المرأة في دائرة الإرهاب الثقافي

النزعة الذكورية إنموذجاً

د. نظلة احمد الجبوري

تمهيد..

 

تعد ثقافة الجنس الأخر دلالة على طغيان النزعة الذكورية في الموروث الثقافي، على وفق توظيف المفاهيم الذكورية او الرؤية في النظرة الى المرأة، ، اي الكشف عن النظرة الى المرأة – الجسد والمراة – الانثى على وجه التحديد وعلى وفق مقولة الجمال، ونفي ما تتميز به المراة من عقل وما تتمتع به من فكر، وما تتحلى به من روح حساسة، مما يؤشر بشكل لا لبس فيه على عمق التحيز ألذكوري في ثقافتنا، ولعل اوضح صورة تظهر فيها او تتحقق فيها هذه النزعة في اللغة والأدب والفن ومناهج التربية والتعليم والإعلام، على الرغم من تباين وجهات النظر بين الرفض والقبول والنقد لمظاهر التفكير الذكوري، مما سينعكس بوضوح على نظرة الاجيال المتعاقبة من الجنسين، ولنظرة احدهما على الاخر، سواء أرضينا أم أبينا، الأمر الذي سيؤسس سلوكيات متمظهرة او تابعة للنظرة الذكورية للمرأة انطلاقا من ثنائية النظرة بدلالة: القوة / الرجل، والضعف/ المرأة ، الوجود الاساس / الرجل ، الوجود التابع / المرأة .

وهو ما يوظف "في الكتب والمجلات والصحف ووسائل الاعلام والمنتديات الاجتماعية والثقافية وتفاصيل الحياة اليومية والاحكام الاخلاقية ومصادر التشريع والقوانين واراء لا حصر لها تؤطر في اطار محدد وتنمطها" في صورة من الصعوبة تجاوزها او محوها(1) .

واذن تنطلق ثقافة الجنس مما تقدم من النظرة الى سمات جسد المراة والرجل، والى نظرة المجتمع الى المراة والرجل، والى سلوكية – ونفسية المراة والرجل – الى جانب تفعيل المنظور الديني للمراة بشكل خاص لتمرير النظرة الذكورية المتمثلة بثقافة الجنس في ظل دوائر الإرهاب الثقافي . فتغييب المراة في النظرة الذكورية يعني تغييبها في الواقع، وأكثر من ذلك سيعني في الوقت نفسه تغييب الأنثى او المرأة كوجود .

وهذه النزعة الذكورية ستترسخ طالما باتت ثقافتنا المعاصرة وموروثاتنا الثقافية تحكمها النتاجات الفكرية الذكورية، فتغدو الثقافة وكانها صناعة ذكورية أو صياغة كورية حسب تخضع لها المرأة اجتماعياً وتربويا وحياتياً وسلوكياً ونمطياً الى جانب الرجل نفسه الذي سيخضع هو الاخر للثقافة والموروث الثقافي الذي اسهم بقدر أو باخر في صياغته فصدق ما صاغ ومنهج، تنظيراً وممارسة، قولاً وسلوكاً، وهنا تكمن المفارقة !(2) .

وهكذا تحولت الثقافة الذكورية الى وعي جمعي ومخيال اجتماعي اقرب الى التقاليد المقدسة أو المقدسات أو التابو (taboo) لا يمس بل تتماهى فيه، عبر توظيف النص القراني (النص المقدس) بشكل عام من اجل تمرير ثقافة الجنس الذكورية .

 

الجنسوية المصطلح المعاصر للنزعة الذكورية في الثقافة..

على الرغم من كون المرأة في هذه النزعة هي رمزاً للحياة أو هي رمز الحياة، فان الثقافة التي تخلو من دور المرأة هي ثقافة تخلو من الفهم الصحيح للحياة وللانسان وللوجود والتعبير عنها بصدق وعمق .

وعليه فان ثقافة الجنس أو المرأة – الجسد أو المرأة – الانثى، صارت توظف قي المفاهيم المعاصرة عبر مفهوم "الجنسوية" ومعناه "التمييز على اساس الجنس" لكون ثقافة الجنس توجب مناقشة كون المرأة – انثى بدقة وعمق وتفصيل، الامر الذي عمق الهوة بين المرأة والرجل، لفرض مفهوم الرجل للمرأة، أو نظرة الرجل للمرأة، مما يعني الغاء حقوق الانسان للمرأة وحريتها كانسانة، ويعمق في الوقت نفسه مفهوم الارهاب ألذكوري من وجهة نظري، وربما روجت ثقافة الجنس بشكل مباشر أو غير مباشر لظاهرة (الرقيق الأبيض) أو (المتاجرة بالمرأة) .

فتوظيف الجنسوية أو ثقافة الجنس في البعد الاجتماعي أو اجتماعياً، يدل في الوقت نفسه على تسليط الرجل ورضوخ المرأة، وتفوق الرجل، ودونية المرأة، أي تتجول الى نظرة مؤسساتية، ونظامية، شاملة ومستمرة، "بل ربما تتحول الى نمط حياة أو ايديولوجيا" تحكم وجهات النظر والحياة تنطلق من التمييز بين الرجل والمراة (3) .

حتى وكان الاختلاف في التكوين البايلوجي – الفزيولوجي او الجسدي – التشريحي لكل من المرأة والرجل يتسبب في ترسيخ النزعة الذكورية في الثقافة عبر ممارسة ارهاب ثقافي على المرأة أو ضد المرأة، هذا من جانب، ومن جانب اخر وكأن معرفة الرجل بالمراة "تقتصر على البعد البايلوجي دون الابعاد الروحية والفكرية والعقلية النفسية والثقافية .

فالنزعة الذكورية اذن هي نزعة تظلم المرأة وتجمد دورها ولا تقدرها، لكون الرجل حريصاً على نجاحه في كل ميادين الحياة في علاقته مع الاخرين، ولكنه في الوقت نفسه يهمل التعرف على حقيقة شخصية المرأة ودورها في الثقافة والمجتمع أو في ثقافة المجتمع، ويتخذ من المرأة – الجسد منظوراً لتكريس نزعته الذكورية في الحياة عموماً وفي الثقافة خصوصاً، بفرض ما يراه هو دون ما تراه المرأة ايضاً الى جانبه من اجل تفعيل الثقافة في المجتمع .

وكان النزعة الذكورية توثق تفوق الرجل على المرأة في الحياة وعلى وفق خطاب علمي يرصد ذلك التفوق لكونه يجسد عامل الذكورة ذا الفعل الانساني، في مقابل الانوثة ذات الصفة السلبية، ومن منطلق بايلوجي صرف دونما تتبع للموقف العلمي الذي اثبت خطأ التمييز بين المرأة والرجل على اساس بايولوجي، ولكن الاصرار على اسبقية الرجل على المرأة يدل بشكل لا لبس فيه على نزعة ذكورية متطرفة متشددة، وكان المرأة في هذه النزعة تشكل المكبوت الاساسي فيها .

ومن ثم فأن توظيف النصوص الدينية والثقافية والادبية والعلمية والفلسفية بشكل مستفيض في بحث قضية المرأة، ينعكس وكأنه تبرير لموفق النزعة الذكورية من المرأة في محاولات لاقناع الاخرين بما تذهب اليه من اثبات تفوق الرجل في الحياة دون المرأة وتقدمه في الوجود، بمعنى للرجل الاسبقية الانطولوجية – الوجودية فتنعكس من خلالها النزعة الذكورية التي تقر التميز الواضح والصريح بين الجنسين في الواقع .

فإذا كانت النزعة الذكورية تركز على أسبقية الرجل على المرأة في الخلق (الوجود)، فان الامر يدل على كون الفوارق بين الرجل والمراة هي فوارق بايولوجية ومن ابتداع الرجل نفسه، وليست فوارق تاريخية أو اجتماعية، لتعكس في الوقت نفسه رغم تفوق الرجل على المرأة في ميادين الحياة كافة، واذن فالنزعة الذكورية تعكس ما تحمله عقلية الرجل من المرأة وتصور ما يتلاءم مع هذه العقلية، وعبر مقارنة مسالة المرأة في بعد واحد هو بعد (الجنس) أو (الجسد) أي (البعد البيولوجي) (4) .

وتجدر الاشارة هنا إلى ان افضلية الرجل وتفوقه على المرأة في مستويات الذكاء والقدرة والكيان والارادة هو اسطورة وهمية اثبت العلم والفكر والثقافة المعاصرة بطلانها، فهي اسطورة لكونها لا توجد الا في ذهنية الثقافة الذكورية التي تستند على النزعة الذكورية في توكيدها، وذلك لان تناقص ثقة الرجل بنفسه يحول دون قبول عقليته مقولة تساوي المرأة له في المجالات كافة، فالمراة مساوية للرجل أو هي تكافئه في الانسانية، لا بل ارفع مكانة منه واعلى قدرة حين تسمى اما في مدرسة الانسانية، والرجل الذي لا يعاني من نقص الثقة بذاته وعقله وفكره وكيانه لايحتاج للثقافة الذكورية، أو ينضوي تحت النزعة الذكورية التي تضع المرأة في موضوع أدنى من الرجل، والعكس صحيح بمعنى من يتمسك بالثقافة الذكورية فالامر يصبح مفهوماً لديه لكونه اخفق على المستوى الثقافي العام فلم يبق لديه الا التفوق بشكل مصطنع في الدائرة الخاصة الذكورية(5) .

 

النزعة الذكورية في الثقافة – المصطلح والدلالة..

تضمنت الحياة الثقافية مصطلح ثقافة الجسد، وهو مصطلح لم ياخذ مداه بعيداً عن التجنيس، أي ثقافة الجنس، لكونه تمحور حول ثقافة الجسد من خلال رؤية المرأة (الانثى) انموذجا، وكانه رد فعل من جانب على كون جسد الانثى هو جسد محرم في عمق ثقافتنا المجتمعية، ولكون الثقافة الذكورية من جانب اخر تنظر اليه بسرية مفرطة فتدرجه في كثير من الاحيان ضمن مراتب الخطيئة والغواية، مما منح الجسد دلالات غير حقيقية، وعندئذ فان لغة جسد المرأة بحضورها في الثقافة غيب معه الجسد الحاضر، أي الجسد الذكوري في كينونته ووجوده الفعلي كسمة ثقافية، لتمركز اللغة الذكورية أو النزعة الذكورية حول دلالات لغة الجسد الغائب أي لغة جسد المرأة .

واذن فمصطلح ثقافة الجسد أو ثقافة الجنس اقترنت بجسد الانثى فقط في هذه الثقافة دون الجسد ألذكوري الذي غيب من الثقافة أصلاً، على الرغم من كون الجسد لم يكن لغة مجنسة أي مرتبطاً بالجنس، بل كان دلالة تعبيرية على حركات تصدر عن الجسد عموماً وهي حركات مفهومة من قبل الآخرين، الامر الذي يدل على كون الجسد ناتج ثقافة في الوقت الذي ينتج هو ثقافة بدوره، وهو ما يلاحظ من الوثائق الاثرية والنقوش الحجرية أو الفخارية القديمة في هذه الحضارة أو تلك فتعبر عن حركة الجسد في السلم مثلاً، بشكل مغاير عن حركته أو شكله في الحرب، أو عن شكله أو حركته في التعبير عن الطقوس والشعائر الدينية(6) .

وبموجب ما تقدم بات من المؤكد ان الجانب الثقافي والاجتماعي الذي تفرضه النزعة الذكورية على المرأة يعمق الهوة أو الفجوة بين الرجل والمراة عب ترسيخ الوضع البايولوجي بوصفه المصير لكل فرد والمؤسس على الذكر والانثى واقرار الاختلاف بينهما، وحقيقة هذا الاختلاف ناتجة عن التربية الاسرية والتنشئة الاجتماعية والبنية الثقافية التي يتحكم فيها الرجل اصلاً، إلى جانب كون النزعة الذكورية في الثقافة تعد السبب في قهر المرأة وتغييبها طالما اتخذت من الجنس نظاماً يعمق الفروق البايولوجية بين الجنسين لتصبح فروقاً اجتماعية تتصل بما يؤدي كل من المرأة والرجل من دور في الحياة وتحديد دور المرأة الامومة أي على الحياة الزوجية والاسرية حسب .

 وهكذا تشكل النزعة الذكورية اتجاهاً في الثقافة له مجاله الدلالي الواسع، اذ تتراوح بين ذكورية متطرفة متشددة وذكورية منفتحة نوعاً ما تؤمن ببعض الحرية للمرأة ومع ذلك فالنزعة الذكورية نزعة تتشابه في المبدأ والاختيار، وتتباين في الحكم، فمبدأ النزعة الذكورية تؤسس على اعطاء الرجل الاولوية على المرأة على وفق دلالات الوجود (الخلق) والقوامة والشهادات والارث والحق والطلاق والتعددية والملكية وغيرها من الدلالات التي تقر بتفوق الرجل على المرأة، وهي دلالات الصراع في الوقت نفسه بين النزعة الذكورية والنزعة الانثوية في الثقافة، لان النزعة الذكورية تقرأ المرأة قراءة جسدية وسلوكية وأدبية، تعكس نظرة الرجل للمرأة ولصورة المرأة ولدور المرأة في الحياة والمجتمع، تنطلق من المرتكز الديني والنظور الشرعي حسب ادعاء هذه النزعة(7) .

 

النزعة الذكورية مرآة للارهاب الثقافي ضد المرأة..

الارهاب الثقافي الذكوري يدل على كونه خطاباً ذكورياً مستبداً يفرض نفسه فرضاً عبر ما يرسم من صلات وما يوثق من امتدادات من موضوع المرأة في الدين، والمراة في الموروث الثقافي والمراة في الكتابات المعاصرة، والنزعة الذكورية لا تشمل الثقافة والمجتمع والسياسة فقط، بل تشمل حتى الدين، بمعنى هي تهتم بتكوين بنية اجتماعية وثقافية واعلامية وعرفية ودينية تتجذر في الواقع الثقافي والحياة للمراة خصوصاً وتنعكس على الواقع الثقافي للمجتمع عموماً، ولأجياله الآنية والآتية مدعومة بوسائل الاعلام المتنوعة والمتباينة .

والامر ينصب هنا على رصد النزعة الذكورية من المراة العراقية التي تعبر عن نظرة اجتماعية حلت في زماننا الحاضر وواقعنا المعاصر بشان الحجاب، حجاب المراة عبر ترسيخ ثقافة الحجاب وفرضها على المراة من اوجه الارهاب الثقافي ألذكوري والمناقشات الدائرة عن الحجاب وتغييب ثقافة الاحوال الشخصية للمراة وتغييب ثقافة حقوق الانسان للمراة وغيرها من موجبات النزعة الذكورية في ثقافة المعاصرة، الذي يحول دون حصول المراة على مساحات ثقافية جديدة في سباق الساحة الثقافية العراقية المعصرة .

فالمراة تخترق عبر الثقافة الهويات الانثوية التقليدية المتمثلة في حياة امها، وتظهر المراة عنصراً قوياً قادراً على الفعل الثقافي الايجابي كما تكون واثقة من نفسها تجاه سلطة الذكور المحيطة بها، ومرد ذلك الى كون المراة ما زالت في نظام ابوي تقليدي ذي بنية تقليدية ودينية . ولكن الرجل بنزعته الذكورية الارهابية هذه، هل يتوقع اقتحام المراة المثقفة كل المجالات من البيت الى الوظيفة الى العلم والمعرفة؟ الم يتناه الى سمعه ما تخوض المراة المثقفة من معارك شرسة لتولي مناصب قيادية في السياسة والمجتمع؟ الم يتوقع الرجل بنزعته هذه من المراة المفاجئات التي لم يحسب حسابها في الوقت الذي لم تكن فيه الحياة بالنسبة للمراة سوى الحرص على راحته؟(8)

 عليه فان نظرة النزعة الذكورية الى المراة حطت من قيمتها بدلاً من رفعها، بما نادت من افكار عمقت الفروق الجوهرية بين الجنسين ورسختها كفكرة سيادة الرجل في الفعل والسلطة واللذة وتحويل الاختلاف البايولوجي والفسيولوجي الى افكار غير قابلة للنقاش في الوقت الذي كان فيه من المفترض ترسيخ ثقافة حقيقية في المجتمع لا ثقافة جسدية على وفق منظور ذكوري أحادي .

وبالمقابل اقول: ان وضع المراة الثقافي في المجتمع ونوعية الثقافية العقلية او الذهنية التي ينظر بيها المجتمع للمراة ويتعامل معها، دلالة على التقدم الثقافي لاي مجتمع، لكون المراة تكافى وتساوي الرجل في كل شيء وفي كل ميادين الحياة، ولكن الثقافة الذكورية او الذهنية الذكورية تضع المراة دون الرجل، مما يعدها ثقافة ماضوية عجزت عن مواكبة الحاضر وثقافته ومعارفه، وثقافة ارهابية ولا انسانية، وكان الارهاب الثقافي ياتي من هذه الذهنية او النزعة التي بسببها تسود الثقافة الذكورية الارهابية فتحول دون ثقافة المراة وثقافة المجتمع .

مما يقدم مقياساً على تقدم المجتمع او لا تقدمه، فنظرة اي مجتمع غير متحضر للمراة تفسر على وفق المرجعيات والادلة المستمدة من الدين او القانون ولكنها في الحقيقة هي نظرة ثقافية ليس لا، بمعنى في ظل التقدم العلمي والثقافي لاي مجتمع فان نظرته الى المراة ترتقي على الفور .

 

موقف المراة من النزعة الذكورية في الثقافة..

يتضح مما تقدم كون ثقافة الجنس تشويهاً للمرأة في البنية الثقافية أو في ثقافتنا المعاصرة عبر تكريس مفهوم المرأة – الجسد بمعنى تكريس الشكل دون المضمون مما يغيب حضورها في المجتمع ككل، الذي يقتضي رفض اختزال المرأة وكيانها في الجنس أو الجسد والتركيز على عقلها وفكرها وهويتها وانسانيتها وذاتها في اطار ترسيخ قيمنا وثقافتنا وموروثنا الثقافي. ولكون هذه الثقافة الذكورية قد تحولت إلى نظرة تلقائية على مرور الوقت، من وجهة نظري، مما يوجب على المرأة المثقفة الانطلاق من نظرة فكرية فاحصة ومتاملة ومدققة في ثقافتنا العراقية المعاصرة والماضية من اجل الكشف عن هذه النظرة الذكورية الجنسية عن المرأة، وما تتضمن من معان ودلالات التعصب والتحيز والإرهاب والفرض ألحتم.

وبالمقابل فان المرأة المثقفة وظفت فكرها وكتاباتها في مناهضة ثقافة الجنس الذكورية لتنتصر لحقوق الانسان للمرأة وحريتها والغاء اشكال التمييز والعنف والارهاب ضدها مهما كان ثقافياً وفكرياً واجتماعياً ونفسياً وسياسياً وتربوياً وسلوكياً وايديولوجياً، بتوظيف مفاهيم التعبير والتصحيح والحوار والنقد لتبدع ثقافة معاصرة منفتحة مبدعة واعية عقلانية تفعل حركة المرأة والرجل في المجتمع والحياة، وعلى وفق مفاهيم الحياد والتعادل والتكافؤ والتكامل ضد مفاهيم العنف والارهاب والتمييز .

واذن فلا بد للمرأة المثقفة من خطاب منهجي دقيق ومعمق يحاور اولاً وينتقد ثانياً النزعة الذكورية وثقافة الجنس، بتوظيف اللغة والنهج والاسلوب، لتحضر المرأة بماهيتها وحقيقتها (ذاتا)، (انا) ووجوداً (كينونة) وهوية (انتماءاً)، ودورها في الحياة وابداعها في الفكر، واستعدادها نفسياً وفقهياً لخوض غمار الموضوع عرضاً ونقاشاً، جدوى وجدية، لتصحيح ثقافة الجنس، باعتبارها دائرة الذكر الثقافية .

فاثير التساؤلات عن دور المرأة العراقية المثقفة في مواجهة الارهاب الثقافي ألذكوري على ما يتضح عبر ثقافة الجسد، ما هو دور المرأة العراقية المثقفة في تغيير مفهوم ثقافة الجنس (الجسد) أو إلغائه؟ وما هو مستقبل المرأة في ضل ثقافة الجنس؟ الها حاضر في ضل هكذا ثقافة ليكون لها مستقبل؟ بعدما طالت ذاتها وكيانها وانسانيتها ووجودها بشكل واضح عبر تكريس منظور المرأة – الجسد أو الجسد – المرأة، أي النظر إلى الانثى في المرأة لا النظر إلى الانسانة في المرأة .

فخطورة هذه الثقافة ليس في خرقها لثقافتنا بل هي خرق لشيخصتنا ولاجيالنا، والخرق الثقافي هذا يساوي أو يوازي الارهاب الثقافي، الذي يسوغه و يصوغه الذكر (الرجل) نفسه، إلى جانب توظيفه لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ومجلات الازياء والطب والجمال والادب على شبكة المعومات العالمية، مما يعد ترسيخاً لذكورية الثقافة أو البعد الاحادي ألذكوري في ثقافتنا، الامر الذي يهمش دور المرأة في صياغة الثقافة أو التراكم الثقافي ويحول دون المرأة المثقفة وتعميق دورها والغاء ثقافة الجنس(10) .

فمن الضروري إذن فسح المجال للنقاش والحوار والصراحة المجانبة للغة الخطابات الجاهزة الموجهة في هذا الحال، لكون ثقافة الجنس تطرح قيماً بديلة حول المرأة وطريقة تفكيرها والنظر إلى ذاتها والى كل ما يعبر عنه سلوك المرأة، على ان يظل حاضراً في الذهن كون دور المرأة الثقافي يعد جزءاً من رسالتها الأساسية في الحياة وفي المجتمع بترسيخ ما هو ايجابي وتجاوز ما هو سلبي .  

وعلى الرغم من وصول المرأة العراقية إلى تكنولوجيات المعلومات والاتصالات والانترنيت وهو ما يسعى الرجل إلى ابقائه محدوداً، يبقى التمييز قائماً على اساس الجنس والفجوات القائمة بين الجنسين تؤثر سلباً في امكانات المرأة العراقية الثقافية أو ثقافياً، كل هذا ينعكس في المعطيات الاجتماعية المتعلقة بالنزعة الذكورية المرتبطة بنوع الجنس ومقياس تمكين المرأة ثقافياً، وهذه النظرة الذكورية للمرأة تنعكس سلبياً ايضاً على الجهود التي تعزز حقوق المرأة الثقافية والفكرية ومشاركتها في صياغة استراتيجية ثقافية وطنية .

 

قراءة للنزعة الذكورية في الثقافة..

النزعة الذكورية نزعة منغلقة ترتبط بتقاليد لا تساير حركة الواقع وتقدمه، امتزج فيها الديني بالسياسي بالاجتماعي بالماضي، وفي تغاض واضح عما لحق بالمراة من تغيير في مجالات الحياة والحقوق والحريات، وسن القوانين والتشريعات التي تترجم هذا التغيير، وهو موقف ترفضه النزعة الذكورية، على الرغم من ضغط الواقع وحركيته على افكارها وتوجهاتها .

إلى جانب كون النزعة الذكورية نزعة تدل على الازدواج المرتبط في شخصية الرجل وثقافته، قولاً وفعلاً، سلوكاً وممارسة، ودلالة الازدواج هذه في عقل الرجل من المرأة تتضح عبر استسقاء الرجل قيمه وتقاليده وضوابط سلوكه ومكونات ذهنيته وتفكيره من الدين وتقاليد الواقع بلا تدبر أو تدبير، مع معرفة وثقافة الحاضر المعاصر للأخر، وتتضح دلالة الازدواج ايضاً من نظرة الرجل إلى المرأة من خلفية سلفية ماضوية تراثية ورؤية واقعية تحررية نوعاً ما، محورها الدين وتمحورها في الثقافة .

والذات أي ذات الرجل في النزعة الذكورية هي ذات مزدوجه قلقة تتردد بين رفض المرأة وبين قبولها وبين ثبات النص وتغير الواقع، منساقة وراء مفهوم (الجنس) وثقافته وهو المفهوم الذي تم تقنينه في النظر إلى المرأة لكي يتم تكبيلها بشكل صريح أو ضمني بالقانون أو التشريع على وفق السلطة الذكورية قولاً وفعلاً.

وأتساءل هنا هل انحازت الثقافة الى الرجل؟ وهل تم تذكير الثقافة تذكيراً نهائياً؟ ام ان هناك مجالاً انثوياً في الثقافة، ان صح التعبير، ودعوى تأنيث الثقافة مقابل تذكير الثقافة، أو اذكاء ثقافة تحمل سمات انثوية تقدم إلى ثقافة المجتمع ازاء مصطلح الذكورية، طالما تتخذ الثقافة الذكورية أو النزعة الذكورية في الثقافة من النوذج ألذكوري أو الرجل أو المثال في العرف والتقاليد، حتى يبدو وكان المرأة تواجه تاريخا من الموروث الثقافي ألذكوري، مما يحد بالمراة إلى خوض صراع أو مناورة مع الرجل ثقافة وفكراً وعقلاً ومعرفة على وفق ثنائية ارادها الرجل أو صاغها الرجل في ثقافة المجتمع، تتمثل هذه الثنائية ب: الرجل والمرأة، أو الذكورية والأنثوية .

فعلى المرأة الاعلان عن صوتها الثقافي مقابل صوت الرجل الثقافي، والتعبير عما تحمل من افكار وتوجهات ورؤى اجتماعية وغيرها من المجالات، إلى جانب كونها مطالبة ايضاً بالمشاركة الفعالة لتقديم طروحاتها في شتى مجالات الحياة لتكون ثقافة مع الرجل متكاملة للمجتمع ولأجياله، وتنأى عن الخطأ ألذكوري في الثقافة الذي انطلق من حب الانا السطوة وراى بان ما يقوله ويفعله هو الصواب وغيره على خطا مهما كان .

ولعل ما يوجه من نقد إلى من يتبنى الذهنية الذكورية المنطلق من التمييز ألذكوري المستند إلى النصوص الدينية يرى في هذه النزعة من السطحية والعبثية الكثير، لكون العبرة في نوعية العقول التي تقرأ النصوص وليست العبرة في النصوص دائما، ولوجود كثير من النصوص التي توثق الانسانية الكاملة للمرأة ولا تقر بافضلية جنس على جنس اخر، واتساءل: لم لم يركن إليها دعاة النزعة الذكورية؟

فضلا عن الضرب صفحاً عن ما يعرف بالتفوق الوهمي للمرأة، والقول بالتميز النوع ألذكوري عن النوع الانثوي هو تميز وهمي ايضاً والعكس صحيح، بمعنى وجود اشكال من التفوق الانثوي تسود مجالات العلم والمعرفة والارادة والقيادة بسبب التحدي والرغبة في اثبات المرأة لذاتها أو لإثبات ذات المرأة(11) .

 واذن فالمجتمع الذي يقتصر على الرجل في مواقع الحياة المتباينة والمتنوعة هو مجتمع يعطل عن قصد مسبق نصفاً أو اكثر من نصف طاقاته من الذكاء والفعل والعلم والإنتاج والإبداع، الامر الذي يقتضي وضع خطة فعالة للحد من الثقافة الذكورية المتطرقة في مجتمعنا، في الاسرة والتعليم والتربية وفي الثقافة والإعلام .

والحل ليست ردة فعل على النزعة الذكورية وموقفها من الانثى ولكنها تدل على منظور معرفي – فكري تجاه التسلط ألذكوري الارهابي في الثقافة عموماً، وهو تسلط موروث قديم، وتجاه سيادة النسق الثقافي ألذكوري الموروث، الذي ينافي اصلاً انسانية المرأة وحقوقها وقيمها اسلامياً وإنسانياً، وتجاه سلطة المجتمع في الوقت نفسه الخاضعة للهيمنة الذكورية على الفكر والثقافة، من اجل ثقافة مشتركة متوازنة تثبت فيها المرأة وجودها الفكري وابداعها الثقافي كما يثبت نصفها الاخر الرجل فيها وجوده الفكري وابداعه الثقافي بلا تسلط أو ارهاب .

ولذلك لا بد من ترسيخ حقوق المرأة في الحياة الثقافية تعد حقوقاً ثقافية لها اذا ما ذهبنا إلى القول بان خصوصية الجنس النوعي الانثوي يتميز هو الاخر على الجنس النوعي ألذكوري طالما لا يمكن لاي من الجنسين التعبير عن خصوصيات الجنس الاخر .

وأتساءل: لم ننكر على المرأة عالمها وخصوصيتها الانثوية وتكوينها الثقافي في عالم تحياه وتتشكل عبره انوثتها لغة وثقافة وجسداً في حين تقر للرجل ذلك عبر وفق نزعته الذكورية في الثقافة وموقفه من المرأة الذي رسمه هو لها، بعيداً عن الاسقاطات والإشكاليات التي يعيشها الرجل اجتماعياً وثقافياً ومعرفياً؟!

وعلى المرأة المثقفة ايجاد نمط ثقافي خاص ينتقد النزعة الذكورية، ينطوي على موقف فكري تجاه المجتمع، وهيمنة ما يسمى بالثقافة الذكورية فيه وعليه، دونما ترسيخ لقناعة نوعية – انثوية، تتقاطع مع الثقافة ورؤيتها الشمولية للحياة وللانسان، تكشف عبرها عن مظاهر تحجيم المرأة وتهميش انسانيتها وتغييب حقوقها باسم العرف والتقاليد والتشريعات، وزيف هكذا تصورات ذكورية، وعلى المرأة بذل الجهد المعرفي والثقافي الذي يحفظ ذهنية المرأة وذهنية الرجل معاً في المجتمع على رفض هكذا موقف من المرأة والانطلاق من مسالة الحرية الثقافية تماماً على غرار المطالبة بالحقوق والحريات الاجتماعية، على الرغم من الدوران حول السؤال الازلي: عن مساواة للرجل؟ والتساؤل: عندما يمارس الرجل نزعته الذكورية على المرأة الم تتحول هذه النزعة إلى ارهاب ثقافي؟ أو توصف بكونها ارهاباً ثقافياً ام لا؟

ولكن المفارقة تكمن ليس في ثقافة التميز ألذكوري في مجتمعنا ولدى الرجل حسب، ولكن الان صار يتداول لدى النساء والفتيات هنا وهناك، اذ صرن يربين الأولاد على هذه الثقافة أي ثقافة التميز ألذكوري، الامر الذي يدل على عدم امكانية تحرير المرأة من الثقافة الذكورية التي ستغدو شكلاً من اشكال الرق والعبودية .

واذن على عاتق المرأة نفسها تغيير هذه الثقافة بثقافة جديدة معاصرة تكون فيها متساوية ومتكافئة مع الرجل في سائر مجالات الحياة، وعندها يتم تجاوز السؤال الذي تردده النزعة الذكورية: هل المرأة مساوية للرجل ام لا؟(12) .

 

وقفة أخيرة..

تعد النظرة الذكورية إلى المرأة خطا من اخطاء الواقع والمجتمع والرجل معاً، فالمراة تبدأ من وضع نزعة انوثية في الثقافة تقابل نظرة الرجل ونزعته الذكورية من المرأة/ ما دامت النزعة الذكورية تتجاهل المرأة وتعتبر الانسان رجلا فقط، وتسند إلى المرأة دوراً يرتبط بجنسها (بالجسد) حسب.

وعندئذ تصبح النزعة الذكورية بالنسبة للمرأة ليست عملية تجريدية، وانما هي ظاهرة سلبية ملموسة وحاضرة تستوعب المرأة من كل الاعمار ومن كل المستويات الثقافية والاجتماعية والمعرفية والسياسية، فهي في الوقت نفسه تهمش المرأة وتصورها دون دورها الحقيقي الناتج عن التمييز التقليدي ضدها .

والتمييز القائم على اساس الجنس هذا لا يتلائم مع الأنماط الثقافية التي تمنح للمرأة دورها في الصياغة الثقافة عموماً وثقافة المجتمع خصوصاً، وهو ما يتوافق مع النظرة الذكورية التقليدية إلى مسؤوليات المرأة البايولوجية، وما تسبب من تعقيدات عائدة إلى التمييز بين الجنسين ووضع المرأة دون الرجل في الثقافة وفي ضعف المشاركة وفي صنع القرار الثقافي .

وما تزال ثقافتنا المعاصرة خاضعة للنزعة الذكورية في الثقافة التي تضغط على تهمش المرأة وتحول دون تثقيفها وثقافتها وفعلها الثقافي، وما ذنب الأجيال الجديدة لكي ندفعها الى الوقوع بخطا الرجل عبر نزعته الذكورية من المرأة في الحياة والثقافة الذي فيه افساد للحياة وللثقافة في الوقت نفسه .

وهنا لا بد من ترسيخ دور الاعلام على الترويج للنماذج الايجابية للثقافة للمرأة والرجل في المجتمع، ويعني هذا معالجة مسالة الاتكافؤ الثقافي بين المرأة والرجل في ثقافة المجتمع أو في الفعل الثقافي في المجتمع وفي الحقوق مهما كان مصدرها من التشريع أو من العرف بوصفه جزءاً من تمكين المرأة العراقية ثقافياً، إلى جانب الدعوة إلى اعادة تعريف مفهوم الثقافة لدى المرأة ليتضمن الثقافة القانونية والتشريعية والفقهية وثقافة المعرفة .

ولا بد من القول ان الفكر المختلف أو النزعة الذكورية المتخلفة في الثقافة حينما تتمكن، تهيمن وتنجح في احداث ردة ثقافية تكمم الافواه وتشيع الخوف والرعب، والردة الثقافية نذير خطر على المجتمع كله على الرجل والمرأة والاجيال، ويبدو ذلك من تستر النزعة الذكورية بستار الدين تارة، وتارة بستار السياسة، فضلاً عن دور الاعلام المرئي والمسموع، والمقروء في تعليم هذه النزعة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، والتعتيم على الثقافة الحقيقية التي تواجه للمجتمع، وكان النزعة الذكورية تحاول ترسيخ ازمة ثقافية تكمن خطورتها في كونها قد تنقلب إلى ارهاب ثقافي على صفحات الصحف والمجلات (13) .

والى جانب محاولات التصدي للنزعة الذكورية أو الايديولوجية الذكورية السائدة في الثقافة العراقية التي تركز على دور المرأة الانجابي الاجتماعي، فان التمييز القائم على اساس الجنس الذي يحصر دور المرأة في بعد واحد لم يعد له قيمته في الحاضر لا ثقافياً ولا اجتماعياً ولاتربوياً ولا عقلياً، أي لم يعد يتلائم وحضور المرأة في الثقافة المعاصرة وفي المجتمع .

الهوامش والمصادر.. 

1- انظر: زليخة ابو ريشة، اللغة الغائبة – نحو لغة غير جنسوية، ط1  مركز دراسات المرأة، عمان، ص7-28 .

2- انظر: طارق حجي، المرأة..والتقدم، مقالة ضمن قضايا واراء، صحيفة الاهرام المصرية، على موقع الانترنيت، 15/أغسطس/ 2003، ص3-4 .

3- انظر: زليخة المصدر السابق، ص19-21

4- انظر: لمزيد من التفصيلات عن صورة المرأة بين المنظور الديني والموروث الثقافي: د. على افرفار، صورة المرأة بين المنظور الديني والشعبي والعلماني، ط1 ، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت 1996 ، ص7 – 52، ص53 – 83 .

5- انظر: طارق حجي، المصدر السابق، ص 1- 2 ، وحسين علي الهاشمي، أين صوت المرأة العراقية، مقالة على موقع الانترنيت، موسوعة النهرين، كندا، 19/4/2004 .

6- انظر: عبده خال، بين يديه لغة بائدة، صحيفة الحياة، مقالة على موقع الانترنيت 26/2/2003 ، ص 1-2 .

7- انظر: افرفار: المصدر السابق ، ص90 – 95 .

8- انظر: د. نظلة احمد الجبوري، المرأة العراقية وتشريعات الاحوال الشخصية – الموقف من القرار 137 أنموذجاً، مقدم إلى ندوة (دور المرأة في بناء الدولة)، مركز الزمان للدراسات الاستراتيجية، بغداد 26/5/2004 ، ص 2 – 4 .

9- انظر: افرفار، المصدر السابق، ص 104-12 .

10- سامي حسون، النقد النسوي وهيمنة الثقافة الذكورية، على موقع الانترنيت، صحيفة الرياض، 3/1/2003 ، ص 1 – 5 ، وافرفار، المصدر السابق، ص 104 – 110.

11- انظر: فهد العتيق، هل المرأة نص سردي جميل، مقالة على موقع الانترنيت، الجزيرة نت 17/12/2000 ، ص 1 - 3

12- انظر: سامي حسون، المصدر السابق، ص 1 – 5 .

13- انظر: افرفار، المصدر السابق، 221 – 226 .

المصدر: http://www.hamoudi.org/dialogue-of-intellenct/01/03.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك