ثقافة القراءة وقراءة الثقافة في ضوء الخطاب القرآني

علي مجيدي البديري

لابدّ لدراسةٍ يتضمن عنوانُها مفرداتٍ من مثل ( التقافة ، القراءة ، الخطاب ) وتعالجُ في متنها سُبلَ التواصلِوالإتصال مع الآخر، نصاً كان أو ظاهرة أو أي شكلٍ ثقافي آخر في ضوء الخطاب القرآني ، لابدَّ لها من إضاءة مفاهيم المصطلحات الواردة في العنوان ، وبشكلٍ يسعى إلى تحقيق التفاعل مع القارئ ودعوته إلى المشاركة في تأمل الخطاب القرآني الذي لاحدَّ لتجلياته المتوالدة ، وفضائه المتسع .

   ومن هنا جاء انشغالُ المقدمة بتحديد مفاهيم المصطلحات الثلاث ، خصوصاً وأنها شديدة الصلة بالموضوعات الحديثة والدراسات الثقافية المعاصرة ، التي تواجه إشكاليات كثيرةً لعل أبرزَها قضيةُ المصطلح النقدي والمعرفي .

تحديد المصطلحات

1- ثقافة القراءة

لم يواجه أيُّ مصطلحٍ تعدداً في التعريف وزوايا النظر كما واجه مصطلحُ (الثقافة) ، إذ قَدّمتْ الموسوعاتُ والمعاجمُ والدراساتُ الأنثربولوجية مايزيد على مئة وستين تعريفاً للثقافة . فهي تعني مرةً رصيداً معرفياً تراكمياً يكتسبُه الفرد أو المجتمع من تجربته وخبرته الحياتية ، وتفيد مرةً أخرى نمطاً سلوكياً أو أسلوباً معيناً في الحياة (1) . غير أن التعريف الذي احتل مساحةً زمنيةً ممتدةً ، هو تعريف الأنثربولوجي البريطاني (E.B.TYLOR) فهو يرى (( أن الثقافةَ ماهي إلاكلٌ (معقدٌ) متشابكٌ متداخلٌ يشتمل على المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق والقوانين والعادات وكل مايملكه الإنسان مما يؤهله ليكون عضواً في المجتمع. )) (2) ، ونجد هنا اجتماعاً للمقومات التي استمرتْ كعناصر رئيسة في التعريفات اللاحقة للثقافة ، وهي ما تتوزع بين المكتسب المعرفي والسلوك الحياتي . وهكذا ستكون الثقافة ، وهي تتشكل جزءاً من المصطلح المركب (ثقافة القراءة) ، النمطَ المعرفي والوعي المتبصر بآليات القراءة ونظرياتها وأنماطها ومستوياتها والمرجعيات التي يصدر عنها والسياقات التاريخية التي تنتجها . فـ(ثقافة القراءة) مصطلح يتعلق بالتصورات النظرية لعملية القراءة ، ومدى فاعلية مناهجها في التعامل مع النصوص والظواهر المقروءة من جانب ، ومقدار اتصالها بالقراءات المتعاقبة والتلقيات المتتابعة قبلها ، وحتى المتزامنة معها ، أيمايشكل مكتبة تلقي النص المقروء .

2- قراءة الثقافة

 يتصل هذا المصطلح بسابقه في معنى جزأيه:(القراءة /الثقافة) ، ويفترق عنه في أنه يجسد الإجابة عن (كيفية) قراءة الثقافة ، وفهمها . في حين أنّ المصطلح السابق أختص ببيان القراءة بشكلها العام . ويعنى المصطلح هنا بالإشارة إلى تفاعل خبرة القارئ بكل تحققاتها مع الثقافة بكل تحققاتها، إذ سيُدخِل القارئُ صورةَ الثقافة المتحققة في دائرة وعيه ، ليعيد صياغتها أوتعيد هي صياغته ، فالكينونتان مفتوحتان على بعضهما ، على ان ذلك لايعنيتحررأي طرف عن ماهيته الخاصة . والمسافة التي بين الثقافة وقارئها هي مسافة المعاينة والتأمل والبحث ، وفيها تتم ممارسة تفعيل خبرة القارئ وثقافته واختبار قدرتها على استيعاب الآخر، واستعدادها للتعاطي معه .

3- الخطاب القرآني

لانقصد هنا دلالة (الخطاب) التي اهتم بها البحث اللغوي الأسلوبي ، وإنما نعني دلالته الأخرى التي تختص بحيازة مفاهيم ورؤى خاصة يمتلكها صاحب الخطاب ويمارس من خلالها حضوره المهيمن ضمن حقله المعرفي ، وامتداد هذه المفاهيم والرؤى ضمن شبكة السياق الثقافي . على أن لهذا الأخير دوراً مؤثراً وموجِّهاً في تشكّل الخطاب .(3)

 ويمتلك القرآن الكريم خصوصيته الفائقة والمقدسة بوصفه كلامَ الخالق جلّ وعلا ، لذا فإن خطابَه متفردٌ ، وله حضورٌ مهيمن في أكثر من حقلٍ معرفي ، وتستدعي قراءتُه وتأملُه توفرَ القارئ على عدة ثقافية كبيرة لاتغفل دور السياق الذي تنزلت فيه النصوص القرآنية ، لأن هذه الخيرة جسدتْ في كثير من صورها إجابةً عن أسئلةٍ ، أو إضاءةً وكشفاً لحدث أو غير ذلك . كما أن خصوصية الخطاب القرآني تتأتى من أنه نصٌ شديدُ الإقتراب من الإنسان وهو في الوقت ذاته (( لم يطرح نفسه ليجمّد في الإنسان طاقات النمو والإبداع والبحث ].....[ وإنما طرح نفسه طاقةً روحيةً موجهةً للإنسان ، مفجرةً طاقاته ، محركةً له في المسار الصحيح))(4)  

القرآن والإنسان

    يعد من نافلة القول الحديث عن علاقة القرآن بالإنسان ، وهو يصرح في آيات كثيرة باختصاص توجهه إلى الإنسان ومخاطبته ودعوته للتفاعل معه ((إن هو إلا ذكر للعالمين . لمن شاء منكم أن يستقيم )) التكوير: 27-28 ، وفي مرحلة لاحقة لهذه الدعوة يتجه الخطاب القرآني إلى توصيف الكيفية التي يوقظ فيها الإنسان إحساسَه الداخلي وإرادتَه ووعيه نحو الحق والخير بكل مصاديقهما ، عبر فعل التحرر من سلطة الغفلة والعبودية لغير الله تبارك وتعالى ، حيث يتحقق تأهيله المرجو للإستخلاف والتفويض الإلهي . فلايتوسل الخطاب القرآني إلى تحقيق ذلك منهجاً استلابياً يقف فيه الإنسان متلقياً بشكلٍ آلي وسلبي ومسلماً لمعطيات الواقع دون تدبر وتفكير ، بل يسلك منهجاً تفاعلياً قوامُه تحريكُ القوةِ العقلية لدى الإنسان وحثه على الإنسياق وراء مايصل إدراكه ووجدانَه ،ومايتضحُ أمامه أنه الحق بعيداً عن انفلاتات الأهواء وانحرافات النزعات المضلة (5) ، قال تعالى: ((قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد)) سبأ: 46 ، وهنا يوجه القرآن خطابَه وحوارَه إلى إرادة الإنسان الخالصة وتفكيره المتجرد عن المؤثرات الخارجية المتمثلة بأفكار وتوجهات الآخرين ، إذ تكون لهذه الأخيرة قوةٌ تأثيريةٌ كبيرةٌ تدفع تفكير الإنسان إلىمايطابقها أو يوازيها في النتائج واتخاذ المواقف . فالقرآن يدعو بلين ورفق ، مصحوبين بتحفيز واستثارة إرادة الإنسان إلى مايحقق استقلاليته في قراءةٍ خاصةٍ تقوده إلى اتخاذ الموقف الخاص المبني على رؤية واضحة موضوعية بعيدة عن تأثير الجماعة وإيحائها المستلِب لخصوصية الفرد .

    لقد تفرّد الإنسان من بين المخلوقات بامتلاكه منظومةً ثقافيةً تمثلتْ في اللغة والفكر والدين والمعرفة والقيم والأعراف الثقافية وغيرها ، وهذه المنظومة هي التي أهلته لأن يكون خليفة الله تعالى في أرضه ، وهي التي جعلته كائناً ثقافياً بالطبع ، فهذه العناصر الثقافية مكونات جوهرية للطبيعة البشرية .(6)

    بناءً على ذلك يتضح أن الكثير من الأزمات الفكرية والإشكاليات المعرفية التي عاشها ويعيشها إنسان اليوم لم تأتِ إلا من انفصاله وانقطاعه عن المنهج الإلهي في التدبر والتفكير ، وحرصه في معالجة هذه الأزمات على انطلاقه من رصيد فكري ، وذخيرة بحثية مستعارَة لايملك من مقوماتها شيئاً خاصاً . وهو مادفع أحد المفكرين الإسلاميين إلى التصريح بأن المشكلة والأزمة التي يواجهها الباحث الإسلامي ليست في البرهنة للمسلم على وجود الله ، بقدر ماهي في إشعاره بوجوده سبحانه ، وأن تمتلئ نفسه بهذا الوجود ، لأن هذا الشعور هو مصدر طاقته ، وأساس نشاطه .(7)

 

القراءة الإسلامية والمثقف الإسلامي

   يبدأ فعل القراءة في منظورالخطاب القرآني من لحظةٍ تأسيسيةٍ مهمةٍ ، فيها ومنها ، تكتسب القراءةُ خصوصيَتهاوتتهيكلُ كيفيتُها ومستوى ارتباطها بنسقها ووعيها للمتغيرات التاريخية والثقافية التي تحيط بها . ونستطيع أننستجلي هذه الملامح التي تتصف بها لحظة القراءة تلك إنْ تأملنا آيات الإستخلاف وآيات القراءة في النص القرآني الكريم :

·  آيات الإستخلاف : قال تعالى:

((وعلّم آدمَ الأسماءَ كلَّها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . قالوا سبحانك لاعلم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العزيز الحكيم . قلنا ياآدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألمْ أقل لكم أني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ماتبدون وماكنتم تكتمون))البقرة : 31-33

((وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ))الحجر: 27-28 

 

·  آيات القراءة : قال تعالى:

((إقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . إقرأ وربك الأكرم . الذي علم

 بالقلم . علم الإنسان مالم يعلم ))العلق :1-5

   في الآيات الأولى يأتي الإعلان الإلهي عن استخلاف الإنسان في الأرض محفوفاً بالتكريم وإعلاء المنزلة لهذا الخلق الجديد ، ويتجلى ذلك في :

1-نعمة الإيجاد    2- نعمة التعلم والإختصاص بعلم الأسماء دون الملائكة وكذلك النفخ من الروح   3-إسجاد الملائكة له .

    هذه النعم الثلاث الظاهرة ، هي تكريمٌ وتكليفٌ . وجاء التكريمُ مقدمةً مهمةً من المنعم جلَّ وعلا لتحقق التكليف . فعدالتُه سبحانه تقتضي أن لايُكلَّف المخلوق إلاوسعه . ومانريد التوقف عنده قليلاً هو نعمة تعليم آدم (ع) والنفخ فيه من روح الله تعالى ، حيث تتجسد فيها ومنها اللحظةُ التأسيسيةُ لثقافة الإنسان ، وتُمنحُ أولى خصائصها ، وهي ارتباطها بالسماء (بالفيض الإلهي)، فهذه الثقافة ليست مستقلةً في وجودها ونموها وتحولاتها المستقبلية عن السماء ، ولكن تحقق هذا الإرتباط بالفيض الإلهي مرهون بدرجة الإقبال والإنقطاع إلى الله تبارك وتعالى في ممارسة الفعاليات الحياتية المختلفة . 

    إن النفخة الإلهية في آدم هي نفخة ثقافية /تعليمية ، مصدرها الله تعالى ، ولذا فهي ذات طبيعة غيبيّة ، وهذاماتتشكل منه خصوصيتان للإنسان ؛ الأولى : أنّ مصدرَ ثقافته من السماء ، والثانية: أنه خُصَّ بهذا الفيض دون غيره من كائنات الأرض .(8) ومما يؤكد ذلك الإشتراط الذي يرتهن به التحقق الفاعل لثقافة الإنسان ، الإستخدامالقرآني البليغ والدقيق للفعل (علّم) ، فهو بصيغته هذه دلَّ على وصول العلم بشكل تدريجي للمتعلم ، وأن الأمرَ مرهونٌ بطلب التعلم، فدرجة التقبل مهمةٌ جداً في ذلك ، وهنا يكمن السر في استخدام الخطاب القرآني للفظة (علّم) ، والتي تعني تمكين هذا المخلوق الجديد من سبل التعلم ، وتزويده بطاقة تمكنه من تسمية الأشياء وسائر المسميات . ولم يستخدم لفظة (أعلم) التي تدل على توصيل العلم وإعطائه جاهزا . وفي التمكين من فعل التسمية يتجسد مظهرٌ آخر من مظاهر السلطة المعرفية عليه (الشيء المسمى)(9)، وباستمرار فعل التعلم واكتساب المعرفة يطور الإنسان أدواته التي منَّ الله بها عليه ، وينمي قدراته عبر الحرص على ربط المعرفة بالسلوك ، ساعياً إلى أن يكون بمستوى كفاءة الاستخلاف الإلهي والمسؤولية الربانية في إعمار الأرض وتنميتها . فالقراءة إنما تبدأ وتُتمم فعلَها "باسم الله" : ((إقرأ باسم ربك الذي خلق ..)) ، وعلى النقيض من ذلك ، ونتيجةً لانقطاع الإنسان عن الفيض الرباني أصبح النشاط الثقافي للإنسان في شتى أشكاله ومستوياته نشاطاً تجميلياً شكلياً خالٍ من العمق والتجانس فيما بينه وبين الممارسة الحياتية ، ومادام متسماً بالإنقطاع فهو يفتقر إلى الوعي بطبيعة الفعل الثقافي الذي يشكّل إضافةً حقيقيةً لمنجز ثقافي سابق ، إضافةً إلى افتقاره لمعرفة طاقاته المعطلة ، التي لو عمل على تفعيلها بشكلٍ جادٍ ومثمر لاكتسب فعلُه الثقافي وجوداً محركاً للحضارة عبر تخطي المنجز القديم ، ليس بالتنكر إليه وإنما بمحاورته والإضافة إليه.

      لابد للمثقف الإسلامي من أن يمتلك تصوراً ورؤيةً خاصة به . وليست بالضرورة أن تفرزه هذه الخصوصية خارج نسقه الثقافي الذي يعيشه ، فهو مثقف منتم لمرجعيات إسلامية ثابتة ، ولكن ماهو ضروري أنْ يمتلك مغايرَته الخاصة في هذا النسق ، فهو يسعى على الدوام إلى تحقيق إنجاز التحديث وصناعة الأجوبة لأسئلة مستحدثة ، وتغيرات ثقافية مستمرة ، وبمعنى آخر ، فإنَّ مايميز المثقفَ الإسلامي هو شدةُ ارتباطه بواقعه ، ارتباطاً يوفر لصاحبه شعوراً بخصوصية العلاقة ، فهو دائمُ الملامسة لمفردات الحياة وتحولاتها ، ومتصلٌ بما تفرزه هذه التحولات من إشكاليات وتساؤلات ، ومتصلٌ بما يُعدّ هماً إنسانياً مشتركاً مع التكوينات الثقافية الأخرى ، فالحياة هي ميدان اشتغاله ، وهو دائم الحضور في مشهدها ، يعايش واقعها ويرصده باستمرار، ولايتعامل مع قضاياه من خلال أفكار تجريدية واطروحات ناجزة متعالية ، بحيث تصبح العملية الفكرية التي يمارسها (( عملية استنباط أفكار من أفكار دون عودة إلى الواقع ، باستثناء تلك التي تسعى إلى قياسه عليها ، وهذا ما يجعل الفكر يدور في فلكه الخاص ويشتطُّ في أحكامه واستنتاجاته دون رقيب . إذ يمكن لقضية أن تكون منطقيةً وصحيحةً ، أي أن تطابق نتائجها مقدماتها ، دون أن تكون بالضرورة صادقةً من حيث مطابقة نتائجها للواقع)).(10)

      إن هذا هو مايجعلُ من موقف المثقف الإسلامي موقفاً يتسم بالحساسية ، فهو مطالبٌ بأن يحافظَ على خصوصيته في سعيه للإنفتاح على الآخر وتَلَمُّس المشتركات الثقافية في مساحة وفضاءٍ ثقافيٍ متسع ، وهي معادلةٌ لابد من تحقيق التوازنِ المطلوب فيها .

 

 

مقومات القراءة

    إن القراءة التي يسعى الخطاب القرآني إلى إشاعتها في الوسط الإنساني ، هي القراءة ذات البعد المجتمعي العام ، التي تمتلك سيرورةً اجتماعيةً – تأملية ، فهي فعلٌ جماهيريٌ لايختص بنخبة معينة طالما كانتْ النصوصُ (مادة القراءة) في متناول النظر والتفكر في كل حين. قال تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من    قبلهم..))الروم :9

وينبغي ان يُمارس هذا الفعلُ الجماهيري وفقَ شرائطِه ومقدماتِه . إذ لاتُبتنى القراءة في المنظورالقرآني على تخميناتأوميول ذاتية انفعالية ، وإنما تعتمد التحليل الإستقرائي والرؤية الشاملة التي ترتكز ارتكازاً كبيراً على الواقع ومعطياته أولاً وعلى الذخيرة المعرفية المتنوعة للقارئ ثانياً. فبذلك يمكن تنشئة القارئ المسلم المقتدر على كسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها القراءات المستكينة إلى وجودها الإستهلاكي ، والعاجزة عن ادراك أهمية التفاعل مع الواقع والتعاطي معه من أجل إحراز التنوع الثقافي والوعي بأهمية صناعته .

    لقد حرص الخطابُ القرآني على تنمية هذه الفكرة ، وإشاعة هذه المنهجية الجديدة التي ترتقي بوعي الإنسان ومداركه وقدراته إلى مستوى الرؤية المتجددة/المتحركة ، التي ترفض الركون إلى الجمود والإنقطاع عن الواقع . ويتعين على القارئ  فيها أن يجسِّر المسافة بين الحاضر والماضي عبر رؤيةٍ استكشافيةٍ تأمليةٍ تعي معنى (النظر في عاقبة الأولين) التي يدعو إليها النص القرآني ؛ فالأثر القديم الذي تدعو الآية أعلاه إلى التدبر فيه ، نص مفتوح للقراءة ، والنداء القرآني يحملُ في دلالته العميقة إستشرافاً لقراءات متوالية لاتنقطع ،  فالآية تشير إلى بعد خارجي يهتم بالتعاقب الزمني الذي يجب تأملُه والإستفادةُ منه في القراءة والاعتبار. والذي يمتلك امتداداً مفتوحاً على أزمنة القراءة السابقة المتحققة أو المحتملة في المستقبل . والبعد الآخر هو البعد الداخلي الذي يستدعي النظر في (الكيف الفعلي) أي الطريقة التي جسدت نهاية المشارإليهم في الآية . وفعل التدبر هنا واقعٌ بشكلٍ متاخمٍ لفعل العاقبة ، وكأن الآية الكريمة تسعى إلى تقليص المسافة بين الفعلين لأجل تحقيق الاعتبار، وتوجيه الفكر نحو التواصل مع الواقع . 

    لقد عمد المنهج القرآني إلى دفع القراءة باتجاه إلغاء فكرة الإنقطاع بين زمن القراءة و زمن تشكل المقروء بهدف الحرص على إبقاء سيولة القراءة مستمرة دون توقف . حيث أن حالة اندماج الزمنين توفر اقتراباً أكبر من عملية استيعاب معطيات النص واتصالاً كبيراً بطبيعتها ، وسيوفر ذلك أيضاً فرصةً لفرز المواقف التي يمكن أن يتخذها القارئ من النصوص قبولاً وتمثلاً أو رفضاً وتجاوزاً أو البقاء عند نقطة متوترة بين الموقفين مستجيباً لدافع تأملي أطول للنص . وهذا مايمكن أن نقرؤه في النص الوارد عن المعصوم (ع) في طبيعة النص القرآني: (( والآية حيةٌ لاتموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ماتتْ الآية لمات القرآن ، ولكن هي جاريةٌ في الباقين كما جرت في الماضين))(11) . وهكذا يحرص الخطاب القرآني في عملية تخليق فعل التأمل عند الإنسان على إقامة قواعد منهجية له تشترك فيه قوى الإنسان الحسية والعقلية ، يقول تعالى: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهمحتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد))فصلت:53  فكما يختط الخطاب القرآني منهجاً للعقل الإنساني يصدر عنه في التفكر والقراءة والتأمل في الآيات الإلهية ، ومنها النص القرآني ذاته ، فإنه يوسع من فضاء القراءة إلى الدرجة التي تنعدم الحدود فيها فـ((كما أن للكتاب التدويني الإلهي ]القرآن الكريم[بطوناً سبعة وسبعين بطناً بوجه ... كذلك الكتب التكوينية الإلهية الأنفسية ]الإنسان[ والآفاقية ]العالم والكون[حذواً بالحذو ونعلاً بالنعل ))(12) ، وستكون ذخائر جميع النصوص بما فيها الإنسان متوالدةً لاتفنى ، وسيمارس المقروء دوراً قرائياً للقارئ ذاته ، حينما يدخل في إطار الناطقين الذين يرفعون هويتهم يوم القيامة (( أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء))السجدة:21 ، ويشهدون بصدق المستقبل وإخلاص العامل أو عدمه .(13)

 

تفعيل طرق الإكتساب المعرفي

   يحتِّم انفتاحُ النصوص على القراءة في الخطاب القرآني إنفتاحاً آخر في عدة القارئ على روافدَ معرفيةٍ تعمل على تغذية مكوناتها وتحسين فاعليتها وتطويرها باستمرار . فصورة الأفق المكتمل للقراءة مستبعدة تماما أمام سيرورةالإنفتاح ، ذلك أن (( عالمية الإنسان تكمن دائما في كونه متحولاً في ذات نفسه وفي عالمه ليكون هو الحق فيما ينطق به ويعبر عنه .. ولاتكون له هذه الشأنية مالم يبلغ منتهى التحول ، بحيث يكون له منتهى الكمال في صيرورة كونه إنسان الرسالة ورسالة الإنسان )).(14)

     وفي مقابل ذلك اهتم النصُ القرآني من خلال آيات كثيرة بإبراز صورة المنغلقين على ذواتهم والمتوقفين عند حدود ثقافة موروثة دون إعادة قراءتها في ضوء الواقع وتحولاته ، من ذلك قوله تعالى : (( وكذلك ماأرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا بما أرسلتم به كافرون))الزخرف :23-24 فنجد أن ثقافة المنكرين للرسالات لم تكن ثقافة منفتحة أمام الجديد والمختلف ، اتسمت بانعدام الدافع الذاتيوالإستجابة المتعَقِّلة لمعرفة الآخر ، وذلك لاكتفائهم بثقافتهم المنغلقة والمبنية على أساس التقليد الأعمى لثقافة سابقة. فهم يعيشون في سياق قديم لاينتمون إليه زمانياً وينقطعون عن آخر على الرغم من راهنيته . ولذلك فهم يصدرون عن أفق ثقافي لم يكن لهم دورٌ مهمٌ في تشكيله أو الإضافة إليه غير إسهامهم في تثبيته وتكريسه وإسقاطه على الحاضر!، وهو ما أسمته الدراسات الحديثة بـ(السكولستيكية) أو النقاش خارج الواقع ، حيث يقف فيه العقل عند حالة من حالات الجمود والإنغلاق في إطار اطروحات وقضايا هي نتاج سياق معين ، وتهيمن هذه القضايا على العقل وتوجه رؤيته للواقع مانعةً إياه من تحديد أدواته الخاصة وطرائقه في مقاربة التجارب الحياتية المتغيرة عبر الأحتكاك بها وملاحظتها بشكل مباشر .(15)

    أما المنهج الإسلامي فعلى العكس من ذلك تماماً ، فهو يحتفي بما يمكن أنْ ندعوَه بـ (تشغيل الأفكار) في الثقافة ؛ الذي لايقتصر على استمرارية تحديث وتطوير الذخيرة المعرفية، ووضعها تحت معاينةٍ دائمةٍ فحسب ، دون أن يكون هذا التشغيل تجلياً كبيراً لمعنى التواصل مع الآخر والحوار معه حواراً تفاعلياً يَعي أهمية الإختلافِوضرورة المشاركةِ في تعميق الوعي وصناعة الثقافة .

    لقد وسع الإشتغالُ المعرفي في كافة ميادينه من مساحة منجزاته ، وبشكل تداخلت فيه الفضاءات الثقافية على بعضها وصار الآخر شرطاً من شروط تشكل الذات وتطورها.       وبفضل كشوفات (الأبستمولوجيا) أصبح من المعروف أنّ الكثيرَ من الأفكارالنوعية تمتلك امتداداً معرفياً كبيراً في الثقافةِ الإنسانية . حيثُ تشتبك اصولُها مع قنواتٍ فكريةٍ متنوعةٍ، مؤتلفةٍ ومختلفةٍ ، تصلُ في بعض المواطن إلى حدٍ يصعب فيه تفكيكُها  وتمييزُها ، ولابد للقارئ حينئذ من تجشم الدقة في الفحص والتأمل ، إضافةًإلى ماطرأ وما يطرأ على بعض هذه الأفكار من تحولاتٍ وتغيراتٍ مستمرة. ولم تكن أساليبُ قراءةِ المعارفِ ومناهجها بمنأى عن هذا التطور ، وهو ماتجسّد في تعدّدِ أجوبةِ المناهجِ والمقاربات النقديةِ حول سؤال القراءة وسبل الفهم والتأويل . إنّ هذا الأمر يجعلُ من عملية (تشغيل الأفكار) خياراً وحيداً أمامَ القارئ ، وهو يمارسُ فعلَ القراءة ، فلا قراءةَ منتجةً بدون حوارٍ متفاعلٍ مع النص ومع الآخر، وبدون وعيٍ تفصيلي ٍواستقصاءٍ دؤوبٍ لمرجعيات النصوص وظروفِ تشكّلها . ولاشك في أنّ غيابَ هذا الوعي يقفُ وراءَ العديد من نشوء الأفكار المغلوطة في ثقافتنا ؛ إذ لاتختص ضرورةُ حضورهذا الوعي وتفعيله بمقاربة ميدان إبداعي محدد ، فكل نتاج معرفي قابلٌ لفعل القراءة ، بخصائصها وشرائطها تلك . وربما يكون السياقُ الثقافي متماثلاً في مجموعةٍ من القراءات ، ويمكن أنْ يكون مختلفاً ، ولكنّ آفاقها (الخاصة) ومرجعياتها متباينةٌ حتماً . وهو ما يدعو كلَ قراءةٍ إلى الإنفتاح على الآخر والإنصات له. وفي ذلك كلّه ، ينبغي أن يكون تلقي الظواهر الثقافية بمختلف أشكالها تلقياً وئيداً، حَذِراً في التأويل ، مجدِِّداً أومطوِّراً أومُضيفاً ،على الأقل، لمجمل التلقيات السابقة ، فالقبول المتسرع أوالرفض المتشنج، الذي تتعجل بعض القراءات الوصولَ إليه ،لا يعدو أنْ يكونَ فعلاً تراكمياً، إن لم ينحرف بنتائجه ومعطياته إلى دلالاتٍ مغلوطة ، فهولايحققُ أية َإضافةٍ نوعيةٍ أوتغييراً حقيقياً .

   ولنا أن نتأملَ منهجَ مقاربة الآخر الذي يرسمه الخطاب القرآني بدقة ويقرن انتهاجه بالعبودية الحقَّة لله تبارك وتعالى، بل يختص العباد الحقيقيون المهديون ، أصحاب العقول الراجحة باتباعه. يقول تعالى ((فبشر عبادِ . الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب))الزمر:17-18

    إنّ عملية الإستماع غير مقيدة أومحددة ، فهي فعل التواصل مع الآخر، المبني على وعي الذات وهويتها أولاً ، من أجل امتلاك الأداة العلمية الخاصة التي تفحص بها مقاصد الآخر ودوافعه ومحتوى رسالته . ثم تأتي عملية التقبلأوالتمثل المشروطة ، فهي لاتتحقق إلا مع الأمثل والأحسن من ثقافة الآخر ومايشكل إثراءً للخبرة الذاتية والثقافة الخاصة . ولذا فقد عدَّ العلامة (ناصر مكارم الشيرازي) هاتين الآيتين شعاراً إسلامياً يبين حرية التفكر عند المسلم وحرية الإختيار في الأمور المختلفة ، وذلك عبر توظيف قوة العقل والإدراك السليم ، فمجموعة العباد المهتدين العقلاء تظللهم الهداية الإلهية الظاهرية عن طريق الإستخدام الأمثل للعقل والإدراك ، وكذلك الهداية الباطنية متمثلة بالنور الإلهي والفيض والإمداد الغيبي .(16)

   وهكذا تتكون الثقافة وتتهيكل عبر بناء تراكمي ، وتمتاز بحركيتها ، فهي تتسع وتضيق تبعاً لمدى الإضافة والتجديد الذي يحدث في بنيتها جراء ارتباطها بتحولات الواقع وتبدلاته . وهي (الثقافة) لاتعني في مفهومها الإسلامي استجماع المعلومات وإدخارها في نسيج الوعي دون أن توظف هذا الوعي في قراءة الذات والعالم .

    تدعونا هذه الرؤية إلى معاينة واقع الوعي العربي بالآخر في ثقافتنا الراهنة ، حيث نجده يستند إلى موقف ملتبس، مؤلف من مكونات غير متجانسة ، فقد انزلقت منجزات التنويريين العرب ، في ما سمي بـ(فترة النهضة العربية) ، إلى مفارقة مفزعة في قراءتها لذاتها من خلال  الآخر ، وسعيها إلى تمثل تجربته في صناعة حداثته وتطوره ، عبر نقل التجربة واستدعاء مقولاته ورؤيته للواقع والحياة وتوطينها في بيئتها الجديدة(البيئة العربية) ، حيث أخفقت هذه القراءة في إدراك اختلاف السياق التاريخي الخاص الذي تولدت فيه الحداثة والنهضة الغربية بكل مكونات هذا السياق الإقتصادية والسياسية والفكرية . ودعت هذه القراءة إلى استجلاب هذه التجربة من محيطها ذاك وترهينها للوصول إلى المَدَنيّة الحديثة . وقد أفضى ذلك إلى اضطراب في معرفة الذات وفهم الآخر ، الذي حصرت معرفته بطريقة واحدة هي مطابقته ومحاكاته . غير أننا لانعدم أن نجدَ في الفضاء الثقافي العربي –ضمن إطار المثاقفة- مايمكن أن نعده تفاعلاً إيجابياً مع منجز الآخر، عبر قراءته ترجمة ً وتأويلاً إذ نلمح اهتماماً من قبل بعض المثقفين والباحثين بسؤال (الكيفية) التي يمكن بواسطتها تحقيق تفاعلٍ منتجٍ ومثمر في مقاربة الآخر .ولاينفصل هذا السؤال أو اشتغال المثقف الإسلامي به عن الدلالة التحفيزية لبنية (السؤال) في الخطاب القرآني ، فقد تمثَّلت هذه الدلالة في كون السؤال إعلاناً عن وجودٍ مفتوح يستدعي المعالجة من قبل الأجوبة المقترحة ، وعلى الرغم من تضمن الجواب دلالة المعالجة فهو يحمل معنى الغلق والنهاية للوجود المفتوح الكامن في طبيعة السؤال ، إذا لم تُوفر له الفرصة في معاودة تخليقه من جديد . ولعل في ذلك يكمن السبب العميق في أنّ القرآن الكريم لم يحجم السؤالَ أو يحجبه عن التطلع الدائم للكشف ، حفاظاً على استمراريته المحفِّزة للتطور المعرفي.(17)

 

تراتبية التجلي الثقافي 

   من المفاهيم المحورية التي تتأسس عليها الرؤية المعرفية للفرد في الإسلام ، مفهوما (الترابط والتدرج) في المكونات الثقافية ، إذ يمثل الأول وجود لازمة ضرورية بين مكونات النسيج الثقافي للمثقف المسلم ، حيث تنتظم هذه المكونات حول ثابتٍ مركزيٍ هو معرفة الذات والآخر التي تقود إلى معرفة الله تبارك وتعالى . ويأتي المفهوم الثاني (التدرج) تجلياً لتحقق الترابط بين المكونات الثقافية ، ويشير إلى حالة التدرج التراتبي في نضوج الرؤية وتأهلها إلى الدخول في ساحة العمل . ولعل في الكلام المنقول عن الإمام الصادق (ع) إيضاحاً كافياً لهذه الفكرة إذ يقول ((لايقبل الله عملاً إلا بمعرفة ، ولامعرفة إلا بعمل ، فمن عَرِفَ دلَّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له ، ألا إن الإيمان بعضُه من بعض )).(18) فنرى أن غياب أحدهما هو غيابٌ للآخر ، ومن المهم جداً أن يقود إدراك هذا الغياب إلى البحث عنالطرف المغيَّب أو المهمل في الوعي والممارسة من أجل تحقيق موازنة متكافئة بين الطرفين . وهكذا فلا يمكن التحدث عن (مكتسب معرفي) من دون (ممارسة وسلوك عملي) . يقول تعالى: ((ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين))فصلت : 33  ، فنجد أنَّ كلَ جزءٍ مقيدٍ بما بعده حتى اكتمال المعنى وهو (أفضل القول وأحسنه) ،فتمام الإنتساب إلى الإسلام في إطار التوحيد والإنقياد لأمر الله تعالى مرتبط بملازمة أحسن القول وأفضله ، وهو كلمة (التوحيد) بعد أن يمر هذاالإنتساب بالدعوة إلى الله تعالى والتزام العمل الصالح .(19)

    وهنا تتجلى التراتبية في ظهور المكوِّن الثقافي لعقيدة المثقف المسلم ، عبر المسار الواضح الذي يرسمه الخطاب القرآني ، والذي لابدَّ للإنسان ، في تحقيقه لهويته ، من أن يمر بمراحله لإنجاز (التوحيد) الذي سيتحول من كلمة إلى حالة تنتظم العقيدة والعمل والقول والدعوة ، وهو مايتشكل منه التأهيل الإلهي للإستخلاف على الأرض . يقول تعالى عن إبراهيم (ع) (( قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين . الذي خلقني فهو يهدين.والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين . والذي يميتني ثميحيين . والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين . ربّ هب لي حكما وألحقني بالصالحين. واجعل لي لسان صدق في الآخرين ))الشعراء:75-84 

    يبدأ القول هنا بإعلان البراءة مما اعتادته العقلية القديمة المنغلقة في المعتقد والعبادة ، ووضع النفس على مبعدة كبيرة من منطقها وسلوكها ، ثم اعتماد المقارنة والموازنة بين (ما تعبدون ) وبين ( رب العالمين) ، وبشكل يجسد أروع أفعال الثقافة الحقيقية  إذ نجد أن العقيدة ينتجها العقل المستدل الذي يمتلكه القارئ المقارِن هنا ، العقل الذي يتصل اتصالاً مباشراً ومستمراً بتحولات الحياة البشرية وإدراك مفاصلها والوعي بالمؤثرات الحقيقية التي تسيرها . إن انبثاق العقيدة هنا من رؤية القارئ جاءت مجسِّدة لأسلوب المحاججة المُفحِمة التي تختزل مُتَسعاً حياتياً كبيراً للإنسان يشمل وجوده كلَّه ، وهذا المُتَسع وعياً ووجوداً والمُختَزل قولاً يقف أمام الضيّق والجامد المتمثل في ما يعبد الطرف الثاني مماورثه من (آبائه الأقدمين)، ولابد لهذا الوعي أن يتجلى بشكل أكبر حينما يربط إبراهيم (ع) بين لازمتين ؛ الأولى        ( الهداية والإستعداد الذاتي الفائق المستنير بنور الله تعالى ) في قوله (( الذي خلقني فهو يهدين)) ، واللازمة الثانية هي (الإستعداد والتأهل لموهبة الحكم ونعمة "لسان الصدق") في الآيتين (( ربِّ هبْ لي حكماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسانَ صدق في الآخرين))

    إن المسار القرآني المرسوم لتجليات المكون الثقافي يتعين في الإرتباط الشديد فيما بين أجزاء هذا المكون أولاً ومابين سياقه العام ثانياً ، وقد تجسد ذلك في "المحاججة الإبراهيمية" التي جاءت شكلاً مثالياً لقراءة الثقافة وللعلاقة بالآخر، عبر الحوار المنتِج والمستند إلى بنيةٍ "توحيدية" قوامها الإيمان بحقيقة (( صيرورة الرسالة إلى أن تكون إنساناً ، أو صيرورة الإنسان إلى أن يكون رسالة...] وهي ليست[ أمراً متحققاً كيفما اتفق ، وإنما ]هي[نتيجةٌ طبيعيةٌ لحياة الرسالة في قلب الإنسان وللعلاقة الجدلية معها ))(20) 

 

القراءة الإسلامية والقراءات المغلوطة : مقدمة وأنموذج

     تستند قراءة المثقف الإسلامي إلى مرجعية واضحة يسترفد منها منهجه القرائي ، الذي تكفل ممارسته بطريقة مستوعبة الوصول إلى مواقف واضحة . وفي الوقت ذاته ترسم هذه المرجعية مساراً واضحاً مفتوحاً على إمكانية الإبداع والتحديث ، التي يتكفل بها (المثقف الإسلامي) انسجاماً واستجابةً لطبيعة السياق وضروراته. وهذا مايمنعالقراءة الإسلامية من الوقوع في النمطية أو النموذج الثابت وسيكون لاختلاف مستويات الذخيرة الثقافية للقراء دورٌ يحول دون ذلك بشكلٍ كبيرٍ، ويفتح الباب واسعاً أمام تعدديةٍ قرائيةٍ يجمعها التفاعلُ فيما بينها والإنفتاحالحواري المستند إلى الوعي بحقيقة التباين والإختلاف وواقعية وجوده . الأمر الذي سيفرز معطيات ونتائج متعددةً ترتكز إلى قاعدةٍ مبدئيةٍ واحدة هي تلك " البنية التوحيدية " التي أشرنا إليها سابقاً ، وستعمل هذه التعددية على تمديد قنواتها لتتنافذ مع شبكات عديدة للتواصل المعرفي ، مخترقة بذلك معنى الإنغلاق والوقوع في محدودية النموذج وتكراره . والتي ستنزلق إليها الكثير من القراءات المغلوطة .

    إن الحواريةَ التي تعتمدها القراءةُ الإسلامية في مقاربة منجز الآخر تقوم على أبعاد متعددة؛ منها ماينتمي إلى السياق التاريخي للقراءة والنص المقروء ومنها ماله علاقة بسنن النص وشرائطه ومضامينه ، وتضع القراءة تصوراتها في ضوء هذه الأبعاد وبشكلٍ تفاعليٍ لايُهمل طرفاً على حساب الإهتمام بآخر ، ويحرص في نتائجه على الإفضاء إلى الحقيقة واستكشافها . ولاشك في أن القراءة (أيا كان مجالها) تواجه عند اشتغالها على النصوص والظواهر مساحات مضيئة وأخرى معتمة ، تحتاج الى مزيد من الإضاءة والتأمل . كما أن هناك من مكونات الظواهر مايوهم بهيمنته ومركزيته في التشكيل والتأثير ، وهناك ماهو على العكس من ذلك يوهم القارئ بأنه أقل مركزية أوأهمية في نشوء الظاهرة وتشكلها ، مما يفرض على القراءة أن تنطلق من منظورٍ شاملٍ ودقيقٍ وهي تقارب النصوص وتدرسها .

     ولذلك كانت خطورة النتائج التي تنتهي إليها القراءات المغلوطة أكثرَ خطراً من آليات هذه القراءات نفسها ؛ لأن هذه النتائج ستدخل ضمن إرث قرائي تصعب إعادة النظر فيه، خصوصاً إذا ما عدّتها بعض الجماعات معطيات ثقافية ناجزة . وحينذاك تكون مقاربتُها ثانيةً برؤيةٍ ومنهجٍ مغايرين عمليةً صعبة ، بسبب إهمال المراجعة النقدية وتباطئها في إعادة فحص المنتج الفكري ومتابعة مستجداته ، وهو عمل لاشك في صعوبته وعظم مسؤوليته.ولايمكن تفعيله بشكله الأمثل على المستوى الفردي فلابد من أن تتشكل غرفٌ للمتابعة والفحص وفق آليات عملٍ جماعيٍ متكامل .

     ولنا أن نتساءل هنا : هل ستتوقف هذه الظواهر عن التشكل فيما لو تطورتْ طبيعة الفعل القرائي إلى مستوى منظومةِ قراءاتٍ تعمل في مشغل واحد ؟

     يبدو أن ادعاء ذلك ضربٌ من المحال ، فمن الصعب بمكانٍ إيقاف تدفق القراءات بمختلف أنماطها ومستوياتها في عصر تحتشد فيه الخطابات والمعارف والمعلومات الهائلة ، وبشكل مستمر على مائدة التلقي . ولكن المهم إزاء ذلك أن لاتبقى المراجعة في إطار ردة الفعل دون أن تتخذ دوراً وظيفياً في انتاج الفعل والعمل على الترويج للرؤية العلمية الصحيحة مع تفعيل الحوار وإبقاء قنواته مفتوحةً على الآخر في مختلف المجالات الفكرية والثقافية .

 

(نهاية التاريخ والإنسان الأخير) : القراءة بعين واحدة !                          

    لعلنا سنقترب أكثر من منطقة إضاءة الخطاب القرآني لماهية (ثقافة القراءة وقراءة الثقافة) إن توقفنا بشكل سريع أمام الأنموذج النقيض الذي تقدمه الرؤية الأخرى . وسيتضح ذلك بشكل أكبر إن اخترنا كتاب فرانسيسفوكوياما: ( نهاية التاريخ والإنسان الأخير)(21) ، الصادر في عام 1989 ، انموذجاً لآحادية التفكير واختلال القراءة .

     مؤلفُ الكتاب عالم ٌسياسيٌ ، أمريكيٌ من أصلٍ ياباني ، متخصصٌ في الشؤون     السياسية ـ العسكرية للشرق الأوسط . وجاء كتابُه هذا بمثابة بيانٍ استراتيجي ٍيعبرُعن الرؤية الأمريكية للنظام العالمي الجديد ، ويبشرُ به . وقد نالَ الكتابُ تلقياً فائقاً من القرّاء ، ودارتْ حوله نقاشاتٌ طويلة.

    عدّ (فوكوياما) الديمقراطية الليبرالية منتهى التطورالآيديولوجي للإنسانية ، وشطبَ على كل خيارٍ آخرَ لمستقبل البشرية . فهي (الديمقراطية الليبرالية) الشكلُ النهائي لأي حكم ٍأنساني، حيثُ يستحيل تحققُ أي بديلٍ ناجع عنها . وفي ضوء هذا يوزع (فوكوياما) دولَ وشعوبَ العالم في معسكرين ؛ الأول هو المعسكرأو الجزء (المابعدتاريخي) وهو الذي يضم الدولَ التي تتخذ من الديموقراطية الليبرالية نظاماً آيديولوجياً لها ، حيث يتحقق فيها التفاعلُ الإقتصادي بأجلى صوره الإيجابية ، وتنتهي فيه سياسة ُالقوة والسيطرة على الآخر ، فلا حروبَ تهدد الكيانات الليبرالية . على العكس من ذلك تماماً ، تبقى الدولُ التي خارج حدود (المابعد تاريخي) ، دائرةً في مدارات التاريخ المتقلبة ، وستكون نهباً للانقسامات وشتى أنواع الصراعات ،إلا أنْ تنظمَّ لمعسكر الدول الديموقراطيةالليبرالية .

    من الواضح جداً ضيقُ الرؤيةِ الأحاديةِ التي يصدرُعنها (فوكوياما) في استشرافه لصورة المستقبل الإنساني . فالقول بانعدام الخيارالآخر قولٌ برفض الإختلاف والحوار، وإمكانية البحث عن البديل إذا مااستجدتْ الحاجة ُإليه مستقبلاً . بل اننا نجد ماهو أكبرُمن ذلك ، حينما يجعل المؤلف من فاعلية الرؤية ونفوذها سمة ًتختصُ بها النخبة ُالسياسية دون غيرها من النُخب الثقافية الأخرى . وبشكلٍ يذكرُنا بالحلم المستبد لـ (إفلاطون) ، حينماحصرالسلطة والنفوذ بيد (الفلاسفة) في جمهوريته .

    ويبتعدُ (فوكوياما) ، في قراءته ، عن الموضوعية كثيراً عندما يُقيّم قوة الآخروتأثيره في الأحداث الكبرى ، الراهنة أو المحتملة ، في المستقبل . فهو، برأيٍ متعجّلٍ ، منسلخٍ عن الواقع ومعطياته ، يستخف بقوة الإسلام عقيدةً ونظاماً ، ويغلقُ ،بل يلغي، بكلماته احتمالاتِ المستقبل وخياراتِه كما ترسمُها الرؤية ُالإسلامية . ولهذا بدا المؤلف قارئاً انتقائياً في كتابه ، إذ أغفل ضرورة اعتماد معطيات المعرفة الموضوعية في تشخيص واقع القوى واقتراح نمط التعامل معها ، وهو ما أسقطه في خطأ إعلاء الذات وإلغاء وجود الآخر . ولاتقف قراءة فوكوياما عند حدود انسلاخها عن الواقع وابتعادها عن ضفافه ، بل تتعداه إلى انفصالها عن سياقها الثقافي الحافل بصوت الآخر وتعدد صوره ، والمُتخم بالمناهج والرؤى التي تتأسسُ آلياتُ اشتغالها على وجود الآخر وقراءته ، حيث تصنع القراءة ُالجديدة ُوجودَها وتضعُ احتمالاتِها المفتوحة على خياراتِ الإضافةِ والتجديدِ والتغيير. فليستْ هناك قراءة ٌنهائية ٌللظواهر ، طالما كانتْ هذه الأخيرةُ مستمرة ًفي تحققها عبرسيرورة القراءة . ومن مظاهر انقطاعها عن سياقها أيضاً ، غياب (أزمة الإنسان الغربي) في مجتمعه عن متن الدراسة في الوقت الذي تمثل فيه هذه الأزمة محور  القضايا المثارة على طاولة البحوث المختلفة ، فقد بات هذا الإنسان مأخوذاً بسرعة التحولات والتقلبات التي شيَّئته ومسخته وجعلته يعيش مغترباً عن واقعه ومنفصلاً عنه .

      وللأسف فإن المؤلف يصدر من مكون نفسي ، يعد جزءاً أصيلاً من التركيب النفسي للمجتمع الأمريكي وهو عقدة الإستعلاء والقوة المطلقة المتفردة ، فهو صانع التاريخ الذي في ضوء قوته تصنف القوى الأخرى بشكل تدريجي وصولاً إلى القوة المضمحلة والتي لاتشكل شيئاً يذكر ، وبذالك يحقق حضوره وتفرده من إلغاء الآخر وتسفيهه والتقليل من شأنه .(22)

     لقد استخدمت القراءة خطاباً تعميمياً سعى عبر رؤيةٍ أحاديةٍ إلى تنميط العالم في صورة واحدة ، وجَعَل الواقع العالمي بكل تنوعاته دائراً حول آيديولوجية مركزية واحدة هي الديموقراطية الليبرالية ومن الواضح اندراج هذه القراءة في نسقٍ شموليٍ يضم معظم الجهود المعرفية والقراءات الفكرية التي تتناول الشرق العربي – الإسلامي وفق رؤيةٍتهميشية تسعى إلى التقليل من شأن المنجزات المعرفية الإسلامية في مقابل عملية إعلاء وإبراز الدور الغربي في بناء الحضارة الإنسانية واستشراف مستقبلها .

    ويتضح من متابعة كتابات (فوكوياما) أن إيمانه بصواب فكرته هذه يمتد إلى مؤلفاته التي أصدرها بعد (نهاية التاريخ) فهو يدافع عن كونية الليبرالية ، وعن طموحه في أن تسعى كلُّ الحضارات الإنسانية إلى بلوغها ، حيث يتابع في كتابه (الثقة) ( 23) طرح مشروعٍ لتحقيق فكرته عالمياً ، ثم يراهن في كتابه الآخر (بناء الدولة)(24) على صوابها والإيمان بها خياراً إنسانياً وحيداً ، بل نجده في كتابه الأخير يقول بأحقية الغرب في التدخل السريع ونزع السيادة عن أية دولة ضعيفة وفاشلة ومضطربة ، والتكفل بحكمها وإدارتها نيابة عن المجتمع الدولي ، ضمن مفهوم حديث للسيادة المشتركة ، وذلك إما عن طريق التدخل العسكري أو عن طريق مساعدة المنظمات الدولية ووكالات الغوث والدول المانحة للمساعدات .(25)

     لستُ بصدد الإستغراق في مناقشة أفكارالكتابِ ومنهجه ، فذلك ماليس هنا محلُه ، ولكنني أردتُ بسطَ مثالٍ لقراءةٍ وافدةٍ اتخذت من مستقبل الإنسانية موضوعاً لها ، وباشرته بطريقةٍ ابتعدتْ فيها عن الدقة والمنهجية العلمية كثيراً . ولو قُيّض لدراسةٍ متابعة ُمستوياتِ وأنماط التلقي العربي لكتاب(فوكوياما) ، فإنها ستتوقف طويلاً أمام نمطٍ من التلقي غايتهُ الإستنساخ ومطابقة الفكرالوافدِ وترديد مقولاته دونَ معاينةٍ أو تمحيص ، وهو مايشكلجزءاً من محنة القراءة العربية في ابتعادها عن جهازها المعرفي الأصيل .

 

    إن القارئ في هذا النمط من التلقي ، يبتعد كثيراً عن صورة القارئ المنتج/الإيجابي ، التي رسمها الخطاب القرآني ، إذ يتجلى تفرد النسق الإسلامي في مقومات الثقافة ، واختلافه مع الإنساق الوضعية الحديثة ، عبر تشدده في النهي عن اعتماد الظن في تقرير الحقائق أو اقتفاء الآراء، وجعل "البصيرة" التي هي من الفيوضاتالإلهية على الإنسان رافداً مهماً من روافد الإدراك الحقيقي ، مضافاً إلى التكوين الحسي في استيعاب المعارف وتطويرها . قال تعالى :

(( ولاتقفُ ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)) الإسراء:36

(( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)) الحج : 46

  يدفع الخطاب القرآني الإنسان القارئ ، بكل عدته ، إلى صدر الحياة وساحة الفعل والتجربة، ولايهمله أو ينقطع عنه ، بل يبقى يظلله بفيوضاته الهادية :

(( والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبلَنا)) .العنكبوت : 69

 

الهوامش :

(1)  ينظر : الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب منظور العلوم الإجتماعية :    د. محمود الذاوادي ، دار الكتاب الجديد المتحدة ، بيروت ، ط1 – 2006 :42

(2)  منابع الرؤية في الفن : د. نبيل الحسيني ، المركز العربي للثقافة والعلوم ، بيروت ، ط1، 1982: 53

(3)  يمكن مراجعة الكثير من الكتب التي اهتمت بالمصطلح وبيان دلالته ، ومنها في هذا الشأن : دليل الناقد الأدبي : د. ميجان الرويلي ود. سعد البازعي ، المركز الثقافي العربي ، المغرب ، ط3 ، 2002: 155

(4)  المدرسة القرآنية : آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) ، مركز الأبحاث والدراساتالتنخصصية للشهيد الصدر ، قم ، ط3 ، 1426هـ : 48 – 49

(5)  ينظر : مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي : العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ، تر : خالد توفيق ، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر ، بيروت ، ط1 ، 1415هـ: 110

(6)  ينظر : الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب العلوم الإجتماعية : 28

(7)  ينظر : جهة العالم الإسلامي : مالك بن نبي ، دار الفكر – دمشق ، د.ت : 55

(8)  ينظر : الثقافة بين تأصيل الرؤية الإسلامية واغتراب العلوم الإجتماعية : 81

(9)  ينظر : العقل العربي في القرآن : سعد كموني ، المركز الثقافي العربي ، المغرب،ط1 ، 2005 : 256

(10)  إغتيال العقل ، محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية : برهان غليون ، المركز الثقافي العربي ، ط3 ، 2004 : 51

(11)  البرهان في تفسير القرآن :  الشيخ البحراني ، مؤسسة الوفاء ، ج: 2 ،  ص: 281

(12)  شرح دعاء السحر : الإمام الخميني (قده)  ، مؤسسة أم القرى للنشر ، د.ت : 94

(13)  ينظر : افتتاح الثناء ،افتتاح الثورة ، قراءة أولى في دعاء الإفتتاح : علي مجيد البديري ، مجلة ينابيع ، ع 14 ، ت1-ت2 ، 2006 :112

(14)  الإنسان والحضارة في القرآن الكريم بين العالمية والعولمة : د. فرح موسى ، دار الهادي ، بيروت ، ط 3 ، 2004 : 51

(15)  ينظر : اغتيال العقل : 51

(16)  ينظر : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل : العلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط1 ، 2002 : 37-38

(17)  ينظر : ستراتيجية السؤال ، رؤية قرآنية : غالب حسن الشابندر ، دارالهادي ، بيروت ، مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد ، ط 1 2004 : 13

(18)  أصول الكافي : الكليني  ، دار الكتاب الإسلامي ، طهران ، 1365 هـ، ج21 : 44

(19)  الميزان في تفسير القرآن : العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط1 ، 1997 ، ج 17: 391-392

(20)  الإنسان والحضارة : 124-125

(21)صدرت الترجمة العربية للكتاب عن : مركز الإنماء القومي ، بيروت ، 1993.

(22)في مقابل هذا التقليل من الشأن الإسلامي ، وبقراءة مغلوطة أخرى نجد الغرب يعمل على تكريس فكرة (الإسلاموفوبيا) في الشارع الثقافي الغربي والوعي العالمي العام، فيرسم صورة مشوهة للإسلام والمسلمين ،ملامحها القتل والإرهاب والوحشية ، وتعلنه خطراً دائماً ومستمراً لكل ماهو إنساني . ويسعى التثقيف الغربي من وراء ذلك أيضا إلى إظهار صورة ذاته بمظهر الإنساني المحب للخير والسلام ، والمستهدف من قبل الآخر المسلم (الوحشي) ، وقد توفرت لتكريس هذه الصورة في الوعي العام حاضنة ملائمةً جداً بعد أحداث (11سبتمبر) التي تحوم حول حقيقتها التساؤلات .! للإستزادة ينظر : الصورة السلبية للإسلام والمسلمين في الغرب ، أسباب وحلول : سجوردفان كوننغسفيلد، مجلة الحياة الطيبة ، ع20 ، س6 ، خريف 2006 : 16 

(23)صدرت الترجمة العربية للكتاب عن : رام للطباعة والنشر ، دمشق ، 1998، ترجمة : معين الإمام و مجاب الإمام .

(24) بناء الدولة ، النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين :  فوكوياما ، تر:مجاب الإمام، العبيكان للنشر ، المملكة العربية السعودية ، ط1 ، 2007.

(25) ينظر : السابق : 66  ، يقول الكاتب الفلسطيني إدورد سعيد في  كتابه (تغطية الإسلام) ، (ص75) : إن (( الخبراء الأكاديميون ]الغربيون [ المتخصصون في الإسلام .. دأبوا على تناول هذا الدين وشتى ثقافاته في إطارآيديولوجي اخترعوه أو جددت الثقافة صورته، فامتلأ بالأنفعال ، وبالتعصب المعهود في الدفاع النفسي، وأحياناً بالنفور )) . وفي مكان آخر من الكتاب يقول : (( لم أستطع أن أكتشف فترةً في التاريخ الأوربي أو التاريخ الأمريكي منذ العصور الوسطى ناقش أحدٌ فيها الإسلامَ أو فكَّر فيه خارج إطارٍ صاغته العاطفةُ المشبوبة ، والتعصب ، والمصالح السياسية )) ، تغطية الإسلام ، تر : محمد عناني ، رؤية للنشر والتوزيع ، القاهرة ، ط1 ، 2005: 102 .

المصدر: http://www.hamoudi.org/dialogue-of-intellenct/11/10.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك