" بين نوعين من التمثلات: تمثلات الإدراك الحسي أو التمثلات الحدسية Intuitive Representation، والتمثلات المجردة Abstract Representation وهذه الأخيرة تقوم على التصورات وهي خاصة بالإنسان وحده، والقدرة على استيعاب هذه التمثلات تُسمى "العقل"(Vernunft) Reason(18). أما التمثلات الحدسية أو تمثلات الإدراك الحسي فهي تشمل العالم المرئي كله أو مُجمل عالم التجربة مع شرط إمكانها، وتخضع هذه التمثلات لمبدأ العلة الكافية - أي الزمان والمكان والعلية - وهي قاسم مشترك بين الإنسان والحيوان. وهذا يعني أن الذهن واحد عند الحيوان والإنسان، وله عندهم جميعاً وظيفة واحدة هي إدراك العلّية؛ أي الانتقال من العلة إلى المعلول، أو من المعلول إلى العلة. وله درجات عدة تتفاوت من الدرجة السفلى التي لا يدرك العقل فيها مطلقاً غير رابطة العلة بين الموضوع المباشر وغير المباشر؛ أي الدرجة الدنيا الكافية للانتقال من المؤثر الذي عاناه الجسم إلى علته (الموضوع الخارجي الذي يشغل حيز في المكان) حتى الدرجة العليا التي فيها يُدرك التسلسل العلّي بين الموضوعات غير المباشرة بعضها ببعض، وقد يصل فيها إلى إدراك أبعد العلل والمعلولات وأقصاها. وهذه الدرجة هي أيضاً تخص الذهن لا العقل؛ لأن مهمة العقل الوحيدة هي إيجاد التصورات المجردة وخلقها، لا إدراك التسلسل العلّي بين الأشياء(19). وتصورات العقل المجردة يمكن أن تفيد في توصيل ما نفهمه من التجربة المباشرة فحسب، بأن تعمل على خلق صورة له في الفكر ثابتة ومرتبة؛ ولكنها لا تجلب أبداً هذا الفهم المباشر ذاته؛ فكل قوة طبعية وقانون طبعي، وكل حالة من الحالات التي تتجلى فيها هذه القوى والقوانين، يجب أن تكون معروفة على نحو مباشر بواسطة الذهن قبل أن تتمثل لملكة العقل من خلال الوعي التأملي. 

ولا شك أن الفلسفة الراهنة - كما رأى "شوبنهاور"(20) - لا تسعى على الإطلاق إلى معرفة من أين يوجد العالم أو لأية غاية خُلق؛ وإنما تسعى إلى معرفة ماذا يكون العالم فحسب. وهذا البحث يتعلق أصلاً بالعالم، من حيث إنه ينشأ من الصورة الخاصة بظواهره؛ أي من مبدأ العلة الكافية. وفي واقع الأمر إن كل إنسان يعرف - من تلقاء نفسه - ماذا يكون العالم؛ لأنه هو ذاته يكون الذات العارفة التي يكون العالم بالنسبة لها تمثلاً. لكن هذه المعرفة خاصة بالإدراك الحسي، ومهمة الفلسفة هي إعادة إنتاج هذه المعرفة في صورة مجردة، بمعنى أن تُرفع إلى مستوى المعرفة العقلية الثابتة كل المدركات الحسية المتغيرة والمتتابعة. إذن مهمة الفلسفة هي التعبير في صورة مجردة عن طبيعة العالم في مجمله، والتعبير عن كل الأجزاء التي يتألف منها هذا العالم. 

العالم بوصفه إرادة: 

ذكرنا فيما سبق أن نقطة البداية في فلسفة "شوبنهاور" تنبع من داخل الفرد، أو من باطن الذات؛ لكن الفرد ليس ذاتاً فحسب أو على حد تعبير"شوبنهاور": "رأس ملاك ذات أجنحة وبدون جسم"(21)؛ وإنما يمتد بجذوره في هذا العالم، فهو كفرد جزء منه، ومعرفته وحدها هي التي تجعل من الممكن "تمثل" عالم بأسره، هذه المعرفة ذاتها تفترض - كشرط أساس - وجود جسم تكون تحولاته نقطة بداية للذهن كي يعاين هذا العالم، وهذا الجسم بالنسبة للذات العارفة كغيره من الموضوعات الحسية الأخرى. وفي هذا الجسم - الذي يهيئ لنا دخول العالم - نجد كلمة السر، ألا وهي "الإرادة". والإرادة تتكشف حينما ينظر الإنسان إلى ذاته باعتباره فرداً تمتد جذوره في هذا العالم، وهي التي تمنحه مفتاح وجوده الظاهري، وتكشف له عن دلالاته، وتبين له الآلية الباطنة الكامنة وراء وجوده وأفعاله وحركاته(22). والإنسان يمكن أن يُدرك وجوده - بوجه عام - بطريقتين مختلفتين: الأولى: على هيئة "تمثل"؛ أي بوصفه موضوعاً من بين الموضوعات الأخرى، ويكون خاضعاً لقوانين تلك الموضوعات. والثانية في صورة ذلك الذي نعرفه معرفة مباشرة، والذي نشير إليه بكلمة "إرادة". وكل فعل إرادي هو حركة من حركات الجسم، وليس معنى ذلك أن الفعل الإرادي وحركة الجسم ترتبطان فيما بينهما برابطة العلية، ولكنهما في الواقع شيء واحد، يظهر لنا في صورتين: إحداهما مباشرة والأخرى غير مباشرة. وحركة الجسم هي الفعل الإرادي نفسه، وقد استحال إلى موضوع؛ أعني شيئاً نتمثله. ويعبر "شوبنهاور" عن ذلك بقوله: "المعرفة التي لدي عن الإرادة - رغم أنها معرفة مباشرة - لا تنفصل عن معرفتي بجسمي، فأنا لا أعرف إرادتي بكليتها ولا أعرفها في وحدتها؛ بل أعرفها فقط في أفعالها المنعزلة، أعرفها عن طريق الزمان الذي هو بمثابة الصورة الظاهرية التي يتجلى من خلالها جسمي، مثله في ذلك مثل غيره من الأشياء. ومن هنا فإن جسمي هو شرط معرفتي بإرادتي، وبالتالي فأنا لا أستطيع حقا أن أتمثل إرادتي بمعزل عن جسمي"(23). 

الإرادة إذن هي جوهر الإنسان، وفيها يجد - بالتأمل الباطن المباشر- الجوهر الحقيقي لوجوده الذي لا يمكن أن يفنى؛ إنها "الشيء في ذاته" والجوهر الخالد غير القابل للفناء، هي مبدأ الحياة. وعندما يُدرك الإنسان هذه الحقيقة، فإنه يستطيع أن يقول: "العالم هو إرادتي". لكن بأي معنى يفهم "شوبنهاور" "الإرادة"؟ إذ يبدو من وصفه لها أنها تختلف عما نفهمه - عادة - من معنى هذه الكلمة. فنحن نفهم أن "الإرادة" قوة نفسية تصدر في أفعالها عن بواعث يمليها العقل بأحكامه، لكن "الإرادة" عند"شوبنهاور" غير عاقلة، فماذا تكون إذن؟ (24). هنا يجب أن نفرق بين "الإرادة" بالمعنى العام، وبين "الإرادة" المحدودة بالبواعث والتي تسمى "الاختيار"، فهذه الأخيرة هي وحدها العاقلة. أما الأولى فليست عاقلة؛ لأن "الإرادة" المختارة تؤدي عملها تبعاً لبواعث، والبواعث هي تمثلات مركزها المخ؛ والأجزاء التي تتلقى أعصاباً من المخ هي وحدها التي تخضع للبواعث. والحركة التي يقوم بها الإنسان - على أساس هذه البواعث - هي وحدها المنتسبة إلى "الإرادة المختارة"، والأفعال التي لا تصدر عن بواعث تنتسب إلى "الإرادة" بوجه عام. ولهذا فإننا نضيف "الإرادة - بهذا المعنى - إلى الكائنات التي لا تمثل لها؛ أي إلى الجمادات، فالقوة التي ينمو بها النبات ويتبلور المعدن، والتي تتجاذب بها الأجسام أو تتنافر، أو تتجه إلى مركز الأرض في الجاذبية؛ هذه القوة هي "الإرادة"، وقد تحققت في مظاهر متعددة(25). 

الإرادة عند "شوبنهاور" هي "إرادة الحياة"Will to Live (26)، بمعنى أنها اندفاع أعمى(27) غير عاقل نحو الحياة. وإذا تأمل الإنسان الطبيعة وما يجرى فيها، فماذا يرى؟ يرى اندفاعاً إلى الوجود، وتدافعاً من أجل البقاء، وكائنات تتوثب في نشوة وحماسة عالية من أجل الظفر بالحياة. إنها تعبر عن شعور واحد هو الشعور بالحياة، وتنساق في تيار واحد هو تيار الحياة، ويدفعها دافع واحد هو دافع الحياة، فهي -إذن- لا تمثل غير إرادة واحدة هي "إرادة الحياة". يقول: "أنا أدعوك للتأمل ببصرك موضوعياً في الطبيعة بجميع درجاتها، فسترى حينئذ أنها تسعى لغاية واحدة هي حفظ النوع. فما نشاهده من إفراط شديد في إنتاج البذور وفي الغريزة الجنسية، وما يبرز في حب الأمومة من إيثار يكاد أن يصل - عند بعض الأنواع الحيوانية - إلى حد تفضيل الابن على الذات. كل هذا يدل على أن غاية الطبيعة في كل سيرها ونضالها هي حفظ النوع"(28). لكن ما مصدر هذا التعلق بالحياة؟ يرى "شوبنهاور" أن مصدر التعلق بالحياة ليس مبعثه العقل والتفكير، فقليل من التأمل كاف لإقناعنا بأن الحياة ليست خليقة بشيء من الحب، وليس من المؤكد أن الوجود خير من اللا وجود، والحياة خير من الموت، ولو استطعت أن تسعى إلى قبور الموتى وتقرع أبوابها سائلاً إياهم: هل تريدون العودة إلى الحياة؟ إذن لرأيتهم ينفضون إليك رؤوسهم رافضين العودة (29).

إن هذا التعلق بالحياة - فيما يرى "شوبنهاور" - حركة عمياء غير عاقلة، ولا تفسير لها إلا أن كياننا كله إرادة للحياة الخالصة، والحياة - تبعاً لذلك - يمكن أن تُعد الخير الأسمى، مهما يكن من مرارتها وقصرها واضطرابها. والإرادة في ذاتها وبطبيعتها عمياء خالية من كل عقل ومعرفة، أما المعرفة فعلى العكس من ذلك أبعد ما تكون عن هذا التعلق بالحياة؛ لأنها تكشف لنا عما لهذه الحياة من ضآلة وهشاشة، ولهذا تحارب الخوف من الموت. ويتناول "شوبنهاور" مشكلة الموت، فيقرر أن "الموت" لا يصيب إرادة الحياة؛ وإنما يتعلق بمظاهرها العرضية الزائلة كي يحددها باستمرار؛ أما إرادة الحياة فخالدة أبد الدهر، والطبيعة قد ضمنت لها الخلود بواسطة أداة قوية تلعب الدور الأكبر في الحياة العضوية. وهذه الإرادة هي "الغريزة الجنسية" ففيها مظهر من أوضح مظاهر تأكيد إرادة الحياة نفسها؛ لأن معناها هو أن الطبيعة مهمومة بحفظ النوع باستمرار، وأن في شدة هذه الغريزة وكونها "أقوى الغرائز" ما يدل بوضوح على أن إرادة الحياة هي سر الأسرار في الطبيعة. 

النظرة التشاؤمية: 

ذكرنا أن الإرادة لا هدف لها ولا غاية تقف عندها، فهي رغبة غامضة ومجهود دائب لا يعرف الكلل أو التعب؛ فإذا اعترض طريق الإرادة معترض تولد عن ذلك "الشقاء"، وإذا تم لها ما تريد في اللحظة الحاضرة كانت السعادة، وهذه السعادة لا يمكن أن تدوم؛ لأن كل رغبة تنشأ عن نقص أو عن حالة لا ترضينا. وترتبط الرغبة بالشقاء طالما لم تصل إلى سد هذا النقص أو إشباع تلك الحاجة. والواقع أن كل إشباع لرغباتنا هو بداية لرغبات أخرى جديدة.... وهكذا فلا وجود لحد تقف عنده الرغبة، ومن ثم لا حد ينتهي عنده الشقاء؛ وهنا يقول "شوبنهاور": "إن الشقاء يزداد حدة وشدة تبعاً للارتفاع في سلم الكائنات حتى يصل إلى أعلى درجاته عند الفرد العبقري... وكلما نفذ الإنسان إلى أعماق الوجود؛ أدرك أن ماهيته الأصلية هي الشقاء، ورأى أن الوجود ما هو إلا سقوط مستمر في الموت"(30). ويمضى "شوبنهاور" في تصوير الحياة على هذه الصورة التشاؤمية، مما يؤكد أن خوفه من الحياة هو الذي دفعه إلى نشدان الخلاص في "النرفانا" أو العدم، فالحياة عنده ليست شيئاً إيجابياً؛ وإنما هروب من الموت. ومع ذلك فماذا تكون الحياة سوى الهروب من ذلك الموت نفسه؟ وهذا الهروب يكون بقتل الوقت كما يقول العامة. إذن فالشقاء لا مهرب منه، وكل ألم يزول ليحتل غيره مكانه، ولكل فرد نصيبه المحدد من الشقاء وفقاً لطبيعته التي تتحدد مرة وإلى الأبد. والشقاء الذي يلاقيه الفرد في حياته لا تفرضه قوة خارجية؛ وإنما فطرته نفسها هي التي تحدد كمية الآلام التي سيتعرض لها طوال حياته. ولما كانت حياة الإنسان سلسلة من الحاجات والآلام التي تنتهي لتبدأ من جديد، إذن ليست السعادة شيئاً إيجابياً بل هي سلبية في ماهيتها، فلا وجود للسعادة في ذاتها؛ وإنما تأتى السعادة من إرضاء حاجة أو لنفي ألم من الآلام، لذلك فالألم شيء أولي وشرط ضروري لوجوب السعادة(31). 

والغريب في أمر الإنسان - كما رأى "شوبنهاور" - أنه حينما لا يجد الصعاب يخترعها، وعندما يحيا في يُسر يحاول أن يُدخل في حياته التعقيد. وهذا ما نلاحظه في الشعوب التي سارت حياتها هينة لينة بما وهبتها الطبيعة من مناخ معتدل وأرض خصبة؛ فإن هذه الشعوب تخترع عالماً خيالياً بآلهته وشياطينه وقديسيه؛ لتقدم له الضحايا والقرابين والصلوات والاعترافات...إلخ. وخدمة هذا العالم الخيالي تملأ فراغ الحياة الواقعية وخلوها من الآلام والمتاعب، فتصبح كل حادثة من حوادث العالم نتيجة لعمل من أعمال تلك الكائنات المخترعة اختراعاً. هذه الصورة المظلمة التي يرسمها "شوبنهاور" لحياة الإنسان ليس فيها سوى نتيجة واحدة، وهي - كما يقول - " من الأفضل للإنسان أن يختار العدم، وأن يؤثر الموت على الحياة. وهذا هو معنى عبارة "هاملت": [أكون أو لا أكون]، وعبارة "هيرودوت" الخالدة: [ليس هناك إنسان لم يتمن أكثر من مرة ألا يأتي عليه الغد]. ولو أن الموت -انتحاراً- معناه العدم المطلق لانتحر الناس جميعاً؛ لكن الانتحار لا يُصلح ما أفسده الوجود. والعزاء الوحيد عما في الحياة من شر هو قصرها، وهذا أفضل ما فيها "(32).

ولا معنى للتفاؤل كما رأى "شوبنهاور"، ويكفي أن يتطلع أشد الناس تفاؤلاً على أماكن البؤس والتعاسة والمرض والقتال والجريمة ليروا إلى أي حد كان هذا العالم هو أفضل عالم ممكن، والمذاهب التي تدعو إلى التفاؤل ما هي إلا مذاهب لفظية خالية من المعنى تصدر عن رؤوس خالية من الذكاء، ولا أحد يظن أن الإيمان المسيحي يدعو إلى التفاؤل، وإنما - على العكس من ذلك - يجعل الحياة والشر كلمتين مترادفتين. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) Steven Nadler, A Companion to Early Modern Philosophy, Blackwell, publishing, 2002, p.2. 

- كذلك: James Collins, A History of Modern European Philosophy, Lanham, NewYork, London, 1986, p 811. 

- يُنظر أيضاً إلى: د. زكى نجيب محمود، أحمد أمين، قصة الفلسفة الحديثة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1983، الجزء الأول، ص367. 

2) زكي نجيب محمود، أحمد أمين، المرجع السابق، ص367- 368. 

3) ولد " شوبنهاور" Schopenhauer في 22 فبراير عام 1788 بمدينة "دانسج" Dazing وكان ينتمي إلى طبقة بورجوازية ميسورة الحال؛ إذ كان أبوه تاجراً ناجحاً يعده لأن يسير على خطاه، ولكن الابن كانت له ميول فنية وأدبية جامحة ربما ورثها عن أمه "يوحنا هنريت تروزينر Johanna Trosiener، ومع ذلك فقد كان الفيلسوف يميل لأبيه، رغم أنه لم يحقق حلمه في أن يكون تاجراً، وكان في الوقت نفسه لا يميل إلى أمه بالقدر نفسه. وزادت جفوته تجاه أمه بعد موت أبيه، حتى أنه استقل عنها تدريجياً بينما انطلقت هي في حياتها الخاصة، فأسست صالوناً أدبياً ذاع صيته (حتى أن الشاعر العظيم جوته Goethe (1749-1832) كان من أهم رواده) ونشرت كثيراً من المقالات الأدبية وروايات الجيب وأدب الرحلات. وقد نشأ شوبنهاور في جو مشبع بروح العمل وكسب المال، وعلى الرغم من أنه هجر حياة التجارة التي دفعه والده إليها؛ فقد تركت أثرها في نفسه وطبعت نظرته إلى الحياة بطابع الواقعية في التفكير ومعرفة بطبيعة الناس، ومات والده منتحراً على الأرجح عام 1805. وفي عام 1809 دخل جامعة جوتنجنGottingen، وعني بدراسة الطب والعلوم الطبيعية والتاريخ، كما درس الفلسفة على يد الفيلسوف الشاك "جوتلوب شولتسه" Schulze (1761-1833) الذي وجهه إلى دراسة كبار الفلاسفة مثل: "أفلاطون" و"أرسطو" و"كانط" و"اسبينوزا".. وغيرهم. وفي عام 1813 حصل على الدكتوراه الأولى وكانت بعنوان" "الجذر الرباعي لمبدأ العلة الكافية". وفيما بين عامي 1814 و1818 عاش في مدينة "درسلن" Dresden وعكف على دراسة فن المتاحف والآثار، وكتب عن "نظرية الإبصار والألوان"، كذلك أصدر كتابه الرئيس "العالم إرادة وتمثلاً" الذي نشره عام 1819. وفي عام 1820 نال دكتوراه التدريس من جامعة "برلين"Berlin، وفي عام 1840 تقدم برسالة إلى الجمعية الملكية للعلوم في "الدانمارك" Denmark بعنوان: "أساس الأخلاق"؛ لكنها لم تحصل على جائزة من شدة الهجمات التي شنها على "فشته" و"هيجل"، ومنذ ذلك التاريخ ونجم شهرته بدأ في الصعود في كل أرجاء أوروبا، وصار له العديد من المتحمسين والمعجبين والأتباع. وفى23 سبتمبر عام 1860 مات شوبنهاور أثر أزمة رئوية وهو في سن الثانية والسبعين. - لمزيد من التفصيل يمكن النظر إلى: 

- The Encyclopedia of Philosophy, Paul Edwards, editor The Macmillan Company and the Free Press, New York, 1967, (Volume 7), p.325. 

- Julian Young, Schopenhauer, Routledge, London and New York, 2005, p. 2-3. 

- Helen Zimmern, Arthur Schopenhauer: His Life and His Philosophy, Kitchener, Batoche, 2000, p.8-33. 

- J. M. Hone, Arthur Schopenhauer, The Lotus Magazine, Vol. 8, No. 2 (Nov., 1916), p.61. 

- كذلك: عبد الرحمن بدوي، شوبنهاور، وكالة المطبوعات - الكويت، دار القلم بيروت -لبنان، ص293 

- أيضاً: سعيد توفيق، المقدمة التي صدر بها ترجمته لكتاب آرتور شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلاً، ، مراجعة النص الألماني فاطمة مسعود، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، عدد (1075)، المجلد الأول، 2006، ص10.

- أيضاً: أحمد معوض، أضواء على شوبنهاور، الدار العربية لنشر الثقافة العالمية، القاهرة، 1960، ص18.

4) في عامي 1802 و 1804 نشر" انكتيل ديبرون" مجلدين جمع فيهما خمسين "أوبانيشاد"Upanishad أحضرها من الهند بنصها الفارسي مع ترجمة إلى اللاتينية. 

- R. K. Das Gupta, Schopenhauer and Indian Thought, East and West, Vol. 13, No. 1 (March 1962), p32. 

5) "النرﭬانا" Nirvana كلمة سنسكريتية تدل على "الانطفاء" أو"الخمود" أو"الفناء الصوفي"، وهي حرفياً تعني "لا نفس" - وهي الهدف الأسمى من التأمل في الفكر الديني الهندي؛ وهي حالة الاستنارة والتحرر في الديانة البوذية. ويرى بعض الكتاب أن "النرفانا"هي انعدام فكرة "الأنا كجوهر"، وكذلك انعدام جميع الرغبات التي تنشأ من هذا التصور الخاطئ للذات. غير أن مثل هذا الفهم لـ"النرﭬانا" لا يعطينا سوى الجانب السلبي من النظرية. أما جانبها الإيجابي فهو يعتمد على الحب الكلي والتعاطف الشامل (أو ما يسمى كارونا Karuna) لجميع الموجودات، وهذان الجانبان في " النرﭬانا "- السلبي المتمثل في تحطيم الانفعالات الشريرة، والإيجابي الذي يعني ممارسة التعاطف - يكمل الواحد منهما الآخر. يمكن النظر في ذلك إلى: 

Peter Abelsen, Schopenhauer and Buddhism, Philosophy East and West, Vol. 43, No. 2 (Apr. 1993), p255.

- أيضاً: إمام عبد الفتاح، مُعجم ديانات وأساطير العالم، مكتبة مدبولي، القاهرة، المجلد الثالث، ص31.

6) كلمة "إرادة" عند "شوبنهاور" لا تشير إلى المفهوم العادي والمألوف لهذه الكلمة - حيث يتصورها الناس عادة بأنها إرادة واعية تسترشد بالعقل - لكنها تشير إلى رغبة ملحة لا تهدأ وقوة عمياء لا عاقلة، أو اندفاع أعمى يُحرك كل شيء وبه يتحقق وجوده ويستمر في الحياة، بمعنى أنها تمتد فيما وراء الحياة الواعية لتشمل أيضاً قوى الطبيعة اللا عضوية. ومن هنا كانت "الإرادة" عند "شوبنهاور" تعبر عن الاتجاه اللا عقلاني في فلسفته باعتبارها قوة لا عاقلة، وهي - في الوقت نفسه - أساس للاتجاه التشاؤمي في فلسفته؛ حيث تُعد مصدراً للألم والمعاناة والشر. - يُنظر إلى: 

- E. F.J. Payne’s Introduction to the World as Will and Representation, Dover Publications, New York, 1958, Volume 1, p. ix. 

- أيضاً سعيد توفيق، ميتافيزيقا الفن عند شوبنهاور، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1984، ص27 - 26.

7) الظاهر Apparentهو ما ظهر من الشيء مقابل الجانب الخفي منه، ويقابله الحقيقي Real. ومصطلح "الظاهر" مشتق من الفعل اليوناني φαινόμενoν أي phainomenon بمعنى "ما يبدو أو ما يظهر" أو "ما يخرج إلى النور". ومن المعروف أن هناك ألواناً مختلفة من الاستخدامات لهذا المصطلح، فنحن أحياناً نتحدث عن "الظاهر المحض"Mere Appearance قاصدين بذلك أن ما يبدو غير حقيقي Unreal (بطريقةما)؛ أما الحقيقة فتظل مختفية. لمزيد من التفصيل يُنظر إلى: 

- The Encyclopedia of Philosophy, (Volume 1), p.195. 

- كذلك: المُعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1979، ص114.

- أيضاً: عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1984، الجزء الثاني، ص62.

8) إمام عبد الفتاح، مدخل إلى الفلسفة، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، الكويت، 1993، ص255.

- أيضاً: زكي نجيب محمود، نحو فلسفة علمية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1980، ص219.

9) عبد الرحمن بدوي، أفلاطون، وكالة المطبوعات، الكويت، دار القلم بيروت، لبنان، 1979، ص146.

10) Kyriaki Goudeli, Challenges to German Idealism: Schelling, Fichte and Kant, New York, palgrave, 2002, p.57. 

- يُنظر أيضاً إلى: 

- Richard Rennington, The Philosophy of Immanuel Kant, Journal of History of philosophy, October 1987, (xxv), p. 612. 

(11) تعبر كلمة "تمثل" عن المعنى المقصود الذي تشير إليه الكلمة الألمانية Vorstellung (Idea) التي ظهرت في الترجمة الإنجليزية القديمة لكتاب "شوبنهاور" The World as Will and Idea؛ ذلك لأن كلمة Idea كما تُفهم - بمعناها المألوف - تبعد كثيراً عن المعنى الفعلي للكلمة الألمانية Vorstellung, والتي تنطوي على دلالة أوسع. لذلك نفضل ترجمة هذه الكلمة إلى "تمثل" Representation - كما ذهب إلى ذلك كثير من الباحثين ومنهم E.F.J. Payne - لأنها تعبر عن المعنى المقصود الذي تشير إليه الكلمة الألمانية، ولأن كلمة Ideaقد تُحدث التباساً مع كلمة "مثال" التي يتكرر ورودها في كتاب "شوبنهاور". كذلك من الباحثين من يترجم الكلمة الألمانية Vorstellung إلى كلمة "امتثال" presentation, فإذا قلنا: إن الشيء ماثل أمام الوعي، فهو إذن "امتثال"؛ أما إذا قلنا: إن الشيء ماثل في الوعي، فهو إذن "تمثل". وعلى ذلك، فكلمة "امتثال" تعني أن الشيء قائم هناك فحسب أمام الوعي أو الذهن ليس أكثر، هذه الكلمة تخلق حالة من الانفصال بين الشيء في الوعي. أما كلمة "تمثل" فهي تعني مثول الشيء في الوعي، بحيث لا يقوم إلا من خلال هذا الوعي؛ ومن ثم فإن هذا المعنى الأخير يؤكده "شوبنهاور" في معظم كتاباته. يُنظر إلى: 

- E. F.J. Payne’s, op cit, p. ix. 

- أيضاً سعيد توفيق، ميتافيزيقا الفن عند شوبنهاور، ص27. 

12) Schopenhauer, The World as Will and Representation, Volume 1, p. 6. 

يُنظر أيضاً إلى: 

- Schopenhauer, The Essential Schopenhauer: Key Selections from The World as Will and Representation and Other Writings, edited by Wolfgang, Schirmacher, Harper Collins Books, 2010, p.15. 

13) Schopenhauer, The World as Will and Representation, Volume 1, p. 6.

- أيضاً سعيد توفيق، المقدمة التي صدر بها ترجمته لكتاب آرتور شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلاً، ص19-20.

- كذلك فؤاد زكريا، العالم إرادة وتمثلاً، تراث الإنسانية، مهرجان القراءة للجميع، مكتبة الأسرة، القاهرة، 1994، ص11.

14) آرتور شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلاً، ترجمة سعيد توفيق، ص55.

15) Berkeley, Philosophical Writings: The Principles of human Knowledge, Selected and edited by T, E, Jessop, Thomas Nelson and son LTD, 1952, p. 53. 

16) آرتور شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلاً، ص55.

17) آرتور شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلاً، ص57 - 58.

- أيضاً سعيد توفيق، ميتافيزيقا الفن عند شوبنهاور، ص49. 

- يُنظر أيضاً إلى: 

-William Mackintire Salter, Schopenhauer’s Type of Idealism, The Monist, Vol.21, No. 1(January, 1911), p. 1-2. 

18) Schopenhauer, The World as Will and Representation, Volume 1, p. 21. 

19) Schopenhauer, op cit, Volume 1 p. 22. 

- أيضاً عبد الرحمن بدوي، شوبنهاور، ص100 -101. 

20) آرتور شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلاً، ص170.

- يُنظر أيضاً إلى: فرنر شنيدرس، الفلسفة الألمانية في القرن العشرين، ترجمة محسن الدمرداش، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، عدد (833)، 2005، ص26.

21) Schopenhauer, The World as Will and Representation, Volume 1, p. 99. 

22) Kerstin Behnke, Going Beyond Representation: The Ratio Schopenhauer’s Metaphysics of Will, Qui Parle, Vol. 15, No. 1 (Fall, Winter 2004) p. 39. 

- يُنظر أيضاً إلى: هنرى أيكن، عصر الأيديولوجية، ترجمة فؤاد زكريا، مراجعة عبد الرحمن بدوي، مكتبة الأنجلو، القاهرة، 1963، ص132.

- كذلك: فؤاد كامل، الفرد في فلسفة شوبنهور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1991، ص8. 

23) Schopenhauer, op cit, Volume 1, p. 101-102. 

24) يُنظر أيضاً إلى: 

- Richard Taylor, Schopenhauer: An Essay on A Critical History of Modern Philosophy, edited by D, J, O'Connor, Macmillan, London, 1964, p.367. 

25) Schopenhauer, The World as Will and Representation, Volume 1, p. 274. 

- أيضاً عبد الرحمن بدوي، شوبنهاور، ص191 -192. 

26) Schopenhauer, op cit, Volume 1, p. 275. 

- أيضاً عبد الرحمن بدوي، المرجع سالف الذكر، ص231. 

27) الواقع أن كلمة "اندفاع" هي أنسب الكلمات لتعبر عن معنى الإرادة الواسع عند "شوبنهاور"؛ لأنها لا تشير إلى شيء محدد بذاته؛ بل تشمل الأفعال القصدية والعادات والغرائز والانفعالات والميول، وتشمل أيضاً قوة الطبيعة اللا عضوية.

28) Schopenhauer, op cit, Volume 1, p. 275-276. 

29) Schopenhauer, op cit, Volume 1, p. 276. 

- أيضاً: عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، ص35.

30) Schopenhauer, op cit, Volume 1, p. 375. 

31) يُنظر في ذلك إلى: فؤاد كامل، الفرد في فلسفة شوبنهور، ص88.

- أيضاً: وفيق غريزي، شوبنهاور وفلسفة التشاؤم، دار الفارابي، بيروت، لبنان، 2008، ص140. 

32) Schopenhauer, op cit, Volume 1, p. 395.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/8/163

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك