الدوافع العقدية المزعومة للقتال عند اليهود

بغض النظر عن الخصائص النفسية التي ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية عن قتال اليهود، حيث وصفهم القرآن الكريم بالجبن والحرص على الحياة الدنيا: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ....} اليقرة/96، كما وصفهم بأنهم لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، ناهيك عن الآيات التي تشير إلى إفسادهم قي الأرض بالقتل والتدمير، إلا أن ما يعنينا في هذا التقرير هو بيان عقيدة اليهود ودوافعهم الدينية والعقدية للقتال.

يقول الدكتور عبد العزيز كامل في هذا الجانب: "منزلة الأرض المقدسة والهيكل في الوجدان اليهودي والتراث الفكري اليهودي القديم والحديث، تدفعهم لركوب الصعب والذلول لاستعادة السيطرة التامة الشاملة عليها بشكل نهائي، تمهيدا لاستقبال أحداث آخر الزمان الذي يرى اليهود أنهم المحور الذي تدور عليه" (1)

ومع وجود بعض الدوافع المرحلية للقتال عند اليهود كدافع القضاء على الإسلام والمسلمين، وهو ما يستتبع خوض معارك مع المسلمين، إضافة لدوافع غريزية تتمثل بطبيعة نفوسهم التي تميل إلى العدوان وشن الحروب ضد الآخرين، إلا أن الدوافع اليهودية العقدية للقتال هي الأهم، وتتلخص هذه الدوافع بثلاثة هي: تحقيق الوعد المزعوم بأرض الميعاد، وبناء هيكل سليمان الثالث، والتمهيد لظهور المسيح المخلص، والتي سأحاول تناول كل واحدة منها بشيء من التفصيل في هذا التقرير.

الدافع العقدي الأول

تحقيق الوعد المزعوم بأرض الميعاد وإقامة دولة "إسرائيل" الكبرى:

تتصدر عقيدة الأرض المزعومة أهم الدوافع الدينية العقدية اليهودية في القتال والعدوان، حيث يؤمن اليهود بأن لهم بقعة من الأرض وعد الله بها إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى، ولا بد من القتال من أجل الحصول عليها لكي يقيموا دولة تجمعهم من الشتات والتشرد، وهي من أهم عقائد اليهود التي يبنون عليها  سياستهم وعلاقتهم بالآخرين. (2)

ومن النصوص التوراتية التي تشير إلى هذا الدافع: "ولم يكن أبرام "إبراهيم" ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام، وقال له: أنا الله القدير.... وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك من أجيالهم عهدا أبديا لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلاههم" (3)

وتجدد نفس الوعد لإسحاق حسب زعمهم "وظهر له الرب وقال: لا تنزل إلى مصر، اسكن في الأرض التي أقول لك ...لأني لك ولنسلك أعطي هذه البلاد وأوفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك" (4)

ومثل هذه النصوص بنفس الوعد تكرر في العهد القديم ليعقوب وموسى عليهما السلام، ولكن الناظر في هذه النصوص يجد فيها من الاختلاف وعدم الموضوعية ما يؤكد أنها من كلام البشر.

وعن حدود هذه الأرض الموعودة فقد اختلف اليهود فيما بينهم حول هذه المسألة، فمنهم من حصرها بأرض كنعان فقط "فلسطين"، ومنهم من جعلها من النيل إلى الفرات، ولدى كل فريق خرائطه الخاصة ونصوصه المزعومة المحرفة التي تؤيد وجهة نظره ورأيه، وهو ما يؤكد مجددا على أن هذه النصوص بعيدة كل البعد عن أن تكون من وحي السماء. (5)

فبينما يسوق أنصار "إسرائيل الكبرى" قديما وحديثا "هرتزل وبن غريون ومناحيم بيجن" نصوصا من مثل ما ورد في سفر يوشع : "كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته، كما كلمت موسى، من البرية ولينان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات، جميع أرض الحثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم" (6).

نجد في المقابل بعض ساسة الصهيونية وزعمائها من ينفي إمكانية تحقق "إسرائيل الكبرى" كما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت عام 2008م "إن فكرة "إسرائيل" موحدة أو كبرى ماتت، ومع وجود أمثال هؤلاء فلا ينبغي التعويل على تصريحاتهم التخديرية هذه، فعقيدة أرض الميعاد الكبرى مسطرة في توراتهم، والعلم "الإسرائيلي" ذي الخطين الأزرقين يرمز لنهري النيل والفرات.

الدافع العقدي الثاني: بناء هيكل سليمان

الهيكل كلمة عربية من الأصل "إيكال" وهي من مصدر سومري، نقلت إلى اللغة الفينيقية ثم العبرية ثم العربية، وهي تعني "البيت الكبير"، ويقصد بالهيكل عند اليهود "مسكن الرب"، وأن الرب أمر ببنائه، وعندما جدد نبي الله سليمان عليه السلام  بناء المسجد الأقصى -الذي كان موجودا في الأصل قبل سليمان وكذلك القدس- نسب ذلك المسجد إليه، وأطلق عليه أهل الكتاب اسم "هيكل سليمان"، زاعمين أن سليمان عليه السلام بنى هيكلا وليس مسجدا. (7)

ويعتقد اليهود بناء على ما سبق أن هناك هيكلا بناه سليمان عليه السلام عام 953 ق.م، وقد تعرض للهدم على يد "نبوخذ نصر" البابلي، ثم بني مرة أخرى عام 538 ق.م بعد أن أذن الملك الفارسي "قورش" لليهود بالعودة للقدس، ثم هدم سنة 70 م على يد القائد الروماني "طيطس"، وحين يطلق يهود اليوم اسم "الهيكل الثالث" فهم يقصدون بذلك إعادة بناء الهيكل للمرة الثالثة على أنقاض المسجد الأقصى، حيث إن معظم اليهود يزعمون أن الهيكل تحت المسجد الأقصى. (8)

وعلى الرغم من كون عقيدة الهيكل تعتبر مركز إيمان اليهود ومربط وحدتهم كما تذكر كتبهم المقدسة، إذ هو محور أعيادهم الدينية ومناسباتهم الاجتماعية والوطنية، كما أنه أثمن من السماوات والأرض التي خلقها الله بيد واحدة، بينما قرر بناء الهيكل قبل خلق الكون، وخلق الهيكل بيديه كلتيهما حسب زعمهم. (9)

إلا أنهم مختلفون في مكانه إلى اليوم، كما تتضارب نصوص كتابهم المقدس حول تحديد مكانه، غير أن نسبة كبيرة من اليهود يرون أن مكان الهيكل فوق جبل "مريا" جبل بيت المقدس، وهي الهضبة التي تشمل المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وعدد من الأورقة والأبنية. (10)

والحقيقة أن اليهود المعاصرين بأحبارهم وحاخاماتهم جعلوا من هذا الهيكل المزعوم أسطورة يتخذونها اليوم ذريعة لتنفيذ مخططاتهم لهدم المسجد الأقصى، مع أن الهيكل لا وجود له في الحقيقة والواقع، وهذا ما تؤكده الحقائق التاريخية والدينية وعلم الآثار.

وعلى الرغم من وجود تضارب حول مسألة موعد وكيفية بناء الهيكل المزعوم، فمنهم من يرى وجوب انتظار المسيح المخلص أولا قبل بناء الهيكل، ومنهم من يرى نقيض ذلك وأن بناء الهيكل يمهد لمجيء المسيح المخلص، إلا أن الواقع المعاصر يشير إلى توافق الجميع اليوم على إعادة بناء الهيكل دون انتظار المسيح المخلص.

الدافع العقدي الثالث: التمهيد لظهور المسيح المخلص

يعتقد اليهود في خروج مسيحهم علاقة مباشرة في سعيهم لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث المزعوم مكانه، وهذا المعتقد قديم عندهم، وظل حلم إعادة بناء الهيكل لتهيئة الأجواء لخروج مسيحهم يراود الصهيونية عبر التاريخ، فكتبهم المقدسة تخبرهم أنه على يده سيكون خلاص اليهود، وهو سيتوج ملكا عليهم ويحكم العالم من أورشليم –القدس-، من بيت الرب كما يعتقدون. (11)

إن هذا التمهيد لخروج مسيحهم المخلص يتطلب خطوات يلزمها القتال والمواجهة، ومن أهم هذه الخطوات: "هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم وتهويد مدينة القدس وهدم المقدسات الإسلامية شيئا فشيئا"، وهو الأمر الذي يلزمهم معه مواجهة المسلمين أصحاب الحق والأرض، وهو ما نراه اليوم يجري على قدم وساق.

ومفهوم المسيح المخلص عند اليهود أو "المسيا" و "الماشيح"، مأخوذ ومشتق من "مشح" أي مسح بالزيت المقدس، ويدعى في بعض المواضع في التوراة: "ابن الإنسان" لأنه سيظهر بصورة إنسان، وقد اكتسبت هذه الكلمة "المسيح" في نهاية الأمر أمرا محددا، إذ أصبحت تشير إلى شخص مرسل من الإله يتمتع بقداسة خاصة، إنسان سماوي وكائن معجز، خلقه الإله قبل الدهور، يبقى في السماء حتى تحين ساعة إرساله، وهو من نسل داود، يخرج ليحارب أعداء "إسرائيل" ويتخذ من القدس عاصمة لمملكته، ويحكم بالشريعتين "التوراة والتلمود". (12)

ورغم خلاف المؤرخين حول منشأ هذه العقيدة عند اليهود، بين الإنكسار العسكري والهزائم المتلاحقة التي مني بها اليهود في تاريخهم وانتهت بالسبي البابلي عام 586 ق.م، وبين كونها نتيجة عقيدة الاختيار والامتياز لشعب بني إسرائيل، إلا أنها على كل حال تعتبر من أهم دوافع القتال عندهم.

ومما يشير إلى كون هذه العقيدة الدافعة للقتال عند اليهود هي عقيدة من صنع البشر أن المسيح المخلص لم يأت ذكره كثيرا في توراتهم المحرف، وإنما استفاض ذكره في التلمود وبروتوكولات حكماء صهيون، ذات المصدر البشري والأساطير الكثيرة.

إن هذه الدوافع العقدية الثلاثة للقتال عند اليهود قد تبدو في ظاهرها دوافع دينية، من خلال ادعاء اليهود بأنهم يقومون بتحقيق مراد الرب ووعوده، ولكنها في الحقيقة والواقع تحمل في باطنها وجوهرها حب السيطرة وسفك الدماء.

بينما يمكن وصف دوافع القتال في الإسلام بأنها دوافع دينية حقيقية، حيث لا عدوان فيها ولا ظلم ولا قهر ولا مطامع، وإنما شرع الجهاد في سبيل الله لغايات سامية وأهداف نبيلة ودوافع عقدية دينية من أمثال:

· الدفاع عن المستضعفين في الأرض، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} النساء/75

· حماية الدين والتوحيد، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} البقرة/193

· رد العدوان الواقع أو المحتمل والدفاع عن النفس، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة/190

فشتان بين دوافع القتال والجهاد في الإسلام، ودوافع القتال والعدوان عند اليهود!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفهارس

(1) قبل الكارثة ..نذير ونفير  للدكتور عبد العزيز مصطفى كامل /141

(2) العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية د . سعد الدين صالح ص367-370

(3) سفر التكوين 17/1-11

(4) سفر التكوين 26/3-5

(5) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية 5/78

(6) سفر يوشع 1/3-4

(7) نقض المزاعم الصهيونية في هيكل سليمان أ . د . صالح الرقب ص76

(8) قبل الكارثة...نذير ونفير ص145-155

(9) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية 4/159

(10) نقض المزاعم الصهيونية في هيكل سليمان ص64

(11) قبل الكارثة...نذير ونفير  181

(12) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية  5/294

المصدر: http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=6197&mot=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك