تكفير الشيعة لمخالفيهم؛ أهل السنة أنموذجاً

 رمضان الغنام

من المسائل العظيمة التي ابتليت بها الأمة الإسلامية منذ أزمنة بعيدة، وكان لها أثرها السيئ على الفرد المسلم والأمة الإسلامية بصفة عامة مسألة التكفير، واستسهال بعض الطوائف وبعض الأفراد الولوغ فيه، بإطلاق ألفاظ التكفير على أهل التوحيد، بل وتطبيق لوازم هذا الإطلاق- من وجهة نظر هذا المُكفر- من استحلال الدم والمال بل والعرض في كثير من الأحيان.

والشيعة من أكثر الفرق ولوغاً في هذا الأمر، ولهذا فهم يكفرون كل من خالفهم من المسلمين، كما توسعوا في المكفرات، وأدخلوا فيها كثيراً من بدعهم وأباطيلهم المرتبطة بمذهبهم أصولاً ما أنزل الله بها من سلطان.

وقبل البدء في الحديث عن مسألة التكفير بين أهل السنة والشيعة الإمامية يحسن بنا التأكيد على أمر هام، وهو أن التكفير حكم شرعي، لا كما يشنع المشنعون على كل من يذكر كفر كافر.

لكن هذا لا يعني الاستسهال في التكفير، فأهل السنة- رغم تشددهم في مسألة تكفير الغير- يؤكدون على وجوب اعتقاد كفر كل من لم يؤمن بالله إلهاً ورباً، وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً، وبالقرآن الكريم وحياً وتنزيلاً.

يقول القاضي عياض في كتاب الشفاء عند ذكره لما هو كفر بالإجماع: "ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو توقف منهم أو شك أو صحح مذهبهم، وإن أظهر الإسلام واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه فهو كافر بإظهار ما أظهر من خلاف ذلك"(1).

وليس معنى الحذر من تكفير الغير التغاضي عن كفره إن كان متحققاً، لكن ذلك من وظيفة العلماء المدققين، لا أهل الأهواء والبدع والتعصب، فالجرأة على تكفير الغير هلاك وفساد وتعدي؛ لأن الكفر حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فالتكفير حكم شرعي لا يجوز إنكاره إن ثبت في حق الغير، وإنما الخطأ والخلل يكمن في التعدي فيه والاستسهال، كما نرى عند أهل البدع وعلى رأسهم الشيعة الاثنا الإمامية.

أما أهل السنة فهم أبعد الناس عن التكفير وأشدهم في الاحتياط فيه، يقول الشوكاني رحمه الله تعالى: "اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدم عليه، إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن (من قال لِأَخِيهِ يا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بها أَحَدُهُمَا)"(2).

ثم قال: "ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير"(3).

والأدلة على تشدد أهل السنة في مسألة التكفير وخوفهم من الاستسهال فيه كثيرة، وقد سبق لي أن ذكرتُ نتفاً منها في مقال لي تحت عنوان (جريمة الاستسهال في التكفير) فعليه فلا يلزم هنا تكرار ما ذكرته في هذه المسألة، محيلاً القارئ الكريم على هذا المقال.

أما الشيعة فكتبهم تعج بالحديث عن تكفير الغير، سيما أهل السنة والجماعة، فبالرغم من ادعائهم- ليل نهار- أن مذهب أهل السنة مذهب تكفيري إلا أن الناظر في مقولاتهم وكتاباتهم وأفعالهم يقطع بما لا مجال فيه للشك بأن التشيع ما قام إلا على التكفير، ولولا تكفيرهم المسلمين لما كان لتشيعهم معنى، ولا لمذهبهم أثر، ولا لعمائمهم مريدين وأتباع.

فالفكر الشيعي فكر يغذي أتباعه على الاستعلاء على المسلمين وتكفيرهم بل وسلبهم أموالهم والتعدي على حرماتهم وعوراتهم، متذرعين بعقيدة الاصطفاء التي اشتركوا فيها مع اليهود، فاليهود ادعوا أنهم شعب الله المختار، وأن ما دونهم من الأمم عبيد لهم وخدم لمشروعهم. والشيعة رؤوا في جماعتهم جماعة مختارة مصطفاة دون غيرهم من البشر.

ولهذا فهم يكفرون كل من لم ينص على إمامة علي- رضي الله عنه- من المسلمين، والنص على الإمامة ليس كما يبدو من ظاهر الكلام، أنه الشهادة بخلافته- رضي الله عنه- وإمامته في الدين، وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، بل الأمر- عند الشيعة- أكبر من ذلك.

فمن لوازم هذا التنصيص وتلك الشهادة التبرؤ ممن اعتدى واغتصب الخلافة- بحسب معتقدهم- وعليه فالشيعي الحق معصوم الدم هو من يتبرأ من الخلفاء الثلاثة: (أبو بكر وعمر وعثمان) رضي الله عن الجميع. وإلا فلماذا يكفر الشيعة أهل السنة رغم اعترافهم بإمامة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.

فعن الباقر يروي الشيعة قوله: (إن الله عز وجل نصب علياً عليه السلام علماً بينه وبين خلقه، فمن عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً، ومن جهله كان ضالا، ومن نصب معه شريكا كان مشركاً، ومن جاء بولايته دخل الجنة)(4).

ومن الروايات التي تجعل من معرفة الإمام شرطاً من شروط صحة الإيمان قولهم على لسان أئمتهم: "نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يسع الناس إلا معرفتنا، ولا يعذر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً، حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء"(5).

وقد كان لأهل السنة– ويسمونهم الشيعة بالنواصب- نصيب الأسد في هذه الهجمة التكفيرية من قبل الشيعة، ولشيخهم البحراني جمع جيد لمقالات أئمتهم المكفرة لأهل السنة، يقول في الحدائق الناضرة: "تمام تحقيق القول في هذا الفصل يتوقف على رسم مسائل: (الأولى) المشهور بين متأخري الأصحاب هو الحكم بإسلام المخالفين وطهارتهم، وخصوا الكفر والنجاسة بالناصب كما أشرنا إليه في صدر الفصل وهو عندهم من أظهر عداوة أهل البيت (عليهم السلام)، والمشهور في كلام أصحابنا المتقدمين هو الحكم بكفرهم ونصبهم ونجاستهم، وهو المؤيد بالروايات الإمامية.

قال الشيخ ابن نوبخت (قدس سره)، وهو من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت: دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا، ومن أصحابنا من يفسقهم..الخ.

وقال العلامة في شرحه أما دافعوا النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى تكفيرهم؛ لأن النص معلوم بالتواتر من دين محمد (صلى الله عليه وآله)، فيكون ضرورياً أي معلوماً من دينه ضرورة، فجاحده يكون كافراً كمن يجحد وجوب الصلاة وصوم شهر رمضان، واختار ذلك في المنتهى، فقال في كتاب الزكاة في بيان اشتراط وصف المستحق بالإيمان ما صورته: لأن الإمامة من أركان الدين وأصوله، وقد علم ثبوتها من النبي (صلى الله عليه وآله) ضرورة، والجاحد لها لا يكون مصدقاً للرسول في جميع ما جاء به فيكون كافرا. انتهى.

وقال المفيد في المقنعة: ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يُغسل مخالفاً للحق في الولاية ولا يصلي عليه. ونحوه قال ابن البراج.

وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل عبارة المقنعة: الوجه فيه أن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل"(6).

وعبارات أئمة الشيعة في تكفير النواصب- أهل السنة- كثيرة جداً، ولا يمنع تعميتهم بذكر لفظ النواصب أن مقصود تكفيرهم يلزم أهل السنة، وأوضح دليل على ذلك تكفيرهم المباشر والصريح لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمتهم الصديق والفاروق وذو النورين رضي الله عنهم أجمعين.

ويؤكد ذلك قول صاحب كتاب: "المحاسن النفيسة في أجوبة المسائل الخراسانية": "بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيًّا... ولا كلام في أن المراد بالناصبة فيه هم أهل التسنن..."(7).

وقال في موضع آخر: "على أنك قد عرفت سابقاً أنه ليس الناصبي إلا عبارة عن التقديم على علي عليه السلام غيره"(8).

ويقول الشيعي علي آل محسن: "وأما النواصب من علماء أهل السنة فكثيرون أيضا، منهم ابن تيمية، وابن كثير الدمشقي، وابن الجوزي، وشمس الدين الذهبي، وابن حزم الأندلسي... وغيرهم"(9).

وفي ختام هذا المقال يحسن بنا الوقوف على مجمل كلام أهل السنة في مسألة تكفير الشيعة، وقد لخص هذا الموقف الدكتور غالب عواجي في كتابه الماتع فرق معاصرة، يقول: "الشيعة ليسوا جميعاً على مبدأ واحد في غير دعوى التشيع، فمنهم الغلاة الخارجون عن الملة بدون شك، ومنهم من يصدق عليهم أنهم مبتدعون متفاوتون في ابتداعهم، فبعضهم أقرب من البعض الآخر..."(10).

ثم يقول: "اتضح أن الشيعة عندهم مبادئ ثابتة في كتبهم المعتمدة، قررها رجالاتهم المعتبرون قدوة في مذاهبهم، من قال– ولو ببعض من تلك المبادئ- فلا شك في خروجه عن الملة الإسلامية، ومنها:

أ- قولهم بتحريف القرآن وأنه وقع فيه الزيادة.

ب- غلوهم في أئمتهم وتفضيلهم على سائر الأنبياء.

ج- غلوهم في بُغض الصحابة ممن شهد الله لهم بالفوز والنجاة، كأبي بكر وعمر وعثمان وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وحفصة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وردهم شهادة أم المؤمنين رضي الله عنها، وبقاؤهم على عداوتها وإفكهم عليها، واعتبارها عدوة وليست بأم.

د- قولهم بالبداء على الله تعالى، وقد تنزه الله عن ذلك.

ومواقف أخرى يصل خلافهم فيها إلى سلب العقيدة الإسلامية من جذورها في كل قلب تشبع بها.

وأما من لم يقل بتلك المبادئ، وكان له اعتقادات أخرى لا تخرجه عن الدين، فإنه تقام عليه الحجة ثم يحكم عليه بعد ذلك حسب قبوله الحق أو ردّه له(11).

فشتان بين حكم يحكمه الهوى كحكم الشيعة الإمامية على أهل السنة بالكفر والمروق لمجرد تقديمهم لأبي بكر وعمر علي علي رضي الله عن الجميع، وبين حكم أهل السنة المنضبط المبني على أصول إسلامية واعتقادية صحيحة لا هوى فيها ولا حظ نفس..

فاللهم أهدِ الشيعة، وردهم إلى دينك، وانصر أهل التوحيد العاملين بالقرآن والسنة، المدافعين عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، الموقرين لزوجاته وأمهات المؤمنين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) كتاب الشفا: (2/238).

(2) متفق عليه، البخاري (5753)، ومسلم (60)، ولفظه في البخاري: (أَيُّمَا رَجُلٍ قال لِأَخِيهِ يا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بها أَحَدُهُمَا).

(3) السيل الجرار: (4/578).

(4) الكافي للكليني: (1/438).

(5) الكافي للكليني: (1/187).

(6) الحدائق الناضرة- المحقق البحراني: (5/176).

(7) المحاسن النفيسة في أجوبة المسائل الخراسانية- البحراني: (ص:147).

(8) المرجع السابق: (ص:157).

(9) كشف الحقائق: (ص:249).

(10) فرق معاصرة- غالب عواجي: (1/264).

(11) المرجع السابق، نفس الصفحة، بتصرف.

المصدر: http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=8680&mot=1

الأكثر مشاركة في الفيس بوك