السلام العالمى والإسلام
السلام العالمى والإسلام
.الجمعة، 30 أبريل 2010 خالص جلبي .
يذكر إمام عبدالفتاح إمام في كتابه «الطاغية» أن الفرس كان إذا مات لهم ملك لم ينصبوا ملكًا جديدًا بل انتظروا ثلاثة أيام عن سابق تعمد وقصد. وفي هذه الأيام الثلاثة يبقى البلد بدون حاكم كما يحصل مع الجسد بدون رأس فتعم الفوضى ويكثر الخراب ويشتد القتل، ويهرع الناس في النهاية أمام هذا البؤس الذي لا يطاق فيقبِّلوا يد وقدم ورأس ولي العهد ويرجونه بلهفة وتوسل وإلحاح أن يأتي فيحكم العباد بالطريقة التي يريدها ويضبط البلد ويقيم الأمن فحياة الغابة لاتطاق، وهي نفس النتيجة التي انتهى إليها الفيلسوف البريطاني (هوبز) حينما قال إن الحكم المطلق الأرستقراطي جاء أصلاً كمقابل أمام دخول المجتمع إلى حالة الغابة التي لا تطاق.
ينبني على هذا الكلام الخطير أن الدولة ولدت في التاريخ فودع الناس الغابة خلف ظهورهم وامتصت الدولة كل العنف من المجتمع واحتكرته لنفسها من جهة ومارست الطغيان من جهة أخرى ومهما كان شكل الحكومة فهناك قدر من الطغيان والعنف لا مفر منه ولا محيد، وإلا ما معنى وجود الشرطي حاملاً المسدس في إشارة مرعبة أنه جاهز للقتل في كل لحظة. إن هذا الرمز آلفه الناس منذ وقت بعيد وكان الجنود سابقًا يحملون الرماح والسيوف في عهد الفراعنة والرومان وكلها مؤشرات للقوة وأنهم أدوات بيد الحاكم والحكومة تسلطهم في أي لحظة من ليل أو نهار للفتك بمن يرفع رأسه ويعكر المزاج العام أو يخل بالأمن فهذا هو السبب العميق خلف قيام الحكومات. وقيام الحضارات كتحصيل حاصل، ولكن يتفرع من هذا الأمر شيئان خطيران للغاية وهما في حالة حركية توسعًا أو ضيقًا اشتدادًا وإظلامًا أو انفراجًا ونشاطًا وهي علاقة الأمن بالإرهاب إن صح التعبير لأن موجة الحديث هي في هذا الاتجاه هذه الأيام وأنا أريد من كلامي هذا أن أبرز المعاني الضخمة التي أدندن حولها منذ زمن بعيد عن معنى العنف واللاعنف وأهمية السلام وأفكار السلام ولماذا جاء الأنبياء بدعوة السلام، والإسلام هو السلام خالصًا سائغًا للشاربين.
عندما تحتكر الحكومة العنف يحصل أمران رهيبان الأول داخلي والثاني خارجي. فأما الداخلي فإن التمكن من السلطة والجند والأسلحة يعطي مذاقًا رائعًا لا يقاوم للطغيان وبقدر وضع اليد على هذه القوة الهائلة بقدر الغرق في هذه اللذة السلطانية ولم يأت الأنبياء عبثًا في التاريخ، لأنهم أقروا وجود الدول ولكنهم دعوا إلى تقليص جرعة عنف الدولة بحيث تعمل قوات بسيطة من الدولة كما تعمل المطافئ للحرائق، وهناك الكثير من الناس لا يتفاهمون أخلاقيًا عندما يختلفون فكان وجود الدولة من أجل حسم النزاعات، ومنظرًا بسيطًا من حوادث السير وكيف يتسابب الناس ويتخاصمون مبرر كاف للشرطة كي تحكم بين العباد ومن رفض أدخلته السجن وغرمته، وبقدر تهذيب أخلاق الناس وتفاهمهم بقدر تقلص ظل الدولة وعنفها واليوم هناك نية في سويسرا لسحب أي سلاح من الشرطي كما أن بلجيكا في طريقها لإلغاء الجيش. والأمر الثاني لم يحل حتى الآن وهو في طريقه إلى الحل ربما خلال قرون قادمة وهو أن الدولة استطاعت أن تضمن الأمن داخليًا ولكنها عجزت خارجيًا فلا يوجد من يخصم النزاعات بين الدول، وهكذا فبتسلح الدول برمجت النزاعات وهذا يفسر الأمن داخل الدولة الواحدة والحروب بين الدول. والخلاصة في هذه القضية الشائكة أنه بقدر الإرهاب بقدر تقلص حرية الأفراد وانحسار الأمن الاجتماعي والعكس بالعكس سنة الله في خلقه وخسر هنالك المبطلون.
السلام في الإسلام
في السبعينيات صدر كتاب إلى السوق بعنوان «معالم على الطريق» للكاتب الإسلامي المعروف «سيد قطب» وفي أجواء من الصراع السياسي دفع الرجل حياته ثمنًا لأفكاره، ولكن المهم في أفكار الرجل أنه في الخمسينيات كان يحمل توجهًا إنسانيًا مفتوحًا ظهر في كتابات من نوع (العدالة الاجتماعية في الإسلام) و (السلام العالمي والإسلام)، وكم تمنيت أن يكون قد طور أفكاره في اتجاه السلام العالمي بدل طروحاته حول الجهاد في كتاب معالم في الطريق أو التفسير الموسع الأخير في ظلال القرآن في الأجزاء 11 الأولى منه، حيث ضمن التفسير أشد آرائه تطرفًا خاصة حينما استفاض في الحديث في تفسير سورة التوبة وقال فيها إنه كان عنده شيء من غبش الرؤية ثم توضحت له الأمور. ومما ذهب إليه أن المسلمين في مكة لم يستخدموا القوة المسلحة لاعتبارات محلية ذكرها في التفسير والمعالم على حد سواء، حيث إن كتاب المعالم احتوى فصلين سياسيين خطيرين عن معنى التوحيد والجهاد. وقال إن جيل الصحابة لم يمد يده إلى السلاح لقتال قريش لأسباب لها علاقة بالمحيط المحلي ولم ينتبه إلى أنها استراتيجية نبوية أن الجهاد هو آلة بيد دولة راشدية وليست مناطة! ومخول أن يتصرف فيها فرد أو جماعة فذكر أمورًا مثل اعتياد العربي الحمية والثأر فأراد الإسلام تدريب أتباعه على ضبط النفس أو أنه خوفًا من حدوث مقتلة عائلية أو أن آل طالب كانوا يحمون الرسول صلى الله عليه وسلم أو أن العرب كانت تأخذهم الحمية لرؤية رجل يظلم فهل يمكن رؤية هذا في مجتمعات حديثة أكلها الخنى والخضوع. وأتذكر أنه شرح ربما ستة أسباب لذلك والمهم وأنا أذكر هذه الأشياء أن الأمور وصلت إلى حافة خطيرة بحيث تهدد كل بلد عربي بانفجار ولذا كان من الضروري الوقوف أمام الجذور الثقافية لظاهرة العنف.
وعندما كتب قطب كتابه عن العدالة الاجتماعية في الإسلام أو كتابه الرائع الثاني عن السلام العالمي والإسلام بدت عليه المسحة الإنسانية والانفتاح ولو تابع في نفس الاتجاه لترك بصماته على الفكر الإسلامي المعاصر باعتبار أن الرجل كان له رصيده بين الشباب الإسلامي وما يزال، ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً، وكتابه الظلال مازال يطبع ويطبع بآلاف لا تحصى من النسخ ولكن لم يتجرأ أحد بعد بتسليط الضوء على المفاهيم الخطيرة والمركزة والمكثفة من تلك التي يحتويها كتاب المعالم أو تفسير الظلال في أجزائه الأولى.
وأتذكر «فتحي رضوان» المفكر المصري عندما التقيت به قبل عشرين سنة في مصر أنه قال لي إن «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان المسلمين قال له إنه في طريقه إلى الانسحاب من العمل السياسي وأنه يريد تحويل نشاط الجماعة إلى بستان أخلاقي لتربية الشباب على التقوى والخلق الحسن وأما العمل السياسي فهذا شيء آخر.
قد يرفد العمل السياسي ولكن ليس هدفه العمل السياسي وأذكر عبدالحليم أبو شقة المفكر المصري ـ رحمه الله ـ عندما كان يخبرني أثناء زياراته المتكررة إلي في ألمانيا أن فكر المعالم لم ينتبه أحد إلى خطورة ما جاء فيه وإن فيه جرعات مكثفة خطيرة من التطرف وتحتاج إلى من يعدلها. والذي حدث أن الرجل عندما أعدم أخذت أفكاره طابع القدسية وتأثر الناس البليغ بها. ونفس قطب يقول إن كلماتنا تبقى عرائس من شمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة. وهذا خلط شديد بين صحة الفكرة وموت صاحبها، فالشيوعيون مات منهم الكثير من أجل أفكارهم وكذلك القوميون وأخلاط شتى من الناس فلا يعقل أن تكون فكرة ما صائبة لأن صاحبها نام في الحبس من أجلها أو مات في سبيلها ويجب الفصل بين تضحية صاحبها وبين صحة أفكاره. ولكن لاينتبه أحد إلى الأثر السيكولوجي لانتشار أفكار رجل ما.
وأعرف أن كلامي هذا سيلقى معارضة شديدة ولكن لابد من الحديث فيه لأن الأمور بلغت حدًا خطيرًا يهدد المجتمع العربي برمته من تفاقم ظاهرة التطرف والمفهوم المغلوط للجهاد.
المصدر: http://www.alwihdah.com/issues/other-issues/2010-04-26-2177.htm