الإنسان بين المسؤولية والمساءلة

أسعد فتحي

لم يخلق الله عز وجل هذا الكون عبثاً وكذلك الإنسان {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون:115].

ولنلاحظ الربط في الآية بين هدف الخلق ابتداءً وهو الغاية، وبين الرجوع وهو دلالة الحساب يوم القيامة.

فإن غاية خلق الإنسان كما قررها القرآن الكريم هي عبادة الله عز وجل؛ فقد قال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56]

والسؤال الأهم في هذه الوقفة هو: ما هي هذه العبادات التي طلبها الله عز وجل من الإنسان؟

والذي يستدعي هذا السؤال هنا هو أن الله عز وجل قد خلق الملائكة من قبلنا تصلي وتعبد وتذكر الله عز وجل ولا تأكل ولا تشرب مطلقاً؛ قال تعالى {ومَن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفتُرون} [الأنبياء:19-20].

فالظاهر من هذه النصوص ومن هذه الأوامر الربانية أن الله ميّز الإنسان بعبادة لم تأت بها الملائكة، فالله لم يطلبها من الملائكة ابتداءً.

لكن ما يبقى على الداعية فهمه هو ماهية هذه العبادة المطلوبة منه؟ وما هي الأولوية في العبادة؟؟

إن المتتبع للنص القرآني يجد أن هذا النص المجمل قد فصّله الله تعالى وأشار إليه في مواضع أخرى، وصحيح أن الصلاة والصيام وغيرهما من عبادات الجوارح أو عبادات القلوب طلبها الله عز وجل من الإنسان، لكن يبقى ما هو أهم من ذلك وأولى وهو قوله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة:30]، ولما تساءلت الملائكة لم تتساءل عن جنسه أو أصله أو حتى من هو؟، فتساءلت قائلة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} [البقرة:30]. فقد فهمت الملائكة منذ القدم مهمة هذا المخلوق الذي سيجعله الله خليفة لهذه الأرض، وهي إصلاحها وعمارتها وأداء الاستخلاف فيها، ولذلك نوهت بقولها {يفسد فيها ويسفك الدماء}.

“من شأن منظومة العمل الجماعي أن تحقق مفهوم الاستخلاف في الأرض، وتقيم العدل فيها، وتقف صفاً واحداً في وجه العدوان والإثم والباطل”

وبناء على ما سبق، أعطى الله عز وجل هذا الإنسان من الخصائص العقلية والجسدية والنفسية وغيرها ما يستطيع من خلالها أن يحقق هذا المفهوم ألا وهو الاستخلاف، فالإنسان مدني بطبعه كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته، وهذا يساعد الإنسان على التعايش مع الآخرين مما يساعد في تكوين منظومة “العمل الجماعي” والتي من شأنها أن تقيم العدل في الأرض وتحقق الاستخلاف فيها، وتقف صفاً واحداً في وجه العدوان والإثم والباطل.

وهنا نتوقف لحظة لنتأمل قول الله عز وجل: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان} [الأحزاب:72]، ولما حملها الإنسان أعطاه الله عز وجل “مناطاً” لهذا التكليف ألا وهو العقل.

إذن لو تفكرت معي قليلا لوجدت أن قول الله عز وجل {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} تجد أن تفسيره مباشرة في قوله {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}.

وماذا يترتب على هذه الاستنتاج؟؟

لما أمر الله الإنسان بالعمل والخلافة والعمارة والسياسة والقضاء وتطبيق الحدود ورعاية حقوق العباد حتى عندما أمر بالصلاة والزكاة والصيام، وكذلك عندما نهى عن المعصية، كل ذلك كان خطاباً جماعياً ولم يكن خطاباً فردياً، فالمسؤولية على الجميع، مسؤولية إقامة الحكم أو الأمر لا مسؤولية تطبيقه، لن نكون كلنا (خلفاء) مع أنها مطلوبة من الجميع.

والأغرب من هذا كله هو أن الله سيجعل المساءلة على هذه الأشياء فردية وليست جماعية، أي أنك ستسأل يوم القيامة وحدك: ماذا فعلت لتطبيق الشريعة في الأرض؟؟ وستسأل فردا عن فلسطين وما صنعت لها، وعن العراق وماذا صنعت لأجلها؟؟ كل وحدك. وستجيب وحدك..

ولكي تعي ما أقول اسمع هذا الخطاب الرباني لآدم عليه السلام، وهو خطاب لآدم ولكنه يشرح كل شيء منذ البداية: {فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} [طه:117].

“لا بد أن يحرص الجميع على إنجاح المشروع المتمثل بالاستخلاف وتطبيق ما أمر الله به، وذلك من خلال العمل الجماعي. لأن الجميع مطالب بهذا التكليف، علماً بأن الله لا يحاسب على النتائج وإنما يطلب الأسباب أي العمل”

أظنك لاحظت ما أردت. فالخطاب “يخرجنكما”، لكن النتيجة “تشقى” وليس “تشقيا”. وتأكيداً على هذا المعنى يقول الله تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً} [مريم:95].

لو استطعنا أن نصل مع الناس لهذا المفهوم لاستطعنا أن نصل إلى فكرتين اثنتين أرادهما النص القرآني هاهنا وهما:

أولا: حرص الجميع على إنجاح المشروع وذلك من خلال العمل الجماعي. لأن الجميع مطالب بهذا التكليف، علماً بأن الله لا يحاسب على النتائج وإنما يطلب الأسباب أي العمل.

ثانياً: حرص الجميع على إخلاء المسؤولية أمام الله عز وجل لأن الحساب فردي، وهذا الذي يصنع الوازع الديني الفردي داخل مجموعة العمل الجماعي، فلا ينظر لغيره لأنه مسؤول يوم القيامة وحده.

فالمسؤولية مشتركة على الجميع لكن المساءلة فردية على الأفراد.

المصدرر:http://www.basaer-online.com/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك