اليمن .. ساحة حرب جديدة ضد المشروع الإصلاحي السُّنِّي!

أحمد التلاوي

كانت الأحداث المتسارعة التي تشهدها اليمن في وقتنا الراهن، والتي وصلت إلى ذروتها باستيلاء جماعة الحوثيين اليزيديين، على العاصمة اليمنية صنعاء، باستخدام القوة المسلحة؛ بمثابة صدمة عارمة ومفاجأة كبيرة بالنسبة للكثيرين من أبناء الحركة الإسلامية في اليمن، وفي العالم العربي والإسلامي.

مبعث هذه المفاجأة، والتي لم تكن كذلك بالنسبة للمطلعين على دقائق الأمور في اليمن في الأسابيع الأخيرة، هو طبيعة ما جرى في سهولته؛ حيث يحاول الحوثيون منذ سنوات تحقيق أي تقدم عسكري في الأراضي اليمنية، وكان ذلك يتم لهم بصعوبة بالغة في كثير من المناطق شبه الفارغة، والمناطق القبلية، ثم، وفجأةً؛ يجد العالم الإسلامي، وقد سيطرت عصابات الحوثيين المسلحة على عاصمة من أهم العواصم العربية والإسلامية.

ولم تقف المفاجآت عند هذا الحدث؛ حيث إن هناك الكثير من الشهادات التي تطوع خيرًا بعض الإخوة من الإعلاميين والسياسيين اليمنيين، وحتى من المواطنين العاديين بتقديمها، تشير إلى تعاون “كامل”- هكذا يصفوه- من جانب حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة الرئيس عبد ربه هادي منصور، في تحقيق هذا الوضع، بكل تبعاته السياسية، والتي على رأسها، الإطاحة بـ”دولة” الإخوان المسلمين في اليمن، على النحو الذي يصفون به تقدم مشروع الإسلام السياسي في اليمن، والذي كانت أحد مفرزات ثورة الشعب اليمني على حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ويرى البعض في تفسير الموقف السعودي، هو أن الأمر يرتبط بالتهديدات الأقرب للأمن القومي لنظام آل سعود الحاكم في الرياض، وهو الإخوان المسلمون وجماعات السلفية الجهادية، فالأولون- الإخوان- يطرحون بديل حكم حقيقي بتصور متكامل لدولة العدالة الاجتماعية والمساواة، تنطلق خارج الآفاق بعد ذلك لتحقيق الوحدة الإسلامية، بينما السلفية الجهادية لا تمزح مع من يخرجون عن السياق الإسلامي السليم وفق تصوراتهم.

وقبل دراسة ما جرى، وتأمل أسبابه، واستخلاص العِبَر منه؛ فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أمرَيْن على قدر من الأهمية لفهم ما جرى ويجري في اليمن، الأمر الأول أن ذلك الذي جرى لا ينفصل عما سبق أن تناولناه وتناوله أساتذة آخرون لنا، حول الحرب العالمية الحالية على الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي الصحوي، الذي يعبر أكثر من غيره عن المشروع الحضاري الإسلامي.

هذه الحرب التي تفاعلت منذ مطلع التسعينيات الماضية، بعد انتهاء الغرب من حربه على الشيوعية والاتحاد السوفيتي السابق، بتفكيكه وتفكيك الكتلة الشرقية، وإلقاء حلف “وارسو” في غيابات التاريخ.

“ما يجري في اليمن يعتبر ضمن الحرب التي تستهدف تصفية ثورات الربيع العربي، ونتائجها، وتصفية مشروع “الإسلام السياسي” الذي اكتسب قوة دفع كبيرة من الانتصار الذي حققته الثورات الشعبية العربية على نظم الفساد والاستبداد”.

الأمر الثاني، وهو مرتبط بذلك، هو أن ما يجري في اليمن- بالتبعية- لا تنفك عُراه عما جرى في العراق، وفي مصر وتونس وليبيا، من تآمر لإسقاط المشروع الصحوي، ولعلنا نتذكر كيف أن ثورة العشائر العربية السُّنِّية ضد حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الطائفية، والتي بدأت وانتهت سلمية، قد انتهت بظهور “مفاجئ واكتساحي” لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، للأراضي العراقي، على ذات النحو الذي تم في اليمن، ولكن من خلال الحوثيين هذه المرة.

ولا يغرنَّ أحدًا وما يتردد عن تحالف دولي يضرب “داعش” الآن في العراق وسوريا، فكل ذلك ؛ ففي “أوج” هذه “الحرب”؛ نجد أن قوات “داعش” تتقدم لتحاصر مدناً وقرىً كردية وقواعد جديدة للجيش العراقي، بينما الضربات التي تمت في سوريا، استهدفت جبهة “النصرة” التي تحارب النظام السوري القاتل لشعبه!

إذن ما جرى في اليمن يرتبط بشكل وثيق بأمور أكثر خطورة مما يتصور البعض؛ فهو ضمن الحرب التي تستهدف تصفية ثورات الربيع العربي، ونتائجها، وتصفية مشروع الإسلام السياسي الذي اكتسب قوة دفع كبيرة من الانتصار الذي حققته الثورات الشعبية العربية على نظم الفساد والاستبداد التي كانت قائمة في بعض الدول.

ومن نافلة القول، إن هذه الانتصارات التي تحققت فيما بعد الثورة التونسية التي اندلعت في ديسمبر 2010م، كانت تهدد مصالح الكثير من الأطراف في الداخل، وعلى المستوى الإقليمي والدولي، ولذلك كان من المهم أن يتم إعلان هذه الحرب المنسَّقة ما بين مختلف هذه الأطراف، ويُستَخدم فيها مختلف أشكال السلاح، بما في ذلك النار والحديد.

وأبلغ دليل على ذلك، هو أن الحوثيين عندما اقتحموا صنعاء، كان أول ما فعلوه بعد المهمة الأولى لهم والمتمثلة بالاستيلاء على مخازن سلاح الجيش اليمني؛ هو أنهم هاجموا أهدافاً سياسية وتربوية واجتماعية مرتبطة بحزب التجمع اليمني للإصلاح، الإخوان المسلمون في اليمن، مثل جامعة الإيمان التي يديرها الشيخ عبد المجيد الزنداني، وقصفها بالهاون (!!)، بالإضافة إلى مداهمة بيوت رموز الحزب في العاصمة، مثل الناشطة توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والنائب حميد الأحمر.

يعود ذلك إلى أنه بجانب أن التيار الصحوي والإخوان المسلمين، كانوا على رأس قائمة الأهداف الموضوعة؛ فحزب التجمع اليمني للإصلاح كان ربما هو الطرف الوحيد الذي كان يقف في ساحة المعركة ضد الحوثيين، بدءًا بمعركة عمران، وحتى معركة العاصمة صنعاء.

أخطاء داخلية يجب الاعتراف بها:

بالرغم من التأكيد على الجانب الخاص بالمؤامرة الخارجية فيما يجري في اليمن، وفي أنحاء أخرى من عالمنا العربي؛ فمما لا شكَّ فيه أن ما جرى له الكثير من الأبعاد الداخلية التي يجب دراستها، وكذلك الأخطاء التي وقع فيها الإخوة اليمنيون -بحسب كثير من المتابعين-.

ومن خلال شهادات موثوقة من اليمن؛ فإن أول سبب يطرحه البعض من هناك لحدوث ذلك، هو بعض التجاوزات التي قام بها إخوان اليمن فيما يتعلق بالعمل التربوي والاجتماعي، بما أفقدهم أهم عنصر قوة للمشروع الإصلاحي، وهو الحاضنة الجماهيرية، مع إعطائهم للعمل السياسي أولوية على حساب الدعوي والمجتمعي.

الخطأ الثاني هو عدم معالجة بعض أوجه الفساد التي طالت الحزب من الداخل، ومست سلوك بعض قيادات الحزب فيما يتعلق بأموال العمل الخيري، وهو ما مس بصورة الدعوة مجتمعيًّا.

ثم هناك المشكلة الكبرى التي تعاني منها الجماعات السياسية ذات الانتشار الكبير، وهي حالة الانفصام بين قيادة الحزب والدعوة، وبين القاعدة الجماهيرية له.

أضف لذلك خطأ استراتيجي آخر وقع فيه “التجمٌّع”، وهو الاعتماد على القبائل في بعض المناطق، التي كان ولا يزال للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وأركان حكمه الموجودين بالفعل في الحكم اليوم، نفوذًا كبيرًا فيها، وهو ما سهَّل من مهمة النظام اليمني والحوثيين في الالتفاف على الجهد العسكري والسياسي للتجمع في هذه المناطق.

“لن يجدي اللجوء إلى العنف والعمل المسلح أي شيء، فالموازين على الأرض مختلة، ولن يتم وزن كفتي الميزان إلا من خلال جهد شعبي يعمل على إضفاء الشرعية على أي حراك، وتحييد السلاح”

كان لذلك كله دور كبير في النتيجة القائمة على الأرض، والتي تنذر بالكثير من العواقب الوخيمة، على رأسها جر الحِراك السياسي في اليمن إلى منطقة العنف.

هذه الأوضاع كلها تتطلب الكثير من الأعمال وواجبات الوقت، على رأسها العمل على استعادة الشارع اليمني من قبضة أعداء المشروع، ونقول: أعداء المشروع الحقيقيين، فالحوثيون إنما هم مجرد رأس حربة، أما قِناة الحربة نفسها؛ فهي قوى أخرى أكبر وأخطر، داخل وخارج اليمن.

ولن يجدي شيئًا اللجوء إلى العنف والعمل المسلح؛ حيث الموازين على الأرض مختلة، وحيث لن يتم وزن كفَّتَيْ الميزان إلا من خلال جهد شعبي يعمل على، أولاً إضفاء الشرعية على أي حِراك، ويُسكِت بالتالي كل الأصوات في الداخل والخارج، وثانيًا، يعمل على تحييد السلاح، الذي لو تم الارتكان إليه فقط؛ فلن تكون النتيجة سوى المزيد من الدماء والرماد، وسيكون المشروع الإسلامي هو الخاسر في كل الأحوال.

إن الإخوان المسلمين وكل أنصار المشروع الصحوي الإسلامي في اليمن، وفي العالم العربي والإسلامي، وحيثما كانوا، مطالبون الآن بحملة لتوضيح الصورة، ومواجهة حملة التشويه الحالية، مع العمل على استعادة الشارع بأية وسيلة، ومهما كانت التضحيات، وعلى رأس أدوات ذلك، تنوير الشارع العربي السُّنِّي في اليمن وغيره، بحقيقة المؤامرة التي تُحاك ضده.

الأهم من ذلك، هو تمتين الجبهة الداخلية، ودراسة أخطاء الماضي لتجاوزها في المرحلة القادمة، ومن دون هذه المراجعات؛ فإنه لن يكون هناك أي مجال للحديث عن استرداد الثورة، والانطلاق بالمشروع إلى آفاقه الكبرى!

المصدر: http://www.basaer-online.com/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%B3%D8%A7...

 

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك