العلاقات الثقافية بين المسلمين والفرنْج في العصور الوسطى

فكتور الكِك

لم يستعمل المؤرخّون ومدوّنو الوقائع في المصادر العربيّة والفارسية مصطلح الحروب الصليبيّة أو الصليبيّين، بل مصطلحَيْ الفِرنج والإفرنج، بالعربية (وبالفارسية، مصطلح فَرَنكان. ثم أُطلق مصطلح فرنكي -في هذه اللغة- على جميع الأُوروبيين، ومصطلح فَرَنك على أوروبا الغربيّة في مراحل لاحقة).

ورد ذلك في كتاب "العِبَر" لابن خلدون، و"الكامل" لابن الأثير، و"رحلة ابن جُبير"، و"مُفرّج الكروب" في أخبار بني أيّوب لابن واصل، و"سلجوقنامه" لابن بيبي، وكذلك في المجاميع الأدبية مثل "مطلع الفوائد ومجمع الفرائد" لجمال الذين بن نُباتة المصري، و"خريدة القصر" للعماد الأصفهاني، وسواها.

ظاهر الأمر أن هذه التسمية أخذت وجهها من أن قوم الفرانك شكّلوا أكثرية الطليعة من الحملات على الشرق، وهم جماعة كانوا يسكنون المنطقة السُفلى من نهر الراين، فاحتلّوا غالِيةَ الرومانيّة La Gaule وأَعطوها اسمهم.

مجتمعان متباينان: فرنجيّ وإسلاميّ:

وفي هذا السياق لا بدّ من ذكر أمر يرتبط بموضوعنا الثقافي، وهو أن الحملات الفرنجية التي امتدّت من عام 1095م حتى عام 1270م لم تؤلّف مجتمعاً فرنجيّاً متجانساً، بل تألف نسيجها الاجتماعيّ من طبقات متباينة على الشكل الآتي: الملوك، الأشراف من حاملي لقب دوق وكونت وبارون، رجال الدين من مختلف الرُّتب، الفرسان النُبلاء أو الشفالييه، التجّار، العامّة أو الدّهماء من الناس ومعظمهم فقراء مُدقعون ومغامرون. وهذه العامة أو الدهماء شكّلت الأكثرية في الحملات.

كان من طبيعة الأمر ألاَّ يهيىء هذا المعطى الأرض الصالحة لقيام حياة ثقافية سويّة، إلى جانب عوامل أُخرى، بينها أن البلدان الأوروبيّة التي وفد منها هؤلاء كانت في مستوى متدنٍّ من الثقافة إذا قورنت ببلدان العرب والمسلمين. كذلك صرف أولئك الفرنجُ معظم وقتهم خلال فترات تسلّطهم على بلاد المشرق في شنّ الحروب وتجهيز الحملات ورَدِّ حملات العرب والمسلمين عنهم. أمّا التجارة التي تشكّل عاملاً من عوامل انتشار الثقافة والتبادل الثقافي، والتي ازدهرت إبّان الحملات الصليبيّة وخلال أزمنة الحكم المستقرّة نسبيّاً في مملكة القُدس وسواها- فلم تكن لتفعل فعلها المعهود؛ لأنها اقتصرت على فئة محدودة من مجتمع "الصليبيّين".

إلا أنّ هذا الوضع الخاص بالمجتمعات "الصليبية" لم يحُلْ دون توافر الحدّ الأدنى من الاختلاط بين بعض شرائحها ومجتمعات البلدان العربيّة الإسلامية. فخلال فترات السِّلم -وأحياناً في أثناء الحملات- قامت علاقات طبيعيّة وأحياناً جيّدة بين الطرفين، ولا سيّما على مستوى الحكّام، في مختلف درجات مراتبهم، والفرسان النُبلاء والتجّار. فهذا الأمير السوريّ أُسامة بن مُنقِذ (488-584ه/1095-1188م) من آل مُنقذ أصحاب قلعة شَيرَز(1) شمالي حماة، الذي خاض معارك ذود "الصليبيين" يروي لنا في "كتاب الاعتبار" قصّة صداقة نشأت بينه وبين فارسٍ نبيل منهم. فقد رسخت العلاقة بينهما حتى إن الفارس الفرنجي عرض عليه أن يصطحب ابنه معه إلى أوروبا فيتسنّى له لقاء النُبلاء ويتعلّم الحكمة ونظام فروسيّة النُبلاء. لكنَّ أُسامة -على الرغم من الصّداقة القائمة بينهما- عمد إلى طريقةٍ لبِقة لرفض العرض السخّي والمُحرج في آن، قتضرّع بأن جدّة الصبي شديدةُ التعلّق به وأنها اشترطت عليه أن يُعيده إليها بعد أن خرج مع والده. عندئذٍ سأله الفارس الفرنجي: أما تزال والدتُك حيّة؟ قال أسامة: نعم. قال له: أطع رغباتها(2). هذه الحكاية الجميلة تدلّ -فيما تدلّ عليه- على أن العاطفة الإنسانيّة هي من العمق بحيث تتجاوز اعتبار الخصومات والعداوات والحروب لتقيم صداقة حقيقيّة بين فارس من نُبلاء أوروبا الزاحفة على المشرق العربي والإسلامي وعربيٍّ مسلم نبيل الطبع، وكلاهما متمسّك بدينه وعقيدته. فالأول جاء حاجّاً وانضمّ -بحسب قول أُسامة- إلى جيش الملك فَلْك بن فَلْك King Fulk, Son of Fulk؛ والثاني قاوم وقَوْمَه الفرنج ذوداً عن حياضه وبلده. ومع ذلك، يذكر أُسامة أنّ الفارس الفِرنجي غدا -يعد حينٍ- من أهل صحبته الحميمين وخاصته المقرَّبين، ولازم الأمير العربي ملازمة شرع معها يناديه يا أخي! وقد ذكر أُسامة أنه قامت بينهما أواصر أُلفة وروابط صداقة. وليس عرض الفارس الفرنجي إلا من قبيل الوفاء للصداقة وإرادة الخير لأُسامة وابنه الفتى الذي لم يكن يتجاوز الرابعة عشرة، إذ قال له -خلال عرضه- إنه سيعود إلى بلاده رجلاً حكيماً، ولم يقل: إنه سيعود فارساً مقاتلاً مدرّباً؛ لأن للفروسية آداباً ورسوماً لا يشكّل التدرّب على القتال سوى واحد منها؛ لذلك اختصر الفروسيّة في حاصل الحكمة. 

إلا أنّ نادرة أُسامة تدلّ -في الوقت نفسه- على أنّ المجتمع الفِرنجي في الشرق ومجتمع السكّان الأصليين -بالرغم من تعايشهما نيّفاً وقرنين من الزمان- لم يُفْضِ بهما ذلك إلى تفاعل حقيقّ بينهما. فألّف كلٌّ منهما عالماً قائماً بذاته، ولو مجاوراً للآخر. ففي حين قام المجتمع الفِرنجي على المحاربين والعسكر والتّجار، كان مجتمع السكّان الأصليّين، وإن كان مُسلماً في أكثريته -قد خَبَر تجربة تعدُّدية دينية - طائفية وعرقيّة ارتفعت إلى نهج حياة سلَك خمسة قرون من عمر الزمان.

ولا يخفى ما لهذا المُناخ الاجتماعي من أثر في إغناء التجربة الفرديّة وتفتُّح المواهب وازدهار الثقافة.

عوائق التفاعل: اللغة وسواها:

إذا راقبنا -في الجهة المقابلة- وضع المجتمع الفِرنجي في الشرق، أو ما عُرف بمجتمع ما وراء البحار outremer، ألفيناه مجتمعاً مقفلاً، لم ينفتح انفتاحاً واسعاً جدّياً على البيئات الشرقية وثقافاتها المتنوعة في العمق؛ بل ظلَّ متوجّهاً إلى الغرب الذي جاء منه ينهج نهجه في أسلوب العيش وإقامة المؤسسات السياسية والاقتصادية واقتباس الشرائع غيرَ مفيدٍ ممّا قام في الشرق في هذه الميادين منذ قرون وغدا ذا مستوى عالميّ. وإذا عرفنا كذلك أن الغرب كان يعيش في العصور المظلمة، وأنّ الشرق كان قد وعى حضارته العريقة التي هضمتها الحضارة العربية الإسلامية، وتمثّلتها بعبقريتها حضارةً جديدة -أدركنا أنّ المجتمع الفرنجي لم يكن مؤهلاً ولم يُعدّ نفسه لإطلاق حضارة خاصّة به. فالمجتمع المقفل لا ينتج ثقافة، ولا يبني حضارة، في حين ينهض بذلك المجتمع المنفتح الذي يقتبس ويهضم فيبدع.

ودونك على ذلك مثلاً -إضافةً إلى النموذج العربيّ والإسلاميّ- حضارةُ الرومان التي قامت على حضارة الإغريق فورثتها وثمّرتها. ويمكن القول: إن الدّول والمجتمعات الفرنجية في الشرق بقيت -بصورة عامة، على رغم التحالفات المرحلية والتفاعلات الجزئية- جسماً غريباً لم يعرف التنافذ الاجتماعيَّ ليفضي به الأمر إلى تنافُذ ثقافي فعّال. وهكذا لم تنشأ بين الشرق اللاتينيّ الفرنجيّ -الذي حكم أقساماً مهمّة من الشرق الأدنى والأوسط والسكّان المحليّين- العلاقة الاجتماعية والتنافذ الثقافيّ اللذان قاما بين الشعوب العربية والإسلامية وثقافاتها من جهة، وشعوب أسبانيا والبرتغال وصِقلّية من جهة أخرى.

وإذا كنّا -كما ألمعنا سابقاً- لا ننفي جميع أشكال الاختلاط بين طرفَي النزاع في الشرق الأدنى الوسيط كالعلاقات الاجتماعية العاديّة، والصّداقة، والزواج المختلط، واقتسام المحاصيل الزراعيّة وسواها -فإنّ ذلك لم يكن ليجري على نطاق واسع، ولم يؤدِّ إلى تفاعل بين الثقافات وتلاقح بين الأفكار، أو على الأقل، إلى تبادل المعلومات، إلاّ فيما ندر. وفي تقديري أنّ اللغة- إضافة إلى العوامل التي ذكرناها ممّا لم نتناوله في هذه العُجالة- قامت حاجزاً أساسيّاً بين الطرفين، فحالت دون الاقتباس والتلاقح والتنافذ على المستوى الاجتماعيّ، وتالياً على الصعيد الثقافيّ. وإذا كنّا ندرك أسباب الشعور بالاكتفاء الذاتي وبعدم الحاجة إلى تعلُّم لغة الآخرين لدى العرب والمسلمين، ولا نعذر أنفسنا، من منطلق التراث المسيحيّ والسُنّة النبوية الإسلامية، قولاً ومنهجاً، فكيف نعذر الفِرنج الذين جاؤوا إلينا بقضِّهم وقضيضهم، واستقرّوا في بلداننا، ولم يكلّفوا أنفسهم دراسة العربيّة دراسة جدّية تفتح أمامهم آفاق العقول المشرقيّة ورحاب الإرث الحضاري العربيّ والإسلامي، ولا سيّما أنهم كانوا في حاجة ماسّة إليه؟ وخلافاً للتوقّع، جاء الترياق إلى الغرب من الغرب الإسلامي يومئذ أو المتأثر به، عبر الأندلس وصقلّية. ففي أواسط القرن الثاني عشر للميلاد توافرت للأوروبيين بعض وجوه الإلمام بمبادئ الإسلام على يدَي بير ألفونس Pierre Alfonse، وهو يهودي متنصّر استقرّ في مقاطعة أراغون ونشر فكرة باللغة اللاتينية. والأهم من ذلك ما حدث في كلوني Cluny، قاعدة البندكتييّن، حيث ترعرعت فكرة الحملات الفرنجية. فقد أمر بير الموقّر Pierre le Vénérable رئيس رهبنة كْلوني بترجمةٍ للقرآن، صحبتها رسائل وجّهها إلى مسلم وهميّ تعبّر عن رغبته في مقاربته، لا بالسيف بل بالكلام. ثم خطا التعرُّف إلى الإسلام خطوة واسعة خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر، إذ قام جوفروا القيتربي بترجمات من السيرة النبوية والمغازي(3). 

واقع التفاعل الثقافيّ بين المسلمين والفِرنجة:

ومهما يكن من أمر الأسباب التي يُعلّل بها عدم نشوء حركة عافيةٍ ثقافيّة في المشرق اللاتيني فإنّ حدّاً أدنى من الحياة الثقافية والتفاعل الحضاريّ توافريومئذ في هذه الرقعة من الشرق.

وفاق الأخبار المتناقلة في المجاميع التاريخية وكتب التذاكر، يُذكر أنّ غَليون الصُّوري Guillaume de Tyr (1130-1183م) -رئيس أساقفة صُور على اللاتين ومؤرخ الفِرنج في الشرق- ألَّف كتاباً في تاريخ العرب. إذ إنه كان يتقن العربيّة واليونانيّة، وهو من أهالي فلسطين ومواليدها حوإلى عام 1130م. ولمّا كان قد تلقّى دراسته في الغرب فقد جمع بين الثقافتين الغربيّة والشرقيّة؛ لكنَّ كتابه المذكور في تاريخ العرب يُعدّ مفقوداً حتى الآن، وكان عهد إليه بتأليفه الملك أمَلْريك، كما كلّفه بكتابة (تاريخ الحروب الصليبيّة) الذي وصلنا. وهو يقع في 23 جزءًا، وعنوانه باللاتينية: Historca rerum in partibus transmarinis gestatarum. وقد اتسم مؤلفه بالموضوعية، وعدم الانحياز، ودقّة المعلومات. والمُرجّح أنّ هذا المؤلف هو ترجمة لكتاب ألّفه مسيحي شرقي هو أُوطيخيوس بطريرك الإسكندرية الملكي (933 م) والمعروف في تراثنا العربي باسم سعيد بن البطريق (877-940م). كان طبيباً ومؤرخاً خلّف تاريخ "نظم الجوهر". ويُشار -في هذا السياق- إلى أن بعض معاوني غليوم الصُّوري كانوا يعرفون العربية. ويمكن أن يكون هؤلاء قد قاموا بترجمة الكتاب المذكور. ومما يدعو للأسف أنّ هذا الكتاب ضاع ولم تسلم منه -حتى الآن- نسخة نفيد منها.

وفي مستهل القرن الثاني عشر للميلاد قام إسطفان الأنطاكيّ بترجمة كتاب عليّ المَجوسيّ طبيب عضُد الدولة البُويهي الموسوم بكتاب الملكي(4). ويبدو أن إسطفان كان ينتمي إلى المدرسة النورمنديّة الإيطالية في الطب.

كذلك قام الإكليريكيُّ فيليب الطرابلسيّ -المعروف بالمعلّم- بنقل رسالة منسوبة إلى أرسطو ضمّت معلومات في فنّ الحُكم وفي الطبّ والتنجيم، وعُرفت بعنوان سِرّ الأسرار، وذلك من العربيّة إلى اللاتينيّة، في منتصف القرن الثالث عشر للميلاد. وقد شجّع فيليب على القيام بهذه الترجمة رئيسه الأسقف گي Guy الذي اصطحبه في رحلة إلى إنطاكية في أواسط القرن الثالث عشر(5).

والجدير بالذكر أنّ الأُسقف گي Guy لم يكن حالة منفردة في هذا الميدان؛ فقد برع أساقفةٌ آخرون من أصل لاتيني أو شرقي، فبرّزوا في العلوم المختلفة، وأسهموا في تنشيط الحياة الثقافيّة في تلك العهود الصليبيّة. من أولئك بطريرك إنطاكية إيمري الليّموجي Aimery de Limoges الذي كان شغوفاً بالأدب، فدفعه ذلك إلى إقامة علاقات مستمرّة بشعراء أوروبا وكتّابها.

كذلك جاك الـﭭيتري Jacques de Vitry أُسقف عكّا أبدى اهتماماً بالحياة الثقافيّة في زمانه (القرن 13) وتعمّق في النظريات المتعلّقة بالهزّات الأرضية التي كانت رائجة في ذلك الزمان. أمّا حاكم صيدا رينالد Rainald فقد كان شغوفاً بالحضارة الإسلامية وعلومها. كما يُذكر أنّ ريمون التولوزي Raymond de Toulouse -كونت طرابلس- تحصّل له معرفة مقبولة باللغة العربية. كذلك ملكا القدس بالَدْوِين الثالث Baldwin III وأمالريك الأول Amalric رعيَا الأدب والأدباء وأبديا اهتماماً ملحوظاً في هذا المجال.

وعلى ذكر جاك الـﭭيتري واهتمامه بجغرافية الأرض والهزّات الأرضيّة يُشار إلى أن اهتماماً خاصاً بُذل في الحملات الصليبيّة الأخيرة وما تلاها في دراسة الجغرافيا(6).

وعلى غرار روجِه الثاني Roger II ملك صقلّية (1130-1154م) النورمنديّ الذي شجّع انتشار الحضارة العربيّة وكذلك اليونانيّة واهتمّ بعلم الجغرافيا. فإن طول مُقام الفرنج في الشرق حداهم على دراسة الجغرافيا والاهتمام بها؛ لأن معرفة المحيط الذي يعيشون فيه كانت ضرورية بالنسبة إلى استقرارهم وتأمين نوع من المنعة لهم، وتوسيع تجارتهم وتجارة المدن الأوروبيّة، مثل جنوى والبندقية.

أضف إلى ذلك أنّ مسيرتهم من أوروبا إلى شرقنا العربيّ كانت تحتّم عليهم معرفة المسالك البرّية، إضافة إلى البحريّة، فغدا علم الجغرافيا من لوازم حملاتهم وضرورات استقرارهم في شرقٍ معادٍ لهم، كارهٍ لاحتلالهم.

ثم إنَّ استقرار الفرنجة في ديارنا أثار شهيتّهم لمنافع التجارة مع أهل البلاد وما يليها، وصولاً إلى آسيا الوسطى، وما ينطوي عليه هذا الشرق المترامي الأطراف من ثروات. فسعوا إلى ارتياد مسالك جديدة سهلة العبور. ونتيجة لذلك، قامت في الشرق مستودعات تجارية للسِّلع القادمة من أقصى الشرق، منها ما قام في عكّا، ثم في فاماغوستا بقبرص، بعد سقوط عكّا، كما شكّلت البندقيّة وجنوى مستودعَيْن ضَخمَين للسِّلع الوافدة من الشرق الأدنى، وكان من الطبعي أن توزّع عبر أوروبا، ملتمسةً مسالك محدّدة. فبّرز طريق رئيس يمتدُّ من البندقيّة، عبْر برنر، سالكاً مسار نهر الراين وصولاً إلى مدينة بروج. وهكذا نمت بفضله مدن شتّي، في لومبارديا، وألمانيا، وفلاندريا، وازدهر الاقتصاد الأوروبي نتيجة لذلك. 

هذا النشاط التجاريّ المتعاظم الذي ربط أقصى الشرق بأوروبا، والبعثات التبشيريّة التي صاحبته أدّيا إلى اكتشاف ديار نائية، بينها آسيا الوسطى. فالمبشّرون، من جهة، وأشهرهم ﭙيانو كارﭙيني Piano Carpini de Joannes والتجّار -من جهة أخرى، على غرار آل ﭙولو من البندقيّة- توغّلوا برّاً، من عكّا حتى بكين، وبحراً من البصرة إلى كانتون في جنوب آسيا. يُضاف إلى ذلك توجيه القديس لويس -عام 1252- الراهب وليم روبروك إلى بلاط خاقان المغول الكبير لمفاوضة المغول فبلَغ أقصى البلاد حتى قراقوم، على غرار كاربيني. وهذا كشف عظيمٌ يضاهي في أهميته حوإلى مطلع القرن الرابع عشر أهمية اكتشاف أميركا على يدي كريستوف كولومبوس.

