المؤتمر الدولي حول الإرهاب، تونس، 15-17 نوفمبر 2007
المؤتمر الدولي حول الإرهاب، تونس، 15-17 نوفمبر 2007
المؤتمر الدولي حول الإرهاب: الأبعاد والمخاطر وآليات المعالجةالجدول الزمني
النتائج الختامية لرئاسة المؤتمر
انعقد المؤتمر الدولي حول "الإرهاب : الأبعاد والمخاطر وآليات المعالجة" بمدينة تونس من 15 إلى 17 نوفمبر 2007، تحت الرعاية السامية لفخامة الرئيس زين العابدين بن علي، رئيس الجمهورية التونسية. وقد نظم المؤتمر بشكل مشترك بين الأمم المتحدة (إدارة الشؤون السياسية)، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون في كلمته الافتتاحية إلى أن المؤتمر يسعى إلى تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، التي اعتمدتها الجمعية العامة بالإجماع في سبتمبر/ أيلول 2006 (قرار 60/288).
إن الرؤية والمقترحات البناءة التي جاءت في الخطاب الافتتاحي السامي لفخامة الرئيس زين العابدين بن علي، رئيس الجمهورية التونسية، تشكل مرجعية أساساً للمؤتمر، إضافة إلى الكلمات الافتتاحية لكل من معالي السيد بان كي مون، والأمين العام للأمم المتحدة معالي السيد أكمل الدين إحسان أوغلي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومعالي الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو-،
ويفيد الرأي السائد لدى جميع المشاركين في المؤتمر أن الإرهاب والتطرف يشكلان تهديدا لسلام وأمن واستقرار جميع الدول والشعوب. فلا مبرر للإرهاب أيا كانت المسوغات التي يوظفها الإرهابيون لتبرير أفعالهم. وفي هذا الصدد، تم التأكيد على ضرورة فهم الإرهاب في سياقه السياسي والديني والتاريخي والثقافي الخاص. فالمعاناة من الإرهاب تختلف من مجتمع إلى آخر نظرا لتنوع دوافعه. ومع ذلك، فهناك حاجة ملحة لدى جميع بلدان العالم إلى الوقاية من الجرائم الإرهابية والقضاء عليها، ومعالجة الظروف المساعدة على تفشي الإرهاب في كل بلد على حدة.
لقد أكد الرئيس زين العابدين بن علي على الضرورة الملحة لمواجهة انتشار الإرهاب وفق منظور عالمي، لاسيما أن "الإرهاب تحول في العصر الحديث إلى آفة عابرة للقارات، تربك العلاقات الدولية وتهدد الأمن والاستقرار في العالم". فالإرهابيون يستغلون مواطن الضعف والمظالم التي تساهم في انتشار التطرف على الصعيد المحلي، كما يقيمون روابط سريعة على الصعيد الدولي. وبالنظر إلى أن تضافر الجهود الوقائية تعد أنجع معالجة لمشكلة الإرهاب، فقد سعى المؤتمر إلى (أ) تحديد "مواطن الضعف" التي يستغلها الإرهابيون في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية، (ب) وأوصى بإيجاد حلول مناسبة لهذه الظاهرة، (ج) وتصحيح الأفكار المغلوطة حول الإسلام.
وفي إطار الأهداف المشار إليها أعلاه، ركز المؤتمر على خمسة محاور هي : الظروف المساعدة على تفشي ظاهرة الإرهاب؛ والتصدي للصور النمطية وتعزيز الحوار بين الأديان؛ والتربية من أجل الوقاية من الإرهاب؛ والحوار بين الثقافات والحضارات ودورهما في مكافحة الإرهاب؛ ودور المؤسسات الدولية والمختصة في مكافحة الإرهاب. وقد تبين من خلال المناقشات أن الاقتصار على الحلول الجزائية لن يجدي في مواجهة مخاطر الإرهاب المتنوعة. فالحاجة إلى مقاربة شاملة وجماعية تشترك في بلورتها جميع الحكومات تدعو بشكل ملح إلى تضافر الجهود الرامية إلى معالجة الظروف المساعدة على تفشي ظاهرة الإرهاب. وكما أشار البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فهناك حاجة إلى مزيد من الاهتمام بالتصدي "للحملات التشهيرية التي تسعى إلى استعداء حضارة ما ضد حضارة أخرى، بما يؤجج بواعث العنف والكراهية والتطرف، ويؤدي بالتالي إلى الإرهاب".
بالإضافة إلى ذلك، يرى المشاركون أن الإرهاب ينمو في ظل الاستياء والإقصاء والفقر والقمع السياسي وانتهاك حقوق الإنسان، وفي ظل النزاعات الإقليمية ويستفيد من ضعف قدرة الدول على إنفاذ القانون وحفظ النظام. إن الإرهابيين يستغلون مواطن الضعف هذه لتجنيد مزيد من الأفراد وتبرير العنف. ولا يمكن ربط الراديكالية السياسية والتطرف بأي دين من الأديان لأن العقيدة الدينية قد تكون "وسيلة للاستقطاب" وليست سببا مباشرا. فالإرهاب لا يتسبب فيه الإسلام ولا أي دين من الأديان التي تم الربط بينها وبين الأعمال الإرهابية. وكما أبرز عدد من المشاركين، فإن جماعات مختلفة في عدد من بقاع العالم تستخدم أساليب إرهابية في سعيها لتحقيق أهداف مختلفة لا علاقة لها بالصورة الحقيقية للإسلام أو أية ديانة أخرى. واقترح المشاركون في هذا الباب معالجة البواعث التي تهيئ البيئة المنتجة للإرهاب عن طريق إيجاد حلول محلية تشمل الفئات الشعبية أيضا.
إن الفراغ الذي يعيشه عدد من الشباب بسبب الفقر والإقصاء الاجتماعي والسياسي سرعان ما تملؤه الإيديولوجيات المتطرفة المرتبطة بالعنف السياسي والإرهاب. وقد تم التشديد في هذا الجانب على الضرورة الملحة إلى البحث في العوامل النفسية والسلوكية المؤدية إلى ذلك، وكيفية تشجيع الشباب المهدد على إيجاد حلول بديلة للمشكلات التي تواجههم.
وقد أقر المؤتمر أن الإرهاب الدولي قد مس بسمعة المسلمين رغم أن عددا من دول العالم الإسلامي تعتبر من ضحاياه. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تنامي ظاهرة الخوف من الإسلام، التي حالت دون فهم الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين. ويتجلى تنامي هذه الظاهرة في انتشار التصورات المغلوطة والمعلومات الخاطئة عن الإسلام، من جهة، وإلى عدم التسامح والتمييز ضد المسلمين، من جهة أخرى. وكما أكدت منظمة المؤتمر الإسلامي، فالمجتمع الدولي مطالب بمناهضة الحملات التشهيرية ضد الإسلام والمسلمين لتفادي انتشار ظاهرة الخوف من الإسلام، التي تسعى إلى التفرقة بين الحضارات، وهو وضع أصبح شكلا جديدا للتمييز ضد المسلمين.
إن بروز جماعات منحرفة تنسب تصرفاتها إلى الإسلام بعدما زاغت عن الطريق القويم نحو التعصب والعنف والتطرف لا يبرر بأي شكل من الأشكال ربط هذه الظاهرة بالعقيدة الإسلامية. فالإسلام الحقيقي دين قائم على الوسطية ونبذ الغلو وتكريس قيم المساواة والعدل والسلام والإخاء. فهو يدعو إلى التسامح واحترام الديانات الأخرى، كما يدعو إلى السلام والتفاهم. وبالتالي، فإن الحوار المتكافئ بين الأديان والحضارات يجب أن يوضع ضمن أهم الأولويات. إن الهدف الأسمى من الحوار كما قال الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للإيسيسكو يتمثل في الدفاع "عن القيم الإنسانية المشتركة ومبادئ السلام وحقوق الإنسان والتسامح والمواطنة والديمقراطية والتربية من أجل مكافحة الإرهاب". وقد دعا المؤتمر في هذا السياق إلى مزيد من التقارب والتواصل بين الأمم والمجتمعات انطلاقا من الوعي بأن القيم الأساس المشتركة بين جميع الأديان هي التراحم والتضامن والاحترام المتبادل.
وقد أقر المشاركون بضرورة التخلي عن الصور النمطية والتعميمات والأفكار المسبقة، والعمل على ألا تؤدي الجرائم التي يرتكبها أفراد أو جماعات صغيرة إلى تعميم هذه الصورة على شعب أو منطقة أو دين. كما تمت الإشارة بشكل خاص إلى أن الاستخدام المسؤول لوسائل التواصل ذات التأثير القوي مثل الأنترنيت ووسائل الإعلام والتعليم (مثل التعليم الديني) يساهم في إزالة حواجز التصورات المغلوطة. وقد دعا المؤتمر إلى تطوير البرامج التعليمية ليس فقط حول الإسلام أو المسيحية أو اليهودية بل حول جميع الأديان والتقاليد والثقافات حتى تنجلي الأوهام وينكشف زيف الحقائق المشوهة. كما دعا إلى توفير الفرص للشباب عبر إعطائهم بديلا حقيقيا عن الحملات المروجة للكراهية والتطرف.
وشدد المؤتمر على أن الحوار بين الحضارات يجب أن يقوم على أساس الاحترام المتبادل والتفاهم والتكافؤ بين الأمم والشعوب وهذا شرط أساسي للعيش في عالم يسوده التسامح والتعاون والسلام والثقة بين الأمم. ودعا إلى مكافحة التطرف الديني، كما أكد على ضرورة تعميق الحوار وتعزيز الاعتدال والتسامح. وإذا كان من اللازم الحفاظ على حرية التعبير فلا يجب استغلالها في نشر الكراهية والإساءة إلى معتقدات الشعوب وثقافاتها ورموزها الدينية. وكما أشار إلى ذلك فخامة الرئيس بن علي، فإن التطور الاتصالي والتكنولوجي الهائل الذي زاد في تعاظم دور المثقفين والإعلاميين ودور الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية والاتحادات المهنية من شأنه أن يسهل نشر قيم الحرية والعدالة والتوافق والتسامح في المجتمعات، وذلك من خلال تكريس القيم العالمية المشتركة كسلاح ضد كل أشكال الغلو والتعصب والعنصرية.
وقد رحب المؤتمر بمواصلة العمل من أجل تحالف الحضارات من خلال عقد المنتدى الأول لتحالف الحضارات بمدريد في شهر يناير 2008 الذي من المنتظر أن يعلن عن مبادرات جديدة في هذا المجال وتعزيزها بعقد جلسات عمل متخصصة. إن معالجة تنامي ظاهرة التطرف والانقسام يستدعي تعاونا وثيقا وإقامة علاقات تضامن قوية ين جميع الشركاء. وفي هذا السياق، أقر المشاركون في المؤتمر بناء مجتمعات أكثر اندماجاً وتعددية، مع الحرص على مد جسور التفاهم والاحترام بين الشعوب والمجتمعات.
واسترشاداً باستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب التي اعتمدتها الجمعية العامة في شهر سبتمبر/أيلول 2006 (قرار 60/288)، فقد رحب المؤتمر بضرورة اتخاذ تدابير تهدف إلى معالجة أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب. وفي هذا الصدد، أكد المشاركون على أهمية تنفيذ برامج تهدف إلى التخفيف من حدة الفقر والبطالة وتعزيز التنمية وخطط الإدماج الاجتماعي.
وكما أكد الرئيس بن علي فإن أنجع علاج للإرهاب هو "العلاج الوقائي الذي يبدأ بالقضاء على الأسباب الدافعة إلى ظهور الإرهاب والظروف المهيئة لانتشاره بالاعتماد أساسا على تطوير حياة الإنسان اليومية نحو الأفضل، وذلك بنشر التعليم والثقافة، والنهوض بأوضاع المرأة والشباب وتكريس حقوق الإنسان، وتوسيع مجالات الاستشارة والمشاركة، ومكافحة الفقر، وإشاعة التنمية الشاملة المستديمة بين كل الفئات والجهات".
وقد حصل توافق عام على أن تواصل الأمم المتحدة والإيسيسكو ومنظمة المؤتمر الإسلامي تعاونها الوثيق من أجل توفير المعلومات وتطوير البرامج التي تعزز التسامح والتفاهم بين الحضارات والثقافات والشعوب والأديان.
كما شدد المؤتمر على أن مكافحة الإرهاب يجب أن تتم في إطار احترام العهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وحسب ما أشار إليه الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للإيسيسكو، فإن "الاعتراف بقيم الحق في الحياة الحرة الكريمة مسؤولية أخلاقية مشتركة للإنسانية جمعاء، تستوجب اتخاذ تدابير عادلة ووضع استراتيجيات ملائمة من أجل إيجاد محيط يسمح ببناء علاقات إنسانية متوازنة". ولذلك فإن من الضروري العمل على إزالة الأسباب المؤدية إلى ترسيخ الشعور بالظلم والإقصاء والإحباط. وقد أكد المشاركون على الحاجة إلى تنفيذ سياسات مكافحة الإرهاب وأي عمل في هذا الباب في إطار الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والاحترام الكامل للمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون.
وعلى جميع المؤسسات الدولية بما فيها المنظمات الإقليمية والوكالات المتخصصة في منظومة الأمم المتحدة، أن تضطلع بمهامها بما يساهم في تعزيز الجهود الرامية إلى القضاء على الإرهاب ومعالجة الظروف المساعدة على تفشيه.
ورحّب المشاركون في المؤتمر مع التقدير بدعوة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية إلى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لوضع استراتيجية دولية لمكافحة الإرهاب ومعالجة أسبابه وإعداد مدونة سلوك في هذا المجال، وبدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى إنشاء مركز دولي متخصص في مكافحة الإرهاب.
وأعرب المشاركون عن الأهمية البالغة التي تميز بها هذا المؤتمر الذي يعد خطوة عملية ملموسة في طريق تنفيذ الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب وتعزيز التفاهم بين الأمم والثقافات. كما عبروا عن أملهم في تعميق ما دار بينهم من حوار بناء بعد العودة إلى بلدانهم ومؤسساتهم ومجتمعاتهم، حيث ستساهم الأفكار والدروس المستخلصة من هذا الحوار في دعم التسامح والاعتدال وفي تعزيز التفاهم بين المجتمعات والأديان. وفضلا عن ذلك، دعا المشاركون إلى الاستمرار في عقد مثل هذه اللقاءات التي من شأنها تسهيل التواصل بين ممثلي مختلف المجتمعات والثقافات
وفي ختام المؤتمر توجه المشاركون ببالغ الشكر والامتنان إلى سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية على رعايته السامية لهذا المؤتمر وعلى كريم الضيافة وحسن الوفادة وعلى ما قدمته الحكومة التونسية من تسهيلات كبيرة لإنجاح أعمال المؤتمر.
كما توجّهوا بالشكر والتقدير إلى الجهات المنظمة لهذا المؤتمر.
المصدر: http://www.isesco.org.ma/arabe/dialogue/tunis2007/Terrorism2007.php?page=/الصفحة الرئيسية/حوار الحضارات