حقيقة الإرهاب المفاهيم والجذور
الدكتور مطيع الله بن دخيل الله الصرهيد الحربي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمــة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فقد تلقيت دعوة كريمة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للمشاركة في أحد محاور المؤتمر الدولي لموقف الإسلام من الإرهاب، الذي سيعقد بتاريخ 23هـ بمدينة الرياض.
وحيث إن هذا الموضوع مهم جدا، وخطير يستوجب من العلماء التصدي له وتفنيده، وتتبع جذوره، ومظاهره لاستئصاله، أو محاصرته على الأقل قبل استفحاله.
وقد لاقى في ذلك القبول والاستحسان؛ لما فيه من خدمة للإسلام، المجافي للغلو والتطرف، البعيد كل البعد عن وسائل العنف والتعنت، والذي حرم مجرد ترويع الآمنين، وإرهابهم بأي أمر أو تهديد يؤدي إلى ذلك صغر أم كبر بغير حق موجب له !!.
ورسم للمسلمين وغيرهم طريق الوسطية، والاعتدال في العقيدة، والسلوك، والمنهج، وحسن التعامل والمعاملة.
لذا أحببت أن أشارك بهذا البحث الذي أسميته: حقيقة الإرهاب (المفاهيم، والجذور). وقد جعلته في مقدمة ومبحثين.
ذكرت في المبحث الأول معنى الإرهاب في اللغة، وتعدد المفاهيم حوله، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في بيان معنى الإرهاب في اللغة.
المطلب الثاني: تعدد مفاهيم الإرهاب، واختلاف وجهات النظر حولها.
المطلب الثالث: في مناقشة المفاهيم، والتعريفات القريبة من الصواب.
المطلب الرابع: في التعريف المقترح للإرهاب.
أما المبحث الثاني فهو في بيان نشأة الإرهاب، وجذوره، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في بيان نشأة الإرهاب العالمي.
المطلب الثاني: سيادة الإرهاب في العالم.
المطلب الثالث: في بيان جذور الإرهاب في البلاد العربية والإسلامية.
وقد رجعت في كل ذلك إلى بطون الكتب والمراجع الأساسية المعول عليها، وأجريت دراسة ميدانية، واستقراء لواقع بعض من قام بهذا العمل، وصغته في كتاب مستقل لم يطبع بعد، أسميته الإرهاب في نظر الإسلام (حقيقته، جذوره، أسبابه، حكمه، حلوله) دراسة موسعة وموثقة بالأدلة، استغرق مني حوالي عشر سنوات، اجتهدت فيه قدر استطاعتي، ووددت نشره والاستفادة منه، راجيا من الله المثوبة والغفران، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يحتسبه في ميزان حسناتي يوم لقائه، والخير أردت، فإن وفقت فهو من فضل ربي، وإن كانت الأخرى، فحسبي أني بذلت جهدي، وعلى غيري أن يعلي البنيان ويحسن البيان.
المبحث الأول
تعــدد مفاهيم الإرهاب واختلاف وجهات النظر حول مصطلحه
المطلب الأول : معنى الإرهاب في اللغة:
الإرهاب مصدر أرْهبْ يُرهِبْ، وأصله مأخوذ من الفعل الثلاثي: رَهَبَ يَرْهَبُ.. ويأتي في اللغة - لأحد معنيين كما يقول ابن فارس: أحدهما يدل على خوف، والآخر يدل على دقةٍ وخفة. فالأول: الرهبة، تقول: رَهَبْتُ الشيء رُهْبا ورَهَبا ورَهبة، أي خفته ([1]).
يقول ابن دريد: "رَهَبَ الرجل يَرْهَبُ رَهْبَا ورَهَبا: إذا خاف.. ومنه اشتقاق الراهب والاسم الرهبة... والرَهَبُ: الفزع ([2]).
ويقول ابن منظور: رَهِبَ يَرْهَبُ رَهبَة ورُهْبا: أي خاف، وأرهبه ورَهَّبه واسترهبه: أخافه وفزَّعه ([3]).
وجاء في تاج العروس: أرْهَبَه: استَرهَبه حتى رهِبه الناس... والإرهاب بالكسر: الإزعاج والإخافة ([4]).
وقد وردت لفظة (رهب وأرهب) في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف في مواضع عديدة.. فمن القرآن الكريم:
1- قوله تعالى: { ûÓÍ_t6»t? ?@?ÏäÂu?ó Î) (#rã?ä.ø?$# zÓÉLyJ÷èÏR ûÓÉL©9$# àMôJyè÷Rr& ö/ä3ø?n=tæ (#qèù÷rr&ur ü?Ï?ökyéÎ/ Å$ré& öNä.Ï?ôgyèÎ/ }?»?Î)ur Èbqç7ydö?$$sù ÇÍÉÈ } ([5]).
فمعنى قوله تعالى: { }?»?Î)ur Èbqç7ydö?$$sù ÇÍÉÈ } ([6]) أي خافون، والرُّهْبُ والرَّهْبةُ: الخوف، ويتضمن الأمر به معنى التهديد انظر: ([7]).
2- قوله تعالى في سورة الأنفال: { (#r??Ïãr&ur Nßgs9 $¨B OçF÷èsÜtGó?$# `ÏiB ;o§qè% ÆÏBur ÅÞ$t/Íh? È@ø?yÜø9$# ?cqç7Ïdö?è? ¾ÏmÎ/ ¨rß?tã «!$# öNà2¨rß?tãur tûïÌ?yz#uäur `ÏB óOÎgÏRrß? ?w ãNßgtRqßJn=÷ès? ª!$# öNßgßJn=÷èt? 4 $tBur (#qà)ÏÿZè? `ÏB &äóÓx« ?Îû È@?Î6y? «!$# ¤$uqã? öNä3ö?s9Î) óOçFRr&ur ?w ?cqßJn=ôàè? ÇÏÉÈ } ([8]).
فمعنى قوله تعالى تُرْهِبُون أي تخيفون ([9]).
يقول ابن العربي في تفسير تُرْهِبُون أي تخيفون بذلك أعداء الله وأعداءكم من اليهود والنصارى وكفار العرب ([10]).
وقد أوضح الفخر الرازي أن الحكمة من إعداد القوة ورباط الخيل هي أن الكفار إذا علموا أن المسلمين متأهبون للجهاد، ومستعدون له، ويملكون جميع الأسلحة والأدوات: خافوهم ([11]).
ونحو ذلك من الآيات التي تدل على أن معنى (رَهَبَ وأرْهب) لا يخرج عن الخوف.
ومن الحديث النبوي الشريف ما رواه البراء بن عازب أن النبي r قال: { إذا أخذت مضجعك، ثم اضطجعت على شقك الأيمن، فقل اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت } ([12])...) ([13]).
وقد فسر ابن الأثير الرهبة الواردة في الحديث بأنها: الخوف والفزع ([14]).
ومن هنا يتضح: أن كلمة (رَهَب وأرْهَب) التي وردت في القرآن الكريم، والحديث الشريف لا تخرج عن معناها في اللغة العربية وهو: الخوف والفزع والخشية.
المطلب الثاني: تعدد المفاهيم حول مصطلح الإرهاب
ظهر لي - من خلال التتبع والاستقراء - أن الإرهاب المعبر عن نوعية خاصة من الجرائم المعاصرة: مصطلح محدث، لم أجد له تعريفا في المصطلحات الشرعية لدى العلماء القدامى؛ لأن أول ظهور واستخدام له - بهذه الصورة - لم يطلق إلا منذُ قرنين ونيّف إبان الثورة الفرنسية عام (1789-1794م) ([15]). وهذا يعني أنه نابع من فكر أوربي، ويرد المزاعم الباطلة التي تصف الإسلام به.
وقد اختلف العلماء والمفكرون في جميع أنحاء العالم على اختلاف أديانهم اختلافا كثيرا في تحديد معناه، وضبط مفهومه حتى الآن وهذا ما زاد مصطلحه غموضا وتعقيدا، والسبب في ذلك - في نظري - يعود لأمرين:
الأمر الأول: الاختلاف في طبيعة العمل الذي يمارسه الإرهابي.
فقد تعددت وجهات النظر في ذلك، فالإرهابي يعد في نظر بعضهم مجاهدا أو مناضلا من أجل الحرية، وفي نظر بعضهم الآخر مجرما يستحق العقاب !
الأمر الثاني: الالتباس القائم بينه وبين بعض المصطلحات الفقهية كالحرابة والبغي، والكفاح المسلح من أجل التحرر، والجهاد المشروع.
وبناء عليه كثرت التعريفات، وتشعبت الرؤى بين العلماء المفكرين في ضبط مفهومه، وتحديد معناه. ويمكن لي أن ألخص تعريفات الإرهاب الواردة في المعجمات والقواميس، والمنظمات الدولية، وبعض المفكرين فيما يأتي:
أولا - تعريفات المعجمات والقواميس للإرهاب:
أ - تعرف المعجمات الإرهاب بأنه: ذلك النشاط، أو تلك الوسائل المستخدمة لنشر وبث الرعب ([16]).
ب - تعرفه القواميس بأنه: وصف يطلق على كل من يلجأ إلى استخدام العنف لتحقيق أهداف معينة ([17]).
ثانيا - تعريفات المنظمات الدولية:
أ - عرفت قرارات الأمم المتحدة الإرهاب بأنه: تلك الأعمال التي تعرض للخطر أرواحا بشرية بريئة أو تهدد الحريات الأساسية، أو تنتهك كرامة الإنسان ([18]).
ب - عرفه خبراء الأمم المتحدة بأنه: استراتيجية عنف محرمٌ دوليا، تحفزها بواعث عقدية (إيديولوجية) تتوخى إحداث الرعب داخل المجتمع لتحقيق الوصول إلى السلطة أو تقويضها ([19]).
ج- عرفه القانون الدولي بأنه: جملة من الأفعال التي حرمتها القوانين الوطنية لمعظم الدول ([20]).
د - عرفته الخارجيــــة الأمريكية بأنه: عنف تولده دوافع سياسية، وينفذ - مع سبق الإصرار- ضد مدنيين لا صلة لهم بالحرب، أو ضد عسكريين عزل من السلاح تقوم به جماعات وطنية، أو عملاء سريون ([21]).
هـ- عرفته الاتفاقية العربية بأنه: كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به، أيا كانت دوافعه أو أغراضه، يقع تنفيذه لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم وأمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق أو الأملاك (العامة والخاصة) أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر ([22]).
و - عرفه المجمع الفقهي الإسلامي بأنه: عدوان يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى، والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم، أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها ([23]).
ثالثا - عرفه كثير من المفكرين والقانونيين والكتاب بأنه:
استخدام عنف منظم بقصد إيجاد حالة من التهديد الموجه ضد الدولة أو الجماعة؛ لتحقيق أغراض سياسية ([24]).
وبعضهم يعرفه بأنه: حرب مدمرة تقوم به جماعة سياسية أو عقدية لها طابع منظم بقصد إحداث حالة من التهديد أو الفوضى؛ لتحقيق السيطرة على المجتمع، أو إسقاط سيطرة الدولة القائمة.
المطلب الثالث: مناقشة التعريفات
من خلال استعراض التعريفات وجدت أنها اتخذت مسلكين مختلفين لبيان مفهوم الإرهاب.
المسلك الأول وصف الإرهاب بأنه: عنف وعدوان.
وقد ذهبت إليه كل من تعريفات خبراء منظمة الأمم المتحدة، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والمجمع الفقهي الإسلامي، والخارجية الأمركية.
وهو ما ذهب إليه كلٌ من أندرسون، وإيريك موريس، وسليم قريشي، والدكتور أحمد جلال عز الدين، وأحمد رفعت، وعبد الناصر حريز، ومحمد دعبس، وقاموس علم العلاقات الدولية.
ومن هذه المجموعات من أضاف إلى العنف: التهديد بالعنف كالاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وإيريك موريس، وعبد الناصر حريز، ومحمد دعبس.
المسلك الثاني وصف الإرهاب بأنه: رعب.
وقد ذهب إلى هذا المسلك كل من تعريف القاموس السياسي، ومعجم الدبلوماسية، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، ومعجم العلوم الاجتماعية والرائد.
ويلحظ على ذلك ما يأتي:
أ- أن التعريفات التي سلكت المسلك الثاني: ارتكزت على التعريف اللغوي للإرهاب بينما أهملته التعريفات التي سلكت المسلك الأول، ولا شك أن مراعاة المعنى اللغوي في التعريفات الاصطلاحية أولى من إغفاله.
أضف إلى هذا أن بعض التعريفات التي سلكت المسلك الأول، قررت: أن هذا العنف يهدف إلى إيجاد حالة رعب، وهو ما ذهبت إليه الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والمجمع الفقهي الإسلامي، وذهب إليه سليم قريشي، وأحمد رفعت.
ب- أن بعض التعريفات ذكرت الهدف من الإرهاب، والأعمال الإرهابية سواء منها التي عرَّفت الإرهاب بأنه: عنف، أم تلك التي عرَّفته بأنه: رعب.
وقد ذهب إلى هذا كلٌ من تعريف خبراء الأمم المتحدة الإقليميين، والاتفاقية العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب، وتعريف أندرسون، وإيريك موريس وسليم قريشي، والدكتور أحمد جلال عز الدين، وأحمد رفعت، وعبد الناصر حريز، ومحمد دعبس، والقاموس السياسي، وقاموس علم العلاقات الدولية، ومعجم الدبلوماسية والشئون الدولية، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، وذهب إليه أيضا المعجم الوسيط، والمنجد، والرائد.
ج- يلحظ أن بعض التعريفات أوضحت: أن الإرهاب تقوم به جماعة منظمة، وهو ما ذهب إليه الدكتور أحمد جلال عز الدين، ومحمد دعبس، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية.
عناصر الإرهاب:
من خلال ما سبق يتبين أن تعريف الإرهاب يقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي:
1- أعمال معينة وُصِفت بأنها عنف، أو رعب على خلاف بين التعريفات في ذلك كما ذكرنا.
2- هدف أو مقصد معين يستهدفه الإرهاب، سواء كان هذا الهدف الوصول إلى السلطة، أو إسقاطها، أو إخضاع الآخرين لسلطان ممارسي الإرهاب، أو نحو ذلك من الأهداف السيئة.
3- جماعة منظمة تقوم بالإرهاب، وتسعى إلى تحقيق أهدافها المرسومة !
فهذه هي العناصر الأساسية التي اشتركت فيها التعريفات السابقة.
المطلب الرابع : التعريفات القريبة من الصواب
يتضح مما تقدم أن أقرب هذه التعريفات إلى تصوير حقيقة الإرهاب: هي التعريفات التي اشتملت على جميع العناصر الأساسية التي ذكرناها للإرهاب.
وبناء عليه يمكن القول: إن هذه العناصر قد اجتمعت في تعريفات كلّ من المجمع الفقهي، والدكتور أحمد جلال عز الدين، وأحمد رفعت، وعبد الناصر حريز، ومحمد دعبس، وهم ممن سلك المسلك الأول الذي عرَّف الإرهاب بأنه: عنف أو عدوان.
وفي الجانب الذي عرَّف الإرهاب بأنه: رعب، نجد أن تعريف معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية جمع العناصر الثلاثة الأساسية.
فهذه التعريفات تضمنت العناصر الأساسية للإرهاب، فهي إذن متقاربة في معناها وفي صياغتها.
وإذا كان لي أن أفاضل بينها فإني: أقدم عليها تعريف معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية؛ لأنه يفضُل عليها في تضمنه المعنى اللغوي للإرهاب، وهو (الرعب والفزع).
غير أن هذا التعريف والتعريفات التي اشتركت معه في العناصر الأساسية يُلحظ عليها التطويل والتكرار، هذا عيبٌ من عيوب التعريفات يُحتـــِّم علينا صياغة تعريف يخلو ما أمكن من ذلك.