وفي موازاة هذا التوجُّه -كان من الطبعي، منذ بداية استقرار الفرنجة في الشرق- أن يعمل هؤلاء على جمع المعلومات العسكريّة، عن طريق انتشارهم عبْر المسالك والممالك، سرّاً، وأحياناً جهاراً، فأدّى هذا التوجّه المثلّث المقاصد إلى ظهور ثقافة جديدة هي ثقافة الدلالة أو الإرشاد مثل الدلالة السياحيّة في أيامنا، وكانت إرشادا للحجّاج الآتين من كل فجّ عميقٍ لزيارة الأماكن المقدسة التي وردت في الإنجيل. وكان لذلك أثر ملحوظ في تثقيف الحجّاج وسواهم بجغرافية البلدان الجديدة المتعدّدة الجوانب المعرفيّة. وهكذا، انفتحت آفاق أمام الأوروبيين الوافدين بالآلاف، والمقيمين في ديار الغرب الذين احتكّوا بهؤلاء، بعد عودتهم، أخرجتهم من عزلتهم القروسطيّة، وهيّأتهم لتقبّل الحضارة الوافدة إليهم. كذلك، عبر الترجمات من العربيّة في أسبانيا الإسلاميّة وصقلّية، والبناء عليها لإطلاق نهضتَيْ أوروبا، الأُولى في القرن الثالث عشر، والثانية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

ولمّا كان البابا أُورمان الثاني الذي انتقل إلى كليرمون- جنوب شرقيّ فرنسا- أًلقى بذور حروب الفرنجة في تربة فرنسيّة، وهو من أصل فرنسيّ، ولأنه شرع بها مشروعاً فرنسيّاً واستمرّت فرنسيّة نورمانيّة- فكان من الطبعي أن مملكة الفرنجة التي قامت في الشرق كانت مملكة فرنسيّة النهج، في حكمها وعاداتها ولغتها وانتشار الفروسيّة فيها. كما كان من الطبعي أن يقود جيوشها سادة من بيوتات هوتـﭭـيل Hauteville التي حكمت صقلّية وجنوبي إيطاليا. 

وهكذا كان من أثر تلك الثقافة أن انتشرت في شرقنا اللغة الفرنسية، لغلبة السِّمة الفرنسية على الحملات الصليبيّة، وتالياً يسّرت انتقال ثقافة فرنسا إلى بلداننا قبل سواها من ثقافات الأُمم الغازية، مثل إنجلترا وألمانيا، مع فارقٍ قوامه سيطرة بعض المدن الإيطالية على تجارتي النقل البحري والسلع الغذائية والصناعيّة، تبعاً لذلك، ما يسّر لها النهوض من العصور الوسطى إلى عهد جديد خلال القرن الثالث عشر، مفيدةً كذلك من موقعها الجغرافي الذي سهّل لها التفاعل مع حضارتَي الأندلس وصقلّية.

إنّ الثقافة الجغرافيّة التي توافرت للفرنجة المقيمين في بلدان المسلمين أو عن طريق احتكاكهم بالمسلمين الذين آثروا البقاء تحت حكم الممالك اللاتينيّة أو العائدين منها إلى أوروبا أدّت إلى توسيع أفق التفكير الدينيّ لديهم، فخرج هدفهم الدينيّ الأوّل- وهو حافز الاهتمام بالآخرة والخلاص عن طريق الجهاد لتحرير الأماكن المسيحيّة المقدّسة - عن مساره إلى التكيّف مع حياة مدنيّة "علمانية"، يسرها لهم الاتصال بديانة أُخرى هي الإسلام. كما حفّفت من تعصّبهم وعقيدتهم في احتكار الحقيقة، وقد تبيّنوا أنّ من الممكن العيش في مجتمع تعدُّدي، وأنّ الأحاديّة ليست المثال وحدها، وكان من نتائج هذا التوجّه الجديد النابع من الحملات الفرنجية على الشرق - إضافةُ إلى ما ذكرناه من أثر الأندلس وصقلّية - أن انتشر في القرن الثامن عشر في أوروبا -ولا سيّما في فرنسا- توجُّه موضوعيّ في النظر إلى شؤون الحياة، بعيداً عن الدين المسيحيّ، فوُلد تيّار يقول بعدم احتكار المسيحيّة للحقيقة، والنظر إلى الإسلام والديانات الشرقيّة نظرة سمحاء، ما أدّى -لاحقاً- إلى ازدهار الأَبحاث حول هذه الديانات. وكان من روّاد ذلك التيّار أعلام مثل ﭭولتير ومونتيسكيو وديدرو وسواهم. وكانت النتيجة لذلك التفاعل القريب الأَمد والبعيد الأَمد الذي أَحاط بأوروبا من الشرق ومن داخلها -عبْر ترجمات آثار ابن رشد، بوجه خاص- أن رجحت كفّة الإيمان بالعقل على كفّة الإيمان بالدين لدى النُّخَب تمهيداً لازدهار الصناعة الأوروبية، بسيادة التفكير العلميّ، من دون القضاء على التوجّه الشعريّ الذي بلغ أوجه في القرن التاسع عشر في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وسواها. فإذا عدنا إلى حروب الفِرنجة في مدّها وجزرها بين المغرب والمشرق ألفيناها- في سياق الأمور بالغة الأهميّة التي تمخّضت عنها، مما ذكرناه- قد زوّدت أوروبا بثقافة زراعيّة وصناعيّة لم تكن متوافرة لديها.

ففي مضمار الزراعة، أفاد الفرنج من خبرات شرقيّة تعود قدماً إلى حضارات ما بين النهرين العتيقة وإيران الأخمينيّة وسوريّا وشواطئ فينيقيا. وقد تجلّى ذلك في الآثار المنقوشة في الصخر وسواه، وفي بعض المصادر القديمة التي تغاضت عنها يد الدهر القاهرة، مثل كتاب "الفلاحة النبطيّة" المنسوب إلى ابن وحشيّة وسواه. وهكذا، نقل الفرنجة إلى أوروبا نباتات غير معروفة لديهم، وصناعات لم يعرفوها أو لم يتقنوها، وأنماطًا من الحياة المرفّهة لم يألفوها. من ذلك: القطن، والحرير (الموصليّ)، والدِّمَقْس القزّ والليمون، والبطيخ، والسكّر والذّرة... كما نقلوا الأَصبغة والألوان مثل الأرجوان، والليلق، والأحمر واللازورد. وهذه المتتجات والمصنوعات احتفظت- أحياناً- بلفظها العربيّ- محوّراً- حتى الآن. أمّا أنماط الحياة المُرّفهة فكانت بالنسبة إلى الأوروبيين تحوُّلاً نحو حياة من الدعة والتنعّم بمباهج الحياة في مقابل الصرامة السائدة والقائمة على الخوف من إثم الخطيئة والآخرة وعذاب جهنَّم، فكأنما كان ما جلبه الفرنجة من الشرق من أسباب التنعّم بالحياة ينطق بقول الآية القرآنيّة ﴿ولاَ تنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيَا﴾.

وهكذا تعرّفت أوروبا على مسابح الماء، والحمّامات، وتبرُّج النساء بمهارة ووسائل هذا التبرُّج الدقيقة. فقد كان الفرنجة المقاتلون والمقيمون في الشرق فرسانا ومنصرفين إلى شؤون أخرى قد ابتنوا لهم القصور والدُّور، وزيّنوا جدرانها بالزخارف والستائر الحريرية المزركشة، وفرشوا أراضيها بالسجاجيد الإيرانيّة الرائعة، وكانت سقوفها وأراضيها مزينة بالفسيفساء، وروزناتها أو كواتها بقطع من الزجاج الأبيض.

أمّا ماعون دُورهم فكان على غرار ما استحدثه العرب والمسلمون من أوانٍ نحاسيّة وفضّية، متفاوتة الأحجام لبراعة هؤلاء في فنون الطبخ واختلاطها بين فارسيّة وعربيّة وشعوب أخرى تساكنهم، وتفوقهم كذلك في إعداد أصناف الحلوى والمرطّبات التي طارت شهرتها في الآفاق، وما زال الشرقيّون يُجلّون في إعدادها، وفي صناعة الخوانات (جمع خيوان؛ أي طاولة الطعام قبل أن يوضع عليها)، والأبواب الفخمة المصنوعة من أخشاب نادرة.

كذلك، تسرّب زي ملابس النساء الشرقيّات إلى نساء الفرنجة فارتدينَ الملابس السابلة الفضفاضة الرقيقة المطرّزة بالحرير والمزيَّنة -أحياناً- بالرسوم، في حين غلبت على لباسهنّ أزياء أُخرى أخذ عليها السكّان المسلمون عدم الحشمة.

وإذا ما عُدنا إلى تناول الشؤون العلميّة والثقافيّة العامّة، بعد إذ تناولنا المُعطى الجغرافي والمقتبسات الحيويّة من حياة الطرفين اليوميّة؛ لأنها اندرجت في سياق الحديث عن التجارة وعلاقتها بالأوضاع الجغرافيّة الشرقيّة -تكشّفت لنا مجالات إبداع وعطاء بين الطرفين أسهمت في تقدُّمهما، ولا سيّما الطرف الأوروبي. فالاهتمام بالجغرافيا قارنه اهتمام بكتابة التاريخ من قبل الطرفين، لأهمية الأحداث التي تواجه من خلالها عالمان مختلفان طوال نيّف وقرنين من الزمان، ثم خلال ما أعقب ذلك. وهكذا، خلَّف لنا المسلمون والفرنجة تراثاً تاريخياً ضخماً، سواء في مجال التاريخ الوقائعي، أم التاريخ الأدبي الأُسطوري الملحمي، لدى الفرنجة (وسنُفرد له مكاناً خاصاً). ومن أبرز تلك المصنفات تاريخ وليم الصُّوري أو غليوم Guillaume de Tyr المشهور بعنوان "تاريخ ما وراء البحار". Historia Transmirina. وكان غليوم هذا رئيس أساقفة صور اللبنانية على اللاتين.

كما كان لعلوم الرياضيات في الشرق أثر في أوروبا عبر الفرنجة. فعلى الرغم من أنّ التأثير الأقوى لرياضيّات ]العرب والمسلمين[ جاء أوروبا من المسلمين بأسبانيا، فإنَّ أثر الشرق كذلك كان حاضراً؛ إذ المعروف أنّ أول عالم مسيحيّ في الجبر -وهو ليوناردو فيبوناتشي Leonardo Fibonacci- ارتحل إلى سوريا ومصر، وانصرف إلى دراسة اللغات الشرقية؛ لارتباطها بالبعثات التبشيرية في الشرق. كما أنّ المُبشِّر الدؤوب Raymundus Lullus حثَّ مجمع ﭭيينا سنة 1311 على اتخاذ قرار بإنشاء ستّ مدارس للغات الشرقيّة في أوروبا. غير أن المجال الجديد لما تمخّضت عن الحروب الصليبيّة من آداب منظومة كان أكثر أهميّة من هذا التطوّر العلمي؛ إذ توافر من المنظومات الجديدة ما عالج تاريخ الحروب الصليبيّة، سواء بوسيلة الرواية الأمنيّة الصادقة، كالتي اشتهرت بها منظومة أمبرواز Ambroise(شاعر نورمانيّ) تروي تاريخ الحملة الصليبيّة الثالثة Estoire de la guerre Sainte، أو في روح شارعيّة حرّة، كالتي تنبعث من منظومة أنطالية La chanson d’Antioche (7).

والجدير بالذكر -في هذا السياق- أنّ القديس فرنسيس الأسيزي أَرسى سُنّة البعثات التبشيرية إلى الشرق؛ فقد قام بزيارة سلطان مصر الكامل أيّوب، خلال الحملة الفرنجيّة الخامسة (1230 م)، محاولاً تنصيره! هذه الخطوة الأولى أثمرت تدفّق عدد كبير من المُبشّرين على الشرق، ولا سيّما خلال سيطرة الإمبراطورية المغوليّة التي ضمّت نسبة كبيرة من أتباع الدين المسيحي. ونتيجة لذلك، استقرّت البعثات التبشيرية المسيحية يرفدها الأساقفة المسيحيّون في أنحائها، من الشرق الأدنى وبلاد فارس وصولاً إلى الصين.

وكان الهدف من هذه الحملات التبشيرية أن تحلّ محلّ الحملات العسكرية وإرساء المصالحة بين الشرق والغرب، وقد تابع خطّة القدّيس فرنسيس الأَسيزي رامون لولّ الراهب الكاتالوني الشهير Ramon Lull؛ الذي خلّف أُسرته ونذر نفسه للتبشير بدين المسيح، واضعاً بلغته مؤلفات متعدّدة، ومناضلاً في سبيل تأسيس منابر لتدريس اللغة العربية في أنحاء أوروبا، سعياً لبلوغ هدفه بالتوجّه إلى المسلمين بلغتهم(8)، وتنشئة أجيال من المسيحيّين يتقنون اللغة العربيّة، ويتعرّفون إلى مقاصد القرآن الكريم وعلوم الدين الإسلامي، بلوغاً إلى إقامة حوارٍ بين الطرفين يحلُّ محلّ الحروب التي كانت نتائجها وخيمة عليهما(9).

ثم إنّ الباب إنًّوسنت الرابع Innocent IV أرسل في عام 1245م، راهباً من جمعيّة الفرنسيسكان يُدعى يُوانّس دو ﭘيانو كاﭘريني Joannes de Piano Caprini إلى المغول المستقرّين في جنوب روسيا، إضافة ًإلى بعثة من رهبان الفرنسيسكان المتمرّسين بالتبشير وجّهها إلى بلاد فارس حيث كان الحكم بأيدي المغول. وكان كاﭘريني -كما ذكرنا في مكان آخر- قد بلغ في رحلته قراقوم عاصمة الخاقان الكبير على تخوم الصين.

كذلك وجّه القديس لويس -خلال عام 1252م- إلى بلاط الخاقان الكبير، الراهب وليم روبروك William of Rubruck. وكان الهدف من تلك البعثات استمالة المغول لاسترداد بيت المقدس، بالقتال مع قوة فرنجية يناهز عدد مقاتليها أربعة آلاف. وكان هذا مخطط جيمس ﭭيتري James Vitry المُعيّن أُسقفاً على عكّا عام 1220م. إلا أنّ الأمور سارت على غير ما أُريد لها، وليس من شأن هذا البحث الاسترسال في هذا المجال. ما يهمّنا -فيما نحن بشأنه من البعد الثقافي لحروب الفرنجة- هو أنّ هذه البعثات والأسفار أغنت الفرنجة -والغرب بواسطتهم- بالمعارف الجغرافيّة؛ لتوغّلهم إلى قلب القارّة الآسيويّة، ووسّعت آفاقهم وأخرجتهم من عزلتهم السابقة إلى الإلمام بلعبة الأُمم(10). 

وهنا أتساءل: ألم يكن فُقدان الفردوس الشرقيّ بسقوط الممالك اللاتينية في الشرق، وازدهار علم الجغرافيا في إسبانيا وصقلية الذي تسرّب إلى أوروبا الغربيّة عامليَن دفعا بالغرب إلى ارتياد آفاق جديدة تعويضاً عن الخسارة العظيمة، وسعيا إلى فردوس موعود آخر أدّى بهم إلى ارتياد العالم الجديد بعد ذلك؟

والجدير بالذكر في مجال الثقافة هذا أنها ظلّت وقفاً على النخبة من الأفراد: من الملوك والنبّلاء ورجال الدين ولم يُشارك الشعب في حركتها. وقد يعود ذلك إلى أنه لم تقم في المجتمعات "الصليبيّة" طبقة وسطى بالمعنى الصحيح للكلمة؛ أي طبقة بورجوازية واسعة القاعدة ومستقرّة تُعنى بالتعلّم والتعليم وتنتج ثقافة حيّة تتفاعل ومحيطها العربيّ والإسلامي. وما تحقّق في هذا المجال ظلَّ محدوداً أو في مستوى متدَنٍّ. ينهض دليلاً على ذلك وضع علم الطبّ والتطبيب في العهود "الصليبيّة"؛ فإنه لم يبلغ بين "الصليبيين" أيّ مستوى مقبول، وما رواه أُسامة بن منقذ في كتاب "الاعتبار" خير شاهد على تردّي مستوى هذا العلم لديهم وعلى الطرق البدائية والوحشيّة التي كانوا يعالجون بها مرضاهم وجرحاهم. ويمكن- اختصارًا- أن يُراجع كتاب أُسامة لهذا الغرض(11). ومما لا شك فيه أنّ الفِرنج كانوا -بصورة عامّة- أدنى مستوىً في ميادين المعرفة والثقافة من الشعوب الشرقيّة التي كانت تسكن بلدان الشرق العريقة في الحضارة منذ أقدم العصور، سواء أكانت يهوديّة أم مسيحيّة أم مسلمة؛ إذ إنّ بلدانها كانت مسرحاً لنشوء أقدم حضارات العالم التي استوعبتها الحضارة العربيّة الإسلاميّة(12). 

وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ أُسامة وسواه من مصادر العهود "الصّليبية" يُفيدون أنَّ أشهر الأطباء وأكثرهم كفايةً سواء في المجتمعات العربيّة أو الفِرنجيّة كانوا من السّريان المنتشرين في الشّرقين الأوسط والأدنى.

فقد كان لهؤلاء تراث من العلم والممارسة الطّبيّة يعود إلى ما قبل الإسلام في العراق وإيران وسواهما، حتى إنّ جامعة جُنديسابور التي اشتهُرت قبل الإسلام في جنوب إيران قامت -في ركن كبير منها- عليهم في تدريس الطّب، ولاسيّما آل بُختيشوع الذين انتقلوا إلى بغداد في خلافة الرشيد. ومن أشهر ما يُروى في هذا السّياق أنّ الملك أَمالْريك الأول رفض علاج طبيبه السريانيّ وأخذ بما قدَّمه إليه طبيب فِرنجيّ فمات من جرَّاء ذلك.

ذلك نشير إلى أنّ ما ذُكر من ترجمات طبِّيَّة من العربيّة باللاتينيّة، في العهود المختلفة، لم يتجاوز ما قام به أَسطفان الأنطاكيّ وفيليب الطرابلسيّ المذكوران سابقاً وبرنار سِيلْفِسْتر(13) Bernard Sylvestre. 

غير أنّ عهدهم شهد نهضة مدرسة أنطاكية للطبّ التي درّس فيها الطبيب المشهور ثيودوسيوس الأنطاكيّ. وذكر من أشهر أطبّائها باسيل الحلبي الذي كان يسكنها في عام 1249م. ومن تقاليد تلك الكلّية الطبيّة أنّ الأطبّاء كانوا يُحضِّرون الأدوية للمرضى والمعالجين بأنفسهم. أمّا من الناحية القانونيّة فكانوا مسؤولين عن حياة مرضاهم ويُحاسبون على أخطائهم.

وإضافةً إلى الطب، اقتبس "الصليبيّون" عن العرب والمسلمين العلوم الطبيعيّة والعلوم الرياضيّة وعلمَي الجغرافيا والفلك، كما ورد في بحثنا الكلام على بعضها، في مقابل التنظيم السياسي للبلدان والتشريع للحياة السياسيّة الاجتماعية التي قدّمها الصليبيّون لأولئك. ففي نهاية القرن الثاني عشر للميلاد قام رشيد الدين الصّوري بدراسة نباتات المنطقة العربيّة، في حين انصرف جاك دو ﭭيتري إلى دراسة طبيعة أراضيها وأحوالها الجوّية والزلازل التي نزلت بها. ولسنا نغفل عن عمل أبي الهيثم الذي رسم لأنطاكية خطوط طولها.

مع ذلك، دَرج الفِرنج على الأخذ بسُنّة إقامة المستشفيات التي ازدهرت في العصور العربيّة الزّاهية. فأسّسوا منها عدداً، ولاسيّما في صور وعكّا بالقرب من الكنائس. وقد ذكر ابن جُبير ذلك في رحلته إلى الشرق، متغنّياً بجمال دمشق ومستشفياتها ومدارسها ومساجدها، مشيراً من طرف خفيّ أو مباشرةً، إلى أثر المسلمين فيما شاهده من معالم نهضة فرنجيّة(14).

وقد ذاع لطرابلس صيتٌ عظيم في تدريس الطب بصفتها مركزاً طبّياً، فكان طلاب هذا العلم يتوافدون إليها من جميع بلدان المشرق العربيّ الإسلامي في العهد الصليبيّ. ولا غرو، فقد كان لطرابلس سابقة ثقافيّة مميّزة في عهد بني عمّار، ومكتبة طارت شهرتها في الآفاق(15). وقد وصفها ناصر خُسْرو الشاعر والمفكّر الإيراني والدّاعية الإسماعيلي، وأَثنى على معالم عمرانها وحضارتها وفُتن بازدهارها في كتاب رحلته المعروف "سَفرنامِه"(16). وقد ذكرنا آنفاً أنّ الأسقف غي والإكليريكي فيليب الطرابلسي نبها من هذه المدينة(17). 

أمّا في ميدان فن الحرب والقتال فبين أيدينا من المصادر ما يُتيح لنا تقويم ما قَبسه كلٌّ من الفرنج، والعرب والمسلمين، من الطرّف الآخر. ففي حين يرى بعض الباحثين أنّ بعض التقدّم الذي أحرزه المسلمون في مجال التسلُّح ومدفعيّة الحصار يعود إلى احتكاكهم بالفرنج، تدفع بنا القرائن إلى القول: إنّ الفرنج قبسوا من العرب والمسلمين استعمال بعض المُنجزات الصناعية والتقنيّة المُعدّة لتدمير الحصون أو المدن المحاصرة. ومثال ذلك نوع من القذائف النارّية الشبيهة بالمنجنيقات كان المسلمون يمزجونها بمواد خاصّة، ويقذفون بها سفن الفرنج أو القلاع والمدن المحاصرة. وقد عُرفت باسم "النار اليونانيّة". وكان البيزنطيّون قد استعملوها في حروبهم ضدّ العرب، فاستطاع هؤلاء كشف سرّها واستخدموها ضدّ الفرنج. كما استخدموا نوعاً من القذائف للمدى القريب والمتوّسط. وقد نقل الفرنج هذين النوعين من السلاح إلى أوروبا فيما بعد حيث لقيا رواجاً بسبب فعاليتهما. وقد ذكر أن استعمالهما وفّر لجيش صلاح الدين الأيّوبي بعض أسباب التفوّق على الفرنج.

زد على ذلك أن العرب والمسلمين عرفوا خلال فترة الحروب "الصليبيّة" وقبلها تحضير البارود واستخدامه في نزاعهم مع الفرنج، فنقلها هؤلاء من بعد إلى أوروبا.

"وتعلّم الفرنج -بفضل اتصالهم من جهة بالبيزنطيين، وبسبب نضالهم من جهة أخرى ضدّ المسلمين- طرقاً جديدةً لتشييد الاستحكامات الحربيّة ومهاجمتها. فالقلعة المستديرة Concentric، وما اشتهرت به الأسوار المتتالية، أخذت تحلّ مكان ما كان معروفاً عندهم من قبل من البرج القديم والفناء الداخليّ، وما يجمعهما من سور واحد، وذلك حينما نقل الصليبيّون معهم من الشرق أبناء تلك القلاع"(18).

فإذا ابتعدنا عن صناعة الحرب ويمّمنا شطر صناعات السلام وجدنا"الصليبيين" يُفيدون من صناعات مشرقنا وإنجازاته الحضاريّة، وينقلون ذلك إلى أوروبا التي أخذت تتحفّز للنهضة شيئاً فشيئاً، بفضل ما تسرّب إليها من حضارة العرب في الأندلس وصقلّية، وما أثاره فيها الصليبيون من تشوُّف إلى إنجازات وارتياد آفاق جديدة.

من ذلك ما نقلوه من صناعة الزجاج، والزجاج المتشكّل بالنفخ. وكانت هذه الصناعة متقادمة الميلاد في لبنان وسوريا، وقد عرفت ازدهاراً خاصاً في منطقة حلب. ومن طريف ما سجّله التاريخ في هذا الموضوع أنّ بوهِمون السابع Bohemond VII أمير انطاكية وطرابلس (1275-1287م) عقد اتفاقاً مع حاكم البندقيّة Venise وتعهّد له فيه نقل سرّ صناعة الزجاج المشرقي إلى مدينته(19).

نظير ذلك ما تعلّمه الفرنج في آسيا الصغرى في مجال عمل طواحين الهواء وفن صناعتها، فنقلوا خبرتهم إلى أوروبا(20) موفّرين لها سُبل الطاقة التي تفتح آفاقاً للتفكير والعمل والإبداع الأدبي كما في رائعة "دون كيخوته" للكاتب الأسـﭘـاني ثرﭭانتس Cervantes (1547-1616م).

ثمة -كذلك- صناعات وفنون وأفكار ومهارات قبسها الإفرنج من الشرق ونقلوها إلى أوروبا، سواء جاؤوا إلى هذه المنطقة حجّاجاً أم جنوداً أم رحّالة أم تجّاراً. ولا يخفى ما للتجارة من أثر في نشر الثقافة؛ إذ إن السِّلع تثير فضول المستهلكين فيعمدون إلى كسف أسرار إعدادها وصناعتها، إضافة إلى ما حتّمته الحروب من نشوء حاجات ووسائل، وما استدعاه الاستقرار في الشرق من مستلزمات إقامة الدول وتنظيمها وحمايتها وتأمين الاستمرار لرعاياها. ولذلك، كان من الطبعي أن يفيد "الصليبيون" من مختلف وجوه الحضارة العربيّة الإسلاميّة مما تناولناه وما نذكره هنا سريعاً على سبيل المثال لا الحصر، كتطوير صناعة السفن، وكشف طرق بحريّة جديدة، وتأثُّر بفنّ المعمار المشرقيّ وصناعة الورق وغير ذلك. والجدير بالذكر أنّ صناعة الورق في سوريا وطرابلس ولبنان كانت -قبل الحملات "الصليبية"- قد بلغت شأواً رفيعاً حتى إنّ الرحّالة الإيراني المذكور آنفاً قال في كلامه على طرابلس: إنّ ورقها أجود من الورق السّمرقندي(21). وما يقال في ورق طرابلس يقال في نظيره في دمشق وحلب ومنبج وطبرية وعسقلان. فقد ذكرت بعض المصادر التاريخية العربيّة وسواها أربع ورّاقات في دمشق جاء ذكرها متفرِّقاً في مصادر محتلفة لقلّة عناية المؤرِّخين وأصحاب التذاكر بأخبار الحياة الاجتماعيّة، وتالياً بأخبار التجارة والصناعة والفنّ وسائر منتجات الحضارة، وانصرافهم إلى أخبار الحروب والنزاعات والملوك والأشراف، من دون الاهتمام بحياة الشعب.

وفي هذا الشأن، نُقلت روايات كثيرة حول انتقال صناعة الورق إلى أوروبا خلال الحكم الصليبي في الشرق، خلاصتها أنّ مجموعة من الأَسرى الفرنجيين، من حَمْلة الملك لويس التاسع الفرنسيّ تعلموا فنّ صناعة الورق في ورّاقات دمشق وعسقلان. فلمّا تحرّروا من الأسر، وقفلوا عائدين إلى وطنهم في مقاطعة أُوفِرْنيَه ِAuvergne، استحدثوا الوِراقة فيها، وأطلقوا على ما حولهم من بعض القرى أسماء تُعيدهم إلى ذكرياتهم في دمشق وعسقلان مثل: La Dame, Escalon؛ وإن يَكن بعض المؤرخين يردّون ذلك إلى تسرّب هذه الصناعة عن طريق الأندلس.

فإذا انتقلنا إلى حقل مهم من حقول العلاقات الحضارية بين الطرفين وهو فن المعمار والبناء Architecture دخلنا مجالاً رحباً للحديث والدراسة والبحث. إلا أننا نعمد إلى الإيجاز في إطار بحثنا العام، فنقول: في القلاع والحصون والقصور والمنشآت العسكرية والمدنيّة التي أقامها الفرنج في الشرق- وبعضُها ما يزال قائماً حتى اليوم- يختلط الموروث الشرقيّ بفن العمارة الذي ترعرع في أوروبا، قبل الحملات الفرنجية وخلالها، وفي عهود استقرارها دولاً وممالك. وهنا، لا بدّ من الإقرار بأنّ الصليبيين كانوا بُناةً عظماء ضاهت عمائرهم في المشرق ما رفعته أوروبا من قلاعٍ وحصون ومعابد، ناسجةً على نموذجها. وكان ذلك من لزوم ما يلزم؛ إذ قامت ممالكهم في أرضٍ غريبة عرضة للهجوم المتواصل، فأقاموا حولها وفي النقاط الاستراتيجية منها ما أعْلَوه وحصّنوه. فإذا نظرت من البعيد إلى منشآتهم تبدّت لك الصورة منها لاتينيّة الطِّراز. فإذا اقتربتَ فتفرّستَ في التفاصيل وتقرَّيتها بسائر حواسّك تذكّرت معالم من العمارة البيزنطية والعربيّة والإسلاميّة، بوجه عام. ففرسان المستشفى، مثلاً: Les Chevaliers de l’Hôpital اقتبسوا عن العمارة البيزنطية نظام السُّور المزدوج، والأبراج المستديرة، والمحارز réduits الحصينة المتحكِّمة بالمواقع الضعيفة من الحصون... أما مدرسة الهيكلييّن Templiers فإنها استقت من مَعين العمارة العربيّة، فنقلت عنها الأبراج المربّعة الشكل وغيرَ الناتئة، وكذلك الجدران المرتفعة والخنادق المحفورة عميقاً في الصّخر والنظام البديع للتدعيم بالخشب الذي توارثته العمارة السورية منذ السحيق من العهود. إلا أنَّ المظهر العام لهذه المنشآت يحتفظ بالسِّيماء الأوروبيّة في معمارها المعهود. فإذا عاينت قلعةً رفعها فرسانٌ توتونيوّن Chevaliers Teutoniques (22) في فلسطين، مثلاً، تذكّرتَ على الفور حصون نهر الرّاين المنتشرة على العمائر السابقة الذكر، إلى ضفاف أنهر فرنسا مثل اللوار ومرابِض جبالها الراسيات. نظير ذلك التفاعل في التفاصيل يُقال في أبنية الكنائس والكاتدرائيّات. فقد رفع الصليبيّون عدداً كبيراً منها فوق المواقع التي يقدّسها التقليد المسيحي على امتداد ممالكهم وإماراتهم. وعلى غرار القلاع أخذت خطّة بنائها أو تصاميمها المعماريّة بنظام البناء اللاتيني في سماتها العامّة. إلاّ أنّ المعماريين الذين استلهموا في بنائها الفنيّين الرّومني roman والقوطي gôthique من تراثهم اللاتيني استخدموا في التفاصيل فنّ الزخرفة العربيّ واليونانيّ. ففي حين ارتفعت فوق الجناح المصالب Transept في الكاتدرائيات الرومَنيّة الطراز القبّة البيزنطيّة، نرى السطوح الشرقيّة الطراز تحلّ محلّ السطوح المقرّنة المستدقّة الرأس combles pointus في الكاتدرائيات الأوروبيّة. وإذ قام بنّاؤون يونانيون بتغطية الجدران بشرائح من المزاييك والرُّسوم طُعِّمت برُقُمٍ يونانيّة inscriptions ولاتينية في آن متوالية آخذة بأسلوب الزخرف البيزنطي- نُعاين الزينة العربية وقد شغلت مُنحنيات القناطر الرُّومنية romanes، جامعةً بين وجوه حيوانات خرافيّة ونُقَيْشاتٍ واطئة مثل التراث التقويّ اللاتيني.

خرج من هذا التفاعل بين فنّ المعمار اللاتيني ونظيره من عناصر شرقية مختلفة فنٌّ معماري صليبي طريف ومُركّب، جدير بأن يُدرس دراسة علميّة على أيدي مهندسينا المعماريين وأساتذة الآثار وأساتذة الفنّ في عالمنا العربيّ، لا أن نكِل هذه المهمة إلى الغربييّن يأتون من أقاصي الدنيا ليتدارسوه، وهو قائم في ديارنا على طول ساحلنا اللبنانيّ والساحل السوريّ والعمق السوري - الفلسطينيّ. ففي طرابُلسنا -مثلاً- التي خسرها الصليبيون عام 1289م صمدت قلعة ريمون دوسان جيل المعروفة بصنجيل Raymond de Saint-Gilles مشرفةً على أحيائها القديمة. وفي جُبسل ما تزال كنيسة مار يوحنا قائمة كما كانت، وهي من أجمل نماذج الفنّ الصليبيّ. وفي بيروت تحوّلت كنيسة القدّيس يوحنّا المعمدان التي شيّدها بودْوان ملك القدس عام 1110م إلى الجامع العمريّ الكبير المعروف. إلا أنّ ذلك لم يُغيّر في هندستها اللاتينيّة المجسّمة في شكل صليبٍ لاتينيّ، ووجهتها الشرقية من الغرب إلى الشرق. إلا أنّ الصور التي كان يمكن أن يتجلّى فيها تمازُج الفنيّين اللاتينيّ والعربيّ قد طُليت بالملاط، كما ذكر صالح بن يحيى(23). وكذلك في فلسطين والأردن، إضافةً إلى نموذج احتفظ إجمالاً بطابعه الفرنجيّ هو حصن الأكراد أو قلعة الحصن. وإلى هذه وسواها، تتوزّع المباني الصليبيّة على نواحي قبرس ورودُس التي تراجع إليها الصليبيّون بعد طردهم من المشرق. ففي جزيرة قبرص تعود منشآتهم المعماريّة إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر، في حين تعود في رودُس إلى القرن الخامس عشر.

ومن خلال ما ورد في كلامنا على فنّ العمارة الصليبيّة وتأثّرها في بهض التفاصيل المعماريّة بالفنون العربية-الإسلامية، ومن خلالها بالفنون المتوارثة في بلدان الشرق اللاتينيّ، يتبيّن لنا مقدار الإنجازات المعماريّة التي خلّفها الصليبيون في ديارنا. فإلى جانب القصور والقلاع والحصون والكنائس التي لم نذكر سوى بعضها يُشار إلى بعض الأبنية التي ما تزال قائمة حتى اليوم، ولو مهدَّمة جزئياً، يتقرَّاها علماء الآثار بلمسهم أو يُعملون الخيال في إعادة تركيبها، مثل كاتدرائيتي صور وبيروت وسواهما.

هذه الآثار تركها فرنج الشرق نموذجاً يُحتذى في فن العمارة، ولا يتّسع المجال في بحثنا هذا للكلام على تأثيرها فيما قام ببلادنا بعدها من عمران. ويشار في هذا السياق إلى أن دراسات جديدة لم تُعدّ بعد لتُلقي الضوء الكاشف على هذا الجانب من حياتنا الفنيّة.

أمّا فيما سوى ذلك، فيمكن أحياناً التحدُّث عن تأثير صليبيّ في بعض مناحي ثقافتنا، إلا أننا نؤثر، لأسباب موضوعيّة، تتبّع نتائج الوجود الصليبيّ في الشرق. فغالباً ما كان هذا الوجود حافزاً مهما لظهور تجلّيات ثقافيّة في تراثنا، وإن لم يكن تأثيراً جذرياً بالمعنى الذي يدلّ عليه هذا المصطلح.

هذه النتائج لم تقتصر على ثقافتنا بوجه عام، وأدبنا بوجه خاص؛ بل شملت كذلك ثقافات الغرب وآدابه.

وسنتناول ذلك بالقدر الذي يسمح لنا المقام، محاولين تبيُّن صورة المرأة "الصليبيّة" من خلال مدوّني وقائع تاريخ الفرنج في الشرق. 

تروي لنا المدوّنات الشرقيّة والغربيّة أنّ نساء فرنجيّات كثيرات رافقنَ الحملات الإفرنجيّة على الشرق، وقد قرنت كثيرات منهنَّ إلى أعمالهنّ المنزليّة أو سواها اشتراكهنّ في الحروب. وعجب العرب والمسلمون لمنزلتهنّ الاجتماعيّة بحيث كنّ يشاركنَ في القرار العسكري، إلى جانب مشاركتهنّ في القرار السياسيّ والحكم. كما عجبوا لمشاركتهنّ في الحياة العامّة بمظاهرها الاجتماعيّة المختلفة، فتتعاطى التجارة، شراءً وبيعاً، وتظهر في مناسبات الأفراح والأحزان والأعياد وسائر الأنشطة، جنباً إلى جنب مع الرجل. كما أنها كانت تظهر عواطفها للرجل علناً من دون حياء. وهذه أمور لم تعتَدها المجتمعات الشرقيّة المسلمة المحافظة التي لم تكن لتسمح للمرأة بالاشتراك في الحياة العامّة. لذلك كانت نظرة المؤرّخين الشرقيّين المسلمين قاسية لم تتفهّم تقاليد المجتمعات الغربيّة السائدة بالنسبة إلى المرأة، وبخاصة التقاليد التي سادت مجتمعات الفرنج في الشرق، في الممالك اللاتينيّة. وقد استرعى نظرهم مجاهرتها بالحبّ وخيانة نساء فرنجيّات لأزواجهنّ، فحكموا عليهنّ بالفساد والشذوذ عن المألوف والغرابة في التصرّفات. 

ورغم أنّ بعض النساء الفرنجيّات فرضن احترامهنّ على المجتمع الشرقي آنذاك، لمآثر سُجّلت لهنّ، فإنّ المؤرّخين المسلمين- وإن أظهروا بالنسبة إليهنّ تقديراً. وعجبوا لدورهنّ وخدماتهنّ خلال السلم والحرب -كانوا- في نهاية الأمر قساة في أحكامهم. فقد تحدّت الأصفهاني، بإعجاب مضمَر عن فعاليات سيّدة فرنجيّة "كبيرة القدْر، وافرة الوفر، في جملتها خمسمائة فارس، وهي كافلة بكل ما يحتاجون إليه... وهم يركبون بركبانها ويحملون بحملاتها...". كما تحدّث عن نساء أُخريات مارسنَ فنون الفروسية في المعارك واصفاً إياهنّ بأنهنّ "يبرزنَ في جوقة القتال". إلا أنّه -رغم هذا الواقع المميّز لهنّ- عدّ ذلك خروجاً على سنّة الحياة التي تعوّدها في مجتمعه، وضلالاً مبيناً، فختم بقوله: "فسبحان الذي أضلّهنّ"(24).

هذه المواقف من ثقافة الفرنجة المتجلّية في أًعرافهم وتقاليدهم شاعت في مدوّنات سائر المؤرّخين المسلمين، وكانت -بطبيعة الحال- صدىً لنظرة المجتمعات الشرقيّة المسلمة إليهم، بحيث إن الفئتين لم تُقرّا بفضل لنساء فرنجيّات أدّينَ خدمات للسلطان صلاح الدين حامي الحمى والملك المعظّم ابن العادل. فقد ذكروا أنّ امرأة فرنجيّة مقرّبة من السلطان كانت "تهاديه وتعلّمه كثيراً من الأحوال التي يؤثر علمها"(25). 

كما رووا أن نسوة فرنجيّات كنَّ في خدمة الملك المعظّم ابن العادل يقدِّمنَ له معلومات عسكريّة(26). ومع ذلك، فإنّ مثل هذه المآثر لم تسهم في تحسين صورة المرأة الفرنجيّة في تراث المؤرّخين المسلمين. وهو موقف تجلّى في رحلة ابن جُبير إلى الشرق إذ راعه أن ترافق نساءٌ فرنجيات الرجال خلال عرس شاهده في عكّا، فاستعاذ بالله من "فتنة المظاهر"(27). فربّما كان لتجاوز بعض أولئك النسوة حدود التقاليد الزوجية، أو وقوعهنّ في مصائد الخيانة أثر في نفوس المجتمعات الشرقيّة والمؤرّخين أدّت إلى رسم صورة نمطيّة عن النساء الفرنجيّات وتعميم الأحكام على جميعهن. إلا أنّ ذلك لم يكن رأي الكتّاب -ولا سيّما شعراء العربية- كما سنرى.

إلا أنّ بعض العادات الشرقيّة وجدت سبيلها إلى المجتمعات الصليبيّة في الشرق، بسبب الأحوال المعيشيّة، أو تأثّراً بالمحيط، فعمد الصليبيّون إلى منع سفور نسائهم فارتدينَ الحجاب خارج منازلهم، ومُنعنَ من حضور الحفلات الدينيّة إلا خلال الأُسبوع المقدّس. وهذا كان شأن نساء صقلّية في ﭘالرمو (بَلَرْم أو بالَرمْة بالعربية) اللواتي أحدثنَ أثراً لهذه العادات أخذت بها أنحاء من أوروبا.

فمن آثار "الحملات الصليبية" والحروب المضادّة أن نبّه شعراء وكتّاب بالعربية وصفوا القتال وميادين الحرب، وحضّوا المجاهدين على القتال ومدحوهم. وكان بعض الشعراء يحضرون إلى ميادين القتال لتحميس المقاتلين. إلا أن الشعر الجيّد الذي كان ثمرة هذه العهود الصليبيّة لم يرتفع إلى مستوى شعر المتنبي في وصفه حروب سيف الدولة الحَمْدانيّ ضدّ الروم، ولم يقارب براعة هذا الملحمي الفذّ في الأدب العربي. 

أمّا النثر فلم يحلّق كذلك في جوٍ ملحمي، وظلَّ -من ناحية الأسلوب- محافظاً على المصنوع منه، مسجّع الفِقر، مزوَّق المفردات، يكرّر المعاني المطروقة. ومثاله، على سبيل الذّكر لا التعيين، رسالة محيي الدين بن عبد الظاهر الجذامي السَّعدي الموقِّع كاتب الإنشاء بالديار المصريّة (1223-1293م/620-692هـ) إلى الفرنج، وقد أخذت شواني السلطان(28). إلا أنّ السيف لم يكن باستمرار عنوان الوجود الصليبيّ في المشرق. فقد كانت فترات السلم والاستقرار تُفضي إلى الاختلاط بين الفرنج والسكّان المحليّين. وهكذا كان الناس يعودون إلى أنفسهم فيتواصلون ويمرحون ويفرحون ويعشقون، ويقولون في ذلك شعراً أو يرسلونه نثراً، وإن مقيّد الجناحَين. ولو لم تعبث نوب الدهر بدواوين الشعراء الذين عاصروا تلك العهود الفرنجية وساكنوا "الصليبيّين" لتبدَّت لنا جوانب منها بقيت مظلمة حتى يومنا هذا، ولا سيّما في الحياة الاجتماعية المختلطة في بعض النواحي. ومهما يكن من أمر، وصلنا من فترات الدَّعة واستراحة المحاربين شعر غزليّ عربيّ رقيق ينمُّ عن اختلاط الشعوب واختلاف نظرتهم إلى الحياة، وفي الوقت نفسه عن الشعور الإنساني الواحد. تجلّى ذلك -بوجه خاص- في غزليّات القيسراني العكّاوي التي شّبب فيها بالنساء الصليبيّات. وكان قد نزل أنطاكية عام أربعين وخمسمائة للهجرة، وتنقّل فيها، وشاهد نساءها الصليبيّات، وألمّ ببيوت اللّهو فيها، وقال في ذلك شعراً نقله إلينا العماد الأصفهاني في "خريدة القصر" وصف فيه زرقة عيون الصليبيّات وطول شعرهنّ وطيب الرائحة المنبعثة منهنّ، قال:

لقد فتنتني فرنجيّةٌ ... نسيم العبير بها يَعْبَقُ

ففي ثوبها غصنٌ ناعم ... وفي تاجها قمرٌ مشرقُ

وإن تكُ في عينها زرقةٌ ... فإن سنان القنا أزرقُ

وحين مرّ بمدينة أعزاز استرعى نظره- إضافةً إلى ما تقدّم- ضمور خصور الفرنجيّات، فقال:

بعيونٍ كالمُرهفات المواضي ... وقدود مثل القنا الهزهاز

ونحورٍ تقلّدت بثغورٍ ... ريقها ذَوْب سُكّر الأهواز

ذات خصرٍ يكاد يخفى على الفا ... رِس منه مواقع المهماز(29).

هذان النموذجان من الشعر العربيّ الذي نشأ في محيطات حُكم الفرنجة لشرقنا يدلاّن علة تبدّل مقاييس الجمال المتناقلة في الشعر العربيّ الكلاسيكي. ففي ذلك التراث كان الشعراء يتغنّون بالمرأة السمينة ذات الردفَين الممتلئين المستديرَيْن، والصَدر العامر، والفخذَيْن السمينَيْن. قال طرفة بن العبد: 

وتقصيرُ يوم الدَّجن، والدّجنُ معجبٌ... ببهكنةٍ تحت الخباء المعمَّدِ

إلا أنّهم، -كامرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وسواهم-كانوا يقرنون تلك الأوصاف المستحبّة بهَيْف القوام ودقّة الخصر. قال امرؤ القيس:

مُهفهفةٌ بيضاءُ غير مفاضةٍ ترائبها مصقولةٌ كالسَّجَنْجَلِ

فإذا تجاوزنا العصر الجاهليّ ويمّمْنا عصر بني العبّاس نتبيّن مقاييس الجمال نفسها. قال ربيعة الرّقيّ:

بدت منكِ الروادفُ مشرفاتٍ... روادفُ لم تدعْ للناس دينا

لقد أُعطيتِ أردافاً ثقالاً... وقد حُمِّلتِ ما لا تحملينا

إذا رمتِ القيامَ نخالُ دِعْصاً(30)... يمانعك القيام فتقعدينا(31)

هذا النموذج للجمال جاء كذلك في "ألف ليلة وليلة" وأدبيّات النثر العربي. كما تجلّى في قُصْر عَمْرة وخِربة المفجر (قرب أريحا)، عبر رسوم أو لوحات لنساء(32). 

لكنَّ مقياس الجمال تبدّل عند شعراء عهود الفرنجة الذي يمثّلهم القيسراني العكّاوي في الأبيات المذكورة؛ لأن جمال الفرنجيّات اختلف عن جمال العربيّات والمسلمات الشرقيّات، فاستساغ قوامهنّ في بيئة جديدة استدعت مقاييس جمال جديدة.

خاتمة:

بعد هذه الجولة في ثنايا حروب الفرنجة على الشرق التي يسَّرت لنا الاطلاع على جوانب ظليلة من الكوارث التي أنزلتها تلك الحروب بالنسبة إلى الفرنجة وإلى مجتمعات بلداننا العربيّة والإسلاميّة، يتبيّن لنا أنّ البعد الثقافي لها جدير بأن تدور حوله الأبحاث. فللحروب وجهان: وجهٌ قبيح يرسمه القتال وما يعقبه من مصائب جسديّة ونفسيّة وروحيّة تستمرّ لحقب من الدهر، ووجهٌ خفيٌّ مصقول يحكي التقاء عالمَيْن مختلفين ما كانا ليتفاعلا ويتنافذا ويُنتجا حضارة جديدة ذات آثار خيِّرة للإنسانيّة لولا الحروب. فالاطلاع على ما عند الآخر، والتعرُّف إليه- خصماً ثم إنساناً- يشحذ العقل المطمئنَّ الراكد، ويحرِّره من عقاله، ويُثير العاطفة المستكينة ذات البُعد الواحد، ويحفز الروح على ارتياد حميميّة ما يخالفها لوناً وعمقاً وتجليّات.

فإذا ما قامت هدنة بين الطرفَيْن المتقاتلين تعارفا وأَفاد الواحد منهما من الآخر. هكذا تتبدّل حياة المجتمعات، وتنشأ ألوان من الحضارات جديدة ما كانت لتنشأ في بيئة أحاديّة التوجّه. وشبيه ٌ بذلك الأسفار التي تغيِّر نظرة المسافرين إلى أنفسهم ومجتمعاتهم والكون. أَلم يعلِّم المفكِّر الفرنسيّ مُونتينْي Montaigne هذه الحكمة في قوله: ينبغي القيام بأسفار؛ كيما نشحذ أذهاننا باحتكاكها بأذهان الآخرين.

من هذا المنطلق نرى في حروب الفرنجة وما أعجقها، وفي الأسفار التي جاءت بأهل الغرب المنطوي على نفسه خلال القرون الوسطى إلى الشرق- مرحلةً جديدة من مراحل الإنسانيّة، وإن تكن نتيجةً لأعمال بلغت حدَّ الهمجيّة غير المقبولة. وإذا كانت كفّة الإفادة الثقافيّة رجحت لصالح الغرب- لتخلّفه عن الشرق- فإنها أنتجت جديداً مفيداً لكلا الطرفين.

ولمّا كانت السياسة جزءاً من الثقافة فيمكن القول: إنّ قيام مملكة مدنيّة في بيت المقدس يرأسها نبيل فرنسيّ (عُرفت بمملكة القدس اللاتينيّة) خارجة عن نطاق المملكة البابويّة الدينيّة مهّد في الغرب شيئاً فشيئاً لتراجع نفوذ السلطة الدينيّة المركزيّة الأوروبيّة، وإِن بمرور بضعة قرون. كما مهّد احتكاك مسيحيّي الغرب بمسلمي الشرق ونصارى الشرق- الموزَّعين مذاهب، أُسوةً بالمسلمين- لنشوء مفهوم المجتمع التعدّدي في الغرب، وتحرُّر الفكر الأوروبيّ من النظرة الأحاديّة للحقيقة، والحقيقة القصوى، وعدم احتكارهما. 

وقد كانت لذلك أصداء تجاوزت قيام النهضات في أوروبا، خلال القرن الثالث عشر، والخامس عشر، والسادس عشر، وصولاً إلى القرن الثامن عشر الذي اتّخذ من العقل هادياً، والتجربة منهاجاً، متجاوزًا العقيدة الأُحاديّة.

فبصرف النظر عمّا أفاده الغرب من الشرق على الصعيد الحضاريّ، والشرق من الغرب؛ فإن التقاءهما خلال كرٍّ وفرٍّ استمرّ قرنين، ثم انسحبا على ثلاثة قرون تقريباً، وَلَّد نظرةً جديدة إلى الحياة وتصوّراً للعالم ما كانا ليكون لولا تلك الأحداث. ويمكن اعتبار هذه المرحلة في تاريخ الطرفين- إضافة إلى مرحلة التفاعل الذي حدث بين الأندلس وصقليّة من جهة- وأوروبا المسيحيّة من جهة أخرى، مجمع البحرين الذي ولَّد عالماً أوروبياً جديداً.

إلا أنّ الذي أفاده الطرفان- إضافةً إلى ما ذكرناه وما لم نذكره لتقيّدنا بحدود مرسومة لهذا البحث، وهو الأهمّ ربّما - هو الاقتناع بأنّ الحروب لا تحلّ المشكلات والأزمات؛ بل تعقّدها وتزيد من مشاعفاتها، وتجبر المتصارعين على الجلوس معاً إلى طاولة المفاوضات، بعد أداءِ ضريبة الدم الغالية الثمن. فقد انتهى عدد من المسؤولين ورجال الدين والدنيا- خلال الفصول الأخيرة من حروب الفرنجة- إلى قناعة خلاصتها أنّ القتال لا يحقّق الأهداف المنشودة، وأنّ المعرفة هي السبيل إلى الآخر، وأنّ إقناع الآخر بما نؤمن به لا يكون بالإكراه؛ بل بالحوار واعتماد السُّبُل الحضاريّة. لذلك قام بعض الباباوات والمبشّرين في أوروبا يدعون إلى اعتماد العقل والحجاج في التوجّه إلى المسلمين، متوسّلين بالمعرفة عن طريق تعلُّم العربيّة، لغة القرآن الكريم، والعلوم الإسلاميةّ، والحضارة العربية الإسلامية، فأسّسوا المدارس لهذا الغرض في عدد كبير من جامعاتهم، وظهر دعاة بارزون في هذا المضمار لم يكن رامون لولّ Ramon Lull الكاتالوني سوى أحدهم، كما ذكرنا في متن البحث.

لكنّ المفارقة العجيبة تجلّت في عدد من النفوس الكبيرة في المشرق والمغرب، ممثلةً في مسلم مفكر فذّ هو ابن عربي (محيي الدين)، وفي مسيحيٍّ مفكِّر فذّ هو المايستر (المعلّم) إكهارت. فرغم قدوم الأول من الأندلس إلى دمشق، وحضوره حروب الفرنج وقربه من بعض السلاطين المسلمين، واقتسامه شعور المرارة مع مجتمعه، تعإلى فوق الجراح، جامعاً في جنانه بين الإسلام والمسيحيّة وسائر الديانات حتى غير الموِّحدة منها. وقد تجلّى ذلك في مساره العارج ومؤلفاته وشعره الذي اندرجت فيه هذه الأبيات الخالدة الإنسانيّة النزعة، الروحانيّة التعالي، المنقطعة النظير حيث يقول:

وقد كنتُ قبل اليوم أُنكر صاحبي ... إذا لم يكن دِيني إلى دِينه داني

فأصبحَ قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ ... فمرعىً لغزلانٍ وديرٌ لرهبان

فمسجدَ أوثانٍ وكعبةَ طائفٍ ... وألواح توراةٍ ومصحفَ قرآن؛

أدينُ بدين الحبّ أنَّى توجّهتْ ... ركائبُه، فالحبُّ ديني وإيماني!

كذلك المايستر إكهارت تعإلى فوق الخصومة الدمويّة التي فرّقت بين الشرق والغرب، وسلك مسلك صنوه المسلم ابن عربي، جامعاً بينهما في عروجه الروحانيّ، مؤمناً بالأُخوة الإنسانيّة، دونما تفرقه أو تمييز. فهلاّ اعتبرنا- ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين- أنّ العنف الذي نحيا فصوله -اليوم- والذي فرّق بين أهل الشرق أنفسهمن، وأهل الغرب أَنفسهم- لن يؤدي إلى أيّة فُرجة، وأنّ تحكيم العقل والأخذ بما تمليه الروح الخيِّرة هما مخرجنا الوحيد إلى الحياة معاً بسلام، وإلى مرضاة خالقنا!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) تقع على ضفة العاصي الغربية. أطلق عليها الفرنج اسم Sigajar. والأمير هو ابو المظفّر أسامة بن مرشد بن علي بن مقلّد بن نصر بن منقذ الكِناني، الكلبي. راجع الخريدة (الشام) 1/498-547، إرشاد ياقوت 2/173-197، وسواهما.

2) F. Gabrieli (ed.), Costello (transl.); Arab Historians of the Crusades, London: Routledge and Kegan, Paul, 1969, pp. 82-83. 

انظر أيضاً: فيليب حِتّي في ترجمته بالإنكليزية كتاب الاعتبار An Arab Syrian Gentleman ترجمة: فيليب حتّي، ص160.

3) راجع:

Claude CAHEN: Orient et Occident au Temps des Croisades, p.114.

4) محمد العروسي المطوي: الحروب الصليبية في المشرق والمغرب، ص117. أما رانسيمان فيذكر رسالة: 3/578.

5) Maurice CHEHAB: Tyr à l’époque des Croisades, 2, Paris, Biulletin du muse de Beyrouth, 1979, pp.638-639.

6) S. RUNCIMAN: A History of the Crusades, Cambridge: Cambridge University Press, 1951, 1952, 1954. CF3, 577 and 317.

7) عن الترجمة: العربية لكتاب إرنست باركر Ernest Barker المعنون "الحروب الصليبيّة" (بتصرّف، لعدم أداء البيان العربي للمترجم أصل النص، وركاكته)، ص150-151، من منشورات دار النهضة العربيّة، بيروت، د.ت.

8) Runeiman: History of the Crusades, vol. III, p 159.

9) راجع بحثنا الذي ألقيناه في مؤتمر دوليّ بجامعة ﭘالرمو (صقلّية – إيطاليا) عقده المجمع الثقافي العربي (بيروت) بالاشتراك معها، بعنوان:

Victor El-KIK: Dialogue des cultures euro-arabo-islamiques 

10) راجع في أماكن متفرّقة:

The Journey of William of Rubruck to the Eastern Part of the World, London, 1900.

11) راجع: كتاب الاعتبار، في نصّه الأصلي أو في ترجمته بالإنكليزية التي أنجزها فيليب حتّي.

12) راجع كذلك: كتاب الروضتين، 2/151.

13) .Philip HITTI: An Arab Syrian Gentleman, pp. 162-3

14) رحلة ابن جبير، ص. 406.

15) بنو عمّار: أُسرة من طرابلس، شيعيّة المذهب، حكمت الساحل اللبناني السوري من شمال بيروت إلى جنوب أنطاكية (1070-1109). اتخذت طرابلس عاصمة لها اشتهرت بمكتبتها. احتلّها الفرنج عام 1109.

16) سفرنامه: راجع مقال فكتور الكك "طرابلس الشام في القرن الحادي عشر، كما وصفها ناصر خسرو" في مجلّة البيان الكويتيّة، ع 60، س 5، آذار 1971.

17) Dictionnaire des Lettres Françaises: Le Moyen Age (Notice), Paris, 1993, pp. 1366-1370; et Maurice CHEHAB: Tyr à l’époque des Croisades; in Bulletin du Musée de Beyrouth, 2, Paris, 1979, pp. 31-32.

18) إرنست باركر: الحروب الصليبيّة، ص146.

19) المرجع نفسه، ص206.

20) غيبون: Gibbon انحطاط وسقوط اامبراتورى روم (بالترجمة: الفارسيّة)، ج3، ص1334.

21) راجع: سفر نامه، في متنها بالفارسيّة أو ترجمتها بالعربيّة التي قام بها المرحوم د. يحيى الخشّاب، ص13 أو الترجمة: بالفرنسية:

Charles SCHEFFER: Relation du voyage de Nasiri Khausrau, Paris, 1881, p41.

22) التوتونيّون هم سكان جرمانيا الشمالية.

23) تاريخ صالح بن يحيى، بيروت، ص58.

24) العماد الأصفهاني: الفتح القسيّ، ص349.

25) أبو شامة: كتاب الروضتين في الدولتين، 2/1317.

26) أبو شامة: مرآة الزمان، قسم 2، ج8، ص646.

27) ابن جُبير: الترحلة، ص213.

28) ورد في مطلع الفوائد ومجمع الفرائد لجمال الدين بن نُباتة المصري، تحقيق عمر موسى باشا، دمشق، 1972، ص475. كما يمكن العودة إلى مصادر أخرى لتبيّن نماذج من هذا النثر في: خُطط المقريزي وقوانين الدواوين لابن مماتي وسواهما.

29) حبيب زيّات، عن خريدة القصر، رقمها 3329 من خزانة باريس، ومجلّة المشرق، م 27، ص571-574.

30) الدِّعص: كثيب الرمل المجتمع.

31) ابن المعتز: طبقات الشعراء، تحقيق عبد الستّار فرّاج، دار المعارف بمصر (ذخائر الغرب 20، 1968، ص163.

32) ALI Nadia: “Combinaisons de représentations féminines et de scènes de chasses dans l’art omeyade” Actes du colloque-Femmes d’Orient-Femmes d’Occident, Espaces, mythes et symbols, Toulon (France), 2005.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/12/251

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك