يمكن للثورة في سوريا أن تنتشر بسهولة إلى بلدان الشرق الأوسط الأخرى

    ترجمة : مصطفى الحيدري

من المستحيل ان نعرف مدى السوء الذي سوف تصل اليه الاحداث في الشرق الأوسط هذا العام، اذ ان هناك أدلة متزايدة تشير الى التدهور الكبير الذي من المحتمل ان تصل اليه الامور. بالطبع، أسوأ الحالات تميل الى ان تكون نادرة برحمة، عندها يمكن ان نأمل بشكل مسؤول بان المنطقة لن تمضي على النحو السيء الذي كنا نتوقعه. عندها مجددا، هذا هو الشرق الأوسط الذي نتحدث عنه، وفي الشرق الاوسط، يمكن للأحتمال الأسوأ الذي نتحدث عنه ان يكون- لسوء الحظ- هو الاكثر احتمالا للحدوث.

يكمن أحد اكبر أوجه السوء الذي يمكن ان يحدث في الشرق الأوسط هذا العام في التقاء الاحداث في سوريا والعراق.

منذ أسابيع قليلة مضت، أخبرني احد السعوديين من ذوي العلاقات الجيدة "نحن نرى الحرب الأهلية في سوريا والحرب الاهلية (القادمة) في العراق امر متشابه، وسوف نتعامل معهما بالأسلوب نفسه". شارحا وجهة نظره بهذه الطريقة : من وجهة نظر الرياض، هناك حكومة شيعيه مدعومة من ايران في كل من سوريا والعراق تقومان بقمع السكان السنة في كلا البلدين – السنة الذين تجد العربية السعودية والدول السنية الأخرى نفسهم ملزمين بدعمهم. ذكرني ايضا بأن القبائل السنية في شرق سوريا هم نفسهم هؤلاء في غرب العراق. القبائل مثل الجبور وشمر اللتان تعبران الحدود.لذا فان توفير المال والسلاح للقبائل السنية في شرق سوريا هو بشكل فاعل الامر نفسه بالنسبة لتوفير المال والسلاح لقبائل غرب العراق.

لا نعلم اذا ما كان السعودي الذي تحدث لي يعبر عن وجهة نظر الحكومة السعودية. تبدو كلماته منسجمة مع سياسة الرياض العالمية ومع نظرية السعوديين التي هددوا باتخاذها عام 2006، خلال الايام المظلمة التي شهدت الحرب الاهلية في العراق. لكن كما يرغب صديقي غيرغ غوس ان يقول عن فهمه للسعوديين، ان المشكلة تكمن في " اولئك الذين يعلمون ولايتكلمون، واولئك الذين يتكلمون ولايعلمون" مازال، حتى ما اذا كان صائبا، يمكن ان يكون الامر صحيحا.

طبقا لاي معايير، اجتازت سوريا بالفعل عتبة الحرب الاهلية، ومن المحتمل ان يشهد الوضع المزيد من التدهور قبل ان يبدأ بالتحسن (اذا ماحدث اصلا تحسن). نظام الأسد، والمجتمع العلوي الشيعي الذي يقف وراءه، اظهرا عدم رغبة بالكامل للتنحي او تقديم تنازلات، ويبدو مستعدين لاستخدام العنف بقدر ما يلزم للبقاء في السلطة. في الواقع، تشير معظم التقارير الى ان العلويين يخشون سقوط النظام، خشية ان يتم ذبحهم من قبل الاكثرية السنية في سوريا والمظلومة منذ اكثر من 50 عاما. بناءا على ذلك فهم يخططون للقتال بأقسى ما يستطيعون ويقتلون اكبر عدد لازم من أجل الحفاظ على السلطة. من جانبها، رفضت الغالبية السنية المعارضة ان تقاد بهذا الشكل من قبل النظام وتريد تنظيم قدراتها الخاصة لشن حرب ضد النظام.

هذه ليست وصفة لثورة سلمية كالتي شهدناها في تونس و(غالبا) في مصر. انها وصفة لصراع عميق، كليبيا واليمن أو أسو من ذلك. مالم يجد النظام الوسيله للحد من العنف وسحق المعارضه سريعا – او قوة خارجية كبيرة تقرر التدخل بالقوة لاخماد الصراع تماما، ان اكثر الاحتمالات ترجيحا هو دمويا، ناذرا بحرب طال انتظارها.

ينبغي لنا ان نتوقع ان امتداد الاحداث من سوريا – والتي من المتوقع ان تؤثر حتى على تركيا، لبنان وبدرجه اقل اسرائيل، سوف تزيد الأمور سوءا وتؤثر على العراق والاردن.

احد أكبر المشاكل في مثل هكذا حروب اهلية هو انها لاتبقى موجودة ضمن حدود الدولة. ان انتشار الحروب الاهلية هو امر لامفر منه، على الرغم من انها سوف تتدرج بين معتدل جدا وحادة جدا، وللأسف، سوريا لديها كل السمات المميزة لتجعلها بؤرة لاسوأ نوع من انواع هذه الحروب. فالحدود يسهل اختراقها، تركيبة المجتمع العرقية والطائفية المنوعه، المطالبات المختلفة، والمظالم التي تمتد لفترة طويلة مع جيرانها، اشار صديقي السعودي الى ان نفس هذه الاشياء تحصل مع العراق ايضا، وعلينا ان نتوقع ان امتداد الاحداث من سوريا (سوف يؤثر ايضا على تركيا، لبنان، والى حد اقل اسرائيل) وسوف تزداد الاوضاع سوءا، لتؤثر على العراق والاردن.

ان امتداد الحروب الاهلية يظهر نفسه بست طرق خبيثه، الارهاب، اللاجئين، تفكك اقتصادي، التطرف من سكان دولة مجاورة، الانفصال، والتدخل من قبل دولة مجاورة. عام 2006، خلق العراق جميع هذه المشاكل لدول اخرى في الخليج الفارسي، جعل ستراتيجيتها تتهيأ ذعرا وتفترض ان الشرق الاوسط ماض الى الجحيم حتة زادت الولايات المتحدة عدد قوتها بستراتيجية الانتشار عام 2007 وقمعت بنجاح العنف والحرب الاهلية. الحرب الاهلية في دولة قد تؤدي الى اشعال شرارة حرب اهلية في دولة اخرى، حرب اهلية في لبنان ادت الى حرب اهلية في سوريا للفترة 1976-1982، اشعلت الحرب الاهلية في رواندا شرارة الحرب الاهلية في الكونغو خلال فترة التسعينات. تماما كما ادت الحرب الاهلية في افغانستان الى ان تجعل باكستان على شفا هكذا حرب (وربما اكثر من ذلك في المستقبل). يمكن للحرب الاهلية ان تؤدي ايضا الى حرب اقليمية وتدخل دول الجوار في البلاد في صراع من اجل حماية مصالحها ومنع خصومهم في الاقليم من الحصول على ميزات. ادت الحرب الاهلية في الكونغو الى تدخل سبعه من دول جيرانها، وحرب لبنان ادت الى صراع بين اسرائيل وسوريا بالنيابه، حرب افغانستان ادت الى حرب بالنيابه بين روسيا وباكستان (المدعومة من الولايات المتحدة) وهناك أسباب أخرى عديدة تقف وراء هذه الخطوط

بملاحظة ان العراق لا يحتاج الى اي مبرر للعودة الى الحرب الاهلية، الا ان الامور تسير بشكل ذكي بأرادة عراقية، بالرغم من التقدم المحرز منذ سبتمبر 2009، الا ان هناك عيوب كبيرة في طبيعة النظام السياسي في العراق مازالت حتى الان بدون معالجه كاملة منذ زيادة عدد القوات الامريكية وحقق البلد تقدم كبير في المجال السياسي. ان انسحاب القوات الامريكية قبل معالجة تلك المشاكل بشكل كامل لايدل فقط على عمق تلك المشاكل لكن يؤشر الى تحقيق انتكاس كبير للتقدم الذي تم تحقيقه. يمكن وصف بغداد انه في أزمة، حتى لو تم نزع فتيل الازمات الحالية، فما لم تبدي جميع الاطراف العراقية الاستعداد الكامل لتقديم التنازلات بالطريقه التي لم تكن موجودة منذ بدء انسحاب القوات الامريكية، سوف تحدث ازمة تلو الاخرى وسوف ينتهي حال البلد اما الى حرب أهلية، نظام ديكتاتوري غير مستقر (يؤدي الى حرب اهلية بشكل من الاشكال)، أو نموذج دولة فاشلة مشابهة للصومال بما تحتويه من غياب للقانون والعنف.

كانت التوقعات بالنسبة للعراق ان يدير نفسه بعيدا عن فخ الحرب الاهلية وهي المهمة الشاقة، لكن الامور تأخذ ابعادا خطيرة جدا عندما ننظر الى التأثير المحتمل لاتساع نطاق الحرب الاهلية السورية. ففي جميع حالات الحروب الاهلية تقليديا، تجد المليشيات المسلحة ملاذا في دول مجاورة، لاسيما في البلدان التي يرتبطون معها بروابط دينية او عرقية او قبلية، او حتى سياسي في الجانب الآخر من الحدود. أسوأ ما في حالات العنف في سوريا، ان العشائر السنية التي تقاتل ضد النظام الشيعي العلوي سوف تبحث عن ملاذ آمن لها ويد العون من اخوانهم في العراق. واخوانهم في العراق يفكرون بالفعل في الدخول بصراع جديد ضد نظام يسيطر عليه الشيعه في بغداد، وقد تبدو فكرة الحصول على مساعدة من اخوانهم في سوريا معقولة بالنسبة لهم. في الوقت نفسه، يرى السعوديين والاردنيين والاماراتيين والكويتيين وكذلك الاتراك ان الانظمة في بغداد ودمشق هي دمى بيد طهران (بدرجات مختلفة من نظام لاخر) الى ما هو اكثر من ذلك في تسليح السنة، وعزل الانظمة في هذين البلدين، في محاولة لممارسة الضغط على الايرانيين بشكل مباشر.

تبدو التحذيرات من اندلاع حرب أهلية بين السنة والشيعة تمثل اشاعه خوف سخيفة لكنها قد تتحول الى حقيقة واقعه مأساوية اذا ماكانت الدول العربية السنية مصممة على منع ايران من الاحتفاظ بحليفها في دمشق وخلق حليف آخر ببغداد. على أقل تقدير، منافستهم حول سوريا والعراق، أصبحت اكثر سخونه، ومن المحتمل أن تجعل الوضع اكثر سوءا في كلا البلدين. وفي أسوأ حالاته، هكذا جهود لشن حربا بالوكالة عبر البلدين تكون فيها حرارة كافية لصهر صمام الامان واندلاع حربين اهليتين، مما يضيف وقودا على كل الحرائق وجعلها اكثر صعوبة الاطفاء.

ما مدى السوء التي يمكن للامور ان تصل اليها في الشرق الأوسط ؟ يحتمل ان تكون سيئة لكن في احلى صورها. ما زلنا قلقين بشأن التطورات التي تحدث في كلا البلدين، وأحيانا نطمئن انفسنا بأن الاوضاع لن تسوء جدا بسبب القيود المتأصلة في وضع كل بلد وبفصل كلا الحالتين عن بعضهما وبشكل منطقي يمكننا أن نهون الاحتمال الفعلي للمشاكل القائمة وعلينا ان نكون واعين من احتمال ان تتفاعل المشاكل في العراق وسوريا والخليج والاردن ولبنان واسرائيل وفلسطين ومصر وليبيا وتونس الخ... وتنتج كلا واحدا أسوأ من مجموع أجزاءه وكما هو حال الحضارة نفسها يمكن أن تنبع جميعها من ضفاف نهر الفرات.  

 


¨  كينيث بولاك 31-1-2012 ـ مركز سابان

http://www.brookings.edu/opinions/2012/0131_syria_pollack.aspx

 

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك