أثر اليهود في الحركة الاستشراقية
مفهوم الاستشراق:
الاستشراق Orientalism تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق، ويطلق على كل من يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم. ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته. ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة، معبراً عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما(1).
كيف عمل اليهود داخل الحركة الاستشراقية:
دخل اليهود إلى ساحة الاستشراق الغربي بوصفهم أوروبيين لا يهود، لذلك غاب عن الدارسين للاستشراق تحديد الدور اليهودي بدقة، فجولد زيهر المجري، زعيم علماء الإسلاميات في أوروبا، وسولومون منك الفرنسي وبرنارد لويس الأمريكي، قد لا يعرف الكثيرون أنهم يهود، وقد التقت أهدافهم كيهود مع أهداف الاستشراق وبخاصة الدينية منها، ولا ننكر أمثال هؤلاء المستشرقين كانوا أقدر من غيرهم على خوض غمار الدراسات الاستشراقية الإسلامية والعربية، فهم أكثر فهماً لهذه الموضوعات، وذلك لتقارب اللغة العربية مع لغة ديانتهم العبرية، ولاشتراك اليهود مع المسلمين والعرب في تاريخ طويل(2).
يقول الدكتور محمود حمدي زقزق في بحث له عن الاستشراق: "لم يرد اليهود أن يعملوا داخل الحركة الاستشراقية بوصفهم مستشرقين يهود حتى لا يعزلوا أنفسهم، وبالتالي يقل أثرهم، ولهذا عملوا بوصفهم مستشرقين أوربيين, وبذلك كسبوا مرتين: كسبوا أولا فرض أنفسهم على الحركة الاستشراقية كلها, وكسبوا ثانية تحقيق أهدافهم من النيل من الإسلام، وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبيةالنصارى"(3).
فـ"في معظم الأحيان يستر اليهود يهوديتهم حينما يقومون بحملات الغزو الخبيث للأديان، إذ ينادون بإلغاء الأديان كلها, ويهاجمونها جميعا, ويضعون وكلاءهم وحراسهم في شتى ميادين العمل الإنسانية, ويحاولون ألا تفلت ثغرة واحدة منهم دون أن يرسلوا فيها بعض وكلائهم أو أجرائهم أو يشتروا من الأفراد بعض ضعاف الإدارة, أو بعض ضعاف العقل مهما كلفهم الثمن، وغالبا ما يكون الثمن زهيدا"(4).
أسباب إقبال اليهود على الاستشراق:
عن أسباب إقبال اليهود على الاستشراق يقول الدكتور محمد البهي: "هناك ملاحظة لبعض الباحثين تتعلق بالمستشرقين اليهود خاصة، فالظاهر أن هؤلاء أقبلوا على الاستشراق لأسباب دينية- وهي محاولة إضعاف الإسلام والتشكيك في قيمه بإثبات فضل اليهودية على الإسلام بادعاء أن اليهودية، في نظرهم، هي مصدر الإسلام الأول، ولأسباب سياسية تتصل بخدمة الصهيونية: فكرة أولا ثم دولة ثانياً"(5).
يضيف الدكتور البهي: "هذه وجهة نظر ربما لا تجد مرجعا مكتوبا يؤيدها، غير أن الظروف العامة، والظواهر المترادفة في كتابات هؤلاء المستشرقين تعزز وجهة النظر هذه، وتخلع عليها بعض خصائص الاستنتاج العلمي"(6).
بدايات الاستشراق اليهودي "الإسرائيلي":
تشير دراسة حديثة أعدتها الباحثة المصرية سمية حسن إلى البدايات الفعلية للدور الصهيوني في حركة الاستشراق العالمية، مشيرة إلى الكثير من الأدبيات التي تقدم اليهود على أنهم مؤسسو تلك الحركة في العالم، والدراسات الشرقية على وجه الخصوص، انطلاقا من كون اللغة العبرية قريبة الشبه باللغة العربية، وهو ما جعلهم يلعبون دور الناقل حسب زعمهم للثقافة العربية إلى الغرب، بما ينطوي عليه النقل من مغالطات شديدة تضرب في صميم العقيدة والفكر الاسلاميين. ويعتبر متخصصون في هذا الشأن التطور الحقيقي للدور اليهودي في الحركة الاستشراقية وبداية تبلوره كمدرسة قائمة بذاتها، بدأ مع بداية الدعوة لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، إذ كانت مساهمات اليهود في جميع مجالات الاستشراق في تلك الفترة مفعمة بالنشاط والفاعلية، وفي وقت كانت فلسطين ولا تزال موضع اهتمام خاص من قبل المستشرق الأوروبي لارتباطها بالكتاب المقدس، لذا فقد حظيت بدراسات مختلفة كانت في حقيقتها عونا للاستشراق الصهيوني الذي مهّد لقيام «اسرائيل» ببناء جبهة للصراع الثقافي قبيل الصدام العسكري مع العرب(7).
خطورة الدور اليهودي في الحركة الاستشراقية:
تكمن خطورة الدور اليهودي في الاستشراق في أنهم هم الذين أمدوا هذه الحركة والرأي العام الغربي بعناصر الصورة المشوهة للإسلام، وبآرائهم المغرضة عن الأدب العربي، كما أن الدعم الاستشراقي لليهود لم يتوقف في شتى المجالات حتى تمكن الصهاينة من احتلال فلسطين، فالأمر لم يقتصر على الإسهام الاستشراقي الأوروبي في صياغة الفكرة الصهيونية واحتضانها، بل تعداه إلى النطاق العملي، وقد تمثل هذا الجانب في حملة نابليون عام 1798م، وجمعية فلسطين التي أنشئت في لندن عام 1801م، وقامت بدراسات مهمة عن فلسطين كانت عوناً لتحقيق الهدف الصهيوني، وكذلك صندوق استكشاف فلسطين الذي تأسس في بريطانيا عام 1865م(8).
من المستشرقين اليهود:
من أبرز المستشرقين اليهود في الغرب: جولد زيهر، إبراهام جايجر، برنارد لويس، سولومون منك، يعقوب بارت، ريتشارد جوتهيل، دافيد بانت، باول كراوس..
إسرائيل والحركة الاستشراقية:
يشير الدكتور محمد جلاء إدريس في مقال له بكتابه "إسرائيليات"، عن عناية الكيان الإسرائيلي بالمسألة الاستشراقية، موضحاً أن المؤسسات العسكرية والسياسية في إسرائيل تستفيد إفادة تامة من نتائج الدراسات الاستشراقية، بل إن ساسة إسرائيل وقاداتها العسكريين هم من رواد الحركة الاستشراقية داخل إسرائيل، وقد رصد الدكتور إدريس عددا من المؤسسات الاستشراقية العاملة في الداخل الإسرائيلي، وهي:
- الجامعة العبرية في القدس: وتضم مراكز عديدة منها مؤسسات الأبحاث الشرقية، ومعهد "بن تسفي"، ومعهد "ترومان" لأبحاث السلام، ومعهد "مارتن بوير" للتقارب العربي- السهودي، ومؤسسة أبحاث الشرق الأوسط.
- جامعة تل أبيب: وتضم معهد "شلواح" للدراسات الشرق أوسطية والإفريقية، ومركز "يافيه" للدراسات الاستشراقية.
- جامعة حيفا: وتضم معهد الدراسات الشرق أوسطية، ومعهد أبحاث الجولان- كتسرين(9).
ــــــــ
الهوامش:
(1) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: (2/687).
(2) إسرائيليات، مقالات ودراسات- د. محمد جلاء إدريس: (72-73).
(3) الاستشراف والخلفية الفكرية للصراع الحضاري- د. محمود حمدي زقزق: (ص:52).
(4) مكائد يهودية- سليمان الناجي.
(5) الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي- للدكتور محمد البهي: (ص:523-524).
(6) المرجع السابق: (ص: 524).
(7) الاستشراق الإسرائيلي... «سموم» صهيونية في «عسل» التاريخ- أحمد أبو المعاطي- صحيفة الوسط البحرينية- العدد 140 - الجمعة 24 يناير 2003م.
(8) إسرائيليات، مقالات ودراسات- د. محمد جلاء إدريس: (73).
(9) المرجع السابق: (75).
المصدر: http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=4001&mot=1