الأسرة العربية في مهب العولمة

إذا كان الإنسان الفرد هو الوحدة الأساسية في العائلة، فإن الأسرة هي الخلية الأساسية الأولى في المجتمع. وكما هي العلاقة بين الفرد والأسرة علاقة شديدة التعقيد والتشابك من حيث العلاقات بين أفرادها، فثمة علاقة معقدة ومتشابكة بين الأسرة والمجتمع. وما يهمنا في هذه الورقة الوقوف على هذه العلاقات، خصوصا في هذا العصر وما ينطوي عليه من تحولات وتعقيدات، فهو عصر العولمة والفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة التي جعلت الحياة يسيرة ومعقدة في آن واحد. ففي مواجهة هذا الكم الهائل من التغيرات الدولية التي يمر بها العالم على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ماذا سيكون وضع الأسرة العربية؟ وهل سيكون بإمكانها الحفاظ على خصوصيتها التي صمدت على مدى قرون، والوقوف أمام ثورة الاتصالات الجارفة التي تبدو في طريقها إلى تحويل المجتمع الدولي إلى كينونة ثقافية واحدة، مع الحرص على اللحاق بركب التطور العلمي والحضاري؟

نبحث هنا في وضع الأسرة العربية عموما، والأسرة الخليجية خصوصا، والأسرة في دولة الإمارات العربية المتحدة على نحو أخص. فهناك الكثير من العناصر المشتركة داخل نطاق الأسرة العربية، لكن هناك خصوصية للأسرة الخليجية عموما، وذلك منذ الطفرة النفطية تحديدا. فما هي خصوصيات هذه الأسرة في الخليج العربي؟ وما تأثيرات الحقبة النفطية عليها؟ وما تأثيرات العولمة والفضائيات عليها، سواء كانت هذه التأثيرات سلبية أم إيجابية؟ هذا ما ستحاول الورقة إيجاد الإجابة عليه. 

ولا بد من التأكيد في المقدمات على أن أسئلة الأسرة العربية وهمومها هي أسئلة المجتمع العربي وهمومه، لذلك فإن العناصر التي تؤثر في وضع الأسرة وتعمل على تغيير ظروفها، ستعمل بالتالي على تغيير وضع المجتمع وظروفه. فقد طرأت على المجتمعات العربية في العقدين الماضيين تغيرات هائلة أثرت على النظم الاجتماعية المختلفة، والجماعات الاجتماعية المتباينة، والقطاعات المحلية المتعددة، والأنساق القيمية المتأصلة.  وكانت الأسرة، أعظم الجماعات وأول النظم التي نالتها هذه التأثيرات، نتيجة للعوامل المختلفة التي أحدثت هذه التغيرات، خاصة الخارجية منها أو التي تعاني الآن تحت مسمى "تأثيرات العولمة" ذات البعد الاقتصادي والتكنولوجي والقيمي.  وإلى جانب ذلك، تبرز "التأثيرات المحلية" الداخلية التي تعكسها خطط وبرامج التنمية الهادفة إلى تحسين خصائص الأسرة (الاقتصادية والاجتماعية والصحية) والحفاظ على هويتها، إضافة إلى عوامل بنائية داخلية أخرى تعكسها ديناميات التحضر، والزيادة السكانية والهجرة بأنماطها المختلفة.  ومن المتفق عليه في أدبيات دراسات التغير، المنعكسة في عددي من النظريات والتوجهات المعرفية العديدة، أن التغير، له آثار إيجابية وينجم عنه عديد من المشكلات، كما يفرز العديد منا لقضايا الاجتماعية، ويتطلب الأمر تحديد هذه الآثار، وتوصيف هذه المشكلات وتشخيصها، وحسم هذه القضايا.

ويرى بعض علماء التربية وعلم النفس أن تأثير الأسرة على تربية الفرد يفوق في آثاره كل مؤسسات المجتمع الأخرى، بل إن نجاح المؤسسات الأخرى يتوقف على البيت، فبعلاجه وجهوده الرشيدة تصلح آثارها، وبفساده وانحراف تربيته تذهب معظم مجهوداتها أدراج الرياح. فالبيت هو المربي الأول. حيث تعمل الأسرة على إعداد أبنائها لدمجهم في المجتمع الذي يتعايشون فيه عن طريق التفاعل الاجتماعي والعمل على تنمية العواطف الاجتماعية، مع تنمية روح الانتماء ومحبة الوطن والاستعداد للتضحية من أجله، والاعتزاز بأمته وثقافتها وتقاليدها.

الأمر الذي يجعلنا في هذه الورقة نركز على الأسئلة التي ينبغي طرحها في هذه اللحظة التاريخية من حياة مجتمعاتنا العربية، أكثر مما سنقدم من إجابات وحلول. وربما كانت صياغة السؤال جزءا أساسيا من الحل.

 

1- الأسرة: المفهوم والحاجات

الأسرة كما هو معروف عند علماء الاجتماع هي جماعة اجتماعية بيولوجية نظامية تتكون من الزوجين والأبناء. وقد تكون الأسرة ممتدة أو نووية. وهي في كلا الحالين تظل محكومة بقوانين وقيم وعادات وتقاليد تحكم أفرادها والعلاقات فيما بينهم. وتخضع هذه القوانين والعادات والتقاليد للتغير ضمن ظروف المتغيرات الاجتماعية والعالمية، ففي عصرنا جرى الكثير من التحولات الكونية التي فرضت حدوث تحولات كبيرة في المجتمع العربي، ومن ثم في العلاقات الأسرية ولدى الأفراد بشكل عام.

وترتكز قواعد العلاقات التواصلية الأسرية على وشائج متينة من الود والحب والإخلاص والتعلق والثقة المتبادلة, إنها مهمة لبناء أسرة قوية قادرة على لعب دور فعال في خلق شخصية أفرادها وتطبيعها بقيم ومثل حميدة, فلا شيء يعوّض العلاقات العاطفية المتسمة بالود والاحترام في الأسرة, لأنها تعمل على إزالة التوترات وتنفيس الضغوط الانفعالية من جوها.
ولعل أهم ما يميز الأسرة أنها:

   1-    وحدة اجتماعية معقدة التركيب تتضمن أبعاداً عديدة ذات طبيعة ديموجرافية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وأن هذه الأبعاد تعد عاكسة للمجتمع بمكوناته المختلفة عامة، وهويته الثقافية خاصة.

   2-    الأسرة تضم المورد البشري الذي يعد غاية التنمية ووسيلتها، فعوائد التغير الاجتماعي الاقتصادي، الناجمة عن التنمية برامجها المختلفة، يستفيد منها هذا المورد (الطفل، الشاب، المسن).  كما أن ضمان الحفاظ على هذه الفوائد واستمراريتها يتوقف على مدى المساهمة الفعالة التي يقدمها هذا العنصر البشري.

   3-    إن الأسرة هي أولى الوحدات الاجتماعية تأثراً بالتغيرات الاجتماعية، وهي مقوماتها وخصائصها قادرة على التعامل مع هذه التغيرات برشد وعقلانية، فكلما كانت الأسرة راقية في خصائصها، مترابطة بعلاقتها، متوحدة في أهدافها، متماسكة في بنيانها، تصبح قادرة على استيعاب معالم التغيرات والتكيف معها بطريقة تدعم أدوارها وتحافظ على كيانها واستمراريتها وهويتها.

   4-    إن التماسك والاستقرار الأسريين، هما المقومان اللذان يضمنان استمرار دعم الأدوار والحفاظ على الهوية الأسرية من أجل مواصلة المسيرة المجتمعية. 

وما تزال الأسرة العربية حتى يومنا هذا تتمتع بمواصفات الترابط والتراحم وتواجه تحولاتٍ عالمية كبرى، ربما يكون تأثيرها السلبي كبيراً على عقلية الجيل الجديد الذي يشكل نواة أسرة المستقبل، فبعد حوالي 10 سنواتٍ من الغزو الإعلامي الفضائي القادم من كل أنحاء العالم ليدخل كل بيت عربي، وتأثيرات هذا الغزو الذي شرَّع نوافذ كل المجتمعات في وجه بعضها البعض بكل ما يحمله هذا الأمر من احتمالات إيجابية وسلبية، لا تزال الأسرة العربية تتعرض لهزات خارجية كبيرة.

وتتوقف علاقات الأسرة، كما يرى كثير من علماء الاجتماع والنفس، على اهتمامات الزوجين النفسية وميولهما وحساسيتهما الانفعالية وعلى مشاعر كل منهما تجاه الآخر. كما أن خلق مناخ أسري يتوقف على عناصر منها: وقت الفراغ, والمستوى الثقافي, والتواصل النفسي, وانطباعات متنوعة. وبمقدور الزوجين أن يرفع أحدهما من شأن الآخر أو يفعلا عكس ذلك, لذا فإن المساعدة على إزالة عيوبهما ونقائصهما تتوقف على مستوى ذكاء كل منهما وعلى المودة التي يكنها أحدهما للآخر, ويشير العاملون في حقل علم الاجتماع إلى أن الاحترام المتبادل للكرامة الإنسانية يولد المساواة, فعندما يسود الاحترام والتكافؤ جو الأسرة, يكف الرجل عن التصرف كالسيد المطلق ذي السلطة والصلاحيات التي لا تناقش ولا تعارض, ولا تبقى المرأة عبدة مغلوبة على أمرها, أما الأُسر التي تسيطر فيها علاقات الأنانية والاستبداد, حيث لا احترام متبادلا ولا مساواة ولا محبة, كل ذلك يعتبر الأرضية الخصبة لنشوء أشكال مختلفة من الصراع والخلافات. وبهدف تجنب ذلك يترتب على الزوجين أن يعرف كل منهما الآخر بشكل جيد, سمات وطبع كل منهما ومزاجه, وأن يدرك كل منهما أنه شخصية متميزة تختلف عن شخصية الآخر بسماتها ومقوماتها وخلفيتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية, عند ذلك يمكن نزع فتيل الأزمات التي يمكن أن تعصف بكيان الأسرة وتماسكها.

ففي دراسة شملت مائة من الزوجات بمناسبة اليوبيل الفضي لزواجهن, تم توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بأفضل الطرق والاستراتيجيات التي تقوي العلاقات الأسروية وتمتنها, فكانت النتائج أن 75% منهن أشرن إلى أن ما يسلح بنيان الأسرة هو الآتي:
ـ الاستعداد لمساعدة كل منهما الآخر.
ـ العفو السريع.
ـ توافر سمات مثل النزعة العملية, الاقتصاد المنزلي,....
- أن يضع كل من الزوجين نفسه مكان الآخر ويحاول أن يغوص في عالمه الخاص ويساعده على فهم ما هو جوهري وأساسي, فقد لا يتمكن أحدهما من رؤية تفاصيل الحياة من منظوره الشخصي.
- عدم الاختلاف بسبب أمور صغيرة, وعدم السماح بظهور صعوبات وتعقيدات تولد الصراع, والعمل قدر المستطاع على الإيقاف الآني للخلاف كي لا يتطور متخذًا منحى أشد خطورة, فالإنسان الذكي هو الذي يعمل جاهدًا على وقف الخلاف واجتثاث جذوره.
- اتباع سياسة أسرية تتصف بالمرونة والدبلوماسية عن طريق تنشيط المشاركة في المسئوليات الأسرية. إن المحافظة على توازن الأسرة وتقوية دعائمها هي مسئولية جميع أفرادها, فلو واجهت الزوجة - على سبيل المثال - صعوبة ما سببت لها الإنهاك في الوقت الذي يقف فيه باقي أفراد الأسرة موقف المتفرج يعطون الإرشادات والنصائح التي تؤزم الموقف, وتمهّد لظهور الجفاء والفتور بين الزوجين, فإن هذا يترك أثرًا سلبيًا عسير الزوال.
- أن يرفع الزوجان دائمًا شعار (لا فظاظة ولا خشونة), وليعلم الزوجان أن لاشيء يحطم سعادتهما مثل الجلافة والقسوة. إن الحب الكبير والحنان والملاطفة والرقة والثقافة الجنسية والمعاملة الراقية مهمة جدًا لبناء علاقات أسرية سليمة.
- ضرورة الاتفاق على استراتيجيات وأساليب تربوية واحدة بالنسبة لتربية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة, مثل عدم تقديم التعزيز الإيجابي (حلوى, نقود...) بعد عقاب الطفل من قبل أحد الوالدين.
 

الأسرة العصرية

لقد تعقدت الحياة العصرية نتيجة للتطور التقني والتفجّر المعرفي الهائل وثورة المعلوماتية المدهشة, الأمر الذي جعل العالم قرية صغيرة وجعل حياتنا مليئة بالاضطرابات النفسية وأشكال القلق المختلفة, كل ذلك يلقي على كاهل الأسرة أعباء ومسئوليات جساما لتخفيف وطأة الظروف القاسية عن أفرادها, مما يجعلها ملاذاً روحيًا يلجأ إليه هربًا من صعوبة الحياة العصرية وتعقيداتها. إذ يلعب التواصل الأسري والتفاهم بين الزوجين دورًا حيويًا في تحفيز قدرات الإنسان على العمل وجعلها أكثر فعالية, ويخلق مقدمات ضرورية لحياة الإنسان الروحية, ويحدد روح الأسرة وأسلوبها والأدبيات المتبعة في التنشئة الاجتماعية للأطفال والمراهقين, كما يحمل في طياته السرور والسعادة, أو على العكس تمامًا يؤدي إلى إثارة الأحقاد والضغائن.

وقد اعتمدت بعض الدول العربية أسلوبا اجتماعيا أبويا حين وفرت للمواطن حاجاته الأساسية بأثمان مدعومة، ما ساهم في إيجاد ذهنية التكاسل والتقاعس عن العمل الجدي، فظهرت تقاليد استهلاكية واسعة دون أن يقابلها مجهود في الإنتاج. وأدى هذا بدوره إلى خلل في المجتمعات العربية وعجزها عن تلبية حاجاتها الأساسية المتزايدة من غذاء ولباس وسكن وأمن وغير ذلك، ما فتح الباب على مصراعيه للآفات الاجتماعية. وهذا الوضع المالي انعكس على المستوى الاقتصادي للأسرة العربية بشكل عام وجعلها تلاحق سرعة التقدم والتدفق التقني في السوق الاستهلاكية. ومع توافر السيولة لدى الأسرة العربية، تغير نمط استهلاكها، كما انعكس ذلك على قبالها على شراء السلع المعمرة الاستهلاكية.. أدوات المطبخ، أجهزة التليفزيون، أجهزة الراديو والمسجلات والفيديو والكمبيوتر والتصوير إلى آخر ما نجده في ذلك المكان من هذا البيت أو ذاك.
ولا يمكننا القول بأن الأسرة العربية الخليجية هي الوحيدة التي شهدت هذا الغزو أو عاصرته أو وقعت تحت تأثيره، بل تؤكد الحقائق والشواهد أن الأمر قد تجاوز هذه الأسرة وامتد إلى الأسرة البعيدة عن منابع النفط. لقد تأثرت ملايين الأسر العربية من هذه الغزوات. حدث ذلك كنتيجة لتجاوز السيولة النفطية حدود أقطار المنابع وصولا إلى تلك الأسر التي كون عائلوها من خلال الهجرة للعمل، أوسع سوق عربية نشأت في المنطقة العربية، منذ وجود هذه المنطقة.
ويمكن القول إن البيت العربي تأثر بتلك الغزوات بدرجات متفاوتة. تتحدد الدرجة بالبعد أو القرب من منابع النفط، كذلك بطول مدة المكوث حول المنابع. ثم تأثر البيت العربي بنوع التقنية حسب موقعه الاجتماعي والاقتصادي. فكلما تحقق دنو الأسرة من أقطار منابع النفط، وكلما استمرت الإقامة مدة طويلة، وكلما ارتفع دخل الأسرة.. زاد امتلاكها للأدوات وللأجهزة الحديثة من كل نوع ومن كل حجم.
 

حقائق مهمة

إن العجز عن التواصل بين الأهل والأطفال يعتبر إحدى الحقائق المريرة في هذا العصر المعقد. لقد أحصى علماء الاجتماع مدة التواصل بين الأطفال والأبوين, فكانت حوالي 15 دقيقة كل يوم, فكيف يمكن أن نوفر الوقت الكافي للتواصل بأطفالنا وخصوصًا بالنسبة للأسر العاملة? إن المخرج الوحيد لهذه المشكلة هو استخدام يومي عطلة يخصصان بأكملهما للأطفال (القيام برحلات, الذهاب إلى مسرح الأطفال, زيارة المعارض الفنية وحدائق الحيوان...).

ومع خروج المرأة للعمل وبعد ان وضعت قدميها على اول الطريق لكي تكون جنباً الى جنب بجوار الرجل تشاركه مواجهة الصعوبات الاقتصادية والمادية وتقاسمه المهنة، هنا نجد ان هزة عنيفة قد اصابت الثابت الذي يحكم علاقة الرجل بالمرأة بشكل عام، وبالتالي علاقة الازواج ببعضهم البعض، غير ان هذه الهزة تبدو منطقية لحداثة عهدنا بهذه الامور التي بدأت تقريباً مع النصف الاخير من القرن الماضي، اذ لا يزال بيننا من يرفض عمل الزوجة ومن يفرض الوصاية على تحركاتها خوفاً على كرامته او رجولته.

إن التصدي لواقع المرأة العربية من أجل تطويره، يستلزم التصدي لواقع المجتمع العربي وقدراته على التطور، فهناك علاقة جدلية تربط بين المرأة العربية ومجتمعها تأثراً وتأثيراً، ومن ثم تعتبر معرفة آليات التغير والتغيير في المجتمع ودور المرأة في هذه العملية، شرطاً أولياً للوصول إلى ما تهدف إليه من تطوير وتحرير للمرأة والمجتمع.

ويعتبر الدكتور باقر النجار أن متغير دخول المرأة للعمل أحد الأسباب كذلك في تلك ‏‏التغيرات التي أصابت وتصيب الأسرة الخليجية حيث ارتفعت وبشكل كبير مساهمة المرأة ‏‏في سوق العمل في الخليج منذ السبعينات حتى الآن .‏ وقال إن " خروج المرأة للعمل مهما كانت مجالاته وأسبابه إضافة إلى تلك التغيرات ‏‏البنيوية التي أصابت وتصيب الأسرة الخليجية سيؤدي إلى تكون وعي لدى المرأة بدورها ‏‏ومكانتها في المجتمع مما سيدفع نحو تكوين أطر تنظيمية نسوية تؤطر العمل المطالب ‏‏للمرأة بحقوقها السياسية والاجتماعية".
قيم جديدة

كان للتغيرات التي طرأت على وضع المرأة العربية في الحقبة النفطية أثر كبير في التحولات الأسرية على غير صعيد. وقد شملت هذه التغيرات البناء المادي/ الاقتصادي لحياتها، كما شملت أيضاً تغير الكثير من القيم الاجتماعية التي تمثل موجهات للأشخاص نحو غايات أو وسائل لتحقيقها أو أنماط سلوكية يختارها ويفضلها هؤلاء الأشخاص بديلاً لغيرها. وتنشأ هذه الموجهات عن تفاعل بين الشخصية والواقع الاجتماعي الاقتصادي والثقافي.
وتكشف مثل هذه القيم عن نفسها في المواقف والاتجاهات والسلوك اللفظي والفعلي والعواطف التي يكونها الأفراد نحو موضوعات معينة، ونحو الآخرين ونحو أنفسهم، وتسوغ مواقعهم وتحديد هويتهم ومعنى وجودهم، وفي جميع الحالات تشكل القيمة مقياساً يوجه سلوكنا فنعتمده على عمليات إصدار الأحكام والمقارنة والتقويم والتسويغ والاختيار بين البدائل في المناهج والوسائل والغايات.

وحيث جرت تحولات كبيرة اقتصادية واجتماعية في مجتمعاتنا العربية عموما، وفي المجتمعات الخليجية خصوصا، فقد برزت قيم جديدة تسعى للحاق بركب القيم السائدة في السوق، حيث تشدد القيم الاجتماعية البرجوازية المرتبطة بالتكوين الرأسمالي السلعي على التحديث واقتباس التقنية والاستهلاك الترفي، وتتمسك بمفهوم خاص بالحرية لا يتعلق بتحرر العقل والنفس، بقدر ما يعني عدم تدخل السلطة في شؤونهم، انطلاقاً من مقولة الاقتصاد الحر الذي يؤمن للأغنياء والأقوياء أن يصبحوا أكثر قوة وثراء، ويجعل الضعفاء والفقراء أقل قدرة على المنافسة وتنمية إمكاناتهم، وبالتالي أكثر ضعفاً وفقراً. ويترسخ عند هذه الطبقات قيمة الملكية الخاصة التي يجب أن يكرس المجتمع لحمايتها. وفي مقابل ذلك تستمد الطبقات الفقيرة من الدين عزاء خاصاً، فتتعلم منه الصبر والإيمان والطاعة والامتثال الخارجي، الأمر الذي يساعد على التعايش مع القوى الخارجية التي تهددها باستمرار، فتصبح حياتها انشغالاً دائماً بسر حاجاتها اليومية الأساسية.
وتشغل القيم الاجتماعية مكانها كجزء من البناء الفوقي في التكوين الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع وترتبط ارتباطاً جدلياً بالبناء الأساسي الذي تحدده علاقات الإنتاج في مرحلة تاريخية معينة. وقد تتمتع منظومة القيم بقدر من الاستقلال النسبي فلا يتم التغير فيها في الوقت نفسه مع التغيير في الأساس المادي، وهي تؤثر بدورها في مدى سرعة تغير هذا الأساس واتجاهه. ومن هنا يتضح لنا منطق العلاقة بين التغير في منظومة القيم الاجتماعية، والحقبة النفطية، التي كان لها تأثير كبير في التكوين الاجتماعي الاقتصادي للوطن العربي كله.

لقد أحدثت هذه الحقبة تحولات نوعية اقتصادية واجتماعية وسياسية في الأقطار العربية النفطية وغير النفطية، وأصبحت الطفرة في عائدات النفط عاملاً حاسماً في تشكيل هيكل الاقتصاد العربي وعلاقاته الاقتصادية في الداخل والخارج، وأصبح النفط ضابطاً لأنماط التنمية داخل الوطن العربي كله، فقد انتقل جزء من الموارد المالية النفطية الهائلة إلى البلدان العربية غير النفطية عن طريق حركات العمالة ورأس المال. كما أحدثت الطفرة تغيرات اقتصادية واجتماعية سريعة وواسعة النطاق في الوطن العربي كله.

كان لظهور النفط العربي ودوره في تبني سياسات تنموية تابعة للنموذج الغربي الرأسمالي وسياسات الانفتاح الاقتصادي، أثر كبير في أوضاع الأسرة العربية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وكان لوقوع الاقتصاد العربي في أسر قانون الاقتصاد السلعي دور كبير في خلق منظومة القيم السلعية التي تحكم وتنظم وتقوم وتبرر العلاقات الاجتماعية السلعية السائدة فيه.

وتعاني بلدان الخليج، وبعض الدول العربية بدرجة أقل، من طغيان العمالة الآسيوية في الأعمال المنزلية وتربية النشء، وذلك في كثير من الأحيان ليس من موقف نحو مشاركة المرأة في العمل المدفوع الأجر فقط، وإنما أيضاً نحو أي جهد يمكن أن تبذله في المنزل أو في تنشئة أطفالها، وإلقاء هذا العبء على مربيات أجنبيات.

ولا يمكننا أن نتجاهل في هذا المجال تأثير العمالة الآسيوية الوافدة، التي ارتفعت معدلاتها عن معدلات العمالة العربية الوافدة، في القيم الاجتماعية والثقافية والتوجه القومي لهذه المجتمعات، حيث إنها تنتمي إلى ثقافات مختلفة تماماً عن الثقافة العربية. وتظهر خطورة ذلك بشكل أوضح بالنسبة إلى تنشئة الأطفال، الأمر الذي يسمح بالتأثير في الصفات الشخصية والتكوين النفسي والثقافي للأجيال المقبلة، ويدعم هذا التأثير انتشار الأفلام الهندية والباكستانية في تلفزيون وسينما الخليج.

ورغم أن الاحتكاك الاجتماعي بين العمالة المهاجرة إلى بلدان النفط والسكان المحليين محدود، إلا أن ذلك لا يعني أن العمالة المهاجرة لا تؤثر في القيم الاجتماعية في البلدان النفطية. فمن المؤكد أن كل البلدان النفطية تتعرض لدرجة من النقل الحضاري، أي لإدخال أنماط سلوكية وعادات وتقاليد عن طريق الوافدين. وتتوقف أبعاد هذه العملية وآثارها على مدى التعددية السكانية ومدى تجانس تكوين مجتمع الوافدين ودرجة اختلاط المواطنين مع الوافدين.

الطلاق وآثاره

ونتوقف عند قضية خطيرة تهدد الأسرة العربية هي مشكلة الطلاق. حيث يرى الأستاذ الدكتور خلاف الشاذلي ، رئيس قسم الاجتماع في آداب المنيا خطورة ازدياد حالات الطلاق التي تهدد استقرار الأسرة العربية، وقد أشار إلى أن من أسباب انتشار ظاهرة الطلاق اختفاء كبير العائلة الذي كان يحكم العائلة بقانون القيم والعادات المتوارثة وكان أفراد العائلة ملتزمون بالوصاية والقرارات الصادرة منه، فكبير العائلة كما يرى الدكتور الشاذلي هو الرجل المعروف لدى العائلات التي بينها صلة رحم ويتم استشارته في أي قرار وتوصياته تكون ملزمة.. فهو يحل النزاع قبل وصوله الى بيت العدالة " المحكمة " ويتدخل للاصلاح ومنع الطلاق .

ومع دخول قيم وافدة إلى العادات العربية وعدم دعمنا لعوامل المناعة للقيم التي عاش عليها الشرق سنوات طويلة يرى الدكتور الشاذلي أننا أصبحنا نفرط في الأسرة لأتفه الأسباب ولم نعد ننظر للزواج على أنه استقرار وسكينة بهدف اخراج أبناء صالحين لبناء المجتمع .. ومع أول خلاف بسيط بين الأزواج نجد النقاش يتطور ويصل الى فصل الطلاق.

وقد لعبت البرامج والأعمال الدرامية التى تبثها الفضائيات العربية دورا في إيجاد حلول خاطئة لمشاكل الأسرة العربية. فأي خلاف بين الزوجين يتبعه الطلاق بكل بساطة، ولم يفكر المخرج أو كاتب العمل أن هناك من يريد أنيحاكى التلفاز وأنه يعتقد أن ما يشاهده هو واقع فعلي يعيشه المجتمع. والزوجة تتأثر بما تشاهده في المحطات الفضائية ولدى المخرجين وكتاب السيناريو الذين أوجدوا حلولا سريعة لمعاناة المرأة فكتبوا النهاية و الدمار للأسرة العربية مع تجاهل لطبيعة البيئة العربية التي لم تعتد على تقبل المرأة المطلقة داخل المجتمع، فأسرتها أحيانا تضيق بطلاقها. بالإضافة إلى نظرة المجتمع لها والتي تفرض عليها معاناة كبيرة بعد التسرع بقرار الطلاق. فالطلاق يجعلنا نفرز للمجتمع أفراداً غير أسوياء منهم المريض ومنهم من يعيش ورغبة الانتقام تملأ قلبه لأنه في سن معينة كان يود أن يشعر بحنان والده وعطف الأم فوجد نفسه أسيراً لتركيبة أسرية مختلة الموازين تفتقد لما يتمتع به أقرانه في أسرهم المكتملة الأطراف.
 

دور الفضائيات

كما تلعب الفضائيات دورا كبيرا في تشكيل ثقافة ووعي البشر، فقد أظهرت دراسة أعدها الدكتور ياس خضير البياتي، من كلية المعلومات والإعلام والعلاقات العامة في جامعة عجمان أن وسائل الإعلام العربية "شاركت بدور أساسي في تعميق الغزو الإعلامي الأجنبي، من خلال مدة ساعات البث المخصصة للمواد الأجنبية، وبروز ظاهرة البرامج الواقعية، أو ما يسمى (تلفزيون الواقع)، دون أن تأخذ بنظر الاعتبار قيم المجتمع العربي وتقاليده وأنماطه الاجتماعية".

من جهة أخرى، لاحظت الدراسة التي حملت اسم "الغزو الإعلامي والانحراف الاجتماعي: دراسة تحليلية لبرامج الفضائيات العربية" أن القاسم المشترك لبرامج القنوات الفضائية العربية هو المادة الترفيهية، وأفلام الجريمة والعنف والرعب والجنس، "أي أن ثقافة الصورة تطغى عليها أكثر"، مسببة "ظاهرة سلبية تتمثل بالاغتراب، والقلق، وإثارة الغريزة، والفردية، والعدوانية، ودافعية الانحراف، وسلطة المال والنساء، وحب الاستهلاك، والأنانية، والتمرد".

وأشار مُعِدّ الدراسة إلى أن هذه المفردات تؤثر على "إدراك الشباب وسلوكهم ومعارفهم، بحيث تتحول من صورة ذهنية إلى نشاط عملي، عن طريق المحاكاة والتقليد وعمليات التطويع الاجتماعي".

وحول المشكلات الاجتماعية المتوقع أن تنشأ بسبب تلك البرامج حذرت الدراسة من أنه "من المحتمل أن تخلق برامج الفضائيات العربية الاضطراب الاجتماعي، وعدم الاستقرار في العلاقات العامة الاجتماعية، وتنمية الفردية والروح الاستهلاكية، والهروب من التصدي لواقع الحياة، والاستسلام له، وتوطين العجز في النفوس، وإضعاف الروابط الأسرية وقيمها، وتعميق المشاعر الذاتية أكثر من الالتزام الجماعي، والانبهار بالموديل الأجنبي، على حساب الهوية الثقافية، وكذلك تراجع الانتماء، وازدياد اليأس والإحباط". كما أشارت الدراسة "إلى ضرورة الانتباه إلى هذه الظاهرة، على أنها قد تحمل توجهات سياسية وفكرية ملغومة، تريد تدمير الواقع العربي، وثقافة المجتمع وقيمه".

وأثارت الدراسة تساؤلات حول شيوع هذه الظاهرة الإعلامية في الحياة العربية وتوقيتها، ووجدت أن العامل الأساسي "هو التسابق غير المشروع، على جذب الشباب، لأسباب تجارية مادية، ودخول المال العربي، بشكل سلبي، إلى الإنتاج الإعلامي والفني، دون اعتبارات للواقع الاجتماعي"، مشيرة إلى أن الاستثمار في هذا المجال أصبح يأخذ مداه السلبي في تعميق ثقافة الإثارة.

واقترحت الدراسة وضع خطة إعلامية عربية لمواجهة هذه الظاهرة، موضحة أن المواجهة لا بد أن تستند على "خطة تتعلق بالطرق والوسائل الكفيلة للتقليل من طوفان المادة الإعلامية الأجنبية، في التلفزيون العربي، ومحاولة منع ظاهرة البرامج الواقعية التي لا ترتبط بقيم المجتمع وثقافته، مع أهمية تحصين الشباب سياسيا واجتماعيا وثقافيا وتربويا، وتعميق وعيه بمضامين الغزو وسلبياته، وتطوير وسائل إعلامه الوطنية ومضامينه، وإعطاء الشباب الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم وتطلعاتهم، في وسائل الإعلام، وإشراكهم في صنع القرار الإعلامي، ومشاركتهم في إنتاج برامجهم صناعة وكتابة وتنفيذا". كما أكدت على ضرورة "اللجوء إلى التراث العربي الإسلامي باعتباره مصدرا ثريا لمواجهة تحديات وإفرازات العولمة، وعاملا مساعدا لتشكيل تجانس ذهني وروحي بين شباب الأمة".

وحول ظاهرة الفيديو كليب وتأثيراتها يرى د. عبد الوهاب المسيري "إن الفيديو كليب يختزل الأنثى‏ (والإنسان ككل‏)‏ إلى بعد واحد هو جسده‏،‏ فيصبح الجسد هو المصدر الوحيد لهويته‏،‏ وهي هوية ذات بعد واحد لا أبعاد لها ولا تنوع فيها‏ (ومن هنا التكرار المميت في الفيديو كليب‏)..‏ ويمكننا أن نضع الفيديو كليب في سياق أوسع‏،‏ وهو سياق العولمة، فجوهر العولمة هو عملية تنميط العالم بحيث يصبح العالم بأسره وحدات متشابهة‏،‏ هي في جوهرها وحدات اقتصادية تم ترشيدها‏،‏ أي إخضاعها لقوانين مادية عامة‏‏ مثل قوانين العرض والطلب، والإنسان الذي يتحرك في هذه الوحدات هو إنسان اقتصادي جسماني لا يتسم بأي خصوصية‏،‏ ليس له انتماء واضح‏،‏ ذاكرته التاريخية قد تم محوها‏،‏ وإلا لما أمكن فتح الحدود بحيث تتحرك السلع ورأس المال بلا حدود أو سدود أو قيود‏.‏ فالخصوصيات الثقافية والأخلاقية تعوق مثل هذا الانفتاح العالمي‏،‏ وفي غياب الانتماء والهوية والمنظومات القيمية والمرجعيات الأخلاقية والدينية تتساوى الأمور‏،‏ ويصبح من الصعب التمييز بين الجميل والقبيح‏،‏ وبين الخير والشر‏،‏ وبين العدل والظلم‏،‏ وتسود النسبية المطلقة‏،‏ وأهم تعبير أيديولوجي عن العولمة هو فلسفة ما بعد الحداثة التي يطلق عليها أيضا ‏anti-foundationalism‏ والتي يمكن ترجمتها حرفيا بعبارة (ضد الأساس) والتي يمكن ترجمتها.. أن الإنسان لن يقدس شيئا حتى ولا نفسه‏،‏ فهي ليست معادية للدين والأخلاق وحسب‏،‏ بل معادية للإنسان ذاته‏".

وهكذا نجد أن القنوات الفضائية التي تذيع الفيديو كليبات تصل إلى منازلنا وأحلامنا‏،‏ وتعيد صياغة رؤانا وصورتنا للآخرين ولأنفسنا‏،‏ ودافعها الوحيد هو الربح المادي‏،‏ وليس الاستنارة أو تعميق إدراك الناس لما حولهم‏،‏ فهي مشاريع رأسمالية طفيلية تبحث عن الربح الذي أدى إلى التنافس بين المخرجين والمغنين والممولين والذي لم تكن نتيجته الارتقاء بالمستوى الفني والجمالي‏،‏ وإنما المزيد من الإسفاف والاغتراب والعري الذي سيتزايد حتما مع الأيام‏.

أطفالنا في مهب الفضائيات:

وقد أسهمت برامج الأطفال في القنوات الفضائية في إفساد ذوقهم العام من خلال ما تقدمه تلك من إعلانات غير ملائمة وأفلام كارتون تحضّ على الجريمة كالسرقة والكذب والاستهتار بالقيم. هذه هي حقيقة أكدتها دراسة حديثة قام بها خبراء بالمجلس العربي للطفولة والتنمية على شريحة من الأطفال في المنطقة نوّهت تلك الدراسة إلى أهمية الدور الذي يلعبه التلفزيون في تثقيف وتوسيع مدارك الطفل من خلال نقل المعارف والخبرات عبر البرامج الهادفة المختلفة، لكن هناك العديد من السلبيات التي تؤثر على الناحية التربوية للطفل، منها زيادة نوعية البرامج التي تحتوي على مشاهد العنف.
كما أشارت الدراسة إلى أن القنوات الفضائية بسيطرتها وهيمنتها على قطاع كبير من المشاهدين جعلتهم بمرور الوقت أشبه بالأسرى، مما أضعف التواصل والعلاقات الأسرية خاصة بين الأطفال وآبائهم. واعتبرت الدراسة أن التنشئة التلفزيونية أثرت على الأطفال وحوّلتهم من نشطاء مندفعين راغبين في فهم الأشياء والشروع في العمل، إلى أطفال أكثر حذراً وسلبية لا يريدون التقدم واكتشاف ما حولهم.
واستشهد الخبراء في بحثهم بالعديد من الدراسات التربوية التي أجريت في العقد الأخير والتي كشفت عن وجود علاقة بين مشاهدة التلفزيون والتحصيل الدراسي، وأنه كلما زادت مشاهدة الأطفال للتلفزيون انخفض تحصيلهم الدراسي. كما أشارت الدراسة إلى أن هناك دلائل تشير إلى أن مشاهدة التلفزيون لا تؤدي إلى تقليل وقت اللعب عند الأطفال فحسب، بل إنها أثرت في طبيعة لعب الأطفال، خاصة اللعب في المنـزل أو المدرسة.
وأكدت أنه على الرغم من دور التلفزيون في النمو الاجتماعي والثقافي للطفل فإنه قد يؤدي إلى نتيجة عكسية، ويجعل الطفل شخصية ضعيفة منفصلة عن مجتمعها إذا ما ركّز على عرض قيم وثقافات أخرى، كأفلام الكارتون المدبلجة، تؤثر على ذاتية الطفل الاجتماعية والثقافية.
وأوضحت الدراسة أن القنوات الفضائية أصبحت تشكل مدرسة موازية في نقل المعارف والعلوم، وأن عامل التكرار في ما تقدمه من برامج ليست هادفة تؤدي إلى تهميش ثقافة الطفل. وأوصت الدراسة بأهمية بحث القائمين عن الإعلام العربي خاصة قنوات التلفزيون سواء الأرضية أم الفضائية عن برامج جذابة ومشوقة وهادفة قادرة على تحفيز الأطفال على المشاركة في أنشطة المجتمع وإتاحة الحرية لهم للتعبير عن أفكارهم وتنمية قدراتهم على النقد وتشجيعهم على المناقشة والتواصل مع آبائهم.

وتشير الدكتورة سوسن عثمان عبد اللطيف عميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية في مصر إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورا خطيرا في فتور العلاقات الاجتماعية وغزو القيم الغريبة لمجتمعاتنا، وإيجاد ثورة تطلعات لدى الزوجات للثورة على الأزواج من أجل الحصول على تلك السلع التي لا يملكون ثمنها مما يؤدى إلى المزيد من المشكلات والتفكك الأسرى وأحيانا الجريمة، كما أن الإعلام له دور في ظهور الانحرافات لدى الأبناء، فأفلام العنف والجنس تدفع الشباب خاصة المراهقين للانحراف وارتكاب الجرائم بسبب ميل هؤلاء المراهقين لتقليد ما يرونه على الشاشة وتنفيذه على أرض الواقع.

ومن المشكلات التي يعاني منها مجمعنا مشكلة العنف الأسري، حيث تشكِّل المرأةُ، كما يرى بعض الباحثين، ساحةً عظمى لممارسة ثقافة العنف. إنها ملكية جماعية للعشيرة والقرية والأسرة والزوج والأب والابن، وربما للعمِّ والخال. جسدها ليس ملكًا لها، وليس لها أن تناقش أو تختار أو تحلِّل. وقد أثبتت الدراسات أن الأمم التي تربِّي أطفالها على العنف، ولو لجيل واحد، بحجة البناء أو بذريعة الدفاع ضدَّ العدوان، لا تستطيع، فيما بعد، تلافي توريث هذا العنف للأجيال اللاحقة إلا بجهود شاقة وكبيرة. وهكذا، وكما يجري تقسيم للعمل على أساس الجنس في المجتمع الذكوري، يجري توزيع للأدوار في ممارسة العنف. وتشكِّل الزوجات 76.6% من حالات العنف الواقع على المرأة، في حين يشكل الأبناء 28.6 % من حالات الاعتداء الأسري.

ويتركز العنف، أول ما يتركز، في الأسرة وفي التربية. فالأم الجاهلة بأوليات التربية، المقهورة أصلاً بالعنف التاريخي الواقع عليها منذ الولادة، لن تستطيع أن تكون إلا حاضنة لثقافة العنف. إنها تشترك مع الأب في نقل نظرة خرافية إلى العالم لأولادها. فالوالدان – والأقرباء عمومًا – لا يجيبون عن أسئلة الطفل، بل يُغرقونه في التخويف والكذب؛ يكذبون عليه حتى لا يشرحوا له أو يغطوا جهلهم. إنهم يخيفونه، ولا يتورعون عن تهديده بالنار والحساب، ليبثوا أعنف المخاوف البدائية لردعه حتى عن أكل فتات خبز وَقَعَ على الأرض! – عنف ثقافي لن يجد الطفل–الرجل مخرجًا منه إلا بعنف مقابل. فبين قدسية الأبوة وحرمة الأمومة يسقط الطفل – باسم "الطاعة" – مهشَّمًا تحت وابل الأوامر والنواهى، فينشأ لديه نظامٌ لمفاهيم الحياة قائمٌ على التسلُّط والعنف والاعتباط..

ويرى علماء الاجتماع والنفس أن المرأة تعود، في مثل هذه الحالات، لتردَّ هذا العنف هيمنةً عاطفيةً تعويضية من خلال أطفالها، تعويضًا عن غبن لَحِقَ بها باسم "الأمومة المتفانية"، فتغرس في نفوس الأطفال تبعية الحبِّ وحبَّ التبعية، وتطوِّقهم بعوالم الخرافات والغيبيات، فلا يكون لها إلا أطفال منفعلون، مستلَبون للخرافات، عُجَّز. فالأب، حصيلة خرافات أمِّه ومجتمعه وأكاذيبهما، يأتي ليكمل عمل الأمِّ، خوفًا وهيمنةً وتحريمًا: لا قانون، ولا عقل، ولا تجريد، ولا نقد، ولا شروط سليمة للنموِّ الصحي للعاطفة والعقل.

حالة من دبي

وفي غياب الحب والتفاهم، تظهر الانحرافات والمشاكل وتتصدع البيوت. ولتشخيص السمات العامة للبيوت المتصدعة نشير إلى الدراسات التي أجراها خبراء مركز البحوث والدراسات بشرطة دبي، حيث ترى الدراسات أن أهم هذه السمات هي انعدام أو ضعف الرقابة من الأب والأم مما يؤدي إلى ضعف الضبط الاجتماعي، إلى جانب البيوت التي يغيب عنها الأب أو الأم أو كلاهما. ويضيف هؤلاء الخبراء بان انحرافات الأبناء تعود في جزء كبير منها إلى غياب الأب حيث اللامبالاة الشديدة من رب الأسرة تجاه أسرته وغيابه معظم الأوقات خارج منزله وانشغاله بجمع المال لدرجة عدم معرفة أسماء المدارس التي يدرس بها أبناؤه أو الصفوف الدراسية التي وصلوا إليها أو التقديرات والدرجات التي يحصلون عليها، وتصدع البناء الأسرى حيث ترتفع نسبة الطلاق وتعدد الزوجات بين أسر الأطفال المنحرفين.

ويعد تصدع البناء الأسرى بدوره سببا رئيسيا لانحراف الأبناء حيث ترتفع نسبة الطلاق وتعدد الزوجات آلي جانب الانحراف من الداخل حيث تنعدم القدوة نتيجة إدمان الأب ، كذا تعليم الأحداث الأكبر سنا لا قاربهم الأصغر سنا استنشاق المواد المخدرة كالغراء والغازات المخدرة المتطايرة وتدخين السجاير وتبين إن معظم جرائم السرقات تتم بدافع المغامرة وتمثل انعكاسا للنزعة العدوانية والحرمان العاطفي وليس الحاجة المادية.

وتشير الدكتورة سوسن عثمان عبد اللطيف عميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية في مصر إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورا خطيرا في فتور العلاقات الاجتماعية وغزو القيم الغريبة لمجتمعاتنا، وإيجاد ثورة تطلعات لدى الزوجات للثورة على الأزواج من اجل الحصول على تلك السلع التي لا يملكون ثمنها مما يؤدى إلى المزيد من المشكلات والتفكك الأسرى وأحيانا الجريمة، كما أن الإعلام له دور في ظهور الانحرافات لدى الأبناء، فأفلام العنف والجنس تدفع الشباب خاصة المراهقين للانحراف وارتكاب الجرائم بسبب ميل هؤلاء المراهقين لتقليد ما يرونه على الشاشة وتنفيذه على ارض الواقع.

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/59371

الأكثر مشاركة في الفيس بوك