مفهوم الإرادة العامّة والتأسيس الأخلاقي والقانونيّ للحريّة والتسامح

أنس الطريقي

 

يعد مفهوما الحريّة والتسامح من أبرز المفاهيم الإشكاليّة التي يستمرّ تعلّق الفكر الإنسانيّ بها، لا سيما وهمايوضعان في قاعدة البناء الهرميّ للديمقراطيّة، منظورًا إليهما سقفًا أعلى للوجودين الفرديّ والجماعيّ.

إنّ إشكاليّة المفهومين نابعة من طبيعتهما المفهوميّة أوّلاً، أي من الخاصيّة الاختزاليّة للمفهوم بالضرورة، فهو حتمًا عمليّة تبسيط مقلّصة للإمكانات الدلاليّة التي يحيل إليها مرجعيًّا. وهي إشكاليّة تتضخّم تبعًا لتعلّقها المزدوج بوصف مسألة معنويّة ذهنيّة ومجرّدة، أوّلاً، ولارتباطها بالإنسان ثانيًا. إنّ نتيجة الواجهة الذهنيّة المجرّدة الأولى أنّ المفهومين يبقيان مائعين قابلين لجميع احتمالات التعريف التي يوصل إليها النظر العقليّ ذو القوالب المنطقيّة المتعدّدة[1].

فأمّا نتيجة الواجهة الثانية فهي تزيد على الأولى في توزّع الوجود الفرديّ بين الفرديّة والجماعيّة، وذلك من جرّاء الطبع المدني في الإنسان. ويتولّد من الواجهتين أنّ مفهومي الحريّة والتسامح يمكن تعريفهما من زوايا عديدة متنوّعة إلى درجة التشعّب، والتداخل، والتعارض[2]. فبهذه الصورة يعرّفان التعريف النفسيّ، والأخلاقيّ، والاجتماعيّ، والسياسيّ. بل تتفرّع عن تعريفات الحريّة في مجال التنظير الفلسفيّ تصنيفات للحريّة إلى ما يسمّى حريّة ميتافيزيقيّة، وحريّة الحكيم (الرواقيّ، السبي نوزي)، وحريّة الحكم أو الاختيار (libre arbitre)، وحريّة اللاّمبالاة (liberté d’indifférence).

من الممكن أن تفرغ هذه الوجوه الإشكاليّة في الواقع ثلاث إشكاليّات كبرى لهذين المفهومين، وهي؛ زئبقيّة هذين المفهومين، وتعارضهما الداخليّ، ومشكلة تأسيسهما. هذا على المستوى النظريّ، أمّا على المستوى العمليّ الاجتماعيّ السياسيّ المقترن بفلسفة الفعل، فتؤول هذه الإشكاليّات الثلاث إلى واحدة رئيسيّة هي إشكاليّة التأسيس. وتتلخّص في سؤال مؤدّاه: كيف نؤسّس الحريّة والتسامح ونحن نأخذ بعين الاعتبار الطبعين الفردي والجماعي للوجود الإنسانيّ؟

إنّ الترابط بين التسامح والحريّة حسب تعريفاتهما المعروضة على درجة من التشعّب تسمح بالقول بأنّ تأسيس الأوّل مرتبط بتأسيس الثاني، تمامًا كما تسمح بقلب هذا الترتيب، حتّى لتجوز التسوية بين القول بأنّه "تسامح صعب" لـ "حريّة صعبة" والقول بعكس هذا الترتيب[3].

التأسيسين الأخلاقيّ والقانونيّ للتسامح والحريّة وارتباطهما بمفهوم الإرادة العامّة:

 

إنّ الإجابة عن هذا السؤال الذي يتعلّق في النهاية بضبط نوعيّة المعايير التي تحدّد حدود الحريّة، وتعيّن الفوارق بين ما يمكن التسامح معه وما لا يمكن فيه ذلك، تتطلّب تفعيل نوعين من العقلانيّة: أولاهما عقلانيّة أخلاقيّة قيميّة تأمّليّة، وثانيتهما عقلانيّة اجتماعيّة حسب الأهداف. تتمثّل الأولى في مجموع القيم الأخلاقيّة أو الدينيّة أو الثقافيّة التي يشكّل استبطانها الفرديّ والجماعيّ إسمنت مجموعة ثقافيّة ما. وتتمثّل الثانية في الأهداف التي تحرّك هذه المجموعة وتعيّن آفاق مشروعها الجماعيّ، كالمنفعة العامّة، أو السلم الاجتماعيّ، أو الحريّة، أو المساواة، أو الاستجابة لمبادئ إسكاتولوجيّة ما[4].

يمكن الحديث، حسب هذه الشروط، في الفكر الإنسانيّ عن نظريّتين تأسيسيّتين للتسامح والحريّة، أولاهما مؤسّسيّة أو قانونيّة، تعد القاعدة القانونيّة السياج المطر لمجال الحريّة، والفيصل بين ما يمكن التسامح معه وما لا يمكن فيه ذلك.

وينطلق هذا التصوّر الذي يمثّله الأمبير قيون وعلى رأسهم جون لوك (ت 1704م) من عمليّة تقليص للحريّة تربطها بالقدرة على الفعل، تسمّى بالحريّة الفيزيائيّة أو الماديّة. ويعتمد على تفسير سببيّ للبنية القصديّة للفعل، تفسّره بمنوال سببيّ يربط بين الدافع، والنيّة، ومنطق الفعل، وتخيرات الفاعل، وذلك بصرف النظر عن حريّة الإرادة. ويبني لوك على أساس هذا التصوّر نظريّته في المسؤوليّة والجزاء والعقاب[5].

لكنّ هذا التصوّر الاختزاليّ للحريّة غير مقنع، إذ لا يمكن إهمال حريّة الإرادة لتكوين نظريّة في المسؤوليّة. ورغم أنّ لوك يدخل في تعريفه للحريّة، إلى جانب الحريّة الماديّة الفيزيائيّة، حريّة الإنسان بوصفه كائنًا عقلانيًّا أي ذا عقل، ويعد الإنسان حرّاً لأنّه يملك سلطة الاختيار، وقدرة على التعريف الذاتيّ، تمكّنه من توجيه فعله وتنظيمه، فإنّ ممارسة السلطة الذاتيّة على القرار، والقدرة على التعريف الذاتي، لا تكفيان للقول بأنّ الإنسان حرّ. يكفي هنا أن نستحضر التحليل الأرسطيّ الكلاسيكيّ للإكراه الذي بيّن فيه أرسطو أنّ الأفعال المنجزة قد تخلو من أيّة إرادة، وإذن فهي ليست أفعالاً حرّة رغم أنّها توحي بذلك[6]. هذا التحليل الأرسطيّ رغم أخطائه هو ممّا ينسّب مفهوم المسؤوليّة الذي قرّره لوك على أساس تعريفه للحريّة[7].

ما الحلّ إذن لتأسيس الحريّة والتسامح؟

نتوقّع أنّه لا يكون إلاّ بتوفيق أعمق بين جميع الأبعاد التي يثيرها مفهوما الحريّة والتسامح، من الزاويتين الفرديّة والجماعيّة، وهي الأبعاد المتمثّلة في الوجود الإنسان الفردي والجماعي، والتأسيس النفسيّ الأخلاقيّ لهذا الوجود، وتأسيسه الجماعيّ والسياسيّ، ممّا قرّر سابقًا بصفة عامّة في التوفيق بين العقلانيّة الأخلاقيّة القيميّة والعقلانيّة الاجتماعيّة. وما نقصده بتوفيق أعمق هو أن يستفرغ هذا التوفيق كلّ معاني التسامح والحريّة في مستوى العقلانيّة الأولى، وهو ينقلها أو يترجمها بمعايير العقلانيّة الثانية.

إنّه في النهاية التأسيس الذي يجعل حريّة الإرادة في المستوى الأخلاقي تمثّل قاعدة أساسيّة للحريّة في مستواها السياسيّ. وعلى أساسه أيضا يكون تأسيس التسامح. هذا ما يظهر على الأقلّ بصفته مطلبًا أساسيًّا عند واحد من أبرز منظّري الحريّة ّفي القرن التاسع عشر الميلادي، نقصد الإنجليزي جون ستيوارت ميل (ت 1873 م). وهو يعرّف الحريّة التعريفين الأخلاقي والسياسي الاجتماعيّ، بحيث يمثّل تعريفها الاجتماعيّ السياسيّ تطبيقًاً اجتماعيًّا لمعناها الأخلاقيّ. يقول ميل في تعريف الحريّة أخلاقيًّا: "إنّ إحساسنا بقدرتنا على تغيير طبعنا، إذا أردنا ذلك التغيير، هو بالضبط الإحساس بالحريّة الأخلاقيّة الذي نعيه. يشعر الشخص أنّه حرّ أخلاقيًّا عندما يشعر أنّ عاداته ونزواته لا تتحكّم فيه، وإنّما هو الذي يهيمن عليها... وأنّه إذا رغب في قمع نزواته لا يلزمه من أجل ذلك قوّة رغبة أكبر ممّا يعرف أنّه قادر عليها"[8]. ويمدّ ميل هذا التعريف الأخلاقيّ ليصبح جزءًاً من تعريف الحريّة سياسيًّا، حين يقيّد هذا التعريف تحقّقها سياسيًّا، وحين يعتبر ميل أنّ لا معنى لهذه الحريّة الأخلاقيّة ما لم تتجسّد سياسيًّا في إخضاع السلوك لقواعد قانونيّة وعرفيّة أو قواعد الرأي العام[9].

ونصل إلى التأسيس الثاني للحريّة والتسامح في التاريخ الإنسانيّ، أي التأسيس الأخلاقي القانونيّ. ونعتقد أنّ أبرز عمليّة تأسيس للحريّة والتسامح تستجيب لهذين البعدين السابقين، هي التي أنجزها جون جاك روسّو(ت1778م) في سياق فلسفته العقديّة بمفهوم الإرادة العامّة، وواصلها جون راولس (ت2008م) في محاولته تعميم النظريّة العقديّة والارتفاع بها إلى أرفع درجة ممكنة من التجريد[10].

مفهوم الإرادة العامّة عند روسّو، والتأسيس الأخلاقي السياسيّ للحريّة والتسامح

 

لا يمكن فهم هذا الدور التأسيسيّ للحريّة ببعديه الأخلاقيّ والسياسيّ بمفهوم الإرادة العامّة الرّوسوي إلاّ بربطه بمركزيّة الحريّة في كامل فلسفته العقديّة. فالسؤال المركزيّ الذي انطلق منه روسّو هو كيفيّة الحفاظ على الحريّة الطبيعيّة للإنسان عند الانتقال به من الحالة الطبيعيّة الفرديّة إلى الحالة الاجتماعيّة السياسيّة[11]. ورغم أنّ روسّو لم يهتمّ بمفهوم التسامح، فإنّ هذا المفهوم مثّل هاجسًا مبدئيًّا في سؤاله الرئيسيّ حول الحريّة، فالإشكال الأساسيّ عنده هو التوفيق بين الحريّة الذاتيّة والحريّة الجماعيّة، أو في العثور على الإجابة المقنعة للسؤال: متى تبدأ حريّتي وتنتهي حريّة غيري؟ ولكنّه أيضا سؤال عن كيفيّة التوفيق بين الحرّيات الفرديّة، والقوى الفرديّة الكامنة في كلّ إنسان، فيما بينها، لمّا تنقلان إلى حالة الاجتماع البشريّ، فتتواجه الحريّات المتعارضة أصلاً بقواها، ولكنّها تتعايش، وهو ما لا يخرج عن معنى التسامح في النهاية[12].

وههنا يمثّل مفهوم الإرادة العامّة عند روسّو الجواب التأسيسي لهذا الإشكال التوفيقي بين الانّيّة والجماعيّة، وبين الأخلاقيّة والقانونيّة باعتبارها أبعادًا أساسيّة للوجود الإنسانيّ. فهو يتمثّل في عمليّة تحوّل أخلاقيّة باطنيّة من الانّيّة إلى الغيريّة. إنّه عقد يجريه الإنسان على نفسه، أو معها، تسكت من خلاله إرادته الجماعيّة إرادته الخاصّة. فيوقف حبّ المصلحة العامّة حبّ المصلحة الشخصيّة. إنّ مفهوم الإرادة العامّة، بهذا المعنى، هو خلق ذاتيّ لطبيعة جديدة في الإنسان، تمكّنه من تجاوز التناقضات المرتبطة بوجوده الاجتماعيّ بين مولاته الذاتيّة وواجباته الاجتماعيّة[13].

قد يبدو المفهوم بهذا الوصف أخلاقيّاً صرفًا، يوافق التعريف الأخلاقيّ للحريّة، سواء منه الأفلاطوني، أم الرواقيّ، أم السبينوزي، بوصفه انضباطًا عقليًّا لقوى النفس تحت هيمنة العقل الجماعي الحكيم، إلاّ أنّ فرادة مفهوم الإرادة العامّة عند روسّو أنّه يمكّن من الوصل بين الطابع الأخلاقيّ الصرف لمفهوم الحريّة، وطابعه السياسيّ الضروريّ. ويجري الأمر عنده عبر الربط الذي ينجزه بين الشعور الجمعي أو الإرادة العامّة والقانون، ينظر هنا إلى القانون بوصفه الأداة التي تمنح الجسد الاجتماعي المتشكّل بالعقد القدرة على البقاء وعلى الحركة. ولذا فهو يرى تعبيرًا عن هذه الإرادة الباحثة عن الحفاظ على نفسها. يتحوّل القانون بهذه الصورة إلى إنتاج فرديّ جماعيّ يريده الإنسان لأنّه أراد الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة الاجتماع، وأراد الحفاظ على هذه الحالة، ولأنّه لا يفقد فيها حريّته الطبيعيّة الأصليّة التي عدّلت صورة تحقيقها في حالة الاجتماع. إنّ الطاقة التحرّريّة للقانون المنتج للإرادة العامّة، تتجاوز كونه الضامن لحريّة كلّ فرد داخل الحريّة الجماعيّة، لتظهر في كونه معبّرًا عن سيادة كلّ واحد اجتماعيّ لأنّه التعبير عن سيادة الإرادة العامّة. ومن ثمّ فطاعته لا تمثّل أيّ تهديد للسيادة الخاصّة، فهي طاعة للإرادة الخاصّة وقد انقلبت إلى إرادة جماعيّة[14].

لا يخفى ما في هذا التوفيق الأخلاقي السياسيّ بين الإرادة الخاصّة والإرادة العامّة من إمكانيّات تأسيسيّة عمليّة للحريّة، وجدها روسّو عبر ربط معيّن بين الإرادة والقانون، ولكنّه توفيق يمكّن من جهة أخرى من تأسيس أخلاقيّ سياسيّ لمفهوم التسامح، يحتفظ فيه بالإرادة، وهي بعد أساسيّ في الحريّة عند نقلها إلى الميدان العمليّ القانونيّ.

وقد يكفي هنا اكتشاف الصلة بين مفهوم الدين المدني المرافق لهذا التأسيس ومفهوم وحدة الحقيقة الدينيّة الذي عدّ عند بعض النقّاد المعاصرين لمفهوم التسامح أهم وسائل تأسيسه، للإقناع بمدى صلاحيّة هذا التأسيس للحريّة لتأسيس التسامح.

ويتبع مفهوم الدين المدني عند روسّو مفهوم الإرادة العامّة من جهة كونه مصطلحاً لا يتعرّف إلاّ بقدر قدرته على حماية طبيعة الإنسان الأصليّة أي حريّته وجماعيّته. ولذلك يركّب روسّو من هذين الشرطين دينًا يحمي حريّة الإنسان بقدر حفاظه على تلاحم المجتمع. وبهذا يجعل روسّو الدين المدنيّ دين الإرادة العامّة، فهو دين فرديّ جماعيّ أهمّ ما يميّزه أنّه يقوم على قداسة الرباط الاجتماعيّ. تتقدّم هذا القداسة جميع القداسات فتصيّره إيمانًا بوحدة الحقيقة الدينيّة[15].

إنّ هذا المعنى للدين الضامن للحريّة في الاجتماع المدني الدولوي، حسب روسّو، يقوم على مبدأ أساسي يعدّه برنار غيّمان بوصفه أبرز نقّاد مفهوم التسامح، أهمّ المبادئ المؤسّسة للتسامح، فانطلاقا من نظرة نقديّة لمختلف المعاني المتصوّرة لمفهوم التسامح، ولمبادئ تأسيسه يميّز غيّمان بين ما يسمّيه تعريفًا سلبيًّا للتسامح، يتمثّل في تسويته بحريّة التعبير عن الرأي، وما يسمّيه تعريفًا إيجابيًّا يتمثّل في احترام الآخر وبذل مجهود في فهمه على اعتبار أنّ حقيقته جزء من الحقيقة الكلّية. ويجد غيّمان في فكرة وحدة الحقيقة الدينيّة واختلاف الأفهام في تمثّلها، أساسا دينيّا ممكنا لتأسيس هذا المفهوم اجتماعيّا. إنّ هذا المبدأ الذي يجده غيّمان في تصوّرات دينيّة متباعدة زمنيًّا في التاريخ، من كليمنت الإسكندريّ (ت215م) وصولاً إلى روني غنون (ت1951)، لا يبعد في الواقع عن المبدأ المتضمّن في تصوّر روسّو للدين المدنيّ. كلاهما يؤسّس أخلاقيًّا واجتماعيًّا الاعتراف بالآخر تماما كالاعتراف بالذات، فيؤسّسان التسامح على الحريّة.

وقد لا تتمتّع نظريّة روسّو في" الحريّة والتسامح بالاستتباع " بكلّ شروط الصلاحيّة النظريّة والتطبيقيّة التي تجعلها أنموذجًا تأسيسيًّا فوق تاريخيّ للحريّة والتسامح، خصوصًا وهي مبنيّة على فرضيّة رئيسيّة هي فرضيّة حالة الطبيعة، إلاّ أنّ قوّتها تكمن في قدرتها على التوفيق بين مجموعة الثنائيّات المكوّنة لجوهر الوجود الإنساني، كثنائيّة الذاتي والموضوعي، والنفسيّ والمادّي، والشخصيّ والجماعي. وهي الثنائيّات التي تبدو في قلب الاحتجاج ما بعد الحداثي على أحاديّة التوجّه الذي سلكته الحداثة العلمويّة، وقادت إلى إفقار الإنسان من المعنى. هذا الوضع الإنسانيّ المعاصر، الذي يتحوّل في حالة الدول العربيّة والإسلاميّة إلى مأزق حضاري عويص، جرّاء تراكبه مع مشاكل بناء الدولة الديمقراطيّة ومعضلات التجديد الدينيّ، يبقي للحلّ الرّوسوي التأسيسيّ للحريّة والتسامح كلّ صلاحيّته التاريخيّة.

 

* بحث منشور في مجلة يتفكرون

 

المراجع

- Article : Tolérance, in André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, Quadrige/P.U.F, 1ère édit., 1991

- Article : Liberté, in Encyclopédie philosophique universelle, T1, P.U.F, 1ère édit., 1990

- Article : Liberté, in André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, Quadrige/P.U.F, 1ère édit., 1991

- Guillemain Bernard, Tolérance, in Encyclopaedia Universalis, S.A. éditions, Paris, 1996

- Levinas Emmanuel, Difficile liberté, Albin Michel, 3eme édit., Paris, 2003

- Locke John, Essai sur l’entendement humain, Pierre Mortier, 3éme édit., Amsterdam, 1735

Et Essai et lettre sur la tolérance, et traité sur le gouvernement civil, Flammarion, 2008

- MillJohn Stuart, système de logique déductive et inductive…, trad. Louis peisse, version numérique par Jean marie Tremblay, collection les classiques des sciences sociales

- MillJohn Stuart, de la liberté, version numérique par Jean marie Tremblay, collection les classiques des sciences sociales

- RAWLS John, in F. Chatelet, E. Pisier, O. Duhamel, Dictionnaire des œuvres politiques,

P.U.F, 1ere édition, 1986

- RedissiHamadi, le paradoxe de la tolérance en islam contemporain, in Monothéismes et modernités, OROC et Fondation Naumann, (colloque de Carthage), 1986

- Ricoeur Paul, Liberté, in Encyclopaedia Universalis, S.A. éditions, Paris, 1996

- Rousseau Jean-Jacques, Du contrat social, Cérès Editions, Tunis, 1994

- Zarka Yves CHarles, et Fleury Cynthia, Difficile tolérance, P.U.F., 1ere édit., Paris, 2004

الهوامش

[1]راجع تعدّد تعريفات التسامح والحريّة في مختلف الموسوعات المختصّة التي أفردت لكليهما مقالا مركّزا مجمّعا لتعريفاتهما، وفي هذا السياق يمكن التعرّف على مختلف تعريفات التسامح بنظرة إدماجيّة بين المقالين المخصّصين له في معجم لالاند الفلسفي، وفي موسوعة "أنيفرساليس"، أمّا مفهوم الحريّة ففي الموسوعة الفلسفيّة الكونيّة، وفي موسوعة "أنيفرساليس"، وفي معجم لالاند، من المقالات أو الموادّ ما يفي بهذا الغرض.

راجع فيما يخصّ مفهوم التسامح:

- Article : Tolérance, in André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, Quadrige/P.U.F, 1ère édit., 1991, V2, p-p 1133-1138

- Bernard Guillemain, Tolérance, in Encyclopaedia Universalis, S.A. éditions, Paris, 1996, corpus 22, p-p 712-714

وفيما يخصّ مفهوم الحريّة:

- Paul Ricoeur, Liberté, in Encyclopaedia Universalis, S.A. éditions, Paris, 1996, corpus 13, p-p 729- 735

- Article : Liberté, in Encyclopédie philosophique universelle, T1, P.U.F, 1ère édit., 1990, p-p 1470- 1480

- Article : Liberté, in André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, Quadrige/P.U.F, 1ère édit., 1991, V1, p-p 558- 567

[2] راجع في هذا السياق الاعتراض الممكن على التعريف (a) للحريّة في مقال لالاند السابق حول الحريّة، ص 365، والاعتراضات الممكنة على تعريف غوبلو للتسامح، بمقابلتها بآراء كوندورسي، وماريبو، ورنوفيي في الموضوع، في مقال لالاند السابق حول التسامح، ص 1133-1136

[3] العبارتان: "حريّة صعبة"، و "تسامح صعب" اقتباس معرّب لعنواني كتابين مختصّين في موضوعي الحريّة والتسامح، هما على التوالي:

Yves Charles Zarka, et Cynthia Fleury, Difficile tolérance, P.U.F., 1ere édit., Paris, 2004

Emmanuel Levinas, Difficile liberté, Albin Michel, 3eme édit., Paris, 2003

[4]Hamadi Redissi, le paradoxe de la tolérance en islam contemporain, in Monothéismes et modernités, OROC et Fondation Naumann, (colloque de Carthage), 1986, p- p 225- 257, p 239

[5] راجع، حول الأفكار السابقة:

John Locke, Essai sur l’entendement humain, Pierre Mortier, 3éme édit., Amsterdam, 1735

Et Essai et lettre sur la tolérance, et traité sur le gouvernement civil, Flammarion, 2008

[6] مقال الموسوعة الفلسفيّة الكونيّة، السابق حول الحريّة، ص1471

[7] راجع أيضا نقدا لهذا التصوّر الماديّ الفيزيائي الإمبيريقي للحريّة الذي يتبنّاه جون لوك،في تجاهله لحريّة الإرادة، مقال الموسوعة الفلسفيّة الكونيّة السابق حول الحريّة، ص 1471

[8]John Stuart Mill, système de logique déductive et inductive…, trad. Louis peisse, version numérique par Jean marie Tremblay, collection les classiques des sciences sociales, livre 6, chap.2, S3, p15

[9]John Stuart Mill, de la liberté, version numérique par Jean marie Tremblay, collection les classiques des

Sciences sociales, introduction, p-p 5-14

[10] John Rawls, in F. Chatelet, E. Pisier, O. Duhamel, Dictionnaire des œuvres politiques, P.U.F, 1ere édition, 1986, p-p 971- 982

نتحدّث هنا عن الحريّة والتسامح بالمعنى المقصود فيما يسمّيه بول ريكور مستوى الخطاب الثاني للحديث عن الحريّة، وهو مستوى الحريّة المعقلنة الذي يمثّله في نظره هيغل في قوله التالي: "مجال الحقّ هو الرّوحانيّ بصفة عامّة. وفي هذا المجال قاعدته الصرف ونقطة بدايته هي الإرادة التي هي حرّة، إلى درجة أنّ الحريّة تمثّل مادّته وغايته، وأنّ منظومة الحقّ هي امبراطوريّة الحريّة المنجزة، فعالم الفكر ينتج ما يشبه الطبيعة الثانية انطلاقا من نفسه". يعلّق ريكور على مفهوم الحريّة في فلسفة هيغل للحق بقوله، إنّ المثال القانونيّ للعقد الذي يبدأ به فلسفته للحق، يبيّن أنّ الحريّة الاعتباطيّة تتحوّل إلى حريّة مفكّر فيها، عندما تتواجه إرادتان حول موضوع واحد، وتعترف كلّ واحدة منهما بالأخرى، وتكوّنان إرادة مشتركة. وهكذا فبالتزامهما الواحدة تجاه الأخرى، فإنّ الإرادتين تترابطان فتصبحان حرّتين بمعنى جديد، ليس هو القدرة على الفعل، وإنّما القدرة على الاستقلال عن الرّغبات والاعتراف بمعيار.

Paul Ricœur, Liberté, op.cit., p732

[11] يقول روسّو في مستهلّ الفصل الأوّل، من الكتاب الأوّل، من عقده الاجتماعيّ: "رغم أنّ الإنسان ولد حرّا، فإنّه في كلّ مكان قابع في الأغلال...فأمّا كيف حدث هذا التحوّل، فإنّي جاهل بذلك. وأمّا ما يجعله شرعيّا فإنّي أظنّ أنّني قادر على حلّ هذا السؤال."

Jean-Jacques Rousseau, Du contrat social, Cérès Editions, Tunis, 1994, p 7

[12] يقول روسّو: إنّ الانتقال إلى حالة الاجتماع يتمّ عندما يوظّف كلّ فرد قوّته للحفاظ على حالة الاجتماع ضدّ القوى التي تشدّه إلى حالة الطبيعة، ولكن بما أنّ البشر لا يستطيعون خلق قوى جديدة فيهم، وإنّما حسبهم أن يوجّهوا قواهم الموجودة فيهم ويوحّدوها، فليس بمقدورهم للحفاظ على حالة الاجتماع إذن، إلاّ أن يجعلوا هذه القوى تتّجه وجهة واحدة تجمعهم. ولكنّ الإشكال كيف يوجّه الإنسان الحريّة والقوّة بوصفهما وسيلتيه الأوّلتين للحفاظ على وجوده، دون أن يضرّ بنفسه؟ هذه الصعوبة يمثّل حلّها مشروع العقد الاجتماعيّ، ويتمثّل في " العثور على شكل للاجتماع يدافع فيه بكل القوّة الجماعيّة عن الفرد وعن خير كلّ شريك، بطريقة تجعل كلّ واحد –وهو يتّحد بالكلّ-لا يخضع إلاّ لنفسه، ويبقى حرّا كما كان شأنه سابقا. هذا هو المشكل الأساسيّ الذي يقدّم العقد الاجتماعيّ حلّه". المرجع السابق، الكتاب الأوّل، الفصل السادس، ص16

[13] يقول روسّو: "إنّ هذا الانتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنيّة يحدث في الإنسان تغيّرا جدّ ملحوظ، وذلك بإبدال الفطرة في سلوكه بالعدالة، وبأن يضفي على أفعاله الصبغة الأخلاقيّة التي كانت تفتقر إليها هذه الأفعال في الأصل. وهنا فقط عندما يعوّض صوت الواجب الانفعال الجسديّ، ويعوّض الحقّ الشراهة، يجد الإنسان، الذي لم ينظر سابقا إلاّ إلى نفسه، يجد نفسه مجبرا على التصرّف حسب مبادئ مختلفة، وعلى الإنصات إلى عقله بدل ميولاته."، المرجع السابق، الكتاب الأوّل، الفصل الثامن، ص21

[14] يراجع حول الأفكار السابقة، المرجع السابق، الكتاب الثاني، الفصل الأوّل، ص29-30، والفصل السادس، ص-ص 39-42

[15] انظر حول مفهوم الدين المدني عند روسّو، المرجع السابق، الكتاب الرابع، الفصل الثامن، ص-ص134-144

المصدر: http://www.mominoun.com/arabic/ar-sa/articles/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D...

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك