كيف عالجت الإدارة الإسلامية مشكلة الاغتراب التنظيمي؟

رامي ملحم

لقد جاء الإسلام ليحقّق للإنسان الحياة الكريمة في جميع مناحيها، وتتميَّز الإدارة في الإسلام باستنادها إلى أحكام الشرع الحنيف، ومقاصده 

السامية، والذي من المفترض أن يسود في كافة أرجاء المجتمع والدولة. وبالنظر إلى شرائع الإسلام نجد أنها شملت أصول الإجابة عن جميع التساؤلات التنظيمية التي يمكن أن تعرض للأفراد والمنظمات والدول على حدّ سواء.

وتبرز مشكلة الاغتراب التنظيمي في هذا العصر، والتي تعرف بأنَّها شعور الفرد بالوحدة والتفكك وعدم الانتماء للوظيفة أو جماعة العمل؛ فهي من المشكلات النفسية، التي يعاني منها الأفراد في أعمالهم المعاشية، كما يعانون منها في عملهم في منظماتهم التطوعية، والتي يعد العمل الدعوي أحد أوجهها. وبذات القدر التي تؤثر هذه المشكلة على الفرد فإنها تمس الجماعة أو الكيان التنظيمي، فالمنظمات تسعى لعلاقات متينة بين أفرادها وإلى مستوى عال من الانتماء لديهم؛ لتتحرك بالجميع نحو تحقيق الأهداف.

“تبرز مشكلة الاغتراب التنظيمي في هذا العصر، والتي تعرف بأنَّها شعور الفرد بالوحدة والتفكك وعدم الانتماء للوظيفة أو جماعة العمل”

ولهذه المشكلة أسبابها المتعددة، التي قد ترجع أولاً للفرد مثل فتوره وضعف فهمه لدوره، وثانياً قد تستند الأسباب للمنظمة، ومن ذلك عدم وضوح رؤيتها، وكثرة الإخفاقات، وقلة الإنجاز، وضعف استثمار طاقات الأفراد، ومحدودية أدوارهم، وثالثاً قد تعود أسباب المشكلة للبيئة المحيطة بالفرد والمنظمة، ومن هذه الأسباب كثرة الشبهات، سلبية البيئة لعمل الفرد في المنظمة.

والدولة الإسلامية التي حكمت أرجاء واسعة من الأرض لقرون، استوعبت تباين الأجناس والأعراق والأديان، وما نتج عن ذلك من تنوع الثقافات، وصاغت كل ذلك في مجتمع منتم متفاهم، تسوده قيم التعاون والتكافل والتفاهم.

وفي الإدارة الإسلامية من الوسائل والتوجيهات ما يفيد في معالجة مشكلة الاغتراب التنظيمي، ويتضح هذا من خلال ما يلي:

1- أكَّد الإسلام على أهمية الوحدة وأمر بها، كما دعا للاجتماع، ونهى عن الفرقة: قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103]. وفي الكتاب والسنة من الحث على هذا الأصل نصوص كثيرة، تأمر بكل ما يقوي الألفة ويزيد في المحبة، وتدفع العداوة والبغضاء، وما ذاك إلا لما في الاجتماع والاتفاق من الخير الكثير والثمرات الجليلة والبركة والقوة، ولما في ضده من الضعف والشتات.

2- أمر الإسلام بالإصلاح: وهذا يدفع المسلم لدوام الاجتهاد في الإصلاح ابتداء لنفسه ولمحيطه في الأسرة العمل والدعوة والدولة، وصدق الله تعالى القائل: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت} [هود:88].

3- حثّ الإسلام على عدم التنازع: بل حرم الإسلام جميع الوسائل المفضية للتنازع، وشجع كل ما من شأنه المحافظة على تماسك المسلمين، وفي ذلك إشارة واضحة لأهمية الاندماج والحرص على الوسائل التي تبني العلاقات والروابط بين المسلمين، كما قال تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].

4- أمر الإسلام بالتعاون بين المسلمين: ولا يمكن أن يأتي التعاون إلا بتآلف الناس، وحب البذل للآخر، وبالتغاضي عن الزلات، وقبول الآخر، والمقدرة على العمل ضمن فريق، وقال الله عزّ وجل: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة:2].

5- شرع الله عزّ وجلّ كثيراً من العبادات الجماعية: مثل الحج وصلاة الجمعة، ورغب الإسلام بأداء بقية الصلوات في المسجد جماعة، وهذه العبادات من أركان الإسلام، وفي هذا تعويد للمسلم على الاندماج مع مجتمعه، فالعبادة الجماعية لن تتم إلا من خلال التنظيم والتعاون والتفاهم بين المسلمين، وكما هو معروف أن العبادة الجماعية في الإسلام لها أجر مضاعف عن غيرها التي يؤديها المسلم منفرداً.

“طلب الإسلام من المسلم أن يكون إيجابياً وأن يندمج في المجتمع ويخالط الناس ويصبر على أذاهم”

6- طلب الإسلام من المسلم أن يكون إيجابياً وأن يندمج في المجتمع ويخالط الناس ويصبر على أذاهم: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة في ذلك، حيث صبر على أذى قريش، وكما صبر على أذى الجار، وكان عليه السلام يقابل الإساءة بالإحسان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ المُسْلِمَ إِذَا كَاَنَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبُر عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ المُسْلِمِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ ولا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ)). [سنن الترمذي].

7- جعل الإسلام التعارف غاية من اختلاف الناس: قال الله تعالى: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. [الحجرات:13]، فالمسلم مدعو أن يتقبل هذا التنوع في الأعراق والأنساب والعادات والثقافات، وأن يتعامل معه بإيجابية.

8- رتَّب الإسلام حقوقاً وواجبات على الصداقات والعلاقات: وهذه الحقوق جميعها تحتاج إلى احتكاك بين المسلمين، كما أن لهذه الحقوق والواجبات آثار إيجابية على متانة ونوعية العلاقات والأواصر في المجتمع المسلم.

9- الإسلام دين المسؤولية المجتمعية: وهذه يتضح من كثير من الواجبات والمندوبات الشرعية، حيث أوجب الإسلام الرحمة بين الناس، وجعل في مال الغني حق للمسكين والفقير واليتيم، حيث قال الله تعالى: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}، [الذاريات:19]، وهذا ينمي في حس ونفس المسلم المسؤولية تجاه الوطن والعمل والجميع. ورتب الإسلام أجراً كبيراً على نفع الناس وخدمتهم، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس))، [رواه أحمد في مسنده. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح].

10- أن يقوم كل بواجبه لمنع هذه المشكلة النفسية، فالمسؤولية مشتركة بين الفرد والمنظمة، وعلى الجميع السعي لتطوير البيئة وإغنائها لتعمق الشعور بالانتماء والتقليل من أي شعور يدفع باتجاه التفكك والعزلة. وصدق رسولنا الكريم القائل: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) أخرجه البخاري.

إنّ كل ما سلف بعض من توجيهات الإسلام التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأسوة في تعامله مع المجتمع، وأخذها بالاقتداء صحبه الكرام، وهي عندما تطبق تدفع الإنسان لمزيد من الاندماج في المجتمع، وتقلل من شعوره بالاغتراب.

المصدر: http://www.basaer-online.com/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D8%AC...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك