العولمة

العولمة لغة:-

        العولمة ثلاثي مزيد، يقال: عولمة على وزن قولبة،وكلمة "العولمة " نسبة إلى العَالم -بفتح العين- أي الكون، وليس إلى العِلم -بكسر العين- والعالم جمع لا مفرد له كالجيش والنفر، وهو مشتق من العلامة على ما قيل، وقيل: مشتق من العِلم، وذلك على تفصيل مذكور في كتب اللغة. فالعولمة كالرباعي في الشكل فهو يشبه (دحرجة) المصدر، لكن (دحرجة) رباعي منقول، أمّا (عولمة) فرباعي مخترع إن صح التعبير وهذه الكلمة بهذه الصيغة الصرفية لم ترد في كلام العرب،والحاجة المعاصرة قد تفرض استعمالها، وهي تدل على تحويل الشيء إلى وضعية أخرى ومعناها: وضع الشيء على مستوى العالم وأصبحت الكلمة دارجة على ألسنة الكتاب والمفكرين في أنحاء الوطن العربي.([1]) ويرى الدكتور أحمد صدقي الدجاني أن العولمة مشتقة من الفعل عولم على صيغة فوعل واستخدام هذا الاشتقاق يفيد أن الفعل يحتاج لوجود فاعل يفعل، أي أنّ العولمة تحتاج لمن يعممها على العالم.([2])

وننّبه إلى أن ّمجمع اللغة العربية بالقاهرة قرّر إجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالمياً.([3]) والعولمة ترجمة لكلمةMondialisation الفرنسية، بمعنى جعل الشيء على مستوى عالمي، والكلمة الفرنسية المذكورة إنّما هي ترجمة“Globalisation” الإنجليزية التي ظهرت أولاً في الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل. فهي إذا مصطلح يعني جعل العالم عالمًا واحدًا، موجهًا توجيهًا واحدًا في إطار حضارة واحدة، ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة.([4]) ومن خلال المعنى اللغوي يمكننا أن نقول بأنّ العولمة إذا صدرت من بلد أو جماعة فإنها تعني: تعميم نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة، وجعله يشمل الجميع أي العالم كله([5]). جاء في المعجم العالم الجديد ويبستر” WEBSTER “ أنّ العولمة “Globalisation” هي: إكسابُ الشيء طابعَ العالمية،وبخاصة جعل نطاق الشيء، أو تطبيقه،عالمياً.([6])

        العولمة إذاً من حيث اللغة كلمة غريبة على اللغة العربية ويقصد منها عند الاستعمال- اليوم- تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله.

      ومن الجدير بالذكر أن تعبير "العولمة" في التداول السياسي قد طرح من قبل كتاب أمريكان في السبعينات وبالتحديد من كتاب "ماك لولهان وكينتين فيور:"حول "الحرب والسلام في القرية الكونية"، وكتاب "بريجسكي: "بين عصرين- دور أمريكا في العصر الإلكتروني"([7])

اصطلاحاً: إن كلمة العولمة جديدة، وهي مصطلح حديث لم يدخل بعد في القواميس السياسية والاقتصادية. وفي الواقع يعبر مصطلح العولمة عن تطورين هامين هما:1- التحديث (Modernity) ، 2- الاعتماد المتبادل(Inter-dependence)، ويرتكز مفهوم العولمة على التقدم الهائل في التكنولوجيا والمعلوماتية، بالإضافة إلى الروابط المتزايدة على كافة الأصعدة على الساحة الدولية المعاصرة.

  لقد ظهرت العولمة أولاً كمصطلح في مجال التجارة والمال والاقتصاد، ثم أخذ يجري الحديث عنها بوصفها نظاماً أو نسقاُ أو حالة ذات أبعاد متعددة، تتجاوز دائرة الاقتصـاد، فتشـمل إلى جانب ذلك المبادلات والاتصال والسياسة والفكر والتربية والاجتماع والأيديولوجيا.([8])

وقد أطلق على العولمة بعض الكتاب والمفكرين "النظام العالمي الجديد"- New World Order- وهذا المصطلح استخدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش-الأب- في خطاب وجهه للأمة الأمريكية بمناسبة إرساله القوات الأمريكية إلى الخليج (بعد أسبوع واحد من نشوب الأزمة في أغسطس 1990م) وفي معرض حديثه عن هذا القرار, تحدّث عن فكرة :عصر جديد، وحقبة للحرية، وزمن للسلام لكل الشعوب. وبعد ذلك بأقل من شهر أشار إلى إقامة (نظام عالمي جديد) يكون متحرراً من الإرهاب, واكثر أمنا في طلب السلام, عصر تستطيع فيه كل أمم العالم أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم.([9]

وربّما يوحي هذا الإطلاق- النظام العالمي الجديد- بأن اللفظة ذات مضامين سياسية بحتة، ولكن في الحقيقة تشمل مضامين سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وتربوية،([10]) بمعنى آخر تشمل مضامين تتعلق بكل جوانب الحياة الإنسانية. ولقد فرضت العولمة نفسها على الحياة المعاصرة، على العديد من المستويات، سياسياً واقتصادياً، فكرياً وعلمياً، ثقافياً وإعلامياً، تربوياً وتعليمياً.([11]) يقول الرئيس الأمريكي السابق كلينتون: "ليست العولمة مجرد قضية اقتصادية بل يجب النظر إلى أهمية مسائل البيئة والتربية والصحة".([12])

 والنظام العالمي الجديد  هو في حقيقة أمره وطبيعة أهدافه، نظامٌ صاغته قُوى الهيمنة والسيطرة لإحداث نمط سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وإعلامي واحد وفرضه على المجتمعات الإنسانية كافة، وإلزام الحكومات بالتقيّد به وتطبيقه.([13])

ولقد كثرت التعاريف التي توضح معنى العولمة، نذكر هنا بعضاً منها، ثم اذكر التعريف الذي أرى أنّه يعبر عن المعنى الحقيقي لظاهرة العولمة.

ومن هذه التعريفات:-

* يقول جيمس روزانو أحد علماء السياسة الأمريكيين عن العولـمة: "إنّها العلاقة بين مستويات متعددة لتحليل الاقتصاد والسياسة والثقافة والأيديولوجيا، وتشمل: إعادة الإنتاج، وتداخل الصناعات عبر الحدود وانتشار أسواق التمويل، وتماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول نتيجة الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة".([14])

* الكاتب الأمريكي الشهير ـ وليم جريدرـ في كتابه الصادر عام 1977م بعنوان( عالم واحد..مستعدون أم لا), وصف العولمة "بأنها آلة عجيبة نتجت عن الثورة الصناعية والتجارية العالمية, وأنّها قادرة علي الحصاد وعلي التدمير, وأنّها تنطلق متجاهلة الحدود الدولية المعروفة, وبقدر ما هي منعشة، فهي مخيفة. فلا يوجد من يمسك بدفة قيادتها، ومن ثمّ لا يمكن التحكم في سرعتها ولا في اتجاهاتها ".

* " نظام عالمي جديد يقوم على العقل الإلكتروني، والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود، دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم، والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم" ([15]).

  * "إنها حرية حركة السلع والخدمات والأيدي العاملة ورأس المال والمعلومات عبر الحدود الوطنية والإقليمية"([16]).

*ويعرفها الدكتور مصطفى محمود فيقول: " العولـمة مصطلح بدأ لينتهي بتفريغ الوطن من وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي، بحيث لا يبقى منه إلاّ خادم للقوى الكبرى".([17])

* العولمة هي: " العملية التي يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الدول والشعوب، والتي تنتقل فيها المجتمعات من حالة الفرقة والتجزئة إلى حالة الاقتراب والتوحد، ومن حالة الصراع إلى حالة التوافق، ومن حالة التباين والتمايز إلى حالة التجانس والتماثل، وهنا يتشكل وعي عالمي وقيم موحدة تقوم على مواثيق إنسانية عامة"([18]).

     والمواثيق الإنسانية الواردة في هذا التعريف هي المواثيق التي يصنعها الغرب الكافر وأساسها نظرة علمانية مادية للوجود لتحقيق مصالحه الخاصة، ثم تصدر للعالم على أنها مواثيق إنسانية لصالح البشرية، ولا بأس أن تصدر بها القرارات الدولية من هيئة الأمم المتحدة باعتبارها مؤسسة حامية للحقوق الإنسانية.

* "هي تعاظم شيوع نمط الحياة الاستهلاكي الغربي، وتعاظم آليات فرضه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وعسكرياً، بعد التداعيات العالمية التي نجمت عن انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الشرقي" أو هي "محاولة لفرض الفلسفة البراجماتية النفعية المادية العلمانية، وما يتصل بها من قيم وقوانين ومبادئ وتصورات على سكان العالم أجمع". ([19])

هي" العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه هو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات على بلدان العالم أجمع" وهي أيضاً أيديولوجياً تعبر بصورة مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم وأمركته".([20]) أي محاولة الولايات المتحدة إعادة تشكيل العالم وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية، ويتركز أساسا على عمليتي تحليل وتركيب للكيانات السياسية العالمية، وإعادة صياغتها سياسيا واقتصاديا وثقافيا وبشريا، وبالطريقة التي تستجيب للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية.

 * العولمة : منظومةً من المبادئ السياسية والاقتصادية، ومن المفاهيم الاجتماعية والثقافية، ومن الأنظمة الإعلامية والمعلوماتية، ومن أنماط السلوك ومناهج الحياة، يُراد بها إكراه العالم كلِّه على الاندماج فيها، وتبنّيها، والعمل بها، والعيش في إطارها.([21])

      وبعد دراسة متأنية لظاهرة العولمة وأهدافها ووسائلها وتأثيراتها في واقع المجتمعات والشعوب يمكن أن تعرف العولمة بما يلي:-                         

العولمة هي الحالة التي تتم فيها عملية تغيير الأنماط والنظم  الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ومجموعة القيم والعادات السائدة وإزالة الفوارق الدينية والقومية والوطنية في إطار تدويل النظام الرأسمالي الحديث وفق الرؤية الأمريكية المهيمنة، والتي تزعم أنها سيدة الكون وحامية النظام العالمي الجديد ".

والشيء الذي لابد من الوقوف عنده كثيراً هو أنّ العولمة كظاهرة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ترتبط أساسا بالمفهوم الاقتصادي الرأسمالي- وفق الرؤية الأمريكية- في مراحله المتطورة،إن لم يكن في أعلى حالات تطوره، أو لنقل سيطرته على الاقتصاد العالمي وبالتالي السيطرة على كافة أشكال ومظاهر التطور الإنساني.

نشأتها : -

اختلف الباحثون في التأريخ لنشأة العولمة على قولين:-

    الأول: يرى هؤلاء الباحثون أن ظاهرة العولمة قديمة، عمرها خمسة قرون، أي ترجع إلى القرن الخامس عشر- زمن النهضة الأوربية الحديثة-. حيث التقدم العلمي في مجال الاتصال والتجارة، ويدل على ذلك: أن العناصر الأساسية في فكرة العولمة وهي: ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم، سواء المتمثلة في تبادل السلع والخدمات، أو في انتقال رؤوس الأموال، أو في انتشار المعلومات والأفكار،أو في تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من الأمم يعرفها العالم من ذلك التاريخ .                           

      ولكن يقال: ثمّة أمور مهمة جديدة طرأت على ظاهرة العولمة في السنوات الثلاثين الأخيرة منها:

- اكتساح تيار العولمة مناطق مهمة في العالم كانت معزولة، ومن هذه المناطق الدول الأوربية الشرقية والصين.

- الزيادة الكبيرة في تنوع السلع والخدمات التي يجري تبادلها بين الأمم والشعوب، وتنوع مجالات الاستثمار التي تتجه إليها رؤوس الأموال.

- سيطرة تبادل المعلومات والأفكار على العلاقات الدولية.

- ارتفاع نسبة السكان -في دخل كل دولة- التي تتفاعل مع العالم الخارجي.

- النشاط المتزايد والفعال للشركات المتعددة الجنسيات في مجال تبادل السلع وانتقال رأس المال والمعلومات والأفكار، واتخاذها العالم كله مسرحاً لعملياتها في الإنتاج والتسويق،وما تبع ذلك من هدم الحواجز الجمركية وإلغاء نظام التخطيط وإعادة توزيع الدخل، والنظر في دعم السـلع والخدمات الضرورية للسكان، وتخفيض الإنفاق على الجيوش والجانب العسكري.([22])

الثاني: يرى فريق آخر أنً العولمة ظاهرة جديدة، فما هي إلا امتداد للنظام الرأسمالي الغربي بل هي المرحلة الأخيرة من تطور النظام الرأسمالي العلماني المادي النفعي، وقد برزت في المنتصف الثاني من القرن العشرين نتيجة أحداث سياسية واقتصادية معينة منها: انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية عام 1961م ثم سقوط الاتحاد السوفيتي سياسياً واقتصادياً عام 1991م، وما أعقبه من انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالتربع على عرش الصدارة في العالم المعاصر وانفرادها بقيادته السياسية والاقتصادية والعسكرية ومنها: بروز القوة الاقتصادية الفاعلة من قبل المجموعات المالية والصناعية الحرة عبرة شركات ومؤسسات اقتصادية متعددة الجنسيات مدعومة بصورة قوية وملحوظة من دولها.([23])

      يرى توماس فيردمان الصحافي اليهودي الأمريكي الذي يكتب في (نيويورك تايمز) : "إن العولمة الحالية هي مجرد جولة جديدة بعد الجولة الأولى التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بحكم التوسع الهائل في الرحلات البحرية باستخدام طاقة البخار والتي أدت إلى اتساع حجم التجارة الدولية بشكل لم يسبق له مثيل"([24]). ويرجع صاحبا كتاب فخ العولـمة البداية الحقيقية للعولمة إلى عام 1995م، حيث وجّه الرئيس السوفيتي السابق غوربا تشوف الدعوة إلى خمسمائة من قادة العالم في مجال السياسة والمال والاقتصاد في فندق فيرمونت المشهور في سان فرانسيسكو لكي يبنوا معالم الطريق إلى القرن الحادي والعشرين. وقد اشترك في هذا المؤتمر المغلق أقطاب العولـمة في عالم الحاسوب والمال وكذلك كهنة الاقتصاد الكبار، وأساتذة الاقتصاد في جامعات ستانفورد، وهارفرد وأكسفورد. واشترك فيها من السياسيين، الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، ووزير خارجيته شولتز، ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر، ورئيس وزراء مقاطعة سكسونيا وغيرهم.([25])

"إنّ معظم الكتاب يجمعون على أن هناك أربعة عناصر أساسية يعتقدون أنها أدت إلى بروز تيار العولمة، وهي:-

1)              تحرير التجارة الدولية:ويقصدون به تكامل الاقتصاديات المتقدمة والنامية في سوق عالمية واحدة، مفتوحة لكافة القوى الاقتصادية في العالم وخاضعة لمبدأ التنافس الحر.  

2)              تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة: حدثت تطورات هامة خلال السنوات الأخيرة تمثلت في ظهور أدوات ومنتجات مالية مستحدثة ومتعددة ، إضافة إلى أنظمة الحاسب الآلي ووسائل الاتصال والتي كفلت سرعة انتشار هذه المنتجات،وتحوّلت أنشطة البنوك التقليدية إلى بنوك شاملة، تعتمد إلى حد كبير على إيراداتها من العمولات المكتسبة من الصفقات الاستثمارية من خارج موازنتها العمومية ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين هما:-

 * تحرير أسواق النقد العالمية من القيود .

 * الثورة العالمية في الاتصالات الناجمة عن الوسائل والأدوات التكنولوجية الجديدة.

3)  الثورة المعرفية:وتتمثًل في التقدم العلمي والتكنولوجي،وهو ميزة بارزة للعصر الراهن،وهذا التقدم العلمي جعل العالم أكثر اندماجاً، كما سهّل حركة الأموال والسلع والخدمات،وإلى حد ما حركة الأفراد، ومن ثمّ برزت ظاهرة العولمة، والجدير بالذكر أنّ صناعة تقنية المعلومات تترّكز في عدد محدود ، ومن الدول المتقدمة أو الصناعية دون غيرها. 

4) تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات: هذا العصر بأنّه عصر العولمة فمن الأصح وصفه بأنه عصر الشركات متعددة الجنسيات باعتبارها العامل الأهم لهذه العولمة.ويرجع تأثير هذه الشركات كقوة كبرى مؤثرة وراء التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي إلى الأسباب التالية:-

أ- تحكّم هذه الشركات في نشاط اقتصادي في أكثر من قطر وإشاعتها ثقافة استهلاكية موحدة.

ب- قدرتها على استغلال الفوارق بين الدول في هبات الموارد.

ج- مرونتها الجغرافية".([26])

       أقول:وإن كانت هـذه العولمة تسـتهدف هيمنة دولة واحدة-وهي الولايات المتحدة الأمريكية-على دول العالم أجمع فإن هذه الصورة من العولمة لم تكن لتظهر فجأة دون بدايات أو مقدمات مهدت لها بصورة فاعلة ومخطط لها من القوى الرأسمالية ذات النزعة الاستعمارية. ومن ذلك إنشاء منظمة الأمم المتحدة،وما تبعها من مؤسسات مالية دولية: البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وصندوق النقد الدولي،ثمّ اتفاقية "الجات" (الاتفاقية العامة على الرسوم الجمركية والتجارة) التي تعود في تاريخها إلى سنة 1947م حيث اجتمعت ثلاث وعشرون دولة صناعية في جنيف للنظر في تحرير التجارة وفتح الأبواب بين هذه الدول ، وبدأت سريان هذه الاتفاقية منذ أول يناير 1948م، وبلغ عدد الدول الموقعة عليها سنة 1993م مائة وسبع عشرة دولة.

ثمّ معاهدة "ماستريخت" التي ضمت خمسة عشر بلداً صناعياً وظهور المناطق التجارية الحرة، والاتحادات الجمركية، ثم الأحداث السياسية التي تتمثل بانتهاء الحرب الباردة، ثم قيام الرئيس السوفيتي الأسبق-ميخائيل غورباتشوف-وبدعم أمريكي ملحوظ-عام 1985م بالإعلان عن إصلاح النظام الاقتصادي الشيوعي الذي سمي وقتها "البيروستويكا" وقد كان هذا الإعلان بمثابة الإعلان عن سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي سياسياً واقتصادياً،وما تلاه من سقوط حائط برلين عام 1989م،واتحاد الألمانيتين،ثم حرب الخليج الثانية عام 1991وما أسفرت عنه من تثبيت القواعد الأمريكية العسكرية في منطقة الخليج العربي. كل هذه الأحداث ساهمت إلى حد بعيد في تربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش النفوذ العالمي، وبالتالي برز مصطلح "النظام العالمي الجديد" و"الأحادية القطبية والعولمة".

      وظهر أوّل نظام تجاري دولي ملزم للأقطار المنضوية تحت لوائه في شهر نيسان سنة 1995م، حيث أعلن عن إنشاء المنظمة العالمية للتجارة (w.t.o) بمدينة مراكش المغربية، وهي امتداد لاتفاقية الجات. وهذه المنظمة تمثل أحد أركان النظام الاقتصادي العالمي الجديد،وتختص بأعمال إدارة ومراقبة وتصحيح أداء العلاقات التجارية،وستكون عامل مساعد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتنفيذ وإقرار النظام الاقتصادي العالمي الجديد. وأخيراً تم دعم صرح العولمة بالتوقيع- في شباط عام 1997م بمدينة جنيف بسويسرا-على أول اتفاق دولي يتعلق بتحرير المبادلات الخدماتية المتطورة،وخاصة فيما عرف "بالتكنولوجيا المعلوماتية" أو ثورة الاتصالات.([27])

      وممّا ساعد على سرعة انتشار ظاهرة العولمة انضمام كثير من دول شرق أوربا إلى الحلف الأطلسي، وانفتاح دول أخرى على الحلف نفسه،وانضمام كثير من الدول العربية إلى المنظمة العالمية للتجارة،([28])-وبقية الدول تتفاوض للانضمام- ثم المؤتمرات الاقتصادية المتلاحقة التي تنظر لهذه العولمة كأمر حتمي لا مفر منه، وإظهار مزاياها الاقتصادية والتنموية ومن أشهرها "منتدى دافوس الاقتصادي" ثم المشروعات الاقتصادية الإسرائيلية التي تستهدف عولمة الشرق الأوسط لصالح المشروع الصهيوني الذي يتمثل في دولة إسرائيل الكبرى، التي تسعى لتحقيقه اقتصادياً وثقافياً عبر بوابات اتفاقيات السلام التي تعقدها منفردة مع الدول العربية، والاتفاقيات الاقتصادية الثنائية مع دول المنطقة وعبر بوابات التطبيع، التي تهيأ لها بكل قوة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في المنطقة العربية، وقد أضفى ذلك كله بعداً استراتيجياً جديداً على دعم الدور الأمريكي -ومن ورائه القوى الصهيونية المتحكمة في السياسة والقيادة الأمريكية- لقيادة النظام العالمي الجديد.

    "ومؤخراً، ساهمت ثلاثة عوامل في الاهتمام بمفهوم العولمة في الفكر والنظرية،وفي الخطاب السياسي الدولي:-

1- عولمة رأس المال أي تزايد الترابط والاتصال بين الأسواق المختلفة حتى وصلت إلى حالة أقرب إلى السوق العالمي الكبير، خاصة مع نمو البورصات العالمية.

 2- التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال والانتقال والذي قلّل- إلى حد كبير- من أثر المسافة، وانتشار أدوات جديدة للتواصل بين أعداد أكبر من النّاس كما في شبكة الإنترنت.

3- عولمة الثقافة وتزايد الصلات غير الحكومية والتنسيق بين المصالح المختلفة للأفراد والجماعات، فيما يسمى الشبكات الدولية Networking حيث برز التعاون استنادًا للمصالح المشتركة بين الجماعات عبر القومية مما أفرز تحالفات بين القوى الاجتماعية على المستوى الدولي، خاصة في المجالات النافعة مثل: الحفاظ على البيئة، أو في المجالات غير القانونية كتنظيف الأموال والمافيا الدولية للسلاح".([29])

* ممّا سبق يتضح أنّ العولمة تتكون من العناصر الرئيسية التالية:-

 1- تعميم الرأسمالية: إن تغلّب الرأسمالية على الشيوعية جعلها تعمم مبادئها على كل المجتمعات الأخرى، فأصبحت قيم السوق، والتجارة الحرة، والانفتاح الاقتصادي، والتبادل التجاري، وانتقال السلع ورؤوس الأموال، وتقنيات الإنتاج والأشخاص، والمعلومات، هي القيم الرائجة، وتقود ذلك أمريكا وتفرضها عن طريق المؤسسات العالمية التابعة للأمم المتحدة، وخاصة مؤسسة البنك الدولي ، ومؤسسة النقد الدولي، وعن طريق الاتفاقات العالمية التي تقرها تلك المؤسسات كاتفاقية الجات والمنظمة العالمية للتجارة وغيرها .

2- القطب الواحد: تفردت أمريكا بقيادة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتفكيك منظومته الدولية المسمى (حلف وارسو)، إنه لم تبلغ دولة عظمى في التاريخ قوّة أمريكا العسكرية والاقتصادية، مما يجعل هذا التفرد خطيراً على الآخرين في كل المجالات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والاجتماعية.

3- ثورة التقنيات والمعلومات: مرّت البشرية بعدّة ثورات علمية منها ثورة البخار والكهرباء والذرّة، وكان آخرها الثورة العلمية والتكنولوجية وخاصة في مجال التطورات السريعة والمدهشة في عالم الحاسوب الآلي (الكمبيوتر)، وتوصل الحاسوب الآلي الحالي إلى إجراء أكثر من مليارين عملية مختلفة في الثانية الواحدة، وهو الأمر الذي كان يستغرق ألف عام لإجرائه في السابق، أما المجال الآخر من هذه الثورة فهو التطورات المثيرة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تتيح للأفراد والدول والمجتمعات للارتباط بعدد لا يحصى من الوسائل التي تتراوح بين الكبلات الضوئية،والفاكسات ومحطات الإذاعة، والقنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية، التي تبث برامجها المختلفة عبر حوالي 2000 مركبة فضائية،بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر،والبريد الإلكتروني،وشبكة المعلومات الدولية،التي تربط العالم بتكاليف أقل،وبوضوح أكثر على مدار الساعة، لقد تحولت تكنولوجيا المعلومات إلى أهم مصدر من مصادر الثروة،أو قوة من القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية الكاسحة في عالم اليوم.([30]).

بين العولمة وعالمية الإسلام :-

 إنّ الإسلام دين يتميز بالعالمية. والعالمية تعني:عالمية الهدف والغاية والوسيلة، ويرتكز الخطاب القرآني على توجيه رسالة عالمية للناس جميعًا، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء 107 وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)سـبأ:28، ووصف الخالق عز وجل نفسه بأنه "رب العالمين" وذكر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم مقترنًا بالناس والبشر جميعاً قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة:21، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة:143، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء:170، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)الأعراف:158.

       إنً الحضارة الإسلامية قامت على القاسم المشترك بين حضارات العالم، فقبلت الآخر، وتفاعلت معه أخذأً وعطاءً، بل إنّ حضارة الإسلام تعاملت مع الاختلاف بين البشر باعتباره من سنن الكون، لذلك دعا الخطاب القرآني إلى اعتبار الاختلاف في الجنس والدين واللغة من عوامل التعارف بين البشر. اتساقًا مع نفس المبادئ، إنّ الإسلام يوحّد بين البشر جميعاً رجالاً ونساءً، في قضايا محددة: أصل الخلق والنشأة، والكرامة الإنسانية والحقوق الإنسانية العامة،ووحدانية الإله،وحرية الاختيار وعدم الإكراه، ووحدة القيم والمثل الإنسانية العليا.

 ومن هنا تظهر الاختلافات جلية بين مفهوم عالمية الإسلام ومفهوم "العولمة" فبينما تقوم الأولى على رد العالمية لعالمية الجنس البشري والقيم المطلقة، وتحترم خصوصيته،وتفرد الشعوب والثقافات المحلية، ترتكز الثانية:على عملية نفي أو استبعاد لثقافات الأمم والشعوب ومحاولة فرض ثقافة واحدة لدول تمتلك القوة المادية وتهدف عبر العولمة لتحقيق مكاسب السوق لا منافع البشر.([31])

      يؤكّد الدكتور محسن عبد الحميد- أستاذ التربية بجامعة بغداد- وجود فرق كبير بين المصطلحين (العالمية والعولمة) فيقول: إنّ أبناء هذا العالم بمختلف قبائله وشعوبه ولغاته وملله ونحله يعيشون على هذه الأرض، ولذا فلا بد أن يتفاهموا فيما بينهم، تمهيداً للتعاون الدائم على خير الجميع، ولا مانع من أن يأخذ بعضهم من بعض. ولا يجوز أن يفرض وبالإكراه بعضهم على بعض لغته أو دينه أو مبادئه أو موازينه. فالاختلاف في هذا الإطار طبيعي جداً والتعاون ضروري أبداً، لمنع الصدام والحروب والعدوان. ويضيف: إنّ تاريخ البشرية عامة وتاريخ الإسلام خاصة، لم يرد فيه دليل على أنّ المسلمين خطوا للبشرية طريقًا واحدًا، ووجهة واحدة وحكمًا واحدًا ونظامًا واحدًا، وعالماً واحدًا بقيادة واحدة، ليس بالإجبار والإكراه.بل اعترفوا بواقع الأديان واللغات والقوميات عاملوها معاملة كريمة، بلا خداع ولا سفه ولا طعن من الخلف، ولذلك عاش في المجتمع الإسلامي من أهل الملل  الأخرى من اليهود والنصارى والصابئة والمجوس، وغيرهم بأمان واطمئنان، وأما الأمم التي كانت تعيش خارج العالم الإسلامي، فقد عقدت الدولة الإسلامية معها مواثيق ومعاهدات في قضايا الحياة المتنوعة. والتوجيه الأساس في بناء العلاقات الدولية في الإسلام قوله تعالى:( يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم)ْ الحجرات:.11. وأما العولمة التي هي الترجمة العربية للكلمة الإنجليزية(GLOBALIZATION) فهي مصطلح يعني جعل العالم عالمًا واحدًا، موجهًا توجيهًا واحدًا في إطار حضارة واحدة، ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة.([32])

     وثمة فرق بين عالمية الإسلام والعولمة، فالإسلام يقوم على العدل وإنصاف المظلوم، ويرفض الاعتداء، ويعترف بحق الأخر في الدين والرأي المخالف، أما العولمة فتقوم على الظلم، وتفتقد للعدل، وتهدف لصالح الاستكبار الغربي، وضد  مصالح  الشعوب الفقيرة الأخرى، وفقا لسياسة التبعية التي تفسر العلاقة بين الغرب المتقدم، وبين العالم الثالث المتأخر.

     يقول أحد الكتاب الفرنسيين عن النظام الرأسمالي الأمريكي: كلما ازداد هذا النظام الرأسمالي الجشع إمعانًا وانتشارًا بالعولمة، ازدادت الانتفاضات والحروب العرقية والقبلية والعنصرية والدينية للتفتيش عن الهوية القومية في المستقبل. وكلما تَفَشت المعلوماتية والأجهزة التلفزيونية والسلكية واللاسلكية، تكبّلت الأيدي بقيود العبودية، وازدادت مظاهر الوحدة والانعزال والخوف والهلع دون عائلة ولا قبيلة ولا وطن. وكلما ازداد معدل الحياة سوف تزداد وسائل القتل، وكلما ازدادت وسائل الرفاهية سوف تزداد أكثر فأكثر جرائم البربرية والعبودية.([33])

      ثمّ إنّ الإسلام يدعو إلى طلب العلم النافع الذي يفيد الإنسان، ويحقق والخير،ويحق الحق، وكلّ ما جاءت به المدنية الحديثة من علوم ومخترعات وابتكارات، مما فيها نفع للناس، ويحارب كل علم ضار فيه فساد الإنسان أو هلاكه،أو إشاعة الشر في حياته، بينما العولمة بخلاف ذلك، فرغم  ما أنتجته من المخترعات والابتكارات إلا أنها ابتدعت علوماً ضارةً أو ابتكرت ابتكارات  مخربة للأخلاق والقيم، ومفسدة بل ومهلكة للإنسان.

      وأيضاً فغزو المسلمين للعالم كان بدافع حضاري فريد، لقد كانوا يعُدُّون أنفسهم أصحاب رسالة  عالمية موجهة للناس كافة، كلّفوا هم بتبليغها إليهم بالوسائل السِّلميّة، والذين كانوا من المسلمين يهاجرون إلى  البلاد الأخرى  إنما هاجروا طلباً للرزق، وكانت مهمة الشهادة على الناس وتبليغهم الإسلام ماثلةً أمامهم، فأثَّروا في البلاد التي هاجروا إليها تأثيراً كبيراً، ونقلوا إليها دينهم وأخلاقهم وقيمهم ولغتهم، ولم يتأثروا بهم إلا في أمور لا تتعارض مع دينهم، بل قد يكون بعضها من مقتضيات الدعوة إليه، أما غزو الغرب للعالم فقد كان في أساسه لأسباب استعمارية ولمصالح اقتصادية، وقائم على التعصب العنصري، كان الغربيون أيضاً يرون أنّ لهم رسالة أخرى وهي أن يجعلوا العالم نصرانياً،يكفر بالدين الحق الذي اختاره الله تعالى للبشرية.

أهداف العولمة وآثارها:-

      لقد روَّج دعاة العولمة في الغرب وعملاؤهم في المنطقة العربية مجموعة من المقولات لصالح العولمة،ومن ذلك: أنّ العولمة تبشر بالازدهار الاقتصادي والتنمية والرفاهية لكل الأمم والعيش الرغيد للناس كلهم، والانتعاش،ونشر التقنية الحديثة، وتسهيل الحصول على المعلومات والأفكار عبر الاستفادة من الثورة المعلوماتية الحديثة، وإيجاد فرص للانطلاق للأسواق الخارجية، وتدفق الاستثمارات الأجنبية التي تتمتع بكفاءة عالية، وبالتالي ينتعش الاقتصاد الوطني والقومي.

      ولكن سرعان ما اكتشف الباحثون والمفكرون أن تلك المقولات ما هي إلا شعارات استهلاكية جوفاء.يقول أ.د محمد حسن رسمي(عميد كلية الحاسبات والمعلومات-جامعة القاهرة) :"إنّ العولمة طوفان كاسح لن يقف في طريقها رافض أن يتفهم فكرها وفلسفتها وآلياتها، إذا كان يملك سداً منيعاً يهزم ويلاتها ويسخر لنفسه, ونظام العولمة في حد ذاته يدعم الأقوياء، ويطحن الضعفاء،ويضحك الأصحاب،ويبكي الضعفاء،بل يمكن صنّاعها من التحكم والسيطرة، وامتلاك مقدرات ومستقبل المتفرجين المذهولين الصامتين المنتظرين لمعجزات السماء".([34])

ولقد أدركت الدول الفقيرة والنامية أن طغيان العولمة واحتكارات الشركات الدولية إنما يزيدها فقراً،وخضوعاً للسياسات الرأسمالية الغربية فأخذت تستنفر جهودها للدفاع عن حقوقها في مواجهة هذه العولمة، فلقد حذّر مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا من العولمة في المجال الاقتصادي،وقال: "إن منظمة التجارة العالمية تسمح للدول الغنية بابتلاع الدول الفقيرة ".([35])

ومن الأقوال التي تؤكد المخاطر الجدية للعولمة على مقدرات الحكومات والشعوب، ما جاء في كلمة للرئيس الفرنسي جاك شيراك ألقاها بمناسبة اليوم الوطني الفرنسي (14 يوليو 2000م)، حيث قال : "إنّ العولمة بحاجة إلى ضبط، لأنّها تنتج شروخاً اجتماعيةً كبيرةً وإن كانت عاملَ تقدُّمٍ فهي تثير أيضاً مخاطر جدّية ينبغي التفكير فيها جيداً ومن هذه المخاطر ثلاثة: أولها أنها تزيد ظاهرة الإقصاء الاِجتماعي وثانيها:أنها تنمي الجريمة العالمية،وثالثها:أنها تهدد أنظمتنا الاقتصادية".([36]) وأيضاً ما ذكره الكاتب الأمريكي الشهير وليم جريدر في كتابه الصادر عام 1977م: "عالم واحد مستعدون أم لا"OneWorldReadyOrNo-حيث ببّن صفات العولمة، وكشف خطورة آثارها، فوصف العولمة, بأنها آلة عجيبة نتجت عن الثورة الصناعية والتجارية العالمية, وإنّها قادرة علي الحصاد وعلي التدمير, وإنها تنطلق متجاهلة الحدود الدولية المعروفة, وبقدر ما هي منعشة فهي مخيفة، فلا يوجد من يمسك بدفة قيادتها، ومن ثم لا يمكن التحكم في سرعتها ولا في اتجاهاتها، وهو يري إنّ تلك الثورة المادية التي حررت رأس المال وجعلت المادة تسبق الفكر،وتتخطي جمود السياسات, كانت نتيجتها ظهور تحولات عظمي في العالم أجمع, وبقدر ما بعثت وأنعشت الطموح والرغبة في تكديس الثروات,خلفت وراءها عدم الاستقرار وعدم الأمان وبقدر ما أتاحت من تكنولوجيات حديثة, فإنها بعثت البربرية من جديد.

        وعندما نعود إلى مفهوم العولمة كما يطرحه الغرب فإنّ أول ما يستوقفنا هو:أنّ الذين يطرحونه ينظرون إلى التفاعل البشري على أنّه تفاعل بين طرف ذكي قوي وطرف غبي ضعيف.طرف يمتلك، وطرف يجب أن يكون فاقداً للتملك.وإذا نظرنا إلى آلية هذه العولمة يبرز لنا على الفور مفهوم إلغاء الآخر. وليس بالضرورة أن يكون هذا الإلغاء هو الإفناء التام للوجود. إنما تدل الآلية الغربية على أن العولمة هي الفرز الحقيقي بين سيد وعبد، بين منتج ومستهلك، بين من يصنع التكنولوجيا ويؤسس لتقدم علمي سريع وبين من يُراد له أن ينسلخ عن ماضيه الحضاري تماماً،وعن عقيدته وينبهر بمعالم التقدم العلمي الغربي السريع.([37])

والأهداف الحقيقية للعولمة يمكن تلخيصها فيما يلي:-

أولاً: الأهداف والآثار الاقتصادية: 

      ترتبط عملية العولمة بتدويل النظام الاقتصادي الرأسمالي، حيث تمّ توحيد الكثير من أسواق الإنتاج والاستهلاك، وتمّ التدخل الأمريكي في الأوضاع الاقتصادية للدول، وخاصة دول العالم الثالث، عبر المؤسسات المالية الدولية: كصندوق النقد الدولي،والبنك الدولي،التي تمارس الإملاءات الاقتصادية المغايرة لمصالح الشعوب، وبالتالي تحقق العولمة لأصحابها عدة أهدف كبيرة في المجال الاقتصادي هي:-

أولاً: السيطرة على رؤوس المال العربية،واستثماراتها في الغرب فالعالم العربي الذي تتفاقم ديونه بمقدار (50) ألف دولار في الدقيقة الواحدة هو نفسه الذي تبلغ حجم استثماراته في أوروبا وحدها (465) مليار دولار عام 1995م، بعد أن كانت (670) ملياراً عام 1986م فنتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والتبعية النفسية للغرب تصب هذه الأموال هناك لتدار حسب المنظومة الغربية.([38])

ثانياًالهيمنة الأمريكية على اقتصاديات العالم من خلال القضاء على سلطة وقوة الدولة الوطنية في المجال الاقتصادي، بحيث تصبح الدولة تحت رحمة صندوق النقد الدولي، حين تستجدي منه المعونة والمساعدة عبر بوابة القروض ذات الشروط المجحفة،وخاضعة لسيطرة الاحتكارات والشركات الأمريكية الكبرى على اقتصاد الدول([39])، ولعل تركيا والمكسيك وماليزيا من النماذج الواضحة للدول التي عصف بها تيار العولمة لصالح المستثمرين الأمريكيين([40]).يقول رئيس وزراء ماليزيا: مهاتير محمدالذي عانت بلاده من آثار العولمة في السنوات الأخيرة: "إنّ العالم المعولم لن يكون أكثر عدلاً ومساواة. وإنما سيخضع للدول القوية المهيمنة. وكما أدى انهيار الحرب الباردة إلى موت وتدمير كثير من الناس، فإنّ العولمة يمكن أن تفعل الشيء نفسه، ربّما أكثر من ذلك في عالم معولم سيصبح بإمكان الدول الغنية المهيمنة فرض إرادتها على الباقين الذين لن تكون حالهم أفضل مما كانت عليه عندما كانوا مستعمرين من قبل أولئك الأغنياء".([41])

ويقول الدكتور عماد الدّين خليل:" إنّ العولمة تجعل العالم كله قرية صغيرة تتحكم فيها الزعامة الأمريكية وبطانتها اليهودية بمصائر الأمم والدول والشعوب، وتضع مقدراتها المالية والاقتصادية -في نهاية الأمر- تحت قبضتها، تفعل بها ما تشاء من أجل تحقيق أهداف نفعية (براغماتية) صرفة لصالح مراكز الهيمنة الغربية على حساب الأمم والدول والشعوب".([42])

     إنّ الدول العربية ـ كإحدى المناطق المستهدفة بالعولمةـ بلغت ديونها الخارجية عام 1995م: (250) مليار دولار، وتتفاقم ديونها بما مقداره (50) ألف دولار في الدقيقة الواحدة، ولا شك أنّه كلما ارتفعت وتيرة الديون كلما ترسّخت التبعية ووُجدت الذريعة للتدخل، وبسبب هذه الديون ـالتي بدأت بتشجيع من الغرب عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يعملان على إغراق الدول المستهدفة بالديون ـ أصبح اقتصاد معظم هذه الدول متخبطاً، يستطيع وبصعوبة بالغة ملاحقة خدمة الديون وفوائدها المتراكمة، فهي في الحقيقة وسيلة لبسط النفوذ على البلاد تماماً كما كانت في الماضي.([43]) وللعلم فقد أكد التقرير الاقتصادي الصادر عن مجلس الوحدة الاقتصادي العربي أن الجزائر مثلاً ستخسر سنوياً ما بين 1.5 إلى2 مليار دولار بانضمامها وتطبيقها لقرارات اتفاقية التعريفة الجمركية "الجات".([44])

ثالثاً: تحقيق مصالح المجموعات الغنيّة في الدول الغربية والقوى المتحالفة معها في الدول الأخـرى علـى حسـاب شـعوب العالـم، وممّا يدل على ذلك فشل تجربة "النمور الآسيوية":ومنها إندونيسيا وماليـزيا،حيث لم تسـتطع تحقيـق المصالح الاقتصـادية المطلـوبـة لشـعوبها، إذ عملت الشركات المتعددة الجنسيات على إحداث هذا الفشل، وقام أحد المستثمرين الأجانب-أحد رموز العولمة- الملياردير "جورج سورش" باللعب في البورصة مما أدى إلى ضرب التجـارة التنمويـة وإحباطهـا.([45]) ولقد أدلى جورج سوروش نفسه بشهادة لاذعة أمام الكونغرس الأميركي فقال فيها:بدلا من أن تتصرف أسواق المال مثل البندول فإنها تصرفت مثل كرة التهديم المعدنية،وراحت تقوض دولة تلو الأخرى، وعليه فإنّ استخلاصنا الأخير بأن أسواق المال سوف تواصل تقريب العالم بعضه إلى بعض هو استخلاص مثير للجدل والخلاف.([46])

إنّ هذه الشركات تعد الأرض كلها سوقًا كبيراً لها، بما فيها ومن فيها بحيث تتنافس في اقتسام هذه الأراضي دون أي اعتبار لقيم أو أخلاق، وهي نادراً ما تدخل في شكل استثمارات مباشرة طويلة الأمد وإنما تدخل بما يعرف بالأموال الطائرة، في استثمارات قصيرة الأجل وسريعة الفوائد والتي تحقق لها عوائد هائلة، دون أن يكون لذلك مردود على التنمية المحلية. وإن حدث وقدمت استثمارات مباشرة، فإنّها قبل ذلك تأخذ ما يكفيها من التسهيلات والضمانات السياسية والاقتصادية التي لا تحظى بها رؤوس الأموال المحلية،وهو ما يعرقل الاقتصاد المحلي،زيادة على ذلك، فإن معظم أنشطتها تقتصر على السلع الاستهلاكية ذات العائد الأسرع نتيجة للنمط الاستهلاكي السائد.([47]) يقول الدكتور مجدي قرقر: "إنّ الشركات المتعددة الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق العولمة اقتصادياً، وتعدد أنشطتها في كل المجالات: الاستثمار والإنتاج والنقل والتوزيع والمضاربة، ووصل الأمر إلى أنّها قد صارت تؤثر في القرار السياسي والبعد الثقافي والمعرفي، وفي ظل العولمة استطاعت هذه الشركات الاستفادة من فروق الأسعار، من نسبة الضرائب، من مستوى الأجور لتركيز الإنتاج في المكان الأرخص وبعد ذلك ينقل الإنتاج إلى المكان الذي يكون فيه مستوى الأسعار أعلى ويتم تسويقه هناك".([48])

       في يوم 19/6/2000م عقد في القاهرة مؤتمر ضمّ الدول الخمسة عشر-أفريقية وآسيوية-من الدول النامية- أكدّ المتحدثون فيه أنّ الاقتصاد العالمي الجديد هو لصالح فئة قليلة تزيدها غنى فوق غناها، على حساب الدول الكثيرة الفقيرة، وهو يدفع الدول النامية إلى مقبرة الفقر.

وترتّب على هذا الهدف ما يلي: لقد كانت نتيجة العولـمة خطيرة في حياتنا الاقتصادية، فضلاً عن الجوانب الأخرى، وقد حصرها بعض الاقتصاديين العرب بالنقاط الآتية:-

1-إنهاء دور القطاع العام وإبعاد الدولة عن إدارة الاقتصاد الوطني.

2- عولـمة الوحدات الاقتصادية وإلحاقها بالسوق الدولية لإدارتها مركزياً من الخارج.

3- العمل على اختراق السوق العربية من قبل السوق الأجنبي.

4- إدارة الاقتصاديات الوطنية وفق اعتبارات السوق العالمية بعيداً عن متطلبات التنمية الوطنية.

5-العمل على إعادة هيكلة المنطقة العربية في ضوء التكتلات الدولية.([49])

ويمكن أن يضاف إلى ذلك:-

6- " الإغواء الاقتصادي: ويعني إغواء الدول المتواضعة تقنيًّا وعلميًّا واقتصاديًّا بمشاركة العمالقة في مشاريع عابرة القارات، وهذه المشاريع كل مكوناتها من الخارج، وربما فتحوا لهم بعض الأسواق، وبعد أن يكون البلد الفقير قد دفع دم الشعب، وضحى بحاضره ومستقبله في مثل هذه المشاريع تتم عملية السيطرة أو الإجهاض، إنّ شيئًا من هذا قد تم في ماليزيا وإندونيسيا.

7- السيطرة الاقتصادية ذات المظاهر المتعددة، منها: شراء موارد الدول المستضعفة وموادها الخام بأقل الأسعار، وإعادة تصنيعها ثمّ بيعها لها في صورة جديدة بأغلى الأسعار، وفي حالة البترول يضيفون إليه ضريبة يسمونها ضريبة الكربون، وهي تعني ضريبة تلوث أجوائهم نتيجة الشطط التصنيعي".([50])

ومن أخطار هذه العولمة أيضاً:

أ- تركيز الثروة المالية في يد قلة من الناس أو قلة من الدول، فـ 358 ملياردير في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه أكثر من نصف سكان العالم. و 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، وعلى 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من المدخرات العالمية.إذاً نكتشف إنّ 5،19% من الاستثمار المباشر و08% من التجارة الدولية تنحصر في منطقة من العالم يعيش فيها 82% فقط من سكان العالم.

ب- سيطرة الشركات العملاقة عملياً على الاقتصاد العالمي، إنّ خمس دول -الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا- تتوزع فيما بينها 172 شركة من أصل مائتي شركة من الشركات العالمية العملاقة.([51]) ويمكن هنا أن نعرض إحصائية أولية لقوة تلك الشركات المتعددة الجنسيات. فهناك 350 شركة كبرى لتلك الدول تستأثر بما نسبته 40% من التجارة الدولية. وقد بلغت الحصة المئوية لأكبر عشر شركات في قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية 86% من السوق العالمي، وبلغت هذه النسبة 85% من قطاع المبيدات، وما يقرب من 70% من قطاع الحاسبات و60% في قطاع الأدوية البيطرية، و35% من قطاع الأدوية الصيدلانية، و34% في قطاع البذور التجارية.([52])

ج- تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس بل بين المواطنين في الدولة الواحدة، واختزال طاقات شعوب العالم إلى طاقة دفع لماكينة الحياة البراجماتية الاستهلاكية للقوى الرأسمالية والسياسة الغربية المسيطرة.([53]) لقد كان المدافعون- بحسن نية عن العولمة- يراهنون على أن العولمة ستؤدي إلى ارتفاع مستوى دخل الفرد على المستوى العالمي، وبالتالي تخف ظاهرة الفقر التي تعاني منها كثير من دول العالم, لكن الحقائق والأرقام، تكشف عن واقع مؤلم مختلف, ففي الوقت الذي ازداد معدل دخل الفرد، فإنّه صاحب هذه الزيادة اتساع في الهوة الشاسعة بين مستوى الدخل في الدول الغنية والدول الفقيرة، فمازال دخل أكثر من مليارين إنسان لا يزيد على 60 دولاراً في الشهر، ما يعني أن خطر الفقر مازال يطل برأسه القبيح على دول كثيرة في العالم.

      وقد أرجع تروس سكوت الأستاذ الجامعي في إدارة الأعمال – في بحثه عن أسباب التفاوت بين النظرية والواقع في مفهوم العولمة- إلى سببين, السبب الأول: أن الدول الغنية مازالت تصرّ على وضع العوائق في وجه هجرة العمالة من الدول الفقيرة إليها، ففي العام 1997م سمحت الولايات المتحدة الأميركية بهجرة 737 ألف وافد فقط، في حين لم تسمح الدول الأوروبية إلا بهجرة 665 ألفاً، ومجموع العددين لا يمثل سوى 4 في المائة من العمالة المهاجرة المتوقعة، إلى جانب ذلك ترفض الدول الغنية استيراد المنتجات الزراعية من الدول الأفقر, أما السبب الثاني: فيعود إلى أن الدول الفقيرة فشلت نتيجة لسوء حكوماتها في اجتذاب رؤوس الأموال من الخارج.([54])               

د- استئثار قلة من سكان الدولة الواحدة بالقسم الأكبر من الدخل الوطني والثروة المحلية، في الوقت الذي يعيش أغلبية السكان حياة القلة والشقاء ويوضح ذلك أن عشرين بالمائة من الفرنسيين يتصرفون فيما يقرب من سبعين بالمائة من الثروة الوطنية، وعشرين بالمائة من الفرنسيين لا ينالون من الدخل الوطني سوى نسبة ستة بالمائة.([55])

هـ- النمو المطرد للبطالة، وانخفاض الأجور وما يرتبط بها من تقليص في قدرة المستهلكين واتساع دائرة المحرومين، وقد دلت الإحصائيات على حقائق خطيرة، ففي العالم (800) مليون شخص يعانون من البطالة وهذا الرقم في ازدياد، وفي السنوات العشرة الأخيرة عملت 500 شركة من أكبر الشركات العالمية على تسريح أربعمائة ألف عامل -في المتوسط- كل سنة، على الرغم من ارتفاع أرباح هذه الشركات بصورة هائلة، فإحدى هذه الشركات منحت للمساهمين فيها مبلغ خمسة مليون دولار لكل منهم([56])والشركات الأمريكية تسرِّح مليونين من العمال.([57])

          ونتيجة لذلك ظهرت عدائية كثير من منظمات المجتمع المدني الغربية،وخاصة في الولايات المتحدة للعولمة، وخاصة المنظمات العمالية، واتحادات الشغل التي تراقب أثر عولمة الاقتصاد على معدلات أجور العمال، وعلى نسبة البطالة في الغرب.([58])

وإنّ الفقر الناتج عن البطالة حتما يقود إلى اتساع دائرة الجريمة فالعولمة تسمح وبيسر للعصابات بأنّ تشكل شبكة دولية عبر (الإنترنت) وتمكن المتهربين من دفع الضرائب من نقل أموالهم إلكترونيا إلى أمكنة أخرى، فمن روسيا وحدها وصل إلى العالم الغربي منذ عام 1990م خمسون مليار دولار بطريقة غير شرعية، ويقدر خبراء الأمن أن ثروة منظمات المافيا في النمسا وحدها تتجاوز تسعة عشر مليار دولار، كل هذا يجري على حساب الدولة التي بدأت تئن تحت ضائقة الفقر لتقلص الضرائب وهروبها، وهذا يعني ضعف الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية التي تقدمها الدولة، وتتضاعف حدة مشكلة الفقر،وتصبح أشدّ خطورة،وبالنتيجة فإنّ شرعية هذه الدولة واستقرارها يصبحان مهددان.([59])

و- فرض السياسات الاقتصادية والزراعية على دول العالم -وخاصة النامية- بهدف تعطيل التنمية الاقتصادية، وإبقائها سوقاً استهلاكية رائجة للمنتجات الغربية، وتسليم إرادتها السياسية للقوى الحاكمة في أمريكا. ففي بعض الدول انخفضت معدلات النمو عام 98م بأكثر من 100% وارتفعت معدلات البطالة بنسبة خطيرة أدت إلى حدوث مشكلات اجتماعية عديدة من أهمها زيادة نسبة الفقر والأمية([60]). يقول ساكيكو فوكيربار: "ما دام الاقتصاد ومفاهيم السوق من العناصر الأساسية في العولمة فإن التنمية البشرية لن تأخذ حظها الذي تستحق من هذه العولمة".([61])

 ز- إضعاف قوة موارد الثروة المالية العربية المتمثلة في النفط حيث تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي تخضع لحرية التجارة الدولية -أسوة بتجارة المعلومات- من تخفيض الضرائب والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول المستهلكة، فما زالت هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ترفض اعتبار النفط والمشتقات البتروكيماوية من السلع التي يجب تحريرها من القيود الجمركية والضرائب الباهضة التي تفرضها الدول المستهلكة، وبذلك تجني هذه الدول الأرباح الهائلة من وراء ذلك، وهي تعادل ثلاثة أمثال العائدات إلى الدول المنتجة في الوقت الحاضر، بل أصدر الكونجرس الأمريكي تشريعاً يقضي بفرض العقوبات على دول في منظمة أوبيك إذا شاركت في رفع أسعار النفط أو تثبيتها.([62])

ح- ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول الإسلامية، نتيجة إلغاء هذه الدول الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع الغذائية، وبسبب الاحتكار والمنافسة غير المتكافئة من الدول الكبرى، وبسبب قيود الجودة وشروط المواصفات العالمية التي تفرضها الاتفاقيات التجارية والصناعية الدولية، وهي شروط لا تقدر الدول الإسلامية النامية على الوفاء بها([63]). ويترتب على ذلك ابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وقصر دورها في حراسة النظام.وأن تبقى الأسواق الإسلامية سوقاً مفتوحاً رائجاً أمام المنتجات والبضائع الأوربية والأمريكية، وأن تقّوض المصانع والمؤسسات الوطنية والاقتصاد الوطني.([64])

ط- عملية الإغراق :ومن مخاطر العولمة ظهور عملية الإغراق التي ترتبط بالسعر, وذلك بأن تطرح في الأسواق سلع مستوردة بأسعار تقل كثيراً عن سعر المثيل في السوق المحلي, أو عن سعر المثيل في سوق الدولة المنتجة لهذه السلعة وتصدرها, أو انخفاض سعر البيع عن سعر تكلفة الإنتاج , ويتم تداولها لفترة زمنية, بهدف استرداد نفقاتها وتحقيق الربح, تلك هي الحالات الثلاث التي تعتبر فيها السلع المستوردة بمثابة سلع أو واردات إغراق. وهذه المشكلة ظهرت مع دخول العولمة وإلغاء التعرفة الجمركية, أو الحد منها على بعض السلع, حيث كان قديماً لا يمكن حدوث ذلك لان الدول كانت تتحكم في سعر السلعة بزيادة سعر الجمارك, مما يؤدي إلى زيادة سعر المنتج المستورد عن المنتج المحلي أو على الأقل يساويه في الثمن, ولكن مع فتح الأسواق أمام التجارة العالمية, فإننا سنشهد حالات إغراق كثيرة، وكذلك تجاوزات لا نضمن إلى أي مدى ستصل عواقبها".([65]

ثانياً: الأهداف والآثار السياسية:-

1- فرض السيطرة السياسية الغربية على الأنظمة الحاكمة والشعوب التابعة لها، والتحكم في مركز القرار السياسي وصناعته في دول العالم لخدمة المصالح الأمريكية والقوى الصهيونية المتحكمة في السياسة الأمريكية نفسها،على حساب مصالح الشعوب وثرواتها الوطنية والقومية وثقافتها ومعتقداتها الدينية.([66]) يقول جون بوتنغ رئيس المدراء التنفيذيين السابق في بنك بنسلفانيا "في العولمة نحن نقرر من الذي سيعيش ونحن نقرر من الذي سيموت".([67])

        إنّ العولمة الأمريكية الصهيونية تخطط للتدخل العسكري وإعلان الحرب في أية بقعة من العالم، تفكر بالخروج على سيطرتها وتحكمها لأن العالم يراد له أن يقع تحت براثن الاستبداد الأمريكي والقانون الأمريكي والقوة العسكرية الأمريكية. وهو أمر يكشفه تقريران خطيران كانا سريين للغاية،ثم نُشرا بعد ذلك،وهما تقريرا "جريميا وولفوفتيز"([68]). ولا شك في أنّ نصيب العالم الإسلامي- في أفغانستان،وفلسطين والعراق- قد كان كبيراً في ضوء تلك السياسة الأمريكية الظالمة. يقول صموئيل هنتنغتون([69])في دراسته المسماة "المصالح الأمريكية ومتغيرات الأمن"، التي نُشرتها "مجلة الشؤون الخارجية" في حزيران 1993م-:" إنّ الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بحاجة ماسّة إلى عدو جديد يوحد دوله وشعوبه، وأن الحرب لن تتوقف، حتى لو سكت السلاح وأُبرمت المعاهدات، ذلك أن حرباً حضاريةً قادمةً ستستمر بين المعسكر الغربي الذي تتزعمه أمريكا وطرف آخر، قد يكون عالم الإسلام أو الصين".([70])

2- إضعاف فاعلية المنظمات والتجمعات السياسية الإقليمية والدولية والعمل على تغييبها الكامل كقوى مؤثرة في الساحة العالمية والإقليمية ومن ذلك: منظمة الدول الأمريكية،ومنظمة الوحدة الأفريقية،والجامعة العربية،ومنظمة المؤتمر الإسلامي،والمتابع لنشاطات هذه المنظمات يلاحظ أنها لا تستطيع اتخاذ أي موقف تجاه القضايا السياسية المعاصرة وتجاه الأحداث الجارية مثل قضايا:فلسطين،والبوسنة والهرسك، وكشمير وألبان كوسوفو، والشيشان، والعراق.([71])

     جاء في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش- الابن- عن حال الاتحاد اليهودي المسيحي في 29 يناير عام 2002مـ: "نعتبر جميع المنظمات الدولية التي تعارض أيّ هدف يتعلق بالمصلحة الوطنية الأمريكية الإسرائيلية (غير ذي صلة) ويشمل هذا منظمات: كالأمم المتحدة،والاتحاد الأفريقي،والجامعة العربية،التي يجب في اعتقادي أن يتم حلها فوراً،واللجنة الدولية للصليب الأحمر،والفاتيكان،وجميع المنظمات الإسلامية".([72])

3- إبقاء الدول الإسلامية -خاصة- منقوصة السيادة، حتى تبقى هذه الدول ضعيفة وتابعة للهيمنة السياسية الغربية.

4- إضعاف سلطة الدولة الوطنية، أو إلغاء دورها وتقليل فاعليتها، وقتل روح الانتماء في نفوس أبنائها، فالعولمة نظام يقفز على الدولة والوطن والأمة، واستبدال ذلك بالإنسانية، إنّها نظام يفتح الحدود أمام الشبكات الإعلامية، والشركات المتعددة الجنسيات([73]) ويزيل الحواجز التي تقف حائلاً دون الثقافة الرأسمالية المادية والغزو الفكري، الذي يستهدف تفتيت وحدة الأمة، وإثارة النعرات الطائفية،وإثارة الحروب والفتن داخل الدولة الواحدة كما في السودان. يقول ريتشارد  كاردز المستشار السابق لوزارة الخارجية الأمريكية: "إنّ تجاوز السيادة الوطنية للدول قطعة قطعة يوصلنا إلى النظام العالمي بصورة أسرع من الهجوم التقليدي".)[74](

5- إضعاف دور الأحزاب السياسية في التأثير في الحياة السياسية في كثير من دول العالم -خاصة الدول الإسلامية- في الوقت التي بدأت فيه المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية تمارس دوراً متزايداً في الحياة السياسية([75]).

6- إنّ العولمة لا تكتفي بواقع التجزئة العربية والإسلامية الآن، بل تحاول إحداث تجزئة داخلية في كل بلد عربي أو إسلامي،حتى ينشغلوا بأنفسهم وينسوا تماماً أنهم أمة عربية واحدة، ينتمون إلى جامعة إسلامية واحدة.وهذا معناه بعثرة الشعوب المسلمة وتفرقها، والقضاء على مقومات الوحدة والتضامن الإسلامي، وتفريغ المنظمات والتجمعات الإسلامية من مضامينها الحقيقية حتى تبقى عاجزة عن تحقيق آمال وأماني المسلمين ولتصبح أداة طيعة في خدمة المخططات الاستعمارية الغربية.

      إذاً المشروع السياسي للنظام العالمي الجديد الذي انتهت إليه العولمة هو: تفتيت الوحدات والتكوينات السياسية- الدول - إلى تجمعات ودويلات صغرى ضعيفة ومهزوزة، ومبتلاة بالكوارث والمجاعات والصراعات الداخلية،والفتن.([76]) وفي يوليو 2002م طرح بعض الساسة الأمريكان فكرة تقسيم السعودية إلى عدة دول صغيرة .

ثالثاً: الأهداف والآثار الثقافية:-

تقوم العولمة في الجانب الثقافي علي انتشار المعلومات، وسهولة حركتها، وزيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات، أي تقوم علي إيجاد ثقافة عالمية، وعولمة الاتصالات،عن طريق البث التليفزيوني عبر الأقمار الصناعية، وبصورة أكثر عمقا خلال شبكة الإنترنت التي تربط البشر بكل أنحاء المعمورة. كما تعني العولمة الثقافية توحيد القيم وخاصة حول المرأة والأسرة، باختصار تركز العولمة الثقافية علي مفهوم الشمولية ثقافة بلا حدود، وآلة ذلك الإعلان والتقنيات.([77])

ولعلّ من أخطر أهداف العولمة ما يعرف بالعولمة الثقافية فهي تتجاوز الحدود التي أقامتها الشعوب لتحمي كيان وجودها، وما له من خصائص تاريخية وقومية وسياسية ودينية، ولتحمي ثرواتها الطبيعية والبشرية وتراثها الفكري الثقافي، حتى تضمن لنفسها البقاء والاستمرار والقدرة على التنمية ومن ثمّ الحصول على دور مؤثر في المجتمع الدولي. فالعولمة الثقافية تقوم على تسييد الثقافة الرأسمالية لتصبح الثقافة العليا، كما أنها ترسم حدوداً أخرى مختلفة عن الحدود الوطنية مستخدمة في ذلك شبكات الهيمنة العالمية على الاقتصاد والأذواق والثقافة.هذه الحدود هي: "حدود الفضاء (السبرنيتي) والذي هو بحق وطن جديد لا ينتمي لا إلى الجغرافيا ولا إلى التاريخ، هو وطن بدون حدود، بدون ذاكرة، إنّه وطن تبنيه شبكات الاتصال المعلوماتية الإلكترونية ".([78])

 إنّ العولمة لا تكتفي بتسييد ثقافة ما، بل تنفي الثقافة من حيث المبدأ، وذلك لأنّ الثقافة التي يجري تسييدها تعبر عن عداء شديد لأي صورة من صور التميز، إنّ الثقافة الغربية تريد من العالم أجمع أن يعتمد المعايير المادية النفعيةالغربية،كأساس لتطوره،وكقيمة اجتماعية وأخلاقية وبهذا فإنّ ما تبقى يجب أن يسقط، وما تبقى هنا هو" ليست خصوصية قومية بل مفهوم الخصوصية نفسه، وليس تاريخا بعينه بل فكرة التاريخ، وليس هوية بعينها وإنما كل الهويات،وليس منظومة قيمية بل فكرة القيمة وليس نوعا بشريا، وإنّما فكرة الإنسان المطلق نفسه ".([79])

يقول العالم الأمريكي المعروف ناعوم تشومسكي: "إنّ العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام، تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف، أي على العالم كله".([80]) يقول بلقيزر: "العولمة كما يدعي روادها هي انتقال من مرحلة الثقافة الوطنية إلى ثقافة عليا جديدة "عالمية"، وهي في حقيقتها اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات الأخرى،وهي اختراق تقني يستخدم وسائل النقل والاتصال لهدر سيادة الثقافات الأخرى للشعوب، وفرض الثقافة الغربية".([81])

       ويقول د.عبد الفتاح أحمد الفاوي:" ليست العولمة انتقالاً من ظاهرة الثقافة الوطنية والقومية إلي ثقافة عليا جديدة هي الثقافة العالمية بل إنّها فعل اغتصاب ثقافي وعدواني رمزي علي سائر الثقافات خاصة ثقافتناالعربيةوالإسلامية".([82])
      ودعا دافايد روشكويف (أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كولومبيا والمسئول السابق في حكومة الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون) الولايات المتحدة إلى استغلال الثورة المعلوماتية الكونية للترويج للثقافةوالقيم الأمريكية على حساب الثقافات الأخرى، لأنّ الأمريكان أكثر الأمم عدلاً وتسامحاً وهم النموذج الأفضل للمستقبل، والأقدر على قيادة العالم.([83])

ويقول شتراوس هوب في كتابه(توازن الغد):"إنّ المهمة الأساسية لأمريكا توحيد الكرة الأرضية تحت قيادتها، واستمرار هيمنة الثقافة الغربية، وهذه المهمة التي لا بد من إنجازها بسرعة في مواجهة نمور آسيا وأيّ قوى أخرى لا تنتمي للحضارة الغربية".([84]) إذاً من الأهداف الثقافية للعولمة: الترويج لفلسفة النظام الغربي الرأسمالي النفعي البرجماتي، وفرض الثقافة الغربية الوافدة وجعلها في محل الصدارة والهيمنة في العالم وقهر الهوية الثقافية للأمم والشعوب الأخرى، على أن تظل الثقافات الأخرى محدودةً في نطاق السلوك الفردي لا تتعداه، فالدساتير والنظم والقوانين والقيم الأخلاقية يجب أن تستمد من الفلسفة المادية النفعية، ومن ثقافة الرجل الأبيض العلمانية، المناهضة للعقائد والشرائع السماوية.([85])

 يقول المفكر الإسلامي الألماني الدكتور مراد هوفمان :العولمة تتبنى الوسائل المريبة الزاحفة لتمزيق الأمة الإسلامية،والطغيان على قيمها السامية بالعمل على شيوع القيم المتدنية التي تصاحب بالغزو الفكري، والاستهلاكي مثل:طغيان الاستهلاك والنهم المادي،وشيوع العنف والجنس،والمادية،والفردية،والافتتان بالثروة والسعي إليها بأي سبيل والتخلي عن القيم.

 ويقول الباحث  د. محمد أمخرون: "ومن المؤكد أن المستهدف بهذا الغزو الثقافي هم المسلمون. وذلك لما يلي:-

أ – ما تملكه بلادهم من مواد أولية هائلة يأتي على رأسها النفط والغاز وثروات طبيعية أخرى.

ب – ما ثبت لهم عبر مراكزهم وبحوثهم وجامعاتهم ومستشرقيهم من أنّ هذه الأمة مستعصية على الهزيمة، إذا حافظت على هويتها الإسلامية ومن ثم فالطريق الوحيد لإخضاعها يتمثل في القضاء على تفرد شخصيتها وإلغاء دينها الذي يبعث فيها الثورة والرفض لكل أشكال الاحتلال والسيطرة ".([86])

جـ – الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي، وهو من أهم أهداف العولـمة في بلاد العرب والمسلمين.

د – الحضارة الإسلامية بعقيدتها وشريعتها ونظام أخلاقها وإنجازاتها التاريخية هي النقيض الوحيد الشامل لفلسفة العولـمة ودينها وأنظمتها وقيمها الهابطة في هذه الدنيا التي نعيش فيها.

وترجع قوة تأثير الثقافة الأمريكية إلى مجموعة من الأسباب منها:-

"*هيمنة شركات الإعلام الأمريكية على التسويق العالمي، واعتماد اقتصاديات دول أخرى كثيرة على الاقتصاد الأمريكي.فمعظم مواد وتجهيزات الصناعة التقليدية،والإعلام الورق، الحبر،آلات الطباعة، آلات التصوير بيد الدول المصنعة،وعلى رأسهاالولايات المتحدة الأمريكية.

* جميع مواد وتجهيزات الاتصال الحديثة بيد المجموعة نفسها ويتحكم فيها كلياً مركز واحد للهيمنة،وجميع وسائل تجهيزات المعلومات والحاسوب، وغزو الفضاء.

التفوق الأمريكي في صناعة الأفلام والموسيقى،وتمتعها بسوق خارجية ضخمة في ظل انتشار التلفزيون، والأقمار الصناعة،وقنوات الفضاء التي أدخلت البث التلفزيوني إلى كل بيت في العالم.

     تشير إحصاءات منظمة اليونسكو عن الوطن العربي إلي أنّ شبكات التليفزيون العربية تستورد ما بين ثلث إجمالي البث كما في سوريا ونصف هذا الإجمالي كما في تونس والجزائر، أما في لبنان فإن البرامج الأجنبية تزيد علي نصف إجمالي المواد المبثوثة إذ تبلغ 58,5% وتبلغ البرامج الأجنبية في لبنان 69% من مجموع البرامج الثقافية، ولا تكتفي بذلك، بل وغالب هذه البرامج يبث من غير ترجمة، وثلثا برامج الأطفال تبث بلغة أجنبية من غير ترجمة في معظمها.([87])

* القابلية التسويقية التي تتمتع بها المنتجات الثقافية الأمريكية الهابطة والمكونة من مزيج ثقافات وافدة من أنحاء العالم، وليست لها هوية ذات جذور محددة.

* قيام أمريكا بتطوير صناعة ثقافية موجهة لشريحة الشباب داخل وخارج أمريكا، وهم الشريحة الأوسع على مستوى العالم، وهم رجال المستقبل الذين سيشغلون في مجتمعاتهم مواقع التأثير والنفوذ.ولقد فتحت أمريكا معاهدها وجامعاتها أمام الطلبة من أنحاء العالم، وهؤلاء يشكلون النخب في بلدانهم بعد عودتهم إليها بما يحملون من الأنماط الثقافية وطرق التفكير المقتبسة من أمريكا ".([88])

      إنّ عملاء الغرب في العالم الإسلامي الذين يروجون العولمة يحاولون جادين تعميم الفلسفة المادية والفكر الغربي العلماني ليصبح العالم الإسلامي جزءاً من المنظومة العلمانية العالمية التي تتميّز بخصائص معينة وتظهر بثقافة واحدة، تتجاوز الفكر الإسلامي بكل أبعاده الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والخلقية. "وإذا كان العالم الإسلامي يوجد تحت تأثير ظاهرة العولمة الثقافية، بالنظر إلى أوضاعه الاقتصادية، والاجتماعية،والتعليمية والثقافية والعلمية،والإعلامية التي هي دون ما نطمح إليه، فكيف يتسنى له أن يواجه مخاطر هذه العولمة ويقاوم تأثيراتها ويتغلب على ضغوطها؟.

       إنّ الواقع الذي تعيشه بلدان العالم الإسلامي يوفّر الفرص المواتية أمام تغلغل التأثيرات السلبية للعولمة الثقافية، لأن مقوّمات المناعة ضد سلبيات العولمة، ليست بالدرجة الكافية التي تقي الجسمَ الإسلاميَّ من الآفات المهلكة التي تتسبَّب فيها هذه الظاهرة العالمية المكتسحة للمواقع والمحطّمة للحواجز".([89])

ومن آثار العولمة في الهوية الثقافية:-

* شيوع الثقافة الاستهلاكية -لأنّ العولمة تمجِّد ثقافة الاستهلاك- التي استخدمت كأداة قوية فاعلة في إطلاق شهوات الاستهلاك إلى أقصى عنان ومن ثمَّ  تشويه التقاليد والأعراف السائدة في العالم الإسلامي.

* تغريب الإنسان المسلم وعزله عن قضاياه وهمومه الإسلامية،وإدخال   الضعف لديه،والتشكيك في جميع قناعته الدينية،وهويته الثقافية.([90])        

* إشاعة ما يسمى بأدب الجنس وثقافة العنف التي من شأنها تنشئة أجيال كاملة تؤمن بالعنف كأسلوب للحياة وكظاهرة عادية وطبيعية.([91]) وما يترتّب على ذلك من انتشار الرذيلة والجريمة والعنف في المجتمعات الإسلامية، وقتل أوقات الشباب بتضييعها في توافه الأمور وبما يعود عليه بالضرر البالغ في دينه وأخلاقه وسلوكه وحركته في الحياة، وتساهم في هذا الجانب شبكات الاتصال الحديثة والقنوات الفضائية وبرامج الإعلانات والدعايات للسلع الغربية وهي مصحوبة بالثقافة الجنسية الغربية التي تخدش الحياء والمروءة والكرامة الإنسانية ولقد أثبتت الدراسات الحديثة خطورة القنوات الفضائية-بما تبثه من أفلام ومسلسلات جنسية فاضحة-على النظام التعليمي والحياة الثقافية والعلاقات الاجتماعية ونمط الحياة الاقتصادية في العالم الإسلامي.([92])

        وفي دراسة أعدها مركز دراسات المرأة والطفل بالقاهرة على1472: فتاه، وسيدة مصرية..تبين أنّ الأفلام التي  يشاهدنها:85% أفلاماً جنس، 75% بها مشاهد جنسية، 85% أفلام عنف وحروب،23% أفلام فضاء، 68% أفلاماً عاطفية قديمة وحديثة، 21% أفلاما أخرى،6% فقط من عينة البحث يشاهدن نشرات الأخبار وبرامج ثقافية وترفيهية،ولم يذكرنّ الأفلام العلمية، لأنها لم تنل منهن أي اهتمام يذكر.([93])

      كما أثبتت الدراسات الحديثة أن شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) أكبر قوة دافعة للعولمة المدوية لصناعة الجنس.ويرى معهد فوريستر للأبحاث (كيمبردج ماساشوسيتس)أنّ صناعة البورنو على شبكة المعلومات الدولية تبلغ نحو مليار دولار سنويا من حيث القيمة،وإنّها مرشحة للتعاظم. فشبكة المعلومات الدولية تزيل بضربة واحدة، أكبر عقبتين تعترضان بيع الصور والخدمات الجنسية: الخجل والجهل.فالأمر لا يحتاج أكثر من أن يلقي نظرة على "دليل الجنس في العالم"،وهو موقع على شبكة معلومات الدولية،ليجد عروضاً مفصّلة عن المواخير،ووكالات تأجير المرافقات والنوادي الليلية في مئات المدن الكبرى حول العالم. وتتيح شبكة معلومات الدولية أيضا للناس تجاوز الرقابة المحلية والحصول على صور يرغبونها من أي مكان في أرجاء المعمورة.([94])

* ومن آثار عولمة الثقافة انتشار نوعية مميزة من الثقافة المادية والمعنوية الأمريكية حيث سيطرت الثقافة الأمريكية الشعبية على أذواق البشر فأصبحت موسيقى وغناء مايكل جاكسون،وتليفزيون رامبو، وسينما دالاس هي الآليات والنماذج السائدة في مختلف أنحاء العالم وأصبحت اللغة الإنجليزية ذات اللكنة الأمريكية هي اللغة السائدة.([95])

*ومن آثار العولمة في طمس الهوية الثقافية للأمة الإسلامية انتشار الأزياء والمنتجات الأمريكية في كثير من الدول الإسلامية، لأنّ هذه السلع تحمل في طياتها ثقافة مغايرة تسحق ثقافات الأمم المستوردة لها وظهور اللغة الإنجليزية على واجهات المحلات والشركات، وعلى اللعب والهدايا وعلى ملابس الأطفال والشباب.

  

   ولقد أثبتت الإحصائيات الصادرة لعام 1995م أنّ النساء في السعودية: استهلكن:538 طناً من أحمر الشفاه،43 طنا من طلاء الأظافر41 من مزيلات الطلاء، 232 طناً من مسحوق تجميل العيون 445 طناً من مواد صبغة الشعر، إنفاق 1200-1500 مليون ريال سعودي على العطور. وأربعة آلاف وأربعمائة امرأة مصاريفهن خلال الصيف فقط:110 ملايين ريال فساتين الحفلات، و8 آلاف ريال متوسط كلفة الفستان وما تنفقه المرأة الواحدة على كل زينتها خلال الحفلة25 ألف ريال.

        وحسب إحصائيات 1997م على نساء الخليج799 مليون دولار أنفقت على العطور،4 مليون دولار على صبغات الشعر،واستهلكن 600 طن من أحمر الشفاه، و50 طناً من طلاء أظافر، و1,5 مليار دولار تنفقها المرأة الخليجية على مستحضرات التجميل.([96])

       واستهلكن:298 ألف كيلو جرام وزن مستحضرات تجميل العيون 96 ألف كيلو جرام لتلميع الأظافر، 334 ألف كيلو جرام لطلاء الوجه599 ألف كيلو  مستحضرات وقاية الجلد من الشمس، 4 ألف كيلو جرام مستحضرات تطرية الجلد،401 ألف كيلو جرام مستحضرات تجعيد الشعر أو تنعيمه، 784 ألف كيلو جرام مستحضرات صبغ الشعر.([97])

         قد ينبري بعض السذج من الناس فيقول: وأي خطر حقيقي يمكن أن يهدّد المسلمين إذا شاعت هذه المطاعم والأزياء والتقاليد والمنتجات الأوربية والأمريكية؟! والجواب: هو المثل الفرنسي المشهور الذي يقول: (أَخبرْني ماذا تأكل أُخبرْك مَن أنت!)؛ فالأزياء,والمطاعم،والمأكولات والمشروبات، وغيرها من المنتجات تجلب معها مفاهيم بلد المنشأ، وقيمه وعاداته ولغته، وذلك يوضح الصلة الوثيقة بين هذه المنتجات وبين انفراط الأسرة،وضعف التدين،وانتشار الكحول والمخدّرات،والجريمة المنظمة.وأيضا فإنًّ أي مطعم أو متجر من (الماركات) الغربية المشهورة يقام في بلادنا- ينهار أمامه عشرات المؤسسات الوطنية الوليدة،التي لا تملك أسباب المنافسة، ممّا يزيد من معدلات الفقر والبطالة.([98])

    ولقد ثبت أنّ الأزياء الأوربية والأمريكية قد كتبت عليها عبارات باللغة الإنجليزية([99]) تحتوي على ألفاظ وجمل جنسية مثيرة للشهوات ومحركة للغرائز الجنسية، وأيضاً لا دينية تمس المشاعر والمقدسات والأخلاق الإسلامية وتروج للثقافة الغربية التي تقوم على الإباحية والحرية الفوضوية في مجال العلاقات بين الرجل والمرأة.([100])

    ولقد أدركت بعض الدول خطورة الآثار الثقافية للعولمة في  بلدانها ومن هذه الدول فرنسا، فهذا وزير العدل الفرنسي جاك كوبون يقول: "إن الإنترنت بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار،وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر، وهناك إجماع فرنسي على اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة لحماية اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية من التأثير الأمريكي".([101]) بل إن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عارض قيام مطعم "ماكدونالدز([102]) الذي يقدم الوجبات الأمريكية، مسوغًا ذلك أن يبقى برج أيفل منفردًا بنمط العيش الفرنسي.([103]) كما قام وزير الثقافة الفرنسي بهجوم قوي على أمريكا في اجتماع اليونسكو بالمكسيك، وقال: "إني أستغرب أن تكون الدول التي علّمت الشعوب قدراً كبيراً من الحرية، ودعت إلى الثورة على الطغيان، هي التي تحاول أن تفرض ثقافة شمولية وحيدة على العالم أجمع...إن هذا شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية، لا يحتل الأراضي، ولكن يصادر الضمائر، ومناهج التفكير، واختلاف أنماط العيش".([104])

رابعاً: الأهداف والآثار الدينية:

      العولمة آتية من الغرب الصليبي الكافر الذي يعتمد الأنظمة والمفاهيـم العلمانية اللادينية.ولقد حذرنا الله تعالى من اليهود والنصارى فقال عز وجل: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) البقرة:120 وقال:(وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا ) البقرة:217.وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة:51.

      يقول الدكتور جلال أمين: "وهناك من يكره العولمة لا لسبب اقتصادي، بل لسبب  ديني. فالعولمة آتية من مراكز دينها غير ديننا، بل هي قد تنكرت للأديان كلها، وآمنت بالعلمانية التي لا تختلف كثيراً في نظر هؤلاء عن الكفر، ومن ثمَّ ففتح الأبواب أمام العولمة هو فتح الأبواب أمام الكفر، والغزو هنا في الأساس ليس غزواً اقتصادياً، بل غزو من جانب فلسفة للحياة معادية للدين، والهوية الثقافية المهددة هنا هي في الأساس دين الأمة وعقيدتها، وحماية الهوية معناها في الأساس الدفاع عن الدين".([105])

فمن أهداف العولمة الدينية:-

1- التشكيك في المعتقدات الدينية وطمس المقدسات لدى الشعوب المسلمة لصالح الفكر المادي اللاديني الغربي، أو إحلال الفلسفة المادية الغربية محل العقيدة الإسلامية.

2- استبعاد الإسلام وإقصاؤه عن الحكم والتشريع،وعن التربية والأخلاق وإفساح المجال للنظم والقوانين والقيم الغربية المستمدة من الفلسفة المادية والعلمانية البرجماتية.([106])

3- تحويل المناسبات الدينية إلى مناسبات استهلاكية، وذلك بتفريغها من القيم والغايات الإيمانية إلى قيم السوق الاستهلاكية، فعلى سبيل المثال: استطاع التقدم العلمي والتقني الحديث أن يحوّل شهر رمضان(شهر الصوم والعبادة والقرآن)وعيد الفطر خاصة من مناسبة دينية إلى مناسبة استهلاكية.([107])

        ومن آثار العولمة في هذا الجانب: التحدي الخطير الذي تواجهه الشريعة الإسلامية من القوى المحلية العلمانية التي تتلقى الحماية الدولية المعنوية والمادية باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان،ولقد انتشرت الجمعيات الأهلية المدعومة غربياً،التي تقوم بمحاربة الهوية الثقافية الإسلامية، وإثارة الشبه والشكوك حول النظم والتشريعات الإسلامية،وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين المرأة والرجل وقضايا المرأة المسلمة،وتطالب بعضها جهاراً نهاراً الحكومات والمجالس البرلمانية إصدار القوانين وفق مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان بعيداً عن النظم والتشريعات الإسلامية. ولكن أخطر ما في العولمة نسبية الحقيقة التي تقوم عليها،وهي التي تتصادم تصادماً مباشراً مع ثوابت الدين الإسلامي المستمدة من النص:القطعي الثبوت القطعي الدلالة، لذلك نجد أن قوى العولمة تدعم كل من يروج لنسبية الحقيقة، فقد امتدح "بللترو"وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الأسبق ثلاثة من الكتّاب العرب ودعا إلى ترويج كتاباتهم واعتمادها، وهم:- محمد شحرور من سورية ومحمد سعيد العشماوي من مصر، ومحمد أركون من الجزائر،وإنّ ما يجمع هؤلاء الثلاثة هو إيمانهم بنسبية الحقيقة، وتفسيرهم النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة الذي يتناول ثوابت الدين الإسلامي:العقائد والحدود،والميراث،وتشريعات الأسرةكالزواج،والطلاق..على أنه انعكاس لبيئة العرب الجاهلية، وربطهم بينه وبين الواقع الجاهلي، ولذلك فنحن لسنا ملزمين به،وعلينا أن نفسّر هذه النصوص على ضوء واقعنا الجديد ونعطيها مضموناً وبعداً جديداً- أي حسب أهوائهم- أي بمعنى ثبوت النص وتغيّر المعنى، وبالإضافة إلى ذلك فإن كثيراً من المعارك الثقافية التي دارت أخيراً هي تجسيد للصراع بين نسبية الحقيقة التي تقوم عليها العولمة وبين ثوابت ديننا الإسلامي، ومن أبرز هذه المعارك ما ذكره د. نصر حامد أبو زيد عن النصوص القطعية الثبوت والدلالة التي تتناول قضايا عقائدية:كالكرسي،والعرش، والميزان، والصراط والملائكة،والجن والشياطين، والسحر،والحسد…فقد اعتبرها ألفاظاً مرتبطة بواقع ثقافي معين، ويجب أن نفهمها على ضوء واقعها الثقافي، واعتبر أنّ وجودها الذهني السابق لا يعني وجودها العيني،وقد أصبحت ذات دلالات تاريخية، والدكتور نصر حامد أبو زيد في كل أحكامه السابقة ينطلق من أن النصوص الدينية نصوص لغوية تنتمي إلى بنية ثقافية محدودة، تمّ إنتاجها طبقاً لنواميس تلك الثقافة التي تعد اللغة نظامها الدلالي المركزي وهو يعتمد على نظرية عالم اللغة "دي سوسير" في كل ما يروّج له وينتهي الدكتور أبو زيد إلى ضرورة إخضاع النصوص الدينية إلى المناهج اللغوية المشار إليها سابقاً؟([108])

 

خامساً: الأهداف والآثار الاجتماعية والخلقية:-

من مخاطر العولمة في الجانب الاجتماعي: أنها تركز على حرية الإنسان الفردية إلى أن تصل للمدى الذي يتحرر فيه من كل قيود الأخلاق والدين والأعراف المرعية، والوصول به إلى مرحلة العدمية, وفي النهاية يصبح الإنسان أسيراً لكل ما يعرض عليه من الشركات العالمية الكبرى التي تستغله أسوأ استغلال، وتلاحقه به بما تنتجه وتروج له من سلع استهلاكية أو ترفيهية، لا تدع للفرد مجالا للتفكير في شيء آخر وتصيبه بالخوف.([109])                                      
     وأيضاً تكريس النزعة الأنانية لدى الفرد، وتعميق مفهوم الحرية الشخصية في العلاقة الاجتماعية، وفي علاقة الرجل بالمرأة، وهذا بدوره يؤدي إلى التساهل مع الميول والرغبات الجنسـية، وتمرد الإنسان على النظم والأحكام الشرعية التي تنظم وتضبط علاقة الرجل بالمرأة. وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الإباحية والرذائل والتحلل الخلقي وخدش الحياء والكرامة والفطرة الإنسانية.

      إنّ ثقافة العولمة ثقافة مادية بحتة لا مجال فيها للروحانيات أو العواطف النبيلة، أو المشاعر الإنسانية، إنها تهمل العلاقات الاجتماعية القائمة على التعاطف والتكافل والاهتمام بمصالح وحقوق الآخرين ومشاعرهم. فهي تشكل عالماً يجعل من الشح والبخل فضيلة، ويشجع على الجشع والانتهازية والوصول إلى الأهداف بأي وسيلة دون أدنى التفات إلى القيم الشريفة السائدة في المجتمع.([110]) إنّ وسائل العولمة في مجال الإعلام والاتصالات-و خاصة الأقمار الصناعية- التي تلف حول العالم في كل لحظة، وتتسلل إلى البيوت على وجه الأرض كلها، دون استئذان،وتلعب بشخصية الأفراد والأمم جميعاً تثير في برامجها وأنشطتها الشهوات الجنسية، وتزين عبادة الجسد، وتشيع أنواع الشذوذ، وتحطم قيم الفطرة الإنسانية الرفيعة، فتتناقض بذلك مع النظام الإسلامي الاجتماعي والأخلاقي الذي أراد الإسلام في ظله أن يبني مجتمعاً نظيفاً،مؤمناًً فاضلاً عفيفاً. جاء في خطاب  الرئيس بوش-الابن-عن حال الاتحاد اليهودي المسيحي في 29 يناير عام 2002مـ : "ومن الآن فصاعداً يحق للعالم: تناول الخمر والتدخين، وممارسة الجنس السوي أو الشذوذ الجنسي، بما في ذلك سفاح القربى واللواط، والخيانة الزوجية،والسلب،والقتل،وقيادة السيارات بسرعة جنونية، ومشاهدة الأفلام والأشرطة الخلاعية داخل فنادقهم أو غرف نومهم".([111])

        ولتنفيذ مخططاتهم في هدم كيان المجتمع الإسلامي من خلال المرأة- لأهمية دورها في بناء كيان الأسرة والمجتمع- ساروا في ثلاثة مسارات في آن واحد، وهي:-

أ- التمويل الأمريكي والأوربي للجمعيات والمنظمات الأهلية النسائية العلمانية،والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان،والمؤتمرات العالمية للتعليم والمرأة من أجل تنفيذ مخططات إخراج المرأة المسلمة من الأخلاق الإسلامية، وتمردها على أحكام الشريعة الربانية.

ب - الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، وإزالة آثار كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، وإلزام الدول الإسلامية بالتوقيع عليها، مقابل إعفائها من بعض الديون المترتبة عليها.وهنالك محاولات لتضليل الرأي العام وإيهام المرأة المسلمة أنّ الظلم كله واقع عليها، وأن هذه الاتفاقية سترفع عنها الجور والظلم، وأنّ الأمم المتحدة ستحررها من سطوة مجتمعها، مع أنّها في حقيقة الأمر تريد هلاكها وهلاك مجتمعها.

ج- المؤتمرات النسائية والتي يقصد بها هدم المجتمعات البشرية، ولا سيما المجتمعات الإسلامية. وبمراجعة البحوث التي ألقيت في المؤتمرات النسائية التي عقدت في بعض البلاد الإسلامية، نجدها جميعها تريد إخراج المرأة المسلمة من النظام الاجتماعي الإسلامي الذي ينظر إلى المرأة من خلال فطرتها واستعداداتها وكرامتها.([112])

       يقول الباحث الدكتور عماد الدين خليل: "وفي الجانب الاجتماعي تسعى العولمة إلى تعميم السياسات المتعلقة بالطفل والمرأة والأسرة وكفالة حقوقهم في الظاهر، إلا أنّ الواقع هو إفساد وتفكيك الأفراد واختراق وعيهم، وإفساد المرأة والمتاجرة بها،واستغلالها في الإثارة والإشباع الجنسي، وبالتالي إشاعة الفاحشة في المجتمع، وبالمقابل تعميم فكرة تحديد النسل، وتعقيم النساء، وتأمين هذه السياسات وتقنينها بواسطة المؤتمرات ذات العلاقة:(مؤتمر حقوق الطفل)،(مؤتمر المرأة في بكين),(مؤتمر السكان)،وما تخرج به هذه المؤتمرات من قرارات وتوصيات واتفاقيات تأخذ صفة الدولية،ومن ثمّ الإلزامية في التنفيذ والتطبيق...وما تلبث آثار ذلك أن تبدو واضحة للعيان في الواقع الاجتماعي استسلامًا وسلبية فردية، وتفككًا أسريًا واجتماعيًا، وإحباطات عامة، وشلل تام لدور المجتمع الذي تحول إلى قطيع مسير ومنقاد لشهوته وغرائزه، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكراً، متحللا من أي التزامات أسرية واجتماعية، إلا في إطار ما يلبي رغباته وشهواته وغرائزه ".([113])

      إنّ العولمة تجيز الشذوذ الجنسي والعلاقات الجنسية الآثمة بين الرجل والمرأة، بل بين الرجل والرجل. ولبيان هذا الجانب الخطير المدمر للحياة الاجتماعية في العالم الإسلامي،ويظهر ذلك عند مراجعة وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة  المسمى المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة من 5-13 سبتمبر عام 1994م وأذكر هنا بعض الأمور التي ركزت عليها هذه الوثيقة :-

* الفرد هو الأسـاس،ومصالحـه ورغباتـه هـي المعيـار، لا الديـن ولا الأمة،ولا العائلة،ولا التقاليد،ولا العرف. ومن حق الفرد التخلص من القيود التي تفرض من جانب تلك الجهات.

* تتحدث عن ممارسة الجنس دون أن تفترض وجود زواج،وعن ممارسة الجنس بين المراهقين دون أن تستهجنه، والمهم في نظر الوثيقة ألا تؤدي هذه الممارسة إلى الوقوع في الأمراض، والواجب توعية المراهقين وتقديم النصائح المتعلقة بممارسة الجنس ومنع الحمل، وتوفير منتهى السرية لهم، واحترام حقهم في الاحتفاظ بنشاطهم الجنسي سراً عن الجميع.

* تستهجن الوثيقة الزواج المبكر لأنه يؤدي -في نظرها- إلى زيادة معدل المواليد.

* الإجهاض: لا تدين الوثيقة الإجهاض حتى ولو لم يكن ثمة خطر على صحة الأم،المهم أن يكون الإجهاض آمناً لا يهدد حياة الأم."إنّ الإجهاض الذي تدعو إليه منظمة الأمم المتحدة من خلال مؤتمرها هذا، صلته وثيقة بالإباحية للجنس، المسقطة للقيود والالتزامات، دونما شرع أو قواعد آمرة ضابطة، وعلينا الوعي بأنّ الحديث عن الإجهاض في هذا المؤتمر لم يكن حديثاً عن كونه حكماً، أو فتوى لحالة أو حالات معينة وإنّما كان الحديث عنه بحسبانه سياسة عامة، مما يعني أنّ الإجهاض بهذا المعنى إسناد للإباحية".([114])

* استهجنت الوثيقة الأمومة المبكرة -دون أن تميز بين ما إذا كانت هذه الأمومة قد حدثت في نطاق الزواج الشرعي أم خارجه- لأنها في نظرها تزيد من معدلات النمو ، وتقيد المرأة من العمل والمساهمة في الإنتاج.

* استخدمت الوثيقة لفظ "قرينين" بدلاً من زوجين، فلفظ قرينين أكثر حياداً، لأنّه لا يفترض وجود رباط قانوني معين. وهذا الحياد يجعل الشذوذ الجنسي([115]) والعلاقات الجنسية دون زواج أمراً جائزاً ومقبولاً.

* المساواة بين المرأة والرجل: تدعو الوثيقة إلى المساواة التامة بين الطرفين، وحثت المرأة على إلغاء الفوارق الطبيعية بينها وبين الرجل، ومن ذلك: اشتراك الرجل في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال أسوة بالنساء، دون النظر إلى اختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الرجال والنساء([116]).

* استخدم مشروع برنامج عمل المؤتمر في فقرات عديدة مصطلحات كثيرة، منها على سبيل المثال:‏1ـ الصحة الجنسية Sexual Health.

2 ـ صحة التكاثــر Reproductive Health

3 ـ حقوق التكاثر Reproductive Rights

وذلك دون بيان مراده من حقيقة هذه المصطلحات، أو بيان ماهيتها بيانًا جامعًا مانعًا، كما يقول أهل الأصول عندنا، أو حتى الإشارة إلى طبيعتها أو محتوياتها، أو مدى حدودها، وإنما ربط هذا الخطاب الغربي للعالم، هذه المصطلحات العجيبة بممارسة الجنس، على مستوى الأفراد،وليس داخل نطاق الأسرة فقط.([117])

 * "إنّ قارئ الوثيقة الأساسية محل التعليق، والمكونة من أكثر من مائة وإحدى وعشرين صفحة، من القطع الكبير، يلاحظ أنه ورد بها مكررًا،بل مئات المرات،عبارات مثل الخدمات الصحية التناسلية، والجنسية النشاط الجنسي للأفراد،اعتبار ممارسة الجنس والإنجاب حرية شخصية، وليست مسؤولية جماعية... إلخ،هذا الذي يفوح خبثًا، وكأن المؤتمر يُعنى بصورة أساسية بأمور الجنس، والتناسل، وليس بالسكان والتنمية".

وقد أفصح المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي عن نوايا مقررات مؤتمر القاهرة في الرسالة التي وجهها للمؤتمر ونشرتها صحيفة الشعب في القاهرة بعددها 16/9/1994م.([118]) ومن المدهش أنّ رئيسة جمعية "الأمهات الصغيرات في أمريكا" حذرّت المسلمين في مؤتمر القاهرة من خطورة الأمركة،فقالت:" لقد دمّروا المجتمع الأمريكي وجاءوا الآن بأفكارهم للمجتمعات الإسلامية، حتى يدمروها،ويدمروا المرأة المسلمة ودورها فيها".([119])

      ومن آثار العولمة في الجانب الاجتماعي زيادة معدلات نسبة الجريمة ليس في الدول النامية وحدها، بل في كل الدول الأوربية الغنية وقد أكّد هذا الأمر الكاتبان الألمانيان (هانسبيتر مارتين، وهارالدشومان) حيث قالا: "ينتفع مرتكبو الجرائم متعدية الجنسيات أيضاً من إلغاء القيود القانونية المفروضة على الاقتصاد، فعلى مستوى كل البلدان الصناعية تتحدث دوائر الشرطة والقضاء عن طفرة بينة في نمو الجريمة المنظمة وكان أحد موظفي الشرطة الدولية قد أشار إلى هذه الحقيقة بعين العقل حينما راح يقول: "إنّ ما هو في مصلحة التجارة الحرة، هو في مصلحة مرتكبي الجرائم أيضاً".([120]) ويضيفان: "إنّ النتائج المترتبة تثير الرعب بلا شك، ففي منظور الخبراء أضحت اليوم الجريمة المنظمة عالمياً، أكثر القطاعات الاقتصادية نمواً، إنه يحقق أرباحاَ تبلغ خمسمائة مليار دولار في العام".([121])

       ويمكن أن نمثّل بالولايات المتحدة الأمريكية أبرز قلاع الرأسمالية، فالجريمة اتخذت هناك أبعاداً بحيث صارت وباءً واسع الانتشار. ففي ولاية كاليفورنيا - التي تحتل بمفردها المرتبة السابعة في قائمة القوى الاقتصادية العالمية – فاق الإنفاق على السجون المجموع الكلي لميزانية التعليم. وهناك 28 مليون مواطن أمريكي،أي ما يزيد على عشر السكان قد حصّنوا أنفسهم في أبنية وأحياء سكنية محروسة. ومن هنا فليس بالأمر الغريب أن ينفق المواطنون الأمريكيون على حراسهم المسلّحين ضعف ما تنفق الدولة على الشرطة.([122]). في سنة 1965م وقعت خمسة ملايين جريمة، ثم ازدادت الجرائم الخطيرة أسرع أربع عشرة مرة من الزيادة السكانية (187 % مقابل 13 %).وفي أمريكا: تحدث جريمة كل 12 ثانية،وجريمة قتل كل ساعة، وجريمة اغتصاب للعرض كل 25 دقيقة -مع أن الجنس مباح- وجريمة سرقة كل خمس دقائق، وسرقة سيارة كل دقيقة.([123]) واتَّهَمَ الرئيس نكسون (هوليود) بتدمير المجتمع الأمريكي،من خلال ما تنتجه من مادة إعلامية تدعو للإباحية الجنسية.واجتمع الرئيس كلينتون مع 400 سينمائي من هوليود والتمس منهم الرحمة بالمجتمع الأمريكي،عن طريق الكف عن إنتاج الأفلام الجنسية الإباحية.‏([124])

ومن آثار العولمة في الجانب الاجتماعي أيضاً زيادة معدلات الفقر والبطالة،([125]) وتوهين العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، والظلم الاجتماعي الذي يصيب الأسر الفقيرة نتيجة تقليص الدولة للدعم الاجتماعي لهذه الأسر، ستؤدي العولمة إلى تشغيل خمس المجتمع وستستغني عن الأربع الأخماس الآخرين نتيجة التقنيات الجديدة المرتبطة بالكمبيوتر، فخمس قوة العمل كافية لإنتاج جميع السلع، وسيدفع ذلك بأربعة أخماس المجتمع إلى حافة الفقر والجوع ، ومن مخاطر العولمة أيضاً قضاؤها على حلم مجتمع الرفاه، وقضاؤها على الطبقة الوسطى التي هي الأصل في إحداث الاستقرار الاجتماعي  وفي إحداث النهضة والتطور الاجتماعي.([126]) ولقد أصدرت الأمم المتحدة أخيراً تقريراً يفيد بأنّ قوى العولمة رغم إتاحتها فرص لم يحلم بها لمنفعة بعض الشعوب وبعض الدول إلا أنها قد أسهمت في الوقت نفسه في كثير من دول العالم في رفع معدلات الفقر والظلم،والقلق على فرص العمل، وإضعاف المؤسسات التي تقدم الدعم الاجتماعي للفقراء كما أسهمت في تفتت القيم والعادات السائدة منذ زمن بعيد.([127]).

بعض النتائج الخطيرة التي بدأت تظهر في العالم أجمع بفعل العولمة:-

      أجمع الباحثون على ظهور نتائج خطيرة بفعل تيّار العولمة الذي اكتسح العالم المعاصر، ومن هذه النتائج:-

* حوار الشمال والجنوب قضى نحبه، كما قضى نحبه صراع الشرق والغرب. فقد أسلمت فكرة التطور الاقتصادي الروح، فلم تعد هنالك لغة مشتركة،بل لم يعد هناك قاموس مشترك لتسمية المشكلات. فالمصطلحات من قبيل الجنوب والشمال، والعالم الثالث،والتحرر لم يبق لها معنى.([128])

* من وجهة مُنظري العولـمة: إن المجتمعات العاجزة عن إنتاج غذائها أو شرائها بعائد صادراتها الصناعية مثلاً، لا تستحق البقاء، وهي عبء على البشرية، أو على الاقتصاد العالمي، ويمكن أن يعرقل نموها الذي يحكمه قانون البقاء للأصلح. ولذلك يجب إسقاطها من الحساب.ولا ضرورة بالتالي لوقوف حروبها الأهلية أو مساعدتها أو نجدتها.([129])

* عاد الاستعمار الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي من جديد في صورة العولـمة بالاقتصاد الخ، واتفاقية الجات، والمنافسة، والربح، والعالم قرية واحدة، والتبعية السياسية، وتجاوز الدولة القومية، ونشر القيم الاستهلاكية، مع الجنس والعنف والجريمة المنظمة.([130])

* لقد غدا العالم الذي خضع للعولمة، بدون دولة، بدون أمة، بدون وطن لأنه حوّل هذا العالم إلى عالم المؤسسات والشبكات، وعالم الفاعلين والمسيرين،وعالم آخر،هم المستهلكون للمأكولات والمعلبات والمشروبات والصور،والمعلومات،والحركات،والسكنات التي تفرض عليهم.أما وطنهم فهو السيبرسبيس: أي (الواقع الافتراضي الذي نشأ في رحاب شبكة المعلومات الدولية وسائر وسائل الاتصال، ويحتوي الاقتصاد والسياسة والثقافة).([131])

يقول أحد الكتاب الفرنسيين عن النظام الرأسمالي الأمريكي: "فكلما ازداد هذا النظام الرأسمالي الجشع إمعاناً وانتشاراً للعولمة ازدادت الانتفاضات والحروب العرقية والقبلية والعنصرية والدينية للتفتيش عن الهوية القومية في المستقبل. وكلما تَفَشَّت المعلوماتية والأجهزة التلفزيونية والسلكية واللاسلكية، تكبّلت الأيدي بقيود العبودية، وازدادت مظاهر الوحدة والانعزال والخوف والهلع دون عائلة ولا قبيلة ولا وطن. وكلما ازداد معدل الحياة سوف تزداد وسائل القتل،وكلما ازدادت وسائل الرفاهية سوف تزداد أكثر فأكثر جرائم البربرية، العبودية".([132])

وسائل العولمة:-

لجأت القوى الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الوسائل التالية من أجل تحقيق الأهداف المنشودة من وراء العولمة.

1- إنشاء التكتلات والمنظمات الاقتصادية والتجارية التي تمرّر من خلالها السياسات والإملاءات لصالح العولمة، ومن ذلك اتفاقية الجات" (الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية) "أعضاؤها 117 دولة،وتكتل "النافتا" المكون من كندا وأمريكا والمكسيك، والسوق الأوربية المشتركة و"إيباك" المكون من دول "النافتا" واستراليا ونيوزلندة واليابان وإندونيسيا وماليزيا،ومنظمة التجارة العالمية التي تنتمي إليها كثير من دول العالم.([133])

2-استخدام الشرعية الدولية الزائفة وعبر استغلال الأمم المتحدة. "ومن أبرز وسائل العولمة الأمريكية:إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وأجهزتها السياسية والمالية والثقافية كالبنك الدولي،ومنظمة اليونسكو ومنظمة حقوق الإنسان، وغيرها، وكلها تخضع للتوجيه الأمريكي الواضح أو المستتر، وقد وضح الآن أنّ من أهداف إنشاء الأمم المتحدة هو منع قيام المحاور الجديدة، بدعوى الحفاظ على السلام والاستقرار الدولييْن، أما الغرض الحقيقي فهو تنفيذ السياسة الأمريكية، وكان أول البراهين على ذلك: ولما يمضِ على إنشاء المنظمة سوى بضع سنين - إصدار قرار تقسيم (فِلسطين) بإنشاء الدولة العبرية خلافاً لمنطق العدالة والتاريخ 1947م، ثمّ الهجوم الأمريكي على كوريا الشمالية تحت أعلام الأمم المتحدة (1950) ولا تزال الأمم المتحدة-حتى اليوم- تقوم بدور الغطاء الدولي لسياسات الولايات المتحدة في مهاجمة الدول الصغيرة، أو فرض الحصار عليها لأتفه الأسباب  وحين تحاول الكتل الدولية أو الإقليمية أن تعيد منظمة الأمم المتحدة إلى الدور الذي حدده ميثاقها المعلَن تبادر الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض، وإبطال أي قرار لا ترضى عنه، وخصوصاً فيما يتعلق بإسرائيل، ويساعدها على ذلك وجود مقر المنظمة الدولية وأكثر المؤسسات المعاوِنة على الأراضي الأمريكية، وقد أشهرت الولايات المتحدة سلاح التهديد عند أول مبادرة استقلالية من جانب الأمم المتحدة ؛ فقلّصت اشتراكاتها المالية لسنوات طويلة، أما اليونسكو فقد حرصت علي أن تغطي هذه المؤسسة الجانب الثقافي من المخطط الأمريكي وحين حاول مديرها العام السنغالي أحمد مختار أمبو أن يسلك طريقاً محايداً في مسألة (إسرائيل) والقدس أوقفت دفع اشتراكاتها السنوية لإحراج المدير العام، ثمّ عملت على إخراجه من المنظمة"،ومن مؤسسات المالية: منظمة الأمم المتحدة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومهمتهما فرض وتنفيذ الإملاءات والقرارات السياسية والاقتصادية التي تضر بالدول والشعوب وتحقق المصالح العليا لأمريكا وحلفائها.([134])فالمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تضغط جاهدة على دول العالم الثالث لكي تلغي الحواجز في وجه التجارة الدولية، والتركيز على الاستيراد بدلا من الإنتاج المحلي.([135])

3- تقديم الدعم الاقتصادي والمعنوي للأنظمة والحكومات المعادية للإسلام، فرض سياسة الحصار والتجويع على الأنظمة المتمردة على الإرادة الأمريكية،أو الأنظمة التي تسعى إلى اتخاذ الإسلام منهجاً وشريعةً للحياة. استخدم العقوبات الدولية التي تفرضها أمريكا- من خلال الأمم المتحدة- طبقاً لمعاييرها الخاصة التي تحقق أهداف العولمة.

4- تقييد الحكومات في العالم الإسلامي بالاتفاقيات المجحفة الظالمة كاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية والكيماوية في الوقت الذي يسمح فيه لليهود ومن على شاكلتهم بامتلاك تلك الأسلحة وتطويرها.

5- تسخير القوى العلمانية الداخلية من الكتاب ورجال الإعلام والتربية لصالح العولمة والاستفادة من جهود المستشرقين وقادة الغزو الفكري.

6- كتم الصوت الإسلامي المعبر عن آمال الأمة وتطلعاتها في الحرية والاستقلال وعدم التبعية للسيطرة الغربية.

7- الإكثار من المنظمات والجمعيات والمؤسسات الخدماتية الأهلية ذات الأهداف اللادينية ودعمها مالياً ومعنوياً.

8- إحلال الثقافة الغربية من خلال نشر اللغة الإنجليزية، من خلال الأزياء،والمأكولات،والمنتجات الغربية، وإقامة المطاعم الأمريكية (ماكدونالدز) وإقامة شركات إنتاج المواد الغذائية الأمريكية ومن أمثلتها شركة (كوكا كولا) للمشروبات الغازية.

9- استخدام وسائل الدعاية والإعلام وشبكات الاتصال الحديثة: كالأقمار الصناعية، والقنوات الفضائية، وشاشات الحاسوب ،لإحداث التغيرات المطلوبة لعولمة العالم. ([136])

يقول العالم الأمريكي المعروف ناعوم تشومسكي: "إنّ العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام، تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف، أي على العالم كله".([137]) إنّ هيمنة أمريكا ناتجة من أنّ 65% من مجمل المواد والمنتجات الإعلامية والإعلانية والثقافية والترفيهية تحت سيطرتها، ومن إنتاجها. هذا الأمر الذي أدّى إلى توجس بعض الدول الغربية وخوفها على أجيالها. إنّ طغيان الإعلام والثقافة الأمريكيتين في القنوات الفضائية دفع وزير العدل الفرنسي جاك كوبون أن يقول: "إنّ شبكة المعلومات الدولية بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر، وهناك إجماع فرنسي على اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة لحماية اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية من التأثير الأمريكي"([138]).كما هاجم وزير الثقافة الفرنسي هجوماً قوياً أمريكا في اجتماع اليونسكو بالمكسيك وقال:" إنّي أستغرب أن تكون الدول التي علّمت الشعوب قدراً كبيراً من الحرية ودعت إلى الثورة على الطغيان هي التي تحاول أن تفرض ثقافة شمولية وحيدة على العالم أجمع. ثمّ قال: إنّ هذا شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية،لا يحتل الأراضي، ولكن تصادر الضمائر، ومناهج التفكير واختلاف أنماط العيش".([139]) وتبعاً لهذه السياسة قررت فرنسا أن تكون نسبة الأفلام الفرنسية المعروضة باللغة الفرنسية في التلفاز الفرنسي60%.([140]) وفي المقاطعات الكندية بلغت الهيمنة الأمريكية في مجال تدفق البرامج الإعلامية والتلفاز إلى حد دعا مجموعة من الخبراء إلى التنبيه إلى أن الأطفال الكنديين، أصبحوا لا يدركون أنّهم كنديون لكثرة ما يشاهدون من برامج أمريكية.([141])

10- التوسع في قبول الطلاب الأجانب في الجامعات والمعاهد الغربية ففي أمريكا وحدها أكثر من عشرين ألف جامعة ومعهد مهمتها القيام بالبرامج الثقافية التي ترسخ لديهم الثقافة الغربية،وتستخدمهم وسائل للعولمة.

11- استخدام ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الإنسان واعتبارات الحياة المعاصرة ومواثيق الأمم المتحـدة في محاربة منظومة القيم والأخلاق والتشريعات السائدة في المجتمعات الإسلامية.

12- المؤتمرات الاقتصادية، ومؤتمرات التنمية والسكان، التي تعقد في كافة دول العالم، واستخدامها للترويج لثقافة وفكرة العولمة.

13- تنظيم المهرجانات الفنية الغنائية والموسيقية واللقاءات الشبابية التي تشترك فيها فرق ووفود من كل أنحاء العالم.

14- استغلال المرأة عبر دعوات لتحقيق المساواة بينها وبين الرجل وسن قوانين عالمية بحجة حماية حقوق المرأة.

15- سياسة السوق وفتح المجال أمام الشركات الأمريكية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات للقيام بالاستثمار غير المباشر في دول العالم والاعتماد على خوصصة الشركات والمؤسسات الاقتصادية والخدماتية الوطنية والحكومية، أي نزع ملكية الوطن والأمة والدولة لها، ونقلها للخواص من الداخل والخارج، لإضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لصالح ظاهرة العولمة، ومن ثمّ إحداث هزات مالية في أسواق العالم، وفتح الأسواق المحلية أمام السلع ورؤوس الأموال والمعلومات الوافدة، وهدم الأسوار الجمركية والقيود أمام التجارة الدولية،وعدم إعطاء الدعم لبعض السلع بحجة أن ذلك يضر التنمية، وتسريح الجيوش أو الحد من أعدادها وخوصصة القطاع العام، وتخلي الدولة عن دورها في إدارة اقتصادها وحمايته وفق رؤيتها ومصالحها الخاصة.([142]).

ضمانات نجاح المواجهة الإسلامية لنظام العولمة:

يرى عدد من الباحثين أن العولمة صارت نظاماً حتمياً تنصهر فيه كل الاتجاهات وتذوب فيه كل الفوارق، وما على العالم إلا أن يتقبل الأمر الواقع بكل رحابة صدر، ويذوب فيه ذوبان الملح في الماء.

إن هذه الفكرة هي إحدى أهداف النظام العالمي الجديد، وإحدى معالم السياسة الجديدة وهو منطق العولمة ذات الطابع السيادي، وعالمنا الإسلامي هو أول المتضررين بهذا النظام وأول الواقعين في أشراكه لأنه يمثل رقعة واسعة من العالم من جهة، ولأنه ليس لديه من مقومات العيش ما يراه بنفسه كفيلاً بالذاتية والاستقلالية من جهة ثانية، ولكن ضمانات العيش الكريم وضمانات السعادة الحقيقة لا يمكن في حضارة يموت فيها الإنسان وتحيى فيها المادة، لان الهدف الحقيقي لكل حضارة إنسانية هو الارتقاء بمستوى الإنسان وتنمية قدراته الذاتية ومواهبه العقلية والفكرية ورفع مستواه النفسي وتحسين مشاعره التي تجعله بحق جديراً بأن يكون لبنة في جدار الحضارة.

ولتحقيق هذا الهدف النبيل لعالمنا الإسلامي فهناك طرح متكامل يتمثل فيما يلي:-

أولاً :- الوعي بظاهرة العولمة :ويتم هذا الضمان بعدة أمور :-

  1.  
  2. الوعي بحقيقة الرسالة الإسلامية وعالميتها وشموليتها وأنها تختلف شكلاً وجوهراً ومقصداً عن كل الحضارات الأخرى، فإن عالمية الإسلام تعني قابليته لاستيعاب كل الاتجاهات وكل المتغيرات والمستجدات ويتأتى هذا الفهم الصحيح بتصحيح المسيرة التي ينتهجها الغالب الأعم من أبناء الإسلام والمنتمين إليه في صور منها:-
  1.  
  2. رسم الخط الفارق بين الإسلام كما يفهمه ويمارسه مئات الملايين مكونين التيار العريض للإسلام وحضارته ونظامه وبين ما سماه الغربيون " الأصولية ".
  3.  
  4. تصحيح فهم عالمية الإسلام باعتباره دعوة إنسانية موجهة للكافة.
  5.  
  6. ممارسة الاجتهاد والإقبال على التجديد في الموائمة بين الواقع والنص الشرعي بشكل يضمن للنص حقه وللحياة نصيبها المقدر من التنزيل الشرعي

ـإعادة قيم الحرية والشورى إلى مكانهما الصحيح من التصور الإسلامي(!)، والربط بين هذا الضمان وبين فهم ظاهرة العولمة يفتح لنا الآفاق لانطلاقة كبرى، فإن العولمة تعكس لنا السنة الكونية في قدرة الإنسان على تحقيق آماله وطموحاته، فكيف والإسلام إنما جاء رحمة للعالمين، فإذا انضم إلى ذلك الرصيد التاريخي الطويل في سيادة الإسلام حقبة طويلة من الزمن كان ذلك أدعى إلى الإيمان بفكرة العالمية والسعي نحو تحقيقها.

  1.  
  2. إدراك خطورة العولمة المتمثلة في كونها طوفاناً لا يمنع منه إلا سد منيع مبني على أسس متينة لا يتأثر معها بعوامل الزمن والبيئة وهذا أيضا يستلهم من أمور أهمها مناداة الغربيين أنفسهم بإدراك خطوة العولمة وما ظهور التكتلات السياسية بين الحين والآخر والاتفاقيات الاقتصادية إلا نوع من الشعور العميق بخطر هذا النظام وسعي إلى الوقوف في وجهة والتصدي له.
  3. ولا أدل على خطورة العولمة من الأدبيات التي تكشف عن الوجه الحقيقي لهذه الظاهرة أو هذا النظام العالمي مثل كتاب " فخ العولمة - الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية" الذي ألفه هانس بيتر مارتين وهارالد شومان الذين ينتميان إلى إحدى كبريات دول العالم وهي ألمانيا التي استعادت قوتها المعنوية والمادية بتوحيد الألمانيتين وقد أطال المؤلفان النفس في بيان حقيقة العولمة وتكهناتها المستقبلية فكان من أهم الطروحات التي شملها الكتاب " ان العولمة من خلال السياسات الليبرالية الحديثة التي تعتمد عليها إنما ترسم لنا صورة المستقبل بالعودة للماضي السحيق للرأسمالية، فبعد قرن طغت فيه الأفكار الاشتراكية والديموقراطية، ومبادئ العدالة الاجتماعية، تلوح الآن في الأفق حركة حضارة نقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من مكتسبات، وليست زيادة البطالة وانخفاض الأجور وتدهور مستويات المعيشة وتقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة وإطلاق آليات السوق وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي، وحصر دورها في "حراسة النظام " وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين وهي الأمور التي ترسم الآن ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية في غالبية دول العالم كل هذه الأمور ليست في الحقيقة إلا عودة لنفس الأوضاع التي ميزت البدايات الأولى للنظام الرأسمالي إبان مرحلة الثورة الصناعية ( 1750-1850) وهي أمور سوف تزداد سوءاً مع السرعة التي تتحرك بها عجلات العولمة المستندة إلى الليبرالية الحديثة.(2)
  4. الاستفادة من الإيجابيات التي يحملها نظام العولمة استفادة موجهة بقدر ما يتيح لنا كسب المهارات الحضارية والاطلاع على عوامل القوة وأسبابها، يقول د. محمد الرميحي بعد عرضه كتاب (فخ العولمة ): " وبرغم أنني استعرت زاوية نظر الكتاب لإكمال عرضه فهذا لا يعني أنني أتبنى موقفاً سلبياً من العولمة كما أنني لا أتبنى موقفاً إيجابياً صرفاً تجاهها بل هو موقف أقرب إلى البحث عن الحقيقة الممكنة في هذه اللحظة المبكرة من عمر عالم يفترض كونه جديداً، لهذا أود أن أفتح ثغرة مناقضة في جدار الرفض لصيغة العالم الجديد، ثغرة يتسلل منها بعض الضوء على الإيجابيات المحتملة في مسار العولمة فبموازاة اقتصاد السوق الذي لا يعرف الحدود والعابر للقارات وللأقطار يمكن أن تنشأ شبكة تنظيمية من الفعاليات عابرة الحكومات ومتواصلة مع المؤسسات الشعبية، ومن ثم توافر مزيد من الرعاية والمتابعة الفاعلة لحقوق الإنسان وقضايا البيئة التي لا تعرف الحدود، وكما تسير عولمة الاقتصاد تنتشر عولمة الديموقراطية وتصبح هناك نقاط التقاء مهنية منها -كمثال- تفاعل القضاة الوطنيين مع القضاء الدولي لإنشاء عدالة ( عالمية ) جديدة وبالتالي محاصرة أفضل لسلبيات عالمية كالإرهاب وتهريب المخدرات وغسيل الأموال وانتهاك حقوق الإنسان ……..الخ " (1).
  5.  
  6. عدم الإقرار بالقبول العالمي للعولمة أو بقدرتها على الهيمنة فإن من مخاوف خبراء الاقتصاد العالمي مثلا تأكيدهم على أن إزالة الحدود أمام السوق يعيد الطرق أمام العالم الثالث للخروج من مأزق الفقر والتخلف ليلحق بركب البلدان الصناعية(2).

وفي مجال الثقافة كتب " دمويس الفرنسي " مقالاً بعنوان " أساطير قرية المعلومات الكونية " بين فيه وجهاً مماثلاً من واقع الثقافة الموزعة كالقول بأن الانترنت أصبحت ملاذاً لعدد وافر من الأقليات المنعزلة عن بقية العالم، كما ضرب أمثلة عدة للوصول إلى ظاهرة العولمة في بعض المجالات قصيرة المدى ضئيلة التأثير، ومن ذلك أن شبكة سي أن أن العالمية تحتفظ فقط بـ 35 مراسلاً خارجياً لها يعملون في 23 مكتباً خارجياً في حين تحتفظ كل من وكالات الأنباء السلكية الرئيسية الأخرى بحوالى 500 مراسل في 100 مكتب يقول: "وينبغي ألا نصدق أيضا الزعم بأن كل الجنس البشري على وشك أن يقتسم المعرفة من خلال شبكة كونية للاتصالات، فهذه الإمكانية ليس لها وجود مثل القرية الكونية ولن يكون لها وجود أبداً، فإرسال شبكة سي أن أن العالمية لا يصل إلا إلى 3 % فقط من سكان العالم الذين لا يملك أربعة أخماسهم أصلاً أجهزة تلفزيون،أما عدد الناس الذين باستطاعتهم الاشتراك في الانترنت من خلال أجهزة الكمبيوتر الخاصة التي يمتلكونها فقد يزداد في آسيا لكن الأمر المؤكد أن عددهم سيظل ضئيلاً جداً من الستة بلايين إنسان الذين سيقطنون الأرض مع حلول نهاية هذا القرن "(3)، ويقول صمويل هنتجنون " تواجه الثقافة الغربية تحديات من قبل جماعة داخل المجتمعات الغربية، ويأتي أحد هذه التحديات من المهاجرين من حضارات أخرى والذين يرفضون الاندماج في النسق القيمي الجديد ويواصلون التمسك بقيم وعادات وثقافات مجتمعاتهم الأصلية، ويعملون على نشرها ……. ولقد هاجموا باسم التعددية الثقافية توحد الولايات المتحدة مع الحضارة الغربية وأنكروا وجود ثقافة امريكية مشتركة ورفعوا لواء هويات ثقافية عنصرية وعرقية وهويات ثقافية وتجمعات فئوية أخرى"(4).

ثانياً: تعزيز الهوية الذاتية الإسلامية وذلك عن طريق :-

  1.  
  2. تنمية الشعور الذاتي بامتلاك أدوات الحضارة بكل أوجهها.
  3.  
  4. السعي إلى امتلاك المهارات الحضارية بما فيها من التكنولوجيا والثقافات.
  5.  
  6. ربط الهوية بالتاريخ والأرض والوطن.
  7.  
  8. تقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى واليقين بتمكينه عندما يتخذ المسلمون أسباب ذلك، والثقة بأن كل حضارة لا وجود للإيمان بالله فيها ولا احترام للعقيدة والدين فيها إنما هي حضارة زائفة لا تلبث أن تنهار كما انهارت كل القوى العظمى السابقة، ولنا في كتاب الله ما يوقظ القلب من غفلة الاغترار بالقوى المادية الخاوية من معاني الإيمان والإنسان أليس يقول الله عز وجل " ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد"، وهكذا شأن كل حضارة ليس أساسها قائماً على الصلة بالله والقصد إليه والخضوع له سبحانه يقول عز وجل " وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطوراً "
  9. ثالثا :وضع القيود والضوابط على السلع الثقافية :-

وإذا كانت كثير من الدول الاوروبية والآسيوية قد حدّت من دخول كثير من النتاجات الثقافية الأمريكية حفاظاً من التقلب من نمط معيشة إلى نمط معيشة أخرى فحسب، فإن الحفاظ على الدين والأخلاق والقيم أول واجباتنا، ومن الأمثلة على ذلك:-

  1. أصدرت فرنسا وكندا قوانين تحظر نشر كثير من المواد الأمريكية ونقلها وأصدرت ذلك كل من إيران والصين وسنغافورة (1).
  2.  
  3. رفضت فرنسا التوقيع على الجزء المتعلق بالسلع والمواد الثقافية في اتفاقية الجات 
    gatt ) وندد وزير الثقافة الفرنسي ووزير الثقافة اليوناني بموقف الولايات المتحدة لنشر المواقف الأمريكية(2).
  4. رابعا : إيجاد طرح عالمي إسلامي بديل:-

وقد حذت بعض الدول الكبرى هذا الحذو في سبيل الصراع الإعلامى أو ما يسمى بصراع الحضارات، وهو أمر بديهي يعكس طبيعة البشر في رفض التبعية المطلقة ورفض القيود على الحرية.

وختاماً فإني أقدم للقاريء بعض الرؤى حول العولمة ولمن ستكون السيادة من وجهة نظر صاحب كل رؤية

  1. من الوجهة الأمريكية هناك أربع أطروحات لميشيل كلوغ:-

الأولى : أن العولمة لا توحد العالم.

الثانية : أن العولمة الأمريكية تختلف عن عولمة غيرها من البلدان.

الثالثة : الامريكيون لا يعرفون جيداً ما إذا كانت العولمة شيئا إيجابياً أم سلبياً.

الرابعة : أمريكا لن تكون القوة العظمى (3)

من وجهة النظر الصينية:

يقول لاوسي:

"بالنسبة لنا نحن الصينيين، فالظاهرة التي يسميها الغربيون بالعولمة أو الكونية لا تعني شيئاً غير الأهمية المتنامية لآسيا في التجارة العالمية، وبالمحصلة تؤكد وضعها المركزي في قلب العلاقات الدولية، فنحن نشهد اليوم عودة لآسيا وللصين بصفة خاصة"(1)

من وجهة النظر اليابانية

"من جانبنا نحن اليابانيين لا تهمنا كثيراً مشكلة العولمة، فلدينا اقتصاد كوني هو في القلب من الاقتصاد العالمي، وهذا التوجه يتنامى بمرور الأعوام"(2)

وهناك شعور متنامٍ بصعود كل من تايلند والقارة الافريقية لتلحق بالركب وتشترك في معركة صدام الحضارات.

إن التقابل بين العالمية والعولمة وإيجاد الفرق بينهما فيه نوع من الصعوبة وخصوصاً أن كلمة العولمة مأخوذة أصلاً من العالم ولهذا نجد بعض المفكرين يذهبون إلى أن العولمة والعالمية تعني معنى واحدا وليس بينهما فرق . ولكن الحقيقة أن هذين المصطلحين يختلفان في المعنى فهما مقابلة بين الشر والخير .

العالمية : انفتاح على العالم ، واحتكاك بالثقافات العالمية مع الاحتفاظ بخصوصية الأمة وفكرها وثقافتها وقيمها ومبادئها . فالعالمية إثراء للفكر وتبادل للمعرفة مع الاعتراف المتبادل بالآخر دون فقدان الهوية الذاتية . وخاصية العالمية هي من خصائص الدين الإسلامي ، فهو دين يخاطب جميع البشر ، دين عالمي يصلح في كل زمان ومكان ، فهو لا يعرف الإقليمية أو القومية أو الجنس جاء لجميع الفئات والطبقات ، فلا تحده الحدود . ولهذا تجد الخطاب القرآني موجه للناس جميعا وليس لفئة خاصة فكم آية في القرآن تقول " يا أيها الناس" فمن ذلك قوله تعالى :" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " وقوله تعالى :"يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " وقوله تعالى :" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " إلى غير ذلك من الآيات التي ورد فيها لفظة الناس وقد تجاوزت المأتيين آية ؛ بل إن الأنبياء السابقين عليهم صلوات الله وسلامه تنسب أقومهم إليهم " قوم نوح " " قوم صالح " وهكذا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرد الخطاب القرآني بنسبة قومه إليه صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على عالمية رسالته صلى الله عليه وسلم فهو عالمي بطبعه، " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"

ومن أسباب تخلفنا عن الركب الحضاري هو إقصاء الإسلام عن عالميته ، وعدم زجه في كثير من حقول الحياة بزعم المحافظة على قداسته وطهوريته، وهذا نوع من الصد والهجران للدين ، وعدم فهم لطبيعة هذا الدين والذي من طبيعته وكينونته التفاعل مع قضايا الناس والاندماج معهم في جميع شؤون الحياة ، وإيجاد الحلول لكل قضاياهم وهذا من كمال هذا الدين وإعجازه . فهو دين تفاعلي حضاري منذ نشأته . فمنذ فجر الرسالة النبوية نزل قوله تعالى :" ألم ، غلبت الروم في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " فيذكر الخطاب القرآني الكريم المتغيرات العالمية ، لإدراك أبعاد التوازنات بين القوتين العظميين في ذلك الزمان ، وذلك " أن المسلم يحمل رسالة عالمية ، ومن يحمل رسالة عالمية عليه أن يدرك الوقائع والأوضاع العالمية كلها وخاصة طبيعة وعلاقات القوى الكبرى المؤثرة في هذه الأوضاع.([13])"

أما العولمة : فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة وإلغاء شخصيتها وكيانها وذوبانها في الآخر. فالعولمة تنفذ من خلال رغبات الأفراد والجماعات بحيث تقضي على الخصوصيات تدريجياً من غير صراع إيديولوجي . فهي " تقوم على تكريس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة" وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته ، وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه ، فتقوم بإلغاء كل ما هو جماعي ، ليبقى الإطار " العولمي" هو وحده الموجود . فهي تقوم بتكريس النزعة الأنانية وطمس الروح الجماعية ، وتعمل على تكريس الحياد وهو التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية ، وهي بهذا تقوم بوهم غياب الصراع الحضاري أي التطبيع والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري. وبالتالي يحدث فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة ، مما يفقد الهوية الثقافية من كل محتوى ، فالعولمة عالم بدون دولة ، بدون أمة ، بدون وطن إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية .([14])" يقول عمرو عبد الكريم :" العولمة ليست مفهوماً مجرداً ؛ بل هو يتحول كلية إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والإعلام ؛ بل وأخطر من ذلك كله هو أن العولمة أضحت عملية تطرح ـ في جوهرها ـ هيكلاً للقيم تتفاعل كثير من الاتجاهات والأوضاع على فرضه وتثبيته وقسر مختلف شعوب المعمورة على تبني تلك القيم وهيكلها ونظرتها للإنسان والكون والحياة ([15])". 
 

موقفنا من العولمة :

ليس من الحكمة أن تقف أقطار العالم الإسلامي مكتوفة الأيدي إزاء ظاهرة العولمة ، بل يجب أن تأخذ بالأسباب لمواجهة سلبياتها بالموضوعية قبل فوات الأوان ، ويرى الكاتب أن هناك حاجة لإعطاء أولوية عليا للجوانب الآتية :

1- نحو مشروع حضاري إسلامي : في ضوء التحديات والمستجدات التي يشهدها العالم فإنه لا خيار للدول الإسلامية في المرحلة المقبلة سوى الاعتماد على الذات وصياغة مشروع مستقبلي قادر على تعبئة الجهود ، وإعادة الديناميكية إلى الأمة ومؤسساتها ، وتعزيز لحمة التكامل الاقتصادي والتنموي بين أقطارها ، هذا المشروع يهدف إلى تكوين الشخص المسلم الذي يفقه الدين ويفهم العصر ، ولا يكون ذلك إلا بتعميق الإيمان وصدق العطاء .

2- التكامل الاقتصادي : لقد بات التكامل الاقتصادي بين مختلف الأقطار الإسلامية من الأهمية بمكان ، حيث لا تستطيع هذه الأقطار مواجهة متطلبات العولمة اعتماداً على الإمكانات القطرية ، فالترابط والتكامل الاقتصادي الإسلامي أصبح قضية مصيرية . ولكن من المحزن حقاً أن نرى حماس الدول الإسلامية للتكتل والاندماج يضعف ويخبو في الوقت الذي أصبح فيه الاندماج والتكتل سمة العصر .

إن التكتل المنشود يحتاج إلى إرادة قوية ، وشعور جماعي بالأخطار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه المسلمين ، والتي تتعاظم في ظل تدنى مستوى التعاون بين الدول الإسلامية ، وفرض سياسات العولمة على أمتنا الإسلامية ، ولا يتم ذلك إلا بوضع استراتيجية جديدة للتبادل التجاري بين الدول الإسلامية ، وإقامة منطقة تجارة حرة بين الأقطار الإسلامية .

3- ضرورة التنمية البشرية : إن العنصر البشري هو ركيزة كل تقدم علمي وتكنولوجي قديماً وحديثاً ، وللتنمية البشرية جانبان :

الأول : تشكيل القدرات البشرية مثل تحسين الصحة والمعرفة والمهارات .

الثاني : انتفاع الناس بقدراتهم المكتسبة في المجالات الشخصية .

والحديث عن العنصر البشري كمقوم أساسي من مقومات التنمية ، ومن ثم التصدي لسلبيات العولمة ، يتطرق لمجالات متعددة ، تحدد بالكفاية الإنتاجية لهذا العنصر في مجال التعليم والصحة والتغذية والتربية الروحية ، , والقيم العقدية والإنتاجية .

وفي حقيقة الأمر فإن جوهر أزمة التخلف في المجتمعات الإسلامية يرجع في النهاية إلى الخلل في عالم الأشخاص ولذا فإن خطط مواجهة العولمة يجب أن تظهر اعتماداً أكبر على الكائنات البشرية ومن هنا يجب أن نجعل شعارنا : الإنسان أولاً .

4- الشفافية ومحاربة الفساد : لقد أخذ الفساد يستشري في كثير من الأقطار الإسلامية ، وبات أمراً عادياً وليس وضعاً شاذاً أقرب إلى الاستثناء .

ويمكن القول بأنه لم يمكن حتى الآن وضع تعريف جامع مانع للفساد ، والتعريفات التي تناولت مفهوم الفساد تبدو ناقصة وقاصرة ، ورغم حقيقة أن الفساد السياسي هو الفساد الأكبر الذي يحتاج إلى جهاد أكبر ، حيث إنه الأصل في الفساد الأصغر ، والمهم التركيز على الفساد الاقتصادي ، وبصفة خاصة أجهزة القطاع العام الذي يعرفه البنك الدولي بأنه :إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص .

وللفساد آليتان رئيسيتان هما :

1- العمولة لتسهيل عقد الصفقات .

2- وضع اليد على المال العام ، والمحسوبية ، أي تحويل الموارد الحقيقية من المصلحة العامة إلى أصدقاء الحاكم السياسيين .

 

مدخل: غاية البحث، ومنهجه، وأهمية موضوعه

تحاول هذه الورقة أن تلفت النظر إلى حاجة الفكر الإسلامي المعاصر لأن يراجع موقفه من العولمة، وضرورة أن يجدد ويطور من منهج النظر في تكوين المعرفة بها، لتجاوز حالة الإرباك والانفعال التي حصلت بفعل ما سُمِّي بصدمة العولمة. ولكي يتخطى الفكر الإسلامي قراءته الأولى، التي غلب عليها موقف الخوف والشك والرفض تجاه العولمة. فهذه القراءة كانت تعبر عن موقف نفسي أكثر من كونها تعبر عن موقف علمي، وكانت قراءة ناقصة وغير ناضجة، وتعبر عن مرحلة ما قبل اكتمال الرؤية ونضجها.

وهذا يعني أن الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة اليوم، إلى قراءة ثانية للعولمة، تغلِّب إرادة المعرفة، والموقف المعرفي على الموقف النفسي. فالعولمة بحاجة إلى قراءة معرفية ونحن لم ننجز بعدُ هذه القراءة.

إن تجديد منهج النظر إلى العولمة وتكوين المعرفة بها يستدعي الكشف عن الأرضيات والسياقات التي تحددت فيها اتجاهات التطور والتحول في حركة العولمة، والكشف عن طبيعة النظريات والأفكار التي تشكلت حولها، وخلفياتها وأبعادها. الأمر الذي يتطلب الاعتماد على منهج البحث التوصيفي السردي، إلى جانب منهج البحث التحليلي المقارن.

والناظر إلى الأدبيات الإسلامية المعاصرة حول العولمة، يرى أنها تكرر نفسها، ويغلب عليها الاجترار ولغة الإنشاء، وتغيب عنها القراءات العلمية والتحليلات العلمية، ولا تقدم هذه الأدبيات إضافة علمية مهمة في نقد وتحليل العولمة، أو في فهمها ومعرفتها. وتكمن أهمية هذه الورقة في أنها تحاول تحريض تلك الأدبيات على تجديد منهج النظر إلى العولمة، وقراءتها بمنهجية معرفية وعلمية.

ـ 2 ـ

العولمة.. التطور والتراكم

لم يحصل في تاريخ الفكر الإنساني القديم والحديث هذا المستوى الكمي المتصاعد والمتراكم بسرعة مدهشة، كالذي نراه يحصل اليوم مع فكرة العولمة. ولاحقاً سوف يسجل المؤرخون الاجتماعيون والاقتصاديون، وفي الميادين الأخرى أيضاً، أن فكرة العولمة هي من أكثر الأفكار والقضايا التي استحوذت على أوسع اهتمام، وبالشكل الذي يفوق وبدون أي قياس الاهتمام بأي فكرة أو قضية أخرى تقريباً. فالعولمة هي الفكرة التي يشتغل عليها في زمن واحد العالم برمته، بكل ثقافاته وأديانه وقومياته وجغرافياته، يختلفون عليها، وينقسمون حولها، ويتصادمون بشأنها أيضاً.

والمدهش في هذه الفكرة أنها عبرت بسرعة من خطاب النخبة والطبقة العالمة إلى خطاب الشارع وعموم الناس، وتحولت إلى فكرة شعبية يتساءل عنها الناس بمختلف شرائحهم الاجتماعية، ويحاولون التعرف عليها بأي صورة مبسطة كانت، وبالنمط الذي لم يحدث من قبل مع أي فكرة أخرى من الأفكار التي اتصفت بالتعقيد والتشابك، أو التي ينشغل بها في العادة شرائح معينة من أهل العلم وأهل الاختصاص. فالناس اليوم يتحدثون عن العولمة كما لو أنها تنتمي إلى قاموس كلماتهم اليومية، حيث دخلت بقوة إلى مجال التداول اللغوي الجماهيري.

ومعظم الذين كتبوا عن العولمة أشاروا وباندهاش إلى مثل هذه الملاحظة، وتوقفوا عندها لشدة وضوحها. فكلمة العولمة التي لم يكن لها مكان، تحولت كما يقول رئيس كلية لندن للاقتصاد والسياسة، والمنظر لأطروحة الطريق الثالث في أوروبا، أنطوني جيدنز- إلى كلمة على كل لسان، فلا يكتمل خطاب سياسي، أو دليل لرجال الأعمال إلا بالإشارة إلى هذه الكلمة. وأدى الاستخدام الواسع للكلمة إلى جدل عميق في الدوائر الأكاديمية، وقد أضحت قدراً ومحوراً لمعظم المناقشات السياسية والمناظرات الاقتصادية في السنوات الأخيرة[143][2]. رغم أن هذه الكلمة كما يضيف جيدنز في كتاب آخر له، وحتى ثمانينات القرن العشرين، تكاد لا توجد في الكتابات الأكاديمية، أو في اللغة اليومية. لقد أتت من حيث لا نعلم لتصبح أمامنا أينما التفتنا[144][3].

ويرى مؤلفا كتاب (ما العولمة؟) البريطانيان بول هيرست وجراهام طومبسون، أن الأدب المكتوب عن العولمة غزير ومتنوع، ويبلغ مفهوم العولمة من الانتشار مبلغاً يجعله يغطي أشد أنواع النظريات والمصالح الاجتماعية تبايناً. فهو يغطي الطيف السياسي من اليمين إلى اليسار، وهو مقبول في شتى العلوم ـ الاقتصاد، الاجتماع، الدراسات الثقافية والسياسات الدولية ـ وهو مطروح أيضاً على لسان المجددين والتقليديين في الحقل النظري[145][4].

أما الدكتور رمزي زكي فيقول وهو يقدم للطبعة العربية من كتاب (فخ العولمة)، لا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن هناك الآن سيلاً أشبه بالطوفان في الأدبيات التي تتحدث عن موضوع العولمة، ولم يعد الأمر يقتصر على مساهمات الاقتصاديين وعلماء السياسة أو المهتمين بالشؤون العالمية، بل تعدى الأمر ليشمل مساهمات الاجتماعيين والفلاسفة والإعلاميين والفنانين، وعلماء البيئة والطبيعة... إلى آخره[146][5].

ولعل هذا النقاش الواسع، والعابر بين الأمم والمجتمعات حول العولمة، بعلم أو دون علم، هو من صور الانخراط في العولمة، ومن مظاهر قوتها أو سحرها حين استطاعت أن تفرض على الجميع هذا المستوى من التداول والنقاش الذي لم ينقطع أو يتوقف. وحين اقتحمت العولمة علينا حياتنا دون استئذان، وفرضت علينا وجوداً يكاد أن يكون قسرياً، بحيث لا يمكن تجاهله أو التنكر له، أو القفز عليه. الأمر الذي يفسر انخراط حتى المعارضين والمناهضين للعولمة في النقاش والسجال الدائر حولها.

ومن المؤكد أو شبه المؤكد أن هذا النقاش المحموم حول العولمة، سوف يحافظ على وتيرته النشطة والفاعلة، وفي مختلف مراكز العالم، نتيجة ما تحمله العولمة، وما تبشر به من موجات شديدة التغير، يصفها البعض -من شدة قوتها- بالتيار الكاسح. وهو التأثير الذي سوف يطال تقريباً كل مكان، وسوف يصل إلى كل بقعة في العالم آجلاً أم عاجلاً.

ولعل الحذر في مثل هذا الكلام، أن يكون هو أيضاً من الانطباعات الخفية للعولمة، ومن تأثيراتها علينا حين نصورها بهذا الشكل الذي لا يخلو من مبالغة. مع ذلك فكل ما في العولمة يحرّض على النقاش، وحسب رأي جيدنز أن هناك ثمة خلافاً على معظم جوانب العولمة.

فهل كانت العولمة بحاجة حقاً إلى كل هذا النقاش؟ وهل استنفد هذا النقاش طاقته وقيمته ولم يعد له من طائل؟ وهل بقي أحد من الكتّاب لم يكتب عن العولمة؟ أو لم يأت على ذكرها؟ ولا أدري إذا كنا قد وصلنا إلى درجة الملل من الكتابة عن العولمة أو الحديث عنها؟ وهل ما زالت هذه الكتابات تلفت الانتباه فعلاً؟ أم أننا وصلنا لدرجة الإسراف والإفراط ولم يعد هناك من جدوى أو إغراء للحديث عنها؟

بعيداً عن طبيعة وجهات النظر التي يمكن أن تطرح أمام هذه التساؤلات، وعن جوانب الاتفاق أو الاختلاف معها، النسبي أو التام، إلا أن صورة هذا النقاش قد تكون مختلفة حين نقترب من طبيعة علاقة الفكر الإسلامي المعاصر بذلك النقاش، الذي لم يكن أساساً منخرطاً فيه من داخله، أو مؤثراً في حركته واتجاهاته، وإن كان يظهر عليه التناغم مع الاتجاهات النقدية والمناهضة للعولمة.

ـ 3 ـ

الفكر الإسلامي والعولمة.. مراجعة ونقد

الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة ماسة اليوم لأن يراجع موقفه من العولمة، ويجدد ويطور ويوازن في هذا الموقف، الذي تشكل في أول الأمر بفعل تأثير صدمة العولمة، الصدمة التي شعر بها الجميع، وإن تفاوتت وتباينت ردات الفعل نحوها بين الثقافات والمجتمعات الإنسانية.

وبتأثير هذه الصدمة اتخذ الفكر الإسلامي موقفاً من العولمة، غلب عليه حالة الإرباك والانفعال، أمام ظاهرة فاجأت الجميع في شدة وقوة مفاعيلها وتأثيراتها، حيث قلبت بصورة جذرية منظورات الرؤية إلى العالم.

وعند تحليل هذا الموقف نكتشف بسهولة أن له طبيعة نفسية، أكثر من كونه معبراً عن موقف له طبيعة علمية. في حين كان من الأصوب أمام هذه الظاهرة المكثفة والمركبة تغليب وتحكيم الموقف العلمي والتحليل العلمي، وليس الموقف النفسي والتحليل النفسي، وهذا الذي ينبغي أن يتغير اليوم في موقف الفكر الإسلامي المعاصر.

وإذا كان الموقف النفسي يستجيب لحاجة الفكر الإسلامي لموقف التحصن والممانعة، فإن الموقف العلمي يستجيب لحاجة تكوين الفهم والمعرفة بالعولمة. ومن غير الممكن أساساً خلق موقف التحصن والممانعة بالاستناد إلى الموقف النفسي فحسب، وبعيداً عن الموقف العلمي.

هذا الاختلال في التوازن بين الموقف النفسي والموقف العلمي أحدث خللاً في رؤية الفكر الإسلامي المعاصر للعولمة.

ويلاحظ أيضاً أن الفكر الإسلامي المعاصر في وجهته العامة، مازال محكوماً برؤيته الأولية تجاه العولمة، وهي الرؤية التي يغلب عليها موقف الرفض والشك والتعامل السلبي. وهذه كانت القراءة الأولى للعولمة، لكنها القراءة التي مازالت مستمرة، وهي قراءة في الأصل كانت ناقصة وغير ناضجة، وتعبر عن مرحلة ما قبل اكتمال الرؤية ونضجها. وكان يفترض أن يعاد النظر لاحقاً في مثل هذه القراءة، وتوجيه النقد لها، والبحث عن قراءة ثانية تكون أكثر نضجاً وموضوعية وتوازناً من القراءة الأولى، وهذا الذي لم يحدث!

فقد اعتاد الفكر العربي الإسلامي خلال القرن الأخير، في احتكاكه بالمفاهيم والأفكار والمقولات الوافدة عليه من خارج منظومته ومرجعيته الفكرية والتاريخية، أن يبدأ قراءته الأولى بالتوجس والخوف والتشكيك والرفض إلى زمن، وينتهي في زمن آخر إلى رؤية أخرى، وفهم مختلف يكون على قدر من التوازن والثقة والثبات.

فالأدبيات العربية والإسلامية قابلت العولمة بخوف وهجوم شديدين، بوصفها إرادة للهيمنة وإقصاءً وتدميراً، وأنها تمثل مرحلة استلاب وطمس وتنميط... إلى غير ذلك من أوصاف وتسميات تصلح أن يُجعل منها قاموس يطلق عليه قاموس العولمة.

هذه المنهجية بالتأكيد لا تقدم فهماً ومعرفة وإدراكاً للعولمة، ولا تبني قدرة على المواجهة والتحدي، أو التحصن والممانعة. كما أن هذه المنهجية لا تقدم حلاً ولا تعالج مشكلة ولا تنتج بديلاً. فمشكلة العولمة ليست في الهجوم عليها، فهذا من أسهل الأمور وأبسطها، بل مشكلة العولمة وأي ظاهرة جديدة، هو كيف نفهمها ونكوّن معرفة بها، قبل الفهم وتكوين المعرفة لا جدوى من أي خوف أو هجوم.

والخوف من العولمة له كل ما يبرره، لكن ما هي حدود هذا الخوف؟ أو كيف ندرك ماهية هذا الخوف؟ ونفصل ما هو وَهْمٌ مصطنع، وما هو خوف مبرر ومشروع؟ وهل سنظل خائفين باستمرار؟ قبل تكوين الفهم والمعرفة بالعولمة لا قيمة لأي خوف، فهناك خوف قبل العلم، وخوف بعد العلم تجاه ظاهرة العولمة. قبل العلم يمتزج الخوف بالوهم، فلا ندرك حدوده وماهيته، أي لماذا نخاف من العولمة؟ وبعد العلم يفترض أن ينكشف الوهم ويتحدد الخوف وطبيعته.

هذه الرؤية الأولية الخائفة والناقصة للعولمة، بحاجة لأن يتجاوزها الفكر الإسلامي المعاصر، سعياً نحو بناء رؤية علمية محكومة بإرادة المعرفة.

ومن زاوية أخرى لابد أن نلتفت إلى تأثر الفكر الإسلامي في موقفه من العولمة، بطبيعة رؤيته إلى العالم. وهي الرؤية التي تقلصت وانكمشت في أزمنة وعصور التراجع الحضاري، وبعد انسحاب وسحب الإسلام من ساحة الحياة، على مستوى الدولة والمجتمع والقانون خصوصاً بعد قيام الدولة العربية الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين. حيث ساهمت هذه الدولة في تراجع الفكر الإسلامي حين ضيّقت عليه، وفكّكت مؤسساته، وتخلّت عنه بوصفه مرجعية شاملة يرجع إليها في صياغة الأنظمة والقوانين والتشريعات، وتبنت في المقابل المرجعيات الأوروبية تحت وهم بناء الدولة الحديثة.

لذلك فقد ورثنا ضعفاً شديداً في رؤية الفكر الإسلامي إلى العالم، الضعف الذي انعكس بصورة كبيرة في تكوين المعرفة بالعولمة، التي جاءت أساساً لتغيير الرؤية إلى العالم، ولكي تعلن عن أن العالم دخل عصراً جديداً، وأننا أصبحنا في عالم متغير بوتيرة متسارعة، ولتؤرخ لمرحلة فاصلة في تاريخ تطور العالم، الذي بات يقسم إلى ما قبل العولمة، وما بعدها.

من هنا كانت حاجة الفكر الإسلامي لتجديد رؤيته للعولمة.

النظرية الإسلامية أو التي تنتمي إلى المجال الإسلامي

لا بد من القول ابتداء إنه لا توجد بالمعنى العلمي، أو في المجال التداولي نظرية إسلامية حول العولمة. ويأتي هذا الاستعمال مجازاً، وبقصد تصنيف المفاهيم والأفكار من جهة، ولكوننا نبحث عن مثل هذه النظرية التي تنتمي إلى مجال الفكر الإسلامي، في محاولة لتطويرها والارتقاء بها.

وبشأن علاقة هذه النظرية بالعولمة، فإنها منذ البداية تعاملت معها بمنطق الخوف والشك والرفض، باعتبار أنها تمثل مرحلة خطيرة ومتقدمة في الغزو الفكري، والاختراق الثقافي، والتدمير القيمي والأخلاقي. وهذه كانت وما زالت الصورة الغالبة على موقف الخطاب الإسلامي المعاصر من العولمة.

ومن حيث الروح العامة فإن هذه النظرية هي أقرب إلى النظرية اليسارية، وأكثر توافقاً معها في نقد العولمة، وفي تأثرها بها أيضاً.

عند تحليل هذه النظريات يمكن تحديد المفارقات الأساسية بينها، ومعرفة طبيعة كل نظرية من حيث بنيتها الفكرية، واتجاهاتها الاجتماعية. ومن هذه المفارقات:

أولاً: من حيث المنطلق، تنطلق النظرية الأولى الليبرالية من منطلقات وخلفيات الانتماء إلى العولمة، ومن كونها الصانعة لها. بينما تنطلق النظرية الثانية اليسارية من منطلقات وخلفيات الانشقاق عن العولمة ومعارضتها، ويأتي هذا الموقف في سياق موقفها التاريخي من الرأسمالية والليبرالية. في حين تنطلق النظرية الثالثة الإسلامية من منطلقات الخوف والشك من العولمة، وتعبر عن طبيعة العلاقة المتوترة بين عالم الإسلام وعالم الغرب.

ثانياً: من حيث المسار، تحاول النظرية الأولى أن تبرز إيجابيات العولمة ومكاسبها وإنجازاتها، في حين تحاول النظرية الثانية أن تبرز سلبيات العولمة وأضرارها ومخاطرها، بينما تحاول النظرية الثالثة أن تبرز تهديدات العولمة ومخاوفها وعواقبها.

ثالثاً: من حيث التركيز، تركز النظرية الأولى على الأبعاد الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، في حين تركز النظرية الثانية على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بينما تحاول النظرية الثالثة التركيز على الأبعاد الثقافية والدينية والأخلاقية.

رابعاً: من حيث بنية التكوين، فإن بنية النظرية الأولى من حيث الأصل هي بنية اقتصادية تنتمي إلى المجال الاقتصادي وتصنف عليه، في حين أن بنية النظرية الثانية من حيث الأصل هي بنية اجتماعية أو اجتماعية اقتصادية وتنتمي إلى هذا المجال الاجتماعي، وتصنف عليه، بينما بنية النظرية الثالثة هي بنية ثقافية، وتنتمي إلى المجال الثقافي وتصنف عليه.

هذه النظريات الثلاث في ميزان النقد والتقويم، فإننا لا نقبلها بشكل مطلق، ولا نرفضها بشكل مطلق، وهذا يعني ضرورة أن نتعامل معها بالمنطق النسبي النقدي والتحليلي، وبإعمال هذا المنطق النسبي تتكشف لنا الأمور التالية:

1ـ أن العولمة لها إيجابيات ومكاسب ومنجزات، لكنها بالتأكيد ليست كلها إيجابيات ومكاسب ومنجزات كما تدعي النظرية الأولى.

2ـ أن العولمة لها سلبيات وأضرار ومخاطر، لكنها بالتأكيد ليست كلها سلبيات وأضرار ومخاطر كما تدعي النظرية الثانية.

3ـ أن العولمة لها تهديدات ومخاوف وعواقب، ولكنها بالتأكيد ليست كلها تهديدات ومخاوف وعواقب كما تدعي النظرية الثالثة.

الموافقة النسبية مع هذه النظريات هي التي تساعدنا في بناء رؤية ناضجة ومتوازنة حول العولمة، وهذا ما نفتقده بالفعل، والوصول إليه هو أصعب مما نتصور.

 

 

العولمة.. وتجديد منهج النظر

لا شك أن الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة لأن يطور من رؤيته للعولمة، ويتجاوز تلك النظرية الأحادية والمطلقة والخائفة، ويتخلى عن قراءته الأولى المنفعلة والمرتبكة بسبب صدمة العولمة نفسها، إلى بناء قراءة ثانية تكون أكثر اعتدالاً وتوازناً وموضوعية، تستفيد من مكاسب وإنجازات العولمة، وتتحصن من أضرارها ومخاطرها، تتفاعل مع العولمة وتتحصن من استلابها.

والسؤال هو كيف يطور الفكر الإسلامي رؤيته ويجدد في منهج النظر للعولمة؟

تطوير الرؤية وتجديد المنهج بحاجة إلى إدراك الحقائق التالية:

أولاً: أن العولمة ليست من نسق الأفكار التجريدية أو التي تنتمي إلى المجال النظري، وهي ليست نظرية يمكن أن تقبل أو ترفض على أساس التحليل العقلي أو المحاكمة الذهنية. كما أنها لم تعد مجرد خرافة لا أساس لها في الواقع الموضوعي.

الغاية من هذا القول هو تحديد صورة العولمة قبل الحكم عليها، استناداً إلى قاعدة أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. فلا يمكن الحكم على شيء بصورة صحيحة إذا اختُلف في تحديد ماهيته وحقيقته، أو كان مجهولاً أو غامضاً.

وحقيقة العولمة أنها تستند إلى واقع موضوعي يشكل الأساس الثابت لها، وهي محصلة لهذا الواقع الموضوعي، ومنه تكتسب مبررات ومقومات الوجود والاستمرار. وعندما نريد أن نفهم العولمة، ونتعامل معها نحتاج إلى أن نرجع لذلك الواقع الموضوعي ونفحصه ونشخصه، ونرتكز عليه في تكوين المعرفة بالعولمة.

ويرتبط هذا الواقع الموضوعي بما أحدثه عصر العلم والتقانة في مجال ما سمي بثورة المعلوماتية أو انفجار المعرفة، وفي مجال تكنولوجيا الاتصالات، وشبكات الإعلام، وتقنيات المواصلات.

ثانياً: لا يكتمل فهم العولمة دون تكوين المعرفة بالعولمة الاقتصادية، وهذا هو النقص الفادح في رؤية الفكر الإسلامي المعاصر للعولمة، الذي ركز نظره على الأبعاد الثقافية، وعلى العولمة الثقافية، ولم يقترب كثيراً من الأبعاد الاقتصادية والعولمة الاقتصادية. والقدر الذي حصل من الاقتراب من الأبعاد الاقتصادية في معظمه جاء متأثراً بالكتابات والدراسات النقدية التي تصنف على النظريات والاتجاهات اليسارية المناهضة بشدة للعولمة الاقتصادية بالذات.

ومن يراجع أدبيات الفكر الإسلامي يكتشف بسهولة مثل هذه الملاحظة، التي يظهر فيها تركيز الاهتمام على الأبعاد الثقافية في العولمة من جهة، وعلى التأثر بالاتجاهات النقدية اليسارية في نقد العولمة اقتصادياً من جهة أخرى. ومن النادر أن نجد في هذه الأدبيات كتابات أو دراسات لافتة ومميزة في نقد وتحليل العولمة الاقتصادية.

ومن دون تدارك هذا النقص في تكوين المعرفة بالعولمة الاقتصادية، فإن الضعف أو عدم اكتمال الرؤية سيظهر واضحاً ومتجليًّا في رؤية الفكر الإسلامي للعولمة، حيث يشكل الاقتصاد بنيتها الرئيسة، ومجالها الحيوي، وحقلها الأساس، منه جاءت وتشكّلت، وفيه انتظمت وتكوّنت، ومن خلاله برهنت على وجودها وثباتها.

ثالثاً: تعبر العولمة عن مرحلة متقدمة في مراحل تطور الاجتماع الإنساني، وسوف تكون الفكرة التي تشكل روح القرن الحادي والعشرين، كما أنها الفكرة التي ستحل مكان الحداثة التي شكلت روح القرن العشرين، ويقترب من هذا المعنى الكتاب الذي حمل عنوان (من الحداثة إلى العولمة... رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغيير الاجتماعي) الصادر عام 2000م، لمؤلفيه تيمونز روبيرتس وأيمي هايت. يحدث ذلك بحكم هيمنة الغرب على العالم، وتربعه على الحضارة المعاصرة، وتأثيره الواسع والكبير في تشكيل مناخ وروح العصر.

لهذا فإن أنماط الفهم والتعامل مع العولمة تتعدد وتختلف بحسب تباين مستويات التقدم في الأمم والمجتمعات. فكلما تقدّمت الأمم تغيّرت عندها صورة العولمة، وأنماط الفهم والتعامل معها، بحيث من الممكن القول: إن المجتمعات المتقدمة تغلب إيجابيات العولمة على سلبياتها، في حين قد يحدث العكس عند المجتمعات غير المتقدمة حيث تتغلب سلبيات العولمة على إيجابياتها.

فالصينيون واليابانيون مثلاً لا ينظرون إلى العولمة كما نحن ننظر إليها، فالعولمة بالنسبة للصينيين كما يقول الكاتب الصيني لاو سي «بالنسبة لنا نحن الصينيين، فالظاهرة التي يسميها الغربيون بالعولمة أو الكونية، لا تعني شيئاً غير الأهمية المتنامية لآسيا في التجارة العالمية، وبالمحصلة تؤكد وضعها المركزي في قلب العلاقات الدولية، فنحن نشهد اليوم عودة لآسيا، وللصين بصفة خاصة»[147][21].

والعولمة بالنسبة لليابانيين كما يقول الكاتب الياباني هاماشا نوبورو «من جانبنا، نحن اليابانيين، لا تهمنا كثيراً مشكلة العولمة، فلدينا اقتصاد كوني هو في القلب من الاقتصاد العالمي وهذا التوجه يتنامى بمرور الأعوام. وبالأحرى فإن مشكلتنا هي في معرفة أين سيكون مركز هذا الاقتصاد الذي نسميه -نقلاً عن برودل- البحر المتوسط الآسيوي، فهل سيكون هذا المركز على سواحل الصين أم في اليابان؟»[148][22].

ونلمس مثل هذا التباين في وجهات النظر حول العولمة حتى بين مجتمعات العالم الإسلامي المتفاوتة في مستويات التقدم، حيث نجد أن نظرة الماليزيين إلى العولمة، وهم من أكثر المجتمعات الإسلامية تقدماً، نظرتهم تختلف عن نظرة كثير من المجتمعات الإسلامية، ومنها المجتمعات العربية. فحين يتحدث محضير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق عن العولمة يقدم لنا وجهات نظر جديرة بالتأمل، ومختلفة عن المنحى الإسلامي العام في النظر إلى العولمة، فهو يدعو إلى تحويل العولمة إلى عولمة يستفيد منها العالم الإسلامي، وحسب قوله: «ويقيني أن مفهوم العولمة الذي يطرح علينا في الوقت الحالي، مخاطر وتحديات مخيفة، يمكن أن يصبح إسلامياً بمفهوم الإسلام للأمة أكثر منه قطرياً، كما يمكن أن يشكل قوة ديناميكية فعالة لتعزيز وتدعيم التعاون بين بلداننا الإسلامية، ويوفر زخماً جديداً لدفع النمو والتنمية فيها إلى الأمام. هذه القناعة يمكن أن تتحقق متى ما ضمنا أن منافع العولمة وإيجابياتها تشمل جميع الناس، وأنها ليست محتكرة لصالح فئة قليلة مهما كانت المبررات»[149][23].

ويرى محضير محمد أن بالإمكان تعديل مفهوم العولمة بالشكل الذي يناسبنا نحن مجتمعات العالم الإسلامي، حيث يمكننا -كما يقول- «أن ندخل التعديلات التي تناسبنا على معنى ومضامين العولمة، كأن نطلق عليها تعريفاً أكثر شمولية يتضمن التأكيد على حقوق مواطني الدول الفقيرة في العبور السلس إلى الدول الغنية. هذه الخطوة ستساهم بكسر حدة الفقر وتضييق نطاقه في بلداننا من خلال التحويلات التي يرسلها المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية. كما أن زيادة حجم وعدد الجاليات الإسلامية في البلدان الغربية والغنية، سيمكن المهاجرين منا من المحافظة على معتقداتهم وثقافتهم، بما يمكن أن يعزز نفوذهم على مختلف الصعد في بلدان المهجر»[150][24].

وهذا يعني أن جوهر مشكلتنا مع العولمة هي في الأساس ترتبط بالمستوى التاريخي الذي نحن عليه من جهة مستوى التطور والتقدم الحضاري، فإذا تغير هذا المستوى وتقدم نحو الأمام فإن من الممكن أن تتغير نظرتنا إلى العولمة. باعتبار أن العولمة تتناسب والمجتمعات المتقدمة، ومن هذه الجهة فإن العولمة تفرض علينا خيار التقدم الحضاري كشرط تاريخي يضمن لنا البقاء والوجود في هذا العالم المتغير.

رابعاً: لا ينبغي النظر إلى العولمة بوصفها فكرة جامدة أو ثابتة، ولا بوصفها فكرة مكتملة أو نهائية، بل بوصفها فكرة متحركة ومتغيرة بفعل قانون الصيرورة التاريخية. القانون الذي يربط العولمة بعجلة الحركة، ويجعلها في حالة تطور وتحول لا يهدأ أو يتوقف، وتتغير بموجبه صورة العولمة وملامحها ومعالمها. فبعد أن كانت العولمة تتحدد في صورتها الاقتصادية، تغيرت هذه الصورة فيما بعد، وبات الحديث عن عولمة سياسية وثقافية إلى جانب العولمة الاقتصادية، وسوف تظل العولمة تغيّر وتطوّر من صورتها وهويتها في عصر تتراكم فيه المعارف بسرعة مدهشة.

وهذا يعني أن فهم العولمة ينبغي أن يتجدد ويتطور بصورة دائمة ومستمرة، وبشرط ألَّا نعطي هذا الفهم صفة النهائية أو الاكتمال، ولا صفة الجزم أو القطع لأننا نتعامل مع ظاهرة لها طبيعة التغيّر والتغيّر السريع.

الأمر الذي يتطلب مراقبة العولمة بشكل دائم ومستمر لكي نحافظ على تجدد الفهم من جهة، وحتى نتعرف على قوانينها من جهة أخرى. وهذا الذي يوفر لنا إمكانية القدرة على ضبط أوضاعنا، والسيطرة عليها، والتحكم بعض الشيء في آليات العولمة، والتخفيف من عواقبها، والحد من أضرارها.

خامساً: إن إنجاز مثل هذه المهام السالفة الذكر، أو التقدم نحوها، يتطلب تأسيس مراكز ومعاهد للدراسات والبحث تكون متخصصة في دراسة العولمة وأبعادها الشاملة، وكل ما يتعلق بها، من أجل مراقبة حركتها، ومعرفة قوانينها، وتجديد الفهم لها بطريقة مستدامة، وهذا ما ينقصنا فعلاً.

فمن الغريب حقاً ألَّا تجد في طول العالم العربي وعرضه مركزاً أو معهداً متخصصاً بقضية العولمة، كما لا توجد عندنا مجلة متخصصة حول العولمة. ليس هذا فحسب بل نحن بحاجة أيضاً إلى معاهد وكليات أكاديمية تخرج متخصصين في العولمة. وذلك بعد أن أصبحت العولمة تؤثر على كافة أبعاد حياتنا الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية والاجتماعية والإعلامية، وتؤثر على حاضرنا ومستقبلنا، ومصيرنا في هذا العالم.

ومتى ما تقدمنا خطوات في هذا الاتجاه بتأسيس مراكز وكليات، عندئذ سوف نشعر أننا نتقدم خطوات في تكوين المعرفة بمنطق العولمة وفلسفتها، وقوانين حركتها. ونحن في انتظار إنجاز مثل هذه الخطوات حتى نطمئن أن بالإمكان إبداع عولمتنا التي تخدم مشروع النهضة والتقدم في أمتنا.

ـ 6 ـ

استنتاجات

1ـ إن الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة لأن يجدد في منهج النظر إلى العولمة، ويطور ويوازن في موقفه منها، ويتجاوز قراءته الأولى التي يغلب عليه موقف الخوف والشك والرفض، إلى موقف يتصف بالقراءة العلمية والتحليل العلمي.

2ـ ينبغي أن نفرق بين العولمة، وإيديولوجيا العولمة، أو بين الذي يتصل بجانب العلم والتقنية في العولمة، والجانب الذي يتصل بتوظيفات العولمة، أو التفسيرات الإيديولوجية للعولمة.

3ـ علينا أن نوازن بين سلبيات العولمة وإيجابياتها وتهديداتها، فلا نرفض العولمة بشكل مطلق، ولا نقبلها بشكل مطلق، وإنما بشكل نسبي ومعياري.

4ـ إن فهم العولمة لا يكتمل دون تكوين المعرفة العلمية بالعولمة الاقتصادية، وهذا ما ينقص الفكر الإسلامي المعاصر في موقفه من العولمة.

5ـ تعبر العولمة عن مرحلة متقدمة في تطور الاجتماع الإنساني، وتفرض علينا شروط التقدم، ونظرتنا إلى العولمة سوف تتأثر وطبيعة المستوى الحضاري الذي نحن عليه.

6ـ إن فهم العولمة يتطلب مراقبتها بشكل دائم ومستمر لأنها في حالة تغير وتطور دائم ومستمر.

7ـ إننا بحاجة إلى تأسيس مراكز ومعاهد دراسات تكون متخصصة في دراسة العولمة، كما نحتاج إلى كليات ومعاهد أكاديمية تُعنى بقضية العولمة.

سلبيات العولمة:

ـ الإخفاق في تحقيق نسب نمو مرتفعة، وتفاقم مشكلة البطالة في العالم فمن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في العالم إلى الضعف خلال السنوات القليلة القادمة. فالمنافسة في الاقتصاد المعولم لا تعرف الرحمة، ولم يعد هناك فرص عمل، وقد أخذ قسم كبير من العمال والموظفين يتحول من عقود عمل نظامية إلى عقود عمل مؤقتة من حيث عدد ساعات العمل أو من حيث مدة العقد. كما أن الأجور في انخفاض مستمر. وخلال الأزمة المالية التي عصفت في المكسيك في عام 1995 فقد 3 ملايين عامل لعملهم وانخفضت القوة الشرائية إلى النصف. وفي ألمانيا أكثر من أربعة ملايين فرصة عمل مهددة بالضياع.

ـ القضاء على الطبقة الوسطى وتحويلها إلى طبقة فقيرة، وهي الطبقة النشطة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً في المجتمعات المدنية، وهي التي وقفت في وجه تيارات التطرف وقاومت قوى الاستغلال والاحتكار تاريخياً.

ـ تهديد النظام الديمقراطي في المجتمعات الليبرالية وخضوع معظم الدول النامية لسيطرة المنظمات المالية الدولية وانشغال رجال السلطة فيها بمكافحة البطالة والعنف والجريمة والأوبئة القاتلة.

ـ زيادة الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة في المجالات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجيا. ويضم العالم حالياً أكبر نسبة للفقراء من مجمل سكان الأرض هي الأعلى في التاريخ.

ـ إهمال البيئة والتضحية بها. فمن المتوقع أن ترتفع كمية الغازات الملوثة للبيئة بمقدار يتراوح بين 45

ـ 90%. وأصبح ارتفاع مستوى البحار لا مفر منه إذا بقيت كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون ترتفع بهذه النسبة. وهذا يهدد المدن الساحلية، إذ أن أربعة أخماس التجمعات السكانية التي يزيد عدد سكانها عن نصف مليون نسمة تقع بالقرب من السواحل.

ـ احتمال تفاقم الحروب الداخلية والاقليمية في دول الجنوب لعدم الاستقرار في النظام العالمي والأنظمة الداخلية في تلك البلدان.

ـ ازدياد نزعات العنف والتطرف، وتنامي الجماعات ذات التوجهات النازية والفاشية في التجمعات الغربية، الموجهة ضد المهاجرين الأجانب وخاصة من الدول الإسلامية والدول الفقيرة.

ـ ارتفاع نسبة الجرائم وجرائم القتل في العالم فقد دل التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة عن الجريمة والعدالة لعام 1999 إلى أن الضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي يقاس بالبطالة والتفاوت وعدم الرضا بالدخل ـ عامل رئيسي في ارتفاع معدل الجريمة.

كما أن انتشار أفلام هوليوود وأفلام العنف بما فيها أفلام الكرتون ساعد على انتشار أعمال العنف. ـ ظهور طبقة فاحشة الثراء تسكن في أحياء خاصة تحت الحراسة المشددة وهي الطبقة التي صعدت على حساب الفقراء والطبقة الوسطى.

ـ هيمنة الثقافة الاستهلاكية وتهميش الثقافات الأخرى ومحاولة طمس الهويات الثقافية للشعوب. ولمواجهة هذه السلبيات يمكن اتخاذ بعض الإجراءات ومنها:

ـ إجراء الإصلاحات الضرورية كالإصلاحات الإدارية والسياسية والتعليمية وتشمل إصلاح الترهل الإداري في أجهزة الدولة ورفع مستوى التأهيل والتدريب لرفع كفاءة الأيدي العاملة لمواجهة تحديات العولمة. وخلق قاعدة علمية تكنولوجية محلية. وإجراء الإصلاحات السياسية وتعميق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وترسيخ سيادة القانون.

ـ تعزيز التكافل الإقليمي بين الدول النامية لتعزيز قوة هذه الدول لمواجهة تحديات العولمة مجتمعين. أما فيما يتعلق بإيجابيات العولمة فيمكن القول إنه ما لم يتم التعامل مع الجوانب السلبية لا يمكن الانتفاع من الجوانب الإيجابية للعولمة ويمكن تمييز الجوانب التالية:

ـ ترتبط العولمة بالثورة المعلوماتية الحديثة والثورة العلمية والتكنولوجية، التي جعلت العالم أكثر قرباً واندماجاً وتأثراً ببعضه البعض فهي التي سهلت وعجلت حركة الأفراد والمنتجات ورأس المال والمعلومات والخدمات، وساهمت في انتقال القناعات والثقافات.

ـ جددت العولمة الثقة بالعلم والتكنولوجيا. وأكدت أن عصرنا هو عصر العلم والثورات العلمية، إذ أن هناك اختراع أو اكتشاف كل دقيقتين. كما أكدت أن سر التفوق ومفتاح التقدم والنجاح والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة والقوية يكمن في العلم.

ـ تعميق الروابط التجارية بين الدول والمساعدة على استهلاك أكبر كمية من السلع من خلال انفتاح الأسواق العالمية على بعضها وانتقال السلع بحريّة. ـ تنشيط الاستثمارات في الدول النامية ودخول التكنولوجيا إلى الدول النامية بسبب رخص الأيدي العاملة وتقديم التسهيلات للشركات المتعددة الجنسية. ـ تحفيز الدول النامية على إجراء إصلاحات هيكلية في أنظمتها المختلفة لرفع قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية في ظل اشتداد حمى المنافسة في عصر العولمة. ـ تحفيز الدول النامية على تطوير منتجاتها الوطنية وتحسين نوعيتها وتخفيض تكلفتها بسبب رفع الحماية عن المنتجات الوطنية، لأن الذي يدفع تكاليف الحماية هو المستهلك الوطني. هنادة سمير.

العولمة من منظور إسلامي

معارضة العولمة

 

آلاف المتظاهرين الأوروبيين ضد العولمة

لن تمر العولـمة في ترتيباتها الاقتصادية وسيطرتها الثقافية على أرض موطدة، وإنما ستصطدم بفطرة تكوين المجتمع الإنساني من لغات متعددة وأديان متباينة وثقافات متنوعة. وفي هذا الاختلاف قال الله تعالى في كتابه الكريم:{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (1) وقال في آية أخرى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (2).

واستقراء التاريخ الإنساني يدل دلالة قاطعة على أن محاولة إخضاع البشرية لطريق واحد وحضارة واحدة أمر مستحيل في حدّ ذاته؛ لأن تلك المحاولة ستفجر المجتمعات الإنسانيـة من الداخل، ويبدأ الصراع ثم الحرب في ظل القانون الإلهي: { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (3).

وعلى الرغم من أن العولـمة ظهرت منذ عهد قريب، فإن طلائع المعارضة لها بدأت تظهر في أنحاء العالم، وإن لم تكن اليوم قويةً كاسحةً؛ لأن القضية لا تزال في بدايتها.

إن طغيان الإعلام والثقافة الأمريكيتين في القنوات الفضائية دفع وزير العدل الفرنسي جاك كوبون أن يقول: "إن الإنترنت بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر، وهناك إجماع فرنسي على اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة لحماية اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية من التأثير الأمريكي"(4).

بل إن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عارض قيام مطعم ماكدونالدز الذي يقدم الوجبات الأمريكية، مسوغًا ذلك أن يبقى برج أيفل منفردًا بنمط العيش الفرنسي(5).

كما شن وزير الثقافة الفرنسي هجومًا قويًا على أمريكا في اجتماع اليونسكو بالمكسيك، وقال: "إني أستغرب أن تكون الدول التي علّمت الشعوب قدرًا كبيرًا من الحرية، ودعت إلى الثورة على الطغيان، هي التي تحاول أن تفرض ثقافة شمولية وحيدة على العالم أجمع. ثم قال: إن هذا شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية، لا يحتل الأراضي، ولكن يصادر الضمائر ومناهج التفكير واختلاف أنماط العيش"(6). وتبعًا لهذه السياسة قررت فرنسا أن تكون نسبة الأفلام الفرنسية المعروضة باللغة الفرنسية من التلفزيون 60%(7).

وفي المقاطعات الكندية بلغت الهيمنة الأمريكية في مجال تدفق البرامج الإعلامية والتلفاز إلى حد دعا جمعًا من الخبراء إلى التنبيه إلى أن الأطفال الكنديين، أصبحوا لا يدركون أنهم كنديون لكثرة ما يشاهدون من برامج أمريكية(8).

كما أن النرويج عارضت اتفاقية ماستريخت؛ لأنها ترفض الاندماج بالهوية الأوربية، وتحفظت سنغافورة على شبكة الإنترنت خشية على القيم الكونفوشيوسية(9).

ويقول جون جراي في كتابه: الفجر الكاذب – أوهام الرأسمالية العالمية: "إن الظروف الحالية في العالم تنذر بكارثة محققة، لأن فرض السوق الحرة الأنجلوسكسونية على العالم يمكن أن يؤدي إلى انهيار شبيه بانهيار الشيوعية العالمية، وأن الاتجاه نحو فرض الأسواق الحرة سيفجر الحروب ويعمق الصراعات العرقية ويفقر الملايين. وقد تحول بالفعل الملايين من الفلاحين الصينيين إلى لاجئين. كما سيؤدي إلى استبعاد عشرات الملايين من العمل والمشاركة في المجتمع حتى في الدول المتقدمة. وقد تفاقمت الأوضاع في بعض الدول الشيوعية السابقة لتصل إلى الفوضى العامة وشيوع الجريمة المنظمة، كما أدت إلى تزايد تدمير البيئة"(10).

وكتاب فخ العولـمة السابق ذكره صرخة ألمانية ضد العولـمة.

وفي سياتل حيث عُقد المؤتمر الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية، ثار المؤتمرون ضد انفراد أمريكا بزعامة العالم، حيث أصرت الدول النامية ودول الاتحاد الأوربي واليابان وكوريا الجنوبية على رفض الخضوع لقاعدة الرضا الأمريكي باعتبارها القاعدة الحاكمة – من الناحية الفعلية - لصدور القرارات في نطاق منظمة التجارة العالمية(11). والمظاهرات التي جرت في أثناء المؤتمر والتي هزت العالم، كان بين شعاراتها:

1 - العالم لن يتحول إلى سلعة يتداولها الأقوياء.

2 - الناس والشعوب قبل الأرباح.

3 - لا نريد تجارة حرة بل نريد تجارة عادلة(12).

وجُل المفكرين المختصين في مجالات الاقتصاد والاجتماع يعارضون بشدة طغيان العولـمة، وقد لخصت الباحثة "ثناء عبد الله" وجوه هذه المعارضة بالنقاط الآتية:

1- اعتبار ما تملكه منظمة التجارة العالمية من سلطة تفوق سلطة الدولة متناقضًا مع متطلبات السيادة الوطنية. وهو ما يؤثر في قدرة الدول على سن التشريعات والقوانين والقواعد التي تلائم خططها وتوجيهاتها.

2- اتهام الشركات المتعددة الجنسيات باستغلال العمالة في الدول النامية عن طريق تشغيلهم بأجور زهيدة.

3- معارضة فتح الأسواق الأمريكية لما يمكن أن يترتب عليه من دخول سلع دون المواصفات البيئية والصحية السليمة.

4- معارضة تشغيل الأطفال.

5- اتهمت الجماعات الداعية للحفاظ على البيئة منظمة التجارة العالمية بأنها ستدمر البيئة(13).

وهنالك حقيقة لا بد من ذكرها وهي أن الرأسمالية التي تعتمد عليها العولـمة ليست منهجًا واحدًا في كل بلد، فالرأسمالية الأمريكية والبريطانية لا ترى أي دور للدولة، بينما الرأسمالية اليابانية والآسيوية تلعب السياسة الصناعية وتوجهات الدولة دوراً كبيراً فيها، أما الرأسمالية الفرنسية فتخطيط الدولة يضع مؤشرات للقطاع الخاص، بل تدخل بنفسها منتجاً. أما رأسمالية الدول الاشتراكية السابقة، فما زالت في طور التحول. وأما الاشتراكية الديمقراطية فقد تجمع قواها وتأتي بأفكار جديدة لمحاربة الرأسمالية أو لتقليل شرورها أو مساوئها(14). ولا شك في أن السبب في ذلك أن هذه الدكتاتورية الدولية تتناقض ومصالح الأغلبية العظمى من دول العالم، بما في ذلك الدول الكبيرة والمتوسطة، وهو ما يفرض صياغة الإجراءات المضادة للخروج من هذه الدكتاتورية(15).

ومجمل القول، فإن مقاومة العولـمة بالصيغة الأمريكية الرأسمالية الصهيونية، ستقاومها البشرية شيئاً فشيئاً في ضوء قانون السيرورة الكونية: قانون التحدي والاستجابة. فروسيا ولغتها ودينها وعنجهيتها القيصرية وذكرياتها السوفيتية وقدراتها التدميرية، والصين وأعماقها الكونفوشيوسية، والهند وخلفياتها البوذية، واليابان ومصالحها الاقتصادية الهائلة وذكرياتها مع هيروشيما وناجازاكي وألمانيا وفلسفتها العرقية التي ما زالت كامنة في اللاشعور، كل هذه المقدمات ستحول دون وصول العولـمة إلى أهدافها النهائية. وهكذا شعوب العالم التي تنتمي إلى تواريخ وحضارات لا يمكن أن تتحول إلى أموات بين يدي غاسل العولـمة الأمريكية الصهيونية. فإذا كان هذا وضع العالم وشعوبه، فيا ترى.. ما هو موقفنا نحن في العالم الإسلامي حيال العولـمة؟

هل نرفض العولـمة؟

العولـمة ليست فلسفة محدودة أو ثقافة ضيقة أو مذهباً اقتصادياً محصوراً، أو قناة تلفازية ذات اتجاه واحد. العولـمة – من خلال ما شرحنا – ظاهرة عالمية كونية شاملة، تغمر كرتنا الأرضية، وهي أكبر حقيقة واقعية في عصرنا الراهن في ظل ثورة أحالت الكرة الأرضية إلى كرة من المعلومات تدور في الاتجاهات كلها(16). إن العولـمة غزت الدنيا كلها، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والتعليم والثقافة والإعلام والآلات العسكرية. وهنالك ما يزيد على خمسمائة قمر صناعي تدور حول الأرض مرسلة إشارات لاسلكية تكرس العولـمة، فبوساطة الصور المتحركة على شاشات أكثر من مليار جهاز تلفزيوني، تتشابه الصور وتتوحد الأفكار والأحلام والأماني والأفعال، بحيث قيل عن هذا الإعلام بأنه إعلام بلا وطن في فضاء بلا حدود(17).

إذن فلا يمكن أن يدَّعي عاقل أننا نستطيع أن نضع الأمة الإسلامية في علبة ونغلق عليها الباب(18). وحتى إذا استطعنا فإن هذا ليس في صالحنا، ولا صالح أجيالنا القادمة، ولا في صالح بناء حضارتنا الإسلامية الجديدة، ولا في صالح البشرية التائهة التي تنتظر منقذاً يقدم إليها القيم الفاضلة، والأخلاق النبيلة، والأخوة الإنسانية الحقيقية، التي تربط بين البشر جميعاً.

ولقد صدق أحد الباحثين من المسلمين عندما قال: "والخطر لا يكمن في العولـمة ذاتها بقدر ما يكمن في سلبية المتلقي، وفي التوظيف الأيديولوجي للعولمة، ونجاح العولـمة في الهيمنة والاختراق والتأثير لا يتعلق بإمكانيات وقدرات الدول المتقدمة الفاعلة المصدرة للعولمة بقدر ما يتعلق بقوة وضعف الدول الأخرى المتلقية"(19).

نعم.. فالأمم الضعيفة في مواجهة العولـمة، هي التي تخسر كل شيء. وأما الأمم القوية التي تواجه العولـمة وتندمج بها وتتفاعل معها، فهي التي تربح معركة المنافسة الحضارية مع العولـمة.

إن التعامل مع دنيا العولـمة لا يعني أن العولـمة قدر مفروض يكسب الرهان دائماً، ولا يعني أنه استسلام ذليل، وإنما التعامل القوي يعني التعايش معها، وتوظيف بُعدها التكنولوجي والحضاري والاستفادة منه لمواجهة الهيمنة باسم العولمة.

ولا بد لنا أن نقرر هنا أنه ليست هنالك حضارة أو ثقافة أو قيم أو دين على وجه الأرض ستتأثر بالعولـمة، كما سيتأثر بها الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية والعالم الإسلامي. وإن جاء باحث ودرس العولـمة بأبعادها كلها دراسة متفحصة وادَّعى بأن تدمير المسلمين جميعاً هو المقصود الأهم والشاغل الأكبر للعولـمة الأمريكية الرأسمالية الصهيونية، ما بالغ في رأي الكثيرين في ذلك(20).

ويتحـدث المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي عن هـذه العولمة الأمريكية الصهيونية فيقول: "هــذه الوحدة التي أسسها الحكام الأمريكان، واللوبي الصهيوني "الآيباك" AIPAC، وساسة دولة إسرائيل، تقوم اليوم - أكثر من أي وقت مضى - على وحدة الهدف الذي هو محاربة الإسلام وآسيا اللذين يعدان أهم عقبتين في وجه الهيمنة العالمية الأمريكية والصهيونية"(21).

ويقول باحث آخر: "ومن المؤكد أن المستهدف بهذا الغزو الثقافي هم المسلمون. وذلك لعاملين:

أ – ما تملكه بلادهم من مواد أولية هائلة يأتي على رأسها النفط والغاز وثروات طبيعية أخرى.

ب – ما ثبت لهم عبر مراكزهم وبحوثهم وجامعاتهم ومستشرقيهم إن هذه الأمة مستعصية على الهزيمة، إذا حافظت على هويتها الإسلامية، ومن ثم فالطريق الوحيد لإخضاعها يتمثل في القضاء على تفرد شخصيتها وإلغاء دينها الذي يبعث فيها الثورة والرفض لكل أشكال الاحتلال والسيطرة(22).

وأزيد أنا على هذين العاملين مسألتين أخريين:

جـ – الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي، وهو من أهم أهداف العولـمة في بلاد العرب والمسلمين.

د – الحضارة الإسلامية بعقيدتها وشريعتها ونظام أخلاقها وإنجازاتها التاريخية هي النقيض الوحيد الشامل لفلسفة العولـمة ودينها وأنظمتها وقيمها الهابطة في هذه الدنيا التي نعيش فيها.

ماذا يمكن أن تفعل العولمة بالمسلمين؟

أولاً: العولـمة تستند استناداً مباشراً إلى الحضارة الغربية المعاصرة التي توجهها المبادئ اللادينية الوضعية التي لا تؤمن بوجود الله أو لا تسأل عنه أساساً؛ ولا تعترف بالعقائد الدينية الأخرى من الإيمان بالنبوات العامة وبنبوة النبي محمد  ، ولا باليوم الآخر ولا بالغيبيات الثابتة في النصوص القاطعة من كتاب الله وسنة رسوله  . ومن هنا تنشر الحياة المادية والإلحادية عبر شبكاتها الكونية بأساليب في غاية الإغراء والتأثير في النفس الإنسانية، فتؤثر في مئات الملايين من المسلمين مباشرة أو بصورة غير مباشرة، فتؤدي إلى الإنكار والتشكيك أو اللامبالاة بالعقيدة، أي أنها تفقد الإنسان المسلم كيانه عقلاً وقلباً وروحاً ونفساً وتفرغه من أصول الإيمان.

ثانياً: إن الأجهزة العولمية الكونية التي تلف حول العالم في كل لحظة، وتتسلل إلى البيوت على وجه الأرض كلها دون استئذان وتلعب بكيان الأفراد جميعاً، تثير في أنشطتها الشهوات الجنسية، وتزين عبادة الجسد وتشيع أنواع الشذوذ، وتحطم قيم الفطرة الإنسانية الرفيعة، فتتناقض بذلك مع النظام الإسلامي الاجتماعي والأخلاقي الذي أراد الإسلام في ظله أن يبني أُسراً مؤمنة عفيفة فاضلة ملتزمة.

ثالثاً: إن هذه الهجمة الإلحادية الإباحية الشرسة التي تلعب بالإنسانية الرفيعة وتحط بها من عليائها، وتقود أبناءها إلى الحياة البوهيمية اللامسؤولة، وتبذر في نفوسهم اليأس والحيرة، وتحدث فيها خواءً روحياً رهيباً لتلحق بالمسلمين أفدح الأضرار وتحولهم من أمة شاهدة مجاهدة حرة لا تيئس من رحمة الله إلى أمة خاوية، تكتفي بشهوات النفس في حيوانيتها الهابطة وتفتقد الأهداف النبيلة التي تسعى إليها.

رابعاً: إن نتيجة ذلك المخطط إلغاء شخصية المسلمين، وإلحاقهم بحضارة وثقافة غيرهم، وتفقدهم أصالتهم وتقعدهم عن طلب المعالي ومحاولة بناء حضارتهم الإسلامية الإنسانية المتوازنة، كي ينقذوا أنفسهم من السقوط ويرشدوا غيرهم لينتشلوهم مما هم فيه من الحياة الحيوانية.

خامساً: إن العولمة الأمريكية لا تكتفي بواقع التجزئة العربية والإسلامية الآن، بل تحاول إحداث تجزئة داخلية في كل بلد عربي أو إسلامي، حتى ينشغلوا بأنفسهم وينسوا تماماً أنهم أمة عربية واحدة، وينتمون إلى جامعة إسلامية واحدة.

سادساً: إنهم في هذه الحالة، لا يستيقظون من غفلتهم ولا يحققون مصالحهم المادية، ويتنازلون عن ثروات بلادهم لتمتصها تلك الشركات العولمية الرأسمالية الجشعة، فينتشر فيهم الفقر وتفتك بهم البطالة، لتظهر الأمراض الاجتماعية والجرائم المتنوعة التي تودي بحياتهم من حال البأس والقوة إلى حال الضعة والذلة والهوان. بينما أراد لهم الإسلام القوة والوحدة والعزة وعدم التفريط بأموال المسلمين وثرواتهم ومصالحهم.

سابعاً : إن العولـمة الأمريكية الصهيونية تخطط للتدخل العسكري وإعلان الحرب في أية بقعة من العالم، تفكر بالخروج على سيطرتها وتحكمها، لأن العالم يراد له أن يقع تحت براثن الاستبداد الأمريكي والقانون الأمريكي والقوة العسكرية الأمريكية. وهو أمر يكشفه تقريران خطيران كانا سريين للغاية، ثم نُشرا بعد ذلك، وهما تقريرا جريميا وولفوفتيز(23). ولا شك في أن نصيب العالم الإسلامي سيكون كبيراً في ضوء تلك السياسة الغاشمة.

ثامناً: في ظل العولـمة زاد التفرق بين الدول الإسلامية، وضرب العالم الإسلامي في السلع الاستراتيجية كالبترول وغيره(24)، بسبيل تكريس واقع الفقر في هذه الدول.

وأمام هذه الكارثة الكبرى، لا يمكن أن نتحرك لتقليل أضرارها أو الوقوف أمامها بأوضاعنا الحالية التي تعم العالم الإسلامي للأسباب الآتية:

- نمر بمرحلة ضعف الإيمان، ونفتقد إلى معرفة العقيدة الإسلامية الصحيحة، ونتمزق مذهبياً وطائفياً وعنصرياً، وتتمكن منا العقلية اللاسببية والنظرة التواكلية.

- غفلنا عن تسخير سنن الله في الكون والحياة، بل جهلناها، لعدم فهمنا كتاب الله وسنة رسوله(صلى الله عليه وسلم) ، الأمر الذي أدى إلى تأخرنا الحضاري الذي أخرجنا من دائرة الصراع الحضاري والحوار الحضاري في الوقت نفسه، فتقدم علينا واستعمر بلادنا وحرف أجيالنا عبر المنهج الدنلوبي (25) المعروف، ونشر فينا المبادئ اللادينية، لتحدث أزمة كبيرة بين مثقفينا تجاه الإسلام(26).

- نسينا بأن الله تعالى ربّ العالمين وليس ربّ المسلمين فحسب، فظننا أن مجرد كوننا مسلمين جغرافيين يكفى لإنجاز وعد الله لنا بالنصر، في حين أن الله سبحانه وتعالى يقول: } إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{ (27)، فهل نحن نصرنا الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه؟

- لم نتمسك بأعظم شريعة ارتضاها الله تعالى لنا، تنظم حياتنا، وتربي أجيالنا، وتبصرنا بحقائق الحياة، وتدخل السلام والأمن في دواخل نفوسنا وأعماق أسرنا، وجنبات مجتمعنا، وتنشئ أمة موحدة مؤمنة مجاهدة، تتحرك في اتجاهات الحياة كلها، تريد البناء والتغيير والتجديد دائماً.

- ولما ضعف إيماننا وانحسر التزامنا، انهارت أخلاقنا الفاضلة وقيمنا الرفيعة، فتخلخل سلوكنا وانتشرت بيننا السلبية والانهزامية والنفاق والأنانية.

- افتقدنا القدوات الصالحة، ونسينا أن نربي أجيالاً تقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته الطاهرين وصحابته الأكرمين والعلماء العاملين والدعاة الصادقين. فانحرفت أجيالنا إلى الاقتداء بصعاليك الشرق والغرب من التافهين والتافهات والساقطين والساقطات، فتخرج عليهم أجيالٌ تافهة تعبد الشهوات وتركن إلى حياة الدعة والمجالس الفارغة الخالية من الرجولة والشهامة والفضيلة والصدق.

- لم نستفد من إمكانات العالم الإسلامي المادية والمعنوية وثرواته المتنوعة الهائلة، كي نحدث تنمية حضارية واجتماعية شاملة، نستطيع أن نقاوم التآمر العالمي علينا ونحفظ شخصيتنا المعنوية وكياننا المادي.

- اعتمدنا في ضروريات حياتنا على أعدائنا، سواء في السلاح أم في التقنيات أم الغذاء، التي لا تتمشى مع خصائص عناصرنا الإنتاجية حتى نظل تابعين للغرب، وبذلك نبقى مهمشين في صناعات ناقصة غير ذات جدوى.

- لدينا فائض يتجاوز 800 مليار دولار في بنوك الغرب، ومع ذلك نقترض منهم قروضاً مجحفة تعيق التنمية؛ لأن الفوائد التي ندفعها تبلغ أضعاف أصل الدين بمرور الزمان.

- معظم حكوماتنا لمناهجها العلمانية ارتبطت بالاقتصادات الغربية، بلا ضوابط أو فهم دقيق لاتجاهاتها أو مضامينها، وبغير مطابقتها لمتطلبات التنمية الحقيقية التي تحتاج إليها مجتمعاتنا، ولما لم تصح المنطلقات كانت النتائج سيئة جداً.

- لم نستطع أن نبني المؤسسات الشورية، حتى تنتهي من حياتنا مظاهر الاستبداد، التي زرعت في أمتنا بعد معركة صفين الطغيان خلافاً لما أراده الإسلام لنا، من بناء الحُكم على أساس المشاورة، كي تبني الأمة حياتها، وتقرر القضايا الخطيرة التي تتصل بمستقبلها. ومن هنا فقد انفرد الحكام في تاريخنا دائماً ببناء حياتنا كما كانت تفرضه عليهم أهواؤهم ومصالحهم. لا سيما حكام المسلمين في العصر الحديث الذين بتفرقهم وخلافاتهم واستبدادهم بالرأي كله ضيعوا على الأمة فرصاً تاريخية كبيرة، ومكنوا الأعداء من حياة الأمة الواحدة، وأرضها وكرامتها، ولا سيما الصهاينة الطغاة الذين سلبوا أرض فلسطين مستغلين هذا الواقع الأليم.

ولذلك صدق من قال: "السياسة هي مركز العصب في الحياة الاجتماعية العربية العامة. وهي في الوقت نفسه مركز العطب في عموم الحركة الاجتماعية"(28).

- لقد سحق أمتنا الجهل والجوع والمرض، نتيجة للمخططات الظالمة التي طبقت في مجتمعاتنا الإسلامية. إن هم الإسلام الكبير كان تمكين أبناء الطبقات المسحوقة بالعيش الكريم الذي يحفظ إنسانيتهم وكرامتهم. وهذا معلوم بالضرورة لكل من يدرس تشريعات الإسلام للقضاء على الفقر والأمية والمرض.

- لم نستطع أن نقضي على البيروقراطية والروتين والاستهانة بالزمن في حياتنا. ومن هنا ارتفعت معدلات البطالة، ولم نستطع أن نطور نمو ثرواتنا فاحتجنا إلى الوقوع تحت المديونيات الثقيلة للمؤسسات المالية العولمية.

لقد كانت نتيجة العولـمة خطيرة في حياتنا الاقتصادية، فضلاً عن الجوانب الأخرى حصرها بعض الاقتصاديين العرب بالنقاط الآتية:

1- إنهاء دور القطاع العام وإبعاد الدولة عن إدارة الاقتصاد الوطني.

2- عولـمة الوحدات الاقتصادية وإلحاقها بالسوق الدولية لإدارتها مركزياً من الخارج.

3- العمل على اختراق السوق العربية من قبل السوق الأجنبي.

4- إدارة الاقتصادات الوطنية وفق اعتبارات السوق العالمية بعيداً عن متطلبات التنمية الوطنية.

5- العمل على إعادة هيكلة المنطقة العربية في ضوء التكتلات الدولية(29).

إن العولـمة ليست ظاهرة مؤقتة، ولا هي قضية محدودة، وإنما هي مؤامرة عالمية كبرى على البشرية، تقف وراءها دول قوية، وأموال جبارة وخبرة علمية تقنية عالية ومخططات ذكية للسيطرة رهيبة. فلا يمكن والحالة هذه أن نحمي أنفسنا منها ونتعامل معها بقوة واستقلالية وذكاء إلاّ إذا غيرنا حياتنا منطلقين من قوله تعالى: } إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ{ (30).

وتغيير حياتنا لا يتم إلاّ باتباع الحقائق الآتية:

أولاً: نزل الإسلام دينا خاتماً كاملاً شاملاً على قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فواجه الجاهليات العالمية، ونقل العباد من عبادة الأنداد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وأنشأ لهم مجتمعاً إنسانياً عابداً عالماً عادلاً عاقلاً، قضى على الشرك والخرافة واللاسببية واللاعقلانية في المجتمع الإسلامي. وكان نظام المجتمع هو الشريعة الإسلامية التي أمرت بالمعروف والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهت عن الفحشاء والمنكر والبغي. وسببت قيام أعظم تنمية حضارية في المجتمع الوسيط(31)، قامت على التجربة والعلم، فأنشأت المدارس والجامعات والمستشفيات. وحكم القضاء الإسلامي بالقسطاس المستقيم بين الناس، وعرف الإنسان المسلم أن له نصيباً من كل اسم من أسماء الله الحسنى، فتمسك به، وأدب نوازع نفسه الأمارة بالسوء، فكانت حياته موازنة دقيقة بين تلك الأنصبة التي أدت إلى نشر القيم الإسلامية الرفيعة التي كانت تتحرك في دائرة الإسلام ودائرة الأديان ودائرة الإنسانية جميعاً.

ثانيًا: لقد غير الإسلام حياة الإنسان تغييراً شاملاً، فكانت سلسلة حركة وجهاد في مناحي الدنيا كلها. وانتشر الإسلام من الصين حتى الأندلس، ومن أواسط آسيا إلى مشارف جنوب أفريقيا، وهدى الله به أعيناً عميا وآذاناً صما وقلوباً غلفا. وقامت عليه مجتمعات ودول حققت انتصارات ساحقة على البغاة والطغاة والمعتدين، وتربت أجيال كانت تحب الموت في سبيل الله، كما كان المشركون يحبون الحياة في سبيل الشيطان.

وأوجد الإسلام أمة موحدة راحمة، تتكافأ دماء أبنائها ويقوم بذمتهم أدناهم وكانوا يداً على من سواهم، جنسيتهم الأولى كانت هي الإسلام. ذابت فيها فوارق القوميات واللغات والأوطان. ثم أصا مستقبل العولـمة بين منظورين، المستقبل العربي، ص21.

(5) العولـمة أمام عالمية الشريعة الإسلامية، د. عمر الحاجي، ص51، ط1، دار المكتبي ، دمشق، 1420هـ/ 1999م.

(6) المصدر نفسه، ص50.

(7) العولـمة والهوية، نجيب غزاوي، ص46، مرجع سابق.

(8) مستقبل العوملة بين منظورين، ص21.

(9) العولـمة والهوية، ص46، مرجع سابق.

(10) العولـمة بين القبول والرفض، ثناء عبد الله، ص106، المستقبل العربي 256 في 6/2000م.

(11) المصدر نفسه، ص90.

(12) منتدى دافوس والعولـمة وعالم ما بعد سياتل/ محمود أبو الفضل، جريدة الحياة، عدد 13473 في 24/10/1420هـ.

(13) قضايا العولـمة بين القبول والرفض، ص101، المستقبل العربي، مرجع سابق.

(14) العولـمة – المفهوم، المظاهر، المسببات، ص72، مرجع سابق.

(15) النظام العالمي الجديد – منير شفيق، ص16، الناشر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1420هـ - 1992م.

(16) إعلام العولـمة، ص89، مرجع سابق.

(17) المصدر نفسه، ص75.

(18) العولـمة في المستقبل، مجلة الإسلام اليوم، العدد 16-17، ص11، 1421هـ/2000م.

(19) العولـمة بين منظورين، ص21، مرجع سابق.

(20) العولـمة – استراتيجية تفكير، ص22، مرجع سابق.

(21) المصدر نفسه، ص214.

(22) العولـمة بين منظورين،

ب المسلمين ما أصابهم من الضعف الإيماني في القرون الأخيرة كما ذكرنا قبل صفحات

 

إيجابيات العولمة <O></O>

أن العولمة كنظام عالمي جديد له آثار إيجابية وسلبية كثيرة ،وقد قامت العديد من المؤتمرات لتدعيم وتنمية وتسريع عملية تحقيقها لأهدافها واقناع المعارضين لها بإيجابياتها الفاعلة الواعية في تحقيق الحياة الأفضل للبشرية ،وفي نفس الوقت قامت المؤتمرات الرافضة  للعولمة واتجاهاتها مبينة سلبياتها وإيجابياتها وانعكاساتها على الطبقات الوسطى والفقيرة ،ولاننكر ان نظرتنا الإسلامية والعربية والفلسطينية للعولمة تغلب عليها النظرة السلبية بشكل عام .<O></O>

ويتضح لنا من تعريف العولمة ونشأتها  أن الآثار الإيجابية للعولمة محددة لفئة من البشر فقط ، وهم الرأسماليين الغربيين الذين يستفيدون من التقنية الاتصالية في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي والمعلومات ،وسهولة وسرعة التواصل والحصول على المعلومات من خلال شبكات الاتصال الدولية التي توفر الوقت والجهد والأساليب والتكاليف ومن خلال تبادل المعلومات من أي مكان في العالم لأغراض المعرفة والبحث العلمي وما يتصل بالانتصار أو بالإعلام وجميع مناحي الحياة بشكل عام ،وفي ظل العولمة كل شيء موجوداً في كل مكان [151][1]0<O></O>

وقد أشار عامر الخطيب إلى عدة مزايا للعولمة منها[152][2] :<O></O>

1-تحقق  العولمةديناميكية حركية جيدة تستند على التخطيط والتنظيم ذو العلاقات الشبكية المتبادلة الذي يؤثر كل منها في الأخر لتحقيق هدف الارتباط والترابط الاتصالي بين الأفراد الذين يعيشون في المجتمع العالمي الواحد0<O></O>

2- يعتبر الجانب الاقتصادي للعولمة هو المجال الرئيس الذي تتمحور حوله و أهم أدواتها الفاعلة والواعية هي المؤسسات والشركات المالية الكبيرة متعددة النشاط وعالمية الجنسيات والتي تخترق بها الحواجز والحدود بما تملك من الإمكانيات ومزايا التفوق التنافسي الفائق فالعولمة تستند على الانتخاب الانتقائي لذوي القدرات والمتفوقين 0<O></O>

3- العولمةتحقق سرعة تطبيقات النظريات العملية والتكنولوجيا الحديثة من خلال تطوراتها السريعة والمتلاحقة 0فالعولمة تتيح الفرص الهائلة من اجل الاستفادة من العلاقات التبادلية مابين التقدم العلمي والتطور التكنولوجي لتحقيق مصلحتها بصورة فاعلة واعية ويتم ذلك من خلال امكانية العولمةفي الوصول إلى المعرفة والمعلومات والبيانات التي يحوزها الآخرين والبناء عليها وتطويرها في المجالات الرئيسية التي من أهمها مايلي :<O></O>

ا_المحور الاقتصادي الذي يهدف إلى إعادة تشكيل العالم من حيث عمليات الإنتاج والتسويق والتمويل وتنمية القوى البشرية أو إعادة تأهيلها من خلال المؤسسات الاقتصادية العالمية 0<O></O>

ب_ محور التفعيل الإداري لهياكل المؤسسات  والشركات العالمية والذي من خلاله يتم تفعيل تيار واتجاهات العولمة تخطيطا ً وتنظيماً وتنفيذاً ومتابعة وتقيما وتغذية راجعة ،مما لايدعو مجالا للشك ان العولمة ليست صدفة عشوائية ارتجالية ، وانما هي نتيجة فكر منظم وجهد متواصل فاعل واعي يستند على التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة ،ينقد كل ماهو كائن للوصول إلى ما يجب أن يكون باستمرار .<O></O>

ج- المحور الثقافي الذي يعتبر الثقافة هي منتج واسع التسويق على مستوى العالم بكامله ، فالثقافة تحفز إلى ممارسة الأقوال والأفعال للتعولم لقدرتها على الخلق الابتكاري لرموز هذا الفعل،كما تمتص الثقافة المتناقضات القائمة بين الأصالة والتجديد وصراع الحضارات والصراع بين الشيوخ والشباب في المجتمع، وبذلك فهي توجد ذاتها مع ذات تيار العولمة.<O></O>

د_المحور الاجتماعي والمتمثل في تبلور المجتمع المدني الذي يتشكل من الروابط المهنية والاتحادات والمؤسسات غير الحكومية،فالمجتمع المدني الحضاري العلمي يتعاظم في كل يوم للوصول إلى فكرة الإنسان الكوني بماله من حقوق وما عليه من التزامات .<O></O>

هـ المحور السياسي: والمتمثل في إحلال القضايا العالمية محل القضايا المحلية والوطنية والقومية كقضية الوحدة العالمية والسوق الشرق وسطية ومحاربة الارهاب…الخ.<O></O>

<O> </O>المطلب الثاني<O></O>

سلبيات العولمة<O></O>

إن العولمة هي نظام عالمي يمثل نوع من الهيمنة والسيطرة للدول المتقدمة تكنولوجيا على الدول الفقيرة مثل دول العالم الثالث في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية والمعلوماتية، وهي نوع من الهيمنة السياسية والاستغلال الاقتصادي والتنكر للأديان، وتهديد الهوية القومية لمصالح قومية أخرى، وهو نظام لا يهتم بالحفاظ والتمسك بالقيم والعادات والتقاليد والتراث الحضاري، ولا تحترم العولمة الجانب الإنساني والأخلاقي وإنما تركز على الكسب المادي من خلال السيطرة ومن خلال توظيف أساليب وتقنيات تكنولوجية، لذلك أصبحت عملية استلاب الشعوب الأخرى وخيراتها تتم عبر العولمة وأداتها كالشركات عبر القطرية المتعددة الجنسيات التي يديرها أرباب المال العالمي عن بعد ويمكن توضيح ذلك من خلال تحليات العولمة وتحدياتها الممثلة فيما يلي [153][3]:<O></O>

التهميش الاقتصادي <O></O>

فقد تنامت العولمة مع توسيع الرأسمالية الأوربية وانطلاقها خارج حدود أسواقها الوطنية في المستعمرات، ثم في العالم الثالث عقب الاستقلال السياسي، واكتسبت ظاهرة العولمة أهم ملامحها الجلية في اتساع نفوذ وسيطرة الشركات الكوكبية عابرة القوميات والتي يتراجع أمامها دور الدولة مما أدى إلى تراجع النطاق الوطني والدولة القومية، وانتشار الفقر والبطالة في الدول الفقيرة في معظم البلاد حيث يمتلك 358 ملياردير ثروة تضاهي ما يملكه 2,5مليار من سكان المعمورة .<O></O>

2_ التنميط السياسي:<O></O>

وقد ارتبطت العولمة السياسية بالدعوة إلى اعتماد الديمقراطية والليبرالية السياسية وحقوق الإنسان والحريات الفردية، والتبشير بسقوط النظم السلطوية إلى غير رجعة، ولكن ما يجرى اليوم هو عكس ذلك على الصعيد المحلى والعالمي ، فدول العالم تتجه بالملموس صوب تقييد الديمقراطية وتقليص جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الصعيدين المحلي والدولي ، وصوب التجاوز عن حقوق الإنسان رغم الإدعاء الإعلامي بغير ذلك .<O></O>

3_التخلف التقني<O></O>

أن التقنية الجديدة تزيد باستمرار من الفوارق بين المجتمعات وتعمق الخلل الطبيعي والموروث الذي يطبع علاقتها ، باختصار أن كل ثورة تقنية تزيد من قوة القوي ،الذي يكون هو نفسه وراء حصولها، وتضعف أكثر من موقف الضعيف أصلا، الأمر الذي ينطبق اليوم على ثورة الإتصالات والمعلومات فهي تقود إلى تعزيز سيطرة تلك الدول والمجتمعات البشرية التي تتحكم بالعناصر الرئيسية لهذه الثورة وهي المعرفة العلمية والخبرة التقنية ، والاسواق العالمية الواسعة، والموارد البشرية والطبيعية، وتعيش الأقطار النامية والعربية بشكل خاص تخلفا تقنيا كبيرا، مما يؤدي إلى مزيد من التبعية التقنية، فالاعتماد على تسليم المشاريع المكتملة التجهيز من دون نقل للتقانة، والاعتماد على الشركات الاستشارية والهندسية الأجنبية لتنفيذ المشاريع الرئيسية للقطاع العام من دون التعرف على التقانة المستخدمة، أصبح هو السمة الغالبة في البلاد العربية قاطبة.<O></O>

4_ الاختراق الثقافي:<O></O>

ويعبر عن العولمة الثقافية والذي تحدثنا عنه سابقا، والذي يراها البعض بأنها فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات وأنها رديف الاختراق الثقافي الذي يجري بالعنف المسلم بالتقنة، فيهدد سيادة الثقافة في سائر المجتمعات التي تبلغها عملية العولمة، وهذا الأثر في طمس الهوية الثقافية للأمم الأخرى لا يختلف عن الاعتداء على هوية الإنسان الفرد داخل الأمة الواحدة، بمعنى أن هناك شريعة الغاب وأن البقاء للأقوى في هذه المعادلة الصعبة، فما يحدث ضد هوية الأمة وثقافتها يحدث تحت شعار زيادة الرفاهية الاقتصادية أي تحت شعار مقنع ومقبول للجمهور المستهلك الذي سوف يدافع عن حقه في مزيد من الرفاهية دون أن يعلم مذاق السم في عسل المتعة.

الفكر الإسلامي في مواجهة العولمة

 

شرطة الغرب تخلت عن حقوق الإنسان الغربي

منذ أكثر من قرن ونحن نبتعد عن هذا الدين بقصد وتخطيط، سواء أكان التأثير في ذلك داخليًا أم خارجيًا، داخليًا في قابليتنا للسقوط وخارجيًا في هجمة التبشير والاستشراق والتغريب والاستعمار علينا.

عودتنا هذه المرة إلى إسلامنا، والانطلاق منه إلى عصرنا يقتضي منا إعادة النظر في الأمور الآتية:

الفكر الإسلامي:

- لا بد لنا أن نؤكد على أصول العقيدة الثابتة القاطعة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وفصلها من فروعها، والتأكيد على الأصول، وترك الفروع التي اختلف حولها العلماء حتى لا نتمزق من جديد.

- عد تيارات الفكر الإسلامي القديم تيارات اجتهادية جابهت الفلسفات والتيارات الفكرية في زمانها فأصابت وأخطأت، وليس من المصلحة إحياؤها اليوم وإدارة صراعات جديدة عليها.

- مواجهة الأفكار الجديدة بأسلوب جديد ومادة معرفية جديدة، منطلقين من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- .

- تبني المنهج الشمولي في فهم الإسلام الذي يجمع بين العقيدة والشريعة والسلوك والحركة والبناء الحضاري، من خلال منهج عقلي أصولي سليم.

- الإيمان بأن الفقه الإسلامي، فقه متجدد لا يقف عند زمن معين ولا مذهب معين ومواجهة مشكلات العصر من خلال مقاصد الشريعة وقاعدة الأيسر وليس الأحوط.

- دراسة الأنظمة العامة والمبادئ الكلية في الشريعة الإسلامية بمواجهة ما عند الغرب من مبادئ ونظريات قانونية كلية.

- دراسة السنن الكونية دراسة علمية موضوعية والاستفادة منها في الدخول إلى العصر الحضاري الإسلامي الجديد.

- محاربة مظاهر البدع والخرافة والتواكلية التي أخرت تقدم الأمة وقيامها عبر العصور الأخيرة.

- الرد على الغزو الثقافي العولمي الأمريكي الصهيوني من خلال المنهج السابق في الفكر الإسلامي، بجميع الوسائل التي يعتمد عليها، سواء من خلال الأنماط الفكرية أم الفنية أم الأدبية التي يعرضونها من خلال أفكارهم المناقضة للإسلام.

الفكـر السياسـي:

لا بد من القيام بنقد تاريخي شامل لنظام الحكم في المجتمعات الإسلامية من بعد معركة صفين وإلى اليوم، وإثبات أن الاستفراد بالحكم والاستبداد فيه الذي كان سائدًا في تاريخنا، سواء أكان في الدولة الأموية أم العباسية أم العثمانية أم في دول الأندلس، وغيرها من الدول والدويلات التي حكمت العالم الإسلامي عبر القرون، وكذلك في الدول الحديثة والمعاصرة على تنوع أنظمتها العلمانية أو ادعائها تبني الإسلام والتطبيق المزيف أو المنقطع المجزأ بالكتاب والسنة منهج استبدادي مخالف لنظام الحكم الشوري في الإسلام مخالفة أكيدة، وإنه جلب على الأمة الإسلامية عبر العصور مآس جمّة وخرابًا شاملاً، وإنه من أعظم أسباب سقوط المجتمع الإسلامي وأزماته قديمًا وحديثًا.

إن نظام الشورى في الإسلام كما طبّقه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون y ، وكما يمكن أن يلجأ اليوم إلى الآليات والأساليب المعاصرة المنسجمة مع روح الإسلام لتحقيق مقاصد الشورى، هو الذي يحقق كرامة الإنسان المسلم، ويعيد إليه حقه في المعارضة والتعبير عن آرائه بحرية أخلاقية منضبطة.

إن بقاء النظام السياسي في المجتمع الإسلامي إلى لحظة كتابة هذه الكلمات نظامًا تسلطياً فرديًا استبداديًا، لن يكون إلاّ في مصلحة قادة العولـمة، وأعداء هذه الأمة. إن الصدام بين الشعوب وحكامها لن يكون إلاّ في صالحهم. ولذلك نجد أن العولـمة تشجع بقاء الأنظمة الظالمة في بلاد الإسلام، مع أنها تدعي أنها تريد الديمقراطية والحرية في العالم.

إن العقلاء جميعًا متفقون على أنه ما من مصيبة من مصائب هذا القرن، قد حلت بالإسلام والمسلمين إلاّ كانت نتيجة مباشرة لصراعات الحكام فيما بينهم واستبدادهم بالرأي، ومحاربتهم لأهل الرأي السديد وعدم سماعهم قول الحق وعدم رجوعهم إلى موازين الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقًا. فضلاً عن ارتباط كثيرين منهم بأعداء الأمة والدين.

إن معظم حكام المسلمين في القرن الأخير قد أحدثوا فرقة كبيرة بين المسلمين، أو لم يهيئوا صفوف الأمة للجهاد والحركة والتغيير والبناء، وضيعوا ثروات الأمة على مباذلهم وقصورهم، وعلى حياة البذخ والفخفخة الفارغة، أو على حروب خاسرة لم يخططوا لها ولم تكن لهم فيها إرادة للقتال أصلاً.

إن نتيجة تلك السياسات هي التي أدت إلى طغيان الصهيونية واستيلائها على أرض فلسطين، وهي التي تؤدي اليوم إلى خطر طغيان العولـمة الشرسة علينا.

إنني أكاد أجزم مع الجازمين أن أي إصلاح لا يمكن أن يجري على أصوله الصحيحة في بلاد الإسلام، ما لم تتغير طبيعة النظام السياسي في بلاد الإسلام، من الاستبداد إلى الشورى، ومن مصادرة الرأي إلى الحرية في الرأي والمعارضة، ومن مصالح الأفراد والأسر إلى مصالح الأمة من حيث هي كل لا يتجزأ ومن حكم الحكام إلى حكم المؤسسات الدستورية.

وهذا هو سر حرص أمريكا واليهودية العالمية ومن شاكلهما من دول الطغيان على إبقاء الوضع السياسي في العالم الإسلامي على ما هو عليه؛ لأنه يجلب لهم الأمن والأمان والسكوت على جرائمهم بحق الإسلام والمسلمين.

الفكـر الاقتصــادي:

لقد استنبط الاقتصاديون الإسلاميون النظام الاقتصادي الإسلامي المعاصر من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن معالجات الخلفاء الراشدين واجتهادات الفقهاء المجتهدين عبر العصور. وزادوا على ذلك ما استجد من قضايا الاقتصاديات المعاصرة والتي تتلاءم مع روح الإسلام. وأستطيع أن أزعم أن التوجه الإسلامي في بناء الاقتصاد هو الذي ينقذ الأمة من التخلخل الاقتصادي، ويقضي على التفاوت الظالم في الثروات، ويعيد التوازن إلى المجتمع الإسلامي، ويحدد وظيفة الدولة الاقتصادية من خلال ذلك التوازن.

لماذا؟!!.

- لأن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد مرن لا يعين معالجة واحدة في كل حالة زمانية أو مكانية، وإنما يقرر الأصول ويفتح حرية الحركة أمام الاقتصاديين، لحل المشكلات الاقتصادية حسب الظروف المختلفة.

- منع الاستغلال والاستلاب للقضاء على سوء توزيع الثروات والحيلولة دون قيام المجتمع الظالم.

- التملك مشروع ولكنه محاط بسياج من القيود حتى لا يؤدي إلى التعسف في استعمال حق الملكية، ويشرع الإسلام مع الملكية الفردية الملكية العامة وملكية الدولة.

- لا بد من وجود التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي؛ لأنه هو الذي ينتهي إلى التوازن.

- تكافؤ الفرص أمام الجميع وعدم تعطيل الطاقات الإنسانية.

- تغليب الاتجاه الجماعي في الاقتصاد الإسلامي لتغليب مصالح الأكثرية الكادحة.

- حرمة الكنز وحبس الثروات، وتوظيفها لأداء وظيفتها الاجتماعية.

- الدولة لها الحق في التدخل في الحياة الاقتصادية، كلما رأت الضرورة في تحقيق مصالح العباد.

- العمل هو المعيار الأساسي، وهو نابع من فكرة الاستخلاف، ويلتزم المجتمع بإيجاد عمل لكل قادر.

- المحافظة على رأس المال وإنماؤه وعدم إضاعته، ولذلك شرع الإسلام مبدأ الحجر على أموال السفهاء.

- في ظل الاقتصاد الإسلامي تكفي الموارد؛ لأنه ليس اقتصاد ترف. كل تنظيم اقتصادي معاصر، يزيد في الثروة ويحقق مقاصد الإسلام في إسعاد الناس، هو من الاقتصاد الإسلامي، من منطلق القاعدة الشرعية، حيثما كانت مصالح العباد، فثمة شرع الله.

- من الواجب أن يتعاون الجهد الإنساني في أجنحته كافة في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.

هذه هي بعض الملامح العامة لمذهبية الاقتصاد الإسلامي المتميز عن باقي الأنظمة الاقتصادية المعروفة اليوم تمام التميز، لا بد أن يؤدي عند تطبيقه إلى طريق جديد للتنمية في المجتمع الإنساني، طريق ليس آلياً يبغي الربح وحده أو الكفاية الاقتصادية وحدها، إنما هو طريق إنتاج اقتصادي أخلاقي إنساني، يفي حاجة الإنسان وضروراته وشيئًا من كمالياته، إن أمكن ذلك(1).

يقول الاقتصادي الفرنسي جاك أوستروي: "إن طريق الإنماء الاقتصادي ليس مقصورًا على المذهبين المعروفين، الرأسمالي والاشتراكي، بل هنالك مذهب اقتصادي ثالث راجح، هو المذهب الاقتصادي الإسلامي، ويقول: "إن هذا المذهب سيسود عالم المستقبل؛ لأنه أسلوب كامل للحياة"(2).

فإذا انطلق المسلمون من مذهبية الاقتصاد الإسلامي التي تتفرع من مذهبية الإسلام العامة في الكون وخالقه والمجتمع والإنسان، فاستفادوا من إمكانية المسلمين الاقتصادية الضخمة المتنوعة، وكانوا أقوياء الأداء في جانب التشييد والمعادن والزراعة(3) وقابلوا العولـمة المركزية الأمريكية الصهيونية، بعالمية عربية وإسلامية وشرقية(4)، وتعاملوا مع الاقتصاد العالمي من خلال تبادل المنافع، وخططوا للتنمية تخطيطاً ذاتيًا جيدًا، مستفيدين من خبرات وتنظيمات الحضارة الغربية وأقاموا سوقًا إسلامية مشتركة، ونقلوا أرصدتهم الضخمة إلى العالم بعد إعادة الثقة إلى وحدة الأمة وأخوة أبنائها، فإنهم يستطيعون في هذه الحالة أن يقللوا كثيرًا من أخطار العولـمة عليهم؛ لأن العولـمة كالذئب لا يأكل إلاَّ من الغنم القاصية.

الفكر الاجتماعي الإسلامي:

لا بد من التأكيد على النظام الاجتماعي الإسلامي في الأمور الآتية:

1- يقوم المجتمع الإسلامي على جهود الرجال والنساء، يكمل بعضهم بعضًا.

2- ليست هنالك مفاضلة في أصول الخلقة ولا مفاضلة لجنس على آخر في أصل الخلقة، بل كل جانب يفضل الآخر فيما كلف به من واجبات شرعية.

3- أقر الإسلام في تشريعاته بإنسانية المرأة واستقلال شخصيتها وعدها أهلاً للتدين والعبادة، وأقر حق المبايعة لها كالرجل ودعوتها إلى المشاركة في النشاط الاجتماعي المنضبط بضوابط الأخلاق، وقد سمح لها بالأعمال التي تتفق مع طبيعتها، وشرع لها نصيبها في الميراث وإشراكها في إدارة شؤون الأسرة وتربية الأولاد، وأوجب معاملتها بالمعروف واحترام آدميتها كما أنه ساوى بينها وبين الرجال في الولاية على المال والعقود، وأقر لها شخصيتها القضائية المستقلة(5).

ومن هنا فإنه لا بد أن نجتاز بالمرأة المسلمة عصور التخلف والجهالة وسوء التأويل لتشريعات الإسلام لحياة المرأة، والاعتراف الكامل بكونها نصف المجتمع، ولا بد من إعادة النظر في مشكلاتها الاجتماعية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية العامة ومقاصدها الحكيمة وغاياتها في الحياة لتحديد مسؤوليتها الأسرية والاجتماعية والدعوة إلى ترك الاجتهادات الماضية التي تمثل عصورها وأعرافها، والتي قيدت المرأة في التربية والتعليم، والاشتراك في مضامير الحياة المتنوعة التي تتفق مع فطرتها وتكوينها ومصلحتها ومصلحة مجتمعها، دون الانجراف وراء مغريات الحياة الإباحية التي انتهت إليها الحضارة الغربية.

4- يقوم المجتمع الإسلامي على القاعدة الإيمانية التي تجمع بين المسلمين جميعًا دون الالتفات إلى اختلافات اللغة أو اللون أو العرق.

5- أهل الأديان جميعًا لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين إلاّ فيما يخص القضايا التشريعية الخاصة بكل طرف.

6- البشر جميعهم كرامتهم مصانة في إطار المجتمع الإنساني.

7- المجتمع الإسلامي يقوم على أساس نابع من قيم الإسلام والقيم العامة التي اجتمع عليها الإسلام.

8- لا بد أن تحقق العدالة المطلقة في المجتمع الإسلامي للجميع، ولا فرق في ذلك بين المسلمين وغير المسلمين.

9- الأسرة في المجتمع الإسلامي تقوم على القواعد الإسلامية في المحافظة على العفاف والفطرة والابتعاد عن الفوضى الجنسية، وخرق نظم الأخلاق التي يقرها الإسلام.

10- تكافؤ الفرص أمام الجميع لإظهار القدرة والاستعداد لبناء المجتمع والحضارة.

الفكر التربوي الإسلامي:

أمام هجمة الفضائيات العولمية وتخطيطها العلمي والفني الذكي في عرض أفكارها بطرق متنوعة مؤثرة، عبر الأنماط الفنية من المسلسلات والأفلام والتعليقات والتقارير التي تدخل يوميًا مئات الملايين من أجهزة التلفزيون والإذاعة والإنترنت على وجه الأرض، لا يمكن الحفاظ على الذات والأصالة والخصوصية الدينية والفكرية، إلاّ بتربية أبناء الأمة تربية مخططة تشعرهم بأنهم أبناء أمة التوحيد والإيمان وتنشئتهم نشأة إسلامية، وتحصنهم فكريًا وأخلاقيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، بحيث يعلمون بيقين كامل أنهم متميزون عما يشاهدون. وبذلك يستطيعون أن يكتشفوا الباطل من الأقوال والأفعال والسلوك. وإن لم نفعل ذلك ونتعاون عليه في العالم الإسلامي كله، فسنجابه فتنة كبيرة وفسادًا عظيمًا وذوبانًا تدريجيًا مؤكدًا في طغيان إعلام العولـمة الرهيب.

ويكون ذلك بما يأتي:

1- الاهتمام بتربية الأسرة المسلمة وتثقيف أفرادها وتوجيههم من خلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ومن خلال المساجد وخطب الجمعة والدورات التربوية القرآنية المستمرة أو المؤقتة والمواعظ والمحاضرات العلمية والتوجيهية.

2- ومن خلال المناهج الرصينة في التربية الدينية، وكتب اللغة العربية، وكتب التاريخ والجغرافية والثقافة العربية والوطنية العامة، وحتى الكتب العلمية الصرفة.

3- ومن خلال الكتب والمجلات والجرائد والدوريات الخاصة والعامة.

4- ومن خلال المخيمات الشبابية الصيفية في القطر الواحد أو الأقطار العربية أو الإسلامية.

5- ومن خلال المهرجانات العامة والمؤتمرات التي يجب أن تقام بين حين وآخر في القطر الواحد أو الأقطار المتنوعة.

6- ومن خلال العروض المسرحية والأفلام في المسارح ودور العرض السينمائية.

وغلى غير ذلك من الوسائل التي تشترك جميعًا في تكوين أجيال تشعر بانتمائها الإسلامي وانتسابها الحضاري للأمة العربية والإسلامية(6).

7- ومن خلال وحدة المعرفة التي قامت عليها التربية الإسلامية التي تبغي صياغة الفرد صياغة إسلامية حضارية، وإعداد شخصيته إعدادًا كاملاً من حيث العقيدة والذوق والفكر والمادة، حتى تتكون الأمة الواحدة المتحضرة التي لا تبقى فيها ثغرة تتسلل منها الإغراءات العولمية اللادينية الجنسية الإباحية.

إننا نحتاج في بلاد الإسلام كلها إلى أن نقوم بحملة إسلامية شاملة عبر مخطط حضاري معاصر، تشترك فيها الدول والمؤسسات الرسمية والشعبية والجمعيات والأحزاب جميعاً. لأن مواجهة العولـمة من الخطورة بحيث يجب أن نتعامل معها من مواقع قوية تشهد على وحدة الأمة، وغاياتها النبيلة في هذه الحالة لخيرها ولخير البشرية جميعًا.

نحو وحـدة الأمة

إن أوضاع البلاد الإسلامية المتأخرة في القرن الأخير شجعت المستعمرين على التقدم نحو احتلال بلاد الإسلام، ولم تفد المقاومة غير الموحدة وغير الحضارية في منع وقوع ذلك الاحتلال. فبذل هؤلاء الأعداء المحتلون جهودًا ثقافية إعلامية تربوية كبيرة في سبيل نشر مبادئهم في الوسط الإسلامي. فآمن البعض بالمبادئ الرأسمالية الفردية، وآخرون آمنوا بالشيوعية، وجماعة ثالثة آمنت بالقومية ورابعة بالوطنية الديمقراطية وأخرى بالاشتراكية الثورية، وهكذا دون رجوع إلى محور إلهي ثابت يتحاكم إليه الجميع.

وتقبل الأفكار المفرقة للأمة في أسسها لم يأت فقط عن طريق الفرض الاستعماري فحسب، وإنما ظهر أيضًا نتيجة للاحتكاك الحضاري، بين أمة متأخرة جامدة غير منتجة للفكر والعلم والمدنية، وبين أمم استعمارية غربية قوية دخلت في العصر الحضاري الجديد، فأبدعت في التنظيم وبناء الحياة المادية أيما إبداع. فحصلت من هنا الكارثة الكبرى في بلاد الإسلام، حيث قانون تقليد المغلوب للغالب قد عمل عمله، وسقطت أجيالنا المتلاحقة أمام الأفكار المغرية التي أتتهم من الغرب، دون أن تكون لهم بها قوة في الوعي والتمييز والتمحيص والاختيار.

وقد ظهر ردّ الفعل الإسلامي المسالم أو العنيف على هذه الأوضاع المزرية في التشرذم والفرقة والصراع والصدام. فدعا الإسلاميون إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- . ومن هنا حدث صدام فكري ودموي بينهم وبين أصحاب تلك المبادئ اللادينية المناقضة لأسس الإسلام، والذين مكنتهم القوى الاستعمارية من حكم البلاد الإسلامية. واستمر الحال قرابة قرن كامل من الزمان، بحيث ألحق ذلك الصراع أضرارًا فادحة بمجمل حركة التطور الإسلامي إلى الأمام، لأن القوميين العلمانيين والوطنيين اللادينيين، والوجوديين الملاحدة، والشيوعيين الماديين، لم يكونوا على استعداد أن يلتفتوا إلى الإسلام أي التفات، بل عدّوا الإسلام ومن يؤمنون به وينادون بالاحتكام إليه أعداء حقيقيين لهم وللبلاد؛ فالصقوا بهم التهم الباطلة، واتهموهم بإعاقة تقدم الأمة وأدخلوهم في محن طويلة من السجون والتشريد والقتل، وانفردوا هم بحكم البلاد وتدبير أمور السياسة قرابة قرن كامل من أخصب زمان الأمة.

وبدا العقلاء شيئًا فشيئًا يتساءلون: يا تُرى ماذا فعل الحكام اللادينيون الذين كانوا يحكمون بلاد الإسلام، والذين كانوا ينتمون إلى القومية والوطنية والماركسية؟

هل قدّموا المجتمع إلى الأمام؟ هل وحّدوه؟ هل بنوا مجتمعًا متماسكًا؟ هل قادوا تنمية ناجحة؟ هل أسسوا فيها قضاءً عادلاً؟ هل بنوا فيها تعليمًا منسجمًا وتربية محصنة؟ هل حافظوا على كرامة الإنسان المسلم؟ هل كانوا يحكمون بشورى حقيقية؟ هل سخّروا المنافقين من الكتاب والأدباء والشعراء وأهل الصحافة لمصالح الجماهير المخدوعة أم لمصالحهم الطاغوتية؟ هل قضوا على الفقر؟ هل أوجدوا اقتصادًا قنوعًا في العالم الإسلامي؟ أم ضيّعوا ثروات الأمة في رغبات النفس الأمارة بالسوء، وبناء القصور وتزيينها، والمحافظة على استمرارهم في الحكم والسلطان والطغيان؟!.

ألم يأن لهؤلاء أن يعترفوا أنهم مسخوا الأمة بالتقليد، وصنعوا لها الكوارث تلو الكوارث، وأوقعوها راكعة ذليلة أمام الطغيان الأمريكي والصهيونية العالمية.

ألم يأن لهم أن يلتفتوا إلى إسلامهم، فيحاسبوا أنفسهم ماذا جنوا بحقه؟ ويتساءلوا بينهم: هل فهموا حقائقه؟ ألا يجب عليهم أن يجربوه تجربة أصولية عصرية ليعلموا كيف تكون النتيجة؟

- لو ربوا الأجيال على الإيمان والإخلاص والابتعاد عن الذنوب عامة وخاصة، ماذا سيحصدون؟

- لو عادوا إلى استشارة الأمة استشارة ملزمة، ماذا ستكون العاقبة؟

- لو طبّقوا الأنظمة العامة في الشريعة الإسلامية الثابتة بالوحي الإلهي من أجل إحداث تنمية شاملة، ماذا ستنتهي إليه الأمة؟

- لو رجعوا إلى نظام التربية والتعليم نصيب كل إنسان في أسماء الله الحسنى، كيف ستنمو القيم، ويتوحد الشعور ويبدع العقل المنتج وتنطلق الحركة المغيرة؟

ثم ألم يأن للإسلاميين أيضًا أن يقوموا بمساءلة أنفسهم ماذا يجب أن يفعلوا مع أنفسهم؟ هل أفادهم خلط الوحي الإلهي بآراء رجال استنبطوا لعصرهم وفكروا من خلال واقعهم؟

ألا يجب عليهم أن يفصلوا الوحي الإلهي عن التاريخ الذي هو صنع آبائهم وأجدادهم بكل ما فيه من حلو ومر.

- ألا يجب عليهم جميعًا أن يدخلوا في العصر الحديث ليبنوا مستقبل الأمة، فيقللوا الحديث عن الماضي المفرق أحيانًا.

- هل من الإخلاص لله ولرسوله أن نرجع إلى واقعنا الجديد صراعات السلفية والصوفية والأشعرية والمعتزلة والحنبلية والجهمية، والسنة والشيعة، تلك الأفكار التي ذهبت مع صراعات عصرها، ولنا اليوم عشرات المعضلات الحضارية الحديثة التي تنتظر الجواب السديد.

هل يفيدنا في مواجهتنا الحضارية الحديثة لبناء أمتنا الحلول الجزئية المرحلية الماضية التي أكل عليها الدهر وشرب؟.

ألا يجب على الإسلاميين حتى يقنعوا أهل الأفكار الغربية الممزقة بأحقية الحل الإسلامي، أن يعودوا إلى المنهج الشمولي في فهم الإسلام عقيدة وشريعة وسلوكًا بأسلوب جديد ومنهج واع، يعتمد العلم والعقل لا غيرهما.

إن أمتنا تواجه اليوم العولـمة الطاغية الباغية، وهي ساقطة متأخرة بينها وبين أهل الحضارة المسيطرة شأو بعيد.

فهل من المعقول أن نسمح بأن يستمر الانحدار، ويتمكن التأخر، وتزداد الهوة بيننا وبين العصر الحديث.

ألا نحتاج في هذه المواجهة التاريخية الكبرى لتوحيد أمتنا وتقويتها، وبنائها على أصالتها وخصائصها الذاتية والإنسانية إلى محور ثابت أصيل متوازن، يعود الجميع إلى الاحتكام إليه وينسون صراعاتهم وخصوماتهم من أجل الانطلاق إلى بناء أمتنا المجيدة من جديد؟

وهل سنجد هذا المحور الثابت الأصيل المتوازن في غير ديننا الخالد، الإسلام الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟.

وهذا الإسلام يشكل المعادلة الأساسية الجوهرية في حياة الأمة، وأعداء الإسلام اليوم بوسائلهم الخبيثة كلها يريدون أن يضربوا هذا الأساس المتين، كي تضيع وحدة الأمة، فتستسلم إلى التبعية الذليلة وتتخلى عن العزة والوحدة والحقوق الأساسية(7).

إن تجربة قرن كامل في قيادة المجتمعات الإسلامية بمعزل عن النظام الإسلامي أثبتت للعلمانيين أنفسهم أنهم كانوا مخطئين في عزل الإسلام عن الحياة، فبدءوا يلتفتون شيئًا فشيئًا إلى دينهم الإسلامي بدرجات متفاوتة، ويدعون إلى عقد ندوات حوارية بينهم وبين الإسلاميين، وهذا في حدّ ذاته حالة صحية مطلوبة؛ لأن الأخطار التي تهدد الأمة من العولـمة الصهيونية في بلاد الإسلام كلها لا سيما في فلسطين تستدعي اللقاء والحوار والتقارب، حتى يصل الجميع إلى صيغة تجمع الكل على القضايا الجوهرية الواحدة في مواجهة تلك الأخطار، وإلا فالعدو بالمرصاد، ويمكن أن يسد علينا نوافذ الضياء جميعًا.

إن تعاون الجميع في إطار حكم شورى والاتفاق على قضايا مصيرية عليا سيعيد التوازن إلى كيان الأمة والأمل إلى الأجيال الجديدة، فيشعرون بلذة التعاون والوحدة، ويتحركون بمنتهى المسؤولية، وحينئذ يمكن أن يقود هذا إلى بداية قوية في أحداث تنمية حقيقية شاملة، تخرج الأمة من ظلمات القرون الأخيرة إلى نور الخطوط المخلصة من أجل القيام والنهوض والتقدم إلى الأمام.

وقد يسأل باحث: ما القضايا الجوهرية التي يمكن أن يتفق عليها الإسلاميون والقوميون والوطنيون في هذه الفترة الانتقالية التي تهدد بلادهم فيها أمريكا ومن ورائها اليهودية العالمية.

 

 

 

 

 

 

 


[1]- العرب والعولمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1998م من بحث للدكتور محمد عابد الجابري ، ص 135 .

[2]-  مفهوم العولمة وقراءة تاريخية للظاهرة: أحمد صدقي الدجاني،  جريدة القدس،6/2 /1998م. ص13.

[3]- د. محمود فهمي حجازي، مجلة الهلال، عدد مارس 2001، القاهرة ص87.

[4]- مقاربتان عربيتان للعوامة، ياسر عبد الجواد، المستقبل العربي عدد 252 شباط 2000م ص2.

  [5] -  المصدر السابق ، ص 136-137 .

[6] -  WEBSTER صS NEW COLLEGIATE DICTIONARY, 1991, P 521.

[7] -ـ حقوق الإنسان من العالمية الإنسانية والعولمة السياسية ، مجلة الموقف الثقافي: باسيل  يوسف، العدد 10،1997م، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ص17

  [8] -  المصدر السابق ص 138 .

[9] - مخاطر العولمة على المجتمعات العربية : أ.د مصطفى رجب، مجلة البيان  13/10/2000.

[10] - انظر العولمة محمد سعيد أبو زعرور، دار البيارق- عمان ، الأردن، الطبعة الأولى 1418هـ - 1998م، ص 13. 

[11]- انظر العولمة والحياة الثقافية في العالم الإسلامي: الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة-  أيسيسكو- الرياض. وهو موجود على موقع أيسيسكو-شبكة المعلومات الدولية.

[12] - من خطاب ألقاه في المنتدى الاقتصادي بدافوس في يناير 2000م .

 [13]- انظر العولمة والحياة الثقافية في العالم الإسلامي: مصدر سابق.

[14]- العولـمة بين النظم التكنولوجية الحديثة – نعيمة شومان، ط1، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1418هـ- 1998م ص40.

[15] - محمد سعيد أبو زعرور -مصدر سابق- ص 14 .

[16]- مصطفى حمدي: العولمة آثار ومتطلباتها نقلاً عن المصدر السابق ص 14-15. 

[17]- إعلام العولـمة وتأثيره في المستهلك، أحمد مصطفى عمر، المستقبل العربي ص72، نقلاً عن مجلة (الإسلام وطن)، عدد 138، حزيران، 1998، ص12.

[18]-  د. أحمد مجدي حجازي : العولمة وآليات التهميش في الثقافة العربية،ص3،وهو بحث ألقي في المؤتمر العلمي الرابع (الثقافة العربية في القرن القادم بين العولمة والخصوصية)  المنعقد بجامعة فيلادلفيا في الأردن في مايو 1998م .

[19]- الإسلام والعولمة، محمد إبراهيم المبروك وآخرون، الدار القومية العربية، القاهرة 1999م، ص 99 ،101 .

[20]-  انظر العرب والعولمة، محمد عابد الجابري، ص 137 .

[21] - العولمة والحياة الثقافية في العالم الإسلامي: مصدر سابق..

[22]-  انظر العولمة: د. جلال أمين ص 26 ، العرب والعولمة - مصدر سابق - ص 139 .

[23]- العولمة : محمد سعيد أبو زعرور ص 18 .

[24]- الوطنية في عالم بلا هوية - تحديات العولمة - د. حسين كامل بهاء الدين - دار المعارف ، مصر ، ص 62-63 .

[25] - فخ العولـمة – مرجع سابق- ص22- 23.

[26]- العولمة والعالم الإسلامي:أرقام وحقائق،عبد سعيد  عبد إسماعيل، دار الأندلس الخضرا، الطبعة الأولى 2001م.     

 

[27]-  انظر العولمة ، محمد سعيد أبو زعرور ، ص 19 .

[28]- تضم هذه المنظمة حتى ديسمبر 1999م مائة وخمسة وثلاثين (135) دولة وتشارك بنحو 95% من حجم التجارة الدولية . لمعرفة المزيد عن دور هذه المنظمة وآثارها الإيجابية لأمريكا وآثارها السلبية على الدول الإسلامية : النظام الاقتصادي العالمي واتفاقية الجات: د. حسين شحاته ، دار البشير، طنطا ، الطبعة الأولى 1418هـ- 1998م .

[29] -  مقال: مفهوم العولمة: عمرو عبد الكريم:(باحث في العلوم السياسية)، موقع الإسلام على الطريق، شبكة المعلومات الدولية .

[30] - العولمة الحقيقة والأبعاد: من ورقة قدمت إلى مؤتمر كلية الشريعة في جامعة الكويت المنعقد عام 2000م حول العولمة، موقع الأمة. شبكة المعلومات الدولية.

[31] - مفهوم العولمة: عمرو عبد الكريم– باحث في العلوم السياسية،  موقع الإسلام على الطريق، شبكة المعلومات الدولية .

[32] -  العولمة من  منظور إسلامي، انظر موقع  الإسلام  على الطريق، شبكة  المعلومات الدولية.

[33] - العولمة وعالمية الإسلام، جريدة البيان الإماراتية،الخميس 2 رمضان 1423هـ- 7 نوفمبر 2002م.

[34] - مع العولمة، صحيفة الأهرام 2001م/09/16.

[35] - جاء ذلك في كلمة ألقاها أمام مؤتمر لوزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في كوالمبور في السابع والعشرين من يونيو 2000م .

[36]-  محاضرة: مستقبل الصحافة العربية في ظل العولمة، محمد السمّاك، مجلة (الحوادث)، عدد 2310، 2001/3/9، لندن ص 63.

[37] -  مقال:العالمية والعولمة بين المفهوم القرآني والفلسفة الوضعية: حسن الباش.

[38] - العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة: خالد أبو الفتوح، البيان 136.

[39] - العولمة ، محمد سعيد أبو زعرور ص 36 ، الإسلام والعولمة ص 136 .

[40] - فخ العولمة ص 254-258 .

43-  من محاضرة ألقاها في كوالا لامبور، في 24 يوليو 1996، نقلاً عن (الدين والعولمة) للدكتور أحمد بن عثمان التو يجري، ص19، من مجلة الإسلام اليوم، من عدد 16، 17، السنة 17 1421هـ/2000م.

[42] -  تحديات النظام العالمي الجديد – شبكة المعلومات الدولية- موقع الإسلام على الطريق.

[43]-  العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة: خالد أبو الفتوح، البيان 136.

[44] -  العولمة.. ورموز السيادة الوطنية: مقال مجلة المجتمع- 1412هـ .

[45]- الإسلام والعولمة ص 125-126 ، الوطنية في عالم بلا هوية - تحديات العولمة- ص 81.

[46] - المستقبل التام..أساسيات العولمة: المؤلفان: جون ميكل ثوايت، وأدريان وولدريج.

[47] - نهاية الجغرافية، ص103، وأنظر أيضاً: طوفان العولـمة واقتصادياتنا المسلمة، البيان، عدد 151، ص72.

[48] - الإسلام والعولمة ، ص 70 .

[49] - الاقتصاد العربي في مواجهة تحديات النصف الثاني من عقد التسعينيات – مجلة آفاق عربية ، في 1/2/1995م ص2، والسوق الشرق أوسطية – آفاق عربية، عدد11/12، 1995، ص4.

[50] - العولمة وقضايا العصر: سيد دسوقي حسن، موقع إسلام على الطريق- شبكة المعلومات الدولية- 7/11/2000.         

[51] - انظر فخ العولمة ص 11- 13 ، العرب والعولمة ، ص 140 .

[52] - مقال نهاية الجغرافية،مجلة البيان، ص102.

[53] - الإسلام والعولمة ص 107 ، فخ العولمة  ص 7-8 ، 26-28 ، 36 .

[54] - العولمة لمصلحة الأغنياء : صلاح الفضلي، صحيفة الرأي العام الكويتية.

[55] - العرب والعولمة ص 141 ، فخ العولمة ، ص 11 .

[56] - العرب والعولمة ، ص 141 .

[57] - الإسلام والعولمة ، ص 61 .

[58]  - توالد العولمة- التحولات والممانعة - خدمة كامبردج بوك ريفيو،27/3/2001.

[59] -  المصدر السابق.

[60] - انظر جريدة الرسالة - قطاع غزة - عدد 141 ، تاريخ 28 شوال 1420هـ ص 21.

[61] - انظر المصدر السابق .

[62] - انظر المصدر السابق .

[63] - انظر آثار الاتفاقيات الاقتصادية والصناعية والزراعية- على العالم الإسلامي- النظام الاقتصادي العالمي واتفاقية الجات تأليف د. حسين شحاته، دار البشير للثقافة والعلوم ، طنطا الطبعة الأولى 1418هـ ، 1998م ، ص 20- 25 .

[64] - انظر الإسلام والعولمة ص 148 .

[65] - مخاطر العولمة على المجتمعات العربية : أ.د مصطفى رجب، مجلة البيان  13/10/2000.

[66] - العولمة ، محمد سعيد أبو زعرور ص 36 .

[67] - دراسة حول البعد التاريخي والمعاصر لمفهوم العولمة ، غازي الصوراني، إصدار منتدى الفكر الديمقراطي الفلسطيني ، 2000م ، ص 80 .

[68]- النظام العالمي الجديد، منير شفيق، ص16، الناشر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1420هـ - 1992م ص18-22.

[69]- أستاذ العلوم السياسية ومدير مؤسسة (جون أولين) للدراسات الإستراتيجية بجامعة هاردفارد.

[70] - تحديات النظام العالمي الجديد – د.عماد الدين خليل، موقع الإسلام على الطريق- شبكة المعلومات الدولية.

[71] - انظر مقال :"نظام عالمي أم سيطرة استعمارية جديدة" لجمال قنان في مجلة المستقبل العربي  العدد 180 ، فبراير 1994م .

[72] - انظر الملحق آخر الكتاب.

[73] - العرب والعولمة ، ص 145 ، 147-148  ، الوطنية في عالم بلا هوية ، ص 157-158 .

[74] - تحديات النظام العالمي الجديد – د.عماد الدين خليل- موقع الإسلام على الطريق، شبكة المعلومات الدولية.

[75] - الوطنية في عالم بلا هوية - مرجع سابق - ص 79-80 .

[76] - العولـمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الأوسط – مفاهيم عصر قادم- : سيار الجميل، الطبعة الأولى، بيروت، 1997، ص57.

[77] - الثقافة العربية في عصر العولمة : د عبد الفتاح أحمد الفاوي ، صحيفة الأهرام 22/02/2001م.

[78]-  قضايا في الفكر المعاصر: محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت، 1997م،ص 147- 148.

[79] - العولمة والهوية الثقافية والمجتمع التكنولوجي الحديث: جلال أمين، مجلة المستقبل العربي، العدد 60، ص67. نهاية التاريخ وصراع الحضارات، عبد الوهاب المسيري، ضمن مجموعة كتاب. صراع حضارات أم حوار ثقافات. منشورات منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية: القاهرة، 1997م، ص 100.

[80] - العولـمة بين منظورين- مصدر سابق- البيان، ص125.

[81] - انظر مجلة المجمع العربي للمحاسبين القانونيين ، عدد 11 ، 1999م ، ص 38.

[82]-  الثقافة العربية في عصر العولمة ، الأهرام 22/02/2001

[83] - الإسلام والعولمة ، ص 13-14 .

[84] - نقلاً عن دراسة حول البعد التاريخي المعاصر لمفهوم العولمة -مرجع سابق- ص5.

[85] - الإسلام والعولمة، ص 95-96، العولمة وآليات التهميش في الثقافة الغربية ص 10-11.

[86] - العولـمة بين منظورين، البيان، السنة 14، العدد 145، رمضان 1420ه، كانون 1/1999م ص126-127.

[87] - انظر  الثقافة العربية في عصر العولمة د عبد الفتاح أحمد الفاوي ،الأهرام 22/02/2001م.

[88] - تحديات النظام العالمي الجديد – مصدر سابق- .

[89] - العولمة والحياة الثقافية في العالم الإسلامي- مصدر سابق- .

[90] - الوطنية في عالم بلا هوية ص150.

[91] - انظر مبحث الثقافة العربية في مواجهة المتغيرات الدولية الراهنة – مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 100 -101 بيروت 1993م، مسعود ظاهر ، الوطنية في عالم بلا هوية ص84-85، 150، ص36.

[92] - العولمة ، د. جلال أمين ص 126-128 .

[93] -  صحيفة أكتوبر المصرية،عدد 16/2/1997م.

[94] - كتاب الإسلام والأمة الإسلامية ، د. مهاتير محمد عرض ومناقشة : د. جمال المجايدة.

[95]- انظر مجلة المستقبل العربي مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت- العدد229، مارس 1998م. انظر الثقافة العربية في عصر العولمة د عبد الفتاح أحمد الفاوي ،الأهرام 22/02/2001

[96] - انظر مجلة الأسرة، عدد صفر 1420هـ.

[97] -   المجلة الاقتصادية عدد 17/12/1421هـ.

[98]-  مقال :الشباب المسلم والعولمة: كامل الشريف/ موقع المنار، شبكة المعلومات الدولية،وانظر مجلة المنار الجديد.

[99]-  ومن تلك الكلمات والعبارات المكتوبة على ملابس الأطفال والشباب :kiss me  : قبلنtake me  :خذني - Sow : خنزير- I’m Jewish  : أنا يهودي - prostitute  : عاهر - Adultery : ابن الزنا - Zion  : صهيوني

[100] - الإسلام والعولمة ص 136-137 .

 [101] -  مستقبل العولـمة بين منظورين،مجلة المستقبل العربي- مصدر سابق- ص21.

[102] - هناك جامعة هامبرجر؛ لها قاعات محاضرات، وحاسبات جديدة، ومترجمون مستعدون لترجمة الدروس إلى 26 لغة، هذه الجامعة خرجت حتى الآن 65 ألف حامل بكالوريا في الهمبرجرولوجي؛ تخرج سنوياً سبعة آلاف طالب. ولديها 25 بروفيسور، وتحتل هذه الجامعة القلب من شبكة هائلة من خمسة فروع لها في ما وراء البحار، إضافة إلى أكثر من مائة مركز تدريب، وعلاقات تربطها بكل مطعم هامبرجر. وما أن ينضم أي شخص إلى شركة ماكدونالدز حتى يتلقى تدريبا ما ذكرا كان أم أنثى. وحين يصل مديرو المطاعم إلى الجامعة المركزية في أوك بروكس فإن عليهم تلقي 2000 ساعة تدريب،إنّ معظم الدروس في جامعة الهامبرجريدور حول أمور عملية يومية بل مبتذلة، ولا تنس المقليات والكوكاكولا؛ وركزت جامعة الهامبرجر تاريخيا على التوجيه لا التعليم، علماً أن التوجيهات كلها تأتي من الولايات المتحدة.

[103] - العولـمة أمام عالمية الشريعة الإسلامية، د. عمر الحاجي، ط1، دار المكتبي- دمشق- 1420هـ/ 1999م ص51.

[104] - المصدر السابق ص50.

[105] - العولمة ، د.جلال أمين- مصدر سابق-  ص 46 .

[106] - الإسلام والعولمة- مصدر سابق- ص 96 .

[107]- إن من ينظر إلى أسواق المسلمين في رمضان لا يملك إلا أن يقر بأن المخططات المعادية قد نجحت في تحقيق ذلك .

[108] - العولمة الحقيقة والأبعاد- مصدر سابق-.

[109]- مخاطر العولمة على المجتمعات العربية،أ.د مصطفى رجب، مجلة البيان-عدد-  200013/10م.

[110] - الوطنية في عالم بلا هوية ، ص 150-151 ، تحديات العولمة - د. حسين كامل بهاء الدين.

[111] - انظر الملحق آخر  الكتاب.

[112] - انظر:المرأة المسلمة ومواجهة تحديات العولـمة، سهيلة زين العابدين حماد، المنهل شوال،ذو القعدة، 1420 يناير، فبراير 2000م ص84-87، والمجتمع الكويتية، عدد 1404 و1406، يونيو 2000م.المجتمع الكويتية، عدد 1406، في 25 ربيع الأول، 1421هـ.

[113] - تحديات النظام العالمي الجديد ، د.عماد الدين خليل- شبكة المعلومات الدولية- موقع الإسلام على الطريق.

 

[114] -  وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، رؤية شرعية، د.الحسيني سلمان جاد، كتاب الأمة عدد 53،السنة السادسة- جمادى الأولى1417هـ- ص 72.

[115] -  وقد  وجدت أخيراً جماعات  الشواذ جنسياً  في كثير من البلدان العربية، وقد دافع عنهم الرئيس الفرنسي شيراك، كما دافعت عنهم بعض المنظمات الدولية، لأنّ الحكومة المصرية تريد محاكمتهم على  جرائمهم.

[116] - انظر العولمة، د. جلال أمين ص 133-138 ، الإسلام والعولمة ص 121-12، وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، رؤية شرعية، د.الحسيني سلمان جاد ص55-70.

 [117] - انظر: وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، رؤية شرعية، د.الحسيني سلمان جاد، ص69- 70.

[118] - انظر المصدر السابق.

[119] - سقوط الحضارة الغربية- رؤية من الداخل- أحمد منصور، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1418هـ/ 1998م.

[120] - فخ العولمة ص 367 .

[121]- المصدر نفسه ص 370، فمن الأمثلة :ارتفاع حجم المبيعات في السوق العالمية للهيروين في عام 1990م إلى عشرين ضعفاً من خلال العشرين سنة الماضية، وارتفعت المتاجرة بالكوكايين إلى خمسين ضعفاً . انظر المصدر السابق ص 367-368.

[122] - العولمة :الحقيقة والأبعاد- مصدر سابق- .

[123] - انظر الإسلام بين الشرق والغرب د. علي عزت بيجوفيتش، مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام والخدمات، ومجلة النور الكويتية، الطبعة الأولى 1414هـ-1994م. ص 117، 120، 122.

[124] - انظر: وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، رؤية شرعية، د.الحسيني سلمان جاد ص 71.

[125] -  لقد بدأت ظاهرة البطالة تتفشى على الصعيد العالمي نتيجة دخول الكمبيوترات المتقدمة لتحل محل العقول البشرية وإحلال الإنسان الآلي محل القوى العاملة، وهذه المشكلة تعتبر مشكلة خطيرة تهدد الأفراد العاملين أسرهم.

[126] - العولمة : الحقيقة والأبعاد- مصدر سابق-.  

[127] - انظر مجلة المشاهد السياسي عدد 108 ، 11 نيسان 1998م، ص 36 .

[128]  - فخ العولـمة- مرجع سابق- ص61.

[129] - الصناعة العربية في مواجهة العولـمة، د.زكي حنوش، عدد99، جمادى الأولى 1420هـ ص13.

[130] - ما العولـمة : محمد جلال العظم – حسن حنفي ص17.

[131] - قضايا في الفكر العربي المعاصر: د.محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،1997م،ص148.

[132] - ما العولـمة : محمد جلال العظم – حسن حنفي، ص20.

[133] - لقد فصل الحديث عن المنظمات والتكتلات الاقتصادية العالمية د. حسين شحاته في كتابه "النظام الاقتصادي العالمي واتفاقية الجات" دار البشير للثقافة والعلوم ، طنطا 1998م .

[134] - انظر الإسلام والعولمة ، ص 150 ، العولمة ، محمد سعيد أبو زعرور ، ص 42 ، من الملاحظ أن العولمة ترتكز اقتصادياً على ثلاث ركائز هي:-ــ

(1) النظام النقدي العالمي ويشرف عليه صندوق النقد الدولي .

(2) النظام الاستثماري العالمي بإشراف البنك الدولي .

(3) النظام التجاري العالمي بإشراف وإدارة منظمة التجارة العالمية والتي تعمل بالتنسيق مع الشركات الكبرى العابرة للقوميات .

[135]- الشباب المسلم والعولمة: كامل الشريف- مصدر سابق- .

[136] -  الإسلام والعولمة ، ص 97-98 ، العولمة ، محمد سعيد أبو زعرور ، ص 42 .

[137] - العولـمة بين منظورين، البيان- مرجع سابق- ص125.

 [138]  -  مستقبل العولـمة بين منظورين: المستقبل العربي، ص21.

[139] -  المصدر- نفسه- ص.50

[140] - العولمة والهوية: نجيب غزاوي، ص46، مرجع سابق.

[141] -  مستقبل العولـمة بين منظورين: المستقبل العربي، ص21.

[142] - العولمة ، د. جلال أمين ص 27-28 ، العولمة ، محمد سعيد أبو زعرور ص 44-45، 49  الوطنية في عالم بلا هوية - تحديات العولمة - مرجع سابق - ص 74 ، العولمة وآليات التهميش في الثقافة العربية - مصدر سابق ، ص 14.

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/67781

الأكثر مشاركة في الفيس بوك