من أجل تحرير حقيقي للمرأة

الدكتور عزت النحاس 

إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينُه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهد اللهُ فلا مُضل له؛ ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولينَ والآخرينَ؛ وقيومُ السماواتِ والأرضين؛ الذي لا عِزَ إلا في طاعتِهِ؛ ولا غنى إلا في الافتقار إليه، وأشهد أن محمداً عبدُ الله ورسوله؛ ما ترك شريعة تلزمنا وفيها رضاء الله عنا إلا فصلها وبينها ووضحها؛ وما ترك خيراَ قط يقربنا من الله سبحانه إلا نصحنا به ودلنا عليه، ) يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( النساء(1)، ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( الأحزاب(70،71) أما بعد :

 

لم تخضع قضية للتشريح والنقد مثلما كان الأمر في قضية حرية المرأة، التي كانت مسرحاً لشتى الكتابات والأفكار، ومن بين تلك الكتابات؛ الكتاب الأول للأستاذ قاسم أمين الذي أصدره عام 1898م بعنوان " تحرير المرأة "، ففي صفحات هذا الكتاب عبر الأستاذ قاسم أمين عن حاجة موضوعية إلى إخراج المرأة المسلمة من العزلة الاجتماعية والثقافية التي ضُربت عليها بسبب تراكم التقاليد المنافية لجوهر الإسلام، إذ كان المجتمع قد إنحدر عن المعايير الإسلامية الأصيلة في كثير من الأمور، وكان إنحداره في شأن المرأة أشد، مما دفع كثير من المسلمين إلى تأييد قاسم أمين والاتفاق معه على ضرورة إصلاح هذا الوضع.

لكن الأستاذ قاسم أمين ألحق كتابه هذا ـ وبعد عام واحد فقط! بكتاب آخر بعنوان المرأة الجديدة "، وكأنه عنى بهذا العنوان الإعلان عن بروز امرأة جديدة غير تلك التي عرفها المسلمون؛ أي امرأة متمردة ليست فقط على التقاليد المنافية للإسلام بل وعلى الإسلام ذاته!.

وابتداءً كان الهجوم على (التقاليد!) وضرورة تخليص المجتمع من أغلالها، إلى أن فاجئنا الأستاذ قاسم أمين ورفاقه من الكُتَّاب والصحفيين ـ وفي خلط عجيب ـ بالهجوم على القيم الإسلامية.

وإذا كانت هناك مظالم للمرأة؛ وهذه حقيقة، فقد وقع هذا الظلم من المجتمع نتيجة بعده عن منهج الله، ولم يقع الظلم من الإسلام، فشرائع الإسلام تحرم الظلم وتجرمه.

لقد طرح الأستاذ قاسم أمين في كتابه المرأة الجديدة ما يُعتبر بحق اللبنة الأولى في مشروع هدم القيم الإسلامية من الداخل مما هزَّ أولئك الذين استقبلوا كتابه الأول بالقبول و الترحاب.

ومما قاله الشيخ محمد عبده رحمه الله لقاسم أمين: { كنت أنهاك أن تفاجئ المرأة المصرية برأيك في الحجاب قبل أن تأخذ له عُدته من الأدب والدين، فجنى كتابُك عليها ما جناه من هتك حرمتها، وفسادها، وتبذلها، وإراقة تلك البقية الصالحة التي كانت في وجهها من ماء الحياء }.

والذي أراه أن لدعوة الأستاذ قاسم أمين ومن تبعه إيجابيات كثيرة،  فمن هذه الإيجابيات كما عددها الأستاذ محمد قطب: تعليم المرأة [1]، تغيير نظرة الرجل إلى المرأة، وتغيير نظرة المجتمع إليها كذلك، فلم تعد كمًّا مهملاًَ لا يعبأ به أحد، بل صار لها كيان وتحتل مساحة فائقة في المشورة والرأي،  وكان من الإيجابيات أيضاً تغيير إهتمامات المرأة، فأصبحت تنظر بأفق أرحب لما يدور من حولها؛ كل هذا صحيح ولا شك فيه.

لكن ـ وللأسف ـ اتخذ أصحاب هذه الدعوة النهج الغربي، فجاءت كتاباتهم وأقوالهم وكأنها ترجمة ركيكة لكتابات وأقوال الغربيين عن المرأة الغربية، وتناسوا أنه وإن كان الظلم واحداً إلا أن الأسباب تختلف كما سنبين، فجاء تقليدهم للنهج الغربي في علاج قضايا الأمة عامة، وقضية المرأة خاصة على غير بصيرة، ومن ثمَ كانت السلبيات [2] أكثر بكثير من الحد الذي يستقيم به أمر المجتمع بله أمر المرأة ذاتها، ولذلك وُصِفت هذه الدعوة بأنها نافذة للتغريب هبت منها رياح التحلل على عالم المرأة المسلمة وسأبين ذلك بالدليل خلال السطور التالية.

لقد سبقت قاسم أمين جهود حثيثة قام بها مَنْ يُسمَون بآباء الاستنارة الفكرية، ثم تتابعت الجهود من خلال برامج وكتابات ومؤتمرات بهدف التأثير ف ي اتجاه المرأة وتحريضها على سلوك طريق مرسوم بدقة يهدف إلى اقتلاع القيم الإسلامية الأصيلة لتستبدل بها قيماً أخرى غريبة عنها بعيدة بعد القمر منها.

يقول الأستاذ احسان عبد القدوس في إحدى توجيهاته التي كان يبثها في مجلة روز اليوسف: { إنني أطالب كل فتاة أن تأخذ صديقها في يدها، وتذهب إلى أبيها، وتقول له: هذا صديقي! }.

وكتب الأستاذ أنيس منصور في إحدى مقالاته بأخبار اليوم أنه زار إحدى الجامعات الألمانية ورأى هنالك الأولاد والبنات أزواجاً أزواجاً مستلقين على الحشائش في فناء الجامعة، قال: { فقلت في نفسي: متى أرى ذلك المنظر في جامعة أسيوط لكي تراه عيون أهل الصعيد وتتعود عليه ؟ }.

ويقول طه حسين: لابد أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب.

الخلفية الفكرية لدعاة تحرير المرأة: ـ

لمّا كان الفكر الأوروبي هو المصدر الذي يستقي منه دعاة تحرير المرأة على النسق الأوروبي تصوراتهم، نقدم نبذه عن تطور هذا الفكر، فلقد شاع الظلام والجمود في الفكر الأوروبي في العصور الوسطى، وكان السبب في ذلك أن الكنيسة حجرت على العقل أن يُفكر، ورفعت الشعار الذي يقول: آمن ولا تناقش!، فما عرفت الكنيسة يوماً ـ بعد وفاة ورفع نبي الله عيسى ـ دين الله الحقيقي الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، إنما الذي عرفته هو دين المجامع الباباواتية أو الصورة المُحرَّفة للدين الذي جاء به المسيح عليه الصلاة والسلام.

يقول الأستاذ محمد قطب:{ فرضت الكنيسة سلطاناً فكرياً رهيباً يحجر على العقول أن تُفكر إلا بإذن الكنيسة، وفي الحدود التي تسمح بها الكنيسة!، وقد كان هذا بالنسبة للكنيسة ضرورة لازمة منطقية مع التحريف الذي حدث في ذلك الدين!، فالإله الواحد الذي أصبح ثلاثة، والثلاثة الذين هم في ذات الوقت واحد. والعشاء الرباني الذي تتحول فيه كِسرة الخبز إلى جسد المسيح، وجرعة الخمر التي تُغمس فيها كِسرة الخبز تتحول إلى دم المسيح وتتجدد به الصلة بين العبد وربه! حين يأكل الإنسان جسد المسيح ويشرب دمه!، وكرسي الاعتراف الذي يصعد منه غفران الكاهن للذنوب إلى الرب فيعتمده في عليائه، وصك الغفران الذي يكتبه الكاهن في الأرض فيدخل به الإنسان الجنة في الآخرة، إلى عشرات من أمثال تلك الأسرار التي في حقيقتها أساطير، وكلها أمور لا يستطيع العقل أن يُدركها ولا أن يتدبرها.

فماذا لو أعمل الناس عقولهم،  فاكتشفت عقولهم أن كل ما يُقال لا يثبت للتمحيص ؟!.

الحل إذن أن تحجر الكنيسة على العقل، وأن يُعتبر التفكير هرطقة تفضي إلى إهدار الدم في الدنيا، والحرمان من الغفران في الآخرة، فلقد أهدرت دم كل من يقول يومئذ ـ بكروية الأرض، وأنها ليست مركز الكون، وهو العلم الذي نقله علماء النصارى الأوائل عن مؤلفات العلماء المسلمين؛ فلقد اهتدى علماء المسلمين إلى تلك الحقيقة في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) ولكن أوروبا لم تتعرف عليها إلا بعد حركة الترجمة ابتداء من القرن الثاني عشر وما تلاه، وهكذا انقلب الدين على يد الكنيسة إلى عامل معوِّق عن الحياة، مضاد للعلم والحضارة والتقدم والرقي (35)}.

{ ولذلك كله كان الحل الأوروبي أنهم لم يكتفوا بنبذ الدين، بل هاجموه بضراوة، انتقاماً من قرون الظلام التي كبلهم فيها دين الكنيسة، وكان جزءا من هجومهم عليه توجيه النقد إلى النص الديني ذاته، لأن النص الذي كان مقدساً عندهم ظهر لهم حين أعملوا عقولهم أنه من أقوال البشر وليس من كلام الله، فزادهم حقداً على كنيستهم التي كانت تستذلهم وتحجر على عقولهم، بنصوص تزعم أنها مقدسة، وتزعم أنها من عند الله وهي ليست من عند الله، ولم يجعلهم ذلك يزدادون حقداً على الكنيسة ورجالها فحسب، بل دفعهم الغيظ والحنق أن ينبذوا دينهم كله، ما كان فيه من حق وما كان فيه من باطل، ويستبدلوا بالدين العقل، على أنه الأداة التي لا تخطئ، وأن العقل يجب أن يكون مُحكْماً في كل شئ.

فليس العجب أن ينفر الغرب من دينه، ولكن العجب أن يصبر عليه طيلة هذه القرون (38) {.

وفي فترة من حياة الأمة الإسلامية كان الفكر قد تجمد في قوالب معينة، وفي الجانب السياسي وقع الاستبداد السياسي إذ نكلت الأمة عما أمرها به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من قيام الحكم على أساسٍ من الشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار ضوابط شرعية محددة، في تلك الفترة زحفت على العالم الإسلامي الموجه الاستعمارية وهي تحمل للعالم الإسلامي الجديد في كل شئ، الجديد في أدوات الحرب، والجديد في عمارة الأرض، والجديد في الفكر، والجديد في أحوال المرأة، فالاستعمار استهدف أول ما استهدف المرأة في المواجهة مع العالم الإسلامي، يقول الأستاذ سعيد سراج الدين: { .. وهكذا توصل خبراء أوروبا في العلوم النفسية والاجتماعية والسياسية إلى أنه كلما قل الاختلاف بين المجتمع المسلم والمجتمع الأوروبي، قلت مقاومة الأول لسطوة الثاني، وقلت قدرته على المقاومة والرغبة في الاحتفاظ بشخصيته الأصلية، ولقد وجد الأوروبيون في القضاء على الحجاب خطوة هامة للقضاء على شخصية الشعوب المسلمة، بوصفه رمزاً يدل على شخصية المرأة المسلمة، فما كان على الغرب إلا أن يغزو النساء أولاً، ولقد صاغوا خطتهم هذه في عبارة شهيرة تقول " اكسبوا النساء أولا والبقية تتلو "(7)}.

واستطاع الأعداء تحقيق قدر من النجاح في اختراق هذا الثغر الخطير من جبهة المسلمين (المرأة المسلمة)، ذلك لأن المرأة سريعة التأثر بطبيعتها من جهة، ولأنها أُهملت إهمالاً يكاد يكون تاماً بسبب بُعد المجتمع عن منهج الله وارتداده إلى أعراف الجاهلية فحُرمت المرأة من سائرالحقوق، ولم تنل حظها من الرعاية والعناية والتعليم إلى درجة اعتبر معها تعليم المرأة مفسدة لها، فسُلبت هذا الحق سداً لذريعة الفتنة!، ولقد أدرك المسلمون ـ مُتأخرين ـ خطأهم في منع النساء من المساجد ودور العلم، فأرسلوا بناتهم لتلقي العلم والتربية على أيدي مُعلمين ومعلمات تابعوا رسالة المستعمر فجاءت نسبة كبيرة من المُتعلمات لا نصيب لها من السلوك والخُلق الإسلامي. 

ولم يرحل المُحتل الغاصب عن ديار المسلمين إلا بعد أن ترك تلاميذاً أوفياء، يُنفذون تعاليمه التي تعلموها والتي لا يزال يبثها لهم في أشكال علمية مبرمجة، ترك جنوداً لهم في وسائل الإعلام، وفي مجال التعليم وسائر الهيئات والمؤسسات والمراكز المؤثرة، حتى بلغ الأمر بالحكومة المصرية ـ ممثلة في وزارة التربية والتعليم ـ أن تفرض في الستينيات الميني جب على تلميذات المدارس الثانوية.

 

قالوا لنا اصنعوا مثلما صنعت أوروبا حطموا الدين وأغلاله، لكي تتحرروا وتنطلقوا، وتجددوا وتبدعوا، وتصير لكم القوة والسلطان!.

وفي غمرة الهزيمة وجدت هذه الدعوة من أبناء المسلمين مَنْ يقول: لابد أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب.

ووُجد من أبناء المسلمين فريق يظن الدين رجعية وتخلفاً وجموداً في التفكير، وخاصة في قضايا المرأة التي أشكلت والتبست في عالمنا فلم تعد تعرف فيه الصورة الحقيقية للمرأة المسلمة.

فهل إنتدب أفراد هذه الطائفة أنفسهم لنقل شيئاً من التكنولوجيا ؟، لم يحدث على الرغم من أن كثيراً منهم مكث سنوات في دول غربية.

إن الضعف والتأخر يوجبان على أهل البصائر والهمم العالية أن يكون جدهم ونشاطهم مُتضاعفاً لينقذوا المسلمين من وهدة التخلف وليعلموهم العلوم النافعة والأخلاق الراقية، تلك هي حاجة الأمة، ولم تكن الأمة بحاجة إلى من يدعو إلى التسيب والإنحلال، لم تكن بحاجة إلى من يعمل على حل أخلاق المجتمع، وإطلاق الغرائز والنزوات، والجري وراء أشكال الحضارة وأزيائها دون لُبّها الحقيقي.

عاد أفراد هذه الطائفة من بعثات خارجية بعقول غربية، فطفقوا يُقلدون ويدعون إلى تقليد الغرب في كل ما يصدر عنه من أعمال خسيسة، فليس الحق عندهم ما يُقابل الباطل، وإنما الحق بالنسبة لهم هو ما جاء من باريس ولندن ونيويورك، ولو كان الرقص والخلاعة والإختلاط في الجامعة والعري في الشارع وعلى الشواطئ، والباطل ما جاء من هنا من الأزهر وما يُنادي به علماء الصحوة الإسلامية، ولو كان الشرف والهُدى والعفاف والطهارة ؟.  

{ يقولون لو كان الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان فلماذا تخلف أهله ؟ ولمَ لم يعصمهم الإسلام من الهبوط ؟.

فهل يوجد نظام ـ سماوي أو أرضي ـ يعمل من ذات نفسه بطريقة آلية دون أن يكون البشر هم العاملين فيه ؟ أو ليس هذا مخالفاً لما قرره الله وقدره: أن يكون وضع الإنسان غير وضع الكائنات الأخرى، فلا يُقهر على الهدى كالسموات والأرض، وإنما يختار، ويتحمل مسئولية الاختيار، يقول الله ) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب 72، وحين يختار الضلالة أيقال لو كان الهدى هدىً حقيقياً لعصمه من الضلال ؟!(38)}.

لقد فرض الإسلام على هذه الأمة الأخذ بأسباب التقدم المدني، ففي كتاب منطلقات فكرية نحو حضارة عالمية جديدة يبين الكاتب الأدلة الشرعية على فرضية الأخذ بقوانين التقدم المدني ( وهي استغلال الأرض ظاهراً وباطناً، وإعداد المتخصص الجيد في شتى المجالات، تنظيم الوقت، نظام سياسي مُستقر، ثقافة)، فهل القصور في الإسلام أم في المسلمين الذين لا يأتمرون بأمر ربهم وخالقهم ولا يطبقون منهجه في حياتهم ؟.        

إن هذه الطائفة من أبناء المسلمين تجهل دينها، ولذلك فهي تعاديه، تقليداً بغير بصيرة للغرب الذي هاجمَ صورة مزيفة من الدين، قامت ولاتزال الكنيسة على نشرها، أو هي على الأقل تلتمس الحلول في غير منهجه، والإنسان عدو ما يجهله، والله سبحانه يقول: ) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ(يونس39 .

عدالة موقف أحرار الفكر في أوروبا .:

يقول الأستاذ محمد قطب:{ لقد كان موقف أحرار الفكر في أوروبا منطقياً لما تناولوا النصوص الدينية عندهم، وفندوها، وأباحوا لأنفسهم نقضها باعتبارها نصوصاً بشرية لا قداسة لها وإنما رجال الكنيسة هم الذين أحاطوها بالقداسة على زعم أنها من كلام الله؛ فمن حق أي بشر أن يُبدي رأيه حين يكون المعروض أمامه رأياً بشرياً وليس من عند الله، فأي مبرر يملكه " أحرار الفكر! " عندنا في هجومهم على الدين ؟. 

 حين يكون المعروض أمراً ربانياً مُنزلاً في القرآن أو مُوحىً به في السنة، فمن ذا الذي يبلغ به التبجح أن يدعي أنه أعلم من الله، وأحكم من الله، وأحق أن يُتبع من الله ؟.      

إن الله سبحانه وتعالى جعل الحكم لنفسه في الأمور كلها على إطلاقها، سواء في الكون المادي أو في حياة البشر، قال سبحانه: ) إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( يوسف40 ) وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ( الرعد41

وجعل سبحانه وتعالى هذا الأمر ـ أمر حاكميته سبحانه في الأمور كلها على إطلاقها ـ مبنياً على حقيقتين، الأولى أن الله هو الخالق، والثانية أن الله هو العليم الحكيم، يقول سبحانه: ) أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ( الأعراف 54 )  قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ   أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (البقرة 32 }. 

 وبالرغم من وضوح هذه البديهية رددت طائفة من أبناء المسلمين ـ باسم حرية الفكر ـ  ما وُضع في أفواههم من كلمات مثل (لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين)؛ كما يُرددون نفس الأسئلة: ما دخل الدين ونظام الحياة ؟!، ما دخل الدين ولباس المرأة ؟!، ما دخل الدين والسياسة والاقتصاد والتعليم والفن و و ..؟!). وهكذا يردد فريق من أبناء المسلمين عن "الدين" ما يُردده الغرب عن دينه هو!!.

فهل يُسوَّى بين دين محرف وبين الدين الحق الذي يدعوا إلى التفكر والتدبر وأعمار الأرض وفق منهج الله، يقول سبحانه: ) هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ( هود (61)، والسين والتاء تفيد طلباً أي طلب إليكم عمارتها، يعلم المسلم أن الكون كله مُسخر له، وعليه أن يفيد منه، ويعلم كذلك أنه مُتوجه بكليته إلى الله، في توازن رائع بين الدنيا والآخرة، بين مطالب الجسد ومطالب الروح.

فشتان بين دين يحارب العلم ويُحرَّق العلماء باسمه وبين دين يقول كتابه: ) يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ( المجادلة(11). 

شتان بين دين يحجر على العقل أن يُفكر بدعوى أنه حين يُفكر يزيغ وبين دين يأمر أتباعه أن يتفكروا وأن يتدبروا وأن يعقلوا سُنن الله في الأنفس والآفاق، ) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ( فصلت (53).

وبذلك يتضح لنا أن هذه الطائفة من أبناء المسلمين تقلد على غير هُدىً ولا بصيرة ولا كتابٍ مُنير، وأنها تأخذ الحكم على الشيء من أعداء ذلك الشيء، إذ كيف تقول هذه الطائفة عن الدين ما يقوله الغربيون في بضاعتهم الزائفة ؟!. 

 { ونسيت هذه الطائفة من أبناء المسلمين أن الذي أخرج أوروبا من جمودها وانغلاقها كان هو الإسلام! فإن احتكاك أوروبا بالإسلام عن طريق الأندلس والتأثير الثقافي الذي نتج من خلال ترجمة العلوم الإسلامية، هو الذي جعلها تشعر بما في حياتها من ظلام وجمود وتأخر.

ونسوا أن الجمود الذي أصاب الأمة في عهدها الأخير لم يكن سببه الإسلام، فمحال ـ بداهة ـ أن يكون الإسلام الذي بعث هذه الأمة ذات يوم، وحثها على التفكير في كل اتجاه، فأنتجت فكراً صنع حضارة بشقيها المدني والثقافي، وعاشت هذه الحضارة عدة قرون تنمو وتزدهر وتبدع في كل مجال، ثم يكون هو ذاته السبب في الجمود والركود والقعود عن التفكير والإبداع، إنما لابد أن يكون شيئاً آخر هو الذي أفضى إلى ذلك الجمود، وأن هذا الشيء حري أن يكون هو البعد عن مصدر الطاقة المشعة في هذا الدين(38)}.      

ويتحدث جان بول سارتر عن أسلوب صناعة ومجال استخدام هذه الطائفة من أبناء المسلمين، والذي كان منهم الكُتاب والصحفيون والإعلاميون وعمداء الأدب والفكر والاستنارة وغيرهم ممن يتبوأ أعلى المناصب في مراكز صُنع واتخاذ القرار؛ لنرى كيف رُزئت أمتنا بطائفة ممن ينتسبون إلى الإسلام شكلاً لا موضوعاً، ومظهراً لا حقيقة له، فيما يظهر على ألسنتهم الناطقة والكاتبة من كلام لا يتجاوز في محتواه ومضمونه كلام أعداء الإسلام السافرين، فيقول في مقدمة صدر بها كتاب فرانس فانون  المعذبون في الأرض: كنا نُحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء والسادة وأولاد الطبقة الأرستقراطية وأصحاب الامتياز في سلك التعليم؛ ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن وباريس وبرلين فتتغير ملابسهم، ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو، ويتعلمون لغاتنا، وأساليب رقصنا، وركوب عربتنا، وكنا نُدبر لبعضهم أحياناً زيجات أوروبية!، ثم نُلقنهم أسلوب الحياة الغربية، كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا، ثم نُرسلهم إلى بلادهم؛ وأي بلاد؟!؛  بلاد كانت أبوابها مغلقة دائماً في وجوهنا ولم نجد منفذاً إليها كنا بالنسبة إليها رجساً ونجساً، ولكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم، كنا نصيح من لندن وباريس وأمستردام وبرلين ليحل مبدأ الإنسانية محل الأديان فيرتد رجع أصواتنا من أقاصي أفريقيا والشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، وهكذا كانوا دائماً يرددون كلماتنا من أفواههم، وحين نصمت يصمتون إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين!! لايملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم.

إلى هنا ينتهي كلام سارتر، ويبقى علينا أن نعرف كم تطورت وسائل الاتصال والأجهزة والإعلام ومراكز المعلومات والأقمار الصناعية وصناعة الاهتمامات في السنوات التي أعقبت هذا الكلام، حيث لم تعد الحاجة قائمة الآن لأخذ الإنسان إلى لندن وباريس وبرلين، فلقد رُسِمَت سياسة التعليم على أسس ومناهج وضعها القس دنلوب خريج كلية اللاهوت؛ وتم تطوير التعليم من خلال مركز يُشرف عليه الأمريكان، ويقتصر دورنا في هذا المركز على الإقرار بما يفعله السادة، ومن يعترض يتم استبداله، وإنشاء الجامعة الأمريكية في القاهرة وبيروت، وإقامة أندية ذات صبغة ماسونية في بلادنا (الروتاري والليونز وغيرهما، حيث يتم اختيار أحلاس هذه الأندية ليتقلدوا أعلى المناصب لتساهم بدور خطير في هيكلة السياسة العامة للبلاد)،  بالإضافة إلى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة التي تقتحم على الناس بيوتهم، تساهم في تشكيل العقول، وصياغة العادات، وتنظيم العلاقات الاجتماعية.

فليس غريباً إذن أن نرى على رأس مؤسستنا التربوية والإعلامية والثقافية أناساً على درجة فائقة من الإخلاص لكل فكر تنويري يحمل في مضمونه تجاوز الإسلام الصحيح، بل إن مُنشئو الأحزاب العلَّمانية في بلادنا هم خريجو الجامعات الأوروبية والأمريكية، ومن عناصر هذا الفريق من سافر إلى بلاد الغرب لطلب العلم، فتلقفتها دوائر الاستشراق وبدلاً من الاعتصام بحصوننا الثقافية، والرجوع إلى ينابيع الإسلام في أصالتها ونقائها، إذ بها تتنكب الطريق وتتغافل عن عدوها وتنقم على دينها، وعادت هذه العناصر لتتقلد أعلى المناصب الحساسة، مما جعل الشباب ـ اليوم يعيش أزمة توجيه فكري واغتراب ثقافي ويعاني من درن الموارد التثقيفية واضطرابها.

وضع المرأة قبل الإسلام :ـ

يقول الأستاذ البهي الخولي: مما يدعو للإعتزاز والفخر أن نرى الأحكام والحقوق التي جاء بها الإسلام لتقرير مكانة المرأة في الحياة وانصاف انسانيتها لا تتأيد على ضوء وضع المرأة في البيئات القديمة فحسب وإنما من خلال وضعها في المجتمعات الحديثة أيضاً. 

ومن ينظر إلى تاريخ المرأة قبل بزوغ فجر الإسلام، يجده مليئا بما يثير الأشجان من حال المرأة وقتذاك.        

Ú    في الصين  : كانت المرأة تحتل في المجتمع مكانة هينة، ولقد كتبت احدى سيدات الطبقة العليا بالصين رسالة قديمة تصف فيها مركز المرأة، فكان مما جاء فيها: " نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري، ويجب أن يكون من نصيبنا أحقر الأعمال " .

ومن أغانيهم: " ألا ما أتعس حظ المرأة، ليس في العالم كله شيء أقل قيمة منها، إن الأولاد تقصد الذكورـ يقفون متكئين على الأبواب كأنهم آلهة سقطوا من السماء، أما البنت فإن أحداً لا يُسر بمولدها، وإذا كبرت اختبأت في حجرتها تخشى أن تنظر في وجه انسان، ولا يُبكيها أحد إذا اختفت من منزلها.

Ú   في الهند  : نجد في أساطير مانو " عندما خلق النساء فرض عليهن حب الفراش، والمقاعد، والزينة، والشهوات الدنسة، والغضب، والتجرد من الشرف، وسوء السلوك، فالنساء دنسات كالباطل نفسه وهذه قاعدة ثابتة "، كما نصت تشريعات مانو أن المرأة تعد زانية إذا خلت بالرجل مدة تكفي لإٌنضاج بيضة.

  ¿في اليونان القديمة : في العصر الذهبي كانت المرأة تعيش في أعماق البيوت على أنها سقط متاع، حتى كان من مفكريهم ومؤرخيهم الكبار من يُنادي: " يجب أن يحبس اسم المرأة في البيت كما يُحبس جسمها " ، وكان يُنظر إلى الزوجية على أنها وظيفة لإستيلاد الأطفال، لا تعلو كثيراً عن وظيفة الخدمة في البيت، ولم يكن من الأوضاع المألوفة أن تكون الزوجة موضع حب أو عاطفة، فإن لتلك المشاعر مجالاً آخر يصوره ديموستين بقوله " اننا نتخذ العاهرات للذة، ونتخذ الخليلات للعناية بصحة أجسامنا اليومية، ونتخذ الزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين " ، وكانت الزوجة تنتقل من بيت أهلها لا لتكون سيدة البيت في بيت زوجها، بل لتؤدي فيه ـ إلى جانب الخدم ـ وظيفها في استيلاد الأطفال وحضانتهم.

¿ في الحضارة الرومانية:  كان يًنظر للمرأة على أنها سلعة مملوكة للرجل له أن يتصرف فيها كما يشاء يملكها أبوها ثم زوجها ثم بنوها يتصرف فيها كل واحد كما يتصرف في       الرقيق،  لم يكن للمرأة  أهلية أو شخصية قانونية، فقد كان القانون يعتبر " الأنوثة " سبباً أساسياً من أسباب انعدام الأهلية تماماً كحداثة السن أو الجنون.

¿ في فرنسا وانجلترا : صدر في فرنسا عام 586 م قراراً يقضي بأن المرأة انسان إلا أنها خلقت للذل والهوان، وخلقت لتكون في خدمة الرجل وتحت أمره ونهيه.

وقد سنت المحاكم الكنسية في القرن الحادي عشر قانوناً ينص على أن للزوج أن يُعير زوجته لرجل آخر لمدة يرتضيها المستعير، وكان من حق كل حاكم أن يستمتع بامرأة الفلاح إلى أربعة وعشرين ساعة من تاريخ العقد على هذا الزواج.

وفي عصر هنري الثامن ملك انجلترا صدر قراراً يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد، كما أصدر البرلمان الاسكوتلاندي في عام 1567 م قراراً يقضي بأن المرأة لا يجوز أن تمنح أي سلطة على أي شيء من الأشياء، وأن تسلب الولاية عن نفسها كما تسلب الولاية على غيرها.

¿ في مجتمع  جاهلية  العرب : كان العرب لا يرحبون بميلاد الأنثى، وكان هذا طبيعياً في مجتمع قبلي لا تهدأ فيه الغارات، ولا تسكن فيه خصومة الثأر، وكانت في نظر العدو غنيمة مطلوبة للخدمة أو للإستمتاع، مما يُضاعف على رجال قبيلتها عبء القتال خوف ما يلحقهم من عار إذا وقعت ضمن السبايا في يد العدو، ولذلك كانوا يئدون البنات صغاراً.     

تلك معالم مُوجزة تعطينا حكماً صادقاً عن الوضع الإجتماعي للمرأة في البيئات المختلفة، ونخلص من ذلك بالعناصر التالية:ـ

¿   أن انسانية المرأة لم تكن موضع اعتبار لدى الرجل، ولقد بلغت من المهانة أن قرر الرومان في أحد مجامعهم في روما أن المرأة إنسان لا روح لها ولا خلود.

¿   أنها لم تكن لدى الكثيرين أهلاً للتدين والتخلق بالفضيلة، وقد رأينا مانو يجردها من شرف السلوك، وغيره كثير ممن يتشكك في أهليتها للعبادة.

¿       انعدام المساواة بين البنين والبنات في نطاق الأسرة.

¿       اهدار شخصيتها القانونية، وأهليتها للتصرف الأقتصادي.   

قضية المرأة الغربية: ـ

يقول الأستاذ محمد قطب: { لقد بدأت القضية منذ الثورة الصناعية حين نكل الرجل عن إعالة المرأة، فاضطرت إلى العمل لتعول نفسها، وأحياناً لتعول أسرتها كذلك، فاستغلها أصحاب المصانع وأعطوها نصف الأجر الذي يعطونه للرجل مع أنها تعمل في نفس المصنع، وتعمل نفس العدد من الساعات.

وكانت المطالبة ابتداءً بالمساواة مع الرجل في الأجر، فلما لم يستجب الرجل لصراخها، قيل لها: لأنك جاهلة يستخف الرجل بحقوقك، فلا بد أن تتعلمي، فطالبت أو طولب لها بالمساواة مع الرجل في حق التعليم؛ ولما لم تحل المشكلة ـ رغم التعليم ـ قيل لها لابد أن توصلي صوتكِ للبرلمان، فطالبت أو طولب لها بالمساواة في الحقوق السياسية، وفي وظائف الدولة العليا، وفي أثناء ذلك كله كانت القضية تزْحَف إلى هدف مرسوم من قبل لدى المخططين، وهو أن تنال المرأة حق الفساد مثلها مثل الرجل سواء!.

ونالت المرأة الأوروبية (حقوقها) واحداً إثر واحد بما في ذلك حق الفساد والفجور! بل نالت هذا الحق الأخير بمساعدة الرجل وتشجيعه، فقد وجد الرجل أن ذلك ييسر له المتاع الدنس، فلا يكلفه إلا تهيئة الظروف! وفي ظل تعاليم فرويد الجنسية، وفي ظل الرغبة في المتاع الزائد عن الحد، في ظل ذلك كله تعلمت المرأة فنون الإغراء، فنزلت المرأة إلى الميدان بأقذر أسلحتها؛ أسلحة الإغراء؛ وليكن الإغراء هدفاً في ذاته ولو لم يكن هدف آخر من ورائه كالحصول على زوج أو الحصول حتى على العشيق!، الإغراء من أجل الإغراء! من أجل أن تحس المرأة أنها ذات جاذبية ثم ذات سلطان! وكان لها فعلاً ذلك السلطان!

فما دام الرجل هو ذلك الدارويني الشبيه بالحيوان؛ وما دام هو الرجل الواقع تحت سطوة الجنس الذي أطلقه فرويد من عقاله، وما دام هو الرجل الراغب في المتاع الزائد عن الحد، ما دام الرجل هو ذلك ؛ فالسلطان الأكبر عليه هو سلطان الشهوة، سلطان الجسد وكل مثير لشهوة الجسد فهو في حياته صاحب سلطان.

وأحست المرأة بالفطرة أنها كلما زادت إغراء زاد سلطانها على الرجل الغارق في الشهوات، ومن هنا أصبح الإغراء هدفاً في ذاته عند المرأة، ليس بالضروري أن تستخدمه للحصول على الزوج أو حتى على العشيق، وإنما هو سلاح تستخدمه مع الرجل عامة، ولغير هدف سوى أن تحس أنها (موجودة) في كيان هذا الرجل أو ذاك(38 ،39)}. 

وقضية المرأة المسلمة:ـ {هي أن الظلم قد وقع عليها نتيجة البعد عن منهج الله وارتداد المجتمع إلى أعراف الجاهلية، { ففي الجاهليات إما أن يجنح المجتمع إلى تحقير المرأة وازدرائها (وهذا ما حدث بالفعل)، وإما أن يجنح إلى تدليل المرأة وإفسادها وجعلها مسرحاً لشهوة الرجل (وهذا ما يجري في واقع الأمر في أوروبا) (35) }.

وإذا أردنا أن نرصد وضع المرأة المسلمة خلال القرون الثلاثة الأخيرة، فإننا نجد أن القيم المُتحكمة في وضع المرأة هي التقاليد الاجتماعية وليس التعاليم والقيم الشرعية.

لقد حُرمت من بعض ما أعطاها الله من الحقوق، حُرمت في بعض الأسر من حق اختيار الزوج (وذاك هو الوأد المعنوي)، وحُرمت من المشاركة في الحياة؛ وحُرمت من الذهاب إلى دور العبادة والعلم (وذاك هو  الوأد الثقافي).

وكانت الذريعة لهذا الحرمان هي: حمايتها من الفتنة والفساد، فشاع الجهل وضعُفت عُرى التدين وفسدت التربية الأسرية بسبب أمية المرأة وجهلها، (ولا أقصد بالأمية أمية القراءة والكتابة إنما أقصد أمية الفكر والتصور والسلوك).

ولقد أغرى هذا الوضع المنافي للإسلام الأعداء، فعمدوا إلى صنائعهم ممن ذكرهم سارتر وأوعزوا إليهم بضرورة العمل لتخليص المرأة من هذا الوضع الشاذ والدعوة إلى تحررها.

{ ولو أننا أعطينا المرأة ما أعطاها الله ورسوله من الحقوق، وطورنا رؤيتنا لهذا العطاء ضمن الضوابط الشرعية، وتجاوزنا التقاليد الجاهلية إلى التعاليم الشرعية لَمَا صِرنا إلى ما نحن فيه من تمرد وخروج كثير من النساء على تعاليم الإسلام، ولَمَا عانت المرأة من هذا الفراغ الفكري الكبير، ولشكل الإسلام عقيدة وشريعة وثقافة اختياراً للمرأة عن كل الثقافات الأخرى، اختياراً عن وعي وعلم ومعرفة، وليس وراثة وتقليداً هشاً آيلاً للسقوط عند أول صدمة(30)}.

{ لكن المرأة المسلمة لا تعمل خارج البيت، لا بأجر ولا بنصف أجر، فكيف تُنشأ لها قضية تمر بذات المراحل على النسق الأوروبي، ليتحقق ما وصفه طه حسين بقوله: لابد أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب.

وما قاله من قبل قاسم أمين: إن المرأة المسلمة لابد أن تصنع ما صنعته (أختها الأوروبية) لكي تنال حريتها ؟.

لابد من افتعال سبب آخر وإن يكن (صناعة محلية) تدخل به المرأة المسلمة في المسار الذي سلكته (أختها الأوروبية)، فوقع الاختيار على الحجاب! (38)}.    

وقالوا:{ بأن حجاب المرأة عائق عن مشاركتها الرجل في نهضته الفكرية والثقافية والاجتماعية، وأن أولى الخطوات إلى أي نشاط فكري أو اجتماعي أن تُسفر المرأة عن وجهها، وتحطم ما بينها وبين الرجل من حواجز واعتبارات، كما أن أول السُبُل للقضاء على ملكتها واستعداداتها الفكرية والاجتماعية المختلفة أن تحبس نفسها في قفص هذا الحجاب، وتضع بينها وبين الرجل حاجزاً مما تسميه الستر والآداب (29)}.

ولقد آتت هذه الجهود الخبيثة ثمارها المُرة، فإذ بنا نرى فتيات قد انسلخن من الإسلام فكراً وسلوكاً وطفقن يُقلدن المرأة الغربية في كل شئ .

{ فهل كان وراء الحجاب الذي سقط  وحل محله هذا الطوفان الرهيب من الملابس الملتصقة بالجسد، هل كان وراء الحجاب الذي سقط عقيدة راسخة ورصيد إيماني أم كانت التقاليد الخاوية ؟.

حين يكون الحجاب عقيدة فإنه لا يسقط  مهما سُلط   عليه من أدوات التحطيم، وحين تكون الأخلاق ذات رصيد إيماني حقيقي، فليس من السهل أن تسقط إلا بعد مقاومة شديدة وزمن مديد (35) }.

} وأي علاقة يا ترى  بين الحجاب وبين ما وقع على المرأة

المسلمة من ظلم  وهوان ؟! وما ارتباط  التحرر بالحجاب ؟! }.

وإذا كان حجاب المرأة هو الخط الدفاعي الأول والحاجز الفولاذي المنيع ضد هجمات الإباحية بكل صورها وأشكالها، فانهيار هذا الخط الدفاعي يعني بالضرورة انتصار الإباحية التي أولها رفع الحياء وآخرها فعل أبشع المنكرات التي حرُمها الله سبحانه على خلقه.

ولله دَرُّ القائل (8):

انا سمعنا أختنا شيئا عُجاب

                               قالوا كلاما لا يسُر عن الحجاب

قالوا خيَّاما عُلُقت فوق الرقاب

                                  قالوا ظلامًا حالكًا بين الثياب

قالوا التأخُر والتخلُف في النقاب

قالوا الرشاقة والتطور في غياب

نادوا بتحرير الفتاة وألفوا فيه الكتاب

رسموا طريقا لا يضيعه الشباب

يا أختنا هم ساقطون إلى الحضيض إلى التراب

يا أختنا هم سافلون بغيِّهم مثل الكلاب                                              

يا أختنا هذا عواءُ الحاقدين من الذئاب

يا أختنا أنت العفيفة والمصونة بالحجاب

يا أختنا فيكِ العزيمة والنزاهة والثواب

فالنار مثوى الظالمين لهم عقاب

والله يكشفُ ظُلمهم يوم الحساب

والجنة المأوى و يا حُسنَ المآب.

{ إن المرأة الغربية التي دخلت الإسلام، وهي في أوج (تحررها) في المجتمع (المتحرر) من كل شئ ؛ التزمت بالحجاب طواعية وعبادة لله، واعتزازا بالإسلام، وفي ذلك رد على أعداء الإسلام الذين يهرفون بأن الإسلام يظلم المرأة وأن الحجاب يحجم دور المرأة المسلمة ويهمشها(38)}.

وعلى الرغم من شراسة الحملة على الحجاب فإننا نرى اليوم فتيات محجبات من كل طوائف المجتمع، لا يتنازلن عن حجابهن ولو فُصلن من الجامعة ( كالطالبة عائشة ترومان، سادسة طب والتي خُيِِّرَت؛ وهي التي لم يبق على تخرجها سوى خمسة أشهر؛ بين أن تخلع الحجاب أو تغادر الجامعة، فلم تتردد في أن تغادر الجامعة واعتبارها القرار الأخير مستحيلاً ) ولو دخلن من أجله السجون والمعتقلات.

وعندما أصدر القضاء التركي حكماً يقضي بسجن طالبة جامعية ستة شهور لارتدائها الحجاب نقلت صحيفة (اكسام) التركية عن الطالبة قولها للمحكمة:{ أنا لم أرتدِ الحجاب لإعاقة التعليم، وإنما لأن هذه تعاليم الله {، فليت القائمون على الأجهزة التعليمية في بلادنا يُدركون ذلك، لكي يُوفروا علينا الذهاب من حين لأخر إلى محكمة القضاء الإداري، لِما يمارسونه من تضييق على أخواتنا المُحجبات.  

المرأة المسلمة في المنهج الرباني:ـ

 لقد جاءت نصوص المنهج الرباني توصي بالمرأة خيراً، أمّاً وأختاً وبنتاً وزوجاً، وجعلت الأم أحق الناس بحسن الصحبة؛ فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله مَنْ أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال ثم مَنْ؟، قال: أمك، قال: ثم مَنْ؟، قال: أمك، قال: ثم مَنْ؟، قال: ثم أبوك. الحديث رواه البخاري.

{ ولقد أقام الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة على المودة والرحمة، على عكس الفلسفات الأخرى القائمة على الصراع والمواجهة بين الرجل والمرأة، قال الله سبحانه: ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَ زْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( الروم(21).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا يفرك    مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر "  ويقول " أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم "

وردَّ الإسلام نكاح من أُكرهت عليه؛ لأن من الظلم ـ الذي تنأى عنه شريعة الله ـ أن تقوم حياة زوجين (الرجل والمرأة) ويدخل أحد طرفي هذه الحياة وهو مُكره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر ولا البكر حتى تُستأذن " رواه الجماعة، ولقد جاء التفريق بينهما لأن الثيب ـ غالباً ـ لا تتحرج من الحديث في الزواج بخلاف البكر.

وجعل الإسلامُ القِوامة التي ناطها بالرجل درجة إشراف وإدارة وليس درجة تشريف وكرامة لأن الأكرم هو الأتقى.

واعتبرت شريعة الله المرأة مخلوقاً كامل الأهلية ومحلاً للخطاب السماوي والمسؤولية الفردية، ومساويةً للرجل في الحقوق الإنسانية العامةٌ قال الله سبحانه: ) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( النحل الآية(97)(30)}.

بل قُدمت على الذَكَر في السياق القرآني كما في قوله سبحانه:) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ( الشورى (49).

وجاءت مساوية للرجل في الخطاب القرآني كما في قوله سبحانه: ) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا( الأحزاب(35).

{ وقد لا أكون بحاجة إلى القول: بأن مشاركات المرأة وممارستها في الحياة العامة التي سطرتها كتب السيرة لا تدع مجالاً للعبث، وتعتبر دليلاً ومعياراً لأبعاد دور المرأة في الحياة الإسلامية على مر العصور والدهور؛ فلقد بايعت، وجاهدت، وهاجرت، ومرَّضت، وعلَّمت، بل وقدمت المشورة والرأي(30)}، وأُخذ بتلك المشورة في أحلك الظروف التي مرت بالأمة يوم الحديبية.

{ وتذكُر كتب السيرة الصحابية " أم حرام بنت ملحان " رضي الله عنها وهي تبدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن رغبتها في أن ينالها ما ينال المجاهدين من الأجر والرفعة ، فلم يُنكر عليها النبي تطلعها ومشاركتها الرجال في الخير، ولم يُذكرها بضعفها وأنوثتها، بل قال لها أنت منهم، وتحققت أمنيتها ، فنالت رضي الله عنها الشهادة .

ولم تكن عناية الإسلام بتعليم المرأة أنها جزء من المجتمع فحسب، ولكن بحكم تأثيرها القوي في أحداث مجتمعها، فكانت المسلمة تسأل وتراجع وتستفسر وتجادل وتحرص على الاستكثار من التوضيح النبوي وتسعى إلى فهم الحكم الشرعي لتكون واعية بالتزاماتها.

حتى كان عمر بن الخطاب يقول:{ والله لقد كنا في الجاهلية لا نعُدُ للنساء أمراً،  حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم }، وهو الذي استدركت عليه امرأة في المسجد في شأن المهور، فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، مما يدل على جرأة المرأة وثقتها بنفسها؛ وكيف لا وهي التي أقبلت على الدين والدنيا بعقلية ونفسية واعية مسؤولة (30) }.

لكن المُفكرين! ـ الذين ذكرهم سارتر في مقدمته ـ يجهلون الشريعة الغرَّاء التي سمت بالمرأة المسلمة، وجعلتها تتبوأ مكاناً علياً في الدنيا والآخرة إن هي صاغت حياتها وفق تعاليمها، لقد أصيب القومٌ بهزيمة داخلية، وانبهارهم بما عند الغرب جعلهم لا يرون سوى طريقاً واحداً، لا يرون غيره، ولا يستطيعون رؤية غيره ـ لأنهم عبيد للمدنية الغربية؛ والعبد لا يرى إلا ما يراه سيده له ـ وهو السير في نفس الخطوات التي سارت فيها المرأة الغربية، لأنها ـ  كما يزعمون ـ  خرجت منتصرة في النهاية! وأي انتصار هذا وقد تحولت إلى سلعة مبتذلة، فها هي تعرض عارية في فاترينات محلات البغاء في سوق المتعة حيث تجارة الرقيق الأبيض والتي لا تخلو منها عاصمة وربما ولا مدينة من عواصم ومدن العالم الحر!، وكما صارت المرأة سبيلاً لمتعة الجسد، صارت كذلك وسيلة للإعلان وإنفاق البضائع، حيث يُباع على جسد المرأة الحرة! المأكولات والمشروبات والملبوسات وأدوات الزينة ويُروج للبضائع والحفلات، فهل من كرامة لحم جسد المرأة الحرة ! أن تعرض عارية في فاترينات محلات بيع الهوا واللذة ؟ وهل من كرامة المرأة الحرة ! أن تستغل صورة المرأة وصوتها في ثلاثمائة من ثلاثمائة وخمسة وخمسين اعلاناً ؟، فكم في هذا من هبوطٍ مُخل بقدر المرأة ومكانة المرأة من جهة، وحط لكرامتها وآدميتها من جهة أخرى.

كما أظهرت الإحصاءات في أرقى دول العالم تقدماً (الولايات المتحدة الأمريكية) عن شئ من وباء العنف العائلي!، تسعة ملايين امرأة تقريباً يتعرضن للإيذاء من خلانهن! أو أزواجهن في كل سنة من السنوات، من أربعة آلاف إلى ستة آلاف امرأة يُضربن حتى الموت سنوياً وبانتظام، الشرطة تقضي ثلث وقتها في الرد على الشكاوى الهاتفية عن العنف العائلي، أذى الضرب للنساء أكثر من حوادث السيارات والجرائم الأخرى.

فهل يريدون منا أن نفهم حرية المرأة كما يفهمها الغرب الصليبي والشرق المُلحد على النحو الذي بينا وسنبين جانباً منه؟ إنهم ليحمون حرية الرجل الشاذ في أن يختار رجلاً شاذاً مثله ليتزوجه، وهناك كنائس تزوج الرجال الشواذ بالرجال الشواذ، والنساء الشواذ بالنساء الشواذ.

تدخل خزائن دول العالم الحر! المليارات من الضرائب المفروضة على تجارة الرقيق الأبيض (الدعارة)، ففي عام 1980 م بلغت حصيلة الدولة في فرنسا (مثلاً) من الضرائب على البغاء 44 مليار فرنك، ولا أدري كم بلغت حصيلتها اليوم ؟، وإنما الذي أعلمه وفقاً للإحصاءات أنه خلال عقدين سيكون 80% من الشعب الفرنسي من اللقطاء!، فأي مصير بائس تنتظره مجتمعات العالم الحر!، ناهيك عن انتقال الإيدز من خلال الأحضان الدافئة، كما تنتقل الأنفلونزا عبر القبلات اللذيذة، هذه هي ثقافة القوم ومفهومهم للحرية فكيف يصلحون معياراً لنا ولماذا نتبنى أطرحاتهم لحل مشاكلنا ؟. 

وإن لم نأخذ الأخلاق من وحي السماء (القرآن والسنة) أفمن هذه الشعوب نأخذ أخلاقنا ؟!.

الأهداف والوسائل

 

يقول الأستاذ محمد قطب:{ لقد كان المطلوب إحداث نمط حياة كامل مغاير للصورة الإسلامية، وتحويله إلى أمر واقع يضغط بثقله على الأعصاب والأفكار والعقول، فيبعدها عن الإسلام، ويُصبح الإسلام إلى جانب تلك الصورة أشباحاً غامضة، أو أحلاماً هائمة، غير قابلة للتطبيق في دنيا الواقع، بل يُصبح نمط الحياة الجديد في حس الناس هو الأصل، ويُصبح الإسلام إلى جانبه شيئاً مضاداً، شيئاً غير مرغوب فيه، لأنه يتصادم مع الواقع الجديد، ويُفسد رونقه وبهاءه الوهميين اللذين لمعتهما  وسائل الإعلام بكل وسائل التضليل(35)}.

{والعجيب أن يجئ دنلوب المتخرج من كلية اللاهوت البريطانية ليرسم لمصر المسلمة سياسة التعليم، ولقد كان هدف القس دنلوب من سياسته التعليمية التي وضعها لبلد مسلم هو  إضعاف الإعتقاد بالفكرة الإسلامية وبث الأفكار الأوروبية بين طبقات المسلمين(38)}.

ولقد تحقق له ما أراد فأمسى النموذج الغربي متفشيًا في جسد الأمة حتى العظم، وخضعنا جميعاً رجالاً ونساءً، متعلمين وأميين لعملية التغريب.

ولقد حددوا لإحداث هذا التغيير وسيلتي تنحية الشريعة (التي تذكر الناس دائماً بأنهم مسلمون)  و اجتذاب المرأة المسلمة بعيداً عن دينها.

تنحية الشريعة  :ـ

يقول الأستاذ محمد قطب:{ لقد سحقت مدنية الغرب الصليبي والشرق الملحد طائفة من أبناء المسلمين، وجعلتهم يتشككون ـ ولأول مرة في حياتهم ـ في قيمهم السامية وشريعتهم الربانية وأخلاقياتهم وأنماط سلوكهم، ويستبدلون بها أفكار أوروبا وقيمها وقوانينها الوضعية الوضيعة ويُصرون على تنحية الشريعة الإسلامية، وهم بذلك يسيرون على نهج أسيادهم الأوروبيين، فلقد كان أول هَمٍّ للمحتل الأوروبي بعد استيلاءه على أي بلد من بلاد المسلمين هو تنحية الشريعة [3].

ويشرح الكاتب الأسباب القريبة والبعيدة لذلك فيقول: هل نعجب من بدئهم حملتهم على بلادنا بتنحية الشريعة الإسلامية ؟، إن كانوا يريدون تنصير المسلمين ـ وقد حاولوا ذلك في مبدأ الأمر حتى يئسوا ـ فهل يمكن ذلك في وجود الشريعة التي تطبق حد الردة على المرتد الذي يُبدل دينه ؟، وإن كانوا يُريدون نشر الفاحشة ـ وقد أرادوا ذلك وفعلوه ـ فهل يمكن ذلك في وجود الشريعة التي تطبق حد الزنا ؟، وإن كانوا يريدون نشر الخمر والتعالن بها ـ وقد أرادوا ذلك وفعلوه ـ فهل يمكن ذلك في وجود الشريعة التي تطبق حد الخمر ؟، وإن كانوا يريدون إغراء المرأة بخلع حجابها، وخروجها بعد ذلك سافرة  كاسية عارية، فضلاً عن تجريدها من حياءها الفطري على الشواطئ التي تختلط فيها كتل اللحم العريان ـ وقد أرادوا ذلك وفعلوه ـ فهل يمكن أن يحدث ذلك في وجود الشريعة التي تعاقب على هذه الأمور كلها عقوبات رادعة ؟}.

 لقد نفى القرآن الكريم الإيمان عمن يتحاكم إلى غير شرع الله، يقول الله سبحانه:) فَلَا وَرَبِّكَ  لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(النساء 65 ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا(النساء60 .

يقول سيد قطب رحمه الله:{ إن المقتضى الفطري البديهي للإيمان، أن يتحاكم الإنسان إلى ما آمن به وإلى من آمن به فإذا زعم أنه آمن بالله وما أنزل ، وبالرسول وما أنزل إليه، ثم يُدعى إلى هذا الذي آمن به؛ ليتحاكم إلى أمره وشرعه ومنهجه كانت التلبية الكاملة هي البديهية الفطرية، فأما حين يصد ويأبى فهو يخالف البديهية الفطرية، ويكشف عن النفاق، وينبئ عن كذب الزعم الذي زعمه من الإيمان.

ومن ذا الذي يجرؤ على ادعاء أنه يُشرع للناس، ويحكم فيهم، خيراَ مما يُشرع الله لهم ويحكم فيهم ؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الإدعاء العريض ؟ أيستطيع أن يقول أنه أعلم بالناس من خالق الناس ؟ أيستطيع أن يقول أنه أرحم بالناس من رب الناس ؟ أيستطيع أن يقول أنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس ؟ أيستطيع أن يقول أن الله سبحانه وهو يُشرع شريعته الأخيرة؛ ويُرسل رسوله الأخير؛ ويجعل رسوله خاتم النبيين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد، كان ـ سبحانه ـ يجهل أن أحوالاً ستطرأ وأن ملابسات ستقع، فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خفية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان ؟!!. ما الذي يستطيع أن يقوله من يُنحي شريعة الله عن حكم الحياة وجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من الأجيال، فوق حكم الله، وفوق شريعته ؟   (3)}.

 فالمقتضى البديهي للإيمان هو أن يخضع الناس في كل شئونهم لحكم الله  وأمره ومنهجه.

استغلال المرأة :ـ

تقول آنا مليجان: { ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من تعليم بنات المسلمين في مدارس نشرف عليها بطرق غير مباشرة؛ إن القضاء على الإسلام يبدأ من هذه المدارس التي أُنشئت خصيصا لهذه الغاية والتي تستهدف صياغة المرأة المسلمة على النمط   الغربي الذي تختفي فيه كلمة الحرام والحياء والفضيلة }، ومن أقوالهم:{ إن مدارس البنات في البلاد العربية هي بؤبؤ عيني،  وإن أقصر طريق لتفريغ قلب المسلم من الإيمان بالله ونقله من جو الإسلام هو اجتذاب الفتاة المسلمة إلى مدارسنا بكل الوسائل الممكنة لأنها هي التي تتولى عنا مهمة تحويل المجتمع المسلم وسلخه من مقوِّمات دينه. ويُعلق الكاتب على هذه الفلسفة فيقول: ولا جرم أن أصحاب هذه الفلسفة على خبرة كبيرة بمنزلة المرأة في حضارة الإسلام، إذ أدركوا بحق أن مجرد انتزاعها من أحضان هذا الدين كافٍ لضعضعة الكيان الإسلامي.

والمؤسف أن هذه الفلسفة قد شقت طريقها لا على أيدي مفكريها ومدارسهم فحسب! بل عن طريق أذنابهم من بعض حكام المسلمين وخريجي أفكارهم المسمومة }.

ويقول جلاد ستون رئيس وزراء بريطانيا السابق: { مادام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان، ولن يستقيم حال الشرق ما لم ُيرفع الحجاب عن وجه المرأة ويُغطى به القرآن    (4)}.

فالرجل يحث أن مبعث القوة في هذا الشعب هو القرآن هو الإسلام؛ وهو الصخرة التي طالما عانى منها الاستعمار فيجب أن تتحطم ويجب أن تزول.

رُسمت السياسة التعليمية في دول العالم الإسلامي وفقاً لمقررات مؤتمر لكنو للتبشير1911 م ومؤتمر القاهرة للتبشير1906 م  بعد أن لاحظ المؤتمرون بوادر قيام نهضة في العالم الإسلامي الأمر الذي يحتم على الكنيسة أن تعمل بحزم وجد؛ وكان من بين مواد برنامج مؤتمر لكنو " المادة السابعة: الارتقاء الاجتماعي والنفسي بين النساء المسلمات، المادة الثامنة: الأعمال النسائية "، وجاء دنلوب خريج كلية اللاهوت ليرسم لنا السياسة التعليمية.

ومن حق الأستاذ محمد قطب أن يتساءل:{ ما هذه العناية الشديدة (بتحرير) المرأة المسلمة و (تعليم) المرأة المسلمة و(الارتقاء الاجتماعي والنفسي) للمرأة المسلمة ؟! وممن ؟! من المبشرين ومؤتمرات التبشير ؟! ومتى ؟! عندما يكون هناك (خطر) من قيام نهضة في العالم الإسلامي! وعندما يكون المطلوب اتخاذ قرارات ضد هذه النهضة ؟! ما هذه العناية الشديدة بهذا كله، وما علاقة تحرير المرأة وتعليمها وترقيتها اجتماعياً ونفسياً، بالقرارات التي تتخذ لقتل الإسلام والإجهاز عليه قبل أن يحاول النهوض من جديد ؟!(38)}.       

ولقد أوجدوا ـ لتنفيذ توصيات تلك المؤتمرات ـ من بين أبناء المسلمين مَنْ استُعمرت أرواحهم وتسممت نفوسهم ليكلوا إليهم المهمة الكبرى في القضاء على ما بقي من مظاهر الإسلام وشغل الرجال والنساء بالعلاقات الدنسة والتصورات الهابطة حتى إذا وُلِدت إسرائيل  في نهاية المطاف على الأرض الإسلامية لم تجد من يقف في طريقها من شباب ملتزم، يجاهد في سبيل الله، ويأبى التفريط في مقدسات الإسلام..

فماذا تتعلم بنات المسلمين فى المدارس والجامعات ؟.

 لَقِّنوها الأفكار والمبادئ التي تجرها بعيداً عن الدين في وقت أعتبر الدين مادة غير أساسية، علموها كيف تتابع الموضات من خلال الشاشة ومن خلال القراءة في الكتب والصحف والمجلات الماجنة والتي يدخل أسواقنا منها كل شهر أكثر من مائة صحيفة في غلافها فتاة لا تتكرر.

فكيف تقف وزارة الإعلام حاجزاً أمام تدفق وانتشار بعض المجلات والصحف الملتزمة بثوابت هذه الأمة وقيمها الفاضلة، وتحجم بذلك عن نشر وتوزيع هذا النبع الخيِّر إلى شعوبها ؟، في ذات الوقت نرى بعض المجلات والإصدارات الفاضحة التي تنفث سمومها، تتصدر المكتبات وتمر عبر مقص الرقيب دون حسيب، وأمام هذه السيول من الإصدارات{ لم تجد المسلمة وقتاً كافيا لان تقرأ القرآن، وتتهذب بتعاليم الإسلام، بل على العكس هجرت القرآن لأنه يُذكِرها دائما بالمحافظة على القيم والأخلاق، وضرورة الالتزام بالحجاب، ويبين لها الثواب والعقاب، وحتمية الجزاء والحساب، وينهاها عن سيئ الأخلاق التي اكتسبتها المسلمات ببعدهن عن الدين، ولهذا سارعت إلى تصديق كل ما يقال لها من أن الإسلام يحدُّ من حريتها، فبادرت بخلع الحجاب وغطَّتْ به القرآن، تماما كما أراد قائدها الروحي جلاد ستون(4) }.

والمشكلة المطروحة اليوم ـ كما يصورها لنا الإعلام المُوجه ـ هي غياب المرأة عن المشاركة في الحياة السياسية .

ويقول عمر عبيد حسنة:{ قد لا تكون المشكلة اليوم في مشاركة المرأة أو عدم مشاركتها في الحياة، وإنما المشكلة الحقيقية اليوم في المحاولات الدائبة لإبعادها عن قيمها وإسلامها باسم المشاركة وتحت شتى العناوين، وكيف يمكن أن تصبح المشاركة وسيلة لإخراجها من دينها ؟! والواقع دليل على أن المشكلة ليست في المشاركة أو عدمها، فكم من المشاركات رُفضت وحُوصرت بسبب التزام المرأة بقيمها الإسلامية،  فالمشكلة إذن في الاستمرار في التزام المرأة القيم الإسلامية.

ومن الأمور اللافتة حقاً أنه على الرغم من حصول المرأة المسلمة على أعلى الدرجات العلمية، وتبوئها أرقى المستويات الاجتماعية  إلا أنها تبقى في نظر بعض من يدعون الديمقراطية والمساواة رجعية ومتخلفة، بسبب تمسكها بقيمها الإسلامية ولباسها الإسلامي  (30)}.

والآن أسوق عدداً من الأدلة التي تؤكد ما ذهب إليه الأستاذ عمر:أولاً: وهذه الملاحظة من داخل أسوار الجامعة؛ حين يرى الناظر كرنفالاً من الأزياء يسأل:{ هل العلم يتطلب هذه الملابس ؟ هل العلم يتطلب هذه الحركات ؟ هل العلم يتطلب الضحكة المثيرة والغمزة المشحونة بالإغراء ؟ هل العلم يتطلب أن تكون الوجوه والأظافر مصبوغة ؟ (28)}.

ثانياًً: ما تعانيه الفتاة المسلمة الملتزمة في دور التعليم وما يُمَارس ضدها من أشكال المصادرة والمضايقات التي بلغت حد منع المُنقبات من دخولها، تشهد بذلك ساحة محكمة القضاء الإداري المصري، وقصة العالمة المسلمةـ نباهت قوروـ  خبيرة الطاقة الشمسية والمحاضرة بجامعة إيج والتي ذهب مستقبلها واختصاصها العلمي أدراج الرياح بسبب التزامها الحجاب معروفة، وسبق أن أشرنا إلى حكم القضاء التركي الذي يقضي بسجن طالبة جامعية ستة شهور لارتدائها الحجاب وقول الطالبة للمحكمة:{ أنا لم أرتدِ الحجاب لإعاقة التعليم، وإنما لأن هذه تعاليم الله }، كما ضاقت فرنسا ـ التي يأتمون بها، ويعتبرونها صرحاً لحقوق الإنسان ـ ذرعاً بحجاب طفلة مسلمة ومنعتها من دخول المدرسة!، أليس للإنسان الحق في أن يتعلم فأين حقوق الإنسان التي يتشدقون بها ؟.

من هنا جاءت أهمية هذا النداء الذي أنادي فيه على الأخت المسلمة، فهي في أمَس الحاجة إلى معرفة ما يُخطط لها وما يُراد لها وبها، وحتى تدرك متطلبات دينها ومجتمعها، ولا تلجأ إلى ثقافات تبعدها عن الفطرة، وتفصل لها دوراً على مقاييس أهواء البشر لتضلها وتضل بها.

والذي أريده منكِ أن تضعي هذا النداء تحت مجهر بصيرتك؛ وأن تفتحي له قلبكِ الطيب وذهنك النيِّر.

{ فإلى الأخت المسلمة سواء أكانت أماً أو أختاً أو بنتاً أو زوجاً، إلى من رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبينًّا ورسولا، إلى من أعزها الله بالإسلام، وأعلى مكانتها بين الأنام، إلى مربية الأجيال وصانعة الأبطال، إلى من تكالب عليها أدعياء الحرية ومروجوا الإباحية فحاولوا بكل ما أوتوا أن يجتالوها عن طريق الهداية، ويُوقعوها في سبيل الانحراف والغواية،  إليك يا ابنة الإسلام

يا من هُديت إلى الإسلام راضية

وما ارتضيت سوى منهاج خير نبي

يا دُرَّة حُفظت بالأمس غالي

واليوم يبغونها للهو واللعب
يا حرة قد أرادوا جعلها أمة

غربية العقل لكن اسمها عربِ(1)}.

أتوجه إليكِ بهذه النداءات، والتي هي في الحقيقة آهات قلب مكلوم على الحال الذي آل إليه كثير من المسلمات وقد أظهرن مفاتنهن التي أُمرن بسترها، فإذا بهن يرتدين الجينز والإسترتش والدٌريل والبنطلون وغيرها من الملابس التي تصف أجسادهن، { مصبوغات الوجوه والعيون، واضعات ألواناً من أغطية الرأس الفاتنة، حتى أنك لا تستطيع التفرقة بين الراقصة الماجنة، وبين الشريفة الطاهرة، بين المؤمنة التقية، وبين الكافرة الفاجرة(2)} {.. وحين تسألها لماذا تتزينين بهذه الصورة ؟ تُجيب: أريد أن أكون جميلة!، جميلة لمن ؟ ومن يا ترى هذا الذي تريدين لفت أنظاره إلى جمالكِ ؟ هل هو كل شخص في المجتمع ؟، أم شخص بعينه ؟، إن كان كل شخص في المجتمع تريدين أن يلتفت إليكِ وينهل من أجزاء جسدكِ بنظراته، فهذا خُلق البغي التي لا ترضي أن تسلكي سلوكها، (والبغِي:هي التي تجعل جسمها متاعاً مشاعاً للفسقة والزناة)، أما إن كان المُبتغى شخص بعينه، فإن كان هذا الشخص صاحب كرامة، فلن يرضى أن يشاركه أحد في التمتع بك، ويصور الشاعر صالح جودت هذا الموقف قائلاُ:

لا تثني عليَ بهذا الجسد الغض

فهذا الجمال ذات مشاعاً

وإذا بالنعمة الجميلة أصبحت في

يد الكل فهي ليست متاعا (28)ً}.

تقول السيدة نعمت صدقي(2) :{..كيف تقبل المرأة الشريفة العفيفة عرض جمالها في السوق سلعة رخيصة تداولها الأعين ؟! وكيف يرضى لها حياؤها أن تكون مبعث إثارة شهوة في نفس رجل يراها ؟! (وكيف ترضى أن يطمع فيها حتى من لا يراها بناءً على وصف صديقه لها ؟!) بل وكيف تطيق الشعور بأن يصبوا إليها ويتمناها فاجر داعر فاسق ؟! إنها لو فكرت في ذلك   برهة لأحمرّت خجلاً، ولسترت زينتها عن الأعين الشرهة الوقحة.

إن المؤمنة التقية يجب أن يدل مظهرها على مَخْبَرِها،  يجب أن يسطع الإيمان في كل تصرفاتها وأحوالها، فتُعرف أنها من أهل القرآن بتنفيذ ها أوامر القرآن، فيحترمها المؤمنون، ولا يؤذيها الفاسقون {.

وبما أن العمل للدين قرين الانتماء إليه؛ لقول الله سبحانه: ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ( يوسف108.

ويشرح ابن القيم هذه الآية فيقول: أن المسلم لا يكون متبعاً حقاً وصدقاً للنبي صلى الله عليه وسلّم حتى يَدْعُ بدعوته.

فمن باب التناصح على الخير الذي أوجبه الإسلام علينا أن جمعت هذا النداء إلى الأخت المسلمة، أنبهها فيه إلى أمور خطيرة تهدد دينها ودنياها، مبيناً فيه ماذا يُريد دعاة تحرير المرأة منها ؟، وماذا يريد ـ الغُرَباء[4]ـ منها ؟ وشتان بين من يُريدها لشهوته وبين من يُريدها لأمته، وموضحاً كذلك أثار الموضة، وما يتردد على ألسنة كثير من المتبرجات من حجج لتبرجهن.

والله أسأل أن يجعل ما نقول وما نسمع وما نقرأ حجة لنا لا علينا.

وبالأصالة عن نفسي أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل من ساهم في إعداد هذا النداء، أسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتهم جميعاً

 الموضة كوسيلة لنشر الفساد:ـ

{ الموضة فكرة تخضع لمخطَّط هدَّام، يهدف إلى إفساد العالم وإضلاله، وإخضاعه لليهود قلباً وقالبا، وهذا  المخطط من صنع وتنفيذ حركة يهودية ( الصهيونية العالمية ) وهم الذين تربي فيهم توراتهم وتلمودهم وبروتوكولاتهم على أنهم لن يستطيعوا السيطرة علي العالم  إلا من خلال  الوسائل التالية:-

Ó التشكيك في المعتقدات

Ò إفساد الأخلاق

Ó استنزاف المال

× استعمال القوة

واليهود اليوم يفتخرون بأنهم استطاعوا أن يسيطروا على ثلاثة أمور منها الأزياء، وبذلك يعترف اليهود أن الأزياء وسيلة من وسائلهم لنشر الفساد والانحلال الأخلاقي، فاليهود ـ باعترافهم ـ هم آلهة الموضة الذين إذا أمروا بصيحة معينة في الأزياء استجابت لهم نساء الدنيا.

وإذا استنكر الطيبون تقليعة من تقليعاتهم، فسرعان ما تتلاشى حدة الاستنكار وتختفي تماماً بإلف الناس جميعاً الطيبون منهم والخبيثون المنظر(4)}.

وتتبلد الأعصاب على المنظر المكرور، ثم تُضيق الملابس بضعة سنتيمترات أخرى لكي تلتصق بالجسد أكثر ويبرز من المرأة ما أمر الله بستره، ثم تبدأ الآلهة في فرض تقليعة أخرى وتعرية جديدة لجسد المرأة لأن الناس قد اعتادوا المنظر الأول  وهكذا دواليك.

 

لقد عرفت الصهيونية العالمية أن المرأة تلعب دوراً خطيرًا في حياة الأمم فركزت عليها لتجعلها جسراً تعبر عليه نحو أهدافها ومخططاتها ،وحطمتها بكلماتها وشعاراتها البرَّاقة: تحرير المرأة؛ عمل المرأة؛ مساواة المرأة بالرجل؛ المرأة نصف المجتمع؛ المرأة العاملة خير من المرأة الجالسة في البيت؛ مساهمة المرأة في الاقتصاد الوطني؛ المرأة والفن البرئ! ؛ المرأة والعقل المعطل؛ أين الأيدي الناعمة لتساعد في نهضة البلاد، ومن أقوالهم:{ تأكدوا تماما أننا لسنا منتصرين على الدين إلا يوم تشاركنا المرأة فتمشي في صفوفنا (5)}.

فالمرأة عند الحركة الصهيونية سلاح قوي يقرب الأغراض، ويقنع الرجال ويلوي أعناقهم، ويلغي عقولهم، ويجعلهم جنوداً مخلصين لخدمة الصهيونية وتحقيق أطماعها.

أثر الموضة على الأسرة والمجتمع  (4): ـ

 

للموضة آثاراً وأبعاداً خطيرة تتجاوز متبعها، وتتعداه إلى أسرته ومجتمعه وأمته.

1ـ انتشار الفتنة.

 

يقول فضيلة الشيخ محمد حامد :{ إن تبرج المرأة، وتزينها، وتعطرها، وسيرها في الأسواق والطرقات تزاحم الرجال وتستهوي عيونهم وتفتن قلوبهم لدليل على ضعف الوازع الديني في نفسها أو انعدامه  وأمارة على نوم الشرف أو موته، إنّ المتبرجة إن سَلِمت في نفسها، فإن الناس لا يسلمون منها، فكم فيهم من أعزب لا يجد نكاحاً، ومن شاب محترق بشهوته، ولا حلال لديه يسكن إليه، ومن لصٍ فاتن يسرق العِرض وقد أتقن أساليب هذه السرقة وبرع فيها، إنّ الأزياء الحديثة بما فيها من فتنة تُغري المتزوج المحصن بالنظر وهو أول الزلق إلى الرذيلة (4) } .

ويقول سيد قطب رحمه الله:{ إنّ الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف،لا تُهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تستثار، فمعلوم أنّ النظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والزينة تثير، والجسم العاري ُيثير، والنهم المعبرة عن الميل الجنسي تثير، كل هذه تثير الشهوات الكامنة، وتوقظ المشاعر النائمة، وتهيج دفعات اللحم والدم، وعمليات الاستثارة المستمرة تزيد من عرامة الميل الجنسي، وتنتهي إلى سُعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، ولا تصنع هذه المثيرات شيئاً إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون، وإلا أن يفلت زمام الأعصاب والإرادة ، فإما الإفضاء الفوضوي الذي لا يتقيد بقيد، وإما الأمراض العصبية والعقد النفسية الناشئة عن الكبح بعد الإثارة، وهي تكاد تكون عملية تعذيب، فالسبيل هي الحيلولة دون هذه الاستثارة وإبقاء الدافع الفطري بين الجنسين سليماً، وبقوته الطبيعة ، دون استثارة مصطنعة، وتصريفه في موضعه المأمون النظيف (3)}.

ولا يتم ذلك إلا بالتقيد بتلك الأوامر والنواهي التي أوجبها الله، خالق النفس البشرية ) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ( الملك14.

ومن هنا تتجلى حكمة الشريعة في فرض الحجاب على النساء، فالحجاب وحده يضمن إيقاف كثير من تلك المثيرات، ويقلل فرص الحرام إلى حد كبير.

وهو الذي التزمت به الأمة منذ أفضل القرون قولاً وعملاً امتثالاً بأمر الله وتصديقا بتنزيله. 

تحقيق العلماء عن الوجه والكفين : ـ

انقسم العلماء في أمر الوجه إلى فريقين: ـ

الفريق الأول  يرى أن الحجاب لا يشمل الوجه والكفين؛ { وإن اشترطوا لذلك أمن الفتنة منها وعليها، أي: ما لم تكن جميلة ولم تُزين وجهها ولا كفيها بزينة مكتسبة وما لم يغلب على المجتمع الذي تعيش فيه فساق لا يتورعون عن النظر المُحرم (6)}، وقالوا: إن كل ما ورد من الأحاديث الصحيحة الدالة على الانتقاب يُفسر بحالة الخوف من الفتنة، ويُفسر بحب الحيطة والورع في الحكم، والراجح أن أكثر نساء الصحابة والتابعين فيهن من الورع والحيطة في دين الله ما يدفعهن إلى الانتقاب، واستدلوا على جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها بقول الله جل وعلا: ) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ (..النور31.

الفريق الثاني يقول بعدم جواز كشف المرأة لوجهها أمام غير من استثناهم الله تعالى، وعليه يبقى الوجه والكفان داخلين في عامة ما يحظر على المرأة كشفه، يقول فضيلة الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله :{ قالوا أن المراد بالزينة: الوجه والكفان، وفي الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول، وهي أن الزينة في لغة العرب  هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خِلقتِها كالحُلي ، ولفظ الزينة يكثر تكراره في القرآن الكريم مراداً به الزينة الخارجة عن أصل المُزيَّن بها، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك المُزيَّن بها كقوله سبحانه:) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ( القصص60، وقوله سبحانه: )فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ( القصص79، وقوله سبحانه: )الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (الكهف 46، وقوله تعالى: ) وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ (النور31، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

 

ومن الأدلة التي استدلوا بها كذلك الحديث الذي رواه أبو داود، من حديث السيدة عائشة رضيَ الله عنها في دخول أسماء على النبي صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاق، وأنه قال لها: " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه " وهذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث فقال فيه ابن كثير: قال أبو داود، وأبو حاتم الرازي هذا الحديث مرسل، وخالد بن دريك؛ وهو الذي روى عن أم المؤمنين عائشة، لم يسمع من عائشة.

ومن أدلة احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها، قوله سبحانه:)يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ   وَبَنَاتِكَ   ونِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ   أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ( الأحزاب59، ففي الآية قرينة واضحة على ستر وجوههن بإدناء جلابيبهن عليها، والقرينة المذكورة: هي قوله تعالى: (قل لأزواجك) ووجوب احتجاب أزواج النبي وسترهن وجُوههن، لا نزاع فيه بين المسلمين، فذِكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين يدل على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب، كما أن الإشارة في قوله سبحانه: (ذلك أدنى أن يُعرفن) راجعة إلى إدنائهن عليهن من جلابيبهن، فمحال أن يكون أدنى أن يُعرفن بسفورهن، وكشفهن عن وجوههن، فإدناء الجلابيب مُناف لكون المعرفة معرفة شخصية بالكشف عن الوجوه }.

ويستدل الحنابلة والشافعية على عدم جواز الوجه بما رواه البخاري في صحيحه في باب ما تلبس المُحرِمة من الثياب عن عائشة رضي الله عنها { لا تلثم المرأة، ولا تتبرقع، ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران }، وروى الأمام مالك في الموطأ أن عبد الله ابن عمر بن الخطاب كان يقول : { لا تنتقب المرأة المُحرمة ولا تلبس القفازين }. قالوا : فما معنى نهي المرأة عن أن تتبرقع أو تنتقب أثناء الإحرام بالحج، لو لم تكن في عامة أحوالها الأخرى مُنتقبة ؟.  

 

معايير الحشمة في كل زمان ومكان:ـ

يقول طبيب فرنسي:{ لا بد من التزام المرأة بلباس موحد على مدى الأزمان، لا تتغير مواصفات الحشمة فيه وإن تغيرت نوعيتة بحكم التقدم التقني في صناعة الأقمشة، ففي البداية كانت المرأة تغطي وجهها بغطاء سميك مع تغطية سائر جسمها، وكانت الواقحات في ذلك الوقت يضعن خماراً شفافاً على وجوههن مع الحفاظ على اللباس الساتر لأجسادهن، وبعد زمن راحت فئة من النساء غير المحتشمات تقصر أثوبها الطويلة شبراً فوق الكعب، ثم بعد زمن آخر أصبح هذا اللباس هو نفسه لباس المحتشمات، بينما راحت الواقحات يكشفن أذرعهن وشيئاً من صدورهن، وهكذا حتى أصبحت الشريفات اليوم، يلبسن ما كانت تلبسه عاهرات الأزمان الماضية }.  

 

لقد أجمع الفقهاء في كل العصور والدهور على أن لحجاب المرأة المسلمة شروطاً أوجزها فيما يلي(6):

Ó أن يكون فضفاضاً سابغاً لجميع جسد المرأة والاتساع والفضفضة مقصد من مقاصد الشرع.

Ó أن يكون صفيقاً (ثخيناً) لا يشف عما تحته وألا يكون ثوب شهرة أي: ملفتاً بلونه ورائحته للأنظار والعيون.

Ô ألا يُجسد ولا يُبرز شيئا من معالم الجسد ولا يحكي أي جزء من أجزائه إذ كيف يكون الحجاب حجاباً وهو لم يحجب معالم الجسد عن الأعين الشرهة ؟ وأن لا يكون زينة في نفسه فكيف يكون زينة وقد جُعل لستر الزينة ؟.

Õ أن لا يشابه زي الرجال لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم- لعن المتشبهات من النساء بالرجال وقال في حديث آخر: " ثلاث لايدخلون الجنة ولا ينظر الله اليهن يوم القيامة،  العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث أي الذي يقر في أهله الخبث " .

× أن لا يشابه زي الكافرات، إذ كيف تتشبهين في ملبسك  خارج البيت بمن لا كرامة ولا شرف ولا دين لها ؟ .

 

أختاه : { إن الشروط السابقة الواجب توافرها في حجاب المسلمة لم يختلف عليها الأئمة الأعلام في القديم والحديث فهل تعتقد أخت مسلمة مؤمنة بالله واليوم الآخر أن ما كان حراماً بالأمس يُصبح حلالاً اليوم لأننا استحللناه ؟! (11)}.

 

2ـ الموضة مسخ للشخصية وتردي في هاوية التقليد الأعمى و فيها تحطيم للإنسان معنويًا بفقدان هويته وماديًا باستنزاف أمواله:ـ 

 

{ أختاه: هل لكِ شخصية مُستقلة ؟، وهل لكِ عقل وهوية ؟، إذا كانت الإجابة بنعم؛ فلماذا هذا التقليد وضياع الشخصية وتعطيل العقل ؟، لماذا تقتلين شخصيتكِ، وتهجرين عقلك،ِ وتبيعين هويتكِ، حين تتهافتين على ذلك الموديل من اللباس لمجرد أن فلانة لبست ذلك اللباس ( أو لأنه الذي يُعرض على واجهات محلات  الأزياء) ؟، أظافر صناعية، ورموش صناعية، وعدسات لاصقة ملونة، ورسم للحواجب وألوان وأصباغ، أهذا تجميل أم تزييف ؟، أهذا فن وذوق أم كذب وخداع ؟}.

والسبب في ذلك كما يرى ابن خلدون في مقدمته:إن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها، وانقادت له ، ولذلك استحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، في ملبسه ومركبه وسلاحه وفي سائر أحواله.  

حدث ذلك بالرغم من التوجيه القرآني :) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(آل عمران 149 .

وعلى الرغم من هذا التوجيه أبت طائفة من أبناء المسلمين إلا أن تقلِّد الكفار من أهل الكتاب وغيرهم في كثير من السلوكيات، ونظرة عابرة إلى ملابس النساء وما يصنعن وما يسمعن وما يفضلن ترى إلى أي حدٍ ضاعت شخصيتهن الإسلامية وانطمست هويتهن.

يقول الإمام محمد عبده رحمه الله: { إن المقلِّد يكون دائما أحط حالا وأخس منزلة من المقلَّد فالمقلِّد إنما ينظر من عمل المقلَّد إلى ظاهره ولا يدري سره ولا ما بُني عليه فهو يعمل على غير نظام، ويأخذ الأمر على غير قاعدة، وقال: لما كان المسلمون علماء كانت لهم عينان؛ عين تنظر إلى الدنيا، وعين تنظر إلى الآخرة فلما طفقوا يقلدون أغمضوا إحدى العينين وأقذوا الأخرى بما هو أجنبي عنهم ففقدوا المطلبين ولن يجدوهما إلا بفتح ما أغمضوا، وتطهير ما أقذوا  (4) }.

 

يقول الدكتور السيد رزق الطويل:{ الإنسان إذا أصيب بفقد الذاكرة ضاعت منه انسانيته، وفقد بفقد الذاكرة ذاته وهويته، لا يعرف من هو، وما أسرته، ذهب عنه تاريخه، وضلت عنه خبراته وتجاربه، فلا يحيا إلا ببعض التصورات الحاضرة التي تعينه على مجرد استمرار الحياة الحيوانية، شأن الكائنات الحية التي لم يمنحها الله ما منحه المكلف من الذاكرة الواعية.

والأمة عندما تفقد ذاكرتها لن يكون حالها خيراً من حال الفرد الذي يُصاب بهذه الآفة، ثم يعرض الدكتور أعراض فقد الأمة لذاكرتها فيذكر من هذه الأعراض هذا الانفصام الخلقي الذي نحياه، هذه الأعراف التي تسود بيننا لم يعرفها آباؤنا المسلمون الصادقون، هذه الأخلاق الهابطة التي غزت الشوارع والبيوت وأقبلت في ظلام كئيب باردٍ من الغرب ليس لتاريخنا المجيد بها عهد أو إلف .

ثم يتساءل الدكتور أهذه أخلاق المسلمين ؟!، ميوعة الشباب وتخنثهم، الأفلام الهابطة التي دخلت البيوت، الصور العارية، الأقلام التي تقدم الفكر المسموم وتمجد أيديولوجيات الكفر والضلال ؟، وكأن أمتنا لم تكن من قبل منارة الهدى والرشاد ؟  إن أعدائنا لا يترددون في إمدادنا بما يدمر حياتنا ويضمن بقاء الأمة مجرد كائن فقد الذاكرة، رسالته أن يأكل ويشرب ويأخذ حظه من متع الحياة،ثم يقول إني لأعجب من غني يستجدي؟! ولا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا غاب عن وعيه، ونسى ثروته

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ

والماء فوق ظهورها محمول (9)}.

3ـ الموضة تؤدي إلى الاختلاط بأضراره وأخطاره:ـ

{ ترغب المرأة المتموضة في الاختلاط، لأنها تريد أن يُطري الرجال ذوقها وجمالها وتحضرها المزعوم، فتسعى إلى ارتياد الأماكن العامة، ومع اجتماع المرأة بالرجال يحدث ما حاول الإسلام أن يتجنبه بمنع الاختلاط، وهو ضياع الأعراض، وخبث الطوية، وفساد النفوس، وتهدم البيوت، وشقاء الأسر  وانتشار الجريمة، بالإضافة إلى الرخاوة والليونة عند الرجال (4)}.

يقول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: { يُعد الاختلاط من أقوى الأسباب والوسائل لإفساد البنات المصونات، وتمكن الفساق من إغوائهم بنصب حبائل المكر والخداع لهن، والفساق هم الذين يحرصون أشد الحرص على مثل هذا الاختلاط لينالوا أغراضهم ويشبعوا شهواتهم من التمتع بالنظر إلى البنات، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع، ويقول: إلى متى نغش أنفسنا وبناتنا وأهل ملتنا، ونتعامى عما يترتب على هذا الاختلاط من فساد الآداب ومساوئ الأخلاق، فالنظرة هي نظرة في مبدئها لكنها تكون خطرة في القلب، ثم تكون خطوة بالقدم، ثم تكون خطيئة ، وكم نظرة أورثت صاحبها حسرة، ثم يقول: بحسب العاقل أن يعرف مبدأ الاختلاط وغايته وسوء عاقبته، وأن الدعاة إليه يريدون أن تكون نساؤهم وبناتهم وأهل بلدهم كحالة المرأة الغربية، فإن لم يريدوا ذلك، فإن التقليد والاتباع يصيرهن اضطراراً لا اختياراً، والدفع للمنكرات قبل وقوعها أيسر من رفعها بعد وقوعها }.

 

الاختلاط وقتل حياء المرأة:ـ

الحياء: خُلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق كل ذي حق.

ويقول العلامة المودودي رحمه الله: { إن الحياء يراد به في الإسلام ذلك الشعور من الخجل الذي يشعر به الإنسان في نفسه أمام فطرته وأمام الله تعالى حينما يميل إلى مُنكر، وهذا الحياء هو القوة التي تكل الإنسان عن الإقدام على الفحشاء والمنكر فهو إن ارتكب سيئة بدافع جبلته الحيوانية حز في نفسه هذا الحياء، وغاية التربية الخلقية في الإسلام أن تنعش هذه الغريزة المدفونة في الفطرة الإنسانية فتغذيها وتنميها }.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله عز وجل إذا أراد أن يُهلك  عبداً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء، لم تلقه إلا مقيتاً مُمقتا  ـ   وأي حب لامرئ جرئ على الله وعلى الناس ؟ لا يرده عن الآثام حياء، إن مثل هذا العبد لا يجني إلا بغض الناس له، باستثناء مَنْ كان على شاكلته ـ فإذا لم تلقه إلا مقيتاً مُمقتا نزعت منه الأمانة ـ  ومن نزعت منه الأمانة لا يُؤتمن على مال بله العِرض والشرف ـ " رواه بن ماجة. 

 

ويقول الشيخ عبد الله بن زيد: { إذا أردت أن تعرف خسارة فقد الحياء فانظر إلى بعض البلدان التي هجر نساؤها الحياء، ترى فيهم العجب من فساد الأخلاق والآداب ونكوص الطباع وفساد الأوضاع فلا تبالي بما فعلت أو فعل بها، فلا تستحي من الله ولا من خلقه ولا ترغب في أن يبقى لها شرف أو ذكر جميل تذكر به وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن لم تستح فاصنع ما شئت " }.

 

والاختلاط يُؤدي إلى ترك الجهاد، وذلك لإفتتان الرجال بالنساء، إذ كيف يلتفت الشاب إلى واجبه المقدس وهو تائه الفكر، مشغول الضمير، مشتت الوجدان، ولذلك لما قدم نابليون لغزو مصر حمل معه سفينة مُعبأة بالمُومسات ولما سُئل عن ذلك قال: هؤلاء يفعلن بالعدو ما لم يفعله ألف مدفع.

لكن الله مُوهن كيد الكافرين إذا وجد الشباب الصادق الذي تربى على معالي الأمور، وتَرَفعَ عن سفاسف الأمور، شباب قيل فيه(10):

 

شبابُ ذللوا سُبُل المعالي

وما عرفوا سوى الإسلام دينا

وما عــرفوا الأغاني مائعاتٍ

ولكن العُلا صيغت لحونا

إذا شهدوا الوغى كانوا كُماتا

يدقون المعاقل والحصونا

وإن جــن الليل فلا تراهم

من الإشفاق إلا ساجدينا

شباب لم تحطــمه الليالي

ولم يسلم إلى الخصم لعرينا

ولم يتشدقــوا بقشور علم

ولم يتقلبــوا في المُلحدينا

ولم يتبجحوا في كل أمر خطر

كي يُقــال مثقفـونا

كذلك أخرج الإسلامُ قومي

شبابـا مخلصـاً حراً أمينا

وعلـَّمه الكرامة كيف تبنى

فيأبى أن يذل وأن يهـونا.

 

أين نجد هؤلاء الشباب ؟ أنجدهم في المسارح أو على مدرجات الكرة أو على الأرصفة، أو متحلقين حول شريط غنائي ؟ أنجدهم على الشواطئ حيث تختلط كتل اللحم العاري ؟  أنجدهم في المسابقات الهزيلة المُسماه بمسابقات الشباب ورحلات الشباب التي يراد منها ـ وفق مقررات مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية1995م، وملحقه مؤتمر المرأة ببكين 1996م ـ إلغاء الفوارق الفطرية بين الجنسين ؟.

 

حجج  للمتبرجات والرد عليها

الحجة الأولى: من تدَّعي أنَّ طهارة القلب وسلامة النية يغنيان عن الحجاب (11):ـ

 

تقول السيدة منى يونس:{ وحجة طهارة القلب هي نفس الحجة التي تقولها تاركة الصلاة، الدين ليس بالصلاة، الدين في القلب فإذا كان الدين ليس بالحجاب، ولا بالصلاة، ولا بالزكاة فماذا بقي من الدين ؟! والحق يا أختاه أن الدين كل لا يتجزأ، ظاهر وباطن، قول وعمل، والله يقول ) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ( الأنعام 120(12)}.

 

ويقول الإمام الكاندهلوي رحمه الله: { إنّ إصلاح القلب، وتزكية الروح، وتصفية الباطن أُمور من الدين ،ولكن من قالت إني أصلحت قلبي، وطهَّرت روحي، وصفّيتُ باطني ومع ذلك تجتنب ما أمر به الله فهي كاذبة في قولها تسلّط عليها الشيطان في شؤونها، ومن قالت إنّ صفاء القلب و طهارة النفس لا حاجة معها إلى التقيد بزي من الأزياء (مثلاً ) قول فاسد باطل فلو كان ذلك كافياً لرضاء الله تعالى لما جاء الشرع بأوامر تتعلق بحجاب المسلمة  (11)} .

قال حكيم :{ مَن رَقَّ ثوبُه رقَّ دينُه}.

يقول آخر: {استقامة الظاهر عنوان استقامة الباطن}.

ومن المعلوم أن أحوال القلوب لا يطلع عليها إلا الله، وليس لنا في تقييم أفعال الإنسان إلا من خلال ما ظهر لنا منها، فإن كانت موافقة لشرع الله، حُكم له بالاستقامة، وإن كانت الأخرى حُكم عليه بالفسق.     

{ ثم أليس لهذه الطهارة المزعومة من دليل أو برهان ؟ ولله دَرُّ القائل:

تعصي الإله وأنت تزعم حُبَه

هذا لعمري في القياس بديع

لـو كان حُبُك صادقاً لأطعته

إن المحبَ لمن يُحـبُ مطيع(11)}.

 

ثم تقول السيدة منى يونس: { فلنطهر باطننا بسلامة النية وطيب القصد، ولنطهر ظاهرنا بستر ما يكون مصدر فتنة لغيرنا حتى ولو كان من غير قصد، وحين سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: " ما وقر في القلب وصدقه العمل " فالنية الصالحة ملازمة للعمل الصالح، وصفاء القلب ملازم لأداء الواجبات والعبادات(12)}.

 

الحجة الثانية: من تدعي أن الحجاب تزمُّت وتحتج بأن الدين يُسر(11) 

 

{ هناك الكثيرات ممن يضعن عبارة (إن الدين يُسر) الواردة في الحديث(13)؛ في غير موضعها، فإن تعاليم الإسلام وتكاليفه الشرعية جميعها يُسر لا عسر فيها، وكلها في متناول يد المسلم المُكلف بها، وفي استطاعته تنفيذها، إلا ما كان من أصحاب الأعذار.

والله يقول: )يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ( البقرة 185.

ولكن يُسر الدين لا يُعني إهمال فرائضه وإلا فما الفائدة من فرضيتها، وإنما تخفف لدى الضرورة فقط؛ وبالكيفية التي رخص الله بها ، فمثلاً يجب أن يصلي الإنسان قائماً، ولكن إن لم يستطع القيام فليصل قاعداً، فإن لم يستطع فبالكيفية التي يقدر عليها(11)}.

وحين جعل الإسلام الماء للطهارة لم يفته أن يُراعي حالة مَنْ لم يجد الماء، ومن به أذى أو يُؤذيه الماء، فاكتفى منهم بالتيمم، وكل ذلك من يسر الإسلام و سماحته، أما أن نترك الصلاة ونقول إنَّ الدينَ يُسر فذلك قول باطل.

 

تقول إحدى الفتيات: إن ارتداء الحجاب سُنَّة و ليس بفرض، وهذا القول غير صحيح لأن الله أمر به والأمر هنا للوجوب والفرضيّة، والذي يؤكد ذلك النصوص الشرعيّة التي بيَّنت أن: { التبرج من صفات أهل النار لقول الرسول صلى الله عليه و سلَّم  " صنفان من أهل النار لم أرهما… ونساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلات…  إلى أن قال لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها (14) "، ومعنى قوله كاسيات عاريات : اللواتي يلبسن من الثياب الشئ الذي ُيبين مقاطع الجسم أو الذي يصف لون الجسم ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، وعاريات في الحقيقة فالحديث نصٌ في أن هذه ألبسة أهل النار.

التبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله لقول النبي صلى الله عليه و سلَّم  " سيكون في أخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت ألعنُوهُنّ، فإنهَّن ملعونات "، وغير ذلك من الوعيد الكثير، ومعلوم عند أهل الأصول أن هذا الوعيد لا ينتظر إلا من تتهاون في فرض أو واجب (6) }.

 

الحجة الثالثة: من تدعي أن العيون تتابع المتحجبة الساترة لوجهها ولا تتابع المتبرجة، وأن التبرج أصبح أمراً مألوفاً عادياً لا يثير الانتباه(11) :ـ

{ إن المتحجبة تشبه كتاباً مغلقاً، لا تعلم محتوياته، ولا عدد صفحاته، ولا ما يحمله من أفكار، وبالتالي فإنه مهما نظرنا إلى غلاف الكتاب، ودققنا النظر، فإننا لن نفهم محتوياته ولن نعرفها بل ولن نتأثر بها، وهكذا المتحجبة،غلافها حجابها، ومحتوياتها مجهولة بداخله، وإن الأنظار التي ترتفع إلى نورها لترتد خاسئة حسيرة لم تظفر بشيء، أما تلك  المتبرجة فإنها تشبه كتاباً مفتوحاً، تتصفحه الأيدي، وتتداوله الأعين سطراً سطراً وصفحة صفحة ،وتتأثر بمحتوياته العقول، وتفسد العقول لكونه كتاباً يحمل أفكاراً منحرفة فلا يُترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه أو تمزقت بعضها حتى إنه ليصبح كتابا قديماً لا يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة بيت متواضعة (11)}.

إن هذه المتبرجة كتاب منحرف لا يحمل عِلماً فاضلاً ولا فكراً مستقيما، وإنه وإن كان يعطي تأثيراً معيناً لدى ضعاف النفوس، فإن هذا الكتاب وأمثاله مصيرهم معروف لدى كل إنسان عاقل مهذب مستقيم شريف، لسان حاله يقول (15):

إذا سقط الذبابُ على طعام

رفعت يدي ونفسي تشتهيه

وتجتنب الأسـودُ ورود ماءٍ

إذا كُــنَّ الكلابُ ولِغن فيه.

تقول إحدى الفتيات: إن الفرق بين المرأة المسلمة المتحجبة الطاهرة والمرأة المتبرجة السافرة كالفرق بين الجوهرة المصونة وبين الوردة على قارعة الطريق، فالمرأة المتحجبة مصونة في حجابها؛ محفوظة من أيدي العابثين وأعينهم، أما المرأة المتبرجة السافرة فإنها كالوردة على قارعة الطريق ليس لها مَنْ يحفظها أو يصونها فسرعان ما تمتد إليها أيدي العابثين وأعينهم فيعبثون بها ويستمتعون بجمالها بلا ثمن، حتى إذا ما ذبلت وماتت ألقوها على الأرض ووطئها الناس بأقدامهم، فماذا تختارين أيتها المسلمة أن تكوني جوهرة ثمينة مصونة أو وردة على قارعة الطرق. 

 

تقول السيدة نعمت صدقي(2) :{الخمار شعار التقوى والإسلام، الخمار برهان الحياء والإحتشام، الخمار يا سيدتي المسلمة أشرف إكليل لجمالك، وأعظم دليل على أدبك وكمالك.

فليست الشريفة الطاهرة من لا تسمح لرجل أن يتمتع ببدنها وأن يلامسه، بل الطاهرة الحقة هي التي لا تسمح لعين أن تقع على جسمها الطاهر فتدنسه، والتي لا تطيق نظرة آثمة تنتهك طهارتها المقدسة، فإن للعفاف والطهارة درجات، كما أن للتهتك والعهر دركات فهناك عاهرة يتمتع بها الرجل ببدنه، وهناك أخرى يتمتع بها الرجل بعينه، .. هناك نفسٌ عفيفة شريفة يصونها الحياء تتألم لنظرة جريئة، فتختمر احتفاظاً لهيبتها، وتحتشم وتستتر حرصاً على كرامتها، وإشفاقاً من أن يكون جمالها مطمع الأنظار ومطرح أقذار الأفكار، وهناك نفس خبيثة غاوية، مستهترة عابثة لاهية شرهة، تنعم وتسعد بأن تعانقها وتداعب بدنها الأنظار، وتبتهج بأن تكون شهوة النفوس ومتعة الأبصار فتبالغ في استعراض جسمها وأناقتها، وتغالي في التبرج والخلاعة طلباً للذاتها، هذه هي نفسية المتبرجة}.

 

ويقول الأستاذ الدكتور السيد الجميلي: { أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سراً من أسراره، وحكمة من روائع حكمته جلَّ شأنه، وجعل الممارسة الحسيَّة من أعظم ما ينزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلا مرت عليه امرأة حاسرة سافرة على جمال باهر، وحُسن ظاهر، واستهواء بالغ، ولم يخف إليها، وينزع إلى جمالها، يحكم عليه الطب بأنه غير سوي، بل مريض يستوجب العلاج والتداوي }.

وهذه الشهادة من طبيب حجة على من يزعمون أن الاختلاط يهذب الأخلاق، وكذبوا، فإن أعلى نسبة من الفجور، والإباحية،والشذوذ، وضياع الأعراض، واختلاط الأنساب، قد صاحبت خروج المرأة واختلاطها بالرجال .

 ذكر القرآن الكريم أن الله خلق المرأة من ضلع آدم يقول سبحانه: )يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (النساء 1، وكأن ذلك إيماءً بأنها تحن إليه، كما يحن الشيء إلى أصله، أو الجزء إلى كله، أو البعض إلى بعضه الذي يكمله، ومن أجل ذلك تسكن قلبه، وتستقر في نفسه، وهو يكن لها من الميل والرغبة والعطف والحب والتقدير بالمقدار الذي يدل على أن الأصل الذي يجمعهما غير متنافر. 

ويعطي القرآن الكريم أنموذجاً للمرأة المستهترة التي لم يمنعها المنصب الذي كانت تشغله، والمكانه التي كانت قد وصلت إليها، والمنزلة التي تميزت بها على بنات جنسها؛ من أن تطلب الرجل متناسية هذه الفوارق الإجتماعية والمسافات البعيدة التي كانت بينها وبين يوسف عليه السلام، وتناسيها لهذه الفوارق يعتبر تلبية لداعي الطبع وحقيقة الأنوثة، عندما يتوفر اختلاطها بالرجال.

 

الحجة الرابعة: من تدعي أن الحجاب تخلف ورجعية(11): ـ

يقول الدكتور البوطي:{ إن التخلف له أسبابه والتقدم له أسبابه، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في الأمر خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على مُتخلف عن مستوى الفكر والنظر، فمنذ متى كان التقدم والحضارة متعلقين بلباس الإنسان ؟!!، إن التقدم المدني كان نتيجة أبحاث توصل إليها الإنسان بعقله، وإعمال فكره، ولم تكن بثوبه ومظهره.

وإذا أردنا التقدم والمدنية فهل إيقاظ العقول أولى، أم إيقاظ الشهوات ؟! (18)}.

نحن بحاجة إلى تحديد مدلول هذه الكلمات فالرجعية نحو ماذا ؟ والتقدمية إلى أين ؟، فلم يُنكر أحد علىغاندي عندما دعاه دينه لخلع ملابسه في الحياة وحرق جسته بعد الموت، بل لا يزال هناك قطاعات عريضه من الناس معجبة أشد الإعجاب بغاندي.. وللحياة الزوجية عند الحيوان غاية، وهي بقاء النوع، وذلك يكون بالتقاء الذكر بالأنثى، فحينما يلتقي الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى في عالم الإنسان ويُصدر بذلك تشريعات، فأي تقدم هذا ؟.. وعندما يرفض أحد أعضاء جماعة شهود يهوه نقل الدم إليه مسايرة لتعاليم مذهبه حتى الموت.. ومع كل ذلك لم نجد أي استنكار على هذه الأفعال وغيرها كثير جداً، وانما نجد حرباً ضروساً على فتيات مسلمات تمسكن بالفضيلة، والتزمن تعاليم خالقهن وليس فيما فعلن حرقاً، ولا قتلاً للنفس، ولا حماقات لا معنى ولا ضرورة لها، ولا أفعال تبعد الإنسان عن الفطرة.       

ولله در القائل:

رجعية أن أطيع ربي وأجيب نداءه ؟ رجعية أن أحب ديني وأرضي رسولي ؟  رجعية أن أصون عرضي وأحفظ حيائي ؟

وهل التمدن والتقدم هما الأخلاق المهزومة والحياء المكسور ؟                   

هل هو العري والمخالطة والنظر والأنس والتضاحك ؟ هل التقدم هو أجسام تعرض مفاتنها عرض البضائع ؟ وكأن الشارع حانوت للزواج ؟.                      

تقول السيدة الفاضلة أروي:

 

   فليقولوا عن حجابي            لا وربي لن أبالي

   قد حماه فيه ديني              وحباني  بالجلال

   زينتي دوماً حيائي             واحتشامي هو مالي

   غير أني أتولى عن            متاع ذي زوال

   لاماني الناس كأني             أطلب السوء لحالي

   كم لمحت العُتبَ منهم          في حديث و سؤال

   كيف تخفين جمالاً             خلف سور متعال

   أسمع الدنيا تنادي              بالتحلي بالتسالي

   قلت ما كنت بغيٌاً              كيف أزهو بالجمال

   بعد هُدىً من إلهي             كيف أسعى للضلال

   أنا أحيا في زمان              عافه نور الليالي

   سوف أزهو بحيائي            وعلى الله اتكالي.

 

الحجة الخامسة: من تقول بأن كثيراً من المحجبات يتخفين وراء الحجاب لاقتراف الرذائل والفواحش، ومعروف عنهن السمعة السيئة والبعض الأخر كل غايته من الحجاب أن يقال عنها إنها تقية و صالحة ثم هي تفعل ما بدا لها في الخفاء (12):ـ

 

تقول السيدة منى يونس(12): { من المتفق عليه أنه قد مضى ذلك الزمان الذي ُيلزم فيه المجتمع جميع النساء بارتداء الحجاب، أو أي زي محتشم آخر فلا تجد المرأة غير الشريفة فرصة أخرى للتخفي غير لباس الحجاب،  ومضى أيضا ذلك الزمان الذي يُحارب فيه المجتمع الفاحشة أو حتى يتفق على المعنى الصحيح للفاحشة، فلقد صار المعروف منكرًا والمنكر معروفاً، بل وأشد من ذلك أنه ُيؤمر بالمنكر و ُينهى عن المعروف.

وإذا طبقنا الحجة السابقة فاٍن علينا أن نترك الصلاة لاٍن بعض المصلين غير شرفاء، ونترك الزكاة لان البعض يتخفى وراءها، و نترك الحج لاٍن بعض الحجاج مثلاً يسرقون، وهكذا حتى لا تبقى شريعة من شرائع الإسلام مطبقة.

وبنفس المنطق لماذا لا تترك الفتاة المتبرجة التبرج لأن بعض المتبرجات غير شرفاء ؟ أنا لا أدافع عن هذا المنطقٍ لأن نظرة الإسلام في اٍلتزام الحق لا تتأثر بتطبيق الآخرين ولا بسوء تطبيقهم، و لقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم منافقون فهل ترك أحد شرائع الإٍسلام بسببهم ؟}.

 

فليست كل مسلمة لبست الحجاب ملاكاً ـ فلم يجعل الله ملائكة يمشون في الأرض، ولكل إنسان نصيب من القدرات العقلية والنفسية، وحظه من الإيمان الذي يزيد وينقص، وليس الأمر ضرباً من المستحيل أن ينحرف مسلم كما ينحرف غيره، ولكن كم هي نسبة هؤلاء في مجموع الأخوات التقيات العفيفات النقيات حتى نستطيع أن نجعل من الشواذ قاعدة ؟!!، ولنفترض جدلاً أن بعض ما يقال صحيحاً فما الذي يدعوني لإحراق منزلي إذا رأيت جزءاً من الحي يحترق !!. 

أختاه: إنها حرب على الفضيلة، فلقد حاربونا قبل أن نعرف الله ليقطعوا الطريق علينا فلا نعود إلى الله، وحاربونا بعد أن عرفناه، فالأمر أمر أمة مريضة (ببعدها عن المنهج الرباني)، والخطير في مرضها أن يخضع الأصحاء فيها لما تنفثه سموم المرضى (من خلال نشاط المجلس القومي للمرأة، وبرامج المرأة) ، فيعتقد الأصحاء أنهم هم المرضى والجميع أصحاء، بدلاً من أن تمتد أيدينا لإنتشال هؤلاء المساكين ـ المدفوعين من جهات غربية ـ من حمأتهم.

فقبل ثمانين عاماً أقدمت أول امرأتين في مصر بل والعالم الإسلامي كله (هدى شعراوي وسيزا نبراوي) على نزع حجابيهما، وكانتا عائدتين لتوهما من مؤتمر النساء الدولي الذي عقد في روما عام 1923 م  [5]، فمن الذي دفعهما إلى ذلك ؟، إنها ذات الجهة التي يستجيب لتوجيهاتها المجلس القومي للمرأة. 

 

ثم تقول الأستاذة مني يونس:{ إٍن المسئولية في الإٍسلام فردية يقول الله تعالى:) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا( مريم (95)، وهذا يتطلب منك أن تبحثي عن الصالحات وحسِّني صِلتَكِ بهن و اٍحرصي أن تكوني من الناجيات من عذاب الله الطامعات في رحمته ومغفرته، ولا يمنعك مانع من الاٍلتزام بالحق والإقبال على طاعة الله وتجنب عصيانه، فاٍلتزمي أنتِ بالحجاب وأعطي الصورة المشرقة للمسلمة الملتزمة المتدينة  {.

 

الحجة السادسة: من تقول بأنها ستتحجب عندما تقتنع أولاً 

 

يقول السيد سلمان مندني:{ قضية الاقتناع التي تطرحها المرأة اليوم في أمر الحجاب قولٌ فيه جهل وغرور، فمن أين يأتي الاقتناع ؟ هل سيأتي من بحث ودراسة وتحليل آيات الله وحديث رسوله، أم أن المرأة تنتظر أن ينزل عليها آية من السماء، أو أن يُوحي إليها، فيترتب على ذلك اقتناعها بأمر الله ؟! إنَّها أوامر من أوجدكِ من العدم، وخلقكِ خلقا من بعد خلق، ورزقك من الطيبات، إنها أوامر من وهبك العقل الذي تريدين أن تستلهمي منه الاقتناع، فأي جحود ونكران لفضل الله هذا ؟.

 

هَبي أن طبيبا وصف لك دواءً؛ وأمرك بشربه، هل ستقولين له: لن أشربه حتى أقتنع بأنه سيشفيـني ؟ أم أنك لن تترددي في شربه رغم أنه ليس مضموناً أن يشفيك من المرض، و لكنك لم تتشككي، ولم تترددي، لأنك ظننت أن في كلام الطبيب الصدق، وأن في إطاعة أوامره صلاح جسدك وشفائك، فكيف بالله تترددين في قبول أمر مَن خلقك وخلق الطبيب،ولم تصدقي أن في أمره الصلاح والفلاح ؟!  (11)}.

 

{ وربما تقولي أنا مُقتنعة بالحجاب، ولكن مازال في العُمر بقية، وسوف أتحجب في نهاية العُمر والعبرة بالخواتيم ! أو على الأقل ليس قبل ليلة العُمر، وأقول: أهكذا يكون موقف المؤمنات مما شرع الله لهن ؟، لا .. بل حريٌ بكل مؤمنةٌ بالله واليوم الآخر أن تسارع إلى تنفيذ ما أمر واجتناب ما نهى بغير تسويف ولا تردد ولا انتظار.

تذكر كُتب السيرة على لسان السيدة عائشة رضي الله عنها ما كان من نساء الأنصار حين نزل قول الله سبحانه: )وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ( النور (31) قالت: { والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار ولا أشد تصديقاَ لكتاب الله ولا إيماناَ بالتنزيل ،لقد أنزل الله ) وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ(،

فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ويتلوه الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة فما منهم امرأة إلا قامت إلى مُرِطِها المُرَحل فاعتجرت به ـ أي شدته على رأسها ـ تصديقاَ وإيماناَ بما أنزل الله من كتاب فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أي في صلاة الفجر ـ مُعتجرات كأن على رؤوسهن الغربان }.

هكذا تكون الاستجابة لله ولرسوله؛ لم ينتظرن ـ رضي الله عنهن ـ يوماَ أو يومين حتى يشترين أغطية الرأس الجديدة التي تلائم لون هذا الفستان أو ذاك، بل قمن بتغطية الرأس بأي قماش تيسر طالما أدى الغرض، فإن لم يُوجد قطعن من ثيابهن وشددنها على رؤوسهن غير مُباليات بمظهرهن، يبدو ذلك من وصفهن وكأن على رؤوسهن الغربان (12)}.

والله سبحانه يقول) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون (الأنفال (24).

ويقول سبحانه: ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا( الأحزاب (36).

فمن طبيعة المؤمنة ألا تقدم مُراد نفسها أو مُراد أحد على مُراد الله.

يقول الحسن البصري:{لو خُيرت بين دخول الجنة وبين أداء ركعتين لاخترت أداء ركعتين، لأن في دخول الجنة حظ نفسي، وفي أداء ركعتين حق ربي }.

يقول الله سبحانه: )..وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ  مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًاذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا( النساء (66-70).

 

الحجة السابعة: من تتبرج لتغري الشباب بخطبتها أي بهدف الزواج(11):-

 

يقول الدكتور البوطي (18):{ يقولون: إنَّ الفتاة التي تحبس نفسها عن الناس من وراء حجاب، إنما تحرم بذلك شبابها بل وحياتها من سعادة الزواج، فالشاب إنما يقبل على الفتاة التي يُعجب بها، وإنما يعجبه منها وقبل كل شئ جمالها وما يتصل به من مظاهر شخصيتها، وأنَّى له ذلك منها إذا لم يتهيأ له أن يراها وأن يخلط نفسه بطرف من شأنها وطباعها ؟، وكيف يتهيأ له ذلك إذا كانت تأبى إلا أن تحبس نفسها وراء سور البرقع والحجاب ؟.

ثم يقرر الدكتور البوطي حقيقة واقعة فيقول: إنَّ الزواج عموماً يشيع  بين الأسر المحافظة المتدينة أكثر مما يشيع بين الأسر الأخرى بنسبة تزيد على الضعف، يعلم ذلك كل من يرجع إلى الإحصائيات المفصلة في هذا الشأن، وسأوضح لك الأسباب القريبة والبعيدة لهذه الحقيقة، حتى تزدادي يقيناً بحكمة الخالق جل جلاله، وبأن الإنسان لن يجد مصلحته مكلوءة بعناية وحفظ إلا في تطبيق شرع الله  عز وجلَّ.

إن الشباب في مجتمعنا لا يعدو أن ينتمي إلى أحد صنفين :-

الصنف الأول: متدين في الجملة، فهو متقيد بآداب الإسلام ومعظم أحكامه، والزواج في اعتبار مثل هذا الشاب بمثابة ساعة الإفطار للصائم، يحشد له جميع آماله الدنيوية ويجعل منه ركيزة سعادته كلها، وهذا الشاب لا يطمئن لفتاة ستصبح أٌماً لأولاده إلا إذا رأى طابع الدين والستر جليَّاً وأصيلا في حياتها، وهذا الشاب لن يصطدم بمشكلة الجهل بشكلها أو عدم الاطمئنان إلى خلقها، فإن شريعة الإسلام قد حلَّت له المشكلة عندما شرعت له بل أمرته أمر إرشاد وندب أن يطلب إلى وليها أن ينظر إليها ويكلمها، حتى إذا شعر من نفسه أنه لم ينل حظا كافياً في المرة الأولى لمعرفتها كان له أن يعاود الزيارة ثانية وثالثة حتى يتبين ما ينبغي أن يطمئن إليه منها.

الصنف الثاني: مُتفلت عن سلطان الدين وأحكامه، والزواج في اعتبار مثل هذا الإنسان كرجوع السائح إلى داره بعد نزهة استنفذت المتعة فيها كل نشاطه وطاقاته، حتى إذا أدركه الملل والجهد، عاد إلى داره يبغي فيه الراحة والهدوء! فهو وقد نال من صنوف اللذات مغنماً دون مغرم إنما يريد من الزوجة الآن أن تعينه في راحة ينشدها أو قرار يتطلبه، أكثر من أن يريد بالزواج متعة وسعادة يلتقي مع الزوجة على ارتشافها وما أكثر ما تظاهر بالرغبة في الزواج من قبل فانجذبت الفتيات إليه من هنا وهناك، كُلٌ تعرض له ما عندها من زينة ورِقَّة وجمال على مذهب هؤلاء المخدوعات اللاتي يحسبن أن الفتاة لا يمكن أن تعثر على الزوج الذي  تبغيه إلا في الشارع الذي تتعرى فيه،فتذوق من هذه وتلك وتيك، ونال ما يبغيه منهن –كما قلنا- غنيمة بدون مغرم.

ثم يقول الدكتور:

وثمة شئ آخر له خطورته وهو أن الفاطر الحكيم جل جلاله أقام فطرة المرأة على أسس نفسية جعلت منها مطلوبة أكثر من أن تكون طالبة، فهي مهما استشعرت إلحاحاً غريزياً في كيانها، تظل ميَّالة بدافع عوامل نفسية أصيلة لديها إلى أن تتحصن بمركز الانتظار والاستعلاء، وأن يكون الرجل هو الطالب لها والساعي وراءها، فلما طبقت النساء الوصفة الخادعة المذكورة آنفاً واعتبرن أنفسهن سلعة تتزين كما يزين التاجر بضاعته كي يجذبن إليهن المشترين، نشأت أوضاع فرضت على المرأة أن تكون هي الطالبة للزواج والباحثة عنه، وقد ترتب على ذلك أن الرجال نظروا فوجدوا فرص المتعة الميسورة قد كثرت أمامهم، بفضل بحث النساء عن أزواج لهن في المجتمع، مما جعل الرجل يتريث انتظاراً لفرصة أفضل ترفع عن عاتقه جزءاً كبيراً من المسئولية، فكان أن زهد الرجال في الزواج لتزداد النساء بحثاً عنهن وسعيا وراءهم، فانتشرت موجة الإباحية. وهكذا كان سعي المرأة في البحث عن الزواج أهم سبب من أسباب فقدها له، وعلى افتراض أن المرأة قد حصلت على زوج أو قل على فريسة، فقد نالها الكثير من الإثم بتبرجها، ولن تجد السعادة المنشودة في حياتها مع هذا الزوج لأن جمالها الذي دعاه للزواج منها سرعان ما يزول وينزوي }.

يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: { على الفتاة التي تزعم أن الدين يحجر عليها في لباسها، وفي زينتها، وفي حياتها، أن تعلم أنها لن تظل جميلة طول عمرها، ولا فاتنة ساحرة مدى حياتها، فإذا ما ذبلت تلك الزهرة، واعتصرت  محاسنها، ولم تعد تصلح لإثارة غرائز الزوج، ونزل إلى الشارع فرأى فتاة في خير عمرها، و في كامل زينتها ورونقها، جرت شهوته إلى المقارنة بين ما ينظر في الشارع، وما يراه في البيت، وبين هذا وذاك تتكالب عليه الهموم والحسرات ولا نعتقد أن هذه المقارنة ستسر أي امرأة، ثم قال : فأعلمي أيتها الفتاة أن الذي منعك منع من أجلك، والذي منع ليحافظ عليك وبمقدار ما أغوت المرأة، بمقدار ما زهد فيها الرجال، وبمقدار ما رغب فيها الناس بمقدار ما رغب عنها أكثر منهم، وبمقدار ما استمالت من نفوس فإن الله يذل أخرتها في الدنيا، بأن يصرف الكل عنها انصرافاً مزرياً محتقراً، والذي كان يتمنى أن يحظى بنظرة واحدة منها، لو رآها لبصق عليها }.

فحينما حرَّم الإسلام عليك التبرج حرَّمه أيضاَ على من هُنَّ أجمل منكِ؛ وبذلك صان الحجاب مؤسسة الأسرة من أن تتهدم إذا رأى الرجل امرأة حاسرة سافرة على جمال باهر وحُسن ظاهر قد لا تتصف به زوجته.

 

ويقول الشيخ أحمد القطان (17){ أين الأخت التي تجعل مهرها الدعوة وحُليِّها الأخلاق، وفستانها التقوى، وعطرها الوضوء، ورصيدها الحسنات؟.

أين الأخت التي ترصد أسعار أسواق الجنة، فتكون لزوجها أماً في الحنان، وبنتاً في الطاعة  وأختا في الدعوة، وحبيبة في الفراش، وزوجة في الدنيا ونعيم الجنان، تقرب له ما يُحب، وتبعد عنه ما يكره، تلقاه مبتسمة، وتودعه بالدعاء ؟ }.

 

الحجة الثامنة: من تقول بأنها تخشى أن تُسئ إلى الحجاب بسلوكها بعد الحجاب و أنها لم تتعود على عدم الاختلاط أو وضع حواجز مع الزملاء الشباب(12): ـ

 

تقول السيدة منى يونس(12) :{ حدثت منذ عدة سنوات في إحدى الجامعات المصرية قصة حقيقية ذات مغزى، فقد كان مطلوباً من إحدى الطالبات بجامعة أجنبية كتابة بحث عن تأثير التيار الإسلامي في المجتمع المصري وعرض لأراءه وأفكاره، و قررت هذه الطالبة إن وجدت ملتحياً أو محجبة أن تسألهم أسئلة معينة، فوجدت شاباً ملتحياً جالساً في فناء إحدى الجامعات فذهبت إليه وسألته ما سبب تربيتك لهذه اللحية ؟ هل هو اقتناع شخصي أم له أسباب أخرى ؟ وكان الشاب غاضاً للبصر لم ينظر إليها ولكنه أجابها بكل ثقة:

من قال إنني الذي ربيتها هي التي ربتني!، لو لم يكن المغزى من هذه القصة قد وصل إلى الأذهان فسوف أوضحه، الحجاب أو أي طاعة ظاهرة أخرى تكون دافعاً لغيرها من الطاعات، فالطاعات والمعاصي كل منهما كالعقد ..الخرزة الواحدة تليها الثانية ثم الثالثة، من بدأ بطاعة يسَّر الله له طاعة أخرى }.

 

أضف إلى ما تقدم، أن المسلم الواعي يعتبر نفسه سفيراً للإسلام على هذه الأرض، وداعية صامت لهذا الدين الذي يدين لله به، وبضاعته في ذلك هي الخُلُق والسُلوك، وهذا يتطلب مجاهدة للنفس والشيطان والهوى ،وهذه المجاهدة هي التي تربي الإنسان على الفضائل وعلى التزام الحق مهما كلفه ذلك من مشقة.

 

أما عن النقطة الثانية وهي الاختلاط بصورته الحالية كما هو شائع في الجامعة والأماكن العامة وبعض أماكن العمل تقول السيدة منى يونس: { إن الله الّذي خلقنا والقائل " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " قد حدد لنا ضوابط لاختلاطنا بالجنس الآخر و هذه الضوابط هي :ـ

¹ غض البصر )وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ( النور31.

¹ عدم الخضوع بالقول )إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا( الأحزاب32.

» عدم الخلوة بين الرجل و المرأة لحديث النبي صلى الله عليه و سلم " ما اختلا رجل و امرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ".

º ثم الزي الشرعي وهو الحجاب بشروطه.

هذه جملة الضوابط أو الآداب التي حددها لنا خالقنا العليم الحكيم، وهي ترسم صورة العلاقة بين المسلمين.}. 

 

الحجة التاسعة: من تدعي أنها تتجمل خارج البيت طاعة لزوجها وحرصاً على إرضائه وخوفاً من انصرافه عنها إلى غيرها: ـ

يقول الله سبحانه:) فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ(.النساء34.

يقول سيد قطب في تفسير هذه الآية(3):{ فمن طبيعة المؤمنة الصالحة، ومن صفاتها الملازمة لها، بحكم إيمانها وصلاحها أن تكون قانتة، مطيعة، والقنوت: (الطاعة عن إرادة ورغبة وتوجه ومحبة) وأن تكون كذلك حافظة لحرمة الرباط المقدس بينها وبين زوجها في غيبته؛ وبالأولى في حضوره، فلا تبيح من نفسها في نظرة أو نبرة، بله العرض والحرمة ما لا يباح إلا له هو بحكم أنه الشطر الآخر للنفس البشرية.

وما لا يباح، لا تقرره هي، ولا يقرره هو: إنما يقرره الله سبحانه(بما حفظ الله)..فليس الأمر أمر إرضاء الزوج عن أن تبيح زوجته من نفسها في غيبته أو في حضوره ما لا يغضب هو له؛ أو ما يمليه عليه وعليها المجتمع! إذا انحرف المجتمع عن منهج الله. إن هنالك حكماً واحداً في حدود هذا الحفظ، فعليها أن تحفظ نفسها (بما حفظ الله).. ..}

 

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما الطاعة في المعروف "(24)، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهكذا يجعل الإسلام كل فرد أميناً على نفسه وعقله، أميناً على مصيره في الدنيا والآخرة، فليس لأحد كائن من كان أن يجبرك  أيتها الأخت على معصية الله، واطلبي من الله الهداية لزوجك إن كان يأمرك بمعصية خالقك.

 

أختاه أنتِ أشد بلاء دنيوي للرجل : ـ

{ إذا كان إماطة الأذى عن الطريق شعبة من الإيمان، فأيهما أشد أذىً شوكة أو حجر في الطريق أم فتنة تفسد القلوب، وتعصفُ بالعقول وتشيع الفاحشة في الذين آمنوا ؟(6) }.

 

ويقول الدكتور البوطي(18): { اعلمي أنك ِ أشد بلاء دنيوي للرجل.. كيف؟، يقول: وسر ذلك أن جميع الآثام التي حظرها الله تعالى على عباده، ليس بينها وبين الإنسان أي انسجام فطري، فالظلم بأنواعه المختلفة محرَّم، ويعين الإنسان على تجنبه أن الفطرة الإنسانية تشمئز منه، وشرب الخمر مُحرَّم و يهون من أمر تحريمها أن الفطرة الإنسانية الأصيلة تعافها، وكذلك السرقة والغش والغيبة والنميمة، وبقية المحرمات الأخرى، كلها لا تتفق مع مقتضيات الفطرة الإنسانية السليمة، ولا يجنح إلى شئ منها إلا من أبتلي بانحراف في طبيعته، وإنما يُستثنى من هذا العموم شئ واحد فقط هو الغريزة الجنسية في كل من الرجل والمرأة.

من هذه المقارنة تستطيعين أن تدركي أن الشهوة الجنسية في الإنسان أخطر ابتلاء ديني في حياته، إذ في الوقت الذي تقف الفطرة الإنسانية فيه عوناً على تطبيق شرع الله بالنسبة لمختلف المعاصي والمنكرات، فإنها تقف بالنسبة للشهوة الجنسية مثيرة لها، وبناء على ذلك فإن العلاج الإسلامي بالنسبة لسائر المعاصي يكمن في مزيد من الابتعاد عنها والاستعلاء فوقها، أما بالنسبة لأمر الجنس خاصةً فقد كان العلاج هو الارتواء منه وإمتاع الغريزة به ولكن ضمن حدود مرسومة معينة لا يتجاوزها "الزواج الشرعي"  ولقد تم الإجماع على أن المرأة لا تحرز رضى الله تعالى عنها بعمل من الأعمال الصالحة كما تحرزه بالسعي في سبيل يعين الرجل على الاس تقامة الخُلقية وضبط نوازعه الشهوانية، ولا تتسبب إلى ذلك بالسعي في سبيل أن تثير في الرجل نوازعه الشهوانية، وتقصيه عن أسباب الاستقامة والعفة الخُلقية }.

 

عمل المرأة بين الشريعة والحياة : ـ

 

لسنا بحاجة إلى القول بأن الأحاديث والآثار كثيرة تلك التي تدل على أن المرأة كانت في ظل دولة الإسلامية ترتاد ميادين العمل، ولكنه كان يجري ضمن الالتزام بشروط وأحكام أخلاقية، فالنصوص الشرعية تأمر النساء والرجال بالتزام حدود الجد في التعامل بينهما، وتأمر بالابتعاد عن كل ما عسى أن يُؤدي إلى ثوران الفتنة في النفس مما يكون سبباً في استبداد الشهوة فيضطرب في الإنسان جهده الموجه نحو العمل الصالح، ويكون همه إشباع الشهوة التي استبدت به فيضيع منه الطريق إلى تحقيق رضوان الله جل وعلا.

 

لقد وردت في القرآن الكريم قصة سيدتين دفعتهما الظروف إلى العمل خارج البيت، فلم يكن لهما أحد يعولهما أو يقوم مقامهما في رعاية والدهما الشيخ الكبير، يقول الله : ) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (القصص 23 ـ26

عندما خرج نبي الله موسى ـ عليه السلام ـ من مصر متوجهاً إلى مدين، رأى ما أذهله، رأى جماعة من الناس يسقون لأنفسهم ولأغنامهم بينما تقف امرأتان غير بعيد منهم، وكأنهما تنتظران حتى يفرغ القوم من السقاية، وبعد أن انصرف القوم تقدمتا للسقاية، فتقدم منهما وسألهما: ما خطبكما ؟ ، ما الذي جاء بكما ـ وأنتما امرأتين ـ إلى هذا الوادي ؟ قالتا وكأنهما أحسّا باستنكاره لوجودهما في هذا المكان: نحن لم نزاحم القوم ولم نخالطهم بأجسادنا وأنفاسنا وانتظرنا بعيداً حتى يفرغ القوم من السقاية، ولم يُمهلا سيدنا موسى بالسؤال عن سبب خروجهما أصلاً، فقالتا: وأبونا شيخ كبير؛ أي أن الذي دفعهما إلى الخروج من البيت هي الضرورة القصوى، فالعائل الوحيد لهما شيخ كبير لايقوى على العمل.

هنا تقدم سيدنا موسى فسقى لهما وانصرفتا، ولم يلبث طويلاً حتى جاءته احدهما لتبلغه برغبة أبوها في مقابلته لمكافأته على حسن صنيعه، وعندما رأت طابع الدين والقوة جليَّاً في أخلاقه طلبت إلى أبيها أن يستعمله للقيام على شؤونهم.         

الدروس المُستفادة  من القصة : ـ

أولاً: عمل المرأة خارج البيت إنما يكون لضرورة، ففقدان العائل ضرورة، والطبيبة التي تقوم بتطبيب النساء ضرورة، والمعلمة التي تقوم بالتدريس في مدارس الفتيات ضرورة.

ثانياً: أن تقدر هذه الضرورة بقدرها، فتلتزم الزي الشرعي عند خروجها، ولا تغشى مجامع الرجال، وإن حدث أي احتكاك بالرجل فيكون ذلك في حدود الجد، فلا تلين له بالقول، لقول الله سبحانه ) إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (الأحزاب 32 ، وكما يكون الأسلوب حسن( فلا تخضعن بالقول)، يكون كذلك الموضوع حسناً( وقلن قولاُ معروفاً). 

ثالثاً: أن تلتمس رفع الضرورة عنها، كما فعلت هاتين المرأتين فبمجرد أن وجدتا من يقوم مقامها وتزول به الضرورة لخروجهما طلبتا إلى أبيهما أن يستأجره.

 

وأما العمل لغير ضرورة ففيه جناية على الأجيال القادمة، ففي اليابان الدولة التي نهضت بسرعة أذهلت العالم كله تعمل  المرأة هناك قبل الزواج، أما بعد الزواج فهي إما أن تترك عملها مباشرة وإما أن تتابعه حتى يُصبح لديها أولاد، وحين يكبر الأولاد تستطيع المرأة اليابانية العودة إلى ممارسة نشاطاتها السابقة، وُيرجع التربويون أسباب قوة اليابان حالياً إلى عناية المرأة بالأولاد.

يقول الدكتور محمد كمال الدين (27) { المطلوب من المرأة المسلمة المُربية رعاية كائنات وُلدت على الفطرة التي فطرها الله عليها، رعاية تحفظ هذه الفطرة وتحميها من المسخ والتشوٌه، وهذا يتطلب أن تفهم المسلمة فطرة الإنسان فهماً عميقاً ما أمكن، لأنه لا يمكن لمن يجهل آلة أن يتعامل معها دون أن يخرٌبها، فكيف تربي الأم طفلها، وترعى نموُه، وتتدخل في جوانب حياتها كلها دون أن تؤذي فطرته، ودون أن تخدش نقاءها، أو أن تعكر صفاءها، إن كانت جاهلة بهذه الفطرة، وجاهلة بصفاتها وخواصها، ولا تعرف ما يؤذيها فتتجنبه، ولا تعرف ما يغذوها ويقويها فتقدمه لها ؟.

ولن يتأتى لها ذلك ما لم تفهم دينها حق الفهم وتتفقه فيه ما استطاعت، ثم تفيد إلى جانب ذلك مما تقدمه العلوم البشرية من كشوف ودراسات حول خصائص النفس البشرية ومراحل نموها وسبل العناية بها والحفاظ عليها دون تشوه حتى تكبر ويشتد عودها.

ومما يؤسف له أننا نرى نفور فتياتنا من الدور التربوي ضمن الأسرة وداخل البيت، ومما يساهم في ذلك كما يقول الدكتور:

أولاُ: أن المناهج الدراسية تهمل إعداد الفتاة لتكون مربية على مستوى عال وإنما تطبق عليها المناهج الموضوعة للذكور،(ولعل الحكمة من تطابق المناهج أن يُصبح هناك وجه لقضية المساواة على الطريقة الغربية بين الجنسين(35)) فتزرع في نفسها الشعور أن العمل خارج البيت هو الذي له القيمة، وتجعلها تظن أن العمل داخل البيت سخيف وساذج ولا يليق إلا بالجاهلات أو الخادمات،متناسية بذلك أن التربية تحتاج من العلوم والخبرات الشئ الكثير، مثلما تحتاج المهن الأخرى كالهندسة أو الطب وغيرهما، وإنني على ثقة بأن من لديهم دراية بالعلوم الطبية أو الاجتماعية أو النفسية أو الدينية الإسلامية  أو اللغة والأدب أو غير ذلك من فنون وعلوم، هؤلاء يدركون دون صعوبة القدر الكبير الذي يحتاجه المرء من كل هذه العلوم والفنون، حتى يكون مربياً يُعدُ عبادا لله صالحين يحملون الهداية للبشرية، ويتولون إنقاذها من الظلمات إلى النور.

ثانياً:الاعتقاد الخاطئ السائد بأن عمل الرجل خارج البيت أفضل من عمل المرأة داخله وأكثر إنتاجية ومتعة وإبداعاً، إننا إذا نظرنا إلى طبيعة العملين والمفاضلة بينهما فإننا نسأل: هل عمل المربية في مدرسة يحط من قدر المرأة كإنسان، وهل هو في منزلة أحط من العمل في مهن الرجال في معامل الأحذية أو الملابس أو علب السجائر؟ وهل عمل المرأة التي تطبع على الآلة الكاتبة أوتجلس على باب مدير شركة تتلقى مكالماته الهاتفية، وتقول لهذا انتظر ولذاك تفضل، عمل أكرم وأشرف وأعلى مكانة من عمل المربية في المدرسة أوفي المنزل ؟ فالأم المسلمة عندما تكون على مستوى راق كمربية لأبنائها فإنها بذلك تؤَمن للأسرة العناية بأطفالها، دون الحاجة إلى صرف الأموال على المربيات، وهذا يعني بوضوح أن الأم المسلمة المربية تقدم مساهمة مالية غير منظورة لأسرتها، ثم إن الأم المسلمة ترضع طفلها ورضاعتها له مساهمة اقتصادية واضحة تتجلى في توفير قيمة الحليب وفي إعداده وفي الوقاية التي يُقدمها الإرضاع الطبيعي للطفل من الأمراض الجسمية والنفسية.

ولمن يُصر على مقارنة الدور التربوي للأم المسلمة بأعمال الرجال خارج البيوت نقول أنه ليس أضيع من جهد وعمل ينفقان ويوضعان في أشياء زائلة فانية كما يفعل الرجال في مهنهم، يصنعون السلع لتستهلك أو يبنون المساكن أو يقدمون الخدمات في المرافق وكل هذه الأشياء زائلة فانية ثم يبعث الله الأنفس ولا يبعث الجبال والعمران والصناعات يقول الله تعالى: )إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ..( التكوي14:1، وفي المقابل ليس أبقى من جهد يُوضع فيما ضمن الله له الخلود وهي النفس البشرية، فقد تكفل الله لنا بالخلود بعد أن يُذيقنا الموت، وما تكفل بذلك لجبل أو شجر أو بحر أو سماء أو شمس أو قمر.

فمن أراد لجهوده أن تثمر، وأحبَ لثمرته أن تخلد، فليودع جهوده وأعماله نفساً بشرية، وإن إنقاذ إنسان من الضلالة إلى الهداية ومن النار إلى الجنة، ثم رؤيتك لهذا الإنسان الذي أنقذته وقد أقبل عليك يوم القيامة شاكراً لك صنيعك فقد دللته على الحق وأنجيته من العذاب المقيم، إن ذلك ليملأ النفس سعادة ورضى.

إن أروع عمل في العالم لا يقارن ـ من هذا المنظور بتربية طفل واحد على الدين الحق يأتي يوم القيامة إلى أمه معترفاً بجميلها عليه، شاكرا ً رعايتها له سائلا ًالمولى أن يجزل لها العطاء والثواب. }

عميدة كلية أمريكية تقول للطالبات :  "  اتركن هذه الشعارات  " : ـ

وأذكر هنا قصة ذات مغزى، ففي ولاية أنديانا الأمريكية جرى نقاشاً حاداً بين أحد الدارسين العرب وبعض الطالبات في الجامعة، فهو يدعو إلى الإسلام الذي رعى حقوق المرأة وصانها، وهي تتكلم عن تحرير المرأة، ولما لم يتفقوا على رأي، احتكموا إلى عميدة الكلية، ودار حوار هاديء شارك فيه الطالب المسلم، واستدعت العميدة واحدة من كبريات الأساتذة لحضور النقاش، وكان جوابهما الذي وجه للطالبات: { يجب أن تتركن تلك الشعارات وتعدن لحالتكن الطبيعية، فإن أجمل أوقات المرأة هي مناجاة طفل، وأسعد سويعات عمرها بيت ترفرف عليه السعادة الزوجية، وأشهى ثمرة تقطفها هي تربية أجيال.

ثم أضافتا: لقد تحصلنا على أكبر مركز تتوق إليه المرأة بل والرجل في هذه الحياة، وأكبر رصيد تتخيله بنات حواء من السمعة والمال والجاه، لكن ذلك كله خال من السعادة بمعنها الحقيقي، لأن السعادة الحقيقية للمرأة ـ بعد أن درسنا الديانات المختلفة قد    رسمها دين هذا الرجل المسلم    ( وأشارتا إلى زميل الحوار) بتعاليمه ومبادئه والحقوق التي أعطاها للمرأة (40) } .             

 

منصفو الغرب يقولون:

 

هناك من الأدلة الشرعية والواقع الملموس ما يدل على تحريم الاختلاط واشتراك المرأة في أعمال الرجال مما فيه كفاية ومقنع لطالب الحق ، ولكن نظرا إلى أن بعض الناس قد يستفيدون من كلمات رجال الغرب والشرق أكثر مما يستفيدون من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام علماء المسلمين رأينا أن ننقل لهم ما يتضمن اعتراف رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده لعلهم يقتنعون بذلك ، ويعلمون أن ما جاء به دينهم العظيم من منع الاختلاط هو عين الكرامة والصيانة للنساء وحمايتهن من وسائل الإضرار بهن والانتهاك لأعراضهن. 

قالت الكاتبة الإنجليزية الليدي كوك: إن الاختلاط يألفه الرجال ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا ، وهاهنا البلاء العظيم على المرأة. إلى أن قالت: علِّموهن الابتعاد عن الرجال أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد. 

وقال شوبنهور الألماني : قل هو الخلل العظيم في ترتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علو مجده ، وباذخ رفعته وسهل عليها التعالي في مطامعها الدنيئة حتى أفسدت المدنية الحديثة بقوى سلطانها ودنيء آرائها. 

وقال اللورد بيرون: لو تفكرت أيها المطالع فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان لوجدتها في حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة ولرأيت معي وجوب إشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسن غذائها وملبسها فيه ، وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير . اهـ. 

وقال سامويل سمايلس الإنجليزي : إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد ، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية ؛ لأنه هاجم هيكل المنزل وقوَّض أركان الأسرة ومزّق الروابط الاجتماعية ، فإنه يسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة ، إن وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات ، مثل ترتيب مسكنها ، وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها ، مع القيام بالاحتياجات البيتية ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات ، بحيث أصبحت المنازل غير منازل ، وأصبحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال ، وانطفأت المحبة الزوجية ، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة ، والقرينة المحبة للرجل وصارت زميلته في العمل والمشاق ، وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة. 

وقالت الدكتورة إيدايلين : إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق ثم قالت : إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم هو الطريق الوحيد لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه. 

وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي : إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقا إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة. 

وقال عضو آخر: إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال. 

وقال شوبنهور الألماني أيضا: اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة ولا تنسوا أنكم سترثون معي الفضيلة والعفة والأدب. وإذا مت فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة ، ذكر هذه النقول كلها الدكتور مصطفى حسني السباعي رحمه الله في كتابه المرأة بين الفقه والقانون . 

ولو أردنا أن نستقصي ما قاله منصفو الغرب في مضار الاختلاط الذي هو نتيجة نزول المرأة إلى ميدان أعمال الرجال لطال بنا المقال ولكن الإشارة المفيدة تكفي عن طول العبارة. 
 

أختاه احذري الاختلاط  :ـ

{ إذا كنتِ قد استهجنتِ الاختلاط في دور العلم أو العمل وما نتج عنه من رذيلة وفجور، فاحذري أن تُستدرجي فتقيمي علاقات مع شاب لا يؤمن غدره، كما لا تؤمن خيانته، يُمنيِّكِ بالزواج، وربما أعجبتكِ فيه ناحية أعمت بصرَكِ عن كل نقيصة فيه قد تكون واحدة منها تجعله لا يصلح لك، فإذا كنتِ راغبة في الزواج، وتقرَّب إليك شاب لهذا الغرض، فما عليك إلا أن تُحيلي الأمر في الحال إلى والديك، فتكتشفين بذلك أولاً: رغبة الخاطب وصدق نيته (فالشاب الجاد في الزواج ليس بحاجة إلى نظم قصائد في الحب والغرام)، وثانياً: تحصلين على صورة صحيحة واضحة عن الخاطب، لا دخل فيها للعاطفة أو التسرع ثم هو ثالثاً الأدب والتقدير منك لوالدين يؤثران سعادتك وراحتك على نفسيهما(11)}.

يقول الشيخ على طنطاوي رحمه الله(19):{.. فالشاب مهما كان فاسقا داعراً إن لم يجد في سوق الملذات الفتاة التي يُضيِّع معها وقته، وترضى أن تريق كرامتها على قدميه، وأن تكون لُعبة بين يديه، إذا لم يجد الفاسقة أو المغفَّلة التي تشاركه الزواج على دين إبليس، طلب من تكون زوجته على سنَّة الإسلام "الزواج الشرعي " }.

{ أما إذا سلكتِ{ طريقة تحت الشجر يا وهيبة، طريقة المصاحبة لشاب على سبيل التجربة أو لأنه زميل دراسة أو عمل، تكوني بذلك قد فتحتِ الباب لكي يعترضك كل ساقط وهابط لما ألِفوه عندك من رغبة في المحادثة ، و سهولة في الاستدراج، وضعف في الإرادة، إن لم يكن في ذلك حُكمٌ عليك بقلة التربية والمروءة، وقدح في الأصل و الشرف، ومروق من آداب الإسلام وأخلاقه الفاضلة، وتعاليمه السامية  (21)}.

 

إن الفتاة التي استمرأت الاختلاط واعتادت على عدم وضع حواجز بينها وبين الشباب؛ هذه الفتاة تعلم جيداً أن الأحاديث مع الشباب تدور حول موضوعات تافه لا طائل من ورائها، وأن الشباب الذين يتسلون بالمقابلات ويتلذذون بالنظر إلى النساء لا يعنيهم من الفتاة أفكارها بقدر ما يعنيهم منها مظهرها وجسدها، وتتحدث إحداهن عن طريقة مصافحة بعض الشباب لها فتقول: كان من بين الشباب من يأخذ يدي ولا يريد أن يُطلقها وآخر يدعس يدي وآخر يفركها بأصابعه.

قالت وهي تذرف دموع الندم : كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية ، تطورت إلى قصة حب وهمية ، أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي، طلب رؤيتي، رفضت، هددني بالهجر! بقطع العلاقة! ضعفت، أرسلت له صورتي مع رسالة وردية معطرة! توالت الرسائل، 

طلب مني أن أخرج معه، رفضت بشدة، هددني بالصور ، بالرسائل المعطرة ، بصوتي في الهاتف - وقد كان يسجله - خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن، لقد عُدت ولكن، عدت وأنا أحمل العار، قلت له : الزواج؛ الفضيحة، قال لي بكل احتقار وسخرية : إني لا أتزوج فاجرة. 

يقول أحدهم:{ إنها تكلمني وتخرج معي وليس بيني وبينها أي رابط، فما الذي يضمن لي أن تفعل ذلك غداً مع غيري ؟، لا أنا ألهو معها اليوم، وغداً أظفر بذات الدين ولن أخسر شيئاً. ويقول: لست على استعداد أن أتزوج من فتاة استجابت لي كما استجابت لغيري وستستجيب لأخر فضلاً عن أني أحتقر كل فتاة تسمح لنفسها بالمعاكسة، وقد كنت أكلمها لغرض في نفسي، ولكن في داخلي أنظر إليها بكل احتقار }.

وأخر طُلب إليه أن يتزوج من فتاة طاف بها شوارع المدينة فرفض قائلاً{ أريدها عذراء العواطف وهي ليست كذلك، وكيف أثق بها وقد عرفتها في الشارع! }.

أن بعض الفتيات - هداهن الله - لا يتعظن أبداً بما يسمعن من الفضائح التي تحصل لغيرهن ، ولا يصدقن مايقال لهن إلا إذا وقعت الواحدة منهن فريسة لمثل هؤلاء المجرمين ، وتورطت معه بمصيبة أو فضيحة ، فحينئذ تصحو من غفلتها ، وتندم على عملها هذا أشد الندم ، وتتمنى الخلاص من هذه الورطة وهذه الفضيحة ولكن بعد فوات الأوان! فلماذا كل ذلك!.

يقول الشيخ على طنطاوي رحمه الله(19):{ لا تصدقي ما يقوله بعض الشباب من أنهم لا يرون فى الفتاة إلا خُلُقها وأدبها، وأنهم يكلمونها كصديقة أو زميلة أو أخت. كذب والله، ولو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم لسمعت مهولاً مرعباً، وما يبسم لك الشاب بسمة، ولا يلين لك كلمة، ولا يقدم لك خدمة، إلا وهي عنده تمهيد لما يريد }.

ويصور لنا الأستاذ عبد الرحمن واصل ما وصل إليه الاختلاط في الجامعة فيقول:{ فتاة تبدو متماسكة وزميلها يُفضي إليها بحبه، وفتى مُعجب من بعيد ، ومحب من طرف واحد تحدثه نفسه بالانتحار، وثالثة تحب أستاذها المتزوج وتقسم أن تظل مخلصة له مدى الحياة، ورابعة أسرها قده الممشوق وقامته الهيفاء وطلعته البهية، وطوفان رهيب من الأزياء،هل رأيت الأمان في مكان به أعواد الثقاب المشتعلة بجوار براميل البارود ؟  (21)}.

تقول إحدى الفتيات: ارتبطت مع أحد الشباب بعلاقة عاطفية، واتفقنا على الزواج، فما كان عليَّ إلا أن أنتظره حتى تتبدل ظروفه وتتغير أحواله، ومرت سنوات وأنا أرفض كل من تقدم لخطوبتي متعللة بحجج واهية ظناً، مني أنني بهذا أفي بالعهد الذي قطعته على نفسي مع من ارتبطت به عاطفياً، وبعد كل هذا تركني وتزوج بأخرى طمعاً في ما لديها من أموال، وساعتها أسقط في يدي، وشعرت أنني ارتكبت خطأ جسيماً في حق نفسي وحق ديني وأسرتي، وعندما أفقت من غفوتي شعرت بالعزوف من قبل الشباب، ومنهم الذين كانوا يتمنون الاقتران بي، وفهمت بعدها أن هذا العزوف سببه علاقاتي السابقة مع من غدر بي فأصبحت هذه العلاقة سداً منيعاً حال بيني وبين الزواج بآخر وما أود أن أقوله: أن تعيش كل فتاة  واقعها الحقيقي ولا تجعل خيالها وأوهام الحُب تسرح بها وتقتلعها من جذورها وأن تتخذ من دينها منهجاً وسلوكاً حتى تنعم بحياتها وتعصم نفسها من الوقوع يُغضب الله ويُسئ إليها ولأسرتها ومجتمعها.             

{ فلماذا هذا التهور من كثير من فتياتنا ؟ أهو الجهل وعدم العلم ؟ أم هو عدم الخوف من الله وموت الضمير ؟ أم هي المراهقة وخفة العقل وطيش الشباب أم هو الشعور بالنقص وضعف الشخصية ؟(37)}.

يقول الشيخ على الطنطاوي رحمه الله (19):{ صحيح أن الرجل هو الذي يخطوا الخطوة الأولى في طريق الإثم، لا تخطوها المرأة أبداً، ولكن لولا رضاكِ ما أقدم، ولولا لينك ما أشتد، أنتِ فتحت له وهو الذي دخل، قلتِ للص تفضل، فلما سرقك اللص، صرخت أغيثوني يا ناس }.

أختاه:

إذا كنت تريدين السعادة في الدنيا والآخرة وتريدين النجاة

من سخط الله وعقابه والفوز بجنته ورضاه ، وأنت تعيشي عزيزة كريمة في هذه الدنيا ، إذا كنت تريدين كل ذلك فالتزمي بهذه النصائح : 

احذري المكالمات الهاتفية فإنها تسجل عند الله تعالى ، ويسجلها شياطين الإنس "أدعياء الحب" فيستخدمونها سلاحاً للضغط عليك ، أو للنيل من سمعتك وعرضك . 

احذري التصوير بشتى أنواعه ، فإنه علاوة على تحريمه، فهو من أخطر الأسلحة التي يستخدمها ذئاب البشر لإرغام الضحية وتهديدها وافتراسها . 

احذري كتابة الرسائل الغرامية فهي أيضاً وسائلهم في التهديد والضغط .

احذري المجلات الهابطة والأغاني الماجنة . 
واحذري أيضاً المسلسلات والأفلام الفاسدة المضللة التي غالباً ماتكون سبباً للانحراف والفساد ، واستبدلي ذلك بالكتب والمجلات النافعة والأشرطة الإسلامية التي تفيدك ديناً ودنيا . 
احذري جميع المعاصي والذنوب ، فإنها والله سبب زوال النعم وحلول النقم ونزول المصائب ، وهي سبب تعاسة الإنسان وشقائه في الدنيا والآخرة . 

 

موقف الإسلام من عوامل الإثارة والتربية الجنسية: ـ

أنقل في هذه الكلمة الموجزة ما كتبه المُنصفون من أبناء الغرب، فهذه هيلين ستانستيزي الأمريكية تغبط المجتمع المسلم لتمسكه بتقاليد تضبط العلاقة بين الشاب والفتاة، وتحول دون إنغماس أفراد المجتمع في الإباحية الجنسية التي تهدد المجتمع في أوروبا وأمريكا فتقول : { إن القيود التي تتسم بها العلاقة بين الشاب والفتاة في المجتمع العربي قيود صالحة ونافعة، ولهذا أنصحكم أن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم وامنعوا الإختلاط وقيدوا حرية الفتاة، ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من اباحية وانطلاق أمريكا وأوروبا، امنعوا الإختلاط فقد عانينا منه الكثير، فلقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً مُعقداً مليئاً بكل صور الإباحية والخلاعة، مما يُهدد الأسرة والقيم الأخلاقية(40)}.

فإذا ثبت لدى الغرب أن " تهذيب! " الأخلاق بالإختلاط، وبما يُسمونه تربية جنسية، إن هو إلا علاج بدواء فاسد، يزيد من خطورة الحال وشدته، وأنه يُقصد به تقريب النار من البارود، والنتيجة الإنفجار الُمُحقق كما هو الحال في الغرب، فما هو الحل ؟.

يوجه الإسلام أولياء الأمور إلى طريقة تربية الأبناء في كل مرحلة من مراحل الحياة، فلا يكاد الطفل يبلغ حد التمييز، ويستطيع أن يُفرق بين الطيب والخبيث، والحسن والقبيح، حتى يتلقى أول إشارة من الإسلام بالآداب التي تربطه بخالقه سبحانه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الأمام أحمد: " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع " .

ومن هذا الحديث يسجل الأستاذ احمد أحمد جلباية ما يلي:ـ 

ربط التربية ـ أولاً ـ  بالله ومعرفته والوقوف بين يديه، وهو أمرله قيمته، ليعلم الطفل منذ صغره أن طاعة الله قبل كل شيء، وأن أمره مُقدم على كل شيء، وربط التربيةـ ثانياً ـ بالتفرق في المضاجع، وهذا يبعد الطفل عن مواطن الريبة والتهمة، ويجعله في منأى عن سوء القصد، وغريزة حب الإستطلاع قد تدفع الطفل إلى البحث عن الحقائق المستورة، أو استكشاف ما خفي من الأمور، وهنا يلعب الشيطان دوره في التزيين والغواية ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما.

والجمع بين الأمرين بالصلاة والتفريق في المضاجع أمران ضروريان، فالأول يُقرب إلى الله، والثاني يُبعد عن الشيطان، الأول هداية والآخر وقاية.

ولحاجة الطفل الماسة لأبويه، وإلتصاقه بهما، وعدم استغنائه عنهما، لمطالبه الكثيرة والمتكررة التي يصعب معها الإنتظار حتى يُؤذن له، فقد أبيح له ما لم يبح لغيره من الدخول من غير استئذان، إلا في أوقات معينة يتجرد المرء فيها من ثياب اليقظة ويستبدل بها ثياب النوم، والأوقات هي من قبل صلاة الفجر، ووقت الظهيرة وبعد صلاة العشاء الآخرة.

يقول التربوي المُحنك الأستاذ أحمد أحمد جلباية: { إن هذا النظام الذي نصت عليه الآية 58 من سورة النور يبين لنا إلى أي حد ينبغي أن يكون حرص الآباء من الأبناء، وأنه مهما كان حبهم لهم ولهفتهم عليهم وتعلقهم بهم، فلا يجوز أن تقع عيونهم على أمر غريب يُثير في نفوسهم التساؤل والفضول، ويحرك فيهم الدوافع للبحث عن المجهول، ويضع الاباء والأبناء في موقف حرج لا تختفي صورته من الذاكرة طول الحياة، فمن واجب الآباء أن يحتفظوا بوقارهم ومكانتهم في نفوس أبنائهم }.   

أختاه احذري الصحبة السيئة:ـ

قال عدي بن زيد:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذا كنتَ في قومٍ فصاحبْ خيارَهُمْ 

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي.

 

فقرناء السوء يوسوسون في صدورنا، ويزينون فعل الشر، ويغرونا بالفساد، ويبذرون في أنفسنا بذور المعصية، فيصبح لدينا ميل لفعل الخبيث، ثم تستجيب النفس لهذا الميل، وبالتكرار يتحول هذا الفعل الخبيث إلى عادة، فما العادة إلا ميل واستجابة لهذا الميل وتكرار للاستجابة.      

والخصال المعتبرة عند اختياركِ من تصحبين من الفتيات كما ذكر صاحب كتاب أدب الدنيا والدين ما يلي:

الخِصلة الأولى:عقل موفور يهدي إلى مراشد الأمور.

الخِصلة الثانية: الدين الواقف بصاحبته على الخيرات  فإن تاركة الدين عدوة لنفسها فكيف يُرجى منها مودة غيرها.

الخِصلة الثالثة: أن تكون محمودة الأخلاق، مرضية الفعال، مُؤثرة للخير آمرة به، كارهة للشر ناهية عنه.

اختاه: إن صحبة الصالحين من أعظم وسائل الثبات على الإيمان، إنها مصدر من مصادر الطاقة الإيمانية التي تدفع المرء تجاه السلوك المستقيم يقول سبحانه: ) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(الكهف 28 .

فاحرصي يا أمة الله على الصحبة الصالحة تسعدي في الدنيا والآخرة، وعليك بصحبة من تذكركِ بالله رؤيتها ولا تعصي الله ما دمتِ في قربه، تعظكِ بلسان فعلها قبل أن تعظكِ بلسان قولها، قال جل وعلا:)  الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ( الزخرف(67).

وابتعدي عن أصدقاء السوء فهم والله يوردون الإنسان المهالك، ويصدونكِ عن طاعة الله (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). ولأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء فعلى الإنسان أن يختار لصحبته مَن إذا ذكر الله وجد عوناً منه على ذلك، وإذا نسيَ ذكَّره بالله وبطاعة أوامره واجتناب نواهيه، فلا فائدة في صحبة المُصرة على معصية الله لأن من يخاف الله لا يُصر على معصيته ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته ولا يوثق بصداقته، وقديماً قالوا:  قل لي مَنْ تصاحب أقل لك   من  أنت.

 

أختاه احذري الغفلة عن الله(22):ـ

فلو استشعر الإنسان منا قول الله تعالى:) وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( الحديد4،) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ( ق 16، ) إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً ( النساء1، ما جَرؤ على معصية الله أبدا، وإنما يُؤتى العاصي من قِبل الغفلة ولله درُّ القائل:

 

فقل للذي قد غرَّهُ طول عُمُرهِ

وما قد حواهُ من زخارِفُ تخْدَعُ

أفـق وانظـر بعين بصـيرةٍ

تجد كل ما فيـها ودائعُ ترْجَعُ.

ولله دَرُّ القائل :

سفري بعيد وزادي لن يُبلِغَني

وقسمتي لم تزل والموتُ يطلبني

تمُر ساعاتِ أيامي بلا ندمٍ

ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حزنِ

ما أحلَمَ اللَه َعني حيثُ أمهلني

وقد تماديتُ في ذنبي ويستُرني

أنا الذي أغلق الأبوابَ مُجتهداً

على المعاصي وعينُ الله تنظُرُني

يا ذلة كُتبت يا غفلة ذهبتْ

يا حسرة بقية في القلبِ تحْرِقني.

 

أختاه بادري بالتوبة إلى الله عز و جل :ـ

يقول سبحانه:) قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُون وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ( الزمر53-57

{ فهذه عاقبة التواني والتسويف في التوبة، حسرة وندامة،لوعة وأسى، إقرار واعتذار، ولكن بعد فوات الأوان حين لا ينفع الظالمين معذرتهم، فيامن أسرفتِ على نفسها بكثرة الآثام، ونامت عن ذنوبها وعين الله لا تنام ) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ( الفجر14.

فكم من رجل فتن بسببك  فأفسدتِ عليه حياته الزوجية، وكم من شاب ألهبتِ ظهره بسياط  الفتنة والزينة.

فإلى متى يا أمة الله هذا التواني ؟، فإن الحياة دقائق وثوان، فماذا يُثنيكِ عن التوبة ويُبعِدُكِ عن الإنابة ؟، أغرور بربك ؟ فهذا ربك يعاتبك) يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ( الإنفطار8:6 (22) }.

هل تفكرتِ في هذه اللحظة ) .. وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ( الزمر47 )يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران30 .

ولله در القائل: الموت سهمُ أرسل إليك ، وعمرك بقدر سفره إليك. 

 

أختاه أنت اليوم بالشامبو والصابون تغتسلين

وغداً بالماء والسِّدر تُغسلين

اليوم بالطائرة والسيارة تركبين

وغداً على لوح من الخشب تحملين

اليوم يا أختاه على الأرض تعيشين

وغداً تحت التراب تحاسبين

اليوم على السرير والفرش الوثير تنامين

وغداً في لحد القبر توضعين

اليوم في النور تمشين وغداً في الظلام تحشرين

اليوم يا أختاه يجب أن تستغفرين

قبل أن يحدث ما تسمعين (23). 

 

أختاه أرضي الله وكفى:ـ

 

أختاه: اعلمي أن إرضاء الله غاية تدرك، ورضاء الناس غاية لا تدرك وليست في الإمكان، فمن تُرضين ؟ أرضي الله وكفى.

يذكر الأستاذ عمر الأشقر في كتابه " مواقف " حدثاً قال:{ يُذكر أن طفلة صغيرة تعود لأمها من المدرسة وعليها كآبة وحزن وهم وغم، فتسألها أمها عن سبب ذلك، فتقول وهي من بيت محافظ: إن مُدرِّسَتي هددتني إن ذهبت مرة أخرى بمثل هذه الملابس الطويلة . فتقول الأم: ولكنها الملابس التي يريدها الله جل وعلا. فتقول الطفلة : لكن المُدرِّسَة لا تريدها ، قالت الأم: المدرِّسَة لا تريد والله يريد فمن تُطيعين إذاً؛ الذي خلقك وصوَّرك وأنعم عليك، أم مخلوق لا يملك لك ضراً ولا نفعاً.

قالت الطفلة بفطرتها السليمة: لا بل أطيع الله وليكن ما يكون ، وفي اليوم التالي تلبس الطفلة تلك الملابس وتذهب بها إلى المدرسة، ولمّا رأتها المعلمة انفجرت غاضبة تُؤنب تلك الفتاة التي تتحدى إرادتها، ولا تستجيب لطلبها، ولا تخاف من تهديدها ووعيدها، وأكثرت على الطفلة الكلام، وزاد التأنيب والتبكيت، حتى ثقل الأمر على الطفلة البريئة المسكينة، فانفجرت باكية وكان بكاءً مريراً أليماً أدهش المعلمة، ثم كفكفت الطفلة دموعها وقالت كلمة حق تخرج من فمها كالقذيفة: والله لا أدري من أطيع أنت أم  هو؟. قالت المُعلمة:ومن هو؟، قالت الطفلة:الله رب العالمين الذي خلقني وخلقك وصوَّرني وصوَّرك؛ أ أطيعك   فألبس ما تريدين وأغضبه هو،  أم أطيعه وأعصيك     أنت، لا لا  سأطيعه وليكن ما يكون، ذهلت المعلمة وشدهت وسكتت وهل هي تتكلم مع طفلة أم مع راشدة، ووقعت منها الكلمات موقعاً عظيماً بليغاً ،   وسكتت عنها المعلمة، وفي اليوم التالي تستدعي المعلمة ُأم الطفلة، وتقول لها: لقد وعظتني ابنتك أعظم موعظة سمعتها في حياتي، لقد تبت إلى الله، فقد جعلت نفسي نداً لله حتى عرَّفتني ابنتك من أنا، فجزاك الله من أمٍ مربيةٍ خيراً}.

 

الخاتمـــــــــــــــــة:ـ

 

تذكري يا أختاه أنك بإيمانك ذات نسب عريق يربطك بهذا الركب الطيب المبارك من لدن آدم عليه السلام ) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ( الأنبياء92.

أختاه: لستِ ببنتٍ لا جذورَ لها

ولستِ مقطوعة ً مجهولة النسب
أنتِ ابنة العُرْبِ والإسلام عشتِ به
في حُضنِ أطهر أُمٍ من أعزِ أبٍ
فلا تبالي بما يُلقونَ من شُبهٍ
وعنَدكِ العقلُ إن تدعيه ِيستجبِ

سَليهِ مَنْ أنا ما أهلي لِمنْ نسبي

للغربِ أم أنا للإسلامِ والعُرْب

لِمَنْ ولائي لِمَنْ حُبي لِمَنْ عَمَلي

لله أم لِدُعاةِ الإثمِ والكذبِ ؟!
هما سبيلان يا أختاه مالهما من ثالثٍ
فاكسبي خيراً أو اكتسبي

سبيلُ ربِكِ والقرآن منهجه

نورٌ مِن الله لم يُحْجَبْ ولم يَغِبِ

في رَكبِهِ شرفُ الدنيا وعِزَّتُها

ويومَ نُبعثُ فيه خيرَ مُنقلبِ

فاستمسكي بعُرى الإيمانِ وارتفعي

بالنفسِ عن حمأةِ الفُجار واجتنبي

صوني حيائكِ صوني العرض لا تهني

                             وصابري واصبري لله واحتسبي

إن الظن بك أن تكوني معتزة بدينك، بإيمانك، فتتميزين عن المفسدين والمفسدات الذين تعالت هتافاتهم لكي تحطمي كل قيود القديم؛ وتثوري على كل شئ قديم، وما أرادوا بالقديم سوى دينك الذي تديني لله به؛ ومن أقوالهم ( إلى متى تبقى نساء الشرق محتجبات من غير أن يخالطن الرجال ويغشين مجامعهن ؟).

}   يقولون ذلك  لأنهم يريدونكِ  لشهواتهم، فتراهم يتعاملون مع شعركِ   وجسدكِ   وجفونك ِ ورموشكِ بالألوان والأصباغ وكأنك   دُمية تتقاذفها الأيدي ثم يدفعونكِ   لتعرضي جنونهم   وهوسهم  في الشوارع والطرقات وفي البارات والجامعات .

 

أختاه: كم أتمنى أن تفرقي  بين من يحترم عقلك ِ لا جسدكِ   ويهتم بملء الفراغ الفكري لا من يهتم بالشهوة والجسد (37) }.

 

أختاه: أنت أكبر من أن تدور همومك حول شريطٍ غنائي، أنت أكبر من أن تنتهي آمالك عند زوج وأولاد ووظيفة تناسبُكِ أو لا تناسبكِ، أنت أكبر من أن تكون قضيتك أن تستعلي بجمالك على بنات جنسك فتـتفنني في إظهار مفاتنك وزينتك، أنت من تعيشين لقضية أكبر وأخطر، إنه هذا الدين العظيم الذي تديني لله به، إن هذا الدين مستهدف بكيد متين.

لقد سبى الرومُ يوماً بعض النساء المسلمات، فقام العالم الرباني منصور بن عمار يحث الناس على الجهاد في سبيل الله، وبينما هو في مجلسه الذي يحرض الناس فيه على الجهاد إذ طُرحت أمامه خرقة بها صرة مختومة ومضموم بها رسالة، فك المنصور الرسالة وإذ فيها " إني امرأة من بيوتات العرب، بلغني ما فعل الروم بالمسلمات، وسمعت تحريضك الناس على الغزو في ذلك، فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهما ذؤابتاي (ضفيرتي) فقطعتهما وصررتهما في هذه الخرقة، وأناشدك بالله العظيم أن تجعلهما قيد لجام فرس غاز في سبيل الله، فلعل الله أن ينظر إلي على تلك الحال فيرحمني بهما " .

فلم يتمالك المنصور نفسه تجاه تلك العبارات البليغة فبكى وأبكى الناس، وقام هارون الرشيد وأمر الناس بالنفير العام، وغزا بنفسه رضي الله عنه، وفتح الله عليهم.

لقد استهانت تلك المرأة المسلمة بجمالها، فالضفيرتان من الشعر، والشعر من الجمال، والذي دفعها إلى ذلك، ذاك الشعور الإيماني بأخواتها الأسيرات عند الروم.           

واليوم تأملي في واقع أُمتك، استمعي إلى نشرة الأخبار؛ لابد؛ على الرغم من التعتيم الإعلامي الرهيب  ـ أن تأتيك أنباء بعدد القتلى والجرحى من المسلمين، لابد أن تأتيك أنباء عن انتهاك أعراض أخواتك من المسلمات على يد الصليبيين أو الهندوك أو اليهود، ومِن إخوانك وأخواتك مَن يستصرخون في غياهب السجون، وحروب الإبادة والتنصير في الفلبين وغيرها، ألم يؤلمك هذا ؟ بلى والله ، فإذا رأى هؤلاء الأخوات حالك من التبرج والسفور ونشر الفتنة في المجتمعات فبماذا تجيبينهم ؟.

 

لقد حرص الإسلام على أن يكون للمسلم وللمسلمة شخصية مستقلة وأن يكون لكل منهما سَمْتٌ خاص يتمايزون به عن غيرهم من أهل المِلل والنِحل الأخرى، يقول الله سبحانه:)وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِك َ هُمْ الْفَاسِقُونَ( الحشر19، ويقول سبحانه: ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( المائدة 51.

يقول سيد قطب رحمه الله:{ وهذا التحذير ـ بل التهديد ـ بأن من يتولهم فهو منهم؛ لا يتعلق بإتباعهم في العقيدة، فبعيداً جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى إتباع [w1] اليهود والنصارى في العقيدة، إنما هو الإتباع في منهج الحياة والنظام الاجتماعي (3)}.

 

اختاه: يا حفيدة عائشة وأسماء ذات النطاقين والخنساء،  إنه لمن الخسارة أن تقدمي ولاء الطاعة لآلهة الموضة أو أن تذعني لما شاع بين الناس من ألبسة وعادات وتقاليد منافية لأوامر خالقك، ولن تجدي السعادة إلا في طاعتك لخالقك والضراعة إليه والاستسلام له، أما لك أسوة في نبي الله إبراهيم عليه السلام لما استسلم بكليته لله اتخذه الله خليلاً، فلما حكم الطغاة عليه بالإعدام حكم الله له بالنجاة، لسان حال المؤمن قول الله سبحانه:) قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ( الزمر38

يقول الله سبحانه:) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( آل عمران 139.

يقول الشيخ محمود المصري: أَما تريدين أن يكون لك أجر خمسين شهيدأ إن أنت تمسكت بدينك في هذا الزمان، قد تعجبين يا أختاه من قراءة ذلك ، ولكنها الحقيقية الثابتة التي أخبر بها الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم الذي قال : " إن من ورائكم  زمان  صبر، للمتمسك   فيه  أجرُ خمسين شهيداً منكم " .  

في يوم بدر وبينما عبد الرحمن بن عوف واقف في الصف إذا هو بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما يقول عبد الرحمن : تمنيت أن أكون بين أضلع منهما .
فغمزني أحدهما فقال : يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم. وما حاجتك ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا.
فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر فقال مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما، قال : فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى النبي فأخبراه . فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل منهما : أنا قتلته . 
فقال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا. فنظر في السيفين فقال : كلاكما قتله. وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح . وكان الآخر هو معاذ بن عفراء.
يقول معاذ بن عمرو : جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني ، فلما أمكنني حملت عليه فضربته فقطعت قدمه بنصف ساقه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي وبقيت معلقة بجلدة بجنبي وأجهضني عنها القتال فقاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها .
هذه والله الشجاعة لا كمن يخدش بسهم فتخور قواه، وعليك يا حفيدة عائشة أن تعدي للمسلمين أمثال هؤلاء الرجال

 

أختاه: هذا شجنٌ من شجون، أُهاتِفُ به قلبك الطيب بنصح المحب ومَحَبَةَ الناصح وإن في إيمانك ونقاء أعماقك ما يُطمِعُ فيك كل مريد للخير.

إنني أهيب بكل أخت تقرأ هذا النداء أن تعيره لأختها المسلمة لتقرأه وتتدبره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من دل على خير فله مثل أجر فاعله "رواه مسلم، وقوله لعلي رضي الله عنه " فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النعم " الحديث متفق عليه.

يقول الله سبحانه:) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (  فصلت33.، ففي الآية الكريمة تنويه بالدعاء والثناء على الداعية إلى الله، كما بينت الأحاديث فضل الداعية، وأنه يُعطى مثل أجور من أتبعه إلى يوم الدين، وهذا الفضل لمن دل على الخير ولو بكلمة، فإن لم تستطيعي أن تؤدي هذه الكلمة فلا أقل من أن تكون دعوتك  إلى الإسلام بسلوكك، وإياكِ أن تكوني سبباً في أن ينفر الناس من دينك الذي تديني لله به، فنحن مسئولون أمام الله عن أمانة تبليغ هذا الدين، كم يتحسر قلبي على هؤلاء الملايين الذين يأتون إلينا من كل فج عميق بغرض السياحة ويعودون ولم يعرفوا شيئاً عن الإسلام لا من خلال الدعوة والحوار المباشر ولا من خلال سلوك وأخلاق المسلمين، هبي أن سائحة قابلتكِ في أحد الميادين فرأت عليكِ أزياءً غربية ولمست منكِ طريقة حياة (أفكار و تصورات وسلوك واهتمامات و و..) غربية، هل بإمكانك أن تقنعي مثل هذه السائحة بالإسلام عقيدة وشريعة وفكرا وسلوك  وقيم ومبادئ، وأنت لم تلتزمي بهذه الشريعة في حياتك ؟ بل إن الصورة التي ستنطبع في ذهن هذه السائحة مما رأته منك أن الإسلام ليس منهج حياة، والدليل تخلي أتباعه عن الاحتكام إليه، وصياغة حياتهم وفق منهج آخر.     

 إننا نسئ إلى ديننا ونعطي صورة مشوهة عنه وننفر الناس منه، فماذا سنقول لله غداً وهو الذي حملنا أمانة تبيلغ رسالته الخاتمة للعالمين وجعلنا شهداء على الناس؟ يقول سبحانه: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا(البقرة 143. 

قد تعتذر أخت مسلمة عن الدعوة إلى الله بدعوى عدم إجادة مخاطبة الناس، لكنها لا يمكن أن تعتذر عن أن تقيم الإسلام في نفسها.

هل جلستِ يوماً إلى كتاب الله تُربي نَفْسَكِ وتقفي عند أوامره ونواهيه؛ وترين هل طبقت قول الله سبحانه:) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ..( المؤمنون1،2 وهل طبقت هذه الآية ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ( المؤمنون(3)، )وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ( النور(31)، انظري في حالَك ـ يرحمُكِ الله ـ هل تطبقين أم لا؟، هل صاحبت أختٍ لكِ إلى بيتٍ من بيوت الله العامرة بالأخوات لتتلقين معهن درساً في الفقه أو السيرة ؟.

ولله در القائل:

            أنا الإسلام أدبني  

                           وبالإيمان كرمني

            فعشت العمر هانئة

                       بعيداً عن لظى الفتن

            باسلامي سمت روحي

                   وصنت بشرعه بدني

            كتاب الله لي نور

                  بأصفى الحب يغمرني

            فينسيني هوى الدنيا

                       وللجنات يحملني

            بربي علقت عيني

                        فأرقبه ويرقبني

            إذا الأهواء نادتني

                    حيائي منه يمنعني

            أجلّ النفس أن تصبو

                      لأمر لا يُشرفني     

 

روي أن أسماء بنت يزيد الأنصارية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن الله بعثك للرجال والنساء، فآمنا بك واتبعناك، ونحن معاشر النساء مقصورات مُخدِرات، قواعد بيوت، وحاملات أولادهم،  وإن الرجال فضلوا بالجماعات، وشهود الجنائز، والجهـــاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربينا لهم أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله ؟؟
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه إلى أصحابه وقال : هل سمعتم امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه ؟؟ 
فقال ( إنصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء : إن حسن تبعُّل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته ، واتباعه لموافقته ، يعدل كل ما ذكرت للرجال )، 
فانصرفت وهي تهلل وتكبر. 
لقد حددت رضي الله عنها ما امتاز به الرجال عن النساء في ثلاثة : ( فضلوا بالجماعات، وشهود الجنائز، والجهـــاد ) .
وحددت ما تقوم النساء به من خدمات لأزواجهن ( حاملات أولادهم، وحافظات أموالهم، ومربيات أولادهم ) .
هذه المسألة، فما كان الجواب بعد الثناء النبوي عليه ؟ 
كان الجواب في ثلاث نقاط إضافة إلى ما ذكر من قبل ،
( هي حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته ) .
يعدل كل ما ذكرت للرجال 
يا لها من رسالة خالدة، ومسؤولية عظيمة، فتنال أجر الجهاد وهي في مخدعها، وتنال ثواب الجماعة وهي في غرفتها، وتكسب شرف الجراح في سبيل الله والاستشهاد في سبيل الله، وهي لمَّا تغادر بيتها !! 
يربط مصيرها بمصير زوجها، ورضاها برضاه يدخل البيت، وقد لقي عنت الأذى في سبيل الله، فتتلقاه بسعة الصدر والصبر على الضوائق والنوازل .
لا شك أن لها هموماً، فتركت همومها لهمومه،لا شك أن لها مطالب فاقتنعت بالقليل القليل، لتوفر له جو الأمن والسكينة والطمأنينة . 
يحتاج الأمر إلى معاناة وضغط على الأعصاب، وكبت للأهواء، وضغط للنوازع ولكن لا بأس، أفليس يعدل هذا أجر الجهاد في سبيل الله ؟! 
إن هذا الموقف العظيم من المرأة يوم تقفه، يعدل التضحية بالدم في سبيل الله، والتضحية بالراحة، والتضحية بالمال في سبيل الله .
إذن لنبحث عن السبيل، مع من بحثت عن السبيل عن طريق الجنة، على خطى أسمـــاء بنت يزيــد رضي الله عنها .
باختصار من كتاب ( إليك أيتها الفتاة ).

وأخيراً أسأل الله أن يكلؤكُنَّ بعنايته، وأن يُقِرَ أعيُنِنَا جميعاً بعز الإسلام وظهور المسلمين؛ وأن يُصلِحَ منَّا الظاهر والباطن؛ وأن  يجعل ما نقول وما نسمع وما نقرأ حجة لنا لا علينا.

اللهم حرر الأقصى على رايات التوحيد وصيحة الله أكبر ونسألك الشهادة على أعتابه وارزقنا حياة طيبة فيه، اللهم اكشف ما بأمتنا من سوء.

اللهم وأسألك لي وللمسلمين ولمن قرأ هذا النداء فوعاه وعمل به ونشره بين المسلمين أن تجمعنا تحت ظل عرشك وأن تجعله خالصاً لوجهك الكريم، ثقل به الميزان، وحقق به الإيمان، وفك به الرهان.

إلهي خيرك إلي نازل وشرِّي إليك صاعد، أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، إليك أشكو بدناً غُذيَّ بنعمتك ثم توثب على معصيتك، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا.

اللهم نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك حسن الخاتمة،آمين آمين.     

 

كلمة عن الارتباط القائم على مجرد الهوى المتقلب والعاطفة الهائجة والنزوة الجامحة:

 

يقول سيد قطب رحمه الله(3):{ إن الأسرة القائمة على الزواج العلني تمثل أكمل نظام يتفق مع الفطرة، وتلبي حاجاته الناشئة من كونه إنساناً، فلحياة الإنسان غاية أكبر من غاية حياة الحيوان.

إنكم ترون أن الطفل الإنساني يحتاج إلى فترة رعاية أطول من الفترة التي يحتاج إليها طفل أي حيوان، كما أن التربية التي يحتاج إليها ليصبح قادراً على إدراك مقتضيات الحياة تمتد إلى فترة طويلة أخرى . وإذا كانت الغاية من الاتصال الجنسي عند الحيوان هي التناسل والإكثار، وتنتهي عند بلوغ هذه الغاية، فإنها في الإنسان لا تنتهي عند تحقيق هذا الهدف، إنما تمتد إلى هدف أبعد وهو إعداد الطفل الإنساني وتزويده برصيد من التجارب والمعارف الإنسانية التي تُؤهله للمساهمة في الحياة الإنسانية، والمشاركة بتحمل تبعاته تجاه المجتمع الإنساني، ومن ثم لم تعد اللذة الجنسية هي المقوِّم الأول في حياة الجنسين في عالم الإنسان، إنما هي وسيلة ركبتها الفطرة، ولم يعد الهوى الشخصي هو الحكم في بقاء الارتباط بين الجنسين في عالم الإنسان، وإنما هو " الواجب "؛ الواجب تجاه النسل الضعيف، كل هذه الاعتبارات تجعل الارتباط بين الجنسين من خلال الزواج العلني هو النظام الوحيد الصحيح، وهو الذي يجعل الواجب لا مجرد اللذة، ولا مجرد الهوى، هو الحَكَم في قيامها ثم في استمرارها، وفي ظل هذه النظرة السامية للزواج تتبدى الحيوانية التي يجمح إليها من يريدون الارتباط على غير أساس الزواج العلني }.

وكما جعل الله المودة والرحمة هما أساس العلاقة بين الرجل والمرأة اللذان ارتبطا على أساس الزواج الشرعي؛ فإن أي ارتباط آخر قائم على غير هذا الأساس بين الرجل والمرأة لابد وأن يُورث البغضاء والندم والشعور بالإثم والألم والاحتقار والازدراء؛ إذ أن المرأة ستنظر إلى الرجل على أنه استغل ضعفها وأنوثتها وجمالها، والرجل سينظر إلى المرأة على أنها ساقطة لموافقتها له على عمله الخبيث؛ وأنهاـ وهي التي غدرت بوالديها؛ بل واتخذت أوامر ربها وخالقها وراءها ظهريًا ـ  قد تغدر به ولا تحفظه في نفسه وماله وولده.

 

إن عقد الزواج من أوثق العقود في الأرض؛ فقد سماه القرآن الكريم ميثاقاً، وذلك للآثار العظيمة والجليلة التي يخلفها هذا العقد أو هذا الميثاق؛ وما يترتب عليه من حقوق مالية؛ وعاطفية؛ وخُلقية؛ ونفسية، وكيف لا وهو الأساس الذي تقوم عليه اللبنة الأولى في المجتمع، ولقد حدد لنا الشرع الحنيف شروطاً لصحة هذا العقد، وشروط الصحة لأي عمل؛ هي مجمل الشروط التي يجب الإتيان بها قبل الشروع في هذا العمل، فالوضوء (مثلاً) شرط في صحة الصلاة، لأنه لا تصح الصلاة بغير وضوء، ورؤية هلال رمضان شرط في صحة صيام الشهر المبارك.

وشروط صحة عقد الزواج هي: التراضي؛ والولي؛ والشهادة؛ والمهر؛ والعفة؛ والكفاءة؛ والصيغة الدالة على النكاح، وأي إخلالٍ في شرط من هذه الشروط السبعة يُبطل العقد ولا يكون صحيحاً؛ فمثلاً ولاية المرأة العقد بنفسها يُبطل العقد ويكون الزواج فاسداً.

يقول الله سبحانه:) وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ( البقرة232 . ولقد ذكر الأمام البخاري في صحيحه قائلاً:{ فلا تعضلوهن..قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال: زَوَّجت أختاً لي من رجل فطلَّقها، حتى إذا انقضت عِدَتها جاء يخطبُها فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، ولا والله لا تعودُ إليك أبداً، وكان رَجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية( فلا تعضلوهن..) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله ، قال فزوجها إياه } ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا نكاح إلا بولي ".

ولقد احتج العلماء بهذه الآية  على بطلان نكاح من تُزوج نفسها؛ وقالوا: إن في الآية المذكورة أصرح دليل على اشتراط الولي في النكاح وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يُقال إن غيره منعه منه، وذكر بن المنذر أنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.

 

{ إن الإسلام يهدف إلى تنشئة أجيال تنهض بمقتضيات دينها ومجتمعها، وتحكيم مصلحة هذه الأجيال، لا مصلحة النزوة الوقتية الزائلة لتمثل النظرة السامية للحياة الزوجية في ظل منهج الله، فمؤسسة الأسرة عزيزة على الإسلام؛ بقدر خطورتها في بناء المجتمع؛ وفي إمداده باللبنات الجديدة اللازمة لرقيه ، وهذا غيض من فيض من العناية التي أولاها الإسلام لمؤسسة الأسرة.

 

إن أقلاماً رخيصة وأجهزة خبيثة تعملان لتحطيم قواعد المجتمع الإنساني؛ وذلك بحرمانه من الأطفال المؤهلين في مؤسسة الأسرة "الهادئة"؛ الأطفال الذين يُفترض أنهم سيضطلعون بواجباتهم تجاه أمتهم ومجتمعاتهم؛ وإن هذه الأقلام والأجهزة لتوحي لكل من الذكر والأنثى بالإسراع إلى اتخاذ الخدن(3)}، وهو ما حدث بالفعل في أوساط الطلبة والطالبات وإن أعطوه اسماً آخر غير اتخاذ الأخدان.

وكيف حدث هذا أليس هناك خوف من الله ؟ } إنكِ   إن اختفيت عن أعين الوالدين فهل اختفيت عن أعين الجبار الذي يراكِ ؟ ..كيف تجرأت على حقوق والِدَيّنِ سهرا على راحتك ووثقا فيك  ؟ ..كيف تغامرين بالعرض والشرف والذي هو ملك   للأسرة كلها وليس ملك   لكِ   وحدكِ ؟..إنها أنانية إنها الخيانة أن تفكري في نفسك، في ملذاتك، في شهوتك  (37){.

 

إذا ما خَلَوت الدهر يوماً فلا تقل خَلَوت    ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل طرفة           ولا ما يخفى عليه يغيب.

 

 

كلمة إلى أولياء الأمور:

أيها الآباء والأزواج وآيتها الأمهات : لقد ضيعتم الأمانة التي وكِلتم بها من الرعاية والتوجيه والمراقبة والنصح والإرشاد لذويكم، لقد ضيعتم الأمانة حين وضعتم أبنائكم وأزواجكم تحت سيطرة مؤثرات لا يستطيعون الفكاك منها، فلطالما سطر أصحاب الأقلام الرخيصة، وامتلأت أحاديثهم بعبارات التقدم والتطور والحداثة والتحضر والتنور؛ فكان هذا الحصاد الذي نراه جميعا،ً لقد حلّ الزنا والسفاح محل الزواج الشرعي ألا ترون معي من فساد الأسر وتهدم البيوت، وتفشي الطلاق، وشيوع الفواحش، وسيطرة الشهوات .

لقد تركتم الشباب والفتيات يتسابقون في تقليد الكفار، ولله دَرُّ القائل :

     وينشأ ناشئ الفتيان فينا      على ما كان عوَّده أبوه.

 

فكيف خرجت النساء رائحات وغاديات فتنة متحركة دون أب يعارض، أو زوج يمنع ؟، فانتشر في المجتمع الزنا والاغتصاب، وخُطفت الفتيات أمام أعين الناس، فمن المسئول يا ترى عن هذا الوضع ؟ وأي شيء يكون هذا الأب أو هذا الزوج حين تختنق في نفسه الغيرة على العِرض والدين فيسمح بذلك  كله ؟.

إن عليكم- أيها الآباء "الفضلاء" – ولا شك تقع المسئولية، إن غاية الشيطان-ومن يسلك دَربَه-أن يوقعوا الذكر والأنثى في حضيض الفحشاء، لكنهم يسلكون في تزيينها والإغراء بها مسلك التدرج، عن طريق خطوات يقود بعضها إلى بعض، وتُسلم الواحدة منها إلى الأخرى.

قال الله تعالى )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ( النور21 .

فالكثير من الرجال اليوم لا يحترسون من الخَلوة؛ والاختلاط؛ والتبرج، رغم أنهما والزنى؛ رفيقان لا يفترقان؛ وصنوان لا ينفصمان غالبًا.

{ والكثير من الرجال لا يحترسون من هذا الجهاز المدمِّر المُسمى بالتلفاز والذي لا يكاد يخلو بيت في هذا الزمان منه، هذا الجهاز الذي لا نستطيع أن نُحصي الأضرار والمفاسد الناجمة عنه،  فمن إثارة للشهوات بعرض مناظر النساء للرجال والعكس، ومن دعوة إلى إقامة العلاقات بين الجنسين بتعليم الناس كيفية التعرف، وما هي الكلمات المتبادلة في البداية، وسُبل تطوير العلاقات بين الجنسين وتبادل أحاديث الحب والغرام، وتشابك الأيدي، ومن تعليم النساء إظهار العورات بأنواع الملابس الفاضحة، والدعوة إلى تشبه النساء بالرجال والعكس، واكتساب الشخصية الهزلية، وانحسار الجدية، والضحك الكثير المُفسد للقلب وبدلاً من النبي،  والصحابي، والعالِم والمجاهد، صار القدوة الممثل والمغني والراقصة واللاعب وذهاب الغيرة المحمودة من استمراء النظر إلى مشاهد الاختلاط، الزوجة والبنات ينظرن إلى الرجل، والرجل ينظر إلى عورات النساء وحسبكم من الشر سماعه، فكيف برؤيته ؟(25)}.

 

أيها الآباء والأزواج:{ تذكروا أنكم موقوفون بين يدي الله تعالى غداً، ومسئولون عما استرعاكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" الرجل راعٍ على أهله ومسئول عن رعيته ". فصونوا بناتكم وزوجاتكم، ولا تتهاونوا فتَعْرِضونَهُنَّ أمام الفُساق والفجار.

إن الرجال الناظرين إلى النساء

مثل السباع تطوف باللُّحمان

إن لم تصُن تلك اللحوم أسودها

أُكلت بلا عـِوضٍ ولا أثمان.

 

إن الأعراض إن لم تُصن بهذه الحصون والقلاع فستسقط-لا محالة-أمام هذه الهجمة الشرسة، ويقع المحظور، ولا ينفع حينئذ بكاء ولا ندم، والتبعة كل التبعة واللوم كل اللوم عليكم أنتم أيها الآباء حين ألقيتم الحبل على غاربه، وأرخيتم العنان لبناتكم وزوجاتكم }.

 

أين أنتم يا رجال حين ترك  نساؤنا لباس الحشمة والوقار وذهبوا يتلمسون كل زي فاضح من على واجهات المحلات "الفترينات؛ والنتيجة ما امتلأت به الصحف من حوادث يندى لها الجبين، وما يحدث داخل أسوار الجامعة أدهى وأَمَر،{ ولما سئل طه حسين وهو من الذين دعوا إلى الاختلاط في الجامعة عن رأيه قال: لابد من ضحايا ولكنه لم يبين بماذا تكون التضحية ؟،  وفي سبيل ماذا لابد من ضحايا ؟ وأي ثمرة يمكن أن تكون أغلى وأعز وأثمن من أعراض المسلمين ؟!  (26)} .

يقول الله: ) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا( النساء27.

يقول سيد قطب رحمه الله :{ ما يريده الذين يتبعون الشهوات هو أن يُطلقوا الغرائز من كل عقال ديني، أو أخلاقي، أو اجتماعي، يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجز ولا كابح، من أي لون كان، السعار المحموم الذي لا يقر معه قلب، ولا يسكن معه عصب، ولا يطمئن معه بيت، ولا يسلم معه عرض، ولا تقوم معه أسرة. يريدون أن يعود الآدميون قطعاناً من البهائم، ينزو فيها الذكران على الإناث بلا ضابط.

وهذا هو الميل العظيم الذي يُحذر الله المؤمنين إياه، وهو يُحذرهم ما يريده لهم الذين يتبعون الشهوات، وقد كانوا يبذلون جهدهم لرد المجتمع المسلم إلى الجاهلية في هذا المجال الأخلاقي، الذي تفوقوا فيه وتفرَّدوا بفعل المنهج الإلهي القويم النظيف، وهو ذاته ما تريده اليوم الأقلام الهابطة والأجهزة الموجهة لتحطيم ما بقي من الحواجز في المجتمع دون الانطلاق البهيمي، الذي لا عاصم منه إلا منهج الله  إلى أن قال: والنظر إلى الواقع في حياة المجتمعات التي "تحررت ! " من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة، يكفي لإلقاء الرعب في القلوب، لو كانت هنالك قلوب ! (3)}.

 

تضم القاهرة أربع جامعات، فلماذا لا تخصص واحدة منهن للطالبات ؟.

ويدَّعون { أن الظروف تغيرت، وأن ما اكتسبته المرأة من التعليم، وما أخذته من الحرية يجعلها موضع ثقة أبيها وزوجها فما هذا إلا فكر خبيث دَلَف إلينا ليفسد حياتنا، وما هي إلا حجج واهية ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين انعدمت عندهم غيرَة الرجولة والشهامة فضلاً عن كرامة المسلم ونخوته  (26)}.

 

أيها الآباء إنكم لتئدون بناتكم وإن الوأد الذي تقومون به اليوم لأشد قبحاً من الوأد الذي فعله أهل الجاهلية الأولى، كما يقول الشيخ محمود المصري، فإنه وإن كان أهل الجاهلية يئدون البنات بقتلهم أحياءاً، فإن أهل زماننا قد وأدوا الحياء والدين والعفة والخُلق في قلوب الكثيرات من بناتنا، وتالله إن وأد الجسد لأخف وطأة من وأد الحياء والدين في قلب المسلمة.   

 

فعلِّموا ذويكم الدين، وحصنوهم بالقرآن وبالسنة المطهرة، وأبعدوهم عن هذا الجهاز المدمِّر واعلموا أنكم تحصدون ما تزرعون.

فالله الله في ذويكم وثمرة أفئدتكم وفلذات أكبادكم.

كيف بكم إذا رأيتم قطعاً منكم في النار؟ والعياذ بالله ، عرفوهم جميعاً ذكوراً وإناثاً الطريق إلى المساجد وليتخيروا من المساجد تلك التي يتوفر في إمامها العلم مع العمل به،والحكمة  والصبر، وتقوى الله تعالى، فإن المتأمل في واقع خطبة الجمعة اليوم؛ لا يجد في الغالب الأعم سوى نشرات سردية تُشيع الملل في النفوس وتُغِير على الأجفان بالنعاس، ولا تجذب المستمع إليها بحال من الأحوال، فإن هناك ويا للأسف طائفة من الدعاة اتخذوا العلم حرفة، والدعوة وسيلة ارتزاق، ففقدوا الحس الديني والعاطفة والشعور،  فالعالم الرباني هو الذي يدرك أن أمر الدعوة إلى الله إنما جاء بتكليف من الله وليس من مشيخة أو هيئة أو وزارة .

ثم علينا أيها الأباء الفضلاء وآيتها الأمهات الفُضْلَيَات أن نكون نحن أولاً قدوة لأبنائنا وبناتنا، فلا نأتي ما ينافي تعاليم رب البرية سبحانه والأولاد ينظرون بل لابد أن نكون دعاة صامتين لأبنائنا؛ دعاة لهم بسلوكنا وأفعالنا وتحركاتنا، وساعتها لن نجد مشُقَة-إن شاء الله تعالى- في استجابة الأبناء إلينا وتمسكهم بأخلاق الإسلام وآدابه، وإن هذه هي السعادة الحقيقية حين نُخلِّف وراءنا ذرية صالحة ترفع لواء الإسلام وتدعو لنا إذا انقطع العمل.

 

بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي الرابع المعني بالمرأة في بكين عام 1995م أصدر الأزهر الشريف بياناً يوضح فيه الأهداف التي ترمي إليها هذه المؤتمرات الدولية المعنية بالمرأة، وسأكتفي ببعض ما جاء في البيان.

مُلخص بيان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف

P

تعقد الأمم المتحدة في بكين خلال شهر سبتمبر من العام الحالي مؤتمرها الدولي الرابع المعني بالمرأة بهدف إتمام الموافقة على برنامج عمل أُعد من قبل، وقد ضيقت فيه المساحات القابلة للمناقشة؛ بدعوى أنه قد حُسم نقاط الخلاف في اللجان التي أعدت هذا البرنامج، وآخرها اللجنة التاسعة والثلاثون التي انعقدت في نيويورك في الفترة من 15 مارس إلى 14 إبريل 1995م.

ومؤتمر بكين يُعد حلقة من سلسة من حلقات متصلة، ترمي إلى ابتداع نمط جديد من الحياة، يتعارض مع القيم الدينية، ويحطم الحواجز الأخلاقية والتقاليد الراسخة، دون التفات إلى أن هذه القيم والحواجز والتقاليد، هي التي حمت شعوباً ودولاً كثيرة من التردي في هوة الفساد الجنسي، والسقوط في حومة الاضطراب النفسي، ومستنقع الانحلال الخلقي.

وقد هدف واضعو البرنامج من ورائه إلى تدارك ما فاتهم إقراره في مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية الذي انعقد في سبتمبر 1994م، ولذلك فإنهم يلحون على القضايا التالية: مفهوم الأسرة وبناءها، وتربية النشء، والعلاقات الجنسية، والإجهاض.

وحول مفهوم الأسرة وبناءها يقول البيان:

وفي خضم سعيهم إلى تدمير الأسرة، لم يقنع واضعو البرنامج بالوقوف عند حد التشكيك في اعتبار أنها الوحدة الأساسية للمجتمع، ومطالبة الوالدين بالتغاضي عن النشاط الجنسي للمراهقين عن غير طريق الزواج، واعتبار هذا النشاط أمراً شخصياً لا يحق لأي منهما أن يتدخل فيه، ولكنهم نادوا في جرأة فاحشة: بأن مفهوم الأسرة بالمعنى الذي يقره الدين ليس إلا مفهوماً عقيماً؛ لأنه أولاً: لا يتقبل العلاقات الجنسية الحرة بين مختلف الأعمار، ويشترط ثانياً: أن تكون هذه العلاقة بين ذكر وأنثى وفي داخل الإطار الشرعي، ثالثاً: لأن الدين لا يمنح الشواذ حقهم في تكوين أسر من بينهم، ويتمسك بالأدوار النمطية للأبوة والأمومة والزوجية.

ثم يقررون : ويجب استبعاد الالتزام بها حتى يمكن إقامة مجتمع متحرر من القيود والروابط

ثم يقول البيان:ولا ريب أن ما انحرف إليه واضعو البرنامج يناقض تماماً ما يفرضه  الإسلام ويحرص عليه؛ من جعل الأسرة هي مصدر السكينة والمودة والرحمة وإعدادها لتكون موئلاً حصيناً وخصباً لتنشئة الأجيال على الإيمان بالله والثقة في حكمه وحكمته، في ظل رعاية والِدَين تحكمهما قواعد حاسمة، تهذب ما طُبعت عليه النفس البشرية من غرائز، وترعى ما جبلت عليه من ميول غير مصطنعة أو وليدة ظروف طارئة، مع الحرص على أن تتبوأ المرأة مكانها المرموق، ويتحمل الرجل عبء القوامة بحكم مسئوليته عن الأسرة وأفرادها ومتطلباتها.

وفي مجال العلاقات الجنسية يقول البيان:  إن واضعي البرنامج لم يقنعوا بإطلاق الحرية الجنسية بين المراهقين، ذكوراً وإناثاَ، ولكن نادوا في ابتذال ممجوج بما مقتضاه أن يكون من حق المرأة المراهقة أن تحدد الدور الذي تريد أن تتعامل على أساسه، ذكراً أو أنثى أو دون ذلك، وأن تمارس علاقتها الجنسية مع من تريد، رجلاً كان أو امرأة (أو غير ذلك) ، وأن على الدول والمؤسسات الحكومية أن تسمح بذلك؛ فالدعارة ليست خطأ إلا في حالة فرضها على المرأة.

على أن المتأمل في البرنامج يدرك فيه اغتيالاً أبشع لحقوق الشعوب، ووصاية منبوذة على الدول، وذلك يتمثل في إلزام الدول من تنظيم برامج تعليمية لحث الشباب على تحمل المسئولية الجنسية وفقاً لمفهومهم ـ هم ـ وفيما يفرضونه من تخفيض النفقات العسكرية وتحويل المبالغ التي تنفق على شراء السلاح إلى تنفيذ برامجهم،  مع التهديد بقطع المعونات التي تقدمها الدول الغنية وتوجيهها إلى تنفيذ هذا البرنامج، وحث صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، والعديد من المؤسسات المالية الأخرى على القيام بدور فعال في هذا الشأن، ومنح المنظمات غير الحكومية بما في ذلك المنظمات النسائية وذات الميول الشاذة والمنظمات الدولية سلطات خطيرة في الرقابة، وفي مراجعة ما قد تبديه الدول من تحفظات على البرنامج.

 

إن مجمع البحوث الإسلامية لينبه إلى خطورة الدعوى التي ينطوي عليها برنامج عمل بكين، ومناقضته للإسلام ولسائر الأديان السماوية وإلى استهداف تحطيم القيم الدينية والاجتماعية والخلقية التي عصمت البلاد والعباد من أن تتردى في حضيض الرذيلة أو تتلوث بالأمراض الجنسية الخطيرة التي برزت في هذا العصر، ويدعو المجتمع إلى الحفاظ على مقتضى خَلْق الله للإنسان ذكراً أو أنثى، وإلى الإيمان بأن تحدي الأحكام التي أنزلها الله لتحكم العلاقات الإنسانية بالتحريض على هدم القيم يُورث الفساد، وإن إشاعة الفاحشة لا يًرجى من ورائها تنمية فكرية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية أو صحية أو غيرها.

 

شيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية

فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق عليه رحمات رب البريَّات.

 

تعقيب: إن أئمتنا في مجمع البحوث الإسلامية وعلى رأسهم شيخ الأزهر السابق ليدركون حجم المؤامرة على هذه الأمة، ومن هنا يُصدرون البيان تلو الآخر، فلقد سبق أن أصدروا بيانهم المبارك في غرة انعقاد مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية مُحذرين الأمة من الركون إلى الأعداء، لقول الله سبحانه: )وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ( هود  (113).

والمؤامرة على الأمة الإسلامية سببها واضح يقول الله سبحانه:) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً( النساء(89)) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ( البقرة(109) ) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ( الممتحنة (2).  

وربما يقول قائل: بأن الحكومات ليست مُلزَمة بالعمل بتوصيات مثل هذه المؤتمرات، وأقول: لقد كان هذا الكلام صحيحاً من قبل حلول عصر العولمة، فلقد كان يُسمح بتعدد الثقافات من قبل بروز العولمة، أمَا وإننا قد دخلنا عصر العولمة؛ فإن العولمة تعني ـ فيما تعنيه ـ الهيمنة ومحو خصوصيات الآخرين؛ بل إن لفظة العولمة بصيغة فوعل لتدل على التشكيل المفروض من خارج المادة، فليس بمقدور أي دولة إذن أن تتغفال عن هذه التوصيات؛ فإن العولمة والنظام الدولي الجديد يعنيان أن على الأمم والشعوب أن تمحو خصوصياتها وأن تدور في فلك قطب واحد يتحكم فيها كيف يشاء، والويل لمن لم يُنفذ؛ بل الويل لمن يتباطأ في التنفيذ.

لقد أقام النظام العالمي الجديد الدنيا لقيام حركة طالبان الأفغانية بتحطيم تماثيل بوذا، بحجة أن تماثيل بوذا هي جزء من التراث الثقافي للعالم كله، وإزاء ردود الفعل الغاضبة هنا وهناك وإزاء تفاعل الغرب والشرق وحتى العالم الإسلامي ضد هدم تماثيل بوذا، من حقي أن أسأل أين كان العالم حين هُدمت المساجد وتحولت إلى بارات في يوغسلافيا وفي الهند وفي تركيا على يد أتاتورك، وفي فلسطين على أيدي الصهاينة كما ورد في برنامج ABC News ، وما موقف الضمير العالمي من أطفال العراق والشعب الفلسطيني ( الذي رفض الضمير الأوروبي أن يُرسل له قوة دولية لحمايته ) والشعوب الإسلامية في كشمير وبورما والفلبين وكوسوفا وغيرهم، فهل الأولى العناية بالحجر أم بالبشر ؟، والحق في المسألة الأفغانية ما قاله فضيلة المفتي الدكتور نصر فريد واصل؛ وكان قد سافر على رأس وفد إلى أفغانستان، رداً على سؤال لإذاعة لندن عن مشروعية العمل الذي قامت به حركة طالبان، قال: أن ما قامت به الحركة عمل من الإسلام.     

تأتي الخطط والبرامج من الغرب في صورة توصيات، توصيات من مؤتمرات المرأة، وتوصيات من الصندوق والبنك الدوليين، وأخرى من أجهزة المخابرات، وما علينا نحن إلا أن  

أن نرصد أدوات  التنفيذ، وننبه المسلمين إلي الخطط والبرامج المرحلية للتنفيذ، وأحب أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن الأجهزة المعنية بتنفيذ توصيات هذه المؤتمرات هي وزارات الأوقاف!(ويا للأسف) والصحة، والتعليم، والشباب والرياضة،والأقتصاد، والثقافة، والإعلام الذي يتبنى نظرية ما تكرر تقرر، محاولاً أن يتسلل بباطله خفية إلى رغائب النفس؛ في منأى دائماً من مناجاة العقل فلا يتعامل مع الناس بالأدلة والبراهين الحرة بل بالتشويه الكاذب والكاريكاتير الساخر، يأتون ـ مثلاً ـ  بصورة لرجل وامرأة يُحيط بهم مجموعة من الأطفال وعلامات البؤس تكسو مُحياهم، وصورة لرجل تقف إلى جانبه امرأة وطفلين في أبهى حُلة وأحسن منظر، وأسرة صغيرة تعني حياة أفضل، ناسين أو متناسين بذلك أن الله هو الرَّزاق ذو القوة المتين،) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ(الذاريات (22،23) ويقول سبحانه  ):قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ( فصلت (9،10)  )أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ(الزمر 36 )  أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(الزمر52 ) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ(النحل72، ففي هذه الآية أُتبع الخلق بالرزق،

) .. وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ..(  الأنعام151 ، والآية توضح أنه إذا كان الدافع إلى التخلص من الجنين هو الفقر الذي ينزل بالأسرة وقت الولادة فإن الله ـ سبحانه ـ قد تكفل برزق الوالد الذي يسعى ويكد، أما إذا كان الدافع إلى التخلص من الجنين هو الخشية من المستقبل بما تمليه الحياة من متطلبات مسكن وكسوة وأكل وتعليم في وقتٍ يكون الوالد قد كبر وربما عجز عن العمل، ففي هذه الحالة تكفل الله ـ سبحانه ـ برزق الأولاد، ورزق الأولاد رزق لآبائهم يقول سبحانه :) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا.. ( الإسراء31 .

فهل أعيت المؤسسات الحكومية حيَّل آكلي قوت البشر من نواب القروض وغيرهم، أم أنهم يُنفذون خطط الدول الصديقة! والبنك الدولي الذين يؤرقهم ويُقلق مضاجعهم تزايد النسل لدى المسلمين ؟

لقد تبنَّت هذه المؤسسات الدعوة للحد من الإنجاب حلاً للمشكلة السكانية وفقاً للطرح الغربي( عن طريق الدعوة إلى  تنظيم الأسرة، الصحة الإنجابية، عيادات النجمة الذهبية..الخ)، وهذا الطرح يرفضه الإسلام، فالعمل الجاد والاستغلال الأمثل للطاقات البشرية والطبيعية، وتذليل الصحراء ليمثلان العمود الفقري لحل هذه المشكلة، والفقه الإسلامي يقدم لنا حلولاً لكل معضلة إن صدقت النوايا وتوقفت محاولات عزل  الإسلام عن حل المشكلات في العالم الإسلامي.

 

 

المراجع

(1) مجموعة علماء،[رسالة احفظ الله يحفظك].(2)) نعمت صدقي، [ التبرج ].(3) سيد قطب، [ في ظلال القرآن ]. (4) الزهراء فاطمة بنت عبد الله،[ نشأة الموضة ].

(5) د/حمود الرحيلي،[ الماسونية وموقف الإسلام منها ]. (6) محمد بن إسماعيل المقدم، [ الحجاب لماذا ؟ ]. (7) سعيد سراج الدين، [مسلمات تائهات ]  (8)أناشيد خلاد.  (9)مجلة الأمة العدد (66)

(10)علي القرني، [علمتني الحياة في ظل العقيدة ].(11) الزهراء فاطمة بنت عبد الله،[ المتبرجات ]. (12)منى يونس، [ وجه بلا مكياج ].

(13)الحديث رواه الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان باب الدين يسر.

(14)الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الجنة؛ شرح الإمام النووي.

(15) مجموعة من العلماء،[ اسمعي حتى لاتخدعي].

(16) سعيد سراج الدين، [ أوراق شمس البارودي ].(17) أحمد القطان، [سري وللنساء فقط ].

(18)د/محمد سعيد رمضان البوطي، [ إلى كل فتاة تؤمن بالله ].(19) علي الطنطاوي، [ يابنتي] (20)عبد الله بن الوكيل،[ المرأة وكيد الأعدء]. (21) إليك أيتها الأخت المسلمة

(22) عبد الحميد هنداوي, [ إيقاظ الهمم قبل يوم الندم ].

(23)شريط تسجيل لطفل صغير بعنوان رسالة من القلب.

(24) الحديث أخرجه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه كتاب الأحكام.

(25) د/سلمان العودة، [ أخطار تهدد البيوت ].

(26) محمد بن إسماعيل المقدم، [ عودة الحجاب الجزء الثالث]. (27)مجلة الأمة العدد 64.

(28) محمد قطب، [ معركة التقاليد ].

(29) مجلة الأمة العدد60

(30) آمال بنت الحسين، [دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى].                                                                   (31)محمد المجذوب، [ كلمات من القلب ].

(32) أخطار التقليد التربوي الغربي على العالم الإسلامي، [ محمد هاشم ].

(33) أضواء البيان في توضيح القرآن بالقرآن،[ محمد الأمين الشنقيطي ].    (34) جريدة الأهرام الصادرة بتاريخ  2/5/2000 ،[ فهمي هويدي ]. (35) العلمانيون والإسلام، [ محمد قطب ].

(36) قصة الحضارة، [ول ديورانت؛ترجمة عبد العزيز جاويد ]. (37) إبراهيم الدويش، [ إلى الأخت المسلمة ]. (38) محمد قطب، [قضية التنوير في العالم الإسلامي]. (39) محمد قطب، [هل نحن مسلمون].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المتمعن في فكر وأدبيات دعاة تحرير المرأة تتضح له الرؤية المادية أولاً، وتحررهم المطلق من كل سلطان أو قيد، فهم فئة تظن الدين رجعية وتخلفاً وجموداً في التفكير، خاصة في قضايا المرأة التي أُشكلت والتبست في عالمنا فلم تعد تعرف فيه الصورة الصحيحة للمرأة المسلمة، فهو إذن فكر غير مُلزم بالمعايير الدينية أو الأخلاقية، وإنما بالقيم الغربية التي تنطلق بغير قيود، والشيء غير المصرح به أن المعيار ـ اليوم ـ أصبح هو واقع المرأة الغربية على الرغم من كل الأزمات التي تعيشها المرأة الغربية.

ولأن للمرأة تأثيراً كبيراً في المجتمع فهي في أمَس الحاجة إلى معرفة ما يُخطط لها وما يُراد لها وبها، وحتى تدرك متطلبات دينها ومجتمعها، ولا تلجأ إلى ثقافات تبعدها عن الفطرة، وتفصل لها دوراً على مقاييس أهواء البشر لتضلها وتضل بها.

 

من هنا جاءت أهمية هذا الكُتيب لنبين لك فيه ماذا يريد دعاة تحرير المرأة منكِ؟ وماذا نريد نحن منك ؟ وشتان بين من يُريدك لشهوته وبين من يُريدك لأمته.

وكم أتمنى أن تفرقي بين من يحترم عقلكِ لا جسدكِ ويهتم بملء الفراغ الفكري والروحي لا من يهتم بالشهوة والجسد، فإلى من رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبينًّا ورسولا، إلى من أعزها الله بالإسلام، وأعلى مكانتها بين الأنام، إلى مربية الأجيال وصانعة الأبطال، إلى من تكالب عليها أدعياء الحرية ومروجوا الإباحية فحاولوا بكل ما أوتوا أن يجتالوها عن طريق الهداية، ويُوقعوها في سبيل الانحراف والغواية، إليك هذا النداء.

 


[1]  على الرغم من تطابق مناهج تربية الإناث ومناهج تربية الذكور، فهذه من السلبيات التي سوف نتناولها فيما بعد، على  أن تركيب المرأة التشريحي الوظيفي (الفيزيولوجي)؛ والنفسي(السيكولوجي)، ووظيفتها الأولى في الحياة، ودورها في الأسرة، تختلف عن تركيب الرجل ووظيفته ودوره، إن التركيبان والوظيفتان ليكمل أحدهما الآخر من أجل هدف واحد لا يمكن الوصول إليه دون هذا التكامل الذي يُعتبر من أعجب ما خلق الله، وادراك ذلك يقتضي مراعاة هذا الإختلاف في مناهج التربية، ولا يعني استقلال المناهج عدم قدرة المرأة على استيعاب بعض العلوم دون الأخرى، فلقد أثبتت المرأة قدرة فائقة على استيعاب أكثر العلوم والفنون، ولا يعني اسقلال المناهج اختلافها فقد تتطابق في كثير من النقاط، وانما قصدت ضرورة أن يكون لمناهج النساء ما يميزها للقيام بدورها على أسس علمية دقيقة.       

 

[2] من السلبيات ترجيل المرأة، وقلنا أن هناك تكامل في تركيب ووظيفة كل من الرجل والمرأة، فعندما تسترجل المرأة يحدث فساداً عظيماً يعاني الغرب اليوم ويلاته.  

شقاء الأسرة والمجتمع عامة والمرأة خاصة فضلاً عما أصاب الأطفال من التشرد والأمراض التي بدأت تطل برأسها علينا.

ومن السلبيات أيضاً توهين عُرى الدين في النفوس مما أحدث فساداً خلقياً كبيراً في المجتمع بأسره وفي جانب المرأة بصفة خاصة، فبعد أن كان الفساد مستتراً ومحصوراً فيمن لا شرف ولا أخلاق لهم، أصبح ـ بعد زوال الحاجز الديني علناً، وضرب بأطنابه كل شرائح المجتمع، واستعلن كل مجرم بجرمه، فاستعلن المرتشي وآكل الربا والزاني، وضيعت الأمانات وتبدلت القيم والموازين، وصار للناس مرجعية مادية بحته.

ولقد كان من الممكن تجنب الكثير من السلبيات لو لم تتخذ الدعوة المسار الأوروبي الذي دفعنا إليه دعاة تحرير المرأة.

[3] فلقد تظاهر نابليون بالإسلام، وكان يرأس ديوان العلماء، ويهبهم المزايا كما كان يفعل الخلفاء، وبدأ يطلب منهم ترويج القوانين التي وضعها بدلاً من الشريعة الإسلامية بحجة الإصلاح! ولما تنبأ العلامة فضيلة الشيخ الشرقاوي رحمه الله إلى اللعبة، قال لنابليون: لو كنت مسلماً حقاً كما تزعم لطبقت الشريعة الإسلامية في فرنسا، بدلاً من أن تأتي إلى هنا وتنحي الشريعة وتضع بدلاً منها قوانين وضعية، فغضب نابليون غضبته الشهيرة، واعتقل الشيخ الشرقاوي وأمر بضرب الأزهر بالقنابل من القلعة ودخلت الخيل الأزهر واتخذه  الجيش الفرنسي اصطبلاً لخيوله مما أشعل الثورات الثلاث الكبرى التي انتهت بطرد الحملة الفرنسية من مصر، ثم جاء الإحتلال البريطاني فأنشأ المحاكم المختلطة، وقصر الحكم بالشريعة على قضايا الميراث والزواج والطلاق.

[4] -[4] الغرباء هم الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يُصلحون ما أفسد الناس ، وفي رواية؛ الذين يُصلحون إذا فسد الناس "،ونسأل الله أن نكون من هذا الصنف إنه سبحانه  أكرم الاكرمين.

[5] مجلة لواء الإسلام العدد 10

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/98837

الأكثر مشاركة في الفيس بوك