بعض الأصول الفلسفية لـ(علاج النفس بالمعنى)La logothérapie

بقلم: تفروت لحسن  

يحيل مفهوم العلاج على مرض الجسد أو مرض النفس، بحيث يختص الطب بالأول و علم النفس بالثاني. وإذا كنا اليوم نعلم أن التحليل النفسي استبد بمجال مداواة النفوس سواء لحفظ صحتها إن كانت حاضرة أو لردها إن كانت غائبة، فإن “علاج النفس بالمعنى”(1)أصبح يتخذ له في السنوات الأخيرة مكانا متميزا في مجال الدراسات النفسية، سواء من حيث التأسيس النظري أو الممارسة التطبيقية/ الكلينكية.

وعلاج النفس بالمعنى هو منحى علاجي يقصد به التعامل مع الظواهر النفسية من خلال المعنى، ويركز هذا المنحى على معنى الوجود الإنساني، بالإضافة إلى بحث الإنسان عن هذا المعنى، وكلمة “Logo” الإغريقية تفيد المعنى، وتعنى أيضاً الروحانية أو الناحية المعنوية حيث أنهما يمثلان بعداً هاماً في الوجود الإنساني، وأن المهمة الأساسية للعلاج بالمعنى هو التركيز على البعد الروحاني أو المعنوي للإنسان. ويعتبر هذا العلاج بمثابة المدرسة النمساوية الثالثة. فلقد قامت نظرية فرانكل على أساس انتقاداته التي وجهها إلى كل من التحليل النفسي الفرويدي، وعلم النفس الأدلري، حيث يرى فرانكل أن مبدأ اللذة الفرويدي ودافع المكانة الأدلري غير كافيين لتفسير السلوك الإنساني، وفي هذا الصدد يقرر فرانكل أنه وضع ما أسماه مبدأ إرادة المعنى ليعارض به كلا من مبدأ اللذة الفرويدي، ومبدأ إرادة القوة في علم النفس الأدلري، فالسعي إلى تحقيق اللذة أو الوصول إلى المكانة المهيمنة للحصول على القوة والنفوذ، لا يمكن أن يفسر كل صور النشاط الإنساني، في حين أن معنى الحياة لدى كل إنسان هو الذي يمكن أن يجعل من السعي الدؤوب وتحمل المعاناة شيئا يرفع من قيمة الحياة ويجعلها تستحق أن تعاش.

ونظرا لازدياد الاهتمام بهذا الوافد الجديد، فإن القصد من هذا المقال هو النظر في الأسس الفلسفية والمنابع التي استلهم منها ”علاج النفس بالمعنى“ مجموعة من المبادئ المؤسسة له والمفاهيم التي أعملها في تقنياته. وإذا كان (ViktorFrankl) ، مؤسس هذا الاتجاه(8)، قد أفصح عن تميزه عن Freud وتصوره لإرادة الرغبة، وعن إرادة القوة عند Adler، فإنه لم يصرح بالأسس الفلسفية التي يفترض أنه استعار منها المادة الخام التي صاغ منها ما أسماه” La logothérapie “.

إذا كان صاحب هذا التخصص يشير إلى أن انبثاقه أو ميلاده راجع إلى تجربة شخصية، تجربة وجودية عاشها صاحبه في معتقلات النازية بالنمسا خلال الحرب العالمية الثانية (3)، وإذا كان بعض الدارسين يرجعون أصولها الفلسفية الى الظاهراتية : هوسرل أو ماكس شيلر والى الفلسفة الوجودية مع مارتن هايدغر(4)، فإن الفحص المعمق لمقتضيات هذه المقاربة العلاجية تبين تصادفها وتقاطعها مع العديد من الأفكار الفلسفية القديمة والحديثة خاصة ما اهتم منها بمفاهيم الصحة والمرض، القوة والضعف، المعنى والإرادة، الألم والمعاناة...

تبعا لهذه الملاحظة، تروم هذه المحاولة رصد بعض المفاهيم الفلسفية الرحالة التي نجد أن فرنكل استخدمها في”علاج النفس بالمعنى“ دون أن يصرح بذلك.
فما هي المفاهيم الفلسفية التي استعارها فرنكل؟ وكيف استخدمها في مقاربته”العلاج بالمعنى“؟ وما هي حدود نقله لمفاهيم تأصلت فلسفيا لتطبق علاجيا؟

مقاربة هذه التساؤلات تقتضي أولا تبين المقصود بـ”علاج النفس بالمعنى“، مصادراته، مفاهيمه، أسسه وتقنياته. هذا ما سنتاوله بصيغة الإجمال فيما يلي:

1 –”علاج النفس بالمعنى“: La logothérapie

يعتبر”فيكتور فرانكل“ المعروف أكثر في الأوساط الأكاديمية والجامعية الأنكلوسكسونية والألمانية بخلاف الأوساط الفرنسية المؤسس لـ”علاج النفس بالمعنى(5)“”La logothérapie“، وقد قام مبحثه على lساس انتقاداته التي وجهها لكل من التحليل النفسي الفرويدي، وعلم النفس الأدلري.
”علاج النفس بالمعنى“هي إذن نظرية في علم النفس، ترى أن للمعنى دورا مؤثرا في الحياة الإنسانية، وخاصة في البعد الروحي لحياة الإنسان، حيث تؤكد هذه النظرية على افتراض أساسي عن الدافعية، يطلق عليه إرادة المعنى(6).
واذا كان البعض يقرن بين”علاج النفس بالمعنى“ومفهوم العلاج الوجودي الذي استفاده فرنكل من ماكس شيلر، فإنه من الضروري تمييز هذا العلاج عن”علاج الموجود هنا“ الذي تم تطويره مع Binswanger والمستعار من هايدغر.

أما الأسس الذي بني عليها هذا العلاج، فيمكن ذكر بعضها كآلاتي:
- الثالوث الانتروبولوجي : ويتمثل في الوعي، الحرية والمسؤولية. ومقتضى هذا الثالوث أن الحرية المطلقة والمجردة لا تكون لها قيمة إذا لم تتجسد في تحمل المسؤولية.
- الثالوث التحفيزي : وملخصه أن الحرية هي حرية الإرادة، هذه الإرادة هي مبدأ المعنى، هذا المعنى الذي لا تكون له قيمة بدون مفهوم الحياة.
- الثالوث التراجيدي الوجودي : الوجود يحمل سمات أساسية منها : الإحساس بالذنب، المعاناة والإحساس بنهاية الحياة وبحتمية الموت.

يكمن جوهر فلسفة هذا العلاج في أن الإنسان يحتاج إلى المعنى في الحياة، وأن لديه الإرادة في

البحث عن هذا المعنى، وأيضا الحرية في فعل ذلك، وبدون معنى الحياة تصبح الحياة فارغة وتقع في الفراغ الوجودي، علما أن مصطلح وجودي يشير إلى ثلاثة جوانب: الوجود ذاته : أي أسلوب الوجود المميز للإنسان، ومعنى الوجود، والسعي للتوصل إلى معنى محسوس وملموس في الوجود الشخصي – أي إرادة المعنى-. ولذا فإن على الإنسان أن يسعى ويجتهد في سبيل هدف يستحق أن يعيش من أجله؛ لأن هذا يساعده على البقاء بفاعلية حتى في آسوا الظروف. ولقد حدد فرانكل Frankl ثلاثة احتمالات يمكن من خلالها إيجاد المعنى وهي: الإبداع، والخبرات، وتغيير المواقف.

وتتلخص تظرية المعنى في الحياة لدى فرانكل في ثلاث ركائز أساسية هي:
أ‌- حرية الإرادة وتعني أن الإنسان على الرغم من الحدود التي تحكمه مثل الوراثة والبيئة إلا أنه يمتلك حرية اتخاذ قراراته التي يواجه بها المواقف المختلفة التي يتعرض لها، ومن ثم فإن الحرية هنا تعني القدرة على الاختيار، وهي متغيرة من فرد لآخر ومن موقف لآخر.
ب‌- إرادة المعنى وهي الركيزة الثانية للعلاج بالمعنى عند فرانكل، وتعني سعي الفرد للتوصل إلى معنى محسوس وملموس في الوجود الشخصي – أي إرادة المعنى- ولذا فإن على الإنسان أن يسعى ويجتهد في سبيل هدف يستحق أن يعيش من أجله؛ لأن هذا يساعده على البقاء بفاعلية حتى في أسوإ الظروف.
ت‌- معنى الحياة: وهي الركيزة الثالثة للعلاج بالمعنى وتنص على أن الحياة ذات معنى تام وغير مشروط في كافة الأحوال والشروط، ويتحقق معنى الحياة لدى الأفراد من خلال ابتكاراتهم، أو ما يكتسبونه من خبرات من العالم المحيط، أو من خلال مرورهم بمواقف مصيرية تمت مواجهتها.

إمتلاك معنى في الحياة هو مستند هذا العلاج; فالإنسان يحتاج إلى المعنى في الحياة، بل وله الإرادة في البحث عن هذا المعنى، وأيضا الحرية في فعل ذلك. فبدون معنى الحياة تصبح هذه الأخيرة فارغة، تقع في الفراغ الوجودي.

لا ينبغي أن يسقطنا مفهوم الوجود هنا في الخلط بين الفلسفة الوجودية، كالوجود هنا عند هايدغر، والعلاج النفسي بالمعنى كتحليل وجودي. فاللفظ عند فرانكل يحمل على ثلاثة أوجه : الوجود ذاته أو الوجود المميز، ومعنى الوجود، والوجود الشخصي، أي إرادة المعنى. أما معنى معنى الحياة فيقصد بها تلك الحالة التي يسعى الإنسان للوصول إليها لتضفي على حياته قيمة ومعنى يستحق العيش من أجله، وتحدث نتيجة لإشباع دافعه الأساسي المتمثل بإرادة المعنى.
ويحدد فرانكل، ثلاثة مجموعات من القيم يرتبط بها معنى الحياة لدى الإنسان قيم إبداعية وقيم خبرية وقيم اتجاهية وهذا الترتيب يعكس الطرق الثلاث الرئيسية التي يمكن أن يجد بها الإنسان معنى الحياة. وتعني الأولى ما يعطيه للعالم في صورة إبداعات، وتعني الثانية ما يأخذه من العالم في صورة خبرات، أما الثالثة فتعني الموقف الذي يتخذه في محنته في حالة ما إذا كان يجب عليه أن يواجه قدرا لا يمكن تغييره. وهذا هو السبب في أن الحياة لا تتوقف أبدا عن أن يكون لها معنى، لأنه حتى الشخص المحروم من كل من القيمتين الإبداعية والخبرية، يظل أمام تحدي المعنى الذي يجب عليه أن يحققه، وهو المعنى المتضمن في الكيفية التي يتحمل بها معاناته.

إن افتقاد الإنسان للمعنى يولد الفراغ الوجودي. هذا الفراغ الذي يكون مسؤولا عن ظواهر مثل الانتحار، العنف أو الإدمان...فالفرد حسب فرنكل ليس مشروطا، فله قدرة على الاختيار، على قبول او رفض الشروط التي تحيط به، بل إن الفرد يمكنه أن يغير العالم بطريقة إيجابية، لصالحه.

تمثل الفراغ الوجودي له علاقة بالفكر. هذا ما يسميه فرنكل بـ”noos “، وإذا تعذر على الإنسان أن يجد معنى لحياته فإننا سنكون أمام ما يعرف بـ”une frustration“ الذي ينتج عنه نوع من الهذيان المرضي يعرف بـ”la névrose noogérique“. هذا المرض يقتضي علاجه تقنية ”noodynamique “. لهذا، فإن "علاج النفس بالمعنى“ يراهن على مسؤولية الفرد في علاقته بوجوده، ودور المعالج هو توسيع أفق الشخص ومنحه الوعي بمعنى الحياة. هنا تظهر أهمية المعاناة. فالمعاناة لها دور في هذه المقاربة العلاجية، فمعنى المعاناة يشكل وسيلة تساعد الإنسان ليجد معنى لحياته. فلتجاوز المرض من اللازم أن يجد معنى لمعاناته ولو في الظروف التي يفتقد فيها الأمل. فإيجاد المعنى يحول التراجيدي إلى نصر، والمعاناة إلى اتجار.
لكن ما علاقة هذه المفاهيم بالفلسفة ؟

2 - الأصول الفلسفية لعلاج النفس بالمعنى : 
إذا نظرنا في الجهاز المفاهيمي المكون لـ”علاج النفس بالمعنى“ عند فرنكل أو غبره من رواد هذه النظرية لتبين لنا أن ثمة جذورا فلسفية قديمة وحديثة. ويمكن أن نشير إلى بعض هذه الأصول كما يلي :

1.2- التجربة الشخصية حافز للإقبال على الحياة :

المعروف أن للتجربة الشخصية دورا فعالا ومصيريا في مواجهة اللحظات الصعبة والعصيبة. ولنا في تاريخ الفلسفة أمثلة على رجاحة هذا الإدعاء، فما علمناه عن محن الفلاسفة يقوم شاهدا على ذلك، ونيتشه يصرح أن كل فلسفة هي تجربة وجودية لصاحبها، تجربة مع المرض ومع المعاناة، بل إنه يعترف بأن تجربة المرض هي التي أعادته إلى الصواب.

أما عن تجربة الصمود وتحدي العراقيل مثل ما حدث لفرنكل في معتقلات النازية، فإننا نجد له أمثلة متنوعة، فالفيلسوف بتيوس صاحب كتاب ”عزاء الفلسفة “كان محكوما بالإعدام. وفي اللحظة التي كان ينتظر مصيره المحتوم – تنفيذ حكم الإعدام – كتب كتابه الذي هو عبارة عن حوارات مع الفلسفة باعتبارها طبيبة معالجة تقدم العلاج بتصحيحها لمعاني قضايا العالم، إنه العلاج الفعال في اللحظات التي تغلق فيها جميع منافذ الحياة، في لحظات القنوط واليأس والحزن بالمعنى الوجودي. خلافا للعزاء الكهنوتي الذي يكون له طابع ديني، يمثل العزاء الفلسفي علاجا حتى في اصعب لحظات العمر، في لحظة الموت. ولفهم هذا الموقف نشير إلى أن كتاب "عزاء الفلسفة“ يمكن أن يمثل ما يعرف بأدب السجون. فهو عبارة عن تأملات وخواطر كتبت داخل الزنزانة في لحظة كان ينتظر منها تنفيذ حكم الإعدام في حقه. وهذا المعطى هو ما يضفي على المؤلف طابع الصدق والقلق الوجودي. فكلماته تخرج من العمق بكل حرية.

وبخصوص ردود الفعل عند فرنكل داخل المعتقل لمواجهة استفزاز واحتقار السجان النازي فنجد لها صدى في السيرة الفكرية لنيتشه الذي يدعونا لتبني الاستسلام الروسي للقدر حفاظا على ما يتبقى من مخزون القوى الداخلية.

مواجهة هذه المواقف بالتحدي والقوة هو ما نستخلصه من رسائل العزاء عند سينيكا التي لها غاية علاجية، فهي تهدف إلى مواساة الشخص المنكوب والتقليل من معاناته ومن وطأة الفاجعة عليه. هذه المهمة تتم بتحويل مسببات الألم إلى وسائل لتجاوزه. أي تحويل لحظات الحزن إلى فرح. هذا ما يتطلب الانغماس والغطس في عمق وقعر الحزن عوضا عن الهروب والتخفي في تلك اللحظات.

هذا ما يظهر في إحدى رسائل سينيكا للام الثكلى المفجعة بفقدان ولدها. حيث ينصحها بضرورة اتصافها بالتسامح مع الحدث الأليم وتشجيع الحوار حول موضوع الوفاة. ولا ينبغي اعتبار ذلك امتحانا أو عقوبة. انه نوع من معالجة الألم بالألم والسم بالسم وكأن الأمر يتعلق بالترياق.

العزاء الفلسفي بوصفه علاجا يقتضي في تصور سينيكا التمييز بين موقفين في مواجهة الألم والشقاء، الأول موقف متصلب، والثاني موقف مرن. أما موقف التصلب أمام الألم وضد كل مكروه فينتج عنه الانحطاط والانكسار. لذا وجب التعامل مع اللحظات المحزنة بنوع من المرونة. أي أن ننظر إلى الشقاء مباشرة، أي مواجهته وجها لوجه.

العزاء بمعناه العلاجي تخالف ما تفعله العامة، فإذا كان الرعاع يواجهون الكوارث بالبكاء والحزن، فإن الفلسفة هنا تمنح الإنسان القدرة وإرادة التجاوز. إنها تعلمه أن يفهم الأحداث. العلاج العزائي معناه أن نفهم ما يقع أولا لتجاوز المشكل بعد ذلك.

2.2- مفهوم الحـــيـــاة :

لما كان فرنكل يجعل الحياة بل وارادة الحياة حجر الزاوية في”علاج النفس بالمعنى“، فإننا نجد لهذه الفرضية أصولا متشابهة عند الفلاسفة. فماركوس اورليوس يذهب في مؤلفه المعروف بـ”التأملات“إلى”أن الحياة صراع ومقام غربة، والمجد الوحيد الباقي هو الخمول. أي شيء إذن بوسعه أن يحفزنا في طريقنا؟ شيء واحد، وواحد فقط : الفلسفة. وما الفلسفة سوى أن تحفظ ألوهيتك التي بداخلك سالمة من العنف والأذى، وان ترتفع فوق اللذة والألم، ولا تفعل شيئا بلا هدف، أو بلا صدق أو بلا أصالة“.

وعن أهمية الحياة يقول ماركوس أورليوس :
”في الصباح، عندما تجد نفسك غير راغب في القيام، قل لنفسك : “إنني أصحو من نومي لكي أؤدي عملي كإنسان. أما زلت كارها أن أذهب لكي أؤدي ما خلقت من أجله وما وجدت في العالم لكي أؤديه؟
أم تراني خلقت لكي ألف نفسي بالأغطية وأبقى دافئا؟...أتراك إذن خلقت لكي تنعم باللذة من دون أي شيء من العمل والكد؟”

كما نلاحظ أن الحياة عند نيتشه مفهوم أساسي، بل هي الحجر الأساس لفلسفته التي تهدف إلى خدمة الحياة. هذه الحياة التي علينا أن نعيشها بمعاناتها وأفراحها، وأن لا نهجرها إلى عوالم الماورء كما فعل أفلاطون. بل إن مجمل نقد نيتشه للفلاسفة عامة ولسقراط خاصة، راجع إلى احتقارهم للحياة وهروبهم من الواقع، هذا ما نستخلصه من قول نيتشه :

“لقد حمل أعظم الحكماء في كل عصر نفس التصور عن الحياة : إنها عديمة القيمة....سقراط نفسه قال لحظة احتضاره : ما الحياة سوى مرض عضال”.
وحتى نقد نيتشه للتاريخ في كتابه “منفعة ومضار التاريخ للحياة” فهو نقد للمرض التاريخي باعتباره المسؤول عن إفقار الحياة، ولأنه يسير ضد الحياة. لكن يجب التمييز بين مظهرين للحياة، حياة مزدهرة فزيولوجيا والتي تتصف بالتكاثر في القوة وبالوفرة في الجمال والفرحة، وبين الحياة الضعيفة والمنحطة والتي تكون سمتها المعاناة والمرض والقبح.

مسألة المعنى :

لما كان فرنكل يركز على مسألة المعنى، فإن المعروف أن القوة، أو ضعف القوة، هي التي جعلت الإنسان يفقد المعنى، معنى الحياة، حيث أن غياب المعنى هو الذي جعله يعيش في العدمية ويبحث عن كل ما يعتقد انه هو المعنى . فالإنسان يفضل أن يريد العدم على أن يكون عديم الإرادة . وأمام هذه الإرادة المريضة أو إرادة العدم يتدخل الكاهن بصفته طبيبا ماهرا فيخلق عدة علاجات ضد مرض المعنى: العدمية، ومن بين العلاجات الخاطئة والخطيرة التي يعتمدها التطبيب الكهنوتي نجد “تغيير اتجاه الاضطغان”، إذ لما كان كل كائن معذب يبحث غريزيا عن سبب عذابه، عن سبب مسؤول، يستطيع أن يفرغ ضده ما يجيش في نفسه من هوى، فان الكاهن يظهر لهذا المريض في صورة الطبيب المعالج ويخاطبه “اجل يا نعجتي، لا بد أن يكون هناك من هو السبب : لكنك أنت بالذات سبب لكل ذلك. أنت نفسك سبب لنفسك”. هنا يتحقق الهدف ويتغير اتجاه الحقد، يتغير من اتهام الآخر إلى اتهام الذات. فالملاحظ أن الإنسان، “الحيوان الإنسان”، لم يكن له حتى الآن أي معنى. لم يكن لوجوده على الأرض أي هدف، وقد ظل هذا السؤال “ما الغاية من وجود الإنسان؟ بلا جواب. كانت تنقص الإنسان إرادة أن يكون إنسانا على الأرض، ووراء كل قدر إنساني كانت تتردد لازمة محزنة أقوى منه قائلة :”دون جدوى“
الإنسان، إذن، كان يعاني من مشكلة تحديد معناه، ولكن مشكلته لم تكن هي المعاناة ذاتها، بل مشكلته هي عدم امتلاكه جوابا لهذا السؤال المقلق”لماذا المعاناة؟".

هنا تتدخل المثل الزهذية تعطي للحياة معنى، وهو المعنى الوحيد الذي أضفى عليها حتى الآن. فان يكون لها معنى كيفما كان أفضل من أن لا يكون لها أي معنى على الإطلاق. وهذه هي إرادة العدم.

المصدر: http://www.alawan.org/article13728.html

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